بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
ألف : على المؤمن ان يبحث عن التجمع الايماني الخالص لينتمي اليه ، ولا يسترسل في اتباع أي حزب او تجمع يلقاه امامه . باء : من ابرز علامات التجمع الايماني ، تجنب الذاتيات والتوجه الى خير الناس . جيم : على القيادة الدينية ان تـقرب هؤلاء الذين همهم الدين والخير .. لا أهل المال والقوة .. 2/ ( آل عمران / 114) ؛ حين يدافع القرآن ، الكتاب الالهي المهيمن على ما قبله من الكتب المنزلة ، حيث يدافع عن طائفة من اهل الكتاب ممن اخلص ايمانه لله ، فان ذلك يعني : ان القرآن كتاب الله الحق ، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه او من خلفه . فلا يخالط اياته ذرة من العصبية والحمية .. وهذا يعني ايضاً ان على تابعي كتاب الله ، ان يزنوا الناس بالقسطاس المستقيم ، القائم على اساس الحق والعدل . فاذا كان انسان يتصف بهذه الصفات المثلى ، فعلينا احترامه ، لان هذه الصفات هي القيم التي نبحث عنها . اما من اظهر الايمان ثم كفر بكل القيم المثلى ، فكيف نستطيع احترامه ؟ 3/ ( الانبياء / 89 - 90 ) ؛ كل فرد طاقة ، ولكن اذا اجتمع مع غيره فان طاقته تتضاعف . واذا كانت هنالك اسرة ذات صبغة ربانية ، فانها تملك طاقات هائلة . فأين تصرف ، ومن اجل أي هدف ؟ ان المسارعة في الخيرات ، هدف سام للاسرة المثلى . ونستوحي من ذلك ؛ انه ينبغي لكل اسرة فاضلة ان تبحث عن عمل خير تتبناه ، (مثل دار للايتام ، او بناء مسجد ، او ادارة مشروع لبلاغ الرسالة ، او ما اشبه ..) او تكون متطوعة لكل عمل خير تتوفر لها فرصته . 4/ ( المائدة / 48) و ( البقرة / 148) ؛ الاختلاف ظاهرة فطرية ، ولايزال البشر مختلفين إلاّ من رحم ربك . وبالرغم من ضرورة بذل كل الجهد الممكن في مسيرة التوحيد ، إلاّ ان علينا ان نبحث عن افضل البرامج المفيدة لحالات الخلاف . أوليست هذه الحالة هي السائدة عادة في الحياة ، فماهو البرنامج الأمثل ؟ نستفيد من القرآن الحكيم ؛ ان ذلك يتلخص في أمرين : اولاً / ارجاء طائفة من نقاط الخلاف الى الاخرة ، ليحكم الله فيها وينبئ البشر بما هو حق ، دون الالتهاء بالجدليات الفارغة . ثانياً / الاجتهاد في فعل الخير والتسابق فيه ، لكي تكون طاقة الخلاف باعثة نحو المزيد من العمل الايجابي والبناء . والحقائق التالية نتبصرها من خلال هذه الوصية الالهية : ألف : على الناس ألاّ يمنع بعضهم بعضاً من العمل البناء . فلا يجوز لاحد ان يمنع مسجـداً يعبد الله فيـه ، بحجة ان اهلـه يخالفـونـه في المذهب . وقـد قال الله سبحانه : « وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَآ اُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَآ إِلاَّ خَآئِفِين لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الاَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ » (البقرة / 114) . ولا يجوز لاحد ان يمنع احداً من الصلاة ، لان المصلي لايتبع مذهبه في طريقتها . وقد قال سبحانه : « أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْداً إِذَا صَلَّى » (العلق / 9-10) . ولا لاحد ان يمنع احداً من اداء فريضة الحج ، لعدم اتباع الآخرين لمذهبه الفقهي او نهجه السياسي .. وقد قال سبحانه : « يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللّهِ وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلآئِدَ وَلآ ءَآمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِن رَبِّهِمْ وَرِضْوَاناً وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَانُ قَوْمٍ اَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ » ( المائدة / 2 ) . وهكذا سائر الشعائر الالهية ، لا يحق لاحد ان يفرض رأيه في طريقة اقامتها وأداءها . بل لابد من إتاحة الفرصة لأهل سائر المذاهب ان يمارسوا شعائرهم بالطريقة التي يؤمنون بها ، ليتم التسابق الى الخيرات في اطارها . باء : وكذلك القوى السياسية في المجتمع ، لهم الحرية في ممارسة الاعمال الايجابية ، والتسابق الى الخيرات دون اية مزاحمة من مخالفيهم . ولا يجوز محاسبتهم على نياتهم ، او معاقبتهم على معتقداتهم ، بل الميزان العمل . فمادام عملهم ايجابياً بناءً ، فانهم أحرار في القيام به . جيم : على المجتمع والقوى المهيمنة فيه ، والنظام السياسي المطبق فيه، ان يوفر الفرص المتكافئة لجميع ابناءه بكل مذاهبهم الدينية وتياراتهم السياسية لممارسة اقصى جهدهم في البناء ، والتنافس في عمل الخير . فان هذه الحرية كفيلة بتنمية المجتمع ، وتطوره . دال : لان التسابق الى الخيرات قيمة ، فلابد ان توضع انظمة مناسبة لتشجيع السابقين ، الذين يؤدون خيراً اكثر ، وعملاً اصلح ، ونتائج أبعد . فليس سواءً من استبق فسبق ، ومن تكاسل وتخلف .
في رحاب الأحاديث
1/ جاء في وصية الامام موسى بن جعفر عليه السلام لهشام بن الحكم في حديث طويل قال : يا هشام .... ان أسرع الخير ثواباً البر ، وأسرع الشر عقوبةً البغي . ([54]) 2/ روي عن الامام علي بن الحسين عليه السلام في مناجاته انه كان يقول : الهي اجعلني من المصطفين الأخيار ، وألحقني بالصالحين الأبرار السابقين الى المكرمات ، المسارعين الى الخيرات ، العاملين للباقيات الصالحات ، الساعين الى رفيع الدرجات ، انك على كل شيء قدير وبالاجابة جدير ، برحمتك يا أرحم الراحمين . ([55]) 3/ قال الامام أمير المؤمنين عليه السلام : " افعلوا الخير ولا تحقّروا منه شيئاً ، فان صغيره كبير ، وقليله كثير" . ([56]) 4/ قال الامام أمير المؤمنين عليه السلام : "قولوا الخير تعرفوا به ، واعملوا به تكونوا من أهله" . ([57]) 5/ قال الامام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام : " عليكم بأعمال الخير فتبادروها ، ولا يكن غيركم أحق بها منكم". ([58]) 6/ قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام : "بادروا بعمل الخير قبل ان تشتغلوا عنه بغيره". ([59]) 7/ قال الامام الباقر عليه السلام : "من هم بشيء من الخير فليعجله ، فان كل شيء فيه تأخير فان للشيطان فيه نظرة". ([60])
الصـلاحوالاصـلاح
الف / الصلاح
ماهو الصلاح :
1/ النشوز والاعراض ، حالتان شاذتان في العلاقة بين الزوجين ، وضدهما الصلح ، (ألاّ يكون نشوز او اعراض، بل التعامل بالمعروف والتواصل) . قال الله سبحانه : « وإِن امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَآ أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَاُحْضِرَتِ الأَنْفُسُ الشُّحَّ » (النساء / 128) ونستفيد من الآية الحقائق التالية : أولاً : ان الصلح يتم بالتنازل عن بعض الحق ، للحصول على منفعة افضل ؛ (مثلاً استمرار العلاقة الحسنة بين الزوجين) . ثانياً : الصلح خير . (فالعلاقة الحسنة بين الناس ، أفضل من احقاق الحق في الامور الجانبية ، لان العلاقة الحسنة بذاتها حق وقيمة سامية الى جانب سائر قيم الحق) . ثالثاً : العامل النفسي ضد الصلح ، هو الشح وتمسك كل طرف بكل ما يحسبه حقاً له . (وهكذا يكون التشاح هو القيمة المضادة للصلح) . 2/ اذا خشي الفرد ( الوارث او الوصي او غيرهما ) مـن الموصي ان يجانب الحق جزئياً أوحتى كلياً ، فأصلح (بالحوار معه ليعطيه بعض حق الوارث في مقابل ترك المطالبة بكل حقه) ، فلا إثم عليه . قال الله سبحانه : « فَمَنْ خَافَ مِن مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَاَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلآ إِثْمَ عَلَيْهِ » (البقرة / 182) وهنا ايضاً جاء الصلح بمعنى التنازل عن بعض الحق ، لضمان الحصول على بقيته سلمياً وبلا تنازع . وهو أمر مشروع ، (لان الصراع غير مرغوب فيه) . 3/ والصالح هو الذي يعمل ما يكون فيه الصلاح . وانما يعرف الصالح بمن يخالفه ، (وهو الظالم لنفسه) . قال الله تعالى : « وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الاَرْضِ اُمَماً مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُم بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ » (الاعراف / 168) ونستلهم من سياق هذه الآية ؛ ان الصالح هو الذي لا يخالطه ذنب او إثم ، لان ربنا سبحانه يقول بعد هذه الآية : « فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الاَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ اَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ اَن لاَيَقُولُوا عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الاَخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ » (الاعراف / 169) فهذا الجيل أسوء حالاً، حتى من غير الصالحين ، الذي يصفه السياق بـ : « دُونَ ذَلِكَ» . 4/ وايضاً هناك غير الصالحين من الجن ، حيث يقول الله سبحانه : « وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَآئِقَ قِدَداً » (الجن / 11) وهكذا الصالح هو الانســان التام سلوكيا ، بينما غير الصالح هو الذي فيه نقص في عقيدته او عمله . ولعل المقارنة بينهما ، هي كالمقارنة بين الصحيح وغير الصحيح بدنيّاً . فغير الصحيح ، هو الذي يعاني من نقص او مرض .
الانبياء أسوة الصلاح :
1 / وهكذا كان مثال الصالح ، هم الانبياء العظام الذين عصمهم الله. فقال الله سبحانه عن النبي يحيى عليه السلام : « فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَآئِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ اَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِنَ الصَّالِحِينَ» (آل عمران/39) 2 / وقال الله سبحانه عن النبي عيسى عليه السلام : « وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ » (آل عمران / 46) 3 / وقال الله سبحانه عن بعض أهل الكتاب ( ولعل فيهم انبياء ) : « وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ » (آل عمران / 114) 4 / وقال الله تعالى عن جملة انبيائه عليهم السلام : « وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ » (الانعام / 85) 5 / وقال الله سبحانه عن النبي لوط عليه السلام : « وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَآ إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ » ( الانبياء / 75) 6 / وقال عز وجل عن جملة انبيائه عليهم السلام : « وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَآ إِنَّهُم مِنَ الصَّالِحِينَ » (الانبياء / 86) والصفات التي وصف بها الانبياء عليهم السلام، من خوف الله ، والمسارعة في الخيرات، وغيرها .. هي الصفات المثلى للصالحين . كما ان جزاء الانبياء ، من النصر والرحمة والسلام ، هي جزاء الصالحين .
الإنتماء الى الصالحين :
1 / بل ان الانبياء العظام كانوا يتطلعون الى مقام الصالحين عند الله . فهذا النبي الكريم يوسف الصديق يدعو الله سبحانه ان يلحقه بالصالحين ، فيقول الله سبحانه حاكياً عنه : « فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالأَخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ » (يوسف / 101) 2 / وهذا النبي إبراهيــم الخليل عليه السلام يدعو ربه ان يلحقه بالصالحين ، فيقول : « رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ » (الشعراء / 83) 3 / وقد رفع الله مقام انبيائه عليهم السلام، حين اخبرنا انهم في الآخرة من الصالحين . فقال الله سبحانه عن النبـي ابراهيـم عليه السـلام ، بعد ان اخبر انه كان شاكراً لأنعمه : « وَءَاتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الاَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ » (النحل / 122) 4 / وقال الله سبحانه عنه ايضاً ، في بيان اسلامه لرب العالمين : « وَمَن يَرْغَبُ عَن مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الاَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ » (البقرة / 130) 5 / وقال الله سبحانه عنه ايضاً ، (عند بيان تحديه للأوثان وتوقيه للنيران) : « وءَاتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الاَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ » (العنكبوت / 27) 6 / وهكذا يتطلع المؤمن ان يكون صالحاً في الدنيا ، وان يكون اولاده صالحين كأسمى تطلع له وأعظم أمل . قال الله سبحانه : « وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ » (الاحقاف / 15) وفي هذا السياق يذكّر القرآن الكريم بقيم الشكر والتسليم ، (كأنهما اهم ركائز الصلاح)؛ وان يكون الصلاح هدف الانسان في حياته، وهدفه في ذريته، وان يلحق بالصالحين من آبائه .
أولاداً صالحين :
1 / قال الله سبحانه عن النبي ابراهيم عليه السلام ، وأنه كيف تطلع الى ذرية صالحة : « رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ » (الصافات / 100) 2 / وقد استجاب الله دعاءه ، حين قال : « وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلاًّ جَعَلْنَا صَالِحِينَ » (الانبياء / 72) 4 / وقال تعالى عن النبي اسحاق عليه السـلام : « وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِّنَ الصَّالِحِينَ » (الصافات / 112) 5 / وفي بعض الآيات طلب بعض صفات الذرية الصالحة ، وهي ان تكون الذرية ممن يقيمون الصلاة . فقال ربنا على لسان ابراهيم الخليل عليه السلام : « رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَآءِ » (ابراهيم / 40) 6 / وان تكون الذرية بحيث تقر بها عينا الوالدين (من الصلاح والسلامة) . قال اللـه سبحانه : « وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً » (الفرقان / 74)
1 / الاصلاح اعادة الصلاح ، والصلاح هي فطرة الخلق الاولى ، بينما الافساد الانحراف عن تلك الفطرة . وهكذا يبـيّن الله سبحانه تدبيره للخلق ، وكيف قدره وأحسن تدبيره (الاعراف/54) ، ثم يقول : « وَلا تُفْسِدُوا فِي الاَرْضِ بَعْدَ اِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُـحْسِنِينَ » (الاعراف/56) 2 / والفطرة تقتضي ان تكون العلاقة بين الزوجين علاقة ايجابية . ( السكن ، والمعروف، والاحسان ، والتشاور ، هي سمات هذه العلاقة) . فإذا كانت علاقة شقاق ، فالأمر بحاجة الى اصلاح ، لكي تعود الى سابق صفاءها . قال الله سبحانه : « وإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَآ إِن يُرِيدَآ إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَآ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً » (النساء / 35) ولعل التوفيق ( وتأليف القلبين ) هو معنى الاصلاح هنا ، لان الله سبحانه قد جعل الزوجين بعضهما سكناً للآخر ، وجعل بينهما مودة ورحمة . 3 / والتعارف والتعاون والالفة ، هي سمات المجتمع الاسلامي . فاذا شجر الصراع والقتـال بين طائفتيـن منهم ، فعليهم ان يبادروا بالاصلاح لاعادة الحالـة الاولى . قال ربنا سبحانه : « وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَاَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الاُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَآءَتْ فَاَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَاَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ » (الحجرات / 9 - 10) 4 / والاصلاح يناقض الافساد ، والنية مهمة فيه ، والله هو الذي يعلم المفسد من المصلح . ( فلا يغني مجرد ادعاء الاصلاح الذي يطلقه المنافقون دوماً ) . قال الله تعالى : « وَيَسْاَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامى قُلْ إِصْلاَحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وإِن تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ » (البقرة / 220) ونستوحي من الآية ؛ ان مخالطة اليتامى بقصد اصلاح أمرهم مطلوبة ، وفي مثل هذا الأمر تعتبر الرقابة الذاتية مهمة جداً. 5 / وهكذا رد القرآن الكريـم ادعاء المنافقين بانهم مصلحون ، ونعتهم بالافساد . قال الله سبحانـه : « وإِِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَتُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * اَلآ إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لاَ يَشْعُرُونَ » (البقرة / 11 - 12) فالاصلاح ليس بالتمني ، وانما باتباع حدود الله وقيم الحق . 6 / ولعل احد ابرز تجليات الاصلاح، وجود معايير ثابتة عند المصلح، بينما المفسد يتبع هواه . وقد خشي المستضعف من بني اسرائيل ان يقتله موسى ، فزعم انه ليس مصلحاً . فقال الله سبحانه عن قصتهما : « فَلَمَّآ أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسَاً بِالاَمْسِ إِن تُرِيدُ إِلآَّ أَن تَكُونَ جَبَّاراً فِي الاَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ » (القصص / 19)
حقائق عن الاصلاح :
1 / وقد أمر النبي موسى عليه السلام أخاه هارون عليه السلام ، حينما استخلفه في غيابه لمناجاة ربه بالاصلاح ، (وكأنه من اهم شروط القيادة . وهو يتناسب مع صفة سعة الصدر التي هي آلة الرئاسة ، حسبما جاء في الاحاديـث) . فقال الله سبحانه عن لسانه : « وَقَالَ مُوسَى لاَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاتَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ » (الاعراف / 142) وكأن تجنب سبيل المفسدين ، هو من ابرز أدلة الرشاد الى الاصلاح . 2 / والاصلاح من سمات التقوى . قال الله تعالـى : « فَاتَّقُوا اللّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ » (الانفال / 1) واصلاح ذات البين - حسبما يبدو - هو اصلاح العلاقة التي تسود بين الافراد . والآية تدل على ان السعي في سبيل تصفية العلاقات الاجتماعية من الشوائب العالقة ضرورية ، ومن مصاديقها منع الغيبة والنميمة وسوء الظن وما اشبه مما يسيء بالعلاقات . 3 / ولا خير في نجوى (لا معروف فيه) إلاّ من أمر بصدقة (انفاق) ، او معروف (وعمل صالح) ، او اصلاح . قال الله تعالى : « لاَ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِن نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً » (النساء / 114) ولعل ذكر هذه الافعال الثلاث لبيان محتوى النجوى ، لانها هي محور الحاجة للنجوى مع القيادة . فإما وساطة لأحد المحتاجين واستعطاء له (وهو امر بالصدقة) ، او اقتراح عمل خير للأمة (وهو امر بمعروف) ، او الطلب الى القيادة للتدخل بين طائفتين من الناس مختلفتين للاصلاح بينهما . 4 / والاصلاح قد يصبح أمراً مستصعباً ، اذا تراكمت السلبيات وتعمقت الخلافات . وهنالك ينبغي على المؤمن ألاّ يتراجع عن مسؤوليته ، بل يسعى جاهداً للاصلاح أنّى استطاع اليه سبيلا ، وبأي مستوى أمكنه . قال الله سبحانه (وهو يقص حالة النبي شعيب عليه السلام) : « إِنْ اُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ اُنِيبُ » (هود / 88) ونهتدي بالآية الى ان المؤمن بحاجة الى التوكل على الله لمواجهة ضعف ارادته في الاصلاح ، او ضغوط مجتمعه ضد الاصلاح . وليعلم ان توفيقه فيه ، انما هو بالله سبحانه . 5 / اذا كان في قرية ظالمة اولو بقية ينهون عن الفساد ويريدون الاصلاح (ويسمع كلامهم بقدر او باخر) ، فان الله لا يهلك اولئك القوم جزاء على ظلمهم ( وهلاكاً منشؤه الظلم ) . هكذا نستفيد من آيتين في سورة هود . قال الله سبحانه : «وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ » (هود / 117) وقال الله سبحانه في آية أخرى : « فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ اُولُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَآ اُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ » (هود / 116) فوجود هؤلاء البقية ، هم ضمان سلامة القرية . ربما لان الظلم لا يشمل - عندئذ - كل ابعاد حياة القرية ، فلا ينزل العذاب . والله العالم . 6 / ويتحقق اصلاح الذات بالتوبة ، وترميم النقص الحادث بالافساد . فمن سرق فعليه ان يتوب ، فلا يعود الى السرقة مرة اخرى ، كما ان عليه ان يعيد اموال السرقة الى اهلها . قال الله سبحانه : « فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ » (المائدة / 39) ولعل في قوله سبحانه « مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ » اشارة الى اصلاح الظلم باعادة حق من ظلم . 7 / وكذلك اللذان يقذفان المحصنات ، ويشهدان على الفاحشة (دون ان يقام عليها اربعة شهداء) ، فان تابا واصلحا (ما افسداه من سمعة المحصنة التي شهدا عليها) ، فان الله يتوب عليهما . قال الله سبحانه : « وَالَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَاَذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَاَعْرِضُوا عَنْهُمَآ إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّاباً رَحِيماً » (النساء / 16) 8 / وهكذا من ترك الفسق واستجاب لدعوة الانبياء بالتوبة ، فان الله يتوب عليه . قال الله سبحانه : « وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ فَمَنْ ءَامَنَ وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ » (الانعام / 48) فالايمان ضد الكفر ، والاصلاح ضد الفسق ( الذي نقرأ عنه في السياق ) . 9 / ومن ذلك قوله سبحانه ( بعد الحديث عن حرمة القذف في الآية السابقة ) : «إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ » (النور / 5) 10 / والسلام (والأمن) ، هو عقبى الاصلاح . والاصلاح بعد السوء ، هو تصحيح ما افسده السوء . قال الله سبحانه : « وإِذَا جَآءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاَيَاتِنَا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَاَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ » (الانعام / 54) 11 / والاصلاح بعد التقوى ، هو التوبة التامة . فلا تتم التوبة إلاّ بعد اصلاح الفساد الذي احدثه الذنب . قال ربنا سبحانه : « يَا بَنِي ءَادَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ ءَايَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ » (الاعراف / 35) وهكذا اوجز السياق (بالتدبر في الاعراف / 33) . فعبر عن الايمان بالتقوى ، اذ لا تقوى من دون ايمان . وعن التوبة بالاصلاح ، فكأن الآية قالت ؛ فمن آمن بهم واتقى وتاب عما كان يرتكبه من الفواحش والبغي . 12 / وكلما كان الخطأ فاحشاً والانحراف بعيداً ، كلما كانت شروط العودة صعبة . قال الله تعالى : « إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً * إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَاُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً » (النساء / 145 - 146) فالمنافق لا يحشر بسهولة في زمرة المؤمنين ، بل عليه ان يتوب ، وان يصلح ما افسده بنفاقه . ثم اعتصم بالله ، (وبالرسول وعاد الى الصف) ، واخلص حتى لا تبقى في نفسه آثار الازدواجية والنفاق . فهنالك يكون مع المؤمنين . 13 / وكذلك الذين كفروا بعد ايمانهم بالرسول ، (ولعل كفرهم كان بالتمرد على الرسول) . فانهم لو تابوا واصلحوا ، فان الله يتوب عليهم . (فاصلاحهم هو طاعتهم للرسول) . قال الله تعالى : « إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ » (آل عمران / 89) 14 / والاصلاح يختلف - باختلاف الذنب - . فإذا كان الذنب كتمان الحق ، (والذي يستوجب اللعنة حسب (البقرة/159) ، فإن الاصلاح يعني التبيان بعد الكتمان . قال الله تعالى : « إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَاُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ » (البقرة / 160) 15 / ولعل من ذلك قوله سبحانه : « ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ » (النحل / 119) حيث ان السياق يحدثنا عن الافتراء على الله (النحل/116) . فالسوء هنا ؛ الافتراء على الله . والاصلاح هو نفي الحكم الذي افتراه ، وتصحيح خطأ الناس فيه . 16 / وإذا تعرض المؤمن للبغي ، وعفى عن ظالمه واصلح ، فان أجره عند الله . قال ربنا سبحانه : « وَجَزآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَاَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ » (الشورى / 40) ولعل الاصلاح هنا ، يتمثل في تصحيح خطأ البغي الذي تعرض له . اما السكوت عن الظلم بحيث يشجعه على الاستمرار في ظلمه ، فإنه غير حميد ، لانه لا صلاح فيه للمجتمع . والله العالم .
بصائر الآيـات
1/ الفطرة التي خلقها الله هي محور الصلاح، فاذا نقصت او انحرفت عن مسارها فقد فسد. والاصلاح اتمام النقص او تصحيح المسار. فالنشوز عن الرجل، (وعدم الوفاء بحقوق الزوجية)، والاعراض هو ضد الصلاح. والاصلاح هو تصحيح النشوز، وانهاء الاعراض . 2 / والصالح من الناس من يعمل الصلاح، (وما يجب عليه) كمن يصلي ويطبق الكتاب. 3 / ومثل الصلاح نراه في انبياء الله (زكريا ويحيى وعيسى والياس ولوط وغيرهم) . وكان يتطلع الانبياء ليكونوا من الصالحين ، هكذا دعا إبراهيم الخليل ويوسف الصديق ، وهكذا يتطلع المؤمنون ليكونوا من الصالحين . والاولاد الصالحون هدف يتطلع اليه الانبياء عليهم السلام ، كما يتطلع اليهم المؤمنون . 4 / وعقبى الصلاح وراثة الارض . 5 / واذا كان الصلاح هي الفطرة الاولى للخلقة، فإن الاصلاح اعادة الشيء الى الحالة السويّة. فالعلاقة البناءة بين الزوجين صلاح، واعادتها بعد فسادها إصلاح. والتعاون بين ابناء الامة صلاح، واعادته بعد فقده إصلاح. والعدالة التي تعني اعطاء كل ذي حق حقه، هي الاصلاح . 6 / والله سبحانه رقيب على الاصلاح ، وليس الاصلاح بالتمني والادعاء ، ولذلك فان المنافقين الذين ادعوا الاصلاح كانوا كاذبين . 7 / والمصلح يتبع معياراً (الحدود الشرعية والعقلية للاشياء) ، بينما المفسد يتبع هواه . 8 / ولعل من ابرز شروط القيادة الاصلاح ، وعدم اتباع سبيل المفسدين . والاصلاح كذلك من ابرز سمات التقوى ، ولا خير في كثير من النجوى الا عند الامر بالاصلاح . 9 / وليس الاصلاح في الامة سهل المنال ، وقد لا يكون ممكناً بالكامل . فعليه ان يتحرك الانسان للاصلاح ، متوكلاً على الله وبالقدر المستطاع . 10 / واصلاح اهل القرى ضمان ارتفاع العذاب عنهم ، ولعل اصلاحهم يكون في اولي بقية ينهون عن الفساد في الارض . 11 / وشرط قبول التوبة اصلاح ما افسده الذنب ، ولذلك أمر الرب في آيات كثيرة بالاصلاح بعد ذكره التوبة . 12 / والسلام عقبى الاصلاح ، ولعل الاصلاح مع التقوى يعني العمل الصالح مع التقوى. ولا تقبل توبة المنافقين إلاّ بالاصلاح ، والاعتصام بالله واخلاص الدين . ومن كتم الحق (ولم يشهد لله) ، فعليه ان يصلح أمره ببيانه (والشهادة عليه) . وعلى من افترى على الله كذباً ، ان يعلن البراءة من فريته .
فقه الآيـات
1 / (النساء / 128) ، (النساء/35) ؛ في العلاقات الاجتماعية تختلط الحقوق المتبادلة بين الناس اختلاطاً كثيراً ، مما يصعب حتى على القضاة ان يحددوا حق هذا او ذاك . كما ان الشح الذي يحيط بالنفس البشرية يحجب رؤية الحق ؛ وهكذا يبغي بعض الخلطاء على بعضهم ، كما قال سبحانه : « قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَاِنَّ كَثِيراً مِّنَ الْخُلَطَآءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلاَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ » (ص / 24) وهنا يأتي دور العفو والاحسان ، كما يأتي دور الصلح الذي يفتح الباب واسعاً امام أي حل للخلاف يراه العرف ويتراضى به الخصمان . وقد لخصت الآية القرآنية قيمة الصلح بكلمة « وَالصُّلْحُ خَيْرٌ » ، والتي نستفيد منها احكام الصلح في حقوق الناس بعضهم على بعض . الف : الصلح عقد يهدف تحسين العلاقة القائمة بين الافراد ، بالتراضي والتسالم في الحقوق المتبادلة . ومن حقائقه ؛ الصلح بين الزوجين ، وبين ذوي القربى اذا خيف عليهم التخاصم في الارث ، وبين الطائفتين المتنازعتين في الامة (بعد التقاتل) . وتشترك هذه الموارد في ضرورة تنازل طرف للاخـر ببعـض ما يراه حقاً له ، من اجل اصلاح ذات البين ، ووقف النزاع الذي يكون أشد ضرراً من ضرر فقدان الحق المتنازل عنه . وقد اعتبر الفقهاء الصلح عقداً خاصاً بنفسه ، فقال الشهيد الاول عن الصلح : وهو اصل في نفسه . ([61]) وعلق عليه الشهيد الثاني بالقول : على اصح القولين واشهرهما، لا فرع البيع والهبة والاجارة والعارية والابراء ، كما ذهب اليه الشيخ فجعله فرع البيع اذا افاد نقل العين بعوض معلوم ، وفرع الاجارة اذا وقع على منفعة معلومة بعوض معلوم ، وفرع العارية اذا تضمن اباحة منفعة بغير عوض ، وفرع الهبة إذا تضمن ملك العين بغير عوض ، وفرع الابراء اذا تضمن اسقاط دين استناداً الى افادته فائدتها . ([62]) وقال آية الله السيد الخوئي ( ره ): الصلح عقد مستقل ، ولايرجع الى سائر العقود ، وان افاد فائدتها . ([63]) وهذه النظرية تبـدو صحيحة بالنظر الى ان كل عقد مشروع يفيـد فائدة معينـة ، وإلاّ لـم يكن عقداً مستقلاً . ولكن السؤال : كيف يفيد الصلح فائدة اكثر من عقد واحد ، فإذا افاد عقد ما فائدة البيع ، فكيف يسمى بالصلح ، ولماذا لا يسمى حينئذ بالبيع ؟ فهل الفرق الفارق بين الصلح والبيع اللفظ ، فإذا قلنا بعت كان العقد بيعاً ، واذا قلنا صالحنا صار صلحاً ؟ انني شخصياً لا اعتقد ان الفرق بين العقود الكلمات ، بل حقائقها . فإذا كانت الحقيقة حقيقة البيع كان بيعاً ، وان سمي صلحاً . وان لم تكن كذلك ، لم يكن بيعاً حتى ولو استخدمنا كلماته . فما هو الفرق بين الصلح وغيره من العقود ؟ الجواب ؛ ان الصلح يهدف رأب الصدع بين طرفين ، سواء مع ظهور النزاع بينهما أم من دونه . ومن هنا فان هدفه ليس كهدف البيع نقل شيء بعوض ، بل التراضي على امر فيه قدر من التنازل عن الحق يقدمه هذا الطرف او ذاك . بلى ؛ ذلك المورد الذي يتنازل عنه الطرفان عن حقهما فيه ، قد يكون مورد بيع او اجارة او غيرهما من العقود . ومن هذه الزاوية اعتقد ضرورة وجود حالة تستدعي الصلح ، كما وجدنا ذلك في موارد الصلح التي ذكرت في القرآن المجيد ؛ مثل خشية النشوز والاعراض من قبل الزوج ، او خشية الجنف والاثم من قبل الموصي ، او التقاتل بين طائفتين من المسلمين . اما اذا لم تكن هذه الحالة موجودة ، وكان مجرد بيع بصيغة صلح ، او اجارة بصيغة صلح ، فإن العقد حقيقة هو عقد البيع او الاجارة . باء : وهكذا يكون واقع الصلح التعامل على اساس التراضي والتسالم، وتنازل كل طرف عن بعض حقوقه للمحافظة عل العلاقة الايجابية . ولذلك فان القواعد الحقوقية التي وضعت في مختلف العقود، والتي تستهدف الحفاظ على حقوق الاطراف بدقة عادلة؛ تلك القواعد لا تراعى في الصلح ، انما تراعى قاعدة الاحسان ، والتي تهدف تطبيع العلاقات . جيم : يقع الصلح على نقل عين او منفعة، او ابراء دين، او تنازل عن حق، او الانتفاع بنوع معين كالصلح على حفر نهر في ملك او احداث طريق في ارضه، او التنازل عن دعوى قضائية او عن حق عرفي او شرعي ؛ مثلاً اذا دخل اثنان سوماً على ارض او في صفقة ، ثم تصالحا فيما بينهما على ان يتنازل احدهما لمصلحة الاخر لقاء منفعة معينة . وهكذا .. دال : لان الهدف الاساسي من الصلح تحسين العلاقات ، ومنع او انهاء الخلافات . فان الانضباط القانوني المرعي في سائر العقود ، لا نجده فيه ؛ فمثلاً يجوز اجراءه باية صيغة . بلى ؛ يجب ان تتوفر فيه شروط الاهلية عند الطرفين من البلوغ والرشد والحرية وعدم الحجر ، كما يشترط شروط العقد من التنجيز ووحدة الموضوع وما اشبه . 2 / (الحجرات / 9 - 10) ؛ الوحدة الاجتماعية منبت كل خير ، ومنطلق كل نشاط . وكل ابناء الامة يستفيدون منها ، فعليهم جميعاً ان يسعوا نحو بناءها وترسيخها . ومن هذه الحقيقة نستوحي الاحكام التالية : الف : واجب على المسلمين جميعاً الاصلاح اذا نشب القتال بين المسلمين . باء : الهدف من الاصلاح اشاعة الأمن ومواجهة البغي ، حيث ان الطائفة التي تبغي هي التي يجب محاربتها . جيم : ولكن الأمن من دون العدل ليس امناً مستقراً ، ولا أمناً نافعاً . فلذلك يجب ان تكون الغاية الاسمى اقامة القسط ، حتى يعطى كل طائفة ، بل كل فرد حقه . دال : مقياس الأمن والعدل ؛ امر الله . فبه نعرف من الذي يبغي ، وبه نعرف ما هو حق هذا الشخص او ذاك ، وكيف نقسط باعطاء كل حقه . هاء : ونستفيد من الآية ؛ ان الاصلاح بين ابناء الامة ، هدف يسعى اليه المؤمن دائماً . فلا ينتظر تفاقم الخلاف الى درجة الصراع المسلح ، حتى يبادر بالاصلاح . أليس المؤمنون اخوة ، وهل يصلح ان يشجر بين الاخوان خلاف ؟ كلا ؛ بل ينبغي ان يسود علاقاتهم ببعضهم الحب والاحترام . وكلمة اخيرة ؛ بالتأمل في سياق هذه الآية الكريمة نستفيد ؛ ان استتباب الامن هدف مقدس ، ولكن لا يجوز ان يكون ذلك على حساب اقامة القسط . 3 / (الانعام/85) ، (يوسف/101) ، (الصافات/100) ؛ الصلاح قيمة ايمانية هامة ، وعلى الانسان ان يحققها في حياته على مستويات مختلفة ، منها ما يلي : الف : التعرف على حياة الصالحين ، ليتخذ منها اسوة مثلى لحياته ، والانبياء عليهم السلام هم أمثل قدوات الصلاح . باء : ان يسعى ليكون منتمياً الى الصالحين ، حتى يلحقه الرب سبحانه بهم . كما يسعى المؤمن ليكون من حزب الله ، ومن جنده ، ومن اوليائه . جيم : ان يسعى جاهداً ، لتكون ذريته من الصالحين . 4 / (الاعراف/56) ؛ لان الاصلاح قيمة ايمانية ، فان على كل واحد المحافظة عليه ، وألاّ يفسده . وهذه بصيرة هامة تهدينا الى الاحكام التالية : الف : اذا كان النظام الحاكم في بلد نظاماً مستقراً ، فلا يجوز لي ان ابادر الى الاخلال به، لمجرد هوى في نفسي (مثل الحسد والكبر والعصبية) . ومن ذلك مخالفة ائمة الهدى عليهم السلام ، الذين اصلح الله بهم الارض . باء : الدعاء الى الله سبحانه ينبغي ان يكون تضرعاً وخفية ، ومن دون ان يتخذ الانسان هذه الدعوة وسيلة الاعتداء على الاخرين . فالصلاة التي تكون وسيلة الاستعلاء في الارض غير مقبولة ، حيث يقول سبحانه : « وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَآءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ » (الانفال / 35) . والصدقة التي تكون وسيلة المن والاذى غير مقبولة ، كذلك الدعاء الذي يكون سبيلاً الى الاعتداء . جيم : لان الافساد هو كل انحراف عن فطرة الله التي فطر الخليقة عليها ، فلا يجوز تغيير الطبيعة بما يفسدها . فالتلوث الذي يسبب فساداً في الطبيعة ، والذي يؤدي الى افساد الهواء والماء والارض .. بما يلحق ضرراً بالغاً بالناس ، انه عمل قبيح ، يجب على الدول وضع قوانين صارمة لمنعها . دال : وكذلك الخلل في الطبيعة بما يفسدها ، مثل القضاء على الغابات او ممارسة الصيد بلا حدود ، مما يقضي على نوع او انواع من الاحياء ، ويسبب خللاً في نظام تنوع الخلقة، انه كذلك افساد في الارض وقد نهينا عنه . هاء : ومن الافساد في الارض اشاعة المخدرات ، مما يسبب في تعود المزيد من البشر على هذه المادة الخطيرة . واو : ومن الافساد في الارض اشاعة الفواحش ، مثل نشر الافلام الجنسية والمجلات الخليعة وما اشبه ، وكذلك مثل انشاء دور الفحشاء والمعاقر . زاء : ومن الافساد ، بث الدخان من السكائر - التي يتعاطاها المدخنون - في الفضاء المغلق ، مما يؤثر على سائر الناس المتواجدين عنده . حاء : واذا كانت سيارة شخص او ماكنة فاسدة .. مما تبث دخاناً كثيفاً ومضراً بالمحيط ، فانه من الافساد . طاء : ومنه ايجاد الضوضاء المضر بصحة الناس ، ذلك لان بعض البحوث الجديدة اثبتت ان تأثير الضوضاء قد يفوق تأثير التلوث على المحيط . ياء : ومن الافساد تخريب نظام العملة بما يتسبب في اضرار الناس ، كما يقوم المرابون والمتاجرون بالاسهم والعملات في بعض الاحيان . كاف : وكذلك يعتبر من الافساد تخريب شبكات الري واسلاك الكهرباء والتليفون وشبكات الكمبيوتر وما اليها ، مما يتحقق به صلاح البشر . لام : وزرع الالغام التي تهدد سلامة الناس ، يعتبر من الافساد . ميم : وضع اسلحة الدمارات الشامل ، وبالذات الاسلحة الكيماوية والبايلوجية ، يعتبر من أشد وأفتك انواع الافساد في الارض . نون : وتهديد الأمن باي نوع منه ، يعتبر افساداً في الارض . فالذين يحاربون الله ورسوله ويقطعون الطريق ويشيعون الفوضى ، هم من المفسدين في الارض . سين : وافساد الرأي العام باشاعة البلبلة يعتبر افساداً في الارض ، وكذلك افساد الرأي العام باشاعة ثقافة الفحشاء . ولكن علينا ان نميز بين محاسبة الافساد في الرأي ، وبين خنق الحريات بهذا الاسم . 5 / (البقرة/220) ؛ (البقرة/11-12)، (القصص/19)، (الاعراف/142)، (النساء/114)، (هود/88) ؛ الاصلاح قيمة اجتماعية ، والكثير من الناس يتمنون الاصلاح دون ان تكون لهم نية صادقة ، او رؤية واضحة . ولذلك علينا ان نبحث عن معايير لنعرف ما هي حقيقة الاصلاح ، وذلك بما يلي : الف : لا يصبح الافساد اصلاحاً لمجرد الادعاء . فالمنافقون كانوا يدعون ان ممارسة النفاق نوع من الاصلاح ، (لانهم لم يخالفوا الرسالة ظاهراً ، ولم يعارضوا الكفار علناً) . كلا ؛ ان مداهنة الكفار افساد بذاتها ، لان الكفر هو الافساد بعينه ، كما ان التخلف عن الايمان بالرسالة نوع من الافساد ، لان جوهر الرسالة هو الاصلاح . فاذاً ؛ علينا ان نميز بين الاصلاح والافساد بالموازين العقلية ، وليس كل مداهنة ومناورة اصلاح . بلى ؛ اذا دارى احد غيره بهدف تحقيق الاهداف السامية ، كان ذلك اصلاحاً . مثلاً اذا كذب أحد من اجل اكتساب شعبية او الحصول على ثروة ، فانه نفاق وافساد . اما اذا كذب من اجل اصلاح ذات البين ، او من اجل اقامة العدل ، فانه ليس بكذب . وقد جاء في الحديث المأثور : " الكذب في الاصلاح صدق عند الله " . وفي قصة النبي ابراهيم عليه السلام ، وقوله لقومه : اني سقيم . جاء في الحديث ، انه لم يكن سقيماً ، وما كذب ، لانه كان يريد الاصلاح . وكذلك الذي يتقي لا يعتبر كاذباً . وهكذا المعيار هو محتوى العمل وهدفه ، وليس مجرد مظهره . باء : التجبر في الارض ليس دليلاً على الاصلاح ، انما بالتواضع وتقديم مصالح الامة على الاهواء الشخصية يتبين اصلاح الفرد . وقد قال الله سبحانه لرسوله : « نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْءَانِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ » (ق/45) وهكذا ينبغـي ان يكون المصلـح في منتهى التواضـع ، وقد جاء فـي الحديث الشريف : " تواضعوا لمن تعلمونه العلم ، وتواضعوا لمن طلبتم منه العلم ، ولا تكونوا علماء جبارين فيذهب باطلكم بحقكم ". ([64]) جيم : ومن معايير الاصلاح ، معرفة سبيل المفسدين وتجنبه . والمفسدون هم الذين يفرقون بين الناس ، وعلى القيادات ألاّ تتبعهم ، ولا خير في كثير من نجواهم إلاّ من أمر باصلاح او صدقة او معروف . دال : لكي نعرف المصلح من المفسد ، علينا ان ندرس عمله . فمن دعا الى معروف وسبق الناس اليه ، ونهى عن المنكر وتجنب عنه قبل الاخرين .. كان عمله دليل صدقه . ولكن من دعا الى التواضع ثم تكبر ، او الى الوحدة ثم تعصب ، او الى الزهد ثم رغب في الدنيا .. فان علينا ان نشك في صدقه . وهكذا نجد النبي هود عليه السلام يذكر قومه ، انه لا يريد ان يخالف قومه فيما يدعوهم اليه ، قائلاً : « قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِن رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَمَآ اُرِيدُ أَنْ اُخَالِفَكُمْ إِلَى مَآ أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ اُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ اُنِيبُ » (هود / 88). وقد جاء في حديث عن النبي صلى الله عليه وآله ، قال : " لا تجلسوا عند كل داع مدّع يدعوكم من اليقين الى الشك، ومن الاخلاص الى الرياء ، ومن التواضع الى الكبر ، ومن النصيحة الى العداوة ، ومن الزهد الى الرغبة . وتقربوا الى عالم يدعوكم من الكبر الى التواضع ، ومن الرياء الى الاخلاص ، ومن الشك الى اليقين ، ومن الرغبة الى الزهد ، ومن العداوة الى النصيحة . ولا يصلح لموعظة الخلق إلاّ من خاف هذه الآفات بصدقه ، وأشرف على عيوب الكلام ، وعرف الصحيح من السقيم ، وعلل الخواطر وفتن النفس والهوى ". ([65]) 6 / (المائدة/39) ، (النساء/16) ، (الانعام/48) ، (الانعام / 54) ، (النساء/145-146) ، (البقرة/160) ؛ الذنب يفسد القلب ، ويفسد الحياة . ومن تاب من الذنب بالندم طهر الله قلبه من اثار الذنب ، وكان عليه ان يصلح حتى يطهر الحياة من اثاره . وهكذا كان الاصلاح بعد الذنب واجباً ، ويختلف الاصلاح حسب اختلاف الذنوب . وفيما يلي بعض التفصيل : الف : من ظلم الناس وأكل اموالهم بالباطل ثم تاب ، فعليه ان يعيد اليهم اموالهم حتى تقبل توبته ، او يسترضيهم بما استطاع .