بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
10/ والقول المعروف عند النساء ، يتمثل في عدم الخضوع للرجال بالقول . 11/ والقول الكريم الذي ينبغي للولد ان يواجه والديه به ، هو الذي لا تأفف فيه ولا نهر ، بل يحتوي على احترام والديه بالمستطاع .
فقه الآيات
1/ (النساء / 6) ، (الأحزاب / 90) ، (الاسراء / 28) ؛ يجب ان يقول الانسان قولاً سديداً لا خلل فيه ولا شبهة ، ولا يلوي لسانه به ليثير الشبهات وليتهرب من الشهادة بالحق . ونستفيد من هذه البصيرة الاحكام التالية : ألف / ان على المسلم ألاّ يتجاوز قوله حدود الشرع والعقل ؛ فلا يقول باطلاً ، ولا يقول كلاماً متشابهاً . وهذا يصدق في الشهادة للايتام بأموالهم ، حتى لا تؤكل عن دون حق . وتقوى الله في الايتام يعني التزام حدود الله فيهم عملاً ، والقول السديد فيهم الالتزام بحدود الله فيهم قولاً . ([1]) باء / وعند خطاب اليتامى ، ينبغي ألاّ ينهرهم ، وألاّ يكسر خاطرهم . جيم / والقول السديد في اليتامى ، ألاّ يوصي بأكثر من الثلث ، حتى يحرمهم من الأرث . دال / والقول السديد عدم التناجي بمعصية الرسول في الجلسات الخاصة ، ولا معصية خلفاء الرسول ، وكل قيادة دينية . وتلك عادة سيئة كانت عند بني اسرائيل ، حيث كانوا يأذون رسولهم . وهي كذلك عادة المنافقين ، التي يجب على المؤمنين الانتهاء عنها والتناهي منها . ([2]) هاء / والقول السديد في العلاقات الاجتماعية ، يتمثل في قول الحق بالنسبة الى الآخرين ، دون اجحاف حقهم او بخس لأشيائهم او اثارة النعرات ضدهم ، وبالتالي مخالفة الحق في الحديث عنهم . زاء / اذا لم يجد الانسان حقوق ذوي القربى أو حق من له حق عليه من غيرهم ، فعليه ان يقول لهم قولاً ميسوراً ، كأن يعدهم وعداً حسناً ، او يقول لهم كما كان الرسول صلى الله عليه وآله يقول : " يرزقنا الله واياكم من فضله ". ([3]) 2/ (البقرة / 235) ، (الأحزاب / 32) ؛ على الرجل والأنثى ان يقولا لبعضهما قولاً معروفاً ، بعيداً عن اثارة الشهوة الحرام . فإن الكلام قد يصبح باباً الى الفاحشة ، والعياذ بالله . وإذا صلحت النية ، وطهر القلب ، خرجت الكلمة الطيبة التي لاتخالف الدين . بينما الذي في قلبه مرض يثير بكلماته الشهوة ، وهي - بدورها - قد تدعو الى الحرام . ومن هنا نهى الدين المرأة من الخضوع بالقول . وهو حسب المفسرين : كلام المرأة الراغب في الرجل . ونهى الرجل من ان يواعد المرأة سراً ، فيقول في حديثه معها ما يخالف المعروف، كأن يثيرها ثم يطلب منها الفاحشة .
في رحاب الأحاديث
1/ روي عن علي بن الحسين عليهما السلام انه قال : " القول الحسن يثري المال ، وينمي الرزق ، وينسي في الأجل ، ويحبّب إلى الأهل ، ويدخل الجنة ". ([4]) 2/ في تفسير قوله تعالى « وقولوا للناس حسنا » قال الامام عليه السلام : " قولوا للناس كلهم حسناً ، مؤمنهم ومخالفهم . أما المؤمنون فيبسط لهم وجهه وبشره ، وأما المخالفون فيكلّمهم بالمداراة لاجتذابهم . فإن ييأس من ذلك ، يكفُّ شرورهم عن نفسه وإخوانه المؤمنين ". ([5]) 3/ عن سليمان بن مهران قال : دخلت على الصادق وعنده نفر من الشيعة ، فسمعته وهـو يقول : " معاشر الشيعة ؛ كونوا لنا زيناً ، ولا تكونوا علينا شيناً . قولوا للناس حسناً ، واحفظوا ألسنتكم ، وكفّوها عن الفضول وقبيح القول ". ([6]) 4/ وجاء عن الامام أبي عبد الله عليه السلام ، انه قال : " إذا أفلتت من أحدكم كلمة جفاء يخاف منها على نفسه ، فليتبعها بكلمة تعجب منها تحفظ عليه وتنسى تلك ". ([7]) 5/ قال أمير المؤمنين عليه السلام : " ثلاث من أبواب البرِّ ؛ سخاء النفس ، وطيب الكلام ، والصبر على الأذى ". ([8]) 6/ قال رسول الله صلى الله عليه وآله : " والذي نفسي بيده ؛ ما أنفق الناس من نفقة أحبّ من قول الخير ". ([9]) 7/ وعن أبي محمد عليـه السـلام قال : " قلب الأحمق في فمه ، وفم الحكيم فـي قلبـه ". ([10]) 8/ عن محمد بن سليمان رفعه قال : أخذ رجل بلجام دابّة رسول الله ، فقال : يا رسول الله ؛ أيُّ الأعمال أفضل ؟ فقال : " إطعام الطعام ، وإطياب الكلام ". ([11]) 9/ قال رسول الله صلى الله عليه وآله : " رحم الله عبداً قال خيراً فغنم ، او سكت على سوء فسلم ". ([12])
القول الحسن
1/ حين تكون العلاقة بين الناس، علاقة العطاء والايتاء، تكون قيمة الاحسان سائدة بينهم عملياً ، وقيمة الكلمة الطيبة جارية بينهم قولياً . والصلة بين الاحسان والقول الحسن، هي صلة العطاء؛ فكلاهما بذل وانفاق واداء حق. فاذا كانت حاجة الفرد تقتضي الانفاق، فان كرامته تقتضي الاحترام بالكلمة الطيبــة . دعنا نتدبر في قول ربنا سبحانه : « وإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرآئِيلَ لاَتَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وءَاتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ » ( البقرة / 83 ) . ترى كيف أصبح القول للناس حسناً ، مرادفاً للاحسان الى الوالدين وذي القربى؟ 2/ والقول الحسن، هو الذي لايثير الحزازات بين الناس؛ هو كلام يستحسنه الناس المخاطبين . فربما كانت كلمة عندك حسنة ، وعند من تخاطبه سيئة. فعليك ان تتجنبها، لانها تنزغ بينك وبينه. قال الله سبحانه : « وَقُل لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً » ( الاسراء / 53 ) . ولان في الكلام حسن واحسن ، فلابد ان ننتخب الاحسـن أنّى استطعنا الى ذلك سبيـلاً . وهـذا يعني ضرورة التفكر في اختيار الكلمات قبل القاءهـا الى الناس . وقـد جـاء في الحديث المأثور عـن أميـر المؤمنين عليـه السلام: "من لم يرع في كلام، أظهــر هجـره". ([13]) وجاء في حديث آخر مروي عن سليمان بن مهران، قال: دخلت على الصادق عليه السلام ؛ وعنده نفر من الشيعة، فسمعته وهو يقول: "معاشر الشيعة؛ كونوا لنا زيناً، ولا تكونـوا علينا شيناً. قولوا للناس حسناً، واحفظوا ألسنتكم، وكفوا عن الفضول وقبيح القول". ([14]) 3/ ومن احسن الكلمات الدعاء الى الله سبحانه ، والشهادة بالاسلام . ( فمن اذعن تسليمه للحق ، اطمئن إليه الناس، وعرفوا انهم سوف يسلمون من يده ولسانه. أليس يتبع الحق، ولا يتجاوزه الى باطل ؟ ) قال الله سبحانه : « وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّن دَعَآ إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ » ( فصلت / 33 ) .
بصائر الآيـات
1/ القول الحسن، من الاحسان الى الناس . 2/ وعلينا ان نختار أحسن القول، لكي لاينزغ الشيطان بيننا . 3/ ومن القول الحسن الدعوة الى الله ، والشهادة بالاسلام والتسليم .
فقه الآيـات
( البقرة / 83 ) و ( الاسراء / 53) ؛ فيما يتصل بالعلاقة بين المؤمنين، علينا ان نتجنب ما يثير الحمية الجاهلية، او اثارة العصبيات، او أي شيء يفسد العلاقة. فاذا علم الانسان ان العلاقة تفسد بكلمة هجر او نداء او ما أشبه، فعليه ان يتجنبها . واما فيما يرتبط بالعلاقة مع الفاسقين، فان كانت الحكمة تقتضي الكلمة الحسنى، فعلينـا انتخابها في مخاطبتهم. ولكن اذا اقتضت الحكمة غير ذلك، كالغلظة معهم بهدف نهيهم عن منكرهم، فانها لازمة.
في رحاب الأحاديث
1/ جاء في الحديث المأثور عن الامام أمير المؤمنين عليه السلام، انه قال: " ثلاث من أبواب البر؛ سخاء النفس، وطيب الكلام، والصبر على الاذى". ([15]) 2/ وعن النبي صلى الله عليه وآله، انه قال : "والذي نفسي بيده؛ ما أنفق الناس من نفقة احب من قول الخير". ([16]) 3/ وعن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (الامام الصادق عليه السلام)، قال: سمعته يقول: "اتقوا الله ولا تحملوا الناس على اكتافكم. ان الله يقول في كتابه: (وقولوا للناس حسناً)". ([17])
الجهر بالقول السيء
1 / الكلمة الطيبة تنبعث من قلب مؤمن ، وتزرع في المجتمع الثقة والأمل . بينما الكلمة الخبيثة تبعث اليأس وتفرق بين الناس . والله لا يحب الكلمة السيئة ، إلاّ إذا كانت في مواجهة ظالم. قال الله تعالى : « لاَ يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً » ( النساء / 148) . 2 / وفيما يتصل بالظلـم ؛ ذكَّـرنـا اللـه تعالى ، بأنه لا سبيل على من ظلم ، حيث قـال اللـه سبحانـه : « وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِن سَبِيلٍ » (الشورى/ 41) . 3 / كما انه جعل جزاء سيئة، سيئة مثلها. (وهكذا نفقه حدود الجهر بالسوء من القول، انه يجب ان يكون في درجة الظلم، لا أكثر ). قال الله سبحانه : « وَالَّذِينَ إِذَآ أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ * وَجَزآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَاَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ » ( الشورى / 39 - 40 ) . ومن هنا لايجوز ان يتجاوز المظلوم حدوده في فحش الظالم والجهر بالسوء، فيتحول الى ظالم مثله او الى اظلم منه. وقد جاء في الحديث عن سماعة قال : دخلت على أبي عبد الله (الامام الصادق عليه السلام) فقال لي مبتدئاً: "يا سماعة؛ ما هذا الذي كان بينك وبين جمّالك ؟! إيّاك ان تكون فحّاشاً او صخّاباً او لعّاناً". فقلت: والله لقد كان ذلك، إنه ظلمني. فقال: "إن كان ظلمك، لقد أربيت عليه. ([18]) إن هذا ليس من فعالي، ولا آمر به شيعتي. استغفر ربّك ولا تعد". قلت: استغفر الله، ولا أعود". ([19]) . 4/ ومن الجهر بالسوء سبّ الالهة التي تعبد من دون الله، لان ذلك يجعل المشركين يسبّون الله عدواً بغير علم ، لأنهم قد زين لهم عملهم فتراهم يقدسون الالهة. وإذا اسأنا الحديث عنها، يسيئون الأدب الى رب العزة. قال الله تعالى : « وَلاتَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّوا اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ اُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ » ( الانعام / 108 ) .
بصائر الآيات
1/ الكلمة البذيئة لايحبها الله سبحانه، إلاّ اذا ظلم الشخص فاراد ان ينتصر لنفسه بذلك . 2/ ولا سبيل على من ظلم فانتصر ، ولكن شريطة ان يرد السيئة بسيئة مثلها. اما اذا عفا واصلح، فان اجره على الله سبحانه .
فقه الآيـات
1/ ( النساء / 148 ) و ( الانعام / 108 ) ؛ لابد ان يتجنب المسلم الفحش والبذاء ، فانه انتهاك لحرمة الناس وظلم لهم . ولذلك يجوز ذلك لمن ظلم، لان الحرمات قصاص ، ولان جزاء سيئة سيئة مثلها ، ولان من اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم . 2/ والله سبحانه اذن للمظلوم ان ينتصر ممن ظلمه ، شريطة ألاّ يعتدي . وهكذا لايجوز سبّ الالهة المزيفة التي تدعى من دون الله، واثارة مشاعر المشركين، مما تؤدي الى سبهم الله سبحانه .. وحكمة ذلك تقتضي النهي عن أي سب، او أي كلام يؤدي الى كلام بذيء من قبل الكفار والمشركين تجاه المقدسات الدينية . ونستفيد من هذه البصائر ؛ ان على المتكلم ان يتفكر قبل القاء حديثه في مختلف ابعاد كلامه، حتى لايتسبب في خطيئة او معضلة .
في رحاب الاحاديث
1/ عن سليم بن قيس ، عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن الله حرّم الجنّة على كل فحّاش بذيء ، قليل الحياء ، لا يبالي ما قال ولا ما قيل له. فانك إن فتّشته، لم تجده إلاّ لغيّة او شرك شيطان. فقيل : يا رسول الله؛ وفي الناس شرك شيطان ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : اما تقرأ قول الله عز وجل: "وشاركهم في الأموال والأولاد". ([20]) 2/ عن أبي جعفر عليه السلام قال: "إن الله يبغض الفاحش المتفحّش". ([21]) 3/ عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "ان الفحش لو كان مثالاً لكان مثال سوء". ([22]) 4/ عن سماعة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "إنَّ من شرّ عباد الله، من تكره مجالسته لفحشه". ([23]) 5/ قال أبو عبد الله عليه السلام: "إنَّ الفحش والبذاء والسلاطة من النفاق". ([24]) 6/ قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "ما كان الفحش في شيء قطّ إلاّ شانه ، ولا كان الحياء في شيء قطّ إلاّ زانه". ([25]) 7/ عن جابر ، عن ابي جعفر عليه السلام ، في قوله تعالى: « وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً » قال: " قولوا للناس احسن ما تحبّون ان يقال لكم ، فان الله يبغض اللعان السباب الطّعان على المؤمنين ، المتفحش السائل الملحف". ([26]) 8/ وعن النبي صلى الله عليه وآله ، قال : "أربعة يزيد عذابهـم على عذاب أهل النار ؛ - الى ان قال - ورجل يستلذّ الرّفث والفحش ، فيسيل من فيه قيح ودم". ([27]) 9/ عن هشام بن الحكم قال : قال الكاظم عليه السلام: "ان الله حرّم الجنة على كل فاحش بذيء، قليل الحياء، لا يبالي ما قال ولا ما قيل فيه". ([28])
السـؤال ([29])من ابواب المعرفة السؤال ، وقيمته ناشئة من قيمة العلم ، لانه السبيل اليه . والقرآن هدى للسائلين الباحثين ، وقد أمر القرآن بالسؤال في موضوعات مختلفة ، وحدد مواصفات من نسأله ، وبين متى نسأل ، وكيف نسأل .
آيات للسائلين :
1 / في قصة يوسف ويعقوب عليهما السلام ، وما مرّا به من ابتلاء عظيم ، عبر كثيرة . ولكن السائلين هم الذين يستفيدون من هذه العبر ، (لانهم يبحثون عنها . ومن لا يبحث عن معرفة ، كيف يمكنه ان يبلغها ؟) قال الله تعالى : « لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ ءَايَاتٌ لِلسَّآئِلِينَ » ( يوسف / 7 ) . 2 / وهكذا نعرف قيمة السؤال ، لانها ناشئة من قيمة الآية التي هي مفتاح المعرفة . قال الله سبحانه : « وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَآ اقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَآءً لِلسَّآئِلِينَ » (فصلت/ 10) . 3 / وقد أمر الله النبي صلى الله عليه وآله بالسـؤال من بني اسرائيل ، كم اتاهـم الله من آية بينة . وواضح ان القرآن نزل بصيغة " اياك اعني واسمعي يا جارة " ، فعليه ان يقوم كل فرد بمثل هذا السؤال . ولعله سؤال ينتهي الى ادانة اولئك الذين كفروا بآيات الله . قال الله تعالى : « سَلْ بَنِي إِسرَآئِيلَ كَمْ ءَاتَيْنَاهُمْ مِنْ ءَايَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللّهِ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُ فإِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ » ( البقرة / 211) . 4 / وقال الله سبحانه : « وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ ءَايَاتٍ بَيِّنَاتِ فَسْأَلْ بَنِي إِسْرآئِيلَ إِذْ جَآءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لاَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُوراً » ( الاسراء / 101 ) . 5 / ومثل هذا السؤال الذي هدفه رفع الشك ، (بالمقارنة بين المعلومات التي يملكها والتي يحصل عليها من السؤال)، لابد ان يكون من اهل الخبرة . فإذا كان السؤال حول بني اسرائيل وما نزل عليهم من الآيات سئلوا ، واذا كان حول عموم الكتب الالهية فانه يسئل عنها اهلها. قال ربنا سبحانــه : « فَإِن كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّآ أَنْزَلْنَآ إِلَيْكَ فَسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ لَقَدْ جَآءَكَ الْحَقُّ مِن رَبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ » (يونس/94) . 6 / وهكذا اذا عرفنا حقيقة الرسالة ، يمكننا ان نقارنها بما نزلت من الرسالات الالهية في محتواها واصولها العامة ، فما نزلت رسالة إلاّ بالتوحيد ، (والدعوة الى عبادة الله وحده) . قال ربنا تعالى : « وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُسُلِنَآ أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ ءَالِهَةً يُعْبَدُونَ » ( الزخرف / 45) . 7 / وقد يكون السؤال عن مفردة من حقائق الرسالة، ( مثل جزاء من ارتكب ذنباً ) كقصة اصحاب السبت التي يرويها القرآن بعد ان يأمرنا بالسؤال عنهـا . فيقول الله عز وجـل : « وَسْاَلْهُمْ عَنِ الْقَـرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْـرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَيَسْبِتُونَ لاَتَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ » (الاعراف/163) . 8 / وفيما اذا كانت القضيـة غامضة من وجوهها المتعددة ، فهناك يكون التساؤل الجمعي . فكل يسأل صاحبه ، فربما تجمعت من خلال الاجابة معلومات متناثرة ، وكانت مجموعها آيات كافية . قال الله تعالى : « وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَآءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَآئِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ » (الكهف/ 19) .
مــن نســأل :
لابد ان يتصف من نسأله بشرطين ؛ الخبرة ، والثقة .
الف : فسئل به خبيرا .
1 / والشرط الاول لمن نسأله ان يكون خبيرا ، فلا يسأل الجاهل مثله . قال ربنا سبحانه : « الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالاَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَسْاَلْ بِهِ خَبِيراً » ( الفرقان / 59 ) . 2 / والخبير هو الذي له معرفة وخبرة بالشيء ، مثل العادّين فيما يتصل بما نحصي من السنين . قال ربنا سبحانه : « قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الاَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَسْأَلِ الْعَآدِّينَ » (المؤمنون / 112- 113) . 3 / ومثل السؤال من ركب السفر كما جرى في البلاد النائية ، او عن القرية ( واهلها ) فيما يرتبط بالحوادث التي جرت فيها . قال ربنا سبحانه : « وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وإِنَّا لَصَادِقُونَ » (يوسف / 82) . ولعل التعبير بالقرية والعير للدلالة على كل فرد فرد منها ، بخلاف التعبير بأهل القرية او أصحاب العير ، لان ذلك يحتمل فرداً دون آخر .
باء : فاسألوا اهل الذكر .
1 / والصفة الثانية لمن تسأله ان يكون اهلا للذكر ، فيكون قد اهتدى الى الحقيقة التي نبحث عنها ويدعي انه عارف بها . فلا يكون علم مجرد لكلمات يتفوه بها ، بل حقائق يعرفها حق المعرفة . قال الله تعالى : « وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُم لاَ تَعْلَمُونَ * بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ » ( النحل / 43 - 44) . وهناك اكثر من نقطة نستفيد منها في الآية ، نستعرضها فيما يلي : الف : ان من تسألـه ينبغــي ان يكون من اهل الذكــر ، الذي يقول عنهم ربنا سبحانـه : « رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ » ( النور / 37) . والذكر هـو القرآن الذي قال عنـه ربنـا : « وَهَـذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ أَفَاَنتُمْ لَهُ مُنكِــرُونَ » ( الانبياء / 50) . واهل الذكر هم اولوا الالباب . قال الله سبحانه : « وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلآَّ اُوْلُواْ الأَلْبَابِ » ( آل عمران / 7) . باء : ان من تسأله ، ينبغي ان يكون عارفاً بالبينات والزبر . فهو قد تذكر بالآيات البينات، وبالكتب . فهو عارف بالدين عن يقين ، لان ادلته آيات بينات لا ريب فيها . جيم : ان من يسأل ، ينبغي ان يتفكر . فلا يكفي ان يسأل عالماً ، بل عليه بعد الاستماع اليه ان يفكر فيما قاله . 2 / وقال ربنا سبحانه : « وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَسْاَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ » ( الانبياء / 7 ) .
متـى نسـأل :
لابد ان نسأل - حين نسأل - في الوقت المناسب ، حين ينزل القرآن ويحين ميعاد بيان الحق . فليس كل فرد في كل وقت اهلاً لتلقي الحق ، فقد يكون كارها له فينكره فيهلك . بينما اذا انتظر وقته المناسب ، الذي يتمثل في التهيئة النفسية التي تساهم في انشاءها الحوادث والعبر وتراكم الخبرات . 1 / وهكذا نهى القـرآن عن السؤال عن اشيـاء ، لما يبلغـوا درجة النضج لمعرفة اجوبتهـا . فقال ربنا سبحانه : « يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ تَسْاَلُوا عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُـمْ وَإِن تَسْاَلُـوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُـرءَانُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللّهُ عَنْهَا وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيــمٌ » ( المائدة/101) . 2 / ولعلنا نجد تفسير هذه الآية في قصة النبي موسى مع العالم الذي طلب منه ان يعلمه مما علم الله ، فاشترط عليه ألاّ يسأله عن شيء حتى يحدثه . (فقد يكون في الحوادث الآتية شواهد على موضوع السؤال) . قال الله تعالى (وهو يقص علينا قصة موسى مع العالم ، لعلنا نعرف كيف نصبر عن السؤال حتى يحين وقت التعليم ، وبالتالي نتعلم فن التعلم) : « فَوَجَدَا عَبْداً مِنْ عِبَادِنَآ ءَاتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً * قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً * قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً * وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً * قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَآءَ اللَّهُ صَابِراً وَلآ أَعْصِي لَكَ أَمْراً * قَالَ فإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلاَ تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّى اُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً » ( الكهف / 65 - 70 ) . وهكذا نستضيء بهذه الآيات في منهجية المعرفة : الف : ان لكل انسان درجة معينة من الايمان والمعرفة ، فلا يحاول ان يقفز من عليها فيسقط ويهلك . باء : على السائل ان يستعين بالله على التعلم ، وعلى استيعاب الحقائق التي قد لا يتحملها . جيم : ان يطيع المتعلم من يستفيد منه ، وان يتبعه . دال : ألاّ يعترض عليه ، ولا يسأله حتى يبادر المعلم لتوضيح الامر له . (والسؤال هنا قد يكون بمعنى الاعتراض) .
بصائر الآيات
1/ (السؤال من ابواب المعرفة) ، وفي قصص الماضين آيات للسائلين ، كما في خلق الله (آيات) سواء للسائلين . 2/ وأمر الله تعالى النبي صلى الله عليه وآله ، ان يسأل بني اسرائيل (سؤال اعتراض) عن الآيات التي أتاهم الله . (مما نفهم إن من السؤال ما هو سؤال انكار ، او سؤالاً يهدف اعتراف الطرف الآخر) . وقد يكون سؤال استفهام ، كما امر الله بان يسأل بنوا اسرائيل عن الآيات البينات التسع . 3/ وكذلك امر الوحي بالسؤال ممن كان يقرء الكتاب من قبل ، لرفع الشك . ولعل هدف مثل هذا السؤال ، بيان وحدة اصول الرسالات الالهية ؛ وابرزها اصل التوحيد ، ونفي الآلهة . 4/ والسؤال يكون من الخبير (الذي له معرفة وفهم بالشيء . مثلاً ؛ السؤال من العادّين حول احصاء السنين ، وسؤال أهل القرية عما جرى فيها، كما جاء في قصة النبي يوسف). 5/ وفيما يتصل بالرسالة ، لابد من سؤال أهل الذكر الذين يعلمون البينات والزبر ، (وهم اوصياء الرسول) . وأهل الذكر هم أهل القرآن ، الذين رسخوا في العلم ولا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله . 6/ ولكل سؤال ميعاده ، فلا يجوز ان نسأل عن اشياء ان تبد تسوءنا . ولعل تفسير ذلك نعرفه بالتدبر في قصة النبي موسى عليه السلام مع العالم ، حيث سأل في غير الوقت المناسب للسؤال .
فقه الآيـات
1/ ( يونس / 94) ؛ لكي يبدد الانسان وساوس الشيطان التي تثير الشك والارتياب في عقائده ، عليه ان يسأل اهل المعرفة . ونستفيد من هذه البصيرة الحقائق التالية : ألف : اساساً تبديد الريب من القلب ، فريضة واجبة على كل انسان . فلا يجوز ان يهمل قضايا دينه فيبقى في شك منها ، بل إن عليه ان يجاهد ويكافح حتى يبدد الشكوك والريب بتوفيق الله ، لكي يكون على بصيرة من دينه . باء : ومن أجل تبديد الشك يجوز لك ان تسأل الخبير حتى ولو لم تثق بدينه ، كما أمرنا بأن نسأل اهل الكتاب ، سواءً للاحتجاج عليهم او لمعرفة جانب من الحقيقة . وليس هذا من نمط رجوع الجاهل الى العالم (وتقليده) ، بل من باب ان الحكمة ضالة المؤمن يأخذها انى وجدها . 2/ (النحل / 43-44) ؛ الجاهل بالبينات والزبر يرجع الى العالم بهما ، شريطة ان يكون العالم ممن انتفع بعلمه فصار من أهل الذكر . والحقائق التالية ، نستفيدها من هذه البصيرة الهامة : ألف : ان العلم يؤخذ من الرجال ، وليس من الصحف والكتب . وقد بعث الله رجالاً يوحي اليهم ، ولم ينزل قراطيس بلا بشر . باء : ان البحث عن علماء ربانيين من أهم مسؤوليات المؤمن ، ولا يجوز اهمال هذا الحقل العام ، والاسترسال في اتباع من تيسر من العلماء . جيم : لعل في الآية دلالة على ضرورة حياة من نرجع اليه ، مما يعني عدم جواز تقليد الميت ابتداءً ، والله العالم .
في رحاب الأحاديث
1/ قال أبو جعفر عليه السلام : " إن القرآن شاهد الحق ، ومحمد صلى الله عليه وآله لذلك مستقر . فمن اتخذ سبباً إلى سبب الله لم يقطع به الاسباب ، ومن اتخذ غير ذلك سبباً مع كل كذّاب . فاتقوا الله فإن الله قد اوضح لكم اعلام دينكم . ومنار هداكم . فلا تأخذوا أمركم بالوهن ، ولا أديانكم هزؤاً فتدحض اعمالكم ، وتخطؤا سبيلكم . ولا تكونوا في حزب الشيطان ، فتضلّوا . يهلك من هلك ، ويحيى من حيّ ، وعلى الله البيان. بيّن لكم فاهتدوا ، وبقول العلماء فانتفعوا ، والسبيل في ذلك الى الله . فمن يهدي الله فهو المهتدي ، ومن يضلل فلن تجد له وليّاً مرشداً ". ([30]) 2/ قال النبي صلى الله عليه وآله : "خذوا العلم من أفواه الرجال" . ([31]) 3/ وقال عليه السلام : "الحكمة ضالة المؤمن ، يأخذها حيث وجدها" . ([32]) 4/ قال أبو عبد الله عليه السلام : " من دان الله بغير سماع من عالم صادق ألزمــه الله التيه الى الفناء ، ومن ادّعى سماعاً من غير الباب الذي فتحه الله لخلقه فهو مشرك ، وذلك الباب هو الأمين المأمون على سرّ الله المكنون ". ([33]) 5/ عن جعفر ، عن أبيه عليهما السلام ؛ ان علياً عليه السلام قال : " إياكم والجهّال من المتعبّدين ، والفجّار من العلماء ، فانهم فتنة كل مفتون " . ([34]) 6/ قال أبو عبد الله عليه السلام : " إن من العلماء من يحب أن يخزن علمه ولا يؤخذ عنه ، فذاك في الدرك الأول من النار . ومن العلماء من إذا وعظ أنف وإذا وعظ عنف ، فذاك في الدرك الثاني من النار . ومن العلماء من يرى أن يضع العلم عند ذوي الثروة والشرف ولا يرى له في المساكين وضعاً ، فذاك في الدرك الثالث من النار . ومن العلماء من يذهب في علمه مذهب الجبابرة والسلاطين ، فإن ردّ عليه شيء من قوله أو قصّر في شيء من أمره غضب ، فذاك في الدرك الرابع من النار . ومن العلماء من يطلب احاديث اليهود والنصارى ليغزر به علمه ويكثر به حديثه ، فذاك في الدرك الخامس من النار . ومن العلماء من يضع نفسه للفتيا ويقول : سلوني ، ولعله لا يصيب حرفاً واحداً ، والله لايحب المتكلفين ، فذاك في الدرك السادس من النار . ومن العلماء من يتخذ علمه مروة وعقلاً ، فذاك في الدرك السابع من النار . ([35]) 7/ عن أبي البختري ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : " إن العلماء ورثة الانبياء ، وذلك ان الانبياء لم يورّثوا درهماً ولا ديناراً ، وإنما ورّثوا احاديث من احاديثهم . فمن أخذ شيئاً منها ، فقد أخذ حظّاً وافراً . فانظروا علمكم هذا عمن تأخذونه ، فانّ فينا أهل البيت في كلّ خلف عدولاً ينفون عنه تحريف الغالين ، وانتهال المبطلين ، وتأويل الجاهلين " . ([36]) 8/ عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام، أنه قال: " من دان الله بغير سماع عن صادق، ألزمه الله التيه الى يوم القيامة " . ([37]) 9/ عن البزنطي ، عن أبي الحسن عليه السلام في قول الله عز وجل : « ومن اضلُّ ممن اتبع هواه بغير هدى من الله » قال : " يعني من اتخذ دينه رأيه ، بغير هدى إمام من أئمة الهدى ". ([38])
العمل الصالح
ما هو العمل الصالح :
عندما تلونا معا آيات الصلاح والاصلاح ، استهدينا بها الى معنى الصلاح ، وانه فطرة الله وسنته ، وانه ضد الفساد الذي هو انحراف عن الفطرة والسنة . والعمل الصالح ، هو السعي في إتجاه الفطرة الالهية ، وقد ضرب القرآن امثلة له . وعندما نتلو آيات عن حقائق العمل الصالح ، نزداد وعياً بآفاق هذه الكلمة القرآنية . ولكننا هنا نستضيء بثلاث آيات قرآنية ، ونكتفي بهما - عاجلاً - في استيضاح العمل الصالح . 1 / اذا سعى المؤمن الى الجهاد ، فكلما يصيبه في الطريق من عطش او تعب او جوع ، وكلما يصدر منه من حركة ، وكلما يصيب العدو ؛ كل اولئك يكتب له به عمل صالح ، قال الله تعالى : « مَاكَانَ لاَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِنَ الاَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُوا عَن رَسُولِ اللّهِ وَلا يَرْغَبُوا بِاَنْفُسِهِمْ عَن نَفْسِهِ ذَلِكَ بِاَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلا يَطَأُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللّهَ لايُضِيعُ أَجْرَ الْمُـحْسِنِينَ * وَلا يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً وَلا يَقْطَعُونَ وَادِياً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللّهُ أَحْسَنَ مَاكَانُوا يَعْمَلُونَ » ( التوبة / 120 - 121) وهكذا نعرف محدودات العمل الصالح ، وهي التالية : الف : ان يكون في سبيل الله (وفي الاتجاه الصحيـح ؛ مثل الجهاد الذي هو سعي مركـز يهدف اصلاح ما افسده الكفار) . باء : ان يستدعي حركة من الانسان ، (كاصابته بنصب أو ظمأ وجوع) . جيم : او ان يقتضي اثرا في الواقع ، (كخطوة تغيظ الكفار) . وامثلة هذه المحدودات الواقعية معروفة من الاية ، وهي اربعة انواع : أولاً : نوع فيه اصابة ونيل من العامل نفسه ، كالجوع والعطش . ثانياً : نوع فيه حركة وسعي ، كالخطوات التي تغيظ الكفار . ثالثاً : نوع فيه نيل من الكفار ، ( كالمثل السابق ) . رابعاً : ونوع فيه العطاء ، كالانفاق . 2 / والعمل الصالح هو الذي يرضاه الرب . (فالمعيار في معرفة العمل الصالح ، هو فعل يرضاه الله) . قال الله تعالى عن لسان النبي سليمان عليه السلام : « فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ » ( النمل / 19) 3 / وقال الله سبحانه : « قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ » ( الاحقاف / 15)
بواعث العمل الصالح :
الايمان هو اصل كل فضيلة ، وكل عمل صالح . والعمل الذي لا يصدر عن ايمان ، لا يتقبل ؛ بل ليس بعمل صالح ، لان النية (والهدف المبتغى من الفعل) جزء لا يتجزأ من العمل ؛ انها صبغته وروحه ومحتواه . كما ان العمل الصالح يفيض من الايمان ، كما الماء من النبع ، والضوء من المصباح . وهكذا نستدل على الايمان بالعمل الصالح ، وعلى العمل الصالح بالايمان . ولعله لذلك نجدهما يذكران معا في آيات الذكر الحكيم . ولعل هذا يهدينا الى مدى انبعاث المؤمن الى العمل الصالح بدافع ايمانه . 1 / والمؤمن يرى الدنيا مزرعة الاخـرة ، ويعرف ان ما فيها ينفد ، بينما يبقى ما عند الله من ثواب العمل الصالح مذخوراً . قال الله تعالى : « مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُم بِاَحْسَنِ مَا كَانُو يَعْمَلُونَ » ( النحل / 96) 2 / ويرى ان حاجته الى كل مثقال ذرة من العمل الصالح ، حاجة شديدة ، يوم لا ينفع مال ولا بنـون إلاّ من اتى الله بقلب سليـم .. ذلك يوم التغابــن . اولم يقل ربنا سبحانه : « فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ » ( الزلزلة / 7 ) 3 / وقال ربنا سبحانه : « فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ » (المؤمنون/102) وهكذا يسعى المؤمن في سبيل زيادة ميزان حسناته ، ولو بمقدار مثقال ذرة ، لانه ينفعه في يوم القيامة ، يوم الفصل . ويزداد المؤمن شوقاً الى الحسنات ، كلما تليت عليــه آيات الذكر التي فيها ثواب العمل الصالح ، وعقبى العاملين صالحاً ، وندم الذين فرّطوا في جنب الله فلم يعملوا صالحاً ، وذلك موضوع الآيات التالية .
عقبى العمل الصالح :
العمل الصالح يرفع الى الله ويبقى عنده (في عليين) ، وان الله يخرج صاحبه من الظلمات الى النور ، ويحييه حياة طيبة ، ويستلخف صاحبه في الارض ، وانه لمن خير البرية الذين يجعل الله لهم وداً . كل ذلك في الدنيا ، اما في الاخرة فإن الله سبحانه يغفر لمن يعمل صالحاً ، ويبدل سيئاته حسنات ، ويدخله في رحمته ، وانه لا يظلمه سبحانه ، كما وان الله يجزيه الجزاء الاوفى ، وجزاء الضعف جزاءً غير ممنون يتمثل في الدرجات العلى ، جنات تجري من تحتها الانهار . تعالوا نتدبـر في آيات القرآن ، لكي نزداد شوقاً الى العمل الصالح ، ورغبة في ثواب الله العظيم .
ألف / العمل الصالح يرفعه
1 / الى الله يصعـد الكلم الطيب ، وهو يرفع العمل الصالح . (فهو يتقبله اذا كان خالصاً لوجهه ) . قال الله سبحانه : « اِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ » (فاطر/10) 2 / والله سبحانه يحفظ هذا العمل الصالح في مقام عالي ، وهو القائل : « كَلآَّ إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ * وَمَآ أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُونَ * كِتَابٌ مَرْقُومٌ * يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ » ( المطففين / 18 - 21 ) 3 / وكلما سعى الانسان رأى سعيه امامه ، وجزاه الله عليه الجزاء الاوفى . قال الله سبحانه : « وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزَآءَ الأَوْفَى » (النجم / 39 - 41)
باء / حياة طيبة
1 / عاجلاً في الدنيا يرى المؤمن عمله الصالح ، عندما يـرزقه الله حياة طيبة ، حيث يجزيه الله اجره بأحسن ما كان يعمل . قال الله سبحانـه : « مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِن ذَكَرٍ أَوْ اُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِاَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ » (النحل / 97) 2 / واول حقائق الحياة الطيبة ؛ النور الذي يرزقه الله ، فيخرجه من ظلمات الضلالة الى نور الهدى . قال الله سبحانه : « رَسُولاً يَتْلُواْ عَلَيْكُمْ ءَايَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الاَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً » (الطلاق/11) 3 / والله يجعل لهم وداً ، (تطيب نفوسهم وتطهر من الاحقاد ، ويحب بعضهم بعضاً ، ويزدادون تعاوناً) . قال الله سبحانه : « إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً » (مريم/96) 4 / ثم يستخلفهم في الارض (ويمكّنهم فيها ، فإذا هم ظاهرون غالبون ) . قال الله تعالى : « وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الاَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ » ( النور / 55) 5 / وهكذا كان الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، هم خير البرية . (فهم جند الله ، وحزب الله ، وعباد الرحمن) . قال الله سبحانه : « إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيِّةِ » ( البينة / 7 )
جيم / مغفرة ورحمة
1 / يتطلع المؤمن الذي هداه الرب بعد ضلالة ، ووفقه للعمل الصالح بعد اقتراف السيئات ؛ يتطلع الى مغفرة الله ورضوانه ، وقد وعده الرب الرحيم ان يبدل سيئاته حسنات . قال تعالى : « إِلاَّ مَن تَابَ وءَامَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً » ( الفرقان / 70) 2 / وهكذا كان هذا الوعد الالهي ، يرغب الناس في المبادرة الى الايمان بالرسول محمد صلى الله عليه وآله ، والوحي الحق الذي نزل عليه . قال الله سبحانه : « وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَءَامَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ » ( محمد / 2 ) 3 / وقال الله سبحانه : « وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ » (التغابن/ 9) 4 / وقد تكون ذنوب المرء كبيرة ، إلاّ ان رحمة الله اعظم ، وقد وعد سبحانه بالغفران (الكبير والمكرر) . قال الله تعالى : « وإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَن تَابَ وءَامَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى » ( طه / 82)