تشریع الاسلامی، مناهجه و مقاصده جلد 9

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

تشریع الاسلامی، مناهجه و مقاصده - جلد 9

سید محمد تقی مدرسی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید




بلى؛ التناجي بالبرّ الذي هو التصدق على الناس، والتقيد بحدود الله سبحانه (التقوى)، وذلك في التعامل مع الآخرين، إنه أمر مرغوب فيه. ويرى العلامة الطباطبائي (ره) في تفسيره الميزان أن الآية حسب دلالة سياق الآيات لا تخلو من دلالة على رفع الحظر (عن النجوى)، وقد خوطب فيها المؤمنون فأجيز لهم النجوى، واشترط عليهم أن لا يكون تناجياً بالإثم والعدوان ومعصية الرسول. ([99]) 5/ وأخيراً هل النجوى بذاتها مرغوب فيها، أم لا..؟ لعل الآية التالية توضح أنها بذاتها غير حميدة، إلاّ إذا كانت هناك ضرورة داعية إليها، حيث قال ربنا سبحانه: «إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَلَيْسَ بِضَآرِّهِمْ شَيْئاً إِلاَّ بإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ» (المجادلة/10) وبعد تلاوة هذه الآيات الكريمة، ما هي البصائر التشريعية التي نستفيد منها؟ يبدو لي أن هناك عدة بصائر:


أ- إن النجوى منهي عنها، لا أقل في ظروف معينة مثلما إذا كانت الأمة في حالة التوتر، وكانت النجوى مظنة تشكيل جمعيات مناوئة للقيادة الربانية، ومخلة بأمن البلاد في نشر الإثم والتعاون على العدوان.


ب- إن الحكمة في تحريم النجوى، تحريم محتواها المتمثل في الإثم والعدوان ومعصية الرسول.


ج- إذا كانت النجوى ضرورية أو إتفق وجود جماعات معينة في مكان معزول، فعليهم التناجي بالبرّ والتقوى.


وإذا كان التناجي بذاته أمراً مرغوباً عنه، أو منهياً عنه، فإن السبب في ذلك أنه مظنة الفساد ولو في ظروف خاصة ، وأنه لا ينحصر عدم مرغوبيتها في تحويلها الى جمعية سرية منظمة، لأن ذات التناجي قد يكون سبباً للفساد والشقاق، ووسيلة لنشر وساوس الشيطان. والله العالم.


وكلمة أخيرة؛ إن البحث حول النجوى من الناحية الفقهية لم يكتمل عندي وهو بحاجة الى تأمل. والله المستعان. ([100])

في رحاب الأحاديث


أولاً: عن التعاون على البر والتقوى


1- قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "من ردَّ عن قوم من المسلمين عادية [ماء] أو ناراً وجبت له الجنة". ([101]) 2- قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "الخلق عيال الله، فأحب الخلق الى الله من نفع عيال الله وأدخل على أهل بيت سروراً". ([102]) 3- قال الإمام الصادق عليه السلام: "قضاء حاجة المؤمن خير من عتق ألف رقبة، وخير من حملان ألف فرس في سبيل الله". ([103]) 4- قال الإمام الصادق عليه السلام: "ما قضى مسلم لمسلم حاجة إلاّ ناداه الله تبارك وتعالى: عليَّ ثوابك، ولا أرضى لك بدون الجنة". ([104]) 5- قال الإمام الباقر عليه السلام: "أوحى الله عز وجل الى موسى عليه السلام، إن من عبادي من يتقرب إليَّ بالحسنة فاحكّمه في الجنة. فقال موسى: يا رب وما تلك الحسنة؟ قال: يمشي مع أخيه المؤمن في قضاء حاجته، قضيت أولم تقض". ([105]) 6- قال الإمام الصادق عليه السلام: "كفى بالمرء اعتماداً على أخيه أن ينزل به حاجته". ([106]) 7- قال أبو جعفر الإمام الباقر عليه السلام: "من مشى في حاجة أخيه المسلم، أظله الله بخمسة وسبعين ألف ملك، ولم يرفع قدماً إلاّ كتب الله له حسنة، وحطّ عنه بها سيئة، ويرفع له بها درجة، فاذا فرغ من حاجته كتب الله عز وجل له بها أجر حاج ومعتمر". ([107]) 8- قال الإمام الصادق عليه السلام: "قام رجل يقال لـه همام، وكان عابداً ناسكاً مجتهداً إلى أمير المؤمنين عليه السلام وهو يخطب، فقال لـه: يا أمير المؤمنين؛ صف لنا صفة المؤمن كأننا ننظر إليه؟ فقال: يا همام ... عون للضعيف، غوث للملهوف". ([108]) 9- في علامات المؤمن وصفاته، قال أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام: "... يرشد من استشاره، ويساعد من ساعده". ([109]) 10- قال الإمام الباقر عليه السلام: "من بخل بمعونة أخيه المسلم والقيام لـه في حاجته [إلاّ] ابتلي بمعونة من يأثم عليه ولا يوجر". ([110]) 11- قال الإمام الصادق عليه السلام: "أيما رجل من شيعتنا أتى رجلاً من إخوانه فاستعان به في حاجته فلم يعنه وهو يقدر إلاّ ابتلاه الله بأن يقضي حوائج غيره من أعدائنا، يعذبه الله عليها يوم القيامة". ([111]) 12- عن علي ابن جعفر، عن ( أخيه ) أبي الحسن (الإمام موسى الكاظم) عليه السلام قال؛ سمعته يقول: " من قصد إليه رجل من اخوانه مستجيراً به في بعض أحواله، فلم يجره بعد أن يقدر عليه، فقد قطع ولاية الله عز وجل". ([112])

ثانياً: عن التعاون على الإثم والعدوان


1- قال أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام: "بئس الزاد الى المعاد العدوان على العباد". ([113]) 2- قال الإمام الصادق عليه السلام: كان علي عليه السلام يقول: "العامل بالظلم، والمعين عليه، والراضي به شركاء ثلاثة". ([114]) 3- عن وهب بن عبد ربه وعبد الله الطويل، عن شيخ من النخع، قال: "قلت لأبي جعفر (الإمام الباقر) عليه السلام: إني لم أزل والياً منذ زمن الحجاج إلى يومي هذا، فهل لي من توبة؟ قال: فسكت. ثم أعدت عليه، فقال: لا حتى تؤدي الى كل ذي حق حقه". ([115]) 4- قال الإمام الصادق عليه السلام: "من عذر ظالماً بظلمه سلّط الله عليه من يظلمه، وإن دعا لم يستجب لـه، ولم يأجره الله على ظلامته". ([116]) 5- قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "الظلمة وأعوانهم في النار". ([117]) 6- قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "إذا كان يوم القيامة، نادى مناد أين الظلمة وأعوانهم؛ من لاق لهم دواة، أو ربط كيساً، أو مدّ لهم مدّة قلم، فاحشروهم معهم". ([118]) 7- قال الإمام الرضا عليه السلام (في أعمال السلطان): "الدخول في أعمالهم، والعون لهــم، والسعي في حوائجهم عديل الكفر، والنظر إليهم على العمد من الكبائر التي يستحق به النــار". ([119]) 8- قال الإمام الصادق عليه السلام: "لولا أن بني أمية وجدوا من يكتب لهم، ويجبي لهم الفيء، ويقاتل عنهم، ويشهد جماعتهم، لما سلبونا حقنا". ([120]) 9- عن ابن أبي يعفور قال: كنت عند أبي عبد الله (الإمام الصادق) عليه السلام إذ دخل عليه رجل من أصحابنا، فقال له: أصلحك الله؛ إنه ربما أصاب الرجل منّا الضيق أو الشدة فيدعا الى البناء يبنيه، أو النهر يكريه، أو المسنّاة يصلحها، فما تقول في ذلك؟ فقال أبو عبد الله (الإمام الصادق) عليه السلام: ما أحب أني عقدت لهم عقدة، أو وكيت لهم وكاءً، وأنّ لي ما بين لابتيها؛ لا، ولا مدة بقلم. إن أعوان الظلمة يوم القيامة في سرادق من نار، حتى يحكم الله بين العباد. ([121]) 10- قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "من أعان ظالماً على ظلمه، جاء يوم القيامة وعلى جبهته مكتوب: آيس من رحمة الله". ([122]) 11- قال الإمام الصادق عليه السلام: "من أعان ظالماً على مظلوم، لم يزل الله عز وجل عليه ساخطاً حتى ينـزع عن معونته". ([123]) 12- قال الإمام الرضا عليه السلام: "من أعان ظالماً فهو ظالم، ومن خذل ظالماً فهو عادل". ([124]) 13- قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "من مشى مع ظالم ليعينه وهو يعلم أنه ظالم، فقد خرج من الإسلام". ([125]) 14- قال أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام للامامين الحسن والحسين عليهما السلام: "كونا للظالم خصماً، وللمظلوم عونا". ([126])

الرحمة والتراحم


بنظرة عرفانية نافذة، يعي الانسان أن الخلق كله تجلّ للرحمة الإلهية؛ وإلاّ فلماذا خلق الله الغني سبحانه هذه الكائنات؟ أوليس برحمته التي وسعت كل شيء، وهو القائل:


1/ «إِلاَّ مَن رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» (هود/119) لماذا خلقهم؟ ليرحمهم. هكذا نقرء في الحديث المروي عن أبي بصير عن أبي عبد الله (الإمام جعفر الصادق) عليه السلام، قال: سألته عن قول الله عز وجل: «ولا يَزَالونَ مُخْتَلِفينَ إلاّ مَن رَحمَ رَبّك ولذلك خَلقَهُمْ» قال: خلقهم ليفعلوا ما يستوجبون به رحمة الله فيرحمهم. ([127]) 2/ وقال ربنا سبحانه: « الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ» (غافر/7) 3/ وإذا كانت الرحمة هي الفيض والبسط والعطاء، فإن السوء هو الأذى والقبض والافساد. وقد جاءت كلمتا الرحمة والسوء متقابلتين في الآية الكريمة. فالنفس أمارة بالسوء، والله هو الذي يرحم بعض النفوس (فتصبح برحمته كريمة). ولقد جاء في القرآن الكريم: «وَمَآ اُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ» (يوسف/53) 4/ ومن يقيه الرب السيئات، فقد رحمه. إذ أن البشر ذلك المخلوق الضعيف، لا يمكنه أن يتقي السيئات بذاته، (بل ذاته من دون رحمة الله مصدر السيئات)، إنما الله تعالى يقيه بفضله السيئات. قال الله سبحانه: «وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَن تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ» (غافر/9) 5/ ومن هنا فإن علينا استدرار الرحمة بالدعاء، حسبما علّمنا الرب وأمرنا بقولــه تعالــى: «وَقُل رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ » (المؤمنون/118) والرحمة تتجلى في حقائق، ولها وسائلها التي تستدرها ومواضعها. وهكذا دعنا نتحدث عنها في ثلاثة فصول:

أولاً: حقائق الرحمة


كتاب الله رحمة، ورسوله رحمة، وتتجلى رحمة الله أيضاً في الغيث والأهل والمال والعلم والملك والحفظ من المهالك والنجاة من الأخطار وتيسير الشرائع.


1/ لقد أنزل الله الكتاب على النبي موسى سلام الله عليه، وقال عنه: «وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَاماً وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِّسَاناً عَرَبِيّاً لِيُنذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ» (الاحقاف/12) فالكتاب رحمة، وإمام للناس.


2/ والقرآن رحمة مباركة، حيث يقول ربنا سبحانه: «تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً» (الفرقان/1) 3/ والرسول رحمة، كمال قال الله سبحانه: «وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ» (الانبياء/107) 4/ والعلم رحمة، حيث يقول الله سبحانه عن العبد الصالح الذي اتبعه موسى عليه السلام ليرشد بعلمه: «فَوَجَدَا عَبْداً مِنْ عِبَادِنَآ ءَاتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً» (الكهف/65) 5/ الهدى رحمة، ومن الهدى العصمة من إتباع الشيطان. قال الله سبحانه: «وَإِذَا جَآءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وإِلَى اُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً» (النساء/83) 6/ ومن الهدى، الكتاب الذي أنزله علينا، وفيه خير الدنيا والآخرة. قال الله سبحانه: «مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ اَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَآءُ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ» (البقرة/105) 7/ ومن رحمة الله تيسير الأحكام، ورفع العسر والحرج، وتخفيف الفرائض مثل تبديل القصاص بالدية وقبول توبة القاتل إن عفى عنه ولي الدم. قال الله سبحانه: «يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنْثَى بِالأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالمَعْرُوفِ وَاَدَآءٌ إِلَيْهِ بإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِن رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ» (البقرة/178) 8/ والذكر الحسن الذي يعقب الإنسان بعده رحمة، حيث قال ربنا سبحانه: «وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً» (مريم/50) 9/ ومن رحمة الله قبول التوبة، والنجاة من عذاب الاستيصال، حيث قال الله سبحانه: «ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلا فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ» (البقرة/64) 10/ وهكذا نجى الله هوداً والذين آمنوا معه من العذاب، الذي أنزله على الكافرين من قومه. قال الله تعالى: «وَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُوداً وَالَّذِينَ ءَامَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُم مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ» (هود/58) 11/ ومن رحمته، قبول توبة المسرفين من عباده، حيث قال الله تعالى: « قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُالرَّحِيمُ» (الزمر/53) تلك كانت طائفة من تجليات الرحمة الإلهية في البعد المعنوي.


12/ وتجلت الرحمة في البُعد الحياتي في الغيث الذي يحيي به الله ميت البلاد، وينشر رحمته على الخليقة وعلى الانسان، حيث قال ربنا سبحانه: «فَانظُرْ إِلَى ءَاثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَآ إِنَّ ذَلِكَ لَـمُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» (الروم/50) 13/ ومن رحمته الليل والنهار؛ حيث جعل الله الليل لباساً وسكناً، والنهار معاشاً ولابتغاء فضل الله فيه. قال الله سبحانه: «وَمِن رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ» (القصص/73) وهذه الرحمة الإلهية تكتمل عند الانسان بالشكر.


14/ والأهل والذرية رحمة الهية. قال الله سبحانه:« وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لأُوْلِي الأَلْبَابِ» (ص/43) 15/ والأخ الموافق رحمة. قال الله سبحانه: «وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَآ أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً» (مريم/53) 16/ والمال النافع رحمة، حيث قال سبحانه عن اليتيمين الذين رحمهما الله باستخراج الكنـز: «وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَاَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَآ أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْراً» (الكهف/82) 17/ والمُلك العدل رحمة، كما وهب الله ذلك لذي القرنين. قال الله سبحانه (على لسان ذي القرنين): «قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِن رَّبِّي فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّآءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً» (الكهف/98) تلك كانت طائفة من تجليات رحمة الله في خلقه عموماً، وفي حياة البشر بصورة خاصة. ولاريب أن كل نعم الله فضل ورحمة، ولا نقدر نحن ولا العادون إحصاء نعمت الله، وإنما أردنا التذكرة بأبرز تجليات الرحمة.

ثانياً: وسائل الرحمة


لا نقول أسباب الرحمة، لأن كلمة السبب قد توحي بأن مصدر الرحمة فعلنا نحن البشر، بينما الرحمة تفيض من عند الله على عباده. وانما جعل الله لها وسائل نبتغي بها إستدرار الرحمة، وهي وسائل شتى، ونشير الى بعضها حسب استفادتنا من الذكر الحكيم.


1/ طاعة الله والرسول تستدر رحمة الله سبحانه، حيث يقول ربنا تعالى: «وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ» (آل عمران/132) 2/ بل الرسول نفسه رحمة، حيث يقول عز من قائل: «وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ» (الأنبياء/107) وجاء في حديث شريف عن رسول الله صلى الله عليه وآله: "إنما أنا رحمة مهداة". ([128]) 3/ وقال الله تعالى: «وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ اُذُنٌ قُلْ اُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ» (التوبة/61) 4/ والرسول بلّغ رسالات الله بكتاب الله، فالقرآن رحمة لمن استمع إليه. قـال الله تعالــى: «وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْءَانُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ» (الأعراف/204) 5/ ومن حقائق طاعة الرسول والعمل بكتاب الله، إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة؛ فهما وسيلتا رحمة الله، حيث يقول تعالى: «وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وءَاتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ» (النور/56) 6/ وإذا كان الذنب يستنزل نقمات الله العزيز، فإن الاستغفار وسيلة الى رحمته الواسعة. وقال الله سبحانه: «قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُالرَّحِيمُ» (الزمر/53) وقال تعالى: «قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلاَ تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ» (النمل/46) 7/ والتقوى واصلاح ذات البين (والذي يؤدي الى تراحم العباد فيما بينهم)، هو الآخر ينـزل رحمات الله سبحانه حيث يقول عز من قائل: «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَاَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ» (الحجرات/10) 8/ الصبر في المصائب، وقول (إنا لله وإنا إليه راجعون)، وسيلة الى صلوات الله ورحمته. قال الله تعالى: «الَّذِينَ إِذَآ أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلّهِ وإِنّآ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * اُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِن رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَاُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ» (البقرة/156-157) 9/ الاعتصام بالله سبحانه (والذي يتمثل في الاعتصام بالكتاب والرسول)، وسيلة الرحمة الإلهية، حيث قال الله سبحانه:« فَاَمَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً» (النساء/175) 10/ الإحسان الى الناس (وبالذات الى الوالدين الذين أمرنا بالإحسان إليهما)، وسيلة رحمة الله سبحانه. قال عز من قائل: «وَلا تُفْسِدُوا فِي الاَرْضِ بَعْدَ اِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُـحْسِنِينَ» (الاعراف/56)

ثالثاً: مواضع الرحمة


الرحمة فيض القلب السوي، وإحسان الإنسان السامي، ولذلك فهي تهبط من أعلى الى من يستحق. والموارد التي نتلوها في كتاب ربنا، هي الأيتام والوالدين (بالذات عند حاجتهما الى الرحمة بعد الموت) والزوجة والزوج (وبالذات عند حاجة كل طرف الى الطرف الآخر) والشعب من قبل الوالي عليه. تعال نقرء معاً آيات الرحمة:


1/ مضى العالم الذي رافقه موسى عليه السلام لكي يتعلم منه رشداً الى قرية، فاستطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما. ولكن العالم ما إن رأى جداراً يريد أن ينقض، حتى بادر إلـى ترميمــه وإقامته. فلما سأله موسى عليه السلام لم تبرع بذلك ولم يطلب منهم أجراً؟ قال: لأنه يوجد تحته كنـز ليتيمين، وأراد الله أن يبقى الجدار قائماً حتى يكبرا ويستخرجا كنزهما، وعلل ذلك بأنه رحمة من الله.قال الله سبحانه (على لسان العالم): «وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَاَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَآ أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْراً» (الكهف/82) وهكذا أمر الله العالم باقامة الجدار رحمة باليتيمين. ونستفيد من ذلك؛ إن اليتيم مورد للرحمة، حتى بهذه الصورة. إذ أن العالم كان مستطرقاً وكانت القرية قد أساءت إليه، ولكنه اجتهد حتى أقام الجدار رحمة باليتيمين.


ولم أجد في القرآن آية صريحة بالرحمة على الأولاد، ولعل ذلك بسبب أن الله سبحانه قد أودع في قلب كل حي الرحمة بالذرية، فلا حاجة الى التوصية بها إلاَّ بالنسبة الى اليتيم المحروم من هذه النعمة.


2/ وحين يكبر الوالدان ويحتاجان الى الرحمة من قبل الأولاد بسبب كبرهما أو وفاتهما، هناك يوصي الرب ويقول سبحانه: «وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً» (الاسراء/24) إن التوصية بالرحمة على الوالدين والتي نقرءها في آية الكريمة وفي الأحاديث تشكِّل حجر الزاوية في بناء الأسرة، والتي هي قاعدة المجتمع الإسلامي. وبالرحمة على الوالدين تزداد رحمتهما على الأولاد. إنها خصلة الوفاء التي تشد أواصر المجتمع، وتجعلها أكثر متانةً أمام المصالح المتضاربة، والكوارث الطارئة.


3/ العلاقة بين الزوجين تبدء عادةً مادية للحاجة المشتركة بينهما الى إشباع الغريزة الجنسية، والتعاون في سبيل بناء الأسرة وانجاب الذرية. ولكن هذه العلاقة تتعمق شيئاً فشيئاً حتى تصبح فوق مادية، بالذات حينما يتقدمان في العمر وتخمد جذوة الجنس، وتنتهي مهمة الانجاب وتربية الأولاد، وتضعف الحاجة المشتركة. وكذلك فيما إذا ابتلي أحد الزوجين بمشكلة أخرجته من دائرة الفائدة. مثلاً؛ ابتلي بمرض خطير أو عاهة مستمرة أو اعتقل بتهمة سياسية، ففي مثل هذه الحالات تكون الرحمة هي صبغة العلاقة، حيث إن الرحمة إحسان وعطاء من طرف قادر على طرف ضعيف لا يحتاج إليه. كذلك جعل الله سبحانه بين الزوجين مودة ورحمة. قال الله سبحانه: «وَمِنْ ءَايَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لاَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» (الروم/21) 4/ والسلطة السياسية أحوج ما تكون الى الرحمة، والتي تفيض منها صفة لين العريكة والعفو والسماح. وهكذا كان النبي محمد صلى الله عليه وآله مثلاً للرحمة في علاقاته مع الأمة، حيث يقول ربنا سبحانه: «فَبِمَـا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ» (آل عمران/ 159) 5/ والملك الصالح ذو القرنين تميز بالرحمة، حيث أنه بنى السد الكبير بين الجبلين. وقد قال الله عنه: «قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِن رَّبِّي فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّآءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً» (الكهف/98) من خلال دراسة مواضع الرحمة، نعرف أنها فيض اليد العليا على الجانب الضعيف. ومن هنا نستطيع أن نقول: إن كل محتاج، موضع للرحمة، كالمريض والفقير والمستضعف سياسياً أو ثقافيـاً.


6/ ونستوحي من كلمة الرحم التي اشتقت من الرحمة، أن أقارب الانسان هم من مواضع الرحمة. وهكذا كان أولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في التراحم والتوارث بينهم، وتولي مختلف الشؤون. قال الله سبحانه: «وَالَّذِينَ ءَامَنُوا مِن بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَاُوْلَئِكَ مِنكُمْ وأُوْلُواْ الاَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ» (الانفال/75)

رابعاً: التراحم والتواصي بالرحمة


من أبرز صفات أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله، أنهم كانوا رحماء بينهم، وأشداء على الكفار. كما هي من أبرز صفات المؤمنين التواصي بالصبر وبالمرحمة. ذلك أن الإيمان بالله العظيم يسمو بالانسان الى درجة السكينة والاستواء في الخلق، والاحساس بالمسؤولية تجاه الآخرين. وهكذا تفيض أنفسهم بالرحمة.


1/ لأنّ مواقف المؤمن تنبع من دينه، فإنه يكون شديداً على الكافر وعزيزاً عليه، لأنه يخالف دينه وقيمه. وفي ذات الوقت يكون ذليلاً على أخيه المؤمن، رحيماً به. قال الله في صفة أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله: « مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيَماهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْاَهُ فَاَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً» (الفتح/29) 2/ وصفة الرحمة متجذرة في أنفس المؤمنين الى درجة تراهم يتواصون بها وبالذات عند الشدائد، حيث يحتاج الإنسان الى صفتي الصبر والرحمة أكثر من أي يوم آخر. قال الله سبحانه: « ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ» (البلد/17) وقد أكدت على التراحم بين المؤمنين أحاديث النبي وأهل بيته صلى الله عليه وآله، منها:


أ- عن أبي جعفر (الإمام محمد الباقر) عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا كان يوم القيامة جمع الله الخلائق في صعيد واحد... ثمَّ ينادي مناد من الله عز وجلّ يسمع آخرهم كما يسمع أوَّلهم فيقول: أين جيران الله جلَّ جلاله في داره؟ فيقوم عنق من الناس فتستقبلهم زمرة من الملائكة. فيقولون لهم: ما كان عملكم في دار الدنيا، فصرتم به اليوم جيران الله تعالى في داره؟ فيقولون: كنا نتحابُّ في الله عزَّ وجلَّ، ونتباذل في الله، ونتوازر في الله. قال: فينادي مناد من عند الله تعالى: صدق عبادي، خلّوا سبيلهم لينطلقوا الى جوار الله في الجنَّة بغير حساب. قال: فينطلقون الى الجنَّة بغير حساب. ثمَّ قال أبو جعفر (الإمام محمد الباقر) عليه السلام: فهؤلاء جيران الله في داره، يخاف الناس ولا يخافون، ويحاسب الناس ولا يحاسبون. ([129]) ب- عن كليب الأسدي قال: سمعت أبا عبد الله (الإمام جعفر الصادق) عليه السلام يقول: تواصلوا وتبارُّوا وتراحموا، وكونوا إخوة بررة كما أمركم الله. ([130]) ج- قال أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام: يا نوف؛ إرحم ترحم. ([131]) د- عن عبد الله بن سنان قال: سمعت أبا عبد الله (الإمام جعفر الصادق) عليه السلام يقول: إنّي لأرحم ثلاثة، وحقٌ لهم أن يرحموا: عزيز أصابته مذلّة بعد العزِّ، وغنيٌّ أصابته حاجة بعد الغنى، وعالم يستخفُّ به أهله والجهلة. ([132])

فقه الآيات


أولاً: تواصل الصفات


لأن الصفات البشرية ترجع الى جذرٍ واحد متعمق في روح صاحبها، فإنها تتواصل سواءً منها السيئة أو الحسنة. ألا ترى الكذاب كيف يكون أيضاً خائناً لئيماً مشاءً بنميم، وفي الطرف الآخر الصادق يكون مخلصاً وفياً كريماً يألف ويؤلف؟ وقد وردت الصفات متواصلة في كتاب ربنا سبحانه سواءً منها الفضيلة أو الرذيلة.


والرحمة هي ينبوع لجماع صفات الخير في البشر. فمن اعتمر قلبه بالرحمة، فإن يده تبسط بالعون، ولسانه ينطلق بالتواصي بالرحمة، ورجله تسعى بالإحسان، وتراه براً مواسياً نفاعاً.

ثانياً: حقائق الرحمة


ومن هنا ترى علمائنا الماضون رحمهم الله قد رووا تحت عنوان باب الرحمة جملة أحاديث البر والأحسان. ولا ريب أنها مصاديق الرحمة، التي لا بد أن تترجم هذه الصفة بنا. ونحن هنا نستعرض بعض تلك الأحاديث قبل أن نتناول البحث الفقهي في الرحمة.


أ- ذكرت الأحاديث صفة التحابب، (الحب المتبادل بين المؤمنين). والحب هو الرحمة، بل أصله. عن الإمام الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله قال: إنَّ الله تبارك وتعالى إذا رأى أهل قرية قد أسرفوا في المعاصي، وفيها ثلاثة نفر من المؤمنين، ناداهم جلّ جلاله وتقدّست أسماؤه: يا أهل معصيتي؛ لولا من فيكم من المؤمنين المتحابّين بجلالي، العامرين بصلاتهم أرضي ومساجدي، والمستغفرين بالأسحار خوفاً منّي، لأنزلت بكم عذابي ثمَّ لا اُبالي. ([133]) ب- ووصى الإمام الصادق عليه السلام شيعته بالبر والصلة، وهما من حقائق الرحمة. عن ابن سعد، عن الأزدي قال: كان ما كان يوصينا به أبو عبد الله (الإمام جعفر الصادق) عليه السلام البرُّ والصلة. ([134]) ج- كما اعتبرت رواية أخرى الايثار حقاً ثابتاً من حقوق المؤمن على أخيه. عن محمد بن سنان ، عن المفضّل قال: سئل أبو عبد الله (الإمام جعفر الصادق) عليه السلام ما أدنى حقُّ المؤمن على أخيه؟ قال: أن لا يستأثر عليه بما هو أحوج إليه منه. ([135]) د- وتقرء في حديث آخر الأمر بالمواساة. قال أبو عبد الله (الإمام جعفر الصادق) عليه السلام: تقرَّبوا الى الله تعالى بمواساة إخوانكم. ([136]) هـ- وفي وصية جامعة للإمام أمير المؤمنين عليه السلام، وصى بها إبنه محمد بن الحنفية قال: ألزم نفسك التودُّد، وصبّر على مؤنات الناس نفسك، وابذل لصديقك نفسك ومالك، ولمعرفتك رفدك ومحضرك، وللعامّة بشرك ومحبّتك، ولعدوّك عدلك وإنصافك، واضنن بدينك وعرضك عن كلِّ أحد فانّه أسلم لدينك ودنياك. ([137]) و- ووصى النبي صلى الله عليه وآله بالألفة. قال رسول الله صلى الله عليه وآله: المؤمن غرٌّ كريم، والفاجر خبٌّ لئيم، وخير المؤمنين من كان مألفة للمؤمنين، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف. ([138]) ز- وقد خص الإمام الصادق عليه السلام غرر الأصحاب بالحديث التالي: خياركم سمحاؤكم، وشراركم بخلاؤكم، ومن صالح الأعمال البرُّ بالاخوان والسعي في حوائجهم، وفي ذلك مرغمة الشيطان، وتزحزح عن النيران، ودخول الجنان. يا جميل أخبر بهذا الحديث غرر أصحابك. قلت: من غرر أصحابي؟ قال: هم البارُّون بالاخوان في العسر واليسر. ثمَّ قال: أما إنَّ صاحب الكثير يهون عليه ذلك، وقد مدح الله صاحب القليل فقال: «وَيُؤثرونَ عَلَى أنْفسهم وَلَو كَانَ بِهِمْ خَصَاصَة وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسه فأولئكَ هُم المُفْلِحُون» . ([139]) من هذه الأحاديث نستفيد أن الحب في الله ومواساة الاخوان وايثارهم والبر بهم والصلة معهم والألفة معهم، إنها من حقائق الرحمة.

ثالثاً: أحكام الرحمة


وهذه القيم هي مصدر التشريع الإسلامي في إدارة المجتمع.. وحتى في نظام التجمع.


فالمواساة مثلاً تترجم تشريعياً في صندوق قرض الحسنة، الذي يجب أن يخصص لـه جزء من ميزانية الدولة وصندوق الضمان الاجتماعي. والإهتمام بالمرضى والزمنى والفقراء عبر عشرات الأنظمة التي تتوزع في أبواب مختلفة من الدستور والقانون. وكذلك الإهتمام بالأطفال والنساء.


ويتوسع اُفق البرّ والإحسان ليشمل كافة المؤمنين، حتى ولو كانوا في أقطار بعيدة عن وطن المسلم. كذلك يتوسع أفق الرحمة ليشمل الدفاع عنه بشتى أنواع الدفاع، حتى ولو كان عسكرياً. وهكذا نستفيد من قيمة الرحمة سلسلة متواصلة من التشريعات الأساسية والفرعية، والله المستعان.


الفصل الثاني: المكارم قصب السبق


الإستباق الى الخيرات والمسارعة إليها


السبق والاستباق قيمتان في قيمة، لأنهما معاً تعنيان التوسل بعامل الزمن في الحصول على مغنم. ونستوحي من آيات كريمة قيمة هذا الأمر؛ فما هو السبق والاستباق ، وأبعاد كونهما قيمة ؟

أولاً: معنى السبق


بلوغ غاية معينة قبل أن يبلغها الآخر، هو السبق .


1/ فالملائكة لا يسبقون ربهم بالقول؛ فهم لا يستعجلون بالقول قبل ربهم سبحانه، حيث يقول تعالى: « لاَ يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِاَمْرِهِ يَعْمَلُونَ» (الانبياء/ 27) .


2/ والأمة لا تسبق أجلها ، حتى ولو سعت الى تجاوزه. (فكان البشر والأجل في سباق، والأجل هو السابق بينهما). قال الله سبحانه: «مَا تَسْبِقُ مِنْ اُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ» (الحجر/ 5) .


3/ وقال ربنا سبحانه: «مَا تَسْبِقُ مِنْ اُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ» (المؤمنون/ 43) .


4/ وقوم لوط فعلوا ما لم يسبقهم إليه أحد، فقال ربنا سبحانه: «وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَاسَبَقَكُمْ بِهَا مِن أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ» (الاعراف/ 80).

ثانياً: قيمة السبق


1/ السبق مظنة اعجاز الخصم الرقيب، (لأن من سبق يستولي على المغنم، وقد يستأثر به). قال الله سبحانه: «وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ» (الانفال/ 59) .


2/ ولأن السبق قيمة فطرية، ترى الكفار زعموا أن الرسالة لو كانت خيراً لما سبق إليها المؤمنون، زاعمين أن المؤمنين بها (وهم عادة طبقة محرومة في المجتمع ، بينما الملأ هم المستكبرون فيه، فيزعمون أنهم ليسوا) أحق بالخير منهم. قال الله الحكيم: «وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ ءَامَنُوا لَوْ كَانَ خَيْراً مَا سَبَقُونَآ إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَآ إِفْكٌ قَدِيمٌ» (الاحقاف/ 11) .


3/ وأيضاً زعم الكفار أنهم بكيدهم ومكرهم يسبقون الله، فقال ربنا سبحانه:« أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ» (العنكبوت/ 4) .


فالسبق علامة الفوز ، ولذلك يدعيه الكفار كذباً وزوراً .


4/ ولكن الكفار ليسوا سابقين، (ولن ينتصروا على الرسالة وأصحابها بكيدهم ومكرهم). قال الله سبحانه: «وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَآءَهُم مُّوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الاَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ» (العنكبوت/39).


5/ والسبق الحقيقي الذي ينال به الانسان الفوز ، هو السبق بالإيمان، حيث يقول ربنا سبحانه: «وَالَّذِينَ جَآءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا رَبَّنَآ إِنَّكَ رَؤوفٌ رَحِيمٌ » (الحشر/ 10) .


وهكذا يعرب اللاحقون عن احترامهم للسابقين من المؤمنين، وذلك بالاستغفار لهم، ولعل حكمة الاستغفار تتمثل في أمرين :


الأول: إن من أعظم نعم الله سبحانه على البشر المغفرة ، ولذلك يطلبها المؤمنون لإخوانهم.


الثاني: إن من الغرائز البشرية أن يتحول الاحترام عندهم الى التقديس ، وتقديس السابقين من أعظم العقبات التي كانت تعترض مسيرة التكامل عند المجتمعات البشرية عبر التاريخ. وتفادياً لهذه المشكلة يستغفر المؤمنون لمن سبقوهم إيذاناً بأن أولئك كانوا بشراً ، وكانوا معرّضين لخطر السقوط في شرك الأهواء ، ولذلك فانهم غير مقدسين، ولكن بسبقهم الى الإيمان يستحقون الاحترام والاستغفار .


6/ وهكذا بين ربنا سبحانه قيمة السابقين، وقيمة التابعين لهم بإحسان. (فان الاتباع المطلق قد لا يكون مطلوباً، لأن أولئك لم يكونوا معصومين من الخطأ، إنما الاتباع الواعي الذي يكون في إطار قيم العقل والوحي هو المطلوب. ويبدو أن هذا هو المفهوم من كلمة بإحسان). قال ربنا عز وجل: «وَالسَّابِقُونَ الاَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالاَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بإِحْسَانٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الاَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَدَاً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيم» (التوبة/ 100) .


7/ وقد أشاد القرآن بالمؤمنين الذين يسارعون في الخيرات وهم يسبقون غيرهم فيها، فقال ربنا سبحانه: «اُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ» (المؤمنون/61) 8/ وقال الله سبحانه: «يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ» (آل عمران/114) 9/ وقال سبحانه: «فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ» (الانبياء/90)

ثالثاً: الاستباق الى الخيرات


والمسابقة هي محاولة السبق ، وهي قيمة شرعية حينما يكون الهدف إلهياً ، كالمغفرة والجنة عند الله، ووسيلتهما الخيرات في الدنيا.


1/ فلقد أمر الله عباده بأن يسابقوا الى المغفرة والجنة، فقال سبحانه: «سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِن رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَآءِ وَالأَرْضِ اُعِدَّتْ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ» (الحديد/ 21) .


2/ وقال الله سبحانه: «وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِن رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَاْلأَرْضُ اُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ» (آل عمران/133) ونستفيد من الآية بصائر :


أ: إن على المؤمن أن يحسب عامل الزمان، فلا تفوته فرصة إلاّ ويغتنمها ، ولا ساعة إلاّ ويعصرها جهداً وإنتاجاً، ولا طاقة إلاّ ويستغلها لغايته السامية .


ب: إن التنافس على الخير مطلوب، (ربما لأنه عامل مساعد للتحرك والفاعلية)، حيث قال ربنا سبحانه: «وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ » (المطففين/ 26).


ج: ومغفرة الله واسعة ، كما جنته عريضة، فلا يحرم منها الآخرون لو سابقتهم. ثم إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم. فلا يدعوك حب الآخرين من المؤمنين واحترامهم الى الكسل، وترك الفرص لهم. كلا؛ اجتهد لاستباق الفرص، وللآخرين فرصهم ودورهم، شريطة أن يكون هدفك مغفرة الله وجناته .


3/ والسبيل الى المغفرة والجنة؛ الخيرات، حيث ينبغي أن يستبق المؤمنون إليهــا، ويتسارعـــوا إليها، ويتنافسوا عليها، وليعلموا أن الله سبحانه لا تضيع عنده الأعمال. قــال الله سبحانــه: «وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» (البقرة/ 148) .


4/ وقال الله سبحانه: «وَأَنْزَلْنَآ إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنْزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ عَمَّا جَآءَكَ مِنَ الحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَآءَ اللّهُ لَجَعَلَكُمْ اُمَّةً وَاحِدَةً وَلكِن لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ ءَاتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ» (المائدة/ 48) .


ونستفيد من الآيتين بصيرة هامة؛ هي ان اختلاف مناهج الطاعة وشرائع الإيمان؛ وبالتالي الاختلاف في الأديان والمذاهب، قد لا ينتهي إلاّ عند الله سبحانه في يوم القيامة ، حيث ينبئ الرب عباده بما كانوا فيه يختلفون. وعلى الناس بدل أن يضيّعوا عمرهم في الجدال النظري، أن يتسابقوا الى الخيرات، ذلك لأن الخيرات واضحة لكل ذي فطرة سليمة. فالعمل الصالح والعدل والقسط والاحسان والوفاء والصدق والأمانة وما إليها من الصفات المثلى التي يشهد بها العقل، إنها جميعاً متفق عليها بين كل الشرائع والمناهج. فإذا جعل البشر هذه الخيرات غاية لتسابقها، فان المحصلة النهائية إسعاد البشر، وعمارة الأرض ، والله لا يضيع أجر من أحسن عملاً ..


ولعل هذه البصيرة تهدف إلى إنقاذ المؤمنين، بل كل الناس من إضاعة الوقت في البحوث النظرية دون المسارعة الى الخيرات . والله العالم.


5/ والسابقون بالخيرات، هم الذين فازوا بالفضل الكبير، إذ يقول الله سبحانه: «ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ » (فاطر/ 32) .


6/ ولعل هؤلاء هم المراد بقوله تعالى: «وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ » (الواقعة/ 10-11) .


فالسابق هو المسارع الى الخيرات. فهو المقرب، وهو المصطفى من عباد الله، وهو وريث الكتاب. والله المستعان.

بصائر الآيـات


1/ السبق والاستباق، هو التسارع الى الهدف قبل الآخر، وهما قيمتان في قيمة .


2/ في السبق مظنة إعجاز الآخر؛ والسبق قيمة فطرية، حتى زعم الكفار أن الرسالة لو كانت خيراً لما سبق إليها المؤمنون (من المحرومين)، بل وزعم الكفار أنهم يسبقون أهل الايمان، ولكن الكفار ليسوا بسابقين.


3/ إنما السبق الذي يورث الفوز هو السبق الى الإيمان، ومن هنا يستغفر الآخرون للسابقين من المؤمنين حباً واحتراماً لهم، لا تقديساً وعبادة. والذين اتبعوا السابقين (من المهاجرين والأنصار) لهم الرضا، (شريطة أن يكون الاتباع باحسان).


4/ وإذا كان الهدف المغفرة والجنة ، والوسيلة الخيرات ، فان الاستباق قيمة حميدة رغّب فيها الوحي . ومن ذلك نعرف قيمة الوقت، واغتنام الفرص، وبذل كل الوسع من أجل الغاية، دون انتظار الآخرين الذين لا تنقص عنهم مغفرة الرب الواسعة وجنته العريضة.


5/ ومحور التسابق الخيرات، وحتى لو كانت الشرائع مختلفة، فان المطلوب المسارعة الى الخيرات حتى لقاء الله، حيث يبين لعباده ما كانوا فيه يختلفون.


6/ وهكذا السابقون هم المقربون ، والفائزون بالفضل الكبير .

فقـه الآيــات


بصائر الوحي تندب الى الفاعلية القصوى، حتى لا تضيع طاقة، ولا تفوت فرصة، ولا يمر وقت، ولا تتعطل إمكانية إلاّ ويغتنمها المرء في سبيل الله سبحانه بفعل الخيرات، والمسارعة إليها والمنافسة فيها. ومن ذلك نستفيد:


1/ إنه ينبغي أن يحصي الانسان طاقاته، ويعرف مدى إمكاناته، ويتحسس الفرص المتاحــة لـه.


2/ كما ينبغي ملاحقة الوقت، ومعرفة قيمته ومحاولة ضغطه بكل وسيلة ممكنة؛ مثلاً: السرعة في المشي واستخدام المركب الأسرع، والسرعة في أداء الأعمال (القراءة السريعة، والكتابة الأسرع، واختزال وقت الطعام والمنام، وأداء ضرورات العيش، وما أشبه) .


3/ ومن هنا فان البحث عن الأجهزة التي تساهم في اختصار السبل الى الأهداف ، ابتداءً من المواصلات وانتهاءً بأجهزة الاتصال، ومروراً بالكمبيوتر والبرامج المعلوماتية الأسرع. إن البحث عنها ضروري للمؤمن الذي يسعى أبداً للاستباق نحو الخيرات.


4/ علينا أن نختار الوقت كلما تعارض مع سائر الأشياء ذات القيمة. فادفع مالاً أكثر لتحصل على الوقت، فان المال يعوّض والوقت لا يعوّض.


5/ ليس الدين نظاماً شمولياً ذا بعدٍ واحد؛ لا في السياسة، ولا في الإقتصاد، ولا في أي حقل من حقول الحياة، بل هو النظام الأكثر تعددية وتنافسية. فهو يؤمن بتنوع الشعوب والقبائل ليتعارفوا، ويعترف بتعدد الأديان والمذاهب ليبلو بعضهم ببعض«لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً»، ويقر باختلاف الألوان والألسنة (الأذواق ومناهج التفكير)، ويستوعب الاقتصاد الحر القائم على التنافس على الخيرات، ويشجع الاستباق في العمل الديني بين الفئات المختلفة.


وهذا النظام هو الأكثر واقعية، والأقدر على توحيد الأمم، والأقرب الى كرامة البشر التي تتنافى مع الفرض والقهر واستلاب الحريات.


من هنا نجد إن حرية الاختيار في المسائل الأهم كالدين مكفولة «لآ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ» (البقرة/256)، فكيف بحرية الإنتخاب في المسائل المهمة (كالسكن والإقامة والانتماء السياسي، والعمل الاقتصادي)؟ وهكذا يجب علينا أن نعيد النظر في كثير من مفردات الأنظمة والعادات التي فرضت على المسلمين في عهود مضت، إما بسبب رؤية خاطئة الى الدين في عصور التخلف، أو بسبب ميل حكومات الجور وجماعات الضغط السياسية والاقتصادية الى الشمولية.


بلى؛ إن الشمولية مخالفة صراحة مع الكرامة والحرمة (الحرية) والاختلاف (التعددية).


وفيما يلي طائفة من الأمثلة نسوقها في نفي الشمولية، وذلك بهدف بلورة الرؤية فقط، أما التفصيل فلا بد من دراسته عبر بحوث مطوّلة.


أ- الإسلام يؤمّن حرية المعرفة والثقافة، وقد أمر الله سبحانه بالجدال بالتي هي أحسن، وبشّر عباده الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأمر بالنظر والعقل والتفكير، ونهى عن الإكراه على الإيمان. ومن هنا نشأت في ظل الدين جامعات علمية شامخة، كان البحث الحرّ قاعدة أساسية فيها. وجاءت لحظة النكد في الدولة الإسلامية واقتضت الإرهاب وقمع الأحرار وفرض آراء خاصة في العقائد والفقه والأخلاق. ولكن مع ذلك كانت هناك معاهد علمية مارست، ولو بخفاء دورها في البحث الحرّ، والتي تجسدت في الحوزات الدينية التي بالرغم من محدودية أنشطتها بسبب الظروف المعاكسة، إلاّ أنها ظلت تمارس عملية الاستنباط، فاتحة أبواب الاجتهاد على مصراعيها.


واليوم يجب أن تتخلص المؤسسة الدينية من تراث الماضي، وتفتح أبوابها للباحثين، حتى نسبق العالم المتقدم باذن الله تعالى.


ب- والإسلام يرفض النظام الوراثي الذي يسميه بالملك العضوض، ويرفض الأمر الواقع القائم على أساس من ملك السيف كان أحق بالسلطة، ويسمي المتسلط بالقوة طاغوتاً، ويرفض التحكم باسم الدين لأنه نوع من الطغيان، وإنما يعترف بحرمة الناس في انتخاب وليهم في إطار القيم الإلهية العليا كالعلم والايمان (الفقه والعدالة).


ويعترف في هذا الإطار بالحقوق المشروعة للناس في تنظيم أنفسهم في مؤسسات سياسية بكل أشكالها، وهكذا يبقى الانتماء حراً، ولا يجوز معاقبة أحد على الانتماء.


كما إن الحرية السياسية تستدعي حرية الاعلام، وحرية النقد، وحرية الاجتماعات والمسيرات.


ج- الاقتصاد في الإسلام يتمتع بحرية واسعة. فلا يجوز تحريم ما أحلّ الله لعباده، حسب آية كريمة: «قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الاَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ» (الأعراف/32) ويرغّب الدين الحنيف على تسخير ما في الطبيعة لمصلحة الانسان. ومن هنا فإن حرية الحركة في الأرض، وحرية الصيد، واستخراج المعادن، والاستفادة من الأرض للزراعة والبناء، والانتفاع بالماء والهواء وما أشبه.. إنها ليست مجرد حريات مكفولة وحرمات للناس ثابتة، وإنما هي مما رغب فيها الدين كما أباح التجارة في إطار القانون، حيث قال الله سبحانه: «يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلآَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً» (النساء/29).


ولم يسعر الرسول على المحتكر، وغضب عندما اقترح عليه البعض ذلك. ولم يعرف المسلمون حدوداً تجارية كالتي نجدها اليوم في العالم، ولعل البشرية تتقدم قروناً متمادية حتى تصل الى وضع التجارة في ظل هيمنة المسلمين عليها. ونحن نجد اليوم إرهاصات هذا التقدم في منظمة التجارة العالمية (غات).


د- والحريات الاجتماعية والشخصية مكفولة؛ مثل حرية الجلسات والمهرجانات والمسيرات، وحرية الانتماء والتنظيم، وحرية الزواج وبناء الأسرة، وحريات اختيار نوع الزي، وكذلك حرية الالتزام بالعادات الفردية.


إن الدين الإسلامي بشّر البشرية بالرحمة العالمية «وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ » (الانبياء/107)، وتتجلى تلك الرحمة في اجتماع الأمم على أصول ثابتة يعرفها الجميع ولا ينكرونها، وأبرزها ألاّ يتخذ بعضهم بعضاً أرباباً، (فلا تكون هناك عنصرية أو طبقية أو عصبية غير محدودة، ولا قوى مستكبرة وأخرى مستضعفة)، ولا تزال البشرية بحاجة الى مثل هذا النظام العالمي الإلهي المنتظر وقوعه مستقبلاً باذن الله تعالى.

في رحاب الأحاديث


قال أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام: "إن الدنيا قد أدبرت وآذنت بوداع، وإنّ الآخرة قد أقبلت وأشرفت باطّلاع، ألا وإن اليوم المضمار، وغداً السّباق، والسّبقة الجنة، والغاية النــار". ([140]) وقال أبو عبد الله (الإمام جعفر بن محمد الصادق) عليه السلام: "تنافسوا في المعروف لاخوانكم، وكونوا من أهله، فان للجنة باباً يقال لـه: المعروف، لا يدخله إلاّ من اصطنع المعروف في الحياة الدنيا.". ([141]) ([1]) مفاتيح الجنان، مناجاة المفتقرين، ص126.



([2]) مفاتيح الجنان، للمحدث القمي، دعاء الإمام الحسين عليه السلام في يوم عرفة، ص 273.


([3]) المصدر.


([4]) نهج البلاغة، قصار الحكم، رقم 274.


([5]) مفاتيح الجنان، ص359.


([6]) مفاتيح الجنان، مناجاة التائبين، ص118.


([7]) مفاتيح الجنان، مناجاة الشاكين، ص119.


([8]) مفاتيح الجنان، دعاء يوم الاثنين، ص24-25.


([9]) مفاتيح الجنان، دعاء أبو حمزة الثمالي.


([10]) مفاتيح الجنان في أعمال شهر رمضان، دعاء أبو حمزة الثمالي، ص195-196.


([11]) مفاتيح الجنان في أعمال شهر رمضان، دعاء أبو حمزة الثمالي، ص196.


([12]) المصدر، أدعية الأيام، دعاء يوم الثلاثاء ص25.


([13]) المصدر، دعاء يوم الأحد ص23.


([14]) مفاتيح الجنان في أعمال شهر رمضان، دعاء أبي حمزة الثمالي، ص197.


([15]) المصدر، ص196.


([16]) مفاتيح الجنان، دعاء مكارم الأخلاق، ص599-600.


([17]) مستدرك الوسائل، ج7، ص505، ح5.


([18]) الحياة، ج1، ص400، ح1.


([19]) الحياة، ج1، ص400، ح3.


([20]) المصدر، ص401، ح8.


([21]) بحار الأنوار، ج72، ص141، ح6.


([22]) المصدر، ح3.


([23]) ميزان الحكمة، ج9، ص352، ح19257.


([24]) نهج البلاغة، الكتاب53.


([25]) تفسير نور الثقلين ، ج5، ص96.


([26]) تفسير نور الثقلين، ج5، ص96.


([27]) نور الثقلين، ج5، ص90.


([28]) المصدر، ص71.


([29]) المصدر، ص72.


([30]) نهج البلاغة، قصار الحكم 442.


([31]) تفسير نور الثقلين، ج5، ص73.


([32]) نور الثقلين، ج5، ص71.


([33]) المصدر، ص72.


([34]) المصدر، ص72.


([35]) المصدر، ص72.


([36]) تفسير نور الثقلين، ج5، ص73.


([37]) تفسير نور الثقلين، ج5، ص72.


([38]) وسائل الشيعة، ج9، كتاب الحج، ص109، باب 32، ح4.


([39]) تفسير نور الثقلين، ج5، ص99-100.


([40]) المصدر، ص98.


([41]) الضريبة: الجزية. واللازب: الثابت.


([42]) تفسير نور الثقلين، ج4، ص597-599.


([43]) أي للآية التي نهت عن الاعانة على العدوان.


([44]) وسائل الشيعة، ج12، الباب 8 من أبواب ما يكتسب به، ح4.


([45]) المصدر، ح7.


([46]) جواهر الكلام، ج8، ص18-19 (طبعة بيروت).


([47]) المصدر، ص19.


([48]) الوسائل، ج12، الباب8 من أبواب ما يكتسب به، ح2.


([49]) راجع جواهر الكلام، ج8، ص81-86.


([50]) جواهر الكلام، ج8، ص83-84، بتصرف منا في توضيح وتشذيب بعض العبارات.


([51]) كتاب المكاسب للشيخ الانصاري قدس سره، ج1، ص36.


([52]) وسائل الشيعة، ج12، ص129، الباب 42 من أبواب ما يكتسب به، ح5.


([53]) المصدر، ص140، الباب 46 من أبواب ما يكتسب به، ح9.


([54]) جواهر الكلام، ج8، ص84، عن جامع الرواة، ج2، ص69.


([55]) وسائل الشيعة، ج12 ،ص69-70 ، الباب 8 من أبواب ما يكتسب به، ح2.


([56]) المصدر، ص69، ح1.


([57]) كتاب المكاسب للشيخ الانصاري قدس سره، ج1، ص37.


([58]) المصدر، ص39.


([59]) وسائل الشيعة، ج18، ص2، الباب 1 من أبواب صفات القاضي، ح1.


([60]) المصدر، ح4.


([61]) جواهر الكلام، ج7، ص699. ومراده أن إجماع الطائفة قائم على حرمة التحاكم الى الطاغوت، إجماعاً محكياً وإجماعاً محصلاً عرفناه بأنفسنا من خلال التتبع والاستقراء.


([62]) بحار الأنوار، ج70، ص393، ح5.


([63]) بحار الأنوار، ج70، ص393، ح6.


([64]) القانون يفصل في كل شرط من هذه الشروط، ولكنّا نكتفي ببيان العناوين للايجاز. راجع للمزيد من التفاصيل كتاب (حقوق جزاي اختصاصي) (بالفارسية) ج2، لمؤلفه محمد صالح وليدي الطبعة الخامسة ، دار نشر أمير كبير - طهران لعام 1997م، ص84-89. وراجع ايضاً الموسوعة الجنائية تأليف جندي عبد الملك بك، ج1، مطبعة دار الكتب المصرية بالقاهرة لعام 1931م ص677 فما بعد.


([65]) الموسوعة الجنائية، ص678.


([66]) بعد أن قتل المشهود عليه.


([67]) أي الذين باشر بقتل من شهدوا عليه.


([68]) وهكذا اعتبر جميع الشهود مجرمين لاشتراكهم في سبب القتل. جواهر الكلام، ج15، ص35.


([69]) وسائل الشيعة، ج19، الباب 64 من ابواب القصاص في النفس، ح1.


([70]) الموسوعة الجنائية، ص695.


([71]) المصدر، ص698.


([72]) يبدو أنه كان عيناً لهم.


([73]) جواهر الكلام، ج15، ص29.


([74]) وسائل الشيعة، ج19، ص35، الباب 17 من أبواب القصاص في النفس، ح3.


([75]) الموسوعة الجنائية، ص703.


([76]) المصدر، ص718.


([77]) المصدر، ص719.


([78]) جوهر الكلام، ج8، ص8.


([79]) وسائل الشيعة، ج12، ص56-57، الباب 2 من أبواب ما يكتسب به، ح1.


([80]) جواهر الكلام، ج8، ص9 عن الخلاف ج1، ص225 الطبعة الحديثة بطهران سنة 1370 هـ.


([81]) جواهر الكلام، ج8، ص16.


([82]) وسائل الشيعة، ج12، ص57، الباب 2 من أبواب ما يكتسب به، ح1.


([83]) للتفصيل راجع كتاب حقوق جزاي اختصاصي ، ج2، ص130 فما بعد.


([84]) المصدر، ص19.


([85]) وسائل الشيعة، ج12، ص125-126، الباب 39 من أبواب ما يكتسب به، ح1، (كتاب التجارة).


([86]) المصدر، ج12، ص169، الباب 59 من أبواب ما يكتسب به، ح5.


([87]) جواهر الكلام، ج8، ص19.


([88]) جواهر الكلام، ج8، ص19.


([89]) المصدر، وما نسبناه إليه من صدق آية التعاون هو المفهوم من كلامه في هذا الموضع وإن لم يصرّح به فراجع.


([90]) المكاسب للشيخ الانصاري، ج1، ص42-44.


([91]) الموسوعة الجنائية، ص2.


([92]) راجع المصدر، ص3.


([93]) راجع المصدر ص4.


([94]) الموسوعة الجنائية، ص4.


([95]) راجع المصدر ص9.


([96]) راجع المصدر.


([97]) راجع المصدر.


([98]) تفسير الجامع لاحكام القرآن للقرطبي ج17، ص291.


([99]) تفسير الميزان، ج19، ص187.


([100]) لمزيد من التفصيل في موضوع النجوى راجع الجزء السابع من هذه الموسوعة ص469-476.


([101]) الاصول من الكافي، ج2، ص164.


([102]) المصدر.


([103]) المصدر، ص193.


([104]) الأصول من الكافي، ج2، ص194.


([105]) المصدر، ص196.


([106]) المصدر، ص198.


([107]) المصدر، ص197.


([108]) المصدر، ص228.


([109]) المصدر، ص231.


([110]) المصدر، ص366.


([111]) المصدر، ص366.


([112]) الأصول من الكافي، ج2، ص366-367.


([113]) بحار الأنوار، ج72، ص309، ح4.


([114]) المصدر، ص312، ح16.


([115]) المصدر، ص329، ح59.


([116]) المصدر، ص333، ح68.


([117]) ميزان الحكمة، ج5، ص611، ح11163.


([118]) المصدر، ح11164.


([119]) المصدر، ص612، ح11167.


([120]) ميزان الحكمة، ج5، ص612، ح11169.


([121]) المصدر، ح11168.


([122]) المصدر، ص613، ح11170.


([123]) المصدر، ح11171.


([124]) المصدر، ص613، ح11172.


([125]) المصدر، ح11174.


([126]) المصدر، ص615، ح11183.


([127]) تفسير نور الثقلين، ج2، ص404، ح251.


([128]) بحار الأنوار، ج16، ص115، ح44.


([129]) بحار الأنوار، ج71، ص393، ح14.


([130]) المصدر، ص399، ح39.


([131]) المصدر، ص396، ح26.


([132]) بحار الأنوار، ج71، ص405، ح1.


([133]) المصدر، ص390، ح1.


([134]) بحار الأنوار، ج71، ص390، ح2.


([135]) المصدر، ص391، ح4.


([136]) المصدر، ح5.


([137]) المصدر، ح6.


([138]) المصدر، ص393، ح15.


([139]) المصدر، ص394، ح18.


([140]) ميزان الحكمة، ج4، ص373، ح8254.


([141]) الاصول الكافي، ج2، ص195.

/ 29