تشریع الاسلامی، مناهجه و مقاصده جلد 7

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

تشریع الاسلامی، مناهجه و مقاصده - جلد 7

سید محمد تقی مدرسی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

وفي نص آخـر؛ فليغيره بيـده ، فإن لم يستطع فبلسانـه ، فإن لم يستطـع فبقلبـه ، وذلك

اضعف الإيمان .

ودلالة الحديث تتم إذا قلنا؛ أن اليد في اللغة العربية، تعني القوة . واستدل في الجواهر على ذلك ايضاً؛ بأن " ما سمعته من النصوص والفتاوى الدالة على انهما (الأمر والنهي ) يكونان بالقلب واللسان واليد، صريح في ارادة حمل الناس عليهما بذلك كله. بل معنى قوله عليه السلام: "ما جعل الله بسط اللسان وكف اليد، ولكن جعلهما يبسطان معاً ويكفان معاً" ([73]) . فيمكن ارادة ما يشمل الضرب ونحوه من أمر الأهل ونهيهم. كما انه صرّح في النصوص ايضاً بالهجر وتغير الوجه وغيرهما، مما يراد منه الطلب بواسطة هذه الأمور، لا مجرد القول . ([74])

أقول : عند بحثنا عن معنى النهي في بداية هذه الدراسة ، استفدنا من آية كريمة؛ أن النهي هو الردع؛ وهي قوله سبحانه : « إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَآءِ وَالْمُنكَرِ » (العنكبوت / 45). ولكن ذلك لا يورثنا يقيناً، بأن المراد من الأمر والنهي في الكتاب الكريم هو حمل الناس على الفعل والتــرك. وكذلك الأدلة التي أقامها في الجواهر، ليست كافية في اقناع الانسان، بأن المراد من الأمر والنهي هو حمل الناس . بلى؛ قد نستفيد ذلك من قوله سبحانه : « يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً » (التحريم / 6) .

وقول الرسول صلى الله عليه وآله : " كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته " ([75]) .

وسائر الأدلة التي تهدينا الى المسؤولية الاجتماعية ؛ مثل الأمر بالاحسان والدعوة والجهاد في سبيل الله . على أن الأدلة التي تهدينا الى احترام الناس وحرمتهم وحريتهم، ونفي الإكراه في الدين ، وان الرسول ليس عليهم بمسيطر، وانه ليس بجبار وانما عليه البلاغ . هذه الأدلة تكمل الأدلة السابقة، مما يدعونا الى انتهاج السبيل الوسط بين الدعوة الى الخير وبين حمل الناس عليه .

ولعل من مسؤولية الحاكم الشرعي، ان يسن في كل وقت جملة انظمة تحدد مدى صلاحية الأفراد في فرض الاحكام الشرعية على بعضهم . ومن هنا فقد ذهب البعض الى ضرورة الرجوع الى ولي الأمر في الأمر والنهي باليد . فقال الشيخ الطوسي (قدس الله روحه) فيما حكاه عنه في الجواهر عن محكي كتابه النهاية قال: الأمر بالمعروف يكون باليد واللسان. فاما باليد، فهو ان يفعل المعروف، ويتجنب المنكر على وجه يتأسى به الناس. واما باللسان؛ فهو ان يدعو الناس الى المعروف، ويعدهم على فعله المدح والثواب، ويزجرهم ويحذرهم عن الاخلال به من العقاب.

واضاف: وقد يكون الأمر بالمعروف باليد، بان يحمل الناس على ذلك بالتأديب والردع وقتل النفوس وضرب من الجراحات؛ إلاّ ان هذا الضرب لا يجب فعله، إلاّ باذن سلطان الوقت المنصوب للرئاسة العامة . ([76])

اقول: ويؤيد ذلك؛ ان أدلة استخدام اليد مجملة من هذه الزاوية ، وهي تشبه أدلة استخدام السيف. وقد اشترط الفقهاء في استخدام السيف اذن الولي للأمر، وقالوا : لا اطلاق لها من هذه الناحية. مع ان لسان الأدلة واحد، سواء في استخدام السيف او استخدام اليد. ومعلوم ان المراد من اليد، ما يشمل السيف أيضاً .

7/ وهكذا اشترط المشهور من فقهاء الشيعة، على اشتراط اذن الامام عليه السلام او نائبه في استخدام الضرب المؤدي الى الجرح أو القتـل. قال الشهيد الثاني في المسالك : هـو أشهـر ([77]) . وقال في الجواهــر : كل ذلك مضافـاً الى ما في جواز ذلك لسائر النـاس، عدولهـم وفساقهم من الفساد العظيـم والهـرج والمـرج المعلـوم عدمه من الشريعـة. ([78])

واما عن اطلاق الأمر والنهي لمثل هذا النمط المؤدي الى الجرح والقتل، فقد نفاه صاحب الجواهر قائلاً، وهو يستدل على عدم جوازه: للأصل السالم عن معارضة الاطلاق

المنصرف الى غير ذلك . ([79])

اقول : وهو كذلك . فانه لا نفهم من نصوص النهي عن المنكر قتل أحد، لكي لا يرتكب المنكر. فهل القتل ينهى؟ ولا اصابته بجرح. ولكن هل نفهم وجوب ضربه، لكي يرتدع عن المنكر ؟ أنا شخصياً لا افهمه ايضاً، ومن يفهم منها هذا المعنى فليعمل بما يفهم، والله المستعان .

8/ وقال آية الله المرجع الشيرازي ( حفظه الله ) في موسوعته " الفقه ": ان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - مثل ارشاد الناس - قد يكون باللفظ والتقطيب واليد ، وقد يكون بالأعمال الايجابية مثل ان يصلح الانسان ليراه الناس فيقتدوا به ، وعليه ورد قوله عليه السلام : " كونوا دعاة لنا بغير ألسنتكم " وهذا ايضاً واجب، لأنه داخل في عمومات الارشاد والأمر والنهي .

واضاف : فان كان فتح المدرسة وتأسيس النادي وتكوين المكتبة وتأليف الكتاب وغيرها، يوجب اطاعة الناس لله واجتنابهم عن معاصيه، وجب ذلك. كما انه اذا كان تصنيع البلاد ، وتكثير الزرع والضرع فيها يوجب غنى المسلمين عن الكفار الموجب لانطباق قوله عليه السلام : "استغن عمن شئت تكن نظيره" والذي يسبب بالاخرة انقلاعهم عن المنكرات ، وجب ذلك.

وختم حديثه بالقول : والظاهر ان ( في ) زماننا هذا يجب الأمر والنهي بالتصنيع والتنسيق ([80]) ( ولعله يعني التنظيم ) .

أقول : ما ذكره ( مد ظله ) موافق لما ذكره صاحب الجواهر ( قدس سره ) في ان معنى الأمر والنهي حمل الناس على الفعل والترك . ولكن استنباط هذا المعنى من نصوص الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحاجة الى شم مرهف للفقاهة، لم اوفق له كما اسلفت الحديث. فمن وفق له، فليعمل به باستعانة الله تعالى .

9/ (الحج / 41) و (المائدة / 63) و (التوبة / 112) و (التوبة/ 71) ؛ نستوحي من هذه

الآيات الكريمة؛ ان فئات معينة في المجتمع، اكبر مسؤولية تجاه المعروف والمنكر ، وهم:

اولاً : من له مكنة وسلطة، فهو مسؤول عن إقامة المعروف ، وازالة المنكر بقدرها . وهكذا ينبغي ان يكون هدف السلطات المؤمنة، نشر المعروف ومنع المنكرات .

ثانياً : العلماء، كالربانيين والأحبار ؛ فان عليهم مسؤولية الدعوة الى الخير والأمر والنهي اكثر من غيرهم. وقد جاء في الحديث : " لنحملن ذنوب جهالكم على علماءكم " .

ثالثاً : المجاهدون ؛ فان قيامهم لله ، وتطوعهم في سبيله، يدعوهم الى الاهتمام باقامة المعروف وازالة المنكر .

ولعل هذه الفئات، هم الأمة التي تدعو الى الخير وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ، وهم طائفة خاصة من هذه الأمة . والله العالم .

رابعاً : الأولياء ؛ فالأقارب والأصدقاء، والأقرب فالأقرب، هم الأولى بالأمر والنهي . ونستفيد ذلك من آيات مختلفة في القرآن ، كقوله سبحانه : « يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً » (التحريم/6) .

10/ (هود / 116) و (المائدة / 79) و (الاعراف / 165) ؛ نستفيد من هذه الآيات ومن تفسيرها في أحاديث الرسول وأهل بيته عليه وعليهم الصلاة والسلام؛ ان التارك للنهي عن المنكر شريك في الجريمة ، وانه يعاقب عند نزول البلاء كما يعاقب المرتكب له . وهذه البصيرة القرآنية تثير بحوث هامة، منها :

لانه اذا كان ترك التناهي سبباً لوقوع الجريمة ، فان التارك مشارك فيها . مثال ذلك من اطلع على قوم يتآمرون على أمن البلاد ، أو على قتل نفس زكية ، أو على سرقة اموال.. وكان بإمكانه ان ينهاهم او يخبر السلطات عنهم ، فاذا فعل ازدجروا ولكنه تماهل، فقد ساهم بسكوته في وقوع الجريمة. وقد جاء في حديث شريف عن ابان بن تغلب، عن الامام الصادق عليه السلام انه قال: كان المسيح عليه السلام يقول : ان التارك شفاء المجروح من جرحه شريك لجارحه لا محالة ، وذلك ان الجارح أراد فساد المجروح. والتارك لاشفائه لم يشأ صلاحه، فاذا لم يشأ صلاحه، فقد شاء فساده اضطراراً . ([81])

وجاء في حديث السكوني عنه عليه السلام، انه قال : ان ثلاثة نفر رفعوا الى أمير المؤمنين عليه السلام؛ واحد منهم امسك رجلاً، وأقبل الآخر فقتله، والآخر رآهم. فقضى في الرؤية ([82]) ان تسمل عيناه، وفي الذي امسك ان يسجن حتى يموت كما امسك، وقضى في الذي قتل ان يقتل . ([83])

وقد فسّر في الجواهر ؛ صاحب الرؤية بالذي كان عيناً للقاتل، وقال: ان هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب . ([84])

ومن رأى اعمى يقترب من هاوية، فلم ينكر عليه ولم يمنعه فوقع فيها، فانه مشارك في الجريمة . وكذلك الطبيب الذي ترك المريض يموت ولم يسعفه بدواء، وهكذا المستشفى الذي لم يستقبل المصاب، وبتركه اياه حتى مات .

ان العرف ينسب الوفاة في هذه الحالات او أية حادثة اخرى الى الساكت . وفي ختام آية سورة هود اشارة الى ان من سوى الناهين عن الفساد يُهلكون. وكذلك آية سورة الأعراف تشير الى أن الناهين عن الصيد في يوم السبت هم الذين نجوا، بينما هلك البقية جميعاً لانهم كانوا ظالمين .

والفقه الاسلامي بحاجة الى إغناء في هذا الحقل، حيث ان كثيراً من المنكرات التي تقع وتسبب اخطاراً على المجتمع، كانت لا تقع لو تحمل البعض فريضة النهي عنها .

والقوانين الوضعية لاترى الفعل السلبي جريمة ، إلاّ في حدود ضيقة ، حيث نجد بعض القوانين فقط ترى الطبيب مسؤولاً عن تركه للعلاج إذا أدى ذلك الترك الى الوفاة .

ولكن أركان المسؤولية قائمة؛ فمثلاً : ما الفرق بين من خالف المرور في قيادته للسيارة فاحدث ضرراً، وبين من لم يردعه وهو قادر على ذلك ومسؤول عن ردعه؟ فالعقل لايرى فرقاً بين الطرفين، إلاّ في الشدة والضعف .

وقد ضرب الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله مثلاً على ذلك، بقوم ركبوا سفينة، فـاراد

أحدهم ان يخرق موضع جلوسه. فلولم يأخذوا على يده غرق وغرقوا، وان أخذوا نجا ونجوا.

دعنا نتصور ان رجلاً مر على بيت يحترق، وكان بإمكانه اخبار رجال الاطفاء، ولكنه لم يفعل حتى احترق البيت كله. افلا يكون مسؤولاً.

والفقه - كما القانون - يعتبر تقصير المسؤول عن شخص (كالوالدين إذا قصرا في قيادة اولادهم) أو عن شيء (كالحارس) أو عن حيوان (كصاحبه)، كل ذلك يؤدي الى ضمانه . فكيف لا يؤدي تقصير الناس عن واجباتهم الاجتماعية الى الضمان ؟ وقد عبر الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله عن المسؤولية الاجتماعية بقوله : " كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ". ولعل قول الله سبحانه : « وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَولِيَآءُ بَعْضٍ » (التوبة / 71) يؤكد ذلك أيضاً.

ونحن ننتظر اليوم الذي يهتم الفقه كما القانون، اهتماماً اكبر بالمسؤولية الاجتماعية، ويضعان لها احكاماً تفصيلية انشاء الله تعالى .

11/ ان النهي عن المنكر كما الأمر بالمعروف، اصبح اليوم اوسع مدى، وارحب افاقاً. وذلك بوجود اجهزة مساعدة لهما، وايضاً بسبب اطلاع كل فرد تقريباً بما يجري في العالم وبما يرتكب هنا وهناك من منكرات؛ بعضها خطيرة ومؤثرة في مصير العالم ( مثلاً استخدام القنبلة النووية - او تخريب واسع للبيئة ، أو زعزعة نظام المال في العالم ). فالعالم يتقلص حجمه ويصبح كقرية صغيرة يطلع أهلها على ما يقع في اطرافها، كما يستطيع كل واحد من ابنائها التأثير فيها. فالأجهزة الاعلامية المتكاثرة (محطات الاذاعة المسموعة والمرئية العالمية ، والصحف العابرة للقارات، وكذلك شبكة الانترنيت، وثورة المعلومات، وشبكات الاتصالات الهاتفية والفاكس والتلكس، وما أشبه.. ) كل ذلك يسمح لكل فرد ان يعرف ما يحدث، وان يؤدي دوره في ادانة المنكرات الحادثة .

فعلى كل فرد اليوم مسؤولية مضاعفة. ولانها لا تتحقق بصورة فردية ، فلابد من تعاون المؤمنين مع بعضهم تحت مظلة الولاية الالهية لتطوير قدراتهم الاعلامية ، وانشاء المحطات الاذاعية ، ووكالات الانباء والصحف، والاشتراك في اجهزة ثورة المعلومات.. كل ذلك من أجل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ليس على نطاق المنطقة التي يسكنون فيها، بل في الافق العالمي بتوفيق الله سبحانه .

12/ نجد في روايات أهل البيت عليهم السلام، تذكرة بمدى علاقة النهي عن المنكر بولاية الصالحين، بينما تركه يسبب في ولاية الاشرار. فقد قال الامام امير المؤمنين عليه السلام في وصيته للحسن والحسين عليهما السلام : " قولا بالحق ، واعملا للأجر ، وكونا للظالم خصماً ، وللمظلوم عوناً". ثم قال: "الله في الجهاد بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم في سبيل الله. لا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فيولى عليكم شراركم، ثم تدعون فلا يستجاب لكم". ([85])

وجاء في حديث مأثور عن رسول الله صلى الله عليه وآله في خطبته يوم الغدير : " ألا فاقيموا الصلاة ، وآتوا الزكاة ، وامروا بالمعروف ، وانهوا عن المنكر. الا وان رأس الأمر بالمعروف ان تنتهوا الى قولي ، وتبلغوه من لم يحضر ، وتأمرونه بقبوله ، وتنهونه عن مخالفته ، فإنه امر من الله عز وجل ومنّي. ولا امر بمعروف ولانهي عن منكر ، إلاّ مع امام معصوم". ([86])

وفي احاديث كثيرة؛ ان اعظم الجهاد، كلمة حق عند امام جائر . فقد سبق عن الرسول صلى الله عليه وآله، أنه قال: "من مشى الى سلطان جائر، فأمره بتقوى الله ووعظه وخوّفه، كان له مثل أجر الثقلين من الجن والانس". ([87])

ومن هذه البصيرة؛ نستفيد الحقائق التالية :

الف : ان ترك الأمر والنهي يوجب انتشار الفساد السياسي . وعلينا اذا اردنا اصلاح هذا النمط الأخطر من الفساد ، فعلينا نشر سنة الأمر والنهي باوسع نطاق في الأمة ، حتى تعود الأمة الى رشدها الديني وتصلح وضعها السياسي .

باء : ان من اعظم المعـروف، الاجتمـاع حـول الولايـة الالهيـة الصالحة؛ كما ان اعظــم

المنكر، التفرق عنها . فعلينا اذا اردنا اصلاح أمرنا، ان نجتمع اكثر فأكثر حول هذه الولاية ، ولا نتفرق عنها ، وهي حبل الله المتين وصراطه المستقيم .

جيم : من اعظم النهي عن المنكر، نهي السلطان وكل ذي قوة، وردعه من الظلم والبغي. وهذا لايكون إلاّ بتجاوز الانظمة الجائرة، وابلاغ كلمة الحق للسلطات إن امكن برفق وموعظة، وإلاّ فبأي طريقة ممكنة ومأمونة الأخطار .

دال : لا يجوز الاهتمام بالمنكرات الصغيرة؛ مثل حلق اللحية ، وطول الشعر، وطريقة تسريحه.. ثم ترك الأهم وهو انحراف السلطة، وسن القوانين الباطلة من قبلها. انما علينا اصلاح الوضع السياسي ، ونهي سلطات الجور من التمادي في الغي . فإنه اعظم أجراً، وأكبر خطراً .

13/ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فريضتان كالصلاة والصوم ، ولا يجوز تقييدهما بالقوانين المرعية، و انما يجب التلطف لابلاغهما الى اسماع الناس دون التوجه الى القوانين التي تحدد حركة المجتمع . كما انه لا يستحسن عندي وضع قوانين لهما، غير احكامهما الشرعية . وانما نجعل التيار الجماهيري هو السور للقيم الالهية .

وهكذا نعرف ان من اساليب الأمر والنهي الجديدة؛ اقامة المهرجانات الحاشدة ، وتسيير التظاهرات المسموحة ، ونشر الكتب والمنشورات.. وما اليها من انواع الضغط الجماهيري، الذي يجب ممارسته لاقامة المعروف وازالة المنكر، والله المستعان .

في رحاب الأحاديث

وجوبه وتحريم تركه :

1/ عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال في قوله تعالى : « وَلْتَكُن مِنكُمْ اُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ » قال : " في هذه الآية تكفير ( أهل المعاصي بالمعصية ) ، لأنه من لم يكن يدعو الى الخيرات ويأمر بالمعروف وينهى على المنكر بين المسلمين ، فليس من الأمة التي وصفها الله ، لأنكم تزعمون ان جميع المسلمين من أمة محمد صلى الله عليه وآله ، وقد بدت هذه الآية ، وقد وصفت امة محمد صلى الله عليه وآله بالدعاء الى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ومن لم توجد فيه هذه الصفة التي وصفت بها ، فكيف يكون من الأمة ؟ وهو على خلاف ما شرطه الله على الأمة ، ووصفها به " . ([88])

2/ قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ومن يشفع شفاعة حسنة ، او يأمر بمعروف ، او ينهى عن المنكر ، او دلّ على خير أو أشار به ، فهو شريك. ومن أمر بشرّ أو دلّ عليه أو أشار به ، فهو شريك " . ([89])

3/ عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : " من مشى الى سلطان جائر، فأمره بتقوى الله ووعظه وخوّفه ، كان له مثل اجر الثقلين من الجن والانس ، ومثل اجورهم " . ([90])

4/ ان رجلاً جاء الى رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال : اخبرني ما أفضل الأعمال؟ فقال : الايمان بالله. قال : ثم ماذا ؟ قال صلة الرحم. قال : ثم ماذا ؟ قال : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . ([91])

5/ قال رسول الله صلى الله عليه وآله : " لا يحقرن أحدكم نفسه اذا رأى أمراً لله عز وجل فيه حق الا أن يقول فيه ، لئلا يقفه الله عز وجل يوم القيامة فيقول له : ما منعك إذ رايت كذا وكذا أن تقول فيه ؟ فيقول : رب خفت ، فيقول الله عز وجل : أنا كنت أحق ان تخاف " . ([92])

6/ قال أمير المؤمنين في وصيته للحسن عليهما السلام : " وأمر بالمعروف تكن من أهله ، وانكر المنكر بيدك ولسانك ، وباين من فعله بجهدك ، وجاهد في الله حقّ جهاده ، ولا تأخذك في الله لومة لائم " . ([93])

7/ قال أمير المؤمنين عليه السلام: " ايها المؤمنون؛ ان من رأى عدواناً يعمل به ، ومنكراً يدعى اليه ، وانكره بقلبه فقد سلم وبرئ. ومن أنكره بلسانه فقد اجر، وهو أفضل من صاحبه. ومن انكره بالسيف لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الظالمين السفلى ، فذلك الذي أصاب الهدى ، وقام على الطريق ، ونوّر في قلبه اليقين " . ([94])

مراتب النهي عن المنكر :

1/ قال النبي صلى الله عليه وآله: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده ، فان لم يستطع فبلسانه ، فان لم يستطع فبقلبه ، ليس وراء ذلك شيء من الإيمان" وفي رواية: "ان ذلك اضعف الإيمان". ([95])

2/ قال الصادق عليه السلام: " حسب المؤمن خيراً ان رأى منكراً ، ان يعلم الله من نيته انه له كاره " . ([96])

3/ قال رسول الله صلى الله عليه وآله : " من شهد أمراً وكرهه كان كمن غاب عنه ، ومن غاب عن أمر فرضيه كان كمن شهده ". ([97])

4/ قال أمير المؤمنين عليه السلام: " ان اول ما تغلبون عليه من الجهاد، جهاد بأيديكم، ثم بألسنتكم، ثم بقلوبكم. فمن لم يعرف بقلبه معروفاً، ولم ينكر منكراً ، قلب قلبه فجعل اعلاه أسفله ". ([98])

5/ قال النبي صلى الله عليه وآله: " ستكون فتن لا يستطيع المؤمن ان يغير فيها بيد ولا لسان. فقال علي بن أبي طالب عليه السلام : وفيهم يومئذ مؤمنون؟ قال: نعم. قال : فينقص ذلك من ايمانهم شيئاً؟ قال: لا. الا كما ينقص القطر من الصفا. انهم يكرهونه بقلوبهم " . ([99])

شروط النهي عن المنكر :

1/ قال الصادق عليه السلام: " انما يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، من كانت فيه ثلاث خصال : (عامل ) لما يأمر به ، تارك لما ينهى عنه ، عادل فيما يأمر ، عادل فيما ينهى ، رفيق فيما يأمر ، رفيق فيما ينهى " . ([100])

2/ قال أبي عبد الله عليه السلام: " يا مفضل؛ من تعرض لسلطان جائر فأصابته بلية ، لم يؤجر عليها ، ولم يرزق الصبر عليها " . ([101])

3/ قال أمير المؤمنين عليه السلام : " من كانت له ثلاث، سلمت له الدنيا والآخرة؛ يأمر بالمعروف ويأتمر به ، وينهى عن المنكر وينتهي عنه ، ويحافظ على حدود الله جل وعلا " . ([102])

طريقة النهي عن المنكر :

1/ كان ابو عبد الله عليه السلام إذا مرّ بجماعة يختصمون ، لا يجوزهم حتى يقول ثلاثاً : " اتقوا الله " يرفع بها صوته . ([103])

2/ قال أبو الحسن الرضا عليه السلام ، في قول الله : « وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ اَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ ءَايَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ » قال : " اذا سمعت الرجل يجحد الحق ويكذب به ويقع في أهله ، فقم من عنده ولا تقاعده " . ([104])

3/ وكان عيسى عليه السلام ، يقول : "يا معشر الحواريين ؛ تحبّبوا الى الله ببغض أهل المعاصي ، وتقرّبوا الى الله تعالى بالتباعد منهم ، والتمسوا رضاه بسخطهم" . ([105])

4/ وجاء في حديث شمائل النبي صلى الله عليه وآله : له عرق يدرّه الغضب.- الى ان قال - فاذا تعوطي الحق لم يعرفه احد ، ولم يقم لغضبه شيء ، حتى ينتصر له. ([106])

5/ روي ان رجلاً سأل العالم عليه السلام ، عن قول الله عز وجل « قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً » قال : يأمرهم بما أمرهم الله ، وينهاهم عمّا نهاهم الله . فان اطاعوا كان قد وقاهم ، وان عصوه كان قد قضى ما عليه " . ([107])

6/ قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أيما رجل رأى في منزله شيئاً من الفجور فلم يغير ، بعث الله تعالى بطير أبيض فيظل ببابه أربعين صباحاً ، فيقول له كلما دخل وخرج : غيّر غيّر . فان غيّر، والا مسح بجناحه على عينيه؛ وان رأى حسناً لم يره حسناً ، وان رأى قبيحاً لم ينكره " . ([108])

جزاء من تركه :

1/ قال الامام علي عليه السلام : " لا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فيولي الله أموركم شراركم ، ثم تدعون فلا يستجاب لكم ( دعاؤكم ) " . ([109])

2/ قال أبو عبد الله عليه السلام : " كان رجل شيخ ناسك يعبد الله في بني اسرائيل؛ فبينا هو يصلي وهو في عبادته ، إذ بصر بغلامين صبيين ، قد اخذا ديكاً وهما ينتفان ريشه ، فأقبل على ما هو فيه من العبادة، ولم ينههما عن ذلك . فأوحى الله الى الأرض ان سيخي بعبدي ، فساخت به الأرض . فهو يهوي في الدّردور ، أبد الآبدين ودهر الداهرين " . ([110])

3/ قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام : " انه لم يهلك من كان قبلكم من الأمم ، إلاّ بحيث ما أتوا من المعاصي ، ولم ينههم الربانيون والاحبار . فلما تمادوا في المعاصي ، ولم ينههم الربانيون والاحبار ، عمهم الله بعقوبة . فأمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر ، قبل ان ينزل بكم مثل الذي نزل بهم . واعلموا أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لايقربان من أجل ، ولا ينقصان من رزق . فان الأمر ينزل من السماء الى الارض كقطر المطر ، الى كل نفس او أهل او مال ". ([111])

4/ روي عن علي بن أبي طالب عليه السلام، أنه قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وآله يأتي أهل الصفة، وكانوا ضيفان رسول الله صلى الله عليه وآله. الى ان قال: فقام سعد بن أشج فقال: اني أشهد الله، وأشهد رسول الله صلى الله عليه وآله، ومن حضرني؛ ان نوم الليل عليَّ حرام. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: لم تصنع شيئاً، كيف تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر اذا لم تخالط الناس ؟ وسكون البرية بعد الحضر كفر للنعمة. ثم قال صلى الله عليه وآله : بئس القوم قوم لا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر ، بئس القوم قوم يقذفون الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ، بئس القوم قوم لا يقومون لله تعالى بالقسط ، بئس القوم قوم يقتلون الذين يأمرون الناس بالقسط في الناس ". ([112])

5/ روي أن أمير المؤمنين عليه السلام كان يخطب فعارضه رجل فقال : يا أمير المؤمنين ؛ حدّثنا عن ميت الأحياء . فقطع الخطبة ، ثم قال : منكر للمنكر بقلبه ولسانه ويده ، فخلال الخير حصلها كلها . ومنكر للمنكر بقلبه ولسانه وتارك له بيده ، فخصلتان من خصال الخير . ومنكر للمنكر بقلبه وتارك بلسانه ويده ، فخلة من خلال الخير حاز . وتارك للمنكر بقلبه ولسانه ويديه ، فذلك ميت الأحياء . ثم عاد الى خطبته " . ([113])

6/ روي عن أبي عبد الله عليه السلام ، أنه قال : " ان الله بعث الى بني اسرائيل نبياً ، يقال له : ارميا . فقال : قل لهم : ما بلد منعته من كرام البلدان ، وغرس فيه من كرام الغروس ، ونقيته من كل غريبة ، [ فأخلف ] فأنبت خرنوباً . فضحكوا منه واستهزؤوا به ، فشكاهم الى الله . فأوحى الله إليه : ان قل لهم : ان البلد بيت المقدس ، والغرس بنو اسرائيل ، نقيتهم من كل غريبة ، ونحيت عنهم كل جبار . فاختلفوا فعملوا بالمعاصي ، فلأسلّطنّ عليهم في بلدهم من يسفك دماءهم ويأخذ أموالهم ، وإن بكوا لم ارحم بكاءهم، وان دعوا لم استجب دعاءهم . فشلوا وفشلت اعمالهم ، ولأخربنها مائة عام ثم لاعمرنها . قال : فلما حدثهم جزعت العلماء .

فقالوا : يا رسول الله ؛ ما ذنبنا نحن ، ولم نكن نعمل بعملهم ؟ فعاود لنا ربك . فصام سبعاً، فلم يوح إليه . فأكل أكلة ثم صام سبعاً ، فلما كان اليوم الواحد والعشرون يوماً ، أوحى اليه : لترجعن عما تصنع ان تراجعني في امر قد قضيته ، أو لاردنّ وجهك على دبرك . ثم أوحى اليه : ان قل لهم : انكم رأيتم المنكر فلم تنكروه . وسلّط عليهم بخت نصر ، ففعل بهم ما قد بلغك ". ([114])

7/ قال أبو جعفر عليه السلام : وان الله ليعذب الجعل في حجرها ، بحبس المطر عن الأرض التي هي بمحلتها ، لخطايا من بحضرتها ، وقد جعل الله لها السبيل الى مسلك سوى محلة اهل المعاصي " قال ثم قال ابو جعفر عليه السلام : « فَاعْتَبِرُوا يَآ أُولِي الأَبْصَارِ » " . ([115])

جزاء من نهى عن المنكر :

1/ قال الامام الباقر عليه السلام : " الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، خلقان من خلق الله ؛ فمن نصرهما اعزه الله ، ومن خذلهما خذله الله " . ([116])

2/ قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " رأيت رجلاً من أمّتي في المنام ، قد أخذته الزبانية من كل مكان ، فجاءه أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر ، فخلصاه من بينهم ، وجعلاه مع الملائكة " . ([117])

3/ قال النبي صلى الله عليه وآله: " لاتزال أمتي بخير ، ما أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وتعاونوا على البر . فاذا لم يفعلوا ذلك ، نزعت منهم البركات ، وسلّط بعضهم على بعض ، ولم يكن لهم ناصر في الأرض ولا في السماء " . ([118])

4/ قال رسول الله صلى الله عليه وآله : " ألا أخبركم عن أقوام ليسوا بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم ( الناس يوم القيامة ) بمنازلهم من الله عز وجل ، على منابر من نور" ؟ قيــل : من هم يا رسول الله ؟ قال : " هم الذين يحببــون عباد الله الى الله ، ويحببون الله الى عباده " . قلنا : هذا حببوا الله الى عباده ، فكيف يحببون عباد الله الى الله ؟ قـال " يأمرونهم بما يحب الله ، وينهونهم عما يكره الله ، فإذا أطاعوهم أحبهم الله " . ([119])

5/ عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام ، انه قال : " لا يزال المؤمن يورث أهل بيته العلم والأدب الصالح ، حتى يدخلهم الجنة [ جميعاً ] ، حتى لايفقد فيها منهم صغيراً ولا كبيراً، ولا خادماً ولا جاراً . ولايزال العبد العاصي يورث أهل بيته الأدب السيء ، حتى يدخلهم النار جميعاً ، حتى لايفقد فيها منهم صغيراً ولا كبيراً ، ولا خادماً ولا جاراً " . ([120])

الهجرة مبعث المسؤولية

ابعاد الكلمة :

اذا تركت شيئاً فقد هجرته . وقد انبأ الله سبحانه ان الرسول صلى الله عليه وآله يشكو الى الله تعالى قومه يوم القيامة، لانهم هجروا الكتاب . فقال الله سبحانه : « وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْءَانَ مَهْجُوراً » (الفرقان / 30) .

وهكذا الهجرة هي ترك البلاد ، حيث قال سبحانه : « لِلْفُقَرَآءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ اُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمَوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ » ( الحشر / 8 ) .

فالاخراج من البلاد ، دليل هجرتهم . وقد تكررت مثل هذه المفارقة في آيات عديدة، سوف نتلوها انشاء الله .

وقد تكون الهجرة معنوية ؛ كمن يهاجر دين قومه وعاداتهم ، ويرفض ولايتهم ، كما هاجر لوط الى ربه . قال الله سبحانه : « فَاَمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ » (العنكبوت/ 26) .

وجاء في حديث مروي عن الامام الباقر عليه السلام : " من دخل في الاسلام طوعاً ، فهو مهاجر " ([121]) .

حقائق الهجرة :

1/ اهداف المهاجرين قد تكون شتى ، ولكنها تنتهي عند المخلصين الى غاية واحدة ، هي سبيل الله سبحانه . وفيما يلي نستعرض بعض تلك الاهداف :

اولاً : ابتغاء فضل الله ، والسعة في رزق الله ؛ والتي توفرها الحرية السياسية والاقتصادية في المهاجر .

ثانياً : ابتغاء رضوان الله بالعمل الصالح ، واقامة شعائر الدين بنحو افضل ، وباستجابة الله لهم بالهجرة .

ثالثاً : نصرة دين الله ، ورسول الله . فالمهاجر اذا خرج من دياره والتحق بجند الله ، استطاع ان يجاهد في سبيل الله سبحانه بنفسه وبماله . قال الله تعالى : « لِلْفُقَرَآءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ اُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمَوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ » ( الحشر / 8 ) .

وفي حديث مأثور عن النبي صلى الله عليه وآله ، انه قال : " لا هجرة بعد الفتح ، ولكن جهاد ونية ، واذا استنفرتم فانفروا " . ([122])

ونستفيد من الحديث ؛ ان الهجرة تصدق مع استضعاف المؤمنين . اما عند غلبة الدين ، فلا هجرة ، بل جهاد ، ونفر في سبيل الله .

ولعل ذلك مراد الامام أمير المؤمنين عليه السلام بقوله : " لا يقع اسم الهجرة على احد بمعرفة الحجة في الارض . فمن عرفها وأقرّ بها ، فهو مهاجر . ولا يقع اسم الاستضعاف على من بلغته الحجة ، فسمعتها أُذنه ووعاها قلبه " . ([123])

وهؤلاء المهاجرون هم الصادقون في ايمانهم ، ولهم من الغنائم نصيب مفروض .

2/ والذين اخرجوا من ديارهم بغير حق إلاّ ان يقولوا ربنا الله ، يجوز لهم قتال اعداءهم ، للعودة الى بلادهم بعد تحريرها من الطغاة ، الذين ارادوا ان يفتنوهم عن دينهم . قال الله سبحانه : « اُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِاَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ اُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلآَّ أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَويٌ عَزِيزٌ » (الحج / 39 - 40) .

3/ وأساساً الفتنة ، هي احد اسباب الحرب . ومن اجل ان يتحرر المؤمن من فتنة الكافر ، والاّ يستسلم لطغيانه ، وبالتالي من اجل ان يحافظ على دينه ، فانه يهاجر الى الله ورسوله . ففي قصة بني اسرائيل اذ اخرجوا من ديارهم وابنائهم ، نجد انهم طلبوا من نبيهـم ان يجعل لهم ملكاً يقاتلون في سبيل الله معه ، فلما ذكرهم النبي انهـم قد لا يقاتلون بإمرته ، قالوا ما ذكره ربنا سبحانه في الكتاب : « أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلاَءِ مِن بَنِي إِسْرَآئِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ اَلاَّ تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَآ اَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَدْ اُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ » (البقرة / 246 ) .

4/ كفار مكة فتنوا المؤمنين ، وعذبوهم وقتلوا بعضهم ، واخرجوهم من ديارهم . فلما قاتل بعض المؤمنين سرية مرافقة لقافلتهم التجارية في الشهر الحرام ([124]) اعترضوا . وسأل الناس عن القتال في الشهر الحرام ، فنزلت الآية الكريمة : « يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الْدُّنْيَا وَالاَخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ » ( البقرة / 217) .

وهكذا نجد ان الفتنة أشد من القتل ، وانها سبب معقول للهجرة ، حيث يخرج المهاجر من دار الفتنة الى دار الاسلام .

5/ وحين يخرج المؤمن من وطنه ، لايعلم شيئاً عن سائر البلاد ؛ يساوره الخـوف ، ألاّ

يجد موقعاً مناسباً لكدحه وسعيه . ولكن الله سبحانه يبشره ، ان في الارض سعة تنتظره . قال الله سبحانه : « وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً » (النساء / 100) .

وهكذا يحقق المهاجر في سبيل الله هدفه في الرفاه والتقدم ، بالاضافة الى غايته السامية في الكرامة والأجر .

6/ والولاية (الانتماء الى التجمع الالهي) من منجزات الهجرة ، (وقد تكون من اهداف المهاجرين ايضاً) . ولذلك فمن هاجر ، تمتع بميزات الولاية دون غيره . قال الله سبحانه : « وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَآءً فَلاَ تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَآءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلاَ تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً » (النساء / 89 ) .

وترى كيف نهى ربنا تعالى عن ولاية من لا يهاجر في سبيل الله .

7/ وحين يهاجر المؤمن ، يجد اهل البلاد التي هاجر اليها ، اخوته في الله واولياءه . وهكذا تراه يبدل بالهجرة ، شر الناس باحسن الناس ولايةً وأملاً . قال الله تعالى : « إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِاَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ ءَاوَوْا وَنَصَرُوا اُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِن وَلاَيَتِهِم مِن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِيثَاقٌ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ » ( الانفال / 72 ) .

8/ والولاية التي يحصل عليها المهاجر ، هي اسمى درجات الولاية ، حيث يصبح المهاجر واحداً من ابناء الأمة سواءً بسواء ، لا يفضل عليه احد من اهل البلاد إلاّ بالتقوى. ولعل هذا هو معنى « مِنكُمْ » في الآية التالية ، حيث يقول ربنا سبحانه : « وَالَّذِينَ ءَامَنُوا مِن بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَاُوْلَئِكَ مِنكُمْ وأُوْلُواْ الاَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ » ( الانفال / 75 ) .

ترى هذه الولاية مقدمة في الذكر على ولاية الارحام. بلى؛ الدين ابلغ ولاية من الرحم.

9/ ويبدو ان الهجرة شرط الزواج . فالمرأة التي لاتهاجر ، لا يتزوجها المؤمن . هكذا نستفيد من قوله سبحانه : « يَآ أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّآ أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاَّتِي ءَاتَيْتَ اُجُورَهُنَ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّآ أَفَآءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّك َوَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاَتِكَ اللاَّتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً اِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ اِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلاَ يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً » ( الاحزاب / 50 ) .

ذلك ان الظاهر ؛ ان اشتراط الهجرة، يشمل كل البنات التي يجوز للنبي ان يتزوج منهن.

10 / والهجرة فريضة على الذين استضعفوا ، (فلم يقدروا على تطبيق دينهم في ديارهم لغلبة الكفار) . قال الله سبحانه : « إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَاُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَآءَتْ مَصِيراً » ( النساء / 97 ) .

وبالتأمل في كلمة « ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ » وكلمة « مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ » نعرف ان الهجرة مفروضة على من يظلم نفسه بمخالفة احكام الدين ، لانه مستضعف في الأرض ، ولان هناك من هو مستكبر فيها يفرض عليه سلطته الداعية الى مخالفة الدين .

وقد جاء في رواية ابي الجارود ، عن الامام ابي جعفر ( الباقر عليه السلام ) في قول الله تعالى : « يا عبادي الذين آمنوا » ، يقول : لا تطيعوا اهل الفسق من الملوك ، فان خفتموهم ان يفتنوكم على دينكم ، فان ارضي واسعة . وهو يقول : فيم كنتم ، قالوا : كنا مستضعفين في الارض . فقال : الم تكن ارض الله واسعة فتهاجروا فيها . ([125])

11/ وحب المهاجر فضيلة ، وهو دليل على تجاوز شح النفس . ومن تخلص من شح النفس ( من العصبية والانانية والنظرة الشوفينية ) ، فقد فاز بالفلاح . هكذا نجد مثل الانصار في كتاب الله ، حيث يقول سبحانه : « وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوْا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّآ أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ » (الحشر / 9) .

12/ والمهاجر حقاً ، هو الذي يتبع الرسول في ساعة العسرة . اما الذي يهاجر بلده ، ولكنه يخلد الى الخفض والدعة في المهجر ، فانه ليس بتلك المكانة . ( ولذلك تجد الهجرة قد قرنت عادة بالجهاد ) ، وفي الآية التالية نجد كيف يتوب الله على الذين اتبعوا النبي صلى الله عليه وآله في ساعة العسرة . (وتأويل الآية في اتباع كل قائد الهي في مثل تلك الساعة) . قال الله تعالى : « لَقَد تَابَ اللّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالاَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِمَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ » ( التوبة / 117) .

ومن هنا فان الهجرة التي لا جهاد معها ولا موالاة ، فهي في حد التعرب والتحزب . قال الامام أمير المؤمنين عليه السلام : " واعلموا انكم صرتم بعد الهجرة اعراباً ، وبعد الموالاة احزاباً ، ما تتعلقون من الاسلام إلاّ باسمه ، ولا تعرفون عن الايمان إلاّ رسمه " ([126]) .

وهكذا جاء في رواية مأثورة عن النبي صلى الله عليه وآله قوله : " فان الهجرة لا تنقطع مادام الجهاد " ([127]) .

وروي عنه صلى الله عليه وآله : " لن تنقطع الهجرة ما قوتل الكفار " ([128]) .

عقبى المهاجر في الحياة :

1/ اول ما يبحث عنه المهاجر ، المحل المناسب للاقامة . أليس يفقد داره ودياره ؟ والله سبحانه يعوضه في الدنيا داراً حسنة ، ودياراً طيبة . يقول الله تعالى : « وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُم فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلاَجْرُ الاَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ » (النحل / 41) .

وقد تكررت آيات الذكر ، التي انبأت عن هذه الحقيقة ، وانه يجد المهاجر مراغماً في الأرض وسعة .

2/ ولأن المهاجر يترك في بلده ابناء وطنه ورفاق صباه ، فان الله سبحانه يعوضه بأوليائـه المؤمنين ، حيث ينتمي الى التجمـع الالهي في المهاجـر . يقـول الله سبحانـه : « النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُوا الاَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلآَّ أَن تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَآئِكُم مَّعْرُوفاً كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا » (الاحزاب / 6) .

في هذا التجمع ؛ قائد كرسول الله صلى الله عليه وآله ، او قائد في خطه سلام الله عليه وخط أهل بيته المعصومين عليهم السلام ، وأولياء ممن يتبعون الرسول . وقد سبقت آيات حول ولاية المهاجر ، وانه وأهل البلاد التي يهاجر اليها ، أولياء بعضهم من بعض .

3/ وقد جعل الله سبحانه المغفرة ثواباً ، لمن انفق على المهاجرين في سبيل الله . قال الله تعالى : « وَلاَ يَأْتَلِ اُولُواْ الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ » ( النور / 22) .

ثواب المهاجرين عند ربهم :

1/ اعظم ثواب المهاجرين رضوان الله ، وأي هدف اسمى منه ؟ والرضا عن اسمى الخلق ، والذي تجتمع به الفضائل ، وهو ثواب المهاجرين . والجنة التي اعدها لهم ربهم ، خالدين فيها أبداً . أليس ذلك كله الفوز العظيم ، (حيث تتحقق الأهداف المثلى للانسان)؟ قال الله تعالى : « وَالسَّابِقُونَ الاَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالاَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بإِحْسَانٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الاَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَدَاً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيم » ( التوبة / 100) .

2/ والانسان ضعيف ، والشيطان يغويه ، ونفسه ترديه . وحين ينتبه من غفلته ويعود الى رشده ، يكون قصارى همته التخلص من وزر ذنوبه . والله سبحانه وعد المهاجرين التوبة، شريطة ان يتبعوا الرسول في ساعة العسرة ، وقد تلونا آية سورة التوبة آنفاً ، كما تلونا آية سورة النساء ، حيث بيّن ربنا ؛ ان المهاجر إذا ادركه الموت ، فقد وقع أجره على الله ، وكان الله غفوراً رحيماً . وفيها اشارة الى توبة الله عليه . وفي الآية التالية نقرء قول ربنا تعالى : « ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِن بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ » (النحل / 110) .

وبالتدبر في قوله سبحانه : « مِن بَعْدِ مَا فُتِنُوا » نعرف ان المهاجر قد تعرض للفتنة ، وربما سقط فيها في فتـرة من عمره . ربما كان من أنصار الطغاة ، او من أعوان الظلمة ، او في المضلين ، واليوم يغسـل آثار ذنوبه بالهجرة ، ثم الجهاد والصبر . والله غفور رحيم .

3/ والهجرة لا تختص بالرجال ، بل قد تكون النساء المهاجرات أشد تعرضاً للاذى . وهكذا ذكرهن ربنا سبحانه في كتابه ، وبيّن انه لا يضيع اجرهن كما الرجال تماماً ، لان النساء والرجال بعضهم من بعض . وقد وعدهم الله جميعاً غفران الذنوب ، والجنة ، ان هم جاهدوا وقاتلوا وقتلوا . قال سبحانه : « فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لآ اُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُم مِن ذَكَرٍ أَوْ اُنْثَى بَعْضُكُم مِن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَاُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَاُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لاَُكَفِّرَنَّ عَنْهُم سَيِّاَتِهِمْ وَلاَُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَاباً مِنْ عِندِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ » ( آل عمران / 195) .

4/ والرزق الالهي الحسن ، جزاء المهاجرين ، سواءً قتلوا في سبيل الله او ماتوا . قال الله سبحانه : « وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ » ( الحج / 58) .

5/ والرحمة الواسعة التي وعدها الله للمهاجرين، سواءً في الدنيا او في الآخرة، هي التي تقودهم الى اختيار هذا السبيل اللاحب. يقول ربنا سبحانه: « إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ اُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللّهِ وَاللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ » (البقرة/218) .

احكام الهجرة :

إذا هاجرت امرأة مؤمنة ، (فلعل هجرتها ليست خالصة لوجه الله) ، فانها تمتحن ([129]) .

فاذا عرفت مؤمنة (وقد هاجرت الى الله ورسوله) ، فلا يجوز ان ترجع الى الكفار . بلى ؛ يؤتى الكافر المهر الذي أنفقه في زواجه منها ، ثم لا بأس ان تتزوج من مسلم ( بمهر) . وإذا فرّت امرأة الى الكفار، فقد ارتدت وتنفصل عن زواجها الاول، ولا يجوز للمسلم ابقاءها في حبالته. وعلى المسلمين مطالبة الكفار بمهرها ، كما للكفار ان يطالبوا بمهر التي هاجرت الى المسلمين . قال الله سبحانه : « يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا جَآءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لاَ هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَءَاتُوهُم مَآ أَنفَقُوا وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَآ ءَاتَيْتُمُوهُنَّ اُجُورَهُنَّ وَلاَ تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَسْأَلُوا مَآ أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَآ أَنفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ » (الممتحنة/10) .

بصائر الآيـات

1/ اذا تركت بلد الى آخر ، فقد هاجرت الأول الى الثاني . وقد تترك دين قومك فتهاجرهم . ومن ترك السيئات فقد هاجر ، ومن دخل في الاسلام طوعاً فقد هاجر .

2/ والمهاجر يهدف سبيل الله اولاً بابتغاء فضله (الرزق مثلاً) . ثانياً بابتغاء رضوانه (التوبة مثلاً) . ثالثاً لنصرة دينه .

3/ وقد اذن للذين اخرجوا من ديارهم بقتال المتسلطين عليها ، جهاداً في سبيل الله . فاذا تمكنوا في الأرض ، اقاموا الصلاة ، وآتوا الزكاة ، وامروا بالمعروف ، ونهوا عن المنكر. وفي قصة بني اسرائيل الذين طلبوا من نبيهم ملكاً يقاتلون معه - وعللّوا ذلك بأنهم اخرجوا من ديارهم - في هذه القصة مثل للهجرة والقتال من بعدها .

4/ والفتنة التي يجدها المؤمن في حكومة الكفار (والظلمة) ، سبب مشروع للهجرة . وقد فتنت قريش المؤمنين ، حتى اخرجوهم من مكة البلد الحرام . وكانت تلك ، فتنة أشد من القتل .

5/ ومن يخرج من بيته مهاجراً ، سيجد في الأرض سعة . فلا يعدم فضل الله ، ورزقــه

في مهجره .

6/ والهجرة شرط الولاية . فمن لم يهاجر ، لا ولاية له . ومن هاجر فيكون من المؤمنين ، (لا فرق بينه وبين أهل البلد) . والمرأة التي لا تهاجر ، لا يتزوجها المؤمن . والتي التحقت بالكفار ، واصبحت كافرة ، ينفسخ زواجها من المسلم ، وهم مطالبون بمهرها .

7/ ومن استضعف في الأرض ولم يهاجر ، فقد ظلم نفسه ، ان كان قادراً على الهجرة .

8/ وحب المهاجرين وايثارهم فضيلة للانصار (أهل البلاد) ، وهو سبب الفوز ، ودليل التحرر من شح النفس .

9/ والمهاجر (الذي يبحث عن التوبة) ، يتبع الرسول (وكل من يمثله) في ساعة العسرة.

10/ وعقبى المهاجر في الدنيا ؛ انه يجد ارضاً وأولياء واخوة في الدين ، ورجالاً كراماً ينفقون اموالهم في سبيل الله عليه .

11/ وعقبى المهاجر في الاخرة ؛ رحمة ومغفرة وجنة ورضواناً من عند الله .

12/ وحكم المهاجرة ان تمتحن ؛ فاذا كانت مؤمنة انفسخ عقدها من زوجها الكافر ، فيؤتى ما انفق عليها .

فقه الآيـات

1/ ( النساء / 97) ، ( آل عمران / 195) ، ( الحج / 39 - 40) ، ( النحل / 110) ؛ اذا كانت الفتنة قائمة في بلد ، واذا كان الطاغوت حاكماً ، والظالم مهيمناً ، فعليك ان تغادر البلاد الى حيث تستطيع ان تقيم شعائر الدين بحرية - وتقدر على الجهاد في سبيل الله ، والقتال ضد الظالمين ، حتى لاتكون فتنة ، ويكون الدين لله - . وهذا يعني :

ألف : ان المحافظة على الحرية الدينية ، بل على الحرية بصفة عامة (والتي تتنافى وصفة الاستضعاف) ؛ انها واجبة شرعاً لمن استطاع ، وإلاّ فهو ظالم لنفسه ، تنهره ملائكة الموت عند قبض روحه .. فالحرية ، وبالذات الحرية الدينية من القيم السامية ، التي يجب

على الانسان الهجرة من اجلها .

وفي هذا المجال يقول المحقق الحلي في كتاب الشرائع : " وتجب الهجرة عن بلد الشرك ، على من يضعف عن اظهار شعار الاسلام " . وعلق صاحب الجواهر على ذلك بالقول ، مفسراً شعار الاسلام بما يلي : "من الاذان والصلاة والصوم وغيرها". ثم اضاف : "بلا خلاف أجده فيه ، بين من تعرض له ، كالفاضل والشهيدين وغيرهم" ([130]) .

وقال المحقق الحلي : "والهجرة باقية مادام الكفر باقياً" . وعلق صاحب الجواهر على هذه الجملة بالقول : "لا أجد فيه خلافاً بيننا ، بل ظاهر المسالك انحصار الخلاف في بعض العامة" ([131]) .

باء : ان الذين يستجيبون لفتنة الظالمين ، وترين قلوبهم بالذنوب ، بسبب استسلامهم للنظام الجاهلي ، لابد ان يغسلوا هذا العار بالهجرة والجهاد ..

جيم : ويجوز ان يمارس المهاجر ، الذي اضطر للخروج من بلده ، حقه في القتال ، والدفاع عن حرمات الدين . وذلك بهدف اقامة الصلاة ، وايتاء الزكاة ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر . فالحركة الجهادية تبدء -حسب آية الحج- من مصادرة الطاغوت لحرية المؤمن واستقلاله ، ومحاولة فتنته عن دينه ، فيضطر الى الخروج . ثم يؤذن له بالقتال ، فيجاهد . وبجهاده يحفظ الله تعالى حرمات الدين ، وربما يمكنه الله في الارض ويؤتيه الملك ، وهناك يقيم حدود الله في مملكته .

ومن هنا نعرف حكم الهجرة من البلاد التي يتسلط عليها الظلمة والطغاة ، اذا كان من الممكن اقامة دولة الحق والحرية في بلاد أخرى ، او ان تكون الهجرة مقدمة لاقامة تلك الدولة في ذات البلاد بعد جهاد الظالم بألوان الجهاد السياسي والعسكري .

كما ان الآيات هذه تبين ان مشروعية الهجرة تتمثل في مواجهة الشرك الذي هو فرض سلطة غير سلطة دين الله وحاكمية غير حاكمية الله ، او محاولة فتنة المسلم لتغيير دينه ، او محاولة استضعاف المؤمن ومصادرة حقوقه السياسية او الاقتصادية او ما أشبه . ومن هنا نعرف ؛ ان الهجرة مستمرة ، حتى يوم القيامة اذ انها تقوم بدور اساسي في اقامة العدل، ومقاومة الظلم .

2/ ( التوبة/100) ؛ نستفيد من الآية؛ قيمة السبق الى الهجرة، وقيمة الاتباع بالاحسان . اما السبق بالهجرة، فانه يجعل المؤمن مقرباً وجديراً بالاتباع. وقد جاء في حديث الامام أمير المؤمنين عليه السلام : " فاني ولدت على الفطرة، وسبقت الى الايمان والهجرة ". ([132])

اما الاتباع ، فلابد ان يكون في حدود تعاليم الدين . فالطاعة المطلقة ماهي إلاّ لله والرسول ، ومن أمر الله ورسوله بطاعته . والطاعة هذه في حد العبادة ، بل هي العبادة . بينما الاتباع الذي يكون باحسان ، انما هو الاتباع الواعي ، القائم على اساس مقاييس العقـل والوحـي . من هنا تجد المقارنة الكبرى بيـن العبادة والاحسان في قوله سبحانه : « قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَاحَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاتَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُم مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ » ( الانعام/151).

فالوالدان هما احق الناس بالعطف والمحبة ، ولكن لايجوز اتباعهما اتباعاً أعمى ، بل يجب الاحسان اليهما بلا حدود . لذلك قال ربنا سبحانه : « وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِى مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ » (لقمان / 15) .

3/ (النور / 22) ، (الحشر / 8) ، (الانفال /74)؛ نستفيد من الآيات ؛ ان على اهل البلاد التي يهاجر المؤمنون اليها ، ان يحبوا من هاجر اليهم ، ويقوموا بواجبهم تجاه المهاجرين ، بما يلي :

/ 25