1/ يبدو أن كثيراً من أحاديث أهل البيت عليهم السلام كانت دروساً مفصّلة، ولكن الرواة والمحدثين حينما قسموا الفقه الى أبواب قطعوا الروايات المفصلة، وحافظوا على أسانيدها. وبالرغم من أن هذه العملية نفعت البحث الفقهي، إلاّ أنها أضرت بالاستفادة من منهجية الأئمة عليهم السلام في الكلام وإستلهام معاريض أحاديثهم.وهذا النص المفصّل يعطينا هذه الفرصة أن نستلهم روح كلامهم بقدر توفيق الله لنا، وهذا ما نسعى إليه هنا.2/ أشارت الرواية الى الطبقات الاجتماعية العامة، وهم: الموظفون الحكوميون، والتجار (تجارة عامة أو جزئية كأصحاب المحلات)، والصناعيون، وعمال مستأجرون. ولا تزال هذه الطبقات هي الرئيسية في اقتصاد البلاد، إلاّ أن تقديم الحديث عن الولاة قد يوحي بأهمية السياسة، وأن صلاح الأمة وفسادها بصلاح الساسة وفسادهم.3/ والحديث لم يبين حدود المعايش (الاقتصاد) فحسب، بل وبيّن حكمة هذه الحدود، مما يجعلنا أكثر قدرة على الإستنباط.4/ وقد بيّن الحديث عن ولاية ولاة العدل، واشترط أن يكون الوالي عنهم ملتزماً بالدقة، بالتعاليم الصادرة منهم، من دون زيادة أو نقيصة. ذلك أن مجرد الإنتماء الى دولة عادلة، لا يعني تصحيح كل عمل يصدر من الفرد. كما أن الإنتماء الى مذهب صحيح، لا يجعل المنتمي حاصلاً على صك الغفران. وإنما تصح الولاية من العادل إذا عمل الإنسان بعدله، ولم يعمل بهواه زيادة على ما أمر أو نقصاً.5/ وبين الحديث حرمة ولاية الجور بتفصيل، حيث بيّن حرمة التعامل في جهة الولاية. وأضاف: كل شيء من جهة المعونة له. مما فتح الباب أمام التعامل معهم في سائر الجهات، إذا لم تتصل بجهة الولاية. وفي هذا التفصيل بحث فقهي.6/ لأن الولاية لله ولمن إختاره من ولاة العدل، فإن ولاية الجائر بذاتها خاطئة، وعلـى النــاس تجنبها، حيث يقول سبحانه: «فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى» (البقرة /256) وقال تعالى: «فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الاَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ» (الحج/30) وقال سبحانه: «وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَـادِ» (الزمر/17) وقد حرّم الله سبحانه الركون الى الظالمين عموماً، فقال سبحانه: «وَلاَ تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمْ النَّارُ وَمَا لَكُم مِن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَآءَ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ» (هود/113) وأدنى مراتب التجنب، الإبتعاد عن ولايتهم، وعن الركون إليهم. وقد وردت أخبار في حرمة ولاية الجائرين بصفة عامة منها ما نذكرها:روي عن جعفر بن محمد (الإمام الصادق) عن آبائه عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا كان يوم القيامة نادى مناد أين أعوان الظلمة، ومن لاق لهم دواتا، أو ربط كيسا، أو مدّ لهم مدّة قلم، فاحشروهم معهم. ([31]) وعن حريز قال: سمعت أبا عبد الله (الإمام جعفر الصادق) عليه السلام يقول: اتقوا الله وصونوا دينكم بالورع، وقوّوه بالتقية والاستغناء بالله عز وجل "عن طلب الحوائج الى صاحب سلطان" إنه من خضع لصاحب سلطان ولمن يخالفه على دينه طلباً لما في يديه من دنياه أخمله الله عز وجل ومقّته عليه، ووكله إليه، فان هو غلب على شيء من دنياه فصار إليه منه شيء نزع الله جل اسمه البركة منه ولم يأجره على شيء منه ينفقه في حج ولا عتق ولا برّ. ([32]) وعن ابن أبي يعفور قال: كنت عند أبي عبد الله (الإمام جعفر الصادق) عليه السلام إذ دخل عليه رجل من أصحابنا، فقال لـه : جعلت فداك إنه ربما أصاب الرجل منا الضيق أو الشدة فيدعى الى البناء يبنيه، أو النهر يكريه، أو المسنّاة يصلحها، فما تقول في ذلك؟ فقال أبو عبد الله عليه السلام: ما أحبّ أنّي عقدت لهم عقدة، أو وكيت لهم وكاء، وإن لي ما بين لابتيها، لا ولا مدّة بقلم. إن أعوان الظلمة يوم القيامة في سرادق من نار، حتى يحكم الله بين العباد. ([33]) وعن صفوان بن مهران الجمال قال: دخلت على أبي الحسن الأول (الإمام موسى الكاظم) عليه السلام فقال لي: يا صفوان؛ كلّ شيء منك حسن جميل ما خلا شيئاً واحداً. قلت: جعلت فداك أي شيء؟! قال إكراؤك جمالك من هذا الرجل، يعني هارون. قال: والله ما أكريته أشراً ولا بطراً، ولا للصيد ولا للهو، ولكني أكريته لهذا الطريق، يعني طريق مكة، ولا أتولاّه بنفسي، ولكن ابعث معه غلماني. فقال لي: يا صفوان؛ أيقع كراؤك عليهم؟ قلت: نعم جعلت فداك. قال: فقال لي: أتحب بقاءهم حتى يخرج كراؤك؟ قلت: نعم. قال: من أحبّ بقاءهم فهو منهم، ومن كان منهم كان ورد النار. قال صفوان: فذهبت فبعت جمالي عن آخرها، فبلغ ذلك الى هارون، فدعاني فقال لي: يا صفوان؛ بلغني أنك بعت جمالك. قلت: نعم. قال: ولم؟ قلت: أنا شيخ كبير وإن الغلمان لا يفون بالأعمال؟ فقال: هيهات هيهات إنّي لأعلم من أشار عليك بهذا. أشار عليك بهذا موسى بن جعفر. قلت: ما لي ولموسى بن جعفر؟ فقال: دع هذا عنك، فو الله لولا حسن صحبتك لقتلتك. ([34]) 7/ ويستثنى من ولاية الجائر الضرورة المادية، كالضرورة الى الدم والميتة حسب ما تلوناه في الحديث الماضي. وجاء في حديث آخر عن أبي الحسن (الإمام الهادي) علي بن محمد عليهما السلام: إن محمد بن علي بن عيسى كتب إليه يسأله عن العمل لبني العباس وأخذ ما يتمكّن من أموالهم، هل فيه رخصة؟ فقال: ما كان المدخل فيه بالجبر والقهر فالله قابل العذر، وما خلا ذلك فمكروه، ولا محالة قليله خير من كثيره، وما يكفر به ما يلزمه فيه من يرزقه يسبب وعلى يديه ما يسرّك فينا وفي موالينا. قال: فكتبت إليه في جواب ذلك أعمله أن مذهبي في الدخول في أمرهم وجود السبيل الى إدخال المكروه على عدوّه، وإنبساط اليد في التشفي منهم بشيء أتقرب به إليهم. فأجاب: من فعل ذلك فليس مدخله في العمل حراماً، بل أجراً وثواباً.([35]) 8/ ويستثنى من ذلك أيضاً، العمل من أجل خدمة الدين ودفع المكروه عن المؤمنين وإضعاف الجائرين من داخل مؤسساتهم الرسمية، والأمر بالمعروف والنهي عن النكر، والدفــاع عن حرمات المسلمين.. وبالتالي كلما كانت الولاية أنفع وأهم. ولكن تحديد ذلك لا يتسنـى - عادة - إلاّ للفقيه، فالأحوط أن يكون ذلك بإذن منه. ولعل النصوص التالية دالة على ذلك..عن علي بن يقطين قال: قال لي أبو الحسن موسى بن جعفر (الإمام الكاظم) عليهما السلام: إن لله تبارك وتعالى مع السلطان أولياء يدفع بهم عن أوليائه. ([36]) وعن علي بن يقطين قال: قلت لأبي الحسن (الإمام موسى الكاظم) عليه السلام: ما تقول في أعمال هؤلاء؟ قال: إن كنت لا بد فاعلا فاتّق أموال الشيعة. قال: فأخبرني عليّ أنه كان يجبيها من الشيعة علانية، ويردّها عليهم في السرّ. ([37]) وعن زياد بن أبي سلمة قال: دخلت علي أبي الحسن موسى (الإمام الكاظم) عليه السلام فقال لي: يا زياد؛ إنك لتعمل عمل السلطان؟ قال: قلت: أجل. قال لي: ولم؟ قلت: أنا رجل لي مروّة، وعليَّ عيال، وليس وراء ظهري شيء. فقال لي: يا زياد؛ لئن أسقط من حالق فأتقطع قطعة قطعة أحبّ إلي من أن أتولى لأحد منهم عملاً أو أطأ بساط رجل منهم، إلاّ لماذا؟ قلت: لا أدري جعلت فداك. قال: إلاّ لتفريج كربة عن مؤمن، أو فك أسره، أو قضاء دينه. يا زياد؛ إنّ أهون ما يصنع الله جلّ وعزّ بمن تولّى لهم عملاً أن يضرب عليه سرادق من نار إلى أن يفرغ "الله" من حساب الخلائق "الخلق". يا زياد؛ فإن ولّيت شيئاً من أعمالهم، فأحسن إلى إخوانك، فواحدة بواحدة، والله من وراء ذلك. يا زياد؛ أيّما رجل منكم تولّى لأحد منهم عملاً ثم ساوى بينكم وبينه، فقولوا لـه: أنت منتحل كذّاب. يا زياد؛ إذا ذكرت مقدرتك على الناس، فاذكر مقدرة الله عليك غدا، ونفاد ما أتيت إليهم عنهم، وبقاء ما أتيت إليهم عليك. ([38]) والأحوط أن نعتبر مثل هذه الأمور راجعة عموماً الى الفقهاء، حيث إنها تتصل بالشئون العامة للأمة، وهي راجعة إليهم بعد الأئمة عليهم السلام.9/ إذا أكـره الجائر شخصاً للولاية، تزول الحرمة عنه مادام مكرهاً، ويجوز لـه التصدي لكل الأمور مع السعي للتقصي عن المحرمات، فإذا بلغ الأمر الى الدماء المحرمة، فلا يجوز له إهراقها، فإنه لا تقية فيها.ويتحقق الإكراه هنا كما يتحقق في كل موضوع بالخوف على النفس والعرض ومن هو بمثابة النفس،كما سبق تفصيله في مناسبة أخرى. قال العلامة النجفي: والإكراه المسوِّغ للعمل بما يأمره من فعل المحرمات في ولاية كان أو غيره، ليس هو إلاّ الإلزام والإلجاء من المتسلط الذي يخشى منه على النفس والمال والعرض أو أحدهما، على وجه لا يتحمل عادة. ([39]) وقد جاء في حديث مأثور ما يوضح حدود الإكراه، حيث روي عن الحسن بن الحسين الأنباري عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: كتبت إليه أربع عشرة سنة أستأذنه في عمل السلطان، فلمّا كان في آخر كتاب كتبته إليه أذكر أنّي أخاف علي خيط عنقي، وأنّ السلطان يقول لي إنّك رافضي ولسنا نشك في أنّك تركت العمل للسلطان للرفض، فكتب إليَّ أبو الحسن عليه السلام: فهمت كتابك وما ذكرت من الخوف على نفسك، فان كنت تعلم أنّك إذا وليت عملت في عملك بما أمر به رسول الله صلى الله عليه وآله ثم تصير أعوانك وكتابك أهل ملتك، وإذا صار إليك شيء واسيت به فقراء المؤمنين حتّى تكون واحداً منهم، كان ذا بذاً وإلاّ فلا. ([40]) وعن عمار، عن أبي عبد الله (الإمام جعفر الصادق) عليه السلام سئل عن أعمال السلطان، يخرج فيه الرجل؟ قال: لا، إلاّ أن لا يقدر على شيء يأكل ولا يشرب ولا يقدر على حيلة، فإن فعل فصار في يده شيء فليبعث بخمسه الى أهل البيت. ([41])
باء: تفسير التجارات
وقال الإمام جعفر الصادق عليه السلام وأما تفسير التجارات في جميع البيوع، ووجوه الحلال من وجه التجارات التي يجوز للبائع أن يبيع مما لا يجوز لـه، وكذلك المشتري الذي يجوز له شراؤه مما لا يجوز له. فكل مأمور به مما هو غذاء للعباد وقوامهم به في أمورهم في وجوه الصلاح الذي لا يقيمهم غيره مما يأكلون ويشربون ويلبسون وينكحون ويملكون ويستعملون من جميع المنافع التي لا يقيمهم غيرها، وكل شيء يكون لهم فيه الصلاح من جهة من الجهات، فهذا كله حلال بيعه وشراؤه وإمساكه وإستعماله وهبته وعاريته.وأما وجوه الحرام من البيع والشراء، فكل أمر يكون فيه الفساد مما هو منهي عنه من جهة أكله أو شربه أو كسبه أو نكاحه أو ملكه أو إمساكه أو هبته أو عاريته أو شيء يكون فيه وجه من وجوه الفساد، نظير البيع بالربا أو بيع الميتة أو الدم أو لحم الخنزير أو لحوم السباع؛ من صنوف سباع الوحش والطير، أو جلودها، أو الخمر أو شيء من وجوه النجس. فهذا كله حرام محرّم، لأن ذلك كله منهي عن أكله وشربه ولبسه وملكه وإمساكه والتقلب فيه، فجميع تقلبه في ذلك حرام. وكذلك كل بيع ملهوّ به، وكل منهي عنه مما يتقرب به لغير الله، أو يقوى به الكفر والشرك في جميع وجوه المعاصي، أو باب يوهن به الحق، فهو حرام محرّم بيعه وشراؤه وإمساكه وملكه وهبته وعاريته وجميع التقلب فيه، إلاّ في حال تدعو الضرورة فيه الى ذلك. ([42])
تأملات في الحديث
1/ نستفيد من الحديث؛ إن الأصل في التجارات الحلية، مادامت مفيدة للناس، وصلاح لهم من أسباب معيشتهم. وواضح إن الناس لا يقدمون على تجارة إلاّ إذا كان فيها منفعة لهم، وإنما المنافع التي حرمها الشرع مستثناة منها.وهذا الأصل هو الذي تقتضيه القواعد الشرعية الأخرى، مثل قوله سبحانه: « أُوْفُوا بِالعُقُـودْ»، وقوله: «أُحِلَّتْ لَكُمْ الطَّيِّبَات» وكذلك الحديث المروي عن أبي عبد الله (الإمام جعفر الصادق) عليه السلام، قال: كل شيء لك حلال حتى تعلمه أنه حرام. ([43]) وما أشبه.وهكذا إذا تشابهت قضية ولم نعرف وجه الحلية فيها عن وجه الحرمة، فالأصل فيها الحلية.2/ وجاء في تعبير متشابه في الحديث، حيث نجد قوله عليه السلام: "وكل شيء يكون لهم فيه الصلاح من جهة من الجهات فهذا كلّه حلال". وفي موضع آخر نجد قوله عليه السلام: "أو شيء يكون فيه وجه من وجوه الفساد نظير البيع بالربا.. (إلى قوله عليه السلام) فهذا كله حرام محرم".والسؤال: إذا كان هناك شيء فيه وجه من وجوه الصلاح ووجه من وجوه الفساد، كما النجاسة التي يستفاد منها في غرض عقلائي صحيح؛ كالدم المسفوح إذا استخدم للتسميد، فهل هذا حلال أم حرام؟ وهذه الملاحظة قد سبق وأن طرحها المحقق الايرواني، فأجاب عنها آية الله المنتظري بالقول: الظاهر من الرواية الحكم على الشيء بلحاظ الأثر الغالب المترقب منه عند العقلاء، والمصرف المتعارف فيه. فإن كان الأثر المتعارف المترقب منه من وجوه الصلاح، ومما يتقوم به المعاش، حل بيعه وإجارته وسائر التقلبات فيه. ([44]) ويبقى سؤال: لو افترضنا إن جهة الحرام هي الغالبة في المجتمع، ولكن شخصاً يريد البيع لجهة الحلال، فهل يحرم البيع أم لا؟ (علماً بأن المناط في العقود حال المتعاقدين في طبيعة العقد وفي تحديد الثمن والمثمن، وما أشبه). الأقرب هو تقليب الحالة الذاتية (حال المتعاقدين) على الحالة الموضوعية، وذلك للأدلة التي نسوقها إن شاء الله في النقاط التالية في أقسام التجارة.3/ جاء في الحديث: "لأن ذلك كله منهي عن أكله وشربه ولبسه وملكه وامساكه والتقلب فيه". ومن هذا التعبير نستفيد؛ إن سبب الحرمة هو النهي، فإذا لم يكن منهياً عنه لم يحرم. وإنما يحرم ما يتصل بواقع النهي، فإذا كان شيء منهياً عن أكله وشربه، ولكنه ليس منهياً عن استخدامه في الدواء (كالسم)، فهل يحرم إذا قصد المتعاقد التداوي به؟ لا يبدو ذلك. فالمحرم هو أن يكون التعامل للوصول الى الحرام، بدليل الحديث المشهور عن النبي صلى الله عليه وآله: إن الله إذا حرم شيئاً حرّم ثمنه. ([45]) وهكذا النجس والمتنجس الحرام منهما التعاقد عليهما للاستفادة المحرمة منهما، مثل ممارسة الأكل والشرب والصلاة وسائر الاستعمالات المنهية. أما الاستخدام الحلال لهما فلا حرمة في التعاقد، كاستخدام مدفوع الإنسان أو خرء الحيوان في التسميد، وكاستخدام الدهن المتنجس في الاستصباح أو في صناعة الصابون، أو استخدام الميتة في التسميد أو في أي غرض مشروع. فإذا كان الشيء حلالاً، كان ثمنه حلالاً.من هنا قال المرجع الشيرازي: ولما كان ظاهرها (ظاهر الرواية التي نتحدث عنها) إن علة المنع في بيع الأعيان النجسة حرمة الانتفاع، فمقتضاها الحلية في غير موردها، ولذا نرى أن (أنه) بعد صنع الفضلات صابوناً ونحوه، أو الدم صبغاً وما أشبه (فإنه) جاز (ت) المعاملة. ([46]) وقال آية الله المنتظري: إن ذكر وجوه النجس أيضاً في عداد ما يحرم المعاملة عليها، ينصرف الى المعاملة عليها بلحاظ ما كان يترتب منها غالباً في ثلث الأعصار، حيث كانوا يستفيدون منها بالأكل والشرب أو اللبس، ويعاملون عليها لذلك. وقد علّل التحريم فيها بقوله عليه السلام "لما فيه من الفساد".. فلو فرض ترتب فائدة عقلائية محللة عليها في طريق صلاح المجتمع، كالدم للتزريق بالمرض مثلاً، ووقعت المعاملة عليها لذلك فلا وجه للاشكال فيها. ([47]) وجاء في كتاب مفاتيح الشرائع: ومن هذه الفذلكة من البيانات المأمونة ببركة الأصول والنصوص من آل محمد صلوات الله عليهم، ظهر بطلان ما هو المشهور من عدم جواز الانتفاع بالنجس والمتنجس. ([48]) وأضاف: فتحصل وتلخص إن الانتفاع بالميتة مطلقاً من المأكول وغيره حرام إلاّ في انتفاع الحلال، فحينئذ بيع الأول (للأكل) حرام وشراؤه حرام، بخلاف الثاني (للانتفاع الحلال). ([49]) 4/ قال العلامة النجفي: لا خلاف يعتد به، في حرمة التكسب في الأعيان النجسة التي لا تقبل الطهارة بغير الاستحالة. وأضاف: بل مقتضاه (الحديث الذي ذكره) عدم جواز الانتفاع به مطلقاً، فضلاً عن التكسب كما هو واضح. ([50]) وحكى الإجماع عن كتاب التذكرة، فقال: فعن التذكرة يشترط في المعقود عليه الطهارة الأصلية. فلو باع نجس العين كالخمر والميتة والخنـزير، لم يصح إجماعاً. وقال فيها: الكلب إن كان عقوراً حرّم بيعه عند علمائنا. ([51]) ولكن آية الله المنتظري يشكك في وجود نص عند علمائنا بتحريم التعامل مع مطلق النجس، بل يحتمل أن يكون فقهائنا قد وقفوا على النواهي الواردة في الموارد الخاصة؛ كالكلب والخمر والميتة والعذرة فالتقطوا منها عنواناً جامعاً بالغاء الخصوصية وتنقيح المناط القطعي. ([52]) أقول: ويحتمل قريباً إن الذين حكوا الإجماع إنما تصيدوه من جملة كلمات الفقهاء في الموضوع، خصوصاً الفقهاء السابقون كانوا يفتون حسب متون النصوص. كما إن من المحتمل قريباً أن يكون نظر الفقهاء السابقين حرمة بيع الأعيان النجسة بهدف استخدامها في الموارد المحظورة، وليس للانتفاع بها في غيرها؛ مثل التسميد في المدفوع، والتداوي في السم، والصيد في الكلب. من هنا فإن هذا النوع من الإجماع غير مؤكّد فيما نحن فيه على أنه لا حجية في إطلاقه، لأنه دليل لبيّ كما قالوا.وعلى أي حال؛ الإستناد الى هذا الإجماع الذي يحتمل إستناده إلى سائر الأدلة التي بأيدينا غير وجيه، فالمنافع المحللة للمحرمات، ومنها النجاسات إذا كانت معتداً بها، والتعامل بها معترف به عند العقلاء، إنها يمكن أن تكون محلاً للعقود.5/ والمحرم من المكسب خمسة أنواع حسب تقسيم المحقق الحلي في شرائع الاسلام:الأول: الأعيان النجسة؛ كالخمرة والأنبذة والفقاع وكل مائع نجس عدا الأدهان لفائدة الإستصباح بها تحت السماء، والميتة والدم، وأرواث وأبوال ما لا يؤكل لحمه، وربما قيل بتحريم الأبوال كلها إلا بول الإبل خاصة، والأول أشبه، والخنـزير وجميع أجزاؤه وجلد الكلب وما يكون منه. ([53]) أقول: قد سبق الحديث عن بيع النجس والمتنجس، وأن حرمتهما لجهة ما فيهما من الفساد والحرمة. وفي غير هذه الجهة قد يقال بالحلية، والأحوط الإجتناب.وقال المحقق الحلي: الثاني: ما يحرم لتحريم ما قصد به كآلات اللهو؛ مثل العود والزمر، وهياكل العبادة المبتدعة؛ كالصليب والصنم، وآلات القمار؛ كالنرد والشطرنج، وما يفضي الى المساعدة على محرم؛ كبيع السلاح لأعداء الدين، وإجارة المساكن والسفن للمحرمات، وكبيع العنب ليعمل خمراً، وبيع الخشب ليعمل صنماً. ويكره بيع ذلك لمن يعملها. ([54]) أقول: كل ذلك إذا كان العقد يعتبر تعاوناً على الإثم والعدوان، ومساهمة فعلية في الحرام. وإذا لم يكن هناك جهة صلاح من أجلها تمت المعاملة، كبيع آلات اللهو لاستعمالها في الوقود بعد تحطيمها.ومن هنا يحرم أيضاً بيع أي شيء يساعد العدو على التغلب على المسلمين؛ مثل بيع وقود آلياتهم الحربية، أو بيع التقنية التي تساعدهم على الحرب، وما أشبه.كذلك يحرم بيع المخدرات، وكلّما يسبب ضرراً بالغاً بالمسلمين.وهكذا يحرم بيع السلاح في البلاد الاسلامية إذا كان سبباً لتزلزل أركان الأمن، ووسيلة لإنتشار الجريمة.وهكذا يحرم بيع ما يساعد على سرقة أموال المسلمين؛ مثل الورق ليصنع نقوداً مزوّرة، أو بيع أجهزة التصنت لاستخدامها في هتك حرمات الناس، أو ما أشبه.وقال المحقق الحلي: الثالث: ما لا ينتفع به، كالمسوخ برية كانت؛ كالقرد والدب، وفي الفيل تردد، والأشبه جواز بيعه للانتفاع بعظمه. أو بحريّة؛ كالجريّ والضفادع والسلاحف والطافي والسباع كلها إلاّ الهر.والجوارح؛ طائرة كانت كالبازي أو ما أشبه كالفهد، وقيل: يجوز بيع السباع كلها، تبعاً للانتفاع بجلدها أو ريشها وهو الأشبه. ([55]) والأفضل إحالة مثل هذه الموضوعات الى فتاوى الفقهاء في كل عصر ومصر، أو الى العرف فيهما. فما لا ينتفع به لا يسمح ببيعه، وما ينتفع يسمح به.والواقع؛ إن إشتراط عدم السفاهة في العقود، أو فيمن يجريها قد يغنينا عن هذا الشرط.ومن هنا قال العلامة النجفي: فالمتجه - حينئذ - جواز التكسب بما ينتفع به منها (مما ذكره التكسب بما ينتفع به منها مما ذكره المحقق في النص السابق ذكره) نفعاً يخرجه عن السفه بذلك (النفع)، بل لا يبعد جواز التكسب بما لا نفع غالباً فيه، إذا اتفق حصول النفع المعتد به فيه فيتكسب به في ذلك الحال. ([56]) وقال المحقق الحلي: الرابع: ما هو محرم في نفسه، كعمل الصور المجسمة، والغناء، ومعونة الظالمين بما يحرم، ونوح النائحة، وحفظ كتب الضلال ونسخها لغير النقض، وهجاء المؤمنين، وتعلم السحر، والكهانة، والقيافة، والشعبذة، والقمار. والغش بما يخفى كشوب اللبن بالماء، وتدليس الماشطة، وتزيين الرجل بما يحرم عليه. ([57]) أقول: هذه جملة محرمات يكتسب الناس عادة بها فذكرها المحقق، وهناك محرمات أخرى قد يكتسب البعض بها فهي محرمة أيضاً، مثل الغيبة والنميمة. والحديث عن المحرمات نرجئه الى القسم الثاني من هذه الموسوعة بإذن الله، حيث نتحدث هناك عن الكفر والنفاق وشعبهما من المحرمات.وقال المحقق الحلي: الخامس: ما يجب على الإنسان فعله كتغسيل الموتى، وتكفينهم، وتدفينهم. ([58]) أقول: ينبغي أن نتحدث باختصار عن هذا النوع من المحرمات، فنقول:تختلف طبيعة الواجبات التي على المكلفين.1/ فمنها التي لا تحتمل الإستيجار؛ مثل الصلاة والصوم، ذلك لأنها عبادات فردية، وهي مشروطة بنية القربة التي قد تتنافى وأخذ الأجرة عليها. بلى؛ لو دفع الأب لأبنائه مالاً ليصلوا، فأقاموا الصلاة لله وحده، بحيث لو لم يحصلوا على المال لأقاموها أيضاً، فإن صلاتهم صحيحة ويكون دور المال المدفوع مجرد تشجيع عليها، كما لو نذر أحد إقامة الصلاة فإن نذره يزيده عزماً.2/ ومن الواجبات ما هي ترتبط بالنظام الاجتماعي، وهي واجبات على الكفاية، ولكن من طبيعتها أخذ الأجرة عليها؛ مثل الصناعات والحرف المختلفة التي لولاها لتوقفت الحياة - فالطبيب مثلا واجبه مداواة المرضى، كما واجب المهندس تخطيط المدن، وإنشاء المساكن المناسبة للناس. ولو أضرب الأطباء عن عملهم حتى مات المرضى، لكانت تلك جريمة لا تغتفر. كذلك لو أضرب المهندسون عن عملهم حتى خربت المدن. ولكن هل يعني ذلك إن عليهم تنفيذ هذه الواجبات بلا أجر؟ كلاًّ؛ إنما الواجب عليهم أداءها في مقابل أجور، وكما يقول العلامة النجفي فيها: ولا بأس بالوجوب مع العوض فتأمل. ([59]) 3/ ومن الواجبات ما هي عبادات إجتماعية؛ مثل الجهاد، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وتجهيز الموتى والقضاء والولاية وما أشبه.. وإذا قام من به الكفاية بها سقط عن الآخرين. فهل يجوز أخذ الأجرة عليها؟ المشهور بين الفقهاء حرمة ذلك.واستدلوا على ذلك بأن الواجب لا يمكن التخلف عنه من قبل المؤمن، فأخذ الأجرة عليه بمثابة أكل المال بالباطل. قال العلامة النجفي نقلاً عن أستاذه ([60]): إن المنافاة بين صفة الوجوب والتملك ذاتية، لأن المملوك والمستحق لا يملك ولا يستحق ثانياً. ([61]) ولنا أن نناقش في هذا الدليل، ونقول: إن المال الذي يأخذه الأجير يزيده عزماً، كما لو نذر المؤمن أن يعمل عملاً هو بالأصل واجب عليه فيزداد بالنذر عزماً، وكما لو أمر ولي المسلمين فرداً بإقامة الصلاة، فإنه يزيده بذلك عزماً.ثم نناقش في أن هذا من نوع الإجارة، بل هو مساعدة لأداء الواجب. ولأن الواجب في هذا النوع كفائي فمبادرة شخص بأدائه بحاجة إلى مزيد من عزم، وبالمال يزداد المبادر عزماً. كما إذا جعلت الدولة الاسلامية مكافأة للمجاهدين، فإن ذلك لا يعتبر شراءً لجهادهم، وإنما تشجيعاً لهم بالمبادرة من بين سائر المؤمنين . ولذلك يجوز، بل قد يجب تجهيز الغزاة من قبل سائر المسلمين. وهكذا لو قدم المسلمون مكافأة لفئة منهم يتفرغون للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو للقيام بتجهيز الأموات، أو إدارة أمور المساجد وإقامة صلاة الجماعة فيها وما أشبه.وبتعبير دقيق؛ المال الذي يعطى للمطوعين بالواجبات الكفائية، إنما هو لكي يتعين فيهم الوجوب ويسقط عن غيرهم بعد قيامهم به.وبذلك نقول: إن أخذ الأجرة على الواجبات التي ترتبط بنظام الأمة، جائز للمبادرة إليها، أما أخذ الأجرة لفعلها فإنها مخالفة للاحتياط، والله العالم.
جيم: تفسير الإجارات
وقال الإمام جعفر الصادق عليه السلام: وأما تفسير الإجارات؛ فإجارة الإنسان نفسه أو ما يملك أو يلي أمره من قرابته أو دابته أو ثوبه بوجه الحلال من جهة الإجارات، أو يوجر نفسه أو داره أو أرضه أو شيئاً يملكه فيما ينتفع به من وجوه المنافع أو العمل بنفسه وولده ومملوكه وأجيره، من غير أن يكون وكيلاً للوالي أو والياً للوالي، فلا بأس أن يكون أجيراً يوجر نفسه أو ولده أو قرابته أو ملكه أو وكيله في إجارته، لأنهم وكلاء الأجير ومن عنده، ليس هم بولاة الوالي نظير الحمال الذي يحمل شيئاً بشيء معلوم، فيجعل ذلك الشيء الذي يجوز لـه حمله بنفسه أو بملكه أو دابته أو يوجر نفسه في عمل يعمل ذلك بنفسه أو بمملوكه أو قرابته أو بأجير من قبله. فهذه وجوه من وجوه الإجارات حلال لمن كان من الناس ملكاً أو سوقة أو كافراً أو مؤمناً، فحلال إجارته، وحلال كسبه من هذه الوجوه.فأما وجوه الحرام من وجوه الإجارة؛ نظير أن يواجر نفسه على حمل ما يحرم أكله أو شربه، أو يواجر نفسه في صنعة ذلك الشيء أو حفظه، أو يواجر نفسه في هدم المساجد ضراراً، أو قتل النفس بغير حق، أو عمل التصاوير والأصنام والمزامير والبرابط والخمر والخنازير والميتة والدم أو شيء من وجوه الفساد الذي كان محرماً عليه من غير جهة الإجارة فيه، وكل أمر منهي عنه من جهة من الجهات. فمحرّم على الإنسان إجارة نفسه فيه أو لـه أو شيء منه أو لـه إلاّ لمنفعة من استأجرته، كالذي يستأجر لـه الأجير ليحمل الميتة ينحّيها عن أذاه أو أذى غيره وما أشبه ذلك.(الى أن قال:) وكل من أجر نفسه أو ما يملك أو يلي أمره من كافر أو مؤمن أو ملك أو سوقة على ما فسّرنا مما يجوز الإجارة فيه، فحلال محلّل فعله وكسبه. ([62])
تأملات في الحديث
1/ الإجارة أنواع ثلاثة؛ الأول: أن يؤجر ما يملك من دار أو محل. الثاني: إجارة نفسه (كالعمّال). الثالث: إجارة من يملك أمره مثل ولده أو ذوي قرابته أو من يلي أمره بالوكالة.2/ هناك فرق بين الولاية من قبل الظالم والإجارة. إن الولاية تعني استخدام السلطة على الغير من قبل الوالي (السلطان أو الدولة)، بينما الإجارة تعني عقد يقدم الفرد خدمة بازاء أجر معلوم.ومن هنا تجوز الإجارة لكل الناس، ولا تجوز الولاية من قبل كل أحد، إنما من قبل الحاكم العادل فقط.3/ معيار حرمة الإجارة حرمة العمل الذي يقوم به الفرد. فما كان محرماً على الفرد من غير جهة الإجارة (بل من جهة المباشرة) يحرم أيضاً من جهة الإجارة، فكما لا يجوز بيع الخمر والميتة، ولا يجوز هدم المساجد ضراراً وقتل النفس المحترمة، كذلك لا يجوز الإجارة لفعل ذلك. فكل فعل حرام لا يجوز الإجارة له.أما إذا كان في ذلك الفعل جهة حلال، جازت الإجارة له؛ مثل أن يوجر الإنسان نفسه لاماطة الميتة عن طريق المسلمين.
دال: تفسير الصناعات
وقال الإمام جعفر الصادق عليه السلام: وأما تفسير الصناعات؛ فكلما يتعلم العباد أو يعلِّمون غيرهم من أصناف الصناعات؛ مثل الكتابة والحساب والتجارة والصياغة والسراجة والبناء والحياكة والقصارة والخياطة وصنعة صنوف التصاوير مالم يكن مثل الروحاني وأنواع صنوف الآلات التي يحتاج إليها العباد منها منافعهم وبها قوامهم وفيها بلغة جميع حوائجهم، فحلال فعله وتعليمه والعمل به وفيه لنفسه أو لغيره. وإن كانت تلك الصناعة وتلك الآلة قد يستعان بها على وجوه الفساد ووجوه المعاصي وتكون معونة على الحق والباطل، فلا بأس بصناعته وتعليمه، نظير الكتابة التي هي على وجه من وجوه الفساد تقوية ومعونة لولاة الجور، كذلك السكين والسيف والرمح والقوس وغير ذلك من وجوه الآلة التي تصرف الى جهات الصلاح وجهات الفساد، وتكون آلة ومعونة عليهما، فلا بأس بتعليمه وتعلّمه وأخذ الأجر عليه والعمل به وفيه لمن كان لـه فيه جهات الصلاح من جميع الخلائق، ومحرّم عليهم فيه تصريفه الى جهات الفساد والمضارّ. فليس على العالم والمتعلّم إثم ولا وزر لما فيه من الرجحان في منافع جهات صلاحهم وقوامهم وبقائهم، وإنما الإثم والوزر على المتصرف بها في وجوه الفساد والحرام، وذلك إنما حرم الله الصناعة التي هي حرام كلّها التي يجيء منها الفساد محضاً، نظير البرابط والمزامير والشطرنج وكل ملهو به، والصلبان والأصنام وما أشبه من ذلك من صناعات الأشربة الحرام، وما يكون منه وفيه الفساد محضاً ، ولا يكون منه ولا فيه شيء من وجوه الصلاح، فحرام تعليمه وتعلّمه والعمل به وأخذ الأجر عليه، وجميع التقلّب فيه من جميع وجوه الحركات كلها، إلاّ أن تكون صناعة قد تتصرف الى جهات الصنايع، وإن كان قد يتصرف بها ويتناول بها وجه من وجوه المعاصي، فلعلّة ما فيه من الصلاح حلّ تعلّمه وتعليمه والعمل به، ويحرم على من صرفه الى غير وجه الحق والصلاح. فهذا تفسير بيان وجه إكتساب معائش العباد وتعليمهم في جميع وجوه إكتسابهم (الى أن قال:) وأما ما يجوز من الملك والخدمة فستّة وجوه؛ ملك الغنيمة، وملك الشراء، وملك الميراث، وملك الهبة، وملك العارية، وملك الأجر. فهذه وجوه ما يحلّ وما يجوز للانسان إنفاق ماله وإخراجه بجهة الحلال في وجوهه، وما يجوز فيه التصرف والتقلّب من وجوه الفريضة والنافلة. ([63])
تأملات في الحديث
أهم ما يستفاد من هذه الفقرة من الحديث الشريف؛ إن الصناعة أمر مرغوب في الشريعة لجهة حاجة العباد، وأنها محللة بصفة عامة، إنما تصبح محرمة إذا كانت متمحضة فـي الفسـاد.ومن هنا فإن الصناعة التي يأتي منها الصلاح والفساد معاً يتغلب جانب الصلاح فيها.هكذا إستلهم المحقق الطباطبائي في تعليقاته على كتاب المكاسب، وأضاف: بل يظهر من الفقرة الأخيرة، حيث قال "فلعلة ما فيه من الصلاح حل" بل التأمل في فقراته (الأخرى يظهر هذا الأمر وهو أنه) يعطي جواز التجارة أو الإجارة أو الصناعة بقصد الجهة المحللة النادرة، حيث إن المستفاد منها الملاك (ومعيار الحرمة) ترتب المفسدة وقصد الصرف في الجهات المحرمة. ([64]) وهو إستلهام صحيح يرفع الغموض في فقرات الحديث الأولى. وهكذا يتغلب الحلال على الحرام في الشريعة، فما فيه حلال وحرام يعتبر حلالاً حتى يعلم الحرام بعينه. وهذا أصل مهم يمكن أن يغير نظرتنا إلى كثير من الأحكام الشرعية في أبواب المعاملات.
ثالثاً: الربا في الشريعـة
دور المال في المجتمع
ما هو دور المال في المجتمع؟ هل هو سلبي أم إيجابي؟ بلى؛ إن للمال دوراً سلبياً لا بد أن نتقيه، ودوراً إيجابياً علينا أن نجتهد في إقامته. شأن المال في ذلك شأن سائر نعم الله سبحانه، وإنها لمسؤولية التشريع والاخلاق والمصلحين، تكريس دور المال الإيجابي..أرأيت السلاح هل دوره إيجابي أم سلبي؟ الجواب: إننا نقدر أن نجعله إيجابياً حين ندافع عن الحق والعدل والحرية، وإن تركناه أصبح وسيلة الظلم والبغي والقمع؛ أليس كذلك؟ والسؤال كيف نصلح دور المال؟ وما هي وصايا الدين الحنيف وتشريعاته؟ قبل أن نجيب نبين بصيرتين:الأولى: إن إقامة المال في موقعه المناسب هدف عظيم، لا يتحقق بمجرد تشريع قانون أو بيان وصية، بل لا بد من تظافر التعاليم الخلقية والأحكام والتشريعات القانونية، وتوافر إرادة عازمة عند الأمة بعد وعيها بمدى تأثير دور المال إيجاباً وسلباً في مستقبلها.. لعل الأمة تفلح بعدئذ بحياة سعيدة يقوم فيها المال بدوره الإيجابي البنّاء.الثانية: إنما مثل المال مثل سائر النعم الإلهية، إذا حققت مثل الدين العليا، اعتبرنا دوره إيجابياً. ومثل الدين هي إخلاص العبودية لله، وتجنب كل أنماط الشرك والفواحش ما ظهر منها وما بطن، وإقامة مجتمع الحق والعدل والحرية.أما كيف نحقق الدور الإيجابي للمال؟ أهم ما ينبغي أن نفعله من أجل ذلك هو أن نمنع المترفين من أن يستخدموا المال في سبيل نشر الفساد في الأرض، علماً بأن القوة والثروة كانتا تشكلان دوماً أخطر وسائل الشيطان في إشاعة الفواحش، ونشر الشرك، وتكريس الباطل والبغي والإرهاب.والمترفون هم عضد المستكبرين في الأرض بغير الحق. فهؤلاء يستخدمون الثروة، وأولئك يستعملون القوة، وهم جميعاً يعيثون في الأرض فساداً، وقد بعث الله رسله ليقاوموا مثل هذه الفئات الكافرة بإذنه. وتعاليم الدين الحنيف هي بمثابة شلاّل عظيم من الهدى والعزم والأمل، يستنفر به الدين كل الطاقات لمواجهة فساد المترفين وإرهاب المستكبرين، وإنما تاريخ الرسالات تجسيد لهذا الصراع الكبير والدائب. وإذا استعرضنا فيما يلي بعض الآيات، فليس لأنها الوحيدة في هذا الحقل، بل لأن طبيعة البحث لا تستوعب أكثر من ذلك. ولعلنا نعود إلى بيان المزيد في مناسبة أخرى.وبكلمة؛ الدين الحنيف هو توحيد الله، والشيطان يريد أن يشرك الناس بالله، والمال أحد أهم وسائله. ولمقاومة الشرك، علينا مقاومة دور المال في إشاعته.
لمواجهة الفساد المالي
لكي نواجه الدور السلبي والمفسد للثروة، لا بد أن نتخلص من تأثيرها على النفس وعلى المجتمع. كيف يتم ذلك؟ نستعرض فيما يلي بعض ما استلهمناه من آيات الذكر في منهج مواجهة الفساد المالي، إبتداءً من مخالفة هوى النفس في حب المال، وإنتهاءً بمحاربة المترفين والمفسدين في الأرض ومقاومة نفوذهم، وإستمراراً مع منع تراكم الثروة وتداولها بين أياد معدودات.1/ لا بأس أن تحب المال، لأنه زينة الحياة الدنيا، ولكن مع الإيمان بأن ما عند الله خير وأبقى. تدبر في قول الله سبحانه: «الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلاً» (الكهف/46) واستمع الى كلام ربك تعالى: «زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَآءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَاَبِ» (آل عمران/14) 2/ إملك المال ولكن لا تدعه يملكك، وذلك بأن لا تدعه يلهيك عن ذكر الله سبحانه. ألم ينهك ربك عن ذلك حين قال تعالى: «يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لآ تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلآ أَوْلاَدُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ» (المنافقون/9) 3/ ولكن كيف تتخلص عن الانشغال بالمال؟ يقول لك ربك: «وَأَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلآ أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِنَ الصَّالِحِينَ» (المنافقون/10) 4/ واعلم بأن الإغترار بالمال والانشغال به من صفة المنافقين، الذين قال الله فيهم: «سَيَقُولُ لَكَ الْمُـخَلَّفُونَ مِنَ الأَعْرَابِ شَغَلَتْنَآ أَمْوَالُنَّا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُم مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعَاً بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً» (الفتح/11) 5/ إياك أن تنجذب إلى أصحاب الثروة وترى فيهم قدوتك، فإن في ذلك بداية الإنزلاق الى عبودية المال، بل وعبودية أصحابه. وفي قصة قارون لنا عبرة كافية؛ فحين خرج على قومه في زينته إستهوى النفوس الضعيفة، فتمنوا أن يؤتوا مثله. وكانت عاقبة قارون الخسف، وعقبى المعجبين به الندم. قال الله سبحانه: «فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَالَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَآ اُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَقَالَ الَّذِينَ اُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلا يُلَقَّاهَآ إِلاَّ الصَّابِرُونَ * فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الاَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنتَصِرِينَ» (القصص/79-81) والنتيجة التي نستفيدها من العبرة؛ إن علينا أن نتطلع الى الدار الآخرة، ومعيارها ليس المال، بل التقوى من العلو والفساد. قال الله تعالى: «تِلْكَ الدَّارُ الاَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الاَرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ» (القصص/83) وفي القرآن أكثر من عبرة من قصص المترفين، وعلينا أن نستوحي منها الحذر من الغرور بالثروة وأصحابها.6/ وقد يبلغ حب المال درجة الشرك، كما نراه في قصة صاحب الجنتين، الذي نجده إغتر بهما الى درجة نسيان الله، ولم ينفعه تحذير صاحبه الذي قال: «وَلَوْلآ إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَآءَ اللَّهُ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ إِن تَرَنِ أَنَاْ أَقَلَّ مِنكَ مَالاً وَوَلَداً» (الكهف/39) ولكنه أصرَّ على كفره، فكانت عاقبته الندم؛ حيث قصّ علينا القرآن عبرته، فقال سبحانه: «وَاُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَاَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَآ أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ اُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً» (الكهف/42) وإنما كان شركه حسب الظاهر إغتراره بالثروة من دون الله سبحانه، وإنه لم يقل ما أمره صاحبه «مَا شَآءَ اللَّهُ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ». وهكذا من إغتر بالمال، واعتمد عليه من دون الله، فكأنه أشرك بالله سبحانه.7/ ومع الزمن، إذا ازداد عدد الذين استعبدتهم الثروة شكلوا طبقة المترفين، الذين يتداولون الثروة فيما بينهم، ويفسقون في الأرض، كما قال الله سبحانه: «وَإِذَا أَرَدْنَآ أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً» (الاسراء/16) وهكذا كان المترفون طبقة يفسقون في الأرض، فإذا هم سادوا المجتمع حق عليه القول فدمّره الله تدميراً.ومن هنا كان من حكمة الصدقات تقسيم الثروة بين الناس، لكي لا يكون المال دولة بين الأغنياء. قال الله سبحانه:«مَآ أَفَآءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الاَغْنِيَآءِ مِنكُمْ وَمَآ ءَاتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ» (الحشر/7) 8/ ومن سيئات هذه الطبقة؛ نشر الترف، والذي يحذّر منه ربنا في كتابه: «إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً» (الاسراء/27) 9/ ومن سيئاتهم؛ السخرية بالفقراء والمحرومين، حيث يقول سبحانه: «الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لايَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ» (التوبة/79) والسخرية هذه تعني التعالي عليهم، وحرمانهم حقوقهم، والبغي عليهم.10/ ومن سيئاتهم؛ مقاومة المصلحين والأنبياء، ومخالفة أحكام الدين. ومن هنا حذّر النبــي صالح عليه السلام قومه من إطاعة المسرفين، كما جــاء فــي قول ربنــا سبحانــه: «فَاتَّقُـــوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَلاَ تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ * الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الاَرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ» (الشعراء/150-152) 11/ ومن سيئاتهم؛ إنهم كُسالى، فاسدوا الرأي، كما أنبأنا الكتاب الكريم عند ذكر المرابين، فقال الله سبحانه: «الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ اِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِاَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَآءَهُ مَوْعِظَةٌ مِن رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَاُولئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ» (البقرة/275)
من أجل الإصلاح المالي
الحكمة من المال، قيام الناس به (حيث إنه يحفظ الحقوق، ويؤمن تبادل المصالح، ويسهل كسب المعايش، وينشط الناس). ولهذا فلا بد من إصلاح المال، وحفظه من الإنحراف، فكيف يتم ذلك؟ 1/ أولاً بجعل المال في أيد رشيدة. أما السفهاء فلا يؤتون حتى أموالهم، حيث قال الله سبحانه: «وَلاَ تُؤْتُوا السُّفَهَآءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً» (النساء/5) 2/ كذلك اليتامى لا يؤتون أموالهم إلاّ بعد الإختبار، وإستيناس الرشد منهم بعد أن يبلغوا أشدهم، حيث قال الله سبحانه: «وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ ءَانَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَآ إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَن يَكْبَرُوا وَمَن كَانَ غَنِيَّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً» (النساء/6) 3/ النهي عن الإسراف، حيث قال الله سبحانه: «يَا بَنِي ءَادَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لايُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ» (الاعراف/31) وقد يتحول النهي عن السرف الى سياسة اقتصادية للأمة، حيث يمنع عنها الإسراف في الكماليات على حساب الأمور الأساسية.4/ حفظ الأموال من استخدامها فيما يفسد المجتمع سياسياً أو خلقياً أو إقتصادياً، حيث يقول ربنا سبحانه: «وَلا تُفْسِدُوا فِي الاَرْضِ بَعْدَ اِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُـحْسِنِينَ» (الاعراف/56) وفي هذا الحقل تفصيل لا بد من بيانه في محله المناسب.5/ توزيع الثروة بإيتاء حقوقها الاجتماعية؛ مثل النفقات الواجبة على كل فرد لزوجته وذريته وأبويه ومن أشبه.6/ توزيع الثروة بالحقوق الاجتماعية التي تقتضيها الحالة الإنسانية، حيث يقول ربنا سبحانه: «وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّآئِلِ وَالْمَـحْرُومِ» (الذاريات/19) 7/ توزيع الثروة بدفع الزكاة والحقوق المالية الشرعية، حيث يقول ربنا سبحانه: «خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» (التوبة/103) ومنها حق الخمس، والنذور، والكفارات، والهدي في الحج، وواجب الجهاد المالي إذا اقتضت الظروف المزيد من الإنفاق.8/ توزيع الفيء على الطبقات المحرومة، وكذلك الغنائم، وما تمتلكه الدولة من الأنفال وغيرها.9/ نشر الثروة بالإرث والوصايا والديات وسائر الأحكام الشرعية.وهكذا يحافظ التشريع الإسلامي على دور المال الإيجابي، ويمنعه من الإنحراف مع شح النفس وحب التعالي. هذا الى جانب التربية الدينية التي تزرع في النفوس حب الإحسان والعطاء، وتكره إليها البخل والاستيثار، والله المستعان.
الربا في القرآن
1/ قال الله سبحانه: «وَمَآ ءَاتَيْتُم مِن رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلاَ يَرْبُوا عِندَ اللَّهِ وَمآ ءَاتَيْتُم مِن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ» (الروم/39) نستفيد من الآية البصائر التالية:أ- الربا من مصاديق الظلم وأكل أموال الناس بالباطل، والذي نهت عنه آية كريمة، حيث يقول الله سبحانه: «لِيَرْبُوَا فِي أَمْوَالِ النَّاسِ» .فالنمو هنا ليس في مالك، وإنما في أموال الناس. وهذه فيما يبدو- هي علة حرمة الربا، لا فرق بين قليله وكثيره، لأن الظلم حرام حتى في أقل شيء.ب- لأن الربا أكل أموال، فإنه ليس من تنمية المال، إذ إنه يشبه سرقة مال الغير. فهل إذا تبــادل الناس سرقة أموال بعضهم، تنمو تلك الأموال؟ كلاّ؛ قال الله سبحانه «فَلاَ يَرْبُوا عِندَ اللَّهِ». ولعل معناه إنه ليس من التنمية الحقيقية.ج- من أجل معرفة حقيقة الربا، لا بد من معرفة نقيضه الزكاة؛ حيث إن الزكاة هي إنفاق الغني على الفقير، والربا إستثمار الغني للفقير. والمجتمع الذي ينفق غنيه على فقيره يسير في طريق النمو، إذ ينشط الاقتصاد فيه. أليس الفقير ينفق بدوره - المال أو يستثمره؟ فإذا أنفقه فعل التجارة واستفاد الغني منه، وإذا إستثمره نشط الاقتصاد واستفاد الجميع منه.2/ قال الله سبحانه: «الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ اِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِاَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَآءَهُ مَوْعِظَةٌ مِن رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَاُولئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * يَمْحَقُ اللّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ * إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوْا وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُواْ الصَّلاةَ وَاتَوُاْ الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَآ إِن كُنْتُم مُؤْمِنِينَ * فإِن لَمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ * وإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ» (البقرة/275-280) يمكننا أن نستوحي من الآيات الآنفة الذكر، الحقائق التالية:أ- إن سياق هذه الآيات يدل على التقابل بين الإنفاق والربا، حيث ينتقل السياق مباشرة من الإنفاق الى الحديث عن الربا. وهذا الأمر يؤكد ما استفدناه من الآية السابقة. وأيضاً يعطينا التدبر في هذا التقابل المزيد من وعي حقيقة الربا، فكأن كل معطيات الإنفاق معاكسة في الربا.ب- الربا قد يساهم في تشكل طبقة المترفين الذين يختلقون ثقافة الإستثمار، ويقولون إنما البيع مثل الربا. وهكذا يضعون أنفسهم في موقع التشريع، وإنما الله سبحانه هو الذي يشرع للبشرية، وهو قد أحلّ البيع وحرّم الربا.وكذلك يجعل الربا المترفين في مواجهة أحكام الدين؛ ولعل هذا هو حكمة الحرب التي أعلنها الله على الذين لا ينتهون من الربا.والذي لا يفرق بين البيع الذي هو تبادل المنفعة وبين الربا الذي هو استثمار الفقير، إنه يفقد المعايير العقلية، ويكون كالذي يتخبطه الشيطان من المس.ج- يفتح الله باب التوبة أمام المرابين، لكي ينتهوا بعد الموعظة، ويجعل لهم ما سلف من أموالهم ويشمل ذلك الذين يتوبون من الربا بعد أن كوّنوا ثرواتهم منه.د- إن قبول توبة المرابين مشروط بعدم العودة إلى الربا، فإن عادوا فإنهم يعذبون عذاباً شديداً، إذ يخلدون في نار جهنم. وهذا عذاب عظيم يستحقه المعاندون، حيث لا أمل لهم بالنجاة من النار، نستجير بالله منها.هـ- الربا لا ينمي ثروة البلاد، لأن الله يمحقه. ألا ترى البلاد النامية التي خدعت بالاقتراض من البنوك الدولية كيف إنهار إقتصادها وأصبحت تصرف المزيد من ثرواتها لتسديد فوائد الديون (الربا)، ولا أمل لها بتسديد الديون ذاتها؟ و- وبعكس الربا تماماً، فإن الصدقات ينميها الله تبارك وتعالى ويربيها؛ أوَ ليست تنشط الدورة الاقتصادية، وتزيد التبادل التجاري؟ ز- لأن أثر الربا التخريبـي للنفس والمال كبير، ولأن حب المال عند الإنسان شديد، فإننا بحاجة إلى المزيد من الجهاد ضده. وكذلك نقرء في كتاب ربنا أمراً صريحاً بترك ما بقي من الربا، وتحذيراً شديداً عن عدم الإنصياع لهذا الأمر يرتقي الى درجة إعلام الحرب من الله والرسول.ونستفيد من الآية ضرورة إعلان القيادة الرسالية الحرب ضد المرابين.ح- أما إذا تاب المرابي فله أن يطالب برأس ماله دون فوائده، لكي لا يظلم هو الآخر. وقد نستفيد من الآية؛ إن العملة إذا فقدت قيمتها فلا يحسب جبرانها من الربا، لأن الله سبحانه يقول: « لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ » .ط- عند إعسار المدين لا يمكن مطالبته، بل يجب إمهاله لحين الميسرة. وينبغي عند هذه الحالة التصدق له بالمال، فإنه حين يتخلص من همّ الدين، ينطلق وينشط ويكون عمله مفيداً للبلاد.3/ قال الله تعالى: «يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي اُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ» (آل عمران/130-131) نستفيد من السياق البصائر التالية:أ- أكل الربا هو النقطة المقابلة تماماً للانفاق في سبيل الله، فبينما نهت الآيتان 130-131 من سورة آل عمران عن الربا، أمرت في الآية 134 من ذات السورة بالإنفاق في سبيل الله. وفـي سورة البقرة نجد التقابل بين الربا والصدقات فــي آية واحدة حيث يقول ربنا سبحانــه: «يَمْحَقُ اللّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ». (البقرة/276) وإذا كانت هناك حاجة إجتماعية الى مال الغير، فلتقض هذه الحاجة بالإنفاق لا بالربا. فالإنفاق يربي المال، والربا يمحقه.ب- ينذر القرآن آكلي الربا بالنار (الآية131 من سورة آل عمران) مما يدل على أن تعاطي الربا من الكبائر.ج- جاء النهي عن الربا في ذات الآية بوجه مطلق، مما يدل على أن حرمة كل ألوانه.د- بيّن القرآن أن من طبيعة الربا تضاعف ثروة الأغنياء في مقابل زيادة فقر الفقراء.
الربا في الحديث
كما في بصائر الوحي، كذلك في حكمة السنة الشريفة نجد حرباً جدية ضد تعاطي الربا، وفيما يلي نقرء معاً طائفة من أحاديث السنة الشريفة.1/ قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام: درهم ربا أشد من سبعين زنية كلّها بذات محرم. ([65]) 2/ قال الإمام محمد الباقر عليه السلام: أخبث المكاسب، كسب الربا. ([66]) 3/ وتبين السنة الشريفة السبب في تحريم الربا، حيث روي عن سماعة قال: قلت لأبي عبد الله (الإمام جعفر الصادق) عليه السلام: إني قد رأيت الله تعالى قد ذكر الربا في غير آية وكرّره. قال: أوَتدري لم ذاك؟ قلت: لا. قال: لئلا يمتنع الناس من اصطناع المعروف. ([67]) بلى؛ يسد الإسلام باب الشر، ليرغب الناس في أبواب الخير. فالحاجة الى مال الغير إذا سدت بالربا، وإلاّ فان أرباب الحاجة سوف يلجون حتى يجدوا من يرفع حاجتهم من الكرماء، وهكذا يتحرك الفقراء باتجاه القيم المثلى، وتتكرس هذه القيم في المجتمع.4/ عن هشام بن الحكم أنه سأل أبا عبد الله (الإمام جعفر الصادق) عليه السلام عن علّة تحريم الربا. فقال: إنه لو كان الربا حلالاً، لترك الناس التجارات وما يحتاجون إليه. فحرّم الله الربا لتنفر الناس من الحرام الى الحلال، وإلى التجارات من البيع والشراء، فيبقى ذلك بينهم في القرض. ([68]) وهكذا يسد الدين باب الربا، لكي يتحرك أصحاب المال باتجاه التجارة.5/ عن محمد بن سنان إن (الإمام) علي بن موسى الرضا عليه السلام كتب إليه فيما كتب من جواب مسائله: وعلّة تحريم الرّبا لما نهي الله عز وجل عنه، ولما فيه من فساد الأموال، لأن الإنسان إذا إشترى الدّرهم بالدرهمين كان ثمن الدّرهم درهماً وثمن الآخر باطلاً. فبيع الربا وشراؤه وكس على كلّ حال؛ على المشتري وعلى البائع. فحرّم الله عز وجل على العباد الرّبا لعلة فساد الأموال، كما حظر على السفيه أن يدفع إليه ماله لما يتخوف عليه من فساده حتى يونس منه رشد. فلهذه العلّة حرّم الله عز وجل الربا، وبيع الدّرهم بالدرهمين. وعلّة تحريم الربا بعد البينة لما فيه من الإستخفاف بالحرام المحرّم، وهي كبيرة بعد البيان وتحريم الله عز وجلّ لها لم يكن إلاّ إستخفافاً منه بالمحرم الحرام، والإستخفاف بذلك دخول في الكفر. وعلّة تحريم الرّبا بالنّسية لعلّة ذهاب المعروف، وتلف الأموال، ورغبة الناس في الربح، وتركهم القرض، والقرض صنائع المعروف، ولما في ذلك من الفساد والظلم وفناء الأموال. ([69]) 6/ عن إبن بكير قال: بلغ أبا عبد الله (الإمام جعفر الصادق) عليه السلام عن رجل أنه كان يأكل الرّبا ويسمّيه اللبا. فقال: لئن أمكنني الله منه لأضربنّ عنقه. ([70]) واستفاد الفقهاء جواز قتل مستحل الربا، لأنه خالف ضرورياً من الدين.7/ وبما أن الدين قد حرّم الربا، فقد حرّم أيضاً من يعين عليه، حيث جاء في الحديث عن أبي جعفر (الإمام محمد الباقر) عليه السلام، قال: قال أمير المؤمنين (الإمام علي) عليه السلام: آكل الربا وموكّله وكاتبه وشاهداه فيه سواء. ([71])
تفصيل أحكام الرّبا
فيما يلي نستعرض إن شاء الله تفصيل أحكام الرّبا في ثلاثة أقسام، حيث نبحث أولاً عن الرّبا في الدَين وهو أصل حرمة الرّبا، ويلحق به بيع الصرف نسيئة. ونبحث ثانياً فـي الرّبــا فــي المعاوضة إذا كانت من جنس واحد. ثم نبحث ثالثاً في الربا في البنوك وفي الديون الدولية.
أولاً: ربا الدَين
قال المحقق الحلي في الشرائع: وفي القرض أجر، ينشأ عن معونة المحتاج تطوعاً والاقتصار على ردّ العوض. فلو شرط النفع حرم، ولم يفد الملك. نعم لو تبرع المقترض بزيادة العين أو الصفة جاز، ولو شرط الصحاح عوض المكسّرة، قيل يجوز، والوجه المنع. ([72]) لقد أشار المحقق هنا إلى نقاط هامة نبحث عنها تباعاً:1/ إن القرض أساساً من الإحسان ومن صنائع المعروف، ولا بد من ترغيب الأمة فيه، وجعله من مسؤوليات الناس تجاه بعضهم مما يفيد التكامل والتعاون. ولو فتح باب الرّبا لسدّ أبواب القرض، وضاعت فوائده الاجتماعية والدينية.2/ لكي يصبح القرض من صنائع المعروف، فلا بد من الاقتصار فيه على ردّ العِوَض دون إضافة، كما قال ربنا سبحانه عن عباده المقربين: «إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً وَلاَ شُكُوراً» (الإنسان/9) 3/ إنه لو شرط النفع حرم، وهذا هو الرّبا الذي حرّمه الدين وشدّد عليه وعلى حرمته إجماع الديانات الإلهية. نقرء في كتاب ربنا في بيان صفات اليهود الذميمة، أنهم كانوا يأكلون الرّبا. قال الله تعالى: «فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ اُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً * وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً» (النساء/160-161) ولا فرق في شرط النفع بين قليله وكثيره، كما جاء في الحديث المروي عن علي بن جعفر، عن أخيه (الإمام الكاظم) موسى بن جعفر عليهما السلام، قال: وسألته عن رجل أعطى رجلاً مأة درهم على أن يعطيه خمسة دراهم أو أقل أو أكثر. قال: هذا الربا المحض. ([73])