بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
ثانياً : ألاّ يجعل الله عليه كفيلاً . وهذا النوع لا ينشأ إلزاماً ، لأن من عهد على نفسه عهداً بمشيئته يمكنه ان ينقضه بذات المشيئة . وفي هذا المجال يقول الفقه الاسلامي : " متعلق العهد كمتعلق النذر، واحكامه واردة فيه. وصورته؛ ان يقول: عاهدت الله او عليَّ عهد الله ان افعل كذا معلقاً او مجرداً . ([2]) وجاء في الحديث المأثور عن أبي جعفر الثاني ( الامام الجواد عليه السلام ) في رجل عاهد الله عند الحجر ان لا يقرب محرماً أبداً ، فلما رجع عاد الى المحرم ؟ فقال ابو جعفر عليه السلام : "يعتق او يتصدق على ستين مسكيناً ، وما ترك من الأمر اعظم، ويستغفر الله ويتوب اليه". ([3]) ويبدو ان الفقه الاسلامي لم يعتبر مجرد نية الشخص على ترك فعل او القيام بأمر من دون ان يكون له مظهـر ؛ لم يعتبره عهداً ، ولذلك لم يوجب الوفاء به . وإلاّ فإنه لو صدق العهد عليه ، فإن أدلة وجوب الوفاء بالعهد تشمله، كقوله سبحانه : « وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ » (المعارج/32) ، وقوله سبحانه : « وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُولاً » (الاحزاب/ 15) . ومن هنا قال في الجواهر وهو يناقش الفقهاء انعقاد العهد بالضمير دون اظهاره باللفظ ، قال : نعم لو قيل بصدق العهد لغة وشرعاً وعرفاً على الانشاء الضميري، قوي القول بالانعقاد للعمومات (للأدلة العامة). ولعله لذا قواه في كشف اللثام فارقاً بينه وبين النذر باعتبار، كون النذر في الأصل الوعد، وهو لفظي بخلاف العهد . ([4]) اما في الانظمة الحديثة فان الالتزام من طرف واحد ، كان محور جدل كبير، بالذات بين بعض فقهاء القانون في المانيا وفرنسا . ([5]) وقد استقرت الانظمة في بلادنا على ألاّ يأبهوا بالارادة المنفردة إلاّ في موردين : أولاً : اذا كان الوعد مكتوباً وكان لمدة معينة، ووصل الى من وعد ولم يرفضه . ثانياً : عندما يكون الوعد موجهاً الى الجمهور . ولكن عند التأمل فان الالتزام في هذه الموارد، هو التزام امام طرف آخر. وهذا هو الذي يجعله عهداً، وشبيهاً بالعقد . فان نظارة الطرف الآخر على هذا الالتزام، تجعله في مستوى العقد ذي الطرف الآخر . وهكذا تكون الارادة المنفردة ذات صيغة ملزمة في كل مورد تقع امام طرف؛ مثل ابراء الذمة ، واسقاط حق الخيار ، واجازة العقد، وما أشبه .. وفي الفقه الاسلامي عشرات الموارد التي اعتبرت الارادة المنفردة ( الالتزام من طرف واحد ) ذات اثر شرعي ؛ مثل الطلاق ( بشرط الشاهد ) والوصية والعتق وما أشبه .. مما يسمى في الفقه بالايقاعات . وفي القوانين الحديثة ايضاً اعتبروا الوصية ، وحيازة المباحات، والاعراض عن الملكية ، والتوكيل والفسخ وما أشبه من الالتزامات المنفردة . ومن ابرز هذه الالتزامات اليوم ؛ السندات ، حيث ان أحد الافراد ( دولة او شركة او شخص ) يتعهد بأن يدفع في مقابل ورقة معينة قيمة محددة . ومن كل هذه الموارد نستنبط صدق العهد على الالتزام من طرف واحد ، شريطة ان يسمو الى درجة معينة من الشدة . فليس كل تمنِّ او رضا او مشيئة يسموا الى درجة العهد ، انما العهد التزام مشدد ([6])، ونعرف شدة الالتزام من وجوه مختلفة : الأول : أن يكون العهد أمام الله سبحانه . فاذا جعل المؤمن ربه كفيلاً عليه، كان التزامه شديداً . ولذلك فان الاسلام اعتبر اشهاد الله ملزماً . الثاني : ان يكون الالتزام من قبيل اسقاط حق او اسقاط ملكية او نقلها مما لا لغو فيها ؛ مثل الابراء والهبـة والعتـق والسكـوت الدال على الرضا مثل عدم الأخذ بالخيار وما أشبــه . ولعل الوعد للناس بشيء ايضاً ملزم ، والقاعدة الفقهية التي نستفيدها من التأمل في هذه الموارد هي التالية : ان كل ارادة منفردة شديدة تعتبر ملزمة . ونستفيد هذه القاعدة من كون هذه الارادة تسمى عرفاً بالعهد . ولعل الآية الكريمة التالية تهدينا ايضاً الى ذلك ، حيث يقول ربنا سبحانه : « لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الاَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ » (المائدة / 89) . فالعقد هو تعقيد القلب على شيء، وليس مجرد ارادة . والله العالم . واذا ثبت هذا الاستنتاج، فان العهد من طرف واحد ، وحتى من دون اشهاد الله يكون ملزماً ، شريطة ان يصبح عهد يعقد القلب .
باء : العقد ( الالتزام المشترك )أما الالتزام المشترك الذي يعقد مشيئته بأخرى ، فان الحديث عنه نرجئه الى موضعه من بحث العقود والتجارة ذات التراضي . إلاّ أن ما نود الاشارة اليه : ان العقد نوع من العهد، حيث انه جعل الشخص شيئاً في عهدته شريطة ان يجعل الآخر أمراً بعهدته. فانا أتعهد لك بدفع البضاعة، وانت بدورك تتعهد لي بدفع الثمن . وحيث يستخدم العرف كلمة التعهد في العقود، نعرف ان الكلمة تعني عندهم ذلك . وجاء في حديث شريف عن ابن سنان عن الامام الصادق عليه السلام في معنى قوله سبحانه : « اوفوا بالعقود » ، قال عليه السلام : العهود . ([7])
جيم : الميثاق
والميثاق اجتماع ارادات مختلفة على أمر واحد، وهو أحد معاني الاجماع الذي يقول عنه سبحانه : « فَاَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَآءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنظِرُونِ » (يونس / 71) . وفي الميثاق يكون اظهـار ارادة الجمع بصيغة معينة تعبيراً عن التعهد من قبل الفرد، كأن يصوت اعضاء شركة اقتصادية او هيئة خيرية او حزب سياسي او ما أشبه ، على انتخاب رئيس او قيادة مشتركة او اقرار دستور او قانون او لائحة وما أشبه . ومن اجل تمييز العهد في هذه الحالات عن الوعد والكلام العام، يُوصي التشريع في الانظمة الحديثة ببعض الأمور ؛ كأن يسجل التصويت او يكون بمحضر ممثل من هيئة القضاء او ما أشبه . يقول في ذلك " د . قائم مقامي " موافقة الأكثرية ( في شركة او هيئة خيرية او حزب سياسي او شعب ) تسمى بالقرار. وهو يختلف عن العقد، إذ ان العقد هو مبادلة ارادات ، بينما القرار هو الاعلان عن ارادة . ويضاف الى ذلك ان آراء الحاضرين وحدهم تصبح ملاك وقاعدة القرار . كما لايجب توافق الارادات (كما في العقد ) حيث ان الاعلان عن القرار يتم عادة من قبل الرئيس . كما ان رأي الأكثرية يفرض على رأي الاقلية، بل وحتى الغائبين. وبعكس العقد حيث يتمتع الطرفان بحرية الارادة ( ضمن سلطان المشيئة ) فان القرار لايكون معتبراً إلاّ في موارد قانونية ؛ مثلاً : قرارات هيئة ادارة الشركات التجارية ، او قرارات الجمعية العامة للشركات المساهمة، حيث صرّح القانون ( مادة/62 من القانون التجاري الجديد ) بأن قرارات الجمعية العامة للشركة المساهمة لا تعتبر من دون وجود تقرير المفتشين وشهادتهم بسلامة السجلات وحسابات المدراء . ([8]) ومن الناحية الشرعية يكفينا دليلاً على الميثاق، كلّما يجعل العهد متمايزاً عن الوعد والكلام؛ مثل اشهاد شهود او جعل الله سبحانه كفيلاً أو التسجيل او أي شيء يعتمده العرف .
دال : المعاهدات
ونعني بها الاتفاقيات العامة التي تجري على ابناء الشعب الواحد فيما بينهم ( كما الاتفاق على دستور بلادهم )، او تجري بين الشعوب المختلفة والتي نسميها بالمواثيق الدولية والاحلاف والمعاهدات. وهكذا يتشعب الحديث الى شعب مختلفة :
أولاً / العهود السياسية
وهي - بدورها - تتفرع الى ثلاث شعب : البيعة ، الاختيار ، والميثاق السياسي .
الشعبة الأولى : البيعة
وأهم العهود اعلان الالتزام بنظام سياسي وقانون اساسي وقيادة تنفيذية، وقد عبر القرآن الكريم عن الامامة بالعهد في قوله سبحانه : « وإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَاَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَتِي قَالَ لاَ يَنالُ عَهدِي الظَّالِمِينَ ) ( البقرة/124) . وفي الحديث الشريف عن الامام الصادق عليه السلام : " نحن شجرة النبوة ، ومعدن الرسالة ، ومختلف الملائكة، ونحن عهد الله وذمته " . ([9]) وكذلك القرآن ( كدستور ثابت للأمة، ومرجع قانوني لكل قضاياهم ) انه عهد الله، كما جاء في حديث مأثور عن الصديقة فاطمة الزهراء سلام الله عليها، حين قالت في خطبتها الفدكية المعروفة ، وهي تخاطب اصحاب النبي صلى الله عليه وآله : " لله فيكم عهد قدمه اليكم، وبقية استخلفها عليكم ، كتاب الله بينة بصائره، وآي منكشفة سرائره، وبرهان متجلية ظواهره " . ([10]) والبيعة للنبي وللامام انما هي بمثابة التصديق ، وتقوم بدور الانتخاب في سائر الأنظمة . انها من ابرز مظاهر العهد القائم بين ابناء الأمة بعضهم والبعض الآخر ، ثم فيما بينهم وبين قائدهـم . قال الله سبحانـه : « إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِـمْ فَمَن نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَن أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً » (الفتح / 10) . وهكذا أسمى الله البيعة مع الرسول عهداً مع الله سبحانه .
الشعبة الثانية : الاختيار
وبعد عهد الامامة المنصوص عليها ، يأتي عهد الامامة المختارة، والتي هي نوع من العهد بين الأمة وامامها في حدود أحكام الدين. وفي ذلك يقول الامام أمير المؤمنين عليه السلام : "والواجب في حكم الله و حكم الاسلام على المسلمين بعدما يموت امامهم او يقتل ( ضالاً كان او مهتدياً ، مظلوماً كان او ظالماً ، حلال الدم او حرام الدم ) ان لايعملوا عملاً ، ولا يحدثوا حدثاً ، ولا يقدموا يداً ولا رجلاً ، ولا يبدؤوا بشيء قبل ان يختاروا لانفسهم اماماً عفيفاً عالماً ، عارفاً بالقضاء والسنة، يجمع امرهم ويحكم بينهم ، ويأخذ للمظلوم من الظالم حقه ، ويحفظ اطرافهم ، ويجبي فيئهم ، ويقيم حجتهم ، ويجبي صدقاتهم ، ثم يحتكمون اليه في امامهم المقتول ظلماً ليحكم بينهم بالحق" . ([11]) وقد حدّد الاسلام جملة حقوق متبادلة بين الراعي والرعية ، وهي بمثابة الميثاق الذي يتعاهدون عليه . فقال الامام أمير المؤمنين عليه السلام : "واعظم ما افترض الله من تلك الحقوق حق الوالي على الرعية، وحق الرعية على الوالي ، فريضة فرضها الله سبحانه لكل على كل ، وجعلها نظاماً لألفتهم ، وعزاً لدينهم ، فليست تصلح الرعية إلاّ بصلاح الولاة ، ولا يصلح الولاة إلاّ باستقامة الرعية. فاذا ادت الرعية الى الوالي حقه ، وادى الوالي اليها حقها، عز الحق بينهم ، وقامت مناهج الدين، واعتدلت([12]) معالم العدل، وجرت على اذلالها السنن ، فصلح بذلك الزمان . وطمع في بقاع الدولة ، ويئست مطامع الاعداء. واذا غلبت الرعية واليها ، او اجحف الوالي برعيته ، اختلفت هنالك الكلمة ، وظهرت معالم الجور ، وكثر الاذلال في الدين ، وتركت محاج السنن تعمل بالهوى ، وعطلت الاحكام ، وكثرت علل النفوس ، ولا يستوحش لعظيم حق عطل ، ولا لعظيم باطل فعل. فهنالك تذل الأبرار ، وتعز الأشرار ، وتعظم تبعات الله عند العباد". ([13]) وجاء في حديث آخر عنه عليه السلام انه قال للمسلمين بعد ان بايعوه : "ان لي عليكم حقاً ولكم عليَّ حق؛ فاما حقكم عليَّ فالنصيحة لكم ، وتوفير فيئكم عليكم، وتعليمكم كي لاتجهلوا ، وتأديبكم كي ما تعلموا. واما حقي عليكم ، فالوفاء بالبيعة ، والنصيحة في المشهد والمغيب ، والاجابة حين ادعوكم ، والطاعة حين آمركم". ([14]) وقد اختصر الامام الرضا عليه السلام اهداف الامامة في كلمات حين قال عليه السلام : "ان الامامة زمام الدين ، ونظام المسلمين ، وصلاح الدنيا، وعز المؤمنين" . ([15]) وهكذا الامام هو الذي يحفظ حدود الدين ويرعى تعاليمه ، كما يقيم النظام الأمثل للمسلمين ويسعى نحو تحقيق مصالح الناس ( من الرفاه والتقدم ) ، كما أنه يردع الاعداء من الإضرار بالأمة . وهذا العهد يتحقق في عصر المعصومين بالبيعة لهم وطاعتهم ، وفي عصر الغيبة بانتخاب الأصلح من الأكفاء واتباعه في حدود الشريعة . وفي البيعة يقول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، في خطبة شريفة مفصلة نقتطف منها ما يلي: "فبسطت لكم يدي فبايعتموني - يا معشر المسلمين - وفيكم المهاجرون والانصار والتابعون باحسان ، فاخذت عليكم عهد بيعتي وواجب صفقتي من عهد الله وميثاقه . واشد ما أخذ على النبيين من عهد وميثاق لتفن لي ولتسمعن لأمري ولتطيعوني وتناصحوني وتقاتلون معي كل باغ او مارق إن مرق، فانعمتم لي بذلك جميعاً". ([16]) وما نستفيده فقهياً من هذا العهد أنه ملزم لصاحبه إذا كان في حدود الشريعة، وغير مخالف لأمر الله . وهذا العهد هو أحد أبرز قواعد الحكم في العالم، وهو الذي يسميه البعض بالعقد الاجتماعي كأساس للعلاقة بين الحاكم والمحكوم. وهو دون البيعة التي تكون للإمام المفترض الطاعة، وفوق الحكم الوراثي المستبد .
الشعبة الثالثة : الميثاق السياسي
أما الميثاق السياسي الذي يهدف اقامة نوع من النظام للدولة ، أو اقرار دستور للبلاد ، ففيه التفصيل التالي : أولاً : لان عهد الله قبل أي عهد آخر وفوقه ، وعهد الله يتمثل في الوحي كتاباً وسنة ، فانه لايجوز لأحد أن يخالف الكتاب والسنة. بلى؛ يجوز للأمة أن تعقد ميثاقاً للعمل بهما ويكون هذا الميثاق بمثابة البيعة للامام .. ثانياً : لان صيغـة تطبيق الكتاب والسنة ، واقامة النظام الالهي في الارض تتطور حسب المتغيرات، والناس بحاجة الى كلمات واضحة فيها من حقائق الوحي كما فيها من واقعيات الحياة ، واحكام الحوادث الواقعة والقضايا المستجدة . فان على المتصدين للساحة ان يعرضوا على الجمهور صيغة عصرية لتطبيق الدين كقانون اساسي للبلاد وللناس، وان يصوتوا له كما يحق لهم ان يصوتوا ضده ، لان التصويت ضده ليس بالضرورة تصويتاً ضد الوحي بقيمه الثابتة ، بل قد يكون تصويتاً ضد تلك الصيغة العصرية لتلك القيم، إذ لايرى الناس انها مفيدة لهم ونافعة لظروفهم . وهكذا لو صوت الأغلبية على ذلك الدستور المقترح ( الذي قلنا انه في الواقع مزيج من الوحي والواقع ) فانه يكون ميثاقاً بينهم، وعليهم ان يكونوا اوفياء له. وهذا الميثاق ليس ابدياً ، ولا يلزم كل الأجيال الصاعدة ، بل يكون اما موقتاً بوقت محدد سلفاً ، او يكون ملزماً للأجيال المعاصرة. ويحق للناس بعد انتهاء مدته العرفية ان يعيدوا النظر فيه، ويصوتوا لدستور جديد للبلاد اذا تغيرت الظروف .
ثانياً / المعاهدات والأحلاف الدولية
وتنقسم العهود الدولية التي تكون بين الشعوب المختلفة الى ثلاثة اقسام : اتفاقات السلام (الهدنة) ، والاتفاقات السياسية ، والاحلاف .
القسم الأول : الهدنة
وقد تناول الفقه الاسلامي أوجه الهدنة والفروع المختلفة حول من يهادن وكيف يهادن ، ومدى اتساع حرمة الهدنة . وما نستفيده من الادلة المتوافرة ؛ ان الهدنة ليست من ثوابت الشريعة ، بل من المتغيرات التي يتصل حكمها بالمصالح العامة . وإمام المسلمين هو الذي يملك حق المهادنة، كما يملك حق اعلان الحرب عندما تتهدد مصالح الأمة او قيم الشريعة . وعلى المسلمين جميعاً الالتزام بكل اتفاق صلح او سلام يبرمه امامهم . وعلى الامام ان يحافظ على عهده مع الآخرين، كما حافظ الرسول صلى الله عليه وآله انطلاقاً من الآيات الكريمة التي تلوناها في الوفاء بالعهد . اما هل يجب على الامام الجنوح للسلم إذا دعي اليه ، ام يجوز له الاستمرار في الحرب ؟ فاننا نستوحي من آية كريمة : « وإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا » (الانفال/61) ضرورة الاهتمام بالسلام كأصل حياتي، إلاّ ان قيمة السلام ليست الوحيدة ، وانما هناك قيم أخرى مثل قيمة الدفاع عن حقوق المظلومين وعن مصالح الأمة العليا. وعلى الامام ان يجتهد حتى يعرف ماهو الأهم من هذه القيم، عند اتخاذ قرار السلم او الحرب .
القسم الثاني : الاتفاقات
والاتفاقات السياسية او العسكرية التي تتم بين المسلمين وغيرهم محترمة، شريطة ان يعمل بهـا الطرف الآخر كما قرأنا ذلك في (التوبة/ 4) و (التوبة/12) و (النساء/90) و (الانفال/72) ؛ والاحكام التالية نستفيدها من هذه الآيات : ألف : يجب اتمام عهد المشركين الى المدة التي ضربت لهم، شريطة ألاّ ينقضوا من العهد شيئاً، وألاّ ينصروا اعداء المسلمين عليهم . باء : اذا نكثوا ايمانهم وعهدهم وطعنوا في الدين، فانه يجب قتالهم، لأنهم لا يمين لهم حتى ينتهوا . جيم : اذا كانت فئـة تنتمـي الى قوم بينهـم وبين المسلمين ميثاق ، فإنه لايجـوز قتالهـم . دال : يجب دفع الدية (والغرامة) الى اولياء الدم الكفار في صورة وجود معاهدة بينهم وبين المسلمين ، بينما لا يجب ذلك اذا لم تكن هناك معاهدة بينهم . ومن شروط الاتفاق ان يتم بين السلطات المخولة من الطرفين، بينما من لايملك حق الاتفاق فلا ذمام له. ومن هنا قال الفقه الاسلامي : ويجوز ان يذم الواحد من المسلمين لاحاد من أهل الحرب، ولايذم عاماً ولا لأهل اقليم . ([17]) وقال: والامام يذم لأهل الحرب عموماً وخصوصاً، وكذا من نصبه الامام عليه السلام في جهة يذم لأهلها . ([18]) وعلّل ذلك صاحب الجواهر : لأن ولايته عامة، والأمر موكول اليه في ذلك ونحوه . ونقل في المنتهى الاجماع على ذلك . وجاء في حديث مأثور عن الرسول صلى الله عليه وآله: "وإن سالم أحد من المؤمنين فلا يسالم مؤمن دون مؤمن". قـال صاحب الجواهـر وهو يفسـر كـلام الرسـول صلى الله عليه وآله ؛ أي لا يصالـح واحـد دون اصحابـه ، وانمـا يقـع الصلـح بينهـم وبيـن عدوهـم باجتمـاع ملأهم على ذلـك . ([19]) بلى؛ يجوز اجارة شخص من المسلمين لشخص او اشخاص من المشركين ، ولو فعل ذلك كان على المسلمين جميعاً الالتزام باجارته حتى يسمع كلام الله ، وفي ذلك جاءت الرواية التالية : روي عن الامام الصادق عليه السلام : "ايما رجل من ادنى المسلمين نظر الى رجل من المشركين هو جار حتى يسمع كلام الله ، فان تبعكم فأخوكم في الدين ، وان أبى فأبلغـوه مأمنه واستعينوا بالله عليه". ([20]) وهذا معنى كلام الرسول صلى الله عليه وآله "يسعى بذمتهم أدناهم" حسبما جاء في حديث رواه السكوني عن الامام الصادق عليه السلام . ([21]) إلاّ ان هذا نوع من العهد الفردي ولا يدخل ضمن الاتفاقات الدولية .
القسم الثالث : الأحلاف
اما التحالف مع أطراف أخرى ، فان عمومات آيات العهد والميثاق تشمل كل اتفاق بين طرفين ، سواءً كان الطرف الآخر مسلماً او مشركاً . كل ذلك اذا كانت المصلحة العليا للأمة تقتضي ذلك . ويبدو ان هناك شروطاً ثلاثة للتحالف، وهي : اولاً : ان يكون في مصلحة الأمة . ثانياً : ألاّ يكون ضد طرف اسلامي . ثالثاً : ألاّ يتنافى والقيم الاسلامية . واذا توافرت هذه الشروط، دخل الحلف ضمن اطلاق الوفاء بالعهد . وهكذا يجوز ان توقع الدولة الاسلامية على المواثيق العالمية التي انبثقت من منظمة الأمم المتحدة ، وفروعها المختلفة مادامت لا تتنافى وقيم الوحي ، وهي فعلاً ليست منافية في الأغلب. ومادامت قد وقعت عليها، فلابد من الوفاء بها . والله العالم .
في رحاب الأحاديث
1/ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " لا ايمان لمن لا امانة له ، ولا دين لمن لا عهد له " . ([22]) 2/ وفي وصيته للاشتر قال الامام علي عليه السلام: وإياك والمن على رعيتك باحسانك، او التزيد فيما كان من فعلك ، او ان تعدهم فتتبع موعدك بخلفك. فان المن يبطل الاحسان ، والتزيد يذهب بنور الحق ، والخلف يوجب المقت عند الله وعند الناس. قال الله سبحانه : " كبر مقتاً عند الله ان تقولوا مالا تفعلون " . وقال عليه السلام : "الوفاء لاهل الغدر غدر عند الله ، والغدر باهل الغدر وفاء عند الله". ومن خطبة له عليه السلام : "ان الوفاء توأم الصدق، ولا اعلم جنة اوقى منه". ([23]) 3/ وقال عليه السلام : "ان لاهل الدين علامات يعرفون بها؛ صدق الحديث ، واداء الامانة ، ووفاء بالعهد ، وصلة للارحام ، ورحمة للضعفاء ، وقلة مؤاتاه للنساء ، وبذل المعـروف ، وحسن الخلق ، وسعة الحلم ، واتباع العلم ، وما يقرب من الله زلفى ، وطوبى لهم وحسن ماب . ([24]) 4/ وروي عن الامام الصادق عليه السلام انه قال: "خمس هن كما اقول ؛ ليست لبخيل راحة ، ولا لحسود لذة ، ولا لملوك وفاء ، ولا لكذاب مروة ، ولا يسود سفيه". ([25]) 5/ عن أبي عبد الله عليه السلام قال : "ثلاث لم يجعل الله لاحد من الناس فيهن رخصة ؛ برّ الوالدين برّين كانا او فاجرين ، ووفاء بالعهد بالبر والفاجر ، واداء الامانة الى البر والفاجر ". ([26]) 6/ عن أبي عبد الله عليه السلام قال : "اربعة يذهبن ضياعاً ؛ مودة تمنحها من لا وفاء له ، ومعروف عند من لايشكر له ، وعلم عند من لا استماع له ، وسر تودعه عند من لا حصافة له". ([27])
الوفاء بالكيل والميزان
الوفاء بالكيل والميزان يتصل بقيمة الوفاء بحق الناس ، فلا يجوز بخس الناس اشياءهم او الحاق الخسارة بهم عن طريق الطغيان في الميزان او التطفيف . والحديث في هذه القيمة الايمانية يتفرع الى شعب معرفة حقيقة الوفاء ، وانه قيمة شرعية، وما يترتب على الالتزام به من كمال الايمان والثواب . وما يترتب على تركه من العقاب .
ماهو الوفـاء ؟
1/ الوفاء هو الاداء التام دون نقص، حيث ان ربنا سبحانه نهى عن البخس ( وعن الحاق الخسارة ) بعدما أمر بالوفاء ، مما يهدينا الى معنى الوفاء من اداء الحق بالكامل. قال الله سبحانه : « وإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللّهَ مَالَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَآءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَاَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَآءَهُمْ وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الاَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ » ( الاعراف / 85) . وقوله سبحانه : «وَلاَ تَبْخَسُوا النَّاسَ » يعتبر حكمة الأمر بالوفاء ، أو بتعبير آخر؛ أصله الشرعي والعقلي، كما أنه يزيد معنى الوفاء جلاءً وظهوراً . 2/ ونهى ربنا سبحانه عن انقاص المكيال والميزان ، وبذلك بيّن لنا معنى الوفاء . فمن انقص المكيال والميزان، فقد خالف الوفاء. قال الله سبحانه : « وإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُم بِخَيْرٍ وإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ » (هود / 84) .
الوفاء من القسط :
1/ والوفاء من القسط، والقسط ايتاء كل فرد نصيبه وحقه . وقد أمر الله بايفاء الكيل ضمن جملة احكام ، هدفها اقـامـة القسط بين النـاس ؛ منها الاحتياط في التعامل مع أموال اليتامى ، ومنها الشهادة بالحـق . قال الله سبحانه : « وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لانُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ » (الانعام/152) . ولأن الوفاء بحق الناس قد يصبح صعباً ، ويتسبب الاحتياط فيه الحرج، فان ربنا سبحانه بيّن انه لايكلف نفساً إلاّ وسعها. فلا يجب الايفاء إلاّ بقدر الوسع، والله العالم . 2/ ومن حقائق الوفاء، تجنب الحاق الخسارة بالناس، الذين نتعامل معهم. قال الله سبحانه : « أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلاَ تَكُونُوا مِنَ الْمُـخْسِرِينَ » (الشعراء/181) . فالحرام هو بخس الآخرين، او التسبب في خسارتهم. ومن أجل تجنب هذه الحرمة، علينا ان نفي بالكيل . 3/ وهكذا وجب الاهتمـام بالقسطاس ، حتى لايكون فاسداً فلا يمكنه وزن الاشياء بمـا يجنب الانسان ظلم الناس . قال الله سبحانه : « وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ» (الشعراء/182) . 4/ واقامة الوزن ( وتصحيح الوزن ) تهدف اقامة القسط ، وألاّ يكون هناك خلل في الميزان يسبب في خسران الناس. قال الله سبحانه : « وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ » (الرحمن / 9) . 5/ ولعل هذا هو حقيقة النهي عن الطغيان في الميزان ، حيث قال سبحانه : « أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ » (الرحمن / 8) . ونستوحي من سياق سورة الرحمن؛ ان اقامة الميزان من حقائق القرآن ، ومن تجليات الرحمة الالهية، وهي - الى ذلك - تتناسب ونظام الخلقة . فالله سبحانه الذي رفع السماء بنظام وموازين ، لولاها لفسدت السماء والأرض ، يأمر باقامة الميزان ، لأن الخلل فيه طغيان ويسبب في الفساد . 6/ بلى؛ كل شيء في الخلق قائم على الميزان. فالنظام في الطبيعة قائم على التقدير ، ومن خالف الميزان خالف القسط (وهو في طريق الفساد). قال الله سبحانه : « وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَآءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ » (هود / 85) . 7/ وقد يكون ايفاء الكيل من التصدق، حينما يكون الجانب الآخر ضعيفاً ومحتاجاً ولم يوف بكل الثمن كما في قصة اخوة يوسف التي يقصها ربنا في قوله سبحانه : « فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يآ أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَاَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ » (يوسف / 88) .
عاقبة المقسطين بالوفاء :
1/ في آية كريمة (الاعراف / 85) قرأنا أن الوفاء بالكيل والميزان خير، وانه من الايمان . وكذلك نقرء ان اخوة يوسف دخلوا عليه، فلما جهزهم بجهازهم طلب منهم ان يأتوا بأخيهم غير الشقيق ، ثم استدل على استقامته بأنه يوفي الكيل ، مما يهدينا الى ان الوفاء من صفات النبل الانسانية . قال الله سبحانه : « وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِاَخٍ لَّكُم مِنْ أَبِيكُمْ أَلا تَرَوْنَ أَنِّي اُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَاْ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ » (يوسف / 59) . فمن وفى بالكيل احترمه الناس ووثقوا به، واضحى عزيزاً . 2/ وهكذا الوفاء بالكيل ، والوزن بالميزان المستقيم خير للانسان ، (لأنه قسط، ولأنه يبعث على السكينة في القلب، ويستنزل الرحمة). وانه أحسن عاقبة (لأنه يستقطب ثقة الخلق، ورحمة الخالق، وحسن ثوابه). قال الله سبحانه : « وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً » (الاسراء / 35) .
عقبى التطفيف :
اما عاقبة التطفيف ، وانقاص المكيال، والطغيان في الميزان ، فهي التالية : 1/ الخير والشر تقديران خاضعان لمشيئة الرب وسننه. وإذا كان المجتمع يعيش الرفاه، فعلى ابناءه ألاّ يغتروا وألاّ يطغوا والاّ يغيّروا عاداتهم الحسنة بالسيئة ، فان ذلك قد ينتهي بهم الى عذاب عظيم . وهكذا حذر النبي شعيب عليه السلام أهل مدين الذين انعم الله عليهم بخير عميم ، حذرهم من انقاص المكيال. عند ذلك قال الله سبحانه : « وإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُم بِخَيْرٍ وإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ » (هود / 84) . وعذاب اليوم المحيط، عذاب لايمكن لأحد الفرار منه ، لانه يحيط بهم جميعاً ومن كل جانب . 2/ ولقد انذر الله الذين يطففون في المكيال بالويل، في يوم يقوم الناس لرب العالمين ، في يوم يكون كتاب الفجار في سجين . فقال سبحانه : « وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلاَ يَظُنُّ أُوْلَئِكَ أَنَّهُم مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ » (المطففين / 1-5) . الكيل بمكيالين ، والوزن بميزانين ، والتقييم بمعيارين؛ كل ذلك من مصاديق التطفيف ، والذي يهدف بخس حق الناس ، وسرقة مقدار من اموالهم بغير حق .
بصائر الآيـات
1/ القسط قيمة شرعية، وايفاء الكيل واقامة الميزان من القسط . بينما بخس الناس اشياءهم وانقاصهم حقهم، والتطفيف يضر بالقسط (بل هو ظلم) . 2/ وتجنب مال اليتيم إلاّ بالتي هي احسن ، والشهادة لله بالحق، كما ايفاء المكيال والميزان ، وسائل لتحقيق القسط (والذي عبر عنه بالنهي عن بخس الناس اشياءهم ، والذي يبدو أنه حكمة الايفاء) والله لايكلّف نفساً إلاّ وسعها . 3/ والاهمام بالميزان ان يكون مستقيماً، وألاّ يطغى فيه ، وألاّ يكون الأخذ والعطاء بميزانين؛ كل ذلك من وسائل تحقيق الايفاء . 4/ والايفاء خير (اليوم) وأحسن عاقبة (غداً) ، والناس يثقون بمن يوفي المكيال ، بينما يخشى على المجتمع المطفف من ويل يتمثل في عذاب يوم محيط لايستطيع أحد منه فراراً .
فقـه الآيـات
نستوحي من آيات الذكر؛ أن القسط غاية سامية من غايات التشريع الالهي . ولتحقيق القسط، لابد من سد الثغرات التي تضيع عندها حقوق الناس؛ منها : الاهتمام بأموال اليتيم واقامة الشهادة لله ( ودفع الصداق بالكامل ) وايفاء المكيال والميزان .. 1/ (الاعراف / 85) و (هود / 84) ؛ ونستفيد من القرآن ان معنى ايفاء الكيل ألاّ ينقص، فلا يجب اضافة شيء الى المكيال من عند من يكيل لغيره . كما نستفيد أن الهدف من الأمر بالايفاء ألاّ يبخس الناس اشياءهم ، وألاّ يتسبب في خسارة أحد شيئاً فيكون من المخسرين. وهذا هو الأصل في اقامة القسط وتحقيق العدالة المالية، والذي نستوحي منه الاحكام التالية : ألف : يحرم كلما ينتهي الى بخس الناس أشياءهم ، وخسارتهم مثل التدليس والغش والكذب في المعاملة ونقص المكائيل والموازين، وربما تأجيل دفع الثمن بما يضر بالبائع ، وهكذا . وكلمة الشيء واسعة المعنى، حيث تشمل أي كمية من المال تتعلق به ملكية شخص . كما ان كلمة الناس تشمل كافة البشر، مؤمنين وغير مؤمنين . والحق ولو لم يكن مالاً عرفاً ، هو مال لايجوز أن نطغى عليه ، وان نبخسه . كما ان كلمة البخس أبلغ من أكل المال ، لانه حتى إذا شك في أن يكون الموضوع من مصاديق قوله سبحانه : «وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَآ إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ » (البقرة / 188) فان آية قرآنية اخرى تصدق على الموضوع وهي قوله سبحانه : « وَلاَ تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَآءَهُمْ » (الاعراف/ 85) ، لأن البخس قد يكون في جزء من المال او في جزء من الحق . والله العالـم . باء : من هذه القاعدة الفقهية العامة نستفيد انه يحرم الاضرار بالناس، فلا يجوز ان نسن قوانين في البلد تضر بحق احد المواطنين أنى كان. فلو كان مثلاً من مصلحة البلد فتح طريق، فلا يجوز ان يتم ذلك ببخس اصحاب البيوت . واذا كان من مصلحة البلد منع زراعة معينة ، او فتح ابواب الاستيراد لبضاعة معينة ، وكان في ذلك اضرار وبخس حق لصاحب ارض او صاحب مصنع، فعلينا ان نعوّضه . وهكذا يجب اعادة النظر في كثير من الأنظمة المرعية في بلادنا، والتي تضر بمصالح خاصة ، وعلينا ان نصلحها بتعويضات أو ارضاءات بطريقة أو بأخرى . 2/ يجب ضبط المكيال والميزان ، وان يكون مكيالاً وافياً وميزاناً مستقيماً . ونستفيد من ذلك الأحكام التالية : ألف : ان الأولى بالناس وضع المقاييس الدقيقة لما يتعاملون عليه ، من مكيال او ميزان، او وسائل قياس المساحة، او قياس الطاقة، او ما أشبه، فإن ذلك يضبط حقوق بعضهم على بعض . باء : على الناس ان يراقبوا المقاييس التي يتعاملون بها؛ فلا يكون المكيال بحيث يزيد وينقص، او الميزان غير مستقيم، او ما أشبه. جيم : على الدولة ان تسعى لاقامة نظام للمقاييس، حتى يستطيع الجميع ان يطمئنوا اليها دون الحاق أحد ضرراً بآخر . 3/ التطفيف والقياس بمعيارين عمل مذموم ، سواءً كان في المقاييس الاقتصادية ، كما اذا اشترى استوفى حقه بينما عند البيع اخسر . او كان في القضايا الاجتماعية ، مثل ان يرى عملاً واحداً حسناً لو صدر منه وقبيحاً اذا صدر من غيره ، وحقاً واجباً له على الآخرين وليس ذات الحق واجباً عليه لهم . وهكذا كان من أفضل وصايا الأئمة عليهم السلام : "احب لغيرك ما تحب لنفسك".
في رحاب الأحاديث
1/ قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "إذا طففت أمتي مكيالها وميزانها ، واختانوا وخفروا الذمة ، وطلبوا بعمل الآخرة الدنيا ، فعند ذلك يزكون أنفسهم ويتورع منهم". ([28]) 2/ قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "ان فيكم خصلتين هلك فيهما من قبلكم أمم من الأمم. قالوا: وماهما يا رسول الله؟ قال: المكيال والميزان". ([29]) 3/ روي عن أبي جعفر عليه السلام قال: "كان علي عليه السلام كل بكرة يطوف في أسواق الكوفة سوقاً سوقاً، ومعه الدرة على عاتقه، وكان لها طرفان، وكانت تسمى السبيتة. فيقف على سوق سوق فينادي: يا معشر التجار؛ قدموا الاستخارة، وتبركوا بالسهولة، واقتربوا من المبتاعين ، وتزينوا بالحلم، وتناهوا عن الكذب واليمين، وتجافوا عن الظلم، وأنصفوا المظلومين، ولا تقربوا الربا، وأوفوا الكيل والميزان، ولا تبخسوا الناس اشياءهم، ولا تعثوا في الأرض مفسدين".([30]) 4/ روي عن الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام قال: وجدت في كتاب علي بن أبي طالب عليه السلام: "إذا ظهر الزنا من عبدي، ظهرت موتة الفجـأة. وإذا طففت المكاييل، أخذهم الله بالسنين والنقص. وإذا منعوا الزكاة، منعت الأرض بركاتها من الزرع والثمار والمعادن كلها. وإذا جاروا في الحكم، تعاونوا على الاثم والعدوان. وإذا نقضوا العهد، سلط الله عليهم شرارهم ثم تدعو خيارهم فلا يستجاب لهم". ([31])
ردّ الأمانـة
من أجل الحفاظ على قيمة القسط واداء الحقوق ، اوصى الرب سبحانه برد الأمانة ، وجعلها قيمة ايمانية ، ومن صفات المصلين ، ومن علامات التقوى، ونهى عن الخيانة . 1/ الايمان وسيلة الفلاح، وقد أفلح المؤمنون الذين هم لاماناتهم وعهدهم راعون. قال الله سبحانه: « قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَآءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لاَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ » (المؤمنون / 1-8) . واداء الأمانة ورعاية العهد هما من اصل واحد ، حيث ان الانسان اذا كان ملتزماً ويحترم نفسه ويحترم كلمة الشرف التي يعطيها للآخرين ، ويرى بأن لها قيمة حقيقية يدافع عنها المؤمن وانها تمثل شخصيته التي لا يرضى لنفسه بتحطيمها .. اقول: لو كان الانسان بهذا المستوى من الوعي بنفسه وقيمتها - إذاً - ادى امانته ، ووفى بعهده ، لأن العهد - بدوره - نوع من الامانة . أوليس الفرد يلزم نفسه بما عهد، ويرى ان ذمته قد انشغلت بذلك العهد ؟ ثم ان رعاية الأمانة التي جاءت في الكتاب اعظم من مجرد ردها، حيث الرعاية تشمل المحافظة عليها قبل الردّ ، حتى ترد كما كانت . 2/ ورعاية الأمانة ( والاهتمام بها، لكي لا تتلف او تنقص او تنسى ) هي من صفات المصلين الذين لايصيبهم الهلع . فلا يجزعـون عند المصيبة ، ولا يمنعون عند النعمة ، بل يصبرون اذا أصابهم البلاء ، وينفقون إذا اصابهم فضل من الله. قال الله سبحانه : « وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ » (المعارج / 32) . ونستفيد من الآية ؛ ان جذر هذه الصفة النبيلة هو مقاومة حب الدنيا ، وكبح جماح الشهوات . 3/ وكل نعم الله أمانة في عنقه، لابد ان يؤدي حقها. وذلك لأن الانسان مختار ، فهو مسؤول عما استودع من النعم. وهذه الحرية التي بموجبها أصبح الانسان صاحب أمانة ، هي بذاتها اعظم أمانة . والحرية هذه لا تتم إلاّ بالأمر والنهي، وهما - بدورهما - فرع الرسالة والولاية . وهكذا تتشكل الأمانة الالهية - فيما يبدو - بثلاثة شعب : العقل (حرية البشر) ، والنعم الالهية ، والرسالة (بما فيها من الكتاب وولاية من أرسل به) . قال الله سبحانه : « اِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الاِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً » (الاحزاب / 72) . ولعل هذا المعنى الأشمل لكلمة الأمانة في هذه الآية التي اشتبهت على كثير من المفسرين ، يتناسب وقولـه سبحانه في الآية التاليـة : « لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً » (الأحزاب / 73) . حيث ان اعداد الثواب للمؤمن ، والعقاب للمنافق ، يعني ان الامانة هي التي بأدائها يستحق المؤمن الثواب والمنافق العقاب . وهو الالتزام بالرسالة إلتزاماً واعياً . والله العالم . وقد سئل ابو عبد الله ( الامام الصادق عليه السلام ) عن هذه الآية وما عرض عليهن وما الذي حمل الانسان؟ فقال: "عرض عليهن الامانة بين الناس، وذلك حين خلق الخلق". ([32]) 4/ وردّ الأمانة من التقــوى ، حيث ان الله سبحانـه أمر بها بعد الأمر بردّ الأمانة . فقال سبحانه : « وَإِن كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِباً فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ وَلا تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ ءَاثِمٌ قَلْبُهُ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ » (البقرة / 283) . ونستفيد من الآية؛ ان الأولى بالمؤمن ألاّ يستأمن احداً إلاّ بعد معرفة رعايته للامانة، وفي غير هذه الحالة فالأفضل ان يأخذ منه رهاناً مقبوضة . 5/ وعلى الأمين ان يؤدي الأمانة بالتمام والكمال الى أهلها ، فان يده مسؤولة حتى تصل الأمانة الى صاحبها ، ولا تبرء ذمته بمجرد دفع الامانة الى وسيط قد يخونها . فقال سبحانه : « إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً » ( النساء / 58) . والله سبحانه هو السميع البصير ، وعلى المؤمن ان يعي هذا الاسم الالهي عند رعايته او اداءه للامانة . 6/ وخيانة الأمانة منهي عنه، كما اداءها مأمور به، حيث قال سبحانه : « يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَتَخُونُوا اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ » (الأنفال / 27) .
بصائر الآيـات
1/ ردّ الأمانة وأداءها ورعايتها، وعدم الخيانة فيها، تلك هي صفة ايمانية تورث الفلاح؛ وهي صفة المتقين المصلين الذين وقاهم الله من الهلع . 2/ وعلى الانسان ان يستأمن من يثق بأمانته أو يأخذ رهاناً مقبوضة، وعلى من يستلم الأمانة ان يراقب ربه السميع البصير .
فقه الآيـات
1/ لتحقيق العدالة واقامة القسط، يجب رعاية الأمانة وحفظها، حتى يتم ردّها الى أهلها كاملة غير منقوصة . 2/ وعلى الناس ان يشهدوا - عند نكران المستأمن - للحق ، وان يحكموا بالعدل . كما ينبغي ان يضبط الناس أمورهم الحقوقية ، فاذا اقرضوا فليكتبوا ، واذا لم يجدوا كاتباً فليرهنوا، وان ارادوا اعطاء أمانة فليبحثوا عمن يثقوا بأمانته . ونستوحي من آيات الأمانة واحكامها؛ ضرورة الاهتمام الجدّي بالثقة التي بين الناس في المعاملات ، وذلك بهدف تسهيل عملية الأخذ والعطاء . والانظمة التالية تساهم في ذلك : الف : ان يسارع القضاء الى استماع شكاوى الخيانة بالأمانة ، حتى يعتبر الخونة . باء : ان يضاعف القضاء جزاء الخونة في الأمانة . جيم : ان يكون في المجتمع امكنة للأمانة كالبنوك ، وصناديق الاستيداع ، وما أشبه . 3/ ونستوحي من الآيات؛ أن الأمانة التي يجب رعايتها وتحرم خيانتها، تشمل - فيما تشمل - الامانات العلمية مثل السر الذي يودعه المرء عند أخيه المؤمن . والله العالم . 4/ ومن الوفاء بالامانة احترام الكمبيالة والشيك، وسائر السندات الرسمية التي يتعهد صاحبها باداء قيمتها. والتزوير في الاوراق الرسمية، يعتبر نوعـاً من الخيانـة بالأمانة او الغدر. يقول الدكتور مصطفى كمال طه عن الاوراق التجارية : (انها صكوك قابلة للتداول، تمثل حقاً نقدياً، وتستحق الدفع لدى الاطلاع او بعد أجل قصير. ويجري العرف على قبولها كأداة للوفاء، تقوم مقام النقود في المعاملات). ([33]) ويضيف شارحاً: (تمثل الورقة التجارية ديناً تستحق الدفع بمجرد الاطلاع او بعد أجل قصير). ([34]) ويعتبر الكمبيالة اداة للائتمان إذ يقول : (ولما كانت الكمبيالة لا تدفع قيمتها مباشرة، بل تكون مضافة لأجل ، فانها اداة للائتمان). ([35])
في رحاب الأحاديث
1/ روى الحسين بن مصعب، قال: سمعت الامام الصادق عليه السلام يقول: "ادِّ الأمانة ولو الى قاتل الحسين بن علي عليهما السلام". ([36]) 2/ وعن الامام علي بن الحسين عليه السلام، انه كان يقول لشيعته: "عليكم باداء الأمانة. فوالذي بعث محمداً بالحق نبياً، لو أنّ قاتل ابي الحسين بن علي عليهما السلام ائتمني على السيف الذي قتله به لأديته اليه". ([37]) 3/ وروى الحسين بن أبي العلا قال : سمعت أبا عبد الله يقول: "أحب العباد الى الله عز وجل رجل صدوق في حديثه، محافظ على صلاته، وما افترض الله عليه مع اداء الأمانة". ثم قال: "من أئتمن على امانة فادّاها، فقد حل ألف عقدة من عنقه من عقد النار. فبادروا باداء الأمانة، فإنه من اؤتمن على أمانة وكل ابليس به مأة شيطان من مردة اعوانه ليضلوه، ويوسوسوا اليه ويهلكوه إلاّ من عصمه الله". ([38]) 4/ وقال أبوذر : اني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: "على حافتي الصراط يوم القيامة، الرحم والامانة. فاذا مرّ عليه الوصول للرحم، المؤدي للأمانة، لم يتكفأ به في النار". ([39]) 5/ وقال الامام أمير المؤمنين عليه السلام في خطبته بعد فرض الصلاة والزكاة : "ثم اداء الأمانة، فقد خاب من ليس من أهلها. انها عرضت على السموات المبنية، والأرضين المدحوة، والجبال ذات الطول المنصوبة. فلا أطول ولا أعرض ولا أعظم منها، ولـو امتنع شيء بطول او عرض او قوة او عز لأمتنعن. ولكن اشفقن من العقوبة، وعقلن ما جعل من هو اضعف منهن وهو الانسان انه كان ظلوماً جهولاً". ([40]) 6/ وقال الامام الرضا عليه السلام عن آبائه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "لاتزال امتي بخير ما تحابوا وتهادوا، وادّوا الأمانة، واجتنبوا الحرام، وقروا الضيف، واقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة. فاذا لم يفعلوا ذلك، ابتلوا بالقحط والسنين". ([41]) 7/ وروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله (وهو يبين معياراً سليماً لمعرفة الرجال) قال: "لا تنظروا الى كثرة صلاتهم وصيامهم، وكثرة الحج والزكاة، وكثرة المعروف، وطنطنتهم بالليل. انظروا الى صدق الحديث، واداء الأمانة". ([42])