تشریع الاسلامی، مناهجه و مقاصده جلد 7

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

تشریع الاسلامی، مناهجه و مقاصده - جلد 7

سید محمد تقی مدرسی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

الأول : عجز المريض عن اداء المهام القتالية .

الثاني : تضرر المريض من الخروج الى القتال بما يتسبب في انتشار مرضه او تباطئ برءه وما أشبه .

وهكذا ينبغي جعل القاعدة الكلية في تحديد نوع المرض ودرجته "قاعدة نفي الحرج"، والتي يستنبط منها قاعدة " نفـي الضـرر " ، حيث اشارت آية أخرى اليها بقوله سبحانه : « غَيْرُ اُوْلِي الضَّرَرِ» ( النساء/95).

2/ وأول عنوان أسقط الكتاب به الجهاد ، عنوان "الضعفاء" . فمن هم هؤلاء ؟

يبدو ان الطفل الصغير ، والشيخ الكبير يدخلان في هذا العنوان . أما المرأة والعبد فقد يدخلان ايضاً تحت عنوان الضعفاء .

ومن هنا قال المحقق الحلي : فلا يجب (الجهاد) على الصبي ، ولا على المجنون ، ولا على المملوك ، ولا على المرأة ، ولا على الشيخ الهمِّ . ([56])

وقد حكى العلامة النجفي عدم الخلاف على ما ذكره . وأضاف فيما يرتبط بالصبي والمجنون ؛ ان الاجماع بقسميه عليه . واعتبر في المختلف ان العبد من الضعفاء ، لانه لايملك . ([57])

ولكن حكي عن الاسكافي ، عدم اشتراط الحرية ، واستدل له بالحديث المرسل التالي:

إن رجلاً جاء الى أمير المؤمنين عليه السلام ليبايعه ، فقال : يا أمير المؤمنين ابسط يدك ابايعك على ان ادعو لك بلساني ، وأنصحك بقلبي ، واجاهد معك بيدي . فقال عليه السلام: حرّ أنت أم عبد ؟ فقال : عبد . فصفق أمير المؤمنين عليه السلام يده فبايعه . ([58])

3/ واستدل على سقوط الجهاد عن المرأة بالحديث المأثور عن الامام أمير المؤمنين عليه السلام : كتب الله الجهاد على الرجال والنساء ؛ فجهاد الرجل بذل ماله ونفسه حتى يقتل في سبيل الله ، وجهاد المرأة ان تصبر على ما ترى من اذى زوجها وغيرته (عشرته) . ([59])

وجاء في حديث مأثور عن الامام أمير المؤمنين عليه السلام ايضاً انه قال : ليس على العبيد جهاد ما استغنوا عنهم ، ولا على النساء جهاد ، ولا على من لم يبلغ الحلم . ([60])

وروى السيد علي بن طاووس عن الامام الحسين عليه السلام أنه قال : فإن الجهاد مرفوع من النساء . ([61])

ويمكن ان يستدل على سقوط الجهاد عن المرأة بقوله سبحانه : « إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَآءُ رَضُوا بِاَن يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لايَعْلَمُونَ » (التوبة/93) ، والخوالف النساء .

والمتفق من سيرة المسلمين عدم قيام النساء بمهمة القتال ، ولكن لاتدل هذه السيرة وتلك الأدلة على عدم امكانية فرض القتال عليهن في ظروف خاصة ؛ مثل قلة الرجال بالنسبة الى النساء ، او على عدم كفاية الرجال في الحرب ، وما أشبه . ويمكن ان يستدل علــى جواز قتال المرأة ، (وفي بعض الأحيان وجوبه كما عند الدفاع) بقوله سبحانــه : « فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لآ اُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُم مِن ذَكَرٍ أَوْ اُنْثَى بَعْضُكُم مِن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَاُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَاُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لاَُكَفِّرَنَّ عَنْهُم سَيِّاَتِهِمْ وَلاَُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَاباً مِنْ عِندِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ » (آل عمران/195) . وذلك لأن الفاء في قوله « فَالَّذِينَ » تفريع على قوله سبحانه « أَنِّي لآ اُضِيعُ» ، وقد ذكرت الأنثى فيمن لا يضيع عملها . والله العالم .

4/ أما الهمِّ الكبير من الرجال ، فسقوط الجهاد عنه يعرف من قوله تعالى : « لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَآءِ » (التوبة/91) ، بل وقوله : « لاّيَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ اُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُـجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِاَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُـجَاهِدِينَ بِاَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُـجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرَاً عَظِيماً » (النساء /95)

ومن هنا فانما يسقط الجهاد عن الشيخ إذا ضعف عن القتال . أما إذا قوي عليه ، فإنه يجب عليه ، لانه ليس بضعيف . والله العالم .

5/ وقد اسقطوا الجهاد عن الأعمى والأعرج والمزمن .. والواقع ان مثل هؤلاء هم من اولي الضرر ، ومن الضعفاء ، بل ومن المرضى في وجه .

ويلحق بهم كل من يضعف عن القتال ، حتى ولو ضعف في واقعة معينة . مثلاً ؛ إذا وقعت حرب الكترونية في بلد اسلامي ، فالجاهلون بها هم من مصاديق الضعفاء ، لأنهم لا يحسنون هذا النوع من القتال . فلا يجب عليهم ، حتى ولو احسنوا نوعاً آخر من القتال ..

وهكذا لو كانت حاجة المعركة الى رجال اشداء ، فالآخرون هم بالنسبة الى تلك الحرب هم من الضعفاء .

ومن هنا نعرف ان كلمة الضعفاء تتبع المتغيرات في صدقها او عدم صدقها على حالات معينة . وعلى الفقهاء في كل عصر ومصر ، وبالنسبة الى كل حالة أن يستنبطوا حكم المفردات المختلفة من هذه الكلمة ومن غيرها في أبعاد الضعف المسقط للجهاد .

6/ اما بالنسبة الى الفقر فقد اعترف المحقق الحلي انه يختلف حسب الحالات ، فقال : والفقر الذي يعجز معه عن نفقة طريقه وعياله وعن سلاحه . ([62])

وشرح العلامة النجفي هذه الكلمة بقوله : وأما عدم وجدان النفقة ، فهو مختلف بحسب أحوال الشخص بالنسبة الى ما يحتاج اليه من النفقة له ولعياله ، وما يحتاج اليه من السلاح من سيف وفرس وسهام ورمح وغير ذلك . فان من الناس من يحسن الضرب بالسهم خاصة فيعتبر في حقه، ومنهم من يحسنه بالسيف فيعتبر في حقه ، ومنهم من يعتاد النفقة الواسعة وهو من أهلها فتعتبر في حقه . وهكذا .. ([63])

وقال المحقق الحلي : وإذا بذل للمعسر ما يحتاج اليه وجب . ([64]) وقال العلامة النجفي عن ذلك : بلا خلاف أجده فيه ، كما اعترف في المسالك ، لصدق الوجدان حينئذ، فيندرج في ادلة الوجوب كتاباً وسنة . ([65]).

وقال المحقق الحلي : ومن عجز عنه بنفسه وكان موسراً ، وجب اقامة غيره . وقيل يستحب ، وهو أشبه . ([66])

وعلق العلامة النجفي على هذه الفقرة (وهو أشبه) بقوله بأصول المذهب وقواعده التي منها اصل البراءة . ([67])

والواقع ان الجهاد بالمال كالجهاد بالنفس مأمور به . أما كيفية الجهاد بالمال ، ومقدار ما يجب ، ومقدار ما يندب منه .. فإنه من شؤون الحرب المتغيرة التي تنظمها ولايتها الشرعية .

وقال المحقق الحلي : ولو كان قادراً فجهز غيره ، سقط عنه مالم يتعين عليه . ([68]) وعلق العلامة النجفي على الحكم بقوله : بلا خلاف أجده فيه . بل عن المنتهى نسبته الى علمائنا مؤذناً بدعوى الأجماع . ([69])

وقد استدل على هذا الحكم بالحديث المأثور عن الامام الصادق عليه السلام : ان علياً عليه السلام سئل عن اجعال الغزو . فقال : لا بأس به ان يغزو الرجل عن الرجل ، ويأخذ منه الجعل . ([70])

وهذا الحكم فرع امكانية الاستئجار على الواجب الكفائي . ونحن نرى جوازه مطلقاً ، لأنه ترغيب في المبادرة . علماً بأن المبادرة غير واجبة على الأجير . فلو اعطى موسر لمعسر المال لكي يبادر الى غسل ميت او دفنه ، كانت الاجارة صحيحة ، لانها اجارة على عمل صحيح يتمثل في المبادرة الى القيام بالواجب الكفائي . والله العالم .

7/ مسؤولية القاعدين عن الجهاد تتمثل - حسبما نستوحيه من الآية الكريمة - في أمرين :

أ- في النصيحة لله وللرسول ، وألاّ يكون عذرهم الذي يقدمونه للرسول (وللقيادة الربانية من بعده) غير كافٍ ، لأن الانسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره . ومن النصيحة نصر المقاتلين بالكلمة الطيبة ، وألاّ يصبحوا عيوناً او آذاناً للاعداء وللمنافقين .

ب- في الاحسان الذي قد يكون بتجهيز المجاهدين بالسلاح والعتاد والمؤن ، حيث جاء في الحديث النبوي : من جهّز غازياً كان له كمثل أجره . ([71]) وقد يكون بمد يد العون المادي والمعنوي الى أسر المجاهدين ، فقد روي عن أبي عبد الله (الامام الصادق) عليه السلام انه قال : ثلاثة دعوتهم مستجابة ؛ احدهم الغازي في سبيل الله فانظروا كيف تخلفونه . ([72])

وروي عنه ايضاً ، عن أبيه ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله انه قال : من بلغ رسالة غاز كان كمن اعتق رقبة وهو شريكه في ثواب غزوته . ([73])

وقد يكون في حفظ الغزاة في أهلهم وكف الأذى عنهم ، حيث جاء في الأثر المروي عن الامام الصادق عليه السلام ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله انه قال : من اغتاب مؤمناً غازياً وآذاه وخلّفه في أهله بسوء ، نصب له يوم القيامة فيستغرق حسناته ثم يركس في النار ، إذا كان الغازي في طاعة الله عز وجل . ([74])

الركن الخامس : ولاية القتال

ولاية القتال للرسول صلى الله عليه وآله ، (وللقيادة الربانية من بعده) في كل مراحله ؛ مثل اعلان الحرب وتعبئة الجيش وحشد الجنود ، وتعيين المقاتلين والاذن لبعضهم بالقتال وبيان ميعاده ، وتحديد موقع المعركة ومواقع القتال ، وبالذات فيما يتصل بقيادة القتال وتقسيم الغنائم .

وفيما يلي نستعرض باذن الله تعالى هذه المراحل ، ونبين - باذن الله - مدى صلاحية الأولياء من بعد الرسول ، وطبيعة صفاتهم :

1/ اعلان الحـرب

نستفيد من آيات الكتـاب ؛ اختصاص حق اعلان الحرب ، وتعبئـة الناس للقتال بالنبـي

(وأوصيائه بحق) . والأدلة التي تهدينا الى هذه الحقيقة نوعان :

أولاً : دليل عام نهتدي به الى أن الحكم للنبي، باعتبار ان الحرب من ابرز شؤون الحكم. قال الله سبحانـه : « وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بإِذْنِ اللّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَآءُوكَ فَاسْتَغْفَـرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً » (النساء/64)

وهذه الآية تهدي الى محورية طاعة الرسول وولايته ، وبعدها تأتي آيات تهدينا الى تفصيل ذلك ، حيث تذكر القضاء مثلاً للطاعة ، حيث يقول سبحانه : « فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً » (النساء/65)

ثم تهدي الآية التي بعدها الى القتال باعتباره مصداقاً بارزاً للحكومة ، وموضوعاً اساسياً لطاعة الرسول ، حيث يقول سبحانه : « وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِن دِيَارِكُم مَا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً » (النساء/66)

وبعد بيان هذين المصداقين يعود السياق القرآني الى بيان فضيلة الطاعة ، حيث يقول سبحانه : « وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَاُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَآءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ اُولئِكَ رَفِيقاً » (النساء/69)

وهكذا بالتفكر في هذه الآيات الكريمة ، نفقه ابعاد الطاعة للرسول في القضاء وفي القتال .

ثانياً : دليل يخص القتال ، حيث يتلو الكتاب علينا آيات القتال في سورة النساء من الآية (71-76) حيث تبين وجوب النفر ثبات او جميعاً ، وتوبخ المتخلفين عن القتال ، وتبشر المقاتلين في سبيل الله ، وتشرح غايات القتال وأهداف المؤمنين من القتال ، وهدف الكفار منه . ثم يقول سبحانه : « أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وءَاتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلآ أَخَّرْتَنَآ إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالاَخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً » (النساء/77)

ونستفيد من الآية البصائر التالية :

أ- عند النهي عن القتال والأمر بكف الأيدي ، يجب التوقف عن القتال والقيام بالفرائض الاساسية للشريعة ، التي هي مسؤولية المسلم في السلم ؛ مثل اقامة الصلاة وايتاء الزكاة ..

ب- عند الأمر بالقتال يجب النفر اليه ، وعدم خشية أحد سوى الله .

ج- لانَّ الآية لم تبين شقاً ثالثاً في موضوع القتال ، يرتبط بما اذا لم يكن هناك أمر به ولا نهي عنه ، فاننا نستفيد أنه لا يوجد هذا الشق ، لأنه لابد للدين من كلمة في أمر القتال ؛ اما الأمر به ، او النهي عنه .

وبعد معالجة القرآن للعقد النفسية التي تمنع الأفراد من المبادرة الى القتال ؛ مثل خوف الموت ، وخشية المصائب بعدئذ .. يقول ربنا سبحانه : « مَن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَآ أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً » (النساء/80)

وبعد بيان حقيقة الطاعة ، وضرورة ان تكون طاعة في السر والعلن ، يأمر القرآن بالتدبر في آياته ، ثم يقول : « وَإِذَا جَآءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وإِلَى اُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً » (النساء/83)

ونستفيد من الآية البصائر التالية :

أ- أن أي أمر (مهم) يتصل بالأمن (في السلم) ، او بالخوف (في أوقات الحرب) ، لابد ان يرد الى حكم الله والرسول ، والى أولي الأمر .

ب- ان اولي الأمر (الذين يصلحون لهذه المهمة ، هم الذين) يستبطون حكم الأمر . (ومعنى الاستنباط ؛ استخراج الحكم من اصول الفقه العامة ، وقواعد الشريعة الاساسية) .

ثم يقول ربنا سبحانه : « فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنْكِيلاً » (النساء/84)

ونستفيد من الآية ؛ ان النبي صلى الله عليه وآله (والقيادة الربانية) يسبق بنفسه الناس الى ما يأمرهم به من قتال الأعداء ، وأنه ليس مسؤولاً عن الآخرين ، ولكنه يحرضهم على القتال . وان الله سبحانه هو الذي يكف بأس الذين كفروا ان شاء . والتحريض هو احد مهام القيادة الميدانية للقتال .

2/ تنظيم صفوف المقاتلين

وإذا كان أمر القتال بيد الرسول ، فان أمر التعبئة وتنظيم القوات ونصب القيادات وتحديد شروط المقاتلين كل ذلك بيده ايضاً ، لانها جميعاً من الشئون الاساسية للقتال . وهكذا نستوحي من آيات الذكر؛ أن النبي صلى الله عليه وآله هو الذي كان يأذن لمن شاء بان يلتحق به ، كما كان يأذن لبعضهم بالانصراف . قال الله سبحانه : « وإِذَآ اُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ ءَامِنُوا بِاللّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ اُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُن مَعَ الْقَاعِدِينَ» (التوبة/86)

وقال الله سبحانه : « فإِن رَجَعَكَ اللّهُ إِلَى طَآئِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُل لَن تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَن تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوّاً اِنَّكُم رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ» (التوبة/83)

وقال الله سبحانه : « إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ ءَامَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَّمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ اُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَن لِمَن شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ » (النور/62)

وهكذا نستفيد من مجموع الآيات ؛ أن الاذن بالقتال يجب ان يصدر لكل العناصر المشتركة، كما الاذن بالانصراف. وهذا الاذن يستدعي الاذن بالقتال في جبهة معينة، او ضمن سرية خاصة، او في تشكيلات محددة، لانها جميعاً ترجع حقيقةً الى الاذن بالقتال ذاته .

3/ القيادة الميدانية

قيادة المعارك وتحديد مواقعها وساعاتها واسلحتها ، هي الاخرى من شؤون الحرب التي تعود الى القيادة الربانية .

أ- وقد كان النبي صلى الله عليه وآله يقود المعارك ، وقد قال الله سبحانه : « وإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ » (آل عمران/121)

ب- وكان النبي صلى الله عليه وآله يدعو المقاتلين للثبات في المعركة ،حيث قال سبحانه: « إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي اُخْرَاكُمْ فَاَثَابَكُمْ غَمَّا بِغَمٍّ لِكَيْلاَ تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُم ْوَلاَ مَآ أَصَابَكُمْ وَاللّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ » (آل عمران/153)

ج- ومن هنا قام الأعداء بنشر اكذوبة قتل النبي ، فقال سبحانه : « وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ » (آل عمران/144)

د- وكما النبي ، كذلك سائر الأنبياء والربيون قادوا المعارك ، حيث قال الله سبحانه : « وَكَاَيِّن مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَآ أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ » (آل عمران/146)

هـ- ولقد أراد النبي موسى عليه السلام قيادة قومه في قتال الأعداء ، ولكن بني اسرائيل أبوا . قال الله عن ذلك : « قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَدْخُلَهَآ أَبَداً مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلآ إِنَّا هَا هُنَا قَاعِدُونَ » (المائدة/24)

و- كما قام النبي داود عليه السلام بقتل جالوت ، كبير مقاتلي الكفار ، وهكذا آتاه الله الملك . قال سبحانه : « فَهَزَمُوهُم بإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَءَاتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَآءُ وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ » (البقرة/251)

وجاء في السنة : ان النبي ابراهيم عليه السلام قاتل الكفار الذين كانوا قد أسروا لوطاً فانقذه منهم .

4/ القتال في العصور الراهنة

هل تنتقل صلاحيات الولاية الالهية بعد المعصومين عليهم السلام الى أحد ، وكيف ؟

للجواب عن هذا السؤال، لابد ان نعرف ان الجهاد نوعان؛ جهاد ابتدائي، وجهاد دفاعي.

ولكل واحد منهما بحوثه الخاصة .

ألف : الولاية في الجهاد الابتدائي

فيما يتصل بالحرب الرسالية التي تهدف ابلاغ الدعوة الالهية ، والتي تسمى بالجهاد الابتدائي ، يرى أكثر الفقهاء أن امرها يخص المعصومين عليهم السلام فقط . بينما يرى البعض ان الفقيه الجامع للشرائط يجوز له التصدي لهذه المهمة ايضاً .

قال العلامة النجفي في موسوعته الفقهية الجواهر : لا خلاف بيننا ، بل الاجماع بقسميه عليه ، في انه انما يجب (الجهاد) على الوجه المزبور بشرط وجود الامام عليه السلام وبسط يده او من نصبه للجهاد ، ولو بتعميم ولايته له ولغيره في قطر من الاقطار ، بل اصل مشروعيته مشروط بذلك فضلاً عن وجوبه . ([75])

وقـد قال المحقق الحلي في ذلك : بشرط وجود الامام عليه السلام او من نصبه للجهـاد . ([76])

ولكن العلامة النجفي عم حكم الولاية فقال بعد ان تلا روايات كثيرة تدل على اشتراط الجهاد (الابتدائي) بوجود الامام ، قال : بل في المسالك وغيرها عدم الاكتفاء بنائب (الامام في عصر) الغيبة (اي العلماء) ، فلا يجوز له توليه . بل في الرياض نفى علم الخلاف فيه ، ([77]) حاكياً له (أي لعدم الخلاف) عن ظاهر المنتهى وصريح الغنية إلا من أحمد في الأول ، قال : وظاهرهما الاجماع مضافاً الى ما سمعته من النصوص المعتبرة (التي اشترطت) وجود الامام . ([78])

واضاف العلامة النجفي : لكن ان تم الاجماع المزبـور فذاك ، وإلا أمكن المناقشـة فيـه

بعموم ولاية الفقيه في زمن الغيبة الشاملة لذلك المعتضدة بعموم ادلة الجهاد فترجح على غيرها . ([79])

وقد حكي عن آية الله الخوئي قدس سره ، أنه يرى امكانية الجهاد الابتدائي في عصر الغيبة .

هذا وقد سبق الحديث منا ، بان الجهاد الابتدائي بحاجة الى ادلة اضافية لم نعثر عليها ، ولكن اذا ثبت ان الجهاد الابتدائي واجب او مشروع ، فان اشتراطه بحضور الامام المعصوم يعتبر نسخاً لادلته من الكتاب والسنة . وبيان لهذه الحقيقة إن المعصوم عليه السلام هو المتكفل بأمر الدعوة المسلحة دون غيره ، إلاّ انه قد اشارت الرواية المفصلة التي سوف نستعرضها انشاء الله الى ان حكم الله في الأولين والآخرين واحد .

أما النصوص التي استشهد بها على اشتراط الامام المعصوم عليه السلام ، فمع التدبر فيها وفي سائر الأدلة قد يستوحى منها أنها في مقام نفي قيادة خلفاء الجور . والنص الجامع الذي يفسر سائر النصوص ، والذي يدل متنه على صحته ، بالاضافة الى سنده الحسن ، وبالاضافة الى نقله في امهات كتب الحديث ؛ إن هذا النص هو النص المحكم الذي يجب ان يرد اليه متشابه النصوص ، وقد استدل الامام فيه بعدة من الآيات الشريفة التي هي بذاتها كافية دلالة على الموضوع .

ونحن نستعرض النص بتفصيله ثم نستنتج منه البصائر والاحكام الشرعية ، والنص كما يلي : ([80])

الامام الصادق عليه السلام يبين احكام الجهاد :

عن أبي عمرو الزهري "الزبيدي" ، عن أبي عبد الله (الامام الصادق) عليه السلام قال : قلت له : اخبرني عن الدعاء الى الله والجهاد في سبيله ، أهو لقوم لا يحلّ إلاّ لهم ولا يقوم به إلاّ من كان منهم ، أم هو مباح لكلّ من وحّد الله عز وجل وآمن برسوله صلى الله عليه وآله ؟ ومن كان كذا فله أن يدعو إلى الله عز وجل وإلى طاعته وأن يجاهد في سبيل الله ؟

الدعوة خاصة برجال :

فقال : ذلك لقوم لا يحلّ إلاّ لهم، ولا يقوم لك به إلاّ من كان منهم . فقلت: من أولئك ؟ فقال : من قام بشرائط الله عز وجل في القتال والجهاد على المجاهدين فهو المأذون له في الدعاء الى الله عز وجل ، ومن لم يكن قائماً بشرائط الله عز وجل في الجهاد على المجاهدين فليس بمأذون له في الجهاد والدعاء الى الله حتى يحكم في نفسه بما أخذ الله عليه من شرائط الجهاد . قلت : بيّن لي يرحمك الله .

من هم الدعاة:

فقال : ان الله عز وجل أخبر في كتابه الدعاء اليه ، ووصف الدعاة اليه ، فجعل ذلك لهم درجات يعرف بعضها بعضاً ، ويستدلّ ببعضها على بعض . فأخبر أنه تبارك وتعالى أول من دعا الى نفسه ودعا الى طاعته واتّباع أمره ، فبدأ بنفسه فقال : « وَاللَّهُ يَدْعُواْ إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ» ، ثم ثنّى برسوله فقال : « ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ» يعني القرآن . ولم يكن داعياً الى الله عز وجل من خالف أمر الله ويدعو اليه بغير ما أمر في كتابه الذي أمر أن لايدعى إلاّ به . وقال في نبيّه صلى الله عليه وآلـه « وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ » يقول : تدعو ، ثم ثلّث بالدعاء اليه بكتابه أيضاً ، فقال تبارك وتعالى : « إِنَّ هَذَا الْقُرْءَانَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ» أي يدعو « وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ» . ثم ذكر من أذن له في الدعاء اليه بعده وبعد رسوله في كتابه ، فقال : « وَلْتَكُن مِنكُمْ اُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ » . ثم أخبر عن هذه الأمة وممن هي ، وأنها من ذرية ابراهيم وذرّية اسماعيل من سكان الحرم ممن لم يعبدوا غير الله قطّ ، الذين وجبت لهم الدعوة ؛ دعوة ابراهيم واسماعيل من أهل المسجد الذين أخبر عنهم في كتابه أنه أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً ، الذين وصفناهم قبل هذه في صفة أمة ابراهيم الذين عناهم الله تبارك وتعالى في قوله : « أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي» . يعني أول من اتبعه على الايمان به والتصديق له بما جاء به من عند الله عز وجل من الأمة التي بعث فيها ومنها واليها قبل الخلق ممن لم يشرك بالله قط ، ولم يلبس ايمانه بظلم ، وهو الشرك .

شروط الدعاة والمجاهدين :

ثم ذكر اتباع نبيّه صلى الله عليه وآله ، واتباع هذه الأمة التي وصفها في كتابه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجعلها داعية اليه ، وأذن له في الدعاء اليه ، فقال : « يَآ أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ » ثم وصف اتباع نبيّه صلى الله عليه وآله من المؤمنين ، فقال عز وجل : « مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً » الآية . وقال : « يَوْمَ لاَ يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيِهمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ» يعني اولئك المؤمنيـن . وقال : « قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ » ثم حلاّهم ووصفهم كيلا يطمع في اللّحاق بهم إلاّ من كان منهم ، فقال فيما حلاّهم به ووصفهم : « الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ » الى قوله : « أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ » . وقال في صفتهم وحليتهم أيضاً : « وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً ءَاخَرَ» وذكر (الامام عليه السلام تمام) الآيتين . ثم أخبر أنه اشترى من هؤلاء المؤمنين ومن كان على مثل صفتهم ، أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة ، يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعداً عليه حقاً في التـوراة والانجيل والقرآن . ثم ذكر وفاءهم له بعهده ومبايعته ، فقال : « وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ » . فلما نزلت هذه الآية : « إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِاَنَّ لَهُمُ الْجَنَّة» قام رجل الى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : أرأيتك يا نبي الله الرجل يأخذ سيفه فيقاتل حتى يقتل إلاّ أنّه يقترف من هذه المحارم أشهيد هو ؟ فأنزل الله عز وجل على رسوله « التَّآئِبُونَ الْعَابِدُونَ» وذكر (الامام عليه السلام تمام) الآية . فبشر الله المجاهدين من المؤمنين الذين هذه صفتهم وحليتهم بالشهادة والجنة ، وقال : التائبون من الذنوب ، العابدون الذين لايعبدون إلاّ الله ولا يشركون به شيئا ، الحامدون الذين يحمدون الله على كل حال في الشّدة والرخاء السائحون وهم الصائمون ، الراكعون الساجدون وهم الذين يواظبون على الصلوات الخمس والحافظون لها والمحافظون عليها في ركوعها وسجودها وفي الخشوع فيها وفي أوقاتها ، الآمرون بالمعروف بعد ذلك ، والعاملون به والناهون عن المنكر والمنتهون عنه . قال : فبشر من قتل وهو قائم بهذه الشروط بالشهادة والجنة . ثم أخبر تبارك وتعالى أنه لم يأمر بالقتال إلاّ اصحاب هذه الشروط ، فقال عز وجل : « اُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِاَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ اُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلآَّ أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ» .

المؤمنون هم ورثة الأرض :

وذلك ان جميع ما بين السماء والأرض لله عز وجل ، ولرسوله صلى الله عليه وآله ، ولأتباعهم من المؤمنين من أهل هذه الصفّة . فما كان عن الدنيا في أيدي المشركين والكفار والظلمة والفجار من أهل الخلاف لرسول الله صلى الله عليه وآله والمولي عن طاعتهما مما كان في أيديهم ظلموا فيه المؤمنين من أهل هذه الصفات وغلبوهم على ما أفاء الله على رسوله ، فهو حقّهم أفاء الله عليهم وردّه اليهم . وإنما كان معنى الفيء كل ما صار الى المشركين ثمّ رجع مما كان غلب عليه أو فيه فما رجع الى مكانه من قول او فعل فقد فاء مثل قول الله عز وجل : « لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُر فَإِن فَآءُو فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ » أي رجعوا . ثم قال : « وَإِنْ عَزَمُواْ الطَّلاقَ فَإِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ » . وقال : « وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَاَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الاُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ » أي ترجع « فَإِن فَآءَتْ» أي رجعت « فَاَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا » بالعدل « وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ» يعني بقوله تفيء ترجع . فذلك الدليل على أن الفيء كل راجع الى مكان قد كان عليه او فيه ، ويقال للشمس إذا زالت قد فائت الشمس حين يفيء الفيء عند رجوع الشمس الى زوالها ، وكذلك ما أفاء الله على المؤمنين من الكفار فانما هي حقوق المؤمنين رجعت اليهم بعد ظلم الكفار إياهم ، فذلك قوله : « اُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِاَنَّهُمْ ظُلِمُوا» . ما كان المؤمنون أحق به منهم ، وإنما اُذن للمؤمنين الذين قاموا بشرائط الايمان التي وصفناها ، وذلك أنه لايكون مأذوناً له في القتال حتى يكون مظلوماً ، ولا يكون مظلوماً حتى يكون مؤمناً ، ولا يكون مؤمناً حتى يكون قائماً بشرائط الايمان التي اشترط الله عز وجل على المؤمنين والمجاهدين . فاذا تكاملت فيه شرائط الله عز وجل كان مؤمناً ، وإذا كان مؤمناً كان مظلوماً ، وإذا كان مظلوماً كان مأذوناً له في الجهاد ، لقول الله عز وجل : « اُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِاَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ » .

الظالم يجاهَد ولا يجاهِد :

وإن لم يكن مستكملاً لشرائط الايمان ، فهو ظالم ممن يبغى ويجب جهاده حتى يتوب. وليس مثله مأذوناً له في الجهاد والدعاء إلى الله عز وجل ، لأنه ليس من المؤمنين المظلومين الذين أذن لهم في القرآن في القتال . فلمّا نزلت هذه الآية « اُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِاَنَّهُمْ ظُلِمُوا» في المهاجرين الذين أخرجهم أهل مكة من ديارهم وأموالهم أحلّ لهم جهادهم بظلمهم ايّاهم ، وأذن لهم في القتال ، فقلت : فهذه نزلت في المهاجرين بظلم مشركي أهل مكة لهم ، فما بالهم في قتالهم كسرى وقيصر ومن دونهم من مشركي قبائل العرب؟

جواز القتال للمؤمنين الصادقين :

فقال: لو كان إنما أذن في قتال من ظلمهم من أهل مكة فقط لم يكن لهم إلى قتال جموع كسرى وقيصر وغير أهل مكة من قبائل العرب سبيل ، لأن الذين ظلموهم غيرهم، وإنما اُذن لهم في قتال من ظلمهم من أهل مكة لاخراجهم إياهم من ديارهم وأموالهم بغير حق . ولو كانت الآية إنما عنت المهاجرين الذين ظلمهم أهل مكة ، كانت الآية مرتفعة الفرض عمّن بعدهم إذا لم يبق من الظالمين والمظلومين أحد ، وكان فرضها مرفوعاً عن الناس بعدهم إذا لم يبق من الظالمين والمظلومين أحد . وليس كما ظننت ولا كما ذكرت، لكن المهاجرين ظلموا من جهتين : ظلمهم أهل مكة باخراجهم من ديارهم وأموالهم فقاتلوهم بأذن الله لهم في ذلك ، وظلمهم كسرى وقيصر ومن كان دونهم من قبائل العرب والعجم بما كان في أيديهم مما كان المؤمنون أحقّ به منهم ، فقد قاتلوهم باذن الله عز وجل لهم في ذلك . وبحجّة هذه الآية يقاتل مؤمنو كلّ زمان ، وإنما أذن الله عز وجل للمؤمنين الذين قاموا بما وصف الله عز وجل من الشرائط التي شرطها الله عز وجل على المؤمنين في الايمان والجهاد ومن كان قائماً بتلك الشرائط فهو مؤمن وهو مظلوم ومأذون له في الجهاد بذلك المعنى .

لايجوز للظالم الجهاد :

ومن كان على خلاف ذلك فهو ظالم وليس من المظلومين ، وليس بمأذون له في القتال ، ولا بالنهي عن المنكر والأمر بالمعروف ، لأنه ليس من أهل ذلك . ولا مأذون له في الدعاء الى الله عز وجل ، لأنه ليس يجاهد مثله ، وأمر بدعائه الى الله . ولا يكون مجاهداً من قد أمر المؤمنون بجهاده وخطر الجهاد عليه ومنعه منه ، ولا يكون داعياً الى الله عز وجل من أمر بدعائه مثله الى التوبة والحقّ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولا يأمر بالمعروف من قد أمر ان يؤمر به ، ولا ينهى عن المنكر من قد أمر أن ينهى عنه .

حكم الله في الأولين والآخرين واحد :

فمن كانت قد تمّت فيه شرائط الله عز وجل التي وصف بها أهلها من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وهو مظلوم ، فهو مأذون له في الجهاد كما أذن لهم في الجهاد ، لأن حكم الله عز وجل في الأولين والآخرين وفرائضه عليهم سواء إلاّ من علّة او حادث يكون ، والأولون والآخرون أيضاً في منع الحوادث شركاء ، والفرائض عليهم واحدة . يسأل الآخرون من أداء الفرائض عمّا يسأل عنه الأولون ، ويحاسبون عمّا به يحاسبون . ومن لم يكن على صفة من أذن الله له في الجهاد من المؤمنين ، فليس من أهل الجهاد ، وليس بمأذون له فيه حتّى يفيء بما شرط الله عز وجل . فاذا تكاملت فيه شرائط الله عز وجل على المؤمنين والمجاهدين ، فهو من المأذونين لهم في الجهاد . فليتق الله عز وجل عبد ، ولا يغترّ بالأماني التي نهى الله عز وجل عنها من هذه الأحاديث الكاذبة على الله التي يكذّبها القرآن ، ويتبـرأ منها ومن حملتها ورواتها .

الاحتكام الى القرآن قبل الجهاد :

ولا يقدم على الله عز وجل بشبهة لايعذر بها ، فانه ليس وراء المتعرض للقتل في سبيل الله منزلة يؤتى الله من قبلها ، وهي غاية الأعمال في عظم قدرها . فليحكم امرؤ لنفسه ، وليرها كتاب الله عز وجل ويعرضها عليه ، فانه لا احد أعلم بالمرء من نفسه ، فان وجدها قائمة بما شرط الله عليه في الجهاد فليقدم على الجهاد .

تزكية النفس قبل جهاد العدو :

وإن علم تقصيراً فليصلحها وليقمها على ما فرض الله تعالى عليها من الجهاد، ثمّ ليقدم بها وهي طاهرة مطهرة من كل دنس يحول بينها وبين جهادها. ولسنا نقول لمن أراد الجهاد وهو على خلاف ما وصفنا من شرائط الله عز وجل على المؤمنين والمجاهدين : لا تجاهدوا ، ولكن نقول : قد علّمناكم ما شرط الله عز وجل على أهل الجهاد الذين بايعهم واشتري منهم أنفسهم وأموالهم بالجنان. فليصلح امرؤ ما علم من نفسه من تقصير عن ذلك، وليعرضها على شرائط الله عز وجل ، فان رأى أنه قد وفي بها وتكاملت فيه فانه ممن أذن الله عز وجل له في الجهاد ، وإن أبى إلاّ أن يكون مجاهداً على ما فيه من الاصرار على المعاصي والمحارم . والاقدام على الجهاد بالتخبيط والعمى ، والقدوم على الله عز وجل بالجهل والروايات الكاذبة ، فلقد لعمري جاء الأثر فيمن فعل هذا الفعل ان الله تعالى ينصر هذا الدّين بأقوام لا خلاق لهم . فليتق الله عز وجل امرؤ وليحذر ان يكون منهم ، فقد بيّن لكم ولا عذر لكم بعد البيان في الجهل ، ولا قوة إلاّ بالله ، وحسبنا الله عليه توكلنا وإليه المصير . ([81])

ومثل هذا النص الشريف أحاديث أخرى ، يؤكد كل نص منها جانباً او أكثر من بصائر هذا الحديث ، والتي نختصرها فيما يلي :

ان الدعوة الى الله والجهاد في سبيله ، خاصة بمن تتوافر فيه شروطها التالية :

أ- الايمان بالله وعدم الشرك به أبداً ، (وهذا يتحقق في المعصومين) .

ب- او اتباع الرسول ، بأن يكون من الذين وصفهم الله بالشدة على الكفار والتراحم فيما بينهم ، والتبتل الى الله بالركوع والسجود ، وان يكون من الذين نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم ، وان يكون من المؤمنين الذين قد أفلحوا بخشوعهم في الصلاة ، وادائهم للزكاة ووفائهم بالعهد ، خصوصاً عهدهم مع الله ورسوله .

ج- وهكذا اذن لمثل هؤلاء بالقتال، وهم الذين ان مكنهم الله في الأرض اقاموا الصلاة

وآتوا الزكاة .

د- والمؤمن حقاً هو الذي جعل الله له ما في السموات والارض ، وحينما سلب ماله اصبح مظلوماً . ويحق للمظلوم ان يطالب بحقه بالقتال ، ويكون ما يأخذه من الكفار فيئاً ؛ أي مالاً يرجع اليه .

هـ- ان مؤمني كل زمان يقاتلون الكفار بحجة هذه الآية ايضاً، حيث يقول ربنا سبحانه: « اُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِاَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ » (الحج/39) لأنهم قد ظلموا حقهم . و انما يجوز للمؤمنين دون غيرهم ذلك ، لانهم المظلومون حقاً . لان حكم الله في الأولين والآخرين واحد ، وفرائضه عليهم سواء ، إلاّ من علّة او حادث يكون .

وهكذا أكد الامام عليه السلام على استمرار فريضة الجهاد على مؤمني كل زمان ، إذا تكاملت فيهم صفات الايمان المذكورة في الكتاب الكريم . وبهذا يستدل على بقاء حكم الجهاد وعدم نسخه بعد عصر المعصومين عليهم السلام .

وكلمة اخيرة حول هذا الحديث الكريم ؛ أنه لم يحدّد أمر الجهاد بالفقيه الولي ، وانما اطلقه لكل المؤمنين . فهل هذا يعني امكانية الجهاد لكل شخص من المؤمنين ؟

ربما يقال لا ، لان الحديث لم يكن في صدد بيان أمر الجهاد من كل النواحي ، بل فقط من ناحية عدم جوازه لكل الناس . اما شروطه الأخرى ، فان سائر الأدلة التي استعرضنا بعضاً منها في هذا الفصل هي الكفيلة ببيانها . والله العالم .

على ان الحديث يخص - حسبما يبدو - مسألة الجهاد الابتدائي الذي يسمى بجهاد الدعوة إن قلنا به ، اما جهاد الدفاع فلا .

باء : جهاد الدفاع

قال المحقق الحلي في كتابه "شرائع الاسلام" : وقد تجب المحاربة على وجه الدفع ، كأن يكون بين أهل الحرب ويغشاهم عدو يخشى منه على نفسه ، فيساعدهم دفعاً عن نفسه ، ولا يكون جهاداً . ([82])

ولكن العلامة النجفي خالفه في ذلك بقوله : قد يقال بجريان الاحكام المزبورة عليه (أي احكام الجهاد)، إذا كان مع امام عادل عليه السلام او منصوبه وإن كان هو دفاعاً ايضاً ، لكنه مع ذلك هو جهاد كما وقع لرسول الله صلى الله عليه وآله لما دهم المشركون الى المدينة . ([83]) واضاف : واطلاق المصنف وغيره نفي الجهاد عنه انما هو مع عدم وجود الامام العادل عليه السلام ولا منصوبه . فهو - حينئذ ليس إلاّ دفاعاً - . ([84])

ولكي تتوضح حقائق الدفاع واحكامه ، لابد ان نميّز بين اقسامه :

1/ الدفاع عن النفس دفاعاً ذاتياً .

مثل ذلك ان يهجم عليك معتد ، فتدافع عن نفسك بصده ؛ لا فرق ان يكون خطره على نفسك او على عرضك او على مالك او على حرمة من حرماتك . وقد سبق جواز ذلك ، وبيّنا بعض احكامه في فصل الاحصان .

2/ الدفاع عن النفس دفاعاً جمعيّاً .

ومثله ان يكون المرء في أرض فيهجم عليها العدو . فهو يدافع عن نفسه ليس إلاّ ، لكنه قد ينظم هذا الدفاع ضمن اطار الدفاع الجمعي . وهذا الفرض هو الذي ذكره في الشرائع . وجاءت رواية في حكمه ، عن طلحة بن زيد ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سألته عن رجل دخل أرض الحرب بأمان فغز القوم الذين دخل عليهم قوم آخرون . قال : على المسلم أن يمنع نفسه ويقاتل عن حكم الله وحكم رسوله . وأما أن يقاتل الكفار على حكم الجور وسنّتهم ، فلا يحلّ له ذلك . ([85])

3/ الدفاع عن المسلمين وحرماتهم .

ومثله تعرض اقلية مسلمة للابادة ، حيث يجب على المسلمين ان يهرعوا لمساعدتهم . وهذا هو الذي استفاده المفسرون من قوله سبحانه : « وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَـالِ وَالنِّسَآءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَخْرِجْنَـا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَـةِ

الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِن لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَلْ لَنَا مِن لَدُنكَ نَصِيراً » (النساء/75) .

ويعتبر بعض فقهاء القانون هذا النوع من الدفاع دفاعاً مشروعاً ، لان قيمة كل بلد انما هي بمدى بسط العدل فيه . فاذا انعدم العدل فيه بالنسبة الى اتباع بلد آخر (من الاقليات) ، انعدمت قيمة ذلك البلد ، وسقطت حرمتها ، وجاز الهجوم عليها . ([86])

واعتبر بعضهم هذا الدفاع مشروعاً ، لانه نوع من الدفاع عن النفس . ([87])

وقد سبق الحديث عن هذا النوع من الدفاع ، وبيّنا مشروعيته . ويبدو ان مشروعية هذا النوع من الدفاع لا تتنافى مع اشراطه ببعض القيود ، مثل ألاّ تكون الحرب ذات ضرر أكبر على المسلمين من الخسارة التي تلحق بهم وبكرامتهم . والله العالم .

واشترط بعض فقهاء القانون لجواز التدخل العسكري لانقاذ اتباع البلد ، ان يكون الخطر عليهم يهدد أمن الدولة المتبوعة ، وان يكون متناسباً لحجم الحرب . ([88])

4/ الدفاع عن الوطن الاسلامي .

مثله تعرض الدولة الاسلامية لهجوم عسكري من قبل الأعداء ، بحيث خشي على بيضة الاسلام، فيجب الدفاع. ويعتبر العلامة النائيني بيضة الاسلام التي يجب الدفاع عنها : الوطن الاسلامي . ولكن يبدو ان التعبير الفقهي "بيضة الاسلام" اكثر دقة من الوطن الاسلامي ، إذ هو يعني اصل الاسلام . ومعنى تعرضه للخطر ، تهديد الوجود الاسلامي والكيان الاسلامي للخطر ، مما يحمل في طياته معنى الخطر الكبير .

وقد جاء في الحديث المروي عن يونس قال : سأل أبا الحسن عليه السلام رجل وأنا حاضر ، فقلت له : جعلت فداك إن رجلاً من مواليك بلغه أن رجلاً يعطى سيفاً وقوساً في سبيل الله فأتاه فأخذهما منه ثم لقيه أصحابه فاخبروه أن السبيل مع هؤلاء لايجوز ، وأمروه بردّهما . قال : فليفعل . قال : قد طلب الرجل فلم يجده . وقيل له : قد قضى الرجل . قال : فليرابط ولا يقاتل . قال : مثل قزوين وعسقلان والديلم وما أشبه هذه الثغور . فقال : نعم . قال : يجاهد ؟ قال : لا ، إلاّ أن يخاف على دار المسلمين . أرأيتك لو ان الروم دخلوا على المسلمين لم ينبغ لهم أن يمنعوهم . قال : يرابط ولا يقاتل ، وان خاف على بيضة الاسلام والمسلمين قاتل فيكون قتاله لنفسه ليس للسلطان ، لأن في دروس الاسلام دروس ذكر محمد صلى الله عليه وآله . ([89])

ونستفيد من هذا الحديث ان الخوف على دار الاسلام جاء مثلاً للخوف عن بيضة الاسلام . ولكن في فقرة تالية اضيف الى بيضة الاسلام بيضة المسلمين ، والتعبير به اشمل من بيضة الاسلام . فقد لايكون الخطر على دار الاسلام ، ولكن يكون على المسلمين .

وأنى كان فان هذا التعبير ليس محور النصوص القرآنية ، مما يجعلنا في غنى عن البحث حوله .

بلى ؛ التعبير القرآني هو الذي سبق وان تحدثنا عنه في بحث غايات القتال من الاخراج من الديار والاموال ، وقد استوحينا منه جواز الحرب من أجل المحافظة على الاستقلال في مقابل أي تهديد . فالدفاع عن حرمة الانسان (وحريته) في مقابل كل قوة معتدية ، دفاع جائز ، وانه يمكن ان يكون في سبيل الله إذا كانت النية خالصة .

بين الدفاع والجهاد :

هل تجري احكام الجهاد على الدفاع ؟

سبق وان نقلنا عن المحقق الحلي رأيه في أن الدفاع ليس جهاداً ، بينما اعتبر العلامة النجفـي الدفاع جهاداً عندما يكون بأمرة الامام العادل ، لا في غير هذه الحالة . ولكنه قـال : - بل ظاهر غير واحد كون الدفاع عن بيضة الاسلام مع هجوم العدو - ولو في زمن الغيبة - من الجهاد ، لاطلاق الأدلة ، واختصاص النواهي بالجهاد ابتداءً للدعاء الى الاسلام من دون امام عادل او منصوبه ، بخلاف المفروض الذي هو من الجهاد من دون اشتراط حضور الامام ولا منصوبه ولا اذنهما في زمان بسط اليد ، والأصل بقاؤه على حاله . ([90])

وقد ذهب أغلب الفقهاء الى عدم اشتراط الدفاع باذن الفقيه ، إلاّ ان بعضهم جعل قيادة هذا النوع من الحرب بيد الفقيه الجامع للشرائط . ([91])

ولكن يبدو ان كلام اغلب الفقهاء في عدم اشتراط اذن الفقيه اعم من عدم وجوب استيذانه. فهو في مقابل وجوب اذن الامام المعصوم في الجهاد الابتدائي ، اذ امر الجهاد الابتدائي بيد الانسان ، ويمكن تركه لحين استيذان الامام . بينما الدفاع ليس كذلك ، لان أمره بيد العدو المهاجم . ولكن لا يعني ذلك المبادرة بالحرب من دون الرجوع الى الفقيه المبسوط اليد عند امكانه ، خصوصاً عند من يرى بالولاية المطلقة للفقيه حسب استفادته من الأدلة.

ومن هنا فان علينا ان نفرق بين أمرين :

أ- ضرورة التمسك بولاية الفقيه عند توفرها في كل أمر اجتماعي ، وفي الحرب الدفاعية ايضاً .

ب- عدم اشتراط اذن الولاية في الدفاع . فالدفاع واجب على أي حال ، والولاية واجب آخر .

وهكذا يجب الرجوع الى الولاية عند الامكان في تنظيم الدفاع ، وذلك للادلة التالية :

أ- الادلة التي استعرضناها في ضرورة القيادة الربانية في أمور القتال لا تخص الجهاد الابتدائي ، بل تشمل الدفاعي ايضاً . خصوصاً وإن تقسيم القتال الى نوعي الابتدائي والدفاعي لا نجده في آيات الكتاب ، بل ولا في نصوص الروايات إلاّ لبيان بعض الاحكام الثانوية . وقد سبق أن اكثر انواع القتال هي الدفاعية بالمعنى الأوسع للدفاع ، فكيف نخصص احكامه بالقتال الابتدائي (جهاد الدعوة) وهو القسم النادر ان كان ؟

ب- عموم او اطلاق الادلة التي استفاد منها الفقهاء ، ولاية الفقيه في الأمور التي ترتبط بتنظيم المجتمع وقيادة شؤنه العامة . ولا ريب ان القتال ولو كان دفاعياً ، من أبرز مصاديق تلك الشؤن .

ج- ان للقتال - ولو كان دفاعياً - احكامه التي سوف نستعرض طائفة منها في المستقبل انشاء الله ، ومنها ما سبق ، وان معرفة تلك الاحكام وتطبيقها على موضوعاتها المتغيرة والمختلفة بحاجة الى بصيرة فقهية ، قلّما يستطيع حتى الفقهاء الحصول عليها . (والدليل على ذلك مدى اختلافهم في فروع الدفاع) ، فكيف بالعوام ؟

بهذه الأدلة نستطيع ان نستدل على ولاية الفقيه على شئون القتال بانواعه . ولكن ذلك لا يعني توقف القتال الدفاعي عليها ، واشتراطه بها . والله العالم .

الركن السادس : القتال في الأشهر الحرم ، وفي الحرم

ألف / القتال في الأشهر الحرم :

(البقرة /214) ،(البقرة/190) ،(التوبة/5) ؛ هل يحرم القتال بوجه مطلق في الأشهر الحرم التي هي : ذو القعدة وذو الحجة ومحرم وشهر رجب ؟

قال المحقق الحلي : ويحرم الغزو في الأشهر الحرم ، إلاّ ان يبدء الخصم ، او يكون ممن لا يرى للأشهر حرمة . ([92])

وقال العلامة النجفي : إن اصحابنا قالوا إن تحريم القتال في الأشهر الحرم باق الى الان لم ينسخ في حق من يرى للاشهر الحرم حرمة للاصل . وأما من لا يرى لها حرمة فانه يجوز قتاله فيها . وذهب جماعة من الجمهور (علماء السنة) الى انهما (القتال في الأشهر الحرم وفي الحرم) منسوختان . ([93])

ولكي نستوضح هذه المسألة لابد ان نستعرض اولاً أدلة حرمة هذه الأشهر ، وهي الآيات التي أشرنا اليها سلفاً ، بالاضافة الى قوله سبحانه : « إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالاَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ » (التوبة/36)

وقول الله سبحانه : « إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَاماً

وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَاحَرَّمَ اللّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللّهُ لايَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ » (التوبة/37)

فان من معنى حرمة الأشهر ، حرمة القتال فيها . وقد نهى ربنا سبحانه من ان نظلم انفسنا فيها (بانتهاك حرمتها او بنسيئها وزحلقتها الى غيرها) .

والآية الثانية نهت عن تغيير الأشهر ، حيث كان الجاهليون يزحلقون شهراً محرماً ليتسنى لهم القتال فيه ، فيقولون : أن محرم هذه السنة قد اصبح في صفر ، وان صفر اصبح محرّماً .

والنهي عن ذلك يدل على حرمتها ، وحرمتها تدل على حرمة القتال فيها .

وقد استثنى ربنا سبحانه عن ذلك موردين :

الأول : مورد الفتنة ، حيث قال سبحانه : « وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُم وَاَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ اَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ القَتْلِ وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذلِكَ جَزَآءُ الْكَافِرِينَ » (البقرة/191)

الثاني : مورد القصاص ، حيث قال سبحانه : «وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ » (البقرة/194)

وقد ورد في الحديث المأثور استثناء آخر ، هو ألاّ يرى العدو حرمة لهذه الأشهر . ولكن هذا المورد يعود بالتالي الى المورد الثاني ، وهو ان الحرمات قصاص . فاذا لم ير العدو حرمة هذا الشهر ، فهو لايحترمه بالطبع مما يسوِّغ عدم حرمته قصاصاً .

عن العلاء بن الفضيل قال : سألته عن المشركين ايبتديهم المسلمون بالقتال في الشهر الحرام ؟ فقال : إذا كان المشركون يبتدؤنهم باستحلاله ثم راى المسلمون انهم يظهرون عليهم فيه، وذلك قول الله عز وجل « الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ» (البقرة/194) . والروم في هذا بمنزلة المشركين ، لأنهم لم يعرفوا للشهر الحرام حرمة ولا حقاً ، فهم يبدؤن بالقتال فيه . وكان المشركون يرون له حقّاً وحرمة ، فاستحلّوه فاستحلّ منهم ، وأهل البغي يبتدؤون بالقتال . ([94])

ويبقى سؤال : ماهي الفتنة هنا ؟

والجواب : ان الحرمات التي لابد من المحافظة عليها تنظر اليها كحرمة واحدة . فاذا انتهك العدو (مشركون من قريش مثلاً) حرمة المسجد الحرام ، واخرجوا أهله منه ، بالرغم من أنه حرمة معترف بها عندهم ، فلا يحق لهم مطالبة المسلمين بالمحافظة على حرمة الشهر الحرام ، لان الحرمات قصاص .

ومن هنا فلو افترضنا ان العدو قام بهجوم صاعق في الاسبوع الأخير من شهر شوال ، واحتل اراضي المسلمين ، ثم لما أهلّ شهر ذي القعدة الحرام أعلن وقف اطلاق النار ، واحتمى بحرمة هذا الشهر . فهل يتركه المسلمون يتهنأ بنصره ؟

كلاّ ؛ بل يجوز لهم رد عدوانه ، انطلاقاً من ان الفتنة أكبر من القتل . والله العالم .

وكلمة أخيرة ؛ يبدو من هذه الآية : « يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الْدُّنْيَا وَالاَخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ » (البقرة /217) ان الحكمة في حرمة الأشهر المعينة تأمين سفر الحجاج الى البيت الحرام ، وذلك لقوله سبحانه : « وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ » .

وهكذا يظهر ذلك من قوله سبحانه : « يآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ اُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ * يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللّهِ وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلآئِدَ وَلآ ءَآمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِن رَبِّهِمْ وَرِضْوَاناً وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَانُ قَوْمٍ اَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ » (المائدة / 1-2 )

فاذا كانت بلاد القتال لا ترتبط بالحج ، ولا يؤثّر القتال فيها على حركة الحجاج ، فهل تبقى حرمة الأشهر بقوتها ؟

يعتمـد الجواب عن هذا السؤال على معرفة ان هذه الحكمة هي الحكمة الوحيدة لحرمة

الأشهر ، أم ان هناك حكماً أخرى ، خصوصاً وان القرآن الكريم قال : « إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالاَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ » (التوبة/36)

وهكذا ارتبط عدد الأشهر وحرمة بعضها بالسنة الالهية في خلق السموات والأرض ، وبالدين القيّم . فكيف يجوز خرقها ؟

ولعل السنة الالهية قد قضت بايجاد زمن أمن ومكان أمن ، لكي تتوفر للمقاتلين فرصة التفكير الجدي في السلام ، كما يتوفر للمصلحين فرصة العمل من أجل السلام .

وعلى أية حال فاننا بحاجة الى المزيد من الدراسة والبحث في موضوع الأشهر الحرم ، والله المستعان .

باء / القتال في البلد الحرام :

(البقرة/187) ؛ قال المحقق الحلي فيما يتصل بحرمة القتال في الحرم : ويجوز القتال في الحرم ، وقد كان محرماً فنسخ . ([95]) ومثل المحقق غيره من العلماء الذين تعرضوا للمسألة . بينما لم يتعرض لها طائفة منهم ، مثل ابي الصلاح في الكافي الذي تعرض فقط عن القتال في الأشهر الحرم . ([96]) وكذلك الشيخ الطوسي في النهاية ، ([97]) وهكذا ابن البراج في المهذب. ([98])

أما الراوندي في فقه القرآن فقد قال : وقيل (إن قوله تعالى) « وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاتَكُونَ فِتْنَةٌ» (الانفال/39) ، ناسخة للآية الأولى التي تضمنت النهي عن القتال عند المسجد الحرام حتى يبدأوا بالقتال . لانه اوجب قتالهم على كل حال حتى يدخلوا في الاسلام ، (لان الله يقول) « حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُم » (البقرة/191) ، أي حيث وجدتموهم في حل او حرم ، وقوله تعالى : « مِنْ حَيْثُ اَخْرَجُوكُمْ» (البقرة/191) أي من مكة ، وقد فعل رسول الله لمن لم يسلم منهم يوم الفتح . ([99])

وعلى أي حال ، فالدليل على حرمة المسجد الحرام ما يلي :

أولاً : عموم واطلاق أدلة حرمة الحرم . إذ ان من ابعاد معنى الحرمة ؛ حرمة القتال في هذا البلد . وذلك مثل قوله سبحانه : « فِيهِ ءَايَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ ءَامِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَاِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ » (آل عمران /97) .

وقوله عز وجل : « حَرَماً ءَامِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ » (العنكبوت/67) .

وقوله سبحانه : « وَلآ ءَآمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ» (المائدة/2) .

وقال تعالى : « وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلى إِبْرَاهِيمَ وإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّآئِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ » (البقرة/125) .

/ 25