1/ الكلمة حلة الفكرة ، والكلمة الطيبة تعبير عن الفكرة الطيبة . وهي التي تعبر عن الحق ، وتهدف الاصــلاح ، وتثيـر نوازع الخير فــي النفوس ، وتجبر كسر النفس . والكلمة الطيبة هي القول الثابت ، والقول السديد ، والقول الميسور ، والقول اللين ، والقول المعروف ، والقول الكريم . وهذه الاقسام تشترك - فيما يبدو - في ميزة الحق والحسن ؛ فالمحتوى حق ، والاسلوب جميل . قال الله تعالى : « أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَآءِ * تُؤْتِي اُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بإِذْنِ رَبِّهَا » (ابراهيم / 24 - 25) 2/ وكذلك يقول الله سبحانه : « يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الأَخِرَةِ » (ابراهيم / 27) والقول الثابت - هو الذي يثبت المؤمن على الحق - كالدعوة الى الله ، والتذكرة به ، والتوصية بالحق ، وتعليم الفقه ، وما اشبه .. 3 / وعند الشهادة يجب ان يقول الانسان القول الحق ، وكذلك عند اعطاء حق الناس . فلا يلوي لسانه بالباطل ، ليحسبه الناس حقا ، وما هو بالحق . ولعل ذلك هو المراد من قول الله سبحانه : « وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً » (النساء / 9) 4/ وقال الله تعالـى : « يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا » (الاحزاب/70) ويبدو ان القول السديد هنا ، هو الذي يرغب في طاعة الرسول ، ولا يكون سبباً لأذاه . 5/ وعلى الانسان ان يحترم والديه وذوي قرباه ، ويؤتيهم حقهم . فاذا لم يجد ما يعطيهم من المال ، فلا أقل يقدم لهم كلمة طيبة فيها وعد او دعاء او دلالة الى موضع الخير . ( فاذا سأله احد معروفاً ، وهو لا يملك شيئاً ، فليقل - مثلاً - : اذا انعم عليَّ فسوف اعطيك ، او الله يعطيك ، او اذهب الى فلان فسوف يعطيك انشاء الله ) . قال الله تعالى : « وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَآءَ رَحْمَةٍ مِن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُوراً » (الاسراء / 28) 6/ ومن اقسام الكلمة الطيبة ؛ القول اللين . (ففي النصيحة والتذكرة بالحق خشونة ، فاذا قال الانسان قولا ليناً ، طابت النفس به). وهكذا أمر الله موسى وهارون عليهما السلام ان يقولا لفرعون قولاً ليناً ، لعله يتذكر او يخشى (بما في محتوى القول من التوجيه الى الله والانذار بعذابه) . قال الله سبحانه : « فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى » (طه / 44) 7/ والواجب هو اختيار الكلام المعروف الذي تقبله الطبائـع، (وبتعبير آخر العرف العام). وبالذات في الكلام مع اولئك الذين يشعرون بنقص في حياتهم ؛ مثل السفهاء ، الذين يقول عنهم ربنا : « وَلاَ تُؤْتُوا السُّفَهَآءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً » (النساء / 5) فالسفيه بحاجة الى القول المعروف ، لكي لا يتألم . فإنه بشر بالرغم من سفاهته ، ومن حقه ان يعيش بكرامة . 8/ وعند الحديث عن الذين يحضرون القسمة وليس لهم حظ ، فينبغي ان يرزقوا منه ، وينبغي ان يقال لهم قولاً معروفاً . فلا تنال من شخصيتهم ، ( لانهم ارادوا ما لا يحق لهم ، او طلبوا ما لم يفرض لهم من حصة ) . اذن ؛ القول المعروف لابد أن يأتي في ظرف قـد يستدعي قولاً غيـر معـروف (كالسب والاهانة) ، والقرآن يؤدبنا بان نقول في تلك المواقع قولاً معروفاً . والقول المعروف قيمة تتصل بقيمة كرامة الانسان وشرفه ، فإذا كان فيه نقص كالسفه او اتسم بلجاجة ، فعلينا ألاّ نطرده او نسبّه ، بل نجبر كسره بالقول المعروف ، حيث يقول ربنا سبحانه : « وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ اُولُوا الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً » (النساء / 8 ) 9/ وكذلك امر الله بالقول المعروف عند الطاعة، حيث تصعب على البعض الطاعة ، فإذا بهم يتأففون منها بالرغم من ممارستهم لها . فأمر الله بالقول المعروف عند الطاعة ، في قوله : « طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فإِذَا عَزَمَ الأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ » (محمد / 21) 10/ واذا خيّرنا بين عمل خير معه كلمة خبيثة ، او كلمة طيبة من دون عمل ؛ فالثاني أولى ، (لان الكلمة الطيبة سوف تصنع واقعاً سليمـاً ينتج المزيد من اعمال الخير) . قال الله تعالـى : « قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذىً وَاللّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ » (البقرة/ 263) 11/ والقول المعروف مطلوب ايضاً في العلاقة بين الرجل والمرأة . فاذا اختلى الرجل بامرأة لا تحل له ، فإن عليهما ألاّ يتحدثا بما يخالف الشرع . قال الله سبحانه : « وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَآءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِن لاَ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلآَّ أَن تَقُولُواْ قَوْلاً مَعْرُوفاً » (البقرة / 235) 12/ ولما بيّن القرآن الآداب التي ينبغي لنساء النبي الالتزام بها ، أمرهن بالقول المعروف . فقال الله سبحانه : « يَآ نِسَآءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَآءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً » (الاحزاب / 32) ونستفيد من الآية الكريمة ؛ ان القول المعروف هو الذي لا يثير القلوب المريضة ، بينما القول غير المعروف هو مثل الخضوع بالقول او الغنج في الحديث او الدلال . وهكذا يصبح جمال القول هنا قبحاً ، لان فيه اثاراً سلبية . 13/ وهكـذا أمر الله بان يقول الولد لوالديه قـولاً كريماً ، يحفـظ كرامة الابويــن ، ولا يكون فيه نهر ولا تأفف ، ولا ينم عن ضجر . قال الله سبحانه : « فَلاَ تَقُل لَهُمَآ اُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً » (الاسراء / 23)
بصائر من الآيات
1/ الكلمة الطيبة ؛ هي القول المعروف ، والقول الثابت ، والقول السديد ، والقول الميسور ، والقول اللين ، والقول الكريم . وتشترك هذه الحقائق في أن الكلمة الطيبة هي القول الحق محتواه ، والحسن مظهره . 2/ والقول الثابت هو الذي يثبت ايمان المستمع ، كالتذكرة بالله واليوم الآخر ، والتزكية والتعليم . 3/ والقول السديد الذي لايلوي صاحبه لسانه بالباطل ليحسبه المستمع حقاً ، بل يشهد بالحق شهادة صريحة . 4/ والقول الميسور الذي يجبر كسر المنع ، كالدعاء بالخير لمن يعرض عنه . 5/ والقول اللين الذي يجعل الدعوة مقبولة عند المستمع ، لتتم الحجة عليه . 6/ والقول المعروف الذي يحافظ على كرامة الانسان . فإذا كان السفيه محروماً عن التصرف في ماله ، فلا يحرم عن حقه في الكرامة . كذلك الذي يحضر القسمة ولا نصيب له فيها ، فلا يقال له كلاماً بذيئاً إذا طالب بما لا يحق له . 7/ والقول المعروف عند الطاعة ، يتمثل في عدم التناجي بمعصية القيادة ، وعدم التأفف من صعوبة الاطاعة ، وما أشبه . 8/ والقول المعروف عند الانفاق ، يتمثل في عدم المن والأذى . 9/ والقول المعروف عند ذكر النساء او لقاءهن ما يؤدي الى الحلال ، لا الفاحشة .