تشریع الاسلامی، مناهجه و مقاصده جلد 9

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

تشریع الاسلامی، مناهجه و مقاصده - جلد 9

سید محمد تقی مدرسی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید



2/ وقد كان قوم ملكة سبأ على حق، إذ لم يغتروا بقوتهم، وانما أوكلوا أمر الحرب أو السلم الى حكمة ملكتهم، فقال الله سبحانه عنهم: «قَالُوا نَحْنُ اُولُواْ قُوَّةٍ وَأُولُواْ بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالاَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ» (النمل/33) 3/ أما قارون فقد إعتد بقوته وبماله وفرح بها، وحذره الله سبحانه من مخالفة سنة الحق فلم يتعظ، فخسف به وبداره الأرض. قال الله سبحانه: «إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وءَاتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ اُوْلِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ * وَابْتَغِ فِيمَآ ءَاتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الاَخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَآ أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الاَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ * قَالَ إِنَّمَآ اُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُـجْرِمُونَ» (القصص/76-78) 4/ وعلى الإنسان أن يسير في الأرض، ويسبر آثار الأمم الغابرة ليعتبر بمصيرهم، وكيف أن قوتهم لم تنفعهم حين خالفوا سنن الله. قال الله سبحانه: «أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الأَرْضَ وَعَمَرُوهَآ أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ» (الروم/9) والقرآن الكريم حافل بعبر الأمم التي أهلكها الله، ولم تغن عنهم قوتهم من الله شيئاً.

فقـه الآيـات نستفيد من جوامع آيات الكتاب التي تليت بصائر في فقه الحياة، نوجز بعضها:

أولاً: على كل فرد مسلم أن يستعد لتحقيق أهدافه وقيم دينه بالقوة؛ في جسمه وروحه ونفسه، وازدياد المال والبنين، والعلاقات والعلم والتقنية والحكمة وحسن الأخلاق والآداب، وكل ذرة ذرة من القوة التي تنفع في تطبيق شرائع الدين أو فرائض الحياة، عليه أن يجمعها في نفسه.

ثانياً: على قادة الأمة أن يعدّوا ما استطاعوا من قوة اقتصادية أو عسكرية أو سياسية أو غيرها، من أجل رفع مستوى الأمة الى أن تصبح الأمة الأقدر والأعلى، والشاهدة على سائر الأمم في الأرض.

ثالثاًً: على المسلمين - أفراد وقادة - أن يتجنبوا كل مصادر القوة التي تخالف الحق، وألا يستخدموا القوة في غير ما أمرهم الله سبحانه به، والله المستعان.

التمكين والملك ما هو التمكين، ولماذا، وكيف؟ القدرة التي يقدّرها الرب لبعض عباده، هي التمكين في الأرض. ولعل كلمة الاستقرار والاستقلال قريبتان من معاني التمكين، أما الملك فهو بالاضافة الى ذلك يعني السلطة. وإذا أضيف التمكين الى شخص أو مجموعة فان معناه قريب من معنى الملك. والهدف المشروع منه تحقيق القيم المثلى، والسبيل إليها توفيق الله سبحانه بالهداية الى الأسباب. والصبر واليقين والجهاد هذه هي بصائر قيمة التمكين والملك بإيجاز، أما التفصيل فسوف نستبينه باذن الله عبر فصول.

أولاً: ما هو التمكين 1/ إذا أعطت السماء قطرها، وجرت الأنهار (وأنبتت الأرض جنات، واستقرت الحياة) فقد تم التمكين. ولكن هل يستمر ذلك؟ بلى؛ سوف يستمر باذن الله إذا استمرت عوامل التمكين، أما إذا كفروا واذنبوا وأحاطت بهم ذنوبهم أهلكم الله بها. قال الله سبحانه: «وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ ءَامَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلاََدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ * وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَاِلإِنْجِيلَ وَمَآ اُنْزِلَ إِلَيْهِم مِن رَبِّهِمْ لاََكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ اُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَآءَ مَا يَعْمَلُونَ» (المائدة/65-66) 2/ ونستوحي من الآية التالية؛ إن عوامل بقاء التمكين يجب أن تبقى ليستمر التمكين. أما إذا جحد الناس بآيات الله (ولم يهتدوا بها؛ وهي في مجملها تهديهم الى الرفاه والتقدم والأمن)، فإنهم هالكون. قال الله سبحانه: «وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَآ إِن مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً فَمَآ أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلآ أَبْصَارُهُمْ وَلآ أَفِئِدَتُهُم مِن شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِاَيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ» (الاحقاف/26) 3/ ونحن البشر قد جعل الله لنا في الأرض مستقراً مكيناً نعيش فيها، وجعل لنا فيها معايش نقتات منها. قال الله تعالى: «وَلَقَدْ مَكَّنّاكُمْ فِي الاَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَاتَشْكُرُونَ» (الاعراف/10) ومن هنا نعرف أن حقائق التمكين هي:

أ- الاستقرار والاستقلال (اتخاذ المكان).

ب- الأمن (وهو أحد معاني الاستقرار في المكان).

ج- الرفاه (الرزق والمعاش).

والتمكين حيث يكون لشخص أو مجموعة أشخاص، يعني بالاضافة الى المعاني الثلاث الماضية نوعاً من السلطة السياسية، مثلما نجده عند الملك الصالح ذي القرنين، وعند النبي يوسف عليه السلام بعد أن تمكن من خزائن الأرض. وهذا هو الملك الذي نتحدث عنه أيضاً في هذا البحث.

4/ والملك حقاً هو ملك الله سبحانه، حيث يقول تعالى: «أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاواتِ وَالأرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ» (البقرة/107) وهذه هي الملكية حقاً التي تحيط قدرة بالشيء من كل جهة.

5/ والله يهب من يشاء من عباده ملكاً (محدوداً)، وقد قال تعالى: «قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَآءُ بِيَدِكَ الخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» (آل عمران/26) 6/ وقد أعطى الله نصيباً من الملك نبيه يوسف الصديق عليه السلام، وقال سبحانه حكاية عنه: «رَبِّ قَدْ ءَاتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الاَْحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالأَخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ» (يوسف/101) 7/ وقال الله سبحانه: «وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَآءُ وَاللّه ُوَاسِعٌ عَلِيمٌ» (البقرة/247) ثانياً: أهداف الملك والتمكين الأهداف التي ينبغي أن يسعى إليها المؤمنون عند ابتغاءهم الملك والتمكين، هي إقامة الصلاة وايتاء الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومساعدة المظلوم وإقامة القسط.

1/ وقد اشترط كتاب ربنا على المؤمنين الذين أخرجوا من ديارهم ثم أذن لهم في القتال، أن يهدفوا تحقيق الأهداف التي بيّنها سبحانه بقوله: «الَّذِينَ إِن مَكَّنَّاهُمْ فِي الاَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وءَاتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الاُمُورِ» (الحج/41) 2/ وقد ذكر ربنا سبحانه في سورة الحديد، أن إقامة القسط من أهداف الصالحين، الذين يستخدمون الحديد وينصرون الله ورسله بالغيب. مما يدل على أن ذلك من أهداف القدرة العسكرية، والتي تتوافق عادة مع أهداف السلطة السياسية. فقال الله سبحانه: «لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ» (الحديد/25) 3/ وقد جعل الله النبي داود خليفة في الأرض، وأمره بأن يحكم بين الناس بالعدل. فقال الله سبحانه: «يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ اِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ» (ص/26) 4/ وحين طرد بنو اسرائيل من ديارهم وأرادوا العودة إليها، طلبوا من نبيهم أن يختار لهم الله ملكاً يقاتلون تحت لواءه. فقصّ علينا سبحانه قصّتهم كالتالي: « أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلاَءِ مِن بَنِي إِسْرَآئِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ اَلاَّ تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَآ اَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَدْ اُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ * وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَآءُ وَاللّه ُوَاسِعٌ عَلِيمٌ * وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ ءَايَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ ءَالُ مُوسَى وءَالُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلآَئِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لاَيَةً لَكُمْ إِن كُنْتُم مُؤْمِنِينَ» (البقرة/246-248) نستفيد من الآية؛ إن من أهداف السلطة، القتال ضد الطغاة والكفار. كما نستفيد بصائر أخرى سوف نعود إلى بعضها إن شاء الله.

5/ وفي قصة النبي موسى عليه السلام مع قومه الذين آتاهم الله الملك، فأمرهم النبي بأن يحاربوا من أجل دخول الأرض المقدسة، فلمّا رفضوا ألزمهم الله التيه أربعين سنة. في هذه القصة دلالة على أن الاستعداد للقتال في سبيل الله ثمن الملك الإلهي. دعنا نتدبر في آيات الذكر التي تفصل هذه القصة، ذات العبرة والمواعظ الكثيرة. قال الله تعالى: «وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَآءَ وَجَعَلَكُم مُلُوكاً وَءَاتاكُم مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعَالَمِينَ * يَاقَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ * قَالُوا يَا مُوسى إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وإِنَّا لَن نَدْخُلَهُا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فإِن يَخْرُجُوا مِنْهَا فإِنَّا دَاخِلُونَ * قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنْتُم مُؤْمِنِينَ * قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَدْخُلَهَآ أَبَداً مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلآ إِنَّا هَا هُنَا قَاعِدُونَ * قَالَ رَبِّ إِنِّي لآ أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ * قَالَ فإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ» (المائدة/20-26) ثالثاً: السبيل الى الملك والتمكين كيف يتمكن المؤمنون في الأرض، وماهو السبيل الى الملك؟ لأن الرغبة في الملك عميقة الجذور في البشر، فإن التنافس عليه شديد. إلاَّ أن المؤمنين يمتازون عن غيرهم، ليس فقط في هدفهم من السلطة، وإنما أيضاً في وسيلتهم إليها. فهم يريدونها، ولكن ليس بأي ثمن. إنما يريدونها ملكاً عدلاً، ومن دون التدرج إليها بظلم الناس. وهم يريدونها بعد توفير صلاحياتها في أنفسهم، وهم يتدرجون من الأسباب إليها. أما الوسيلة الى الملك فهي بايجاز الطموح، واتباع الأسباب، توفير صلاحية الملك، الدفاع والجهاد.

ألف/ الطموح 1/ في قصة أبينا آدم عليه السلام وزوجه عبر كثيرة، لأنها تكشف لنا خبايا أسرارنا. فقد وسوس إبليس إليه بأن في الشجرة المنهية، الملك الذي لا يبلى. قال الله سبحانه: «فَوَسْوَسَ إِلَّيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَآ ادَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لاَّ يَبْلَى» (طه/120) وهكذا أثار فيه الرغبة الكامنة، التي يثيرها كل يوم، وفي كل مكان في بنيه. ولعل هذه الرغبة (الملك) لو أحسن استخدامها لكانت مفيدة للناس، ولكنها عادة تتحول الى صراع غير شريف على السلطة، فتؤدي الى عواقب وخيمة.

2/ وقد تبلورت هذه الرغبة عند النبي سليمان عليه السلام، الذي ورث الملك من أبيه داود، وهو بدوره- أخذه بجدارة من القائد الفاتح طالوت، الذي اختاره الله لقيادة بني اسرائيل في قتالهم المشروع من أجل إستعادة ديارهم.

أقول: قد تبلورت الرغبة عند النبي سليمان عليه السلام، حيث قال ما بيّنه لنا ربنا سبحانه: «قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لاَ يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ» (ص/35) ماذا كان يعني النبي سليمان عليه السلام في هذا الملك الذي لا ينبغي لأحد من بعده؟ هل كان يعني مجرد ملك واسع (كالذي آتاه الله وعلّمه منطق الطير، وسخّر لـه الريح)، أو أنه كان بالإضافة ملكاً بلا ظلم؟ في أحاديث أهل البيت عليهم السلام تفسير ذلك بأنه سأل من ربه ملكاً عادلاً لا جور فيه. فقد ورد عن الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام، أنه قال: الملك ملكان؛ ملك مأخوذ بالغلبة والجور وإجبار الناس، وملك مأخوذ من قبل الله تعالى، كملك آل ابراهيم وملك طالوت وذي القرنين، فقال سليمان عليه السلام «هَبْ لي مُلْكَاً لا يَنْبَغي لأحد مِنْ بَعْدي» أن يقول إنه مأخوذ بالغلبة والجور واجبار الناس. فسخر الله عز وجل لـه الريح تجري بأمره رخاءاً حيث أصاب، وجعل غدوها شهراً ورواحها شهراً، وسخر الله عز وجل لـه الشياطين كل بناء وغواص، وعلم منطق الطير ومكن في الأرض. فعلم الناس في وقته وبعده، أن ملكه لا يشبه ملك الملوك المختارين من قبل الناس، والمالكين بالغلبة والجور". ([59]) باء/ اتباع الأسباب 1/ معرفة الأسباب واتباعها، وسيلة شرعية الى السلطة. فمن كان يعرف سنن الله في خلقه، ويستخدم هذه المعرفة في تسخير الأشياء لمصلحة البشر، تكون لـه الهيمنة وبجدارة على سائر الناس، لأنه يكون الأقدر على تلبية حاجات الناس وتحقيق مصالحهم. ولعل هذا المعنى هو المستفاد من قوله سبحانه: «إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ وءَاتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً * فَاَتْبَعَ سَبَباً» (الكهف/84-85) وقصة ذي القرنين التي فصِّل الحديث عنها في سورة الكهف، ذات دلالات هامة في السلطة الشرعية؛ حيث إنه لم يظلم أحداً في سبيل الوصول الى الحكم، بل اتبع أسباب الحياة فكان الأجدر لـه. ثم لم يستخدم سلطته في الظلم، بل في إعانة المحتاجين ونشر العدالة. فقد روي عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، أنه قال: إن ذا القرنين كان عبداً صالحاً أحب الله وأحبه الله ، وناصح الله وناصحه، قد أمر قومه بتقوى الله فضربوه على قرنه بالسيف، فغاب عنهم ما شاء الله، ثم رجع إليهم فدعاهم الى الله فضربوه على قرنه الآخر بالسيف. فذلك قرناه، وفيكم مثله" (يعني نفسه عليه السلام). ([60]) وروي أيضاً عنه عليه السلام: سخّر الله له السحاب فحمله عليها، ومدّ له في الأسباب، وبسط له النور، فكان الليل والنهار عليه سواء. ([61]) ومن ذلك نستفيد؛ إن الأسباب التي إتبعها، أو إتبع بعضاً منها لم تكن فقط مادية، بل كانت أسباباً غيبية وفّرها الله له حينما نصح لله.

جيم/ توفير الصلاحية 1/ ونستوحي من آية كريمة أن من القيم المثلى للانسان؛ أن يوفر في نفسه صلاحية السلطـة، حيث يقول ربنا سبحانه: «وَمِنَ الَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحمُوداً * وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِي مِن لَدُنكَ سُلْطَاناً نَصِيراً» (الأسراء/79-80) فالتهجد بالليل يُساهم في تحلي الإنسان بالصفات الأخلاقية المثلى، والصدق في الدخول الى الأمور والخروج منها؛ كما ويساهم في تحلي الانسان بالقدرات القيادية. ومن هذا وذاك يبلغ الفرد بفضل الله تعالى المقام المحمود، ويكون لـه من عند الله سلطاناً (برهاناً) بيّناً، وهذا السلطان يساعده بدوره في تذليل النفوس التي تخالفه.

2/ ويبدو إن آل ابراهيم استحقوا فضلاً من عند الله، بسبب الصلاحية التي وفرت فيهم، فأعطاهم الله ملكاً عظيماً. قال الله سبحانه: «أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَآءَاتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ ءَاتَيْنَآ ءَالَ إِبرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَءَاتَيْنَاهُم مُلْكاً عَظِيماً» (النساء/54) 3/ وكذلك طالوت جعله الله ملكاً لبني اسرائيل، لأنه كان ذا بسطة في العلم والجسم، فكان الأكفأ لقيادتهم في القتال ضد أعداءهم. قال الله سبحانه: «أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلاَءِ مِن بَنِي إِسْرَآئِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ اَلاَّ تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَآ اَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقَدْ اُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ * وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَآءُ وَاللّه ُوَاسِعٌ عَلِيمٌ * وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ ءَايَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ ءَالُ مُوسَى وءَالُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلآَئِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لاَيَةً لَكُمْ إِن كُنْتُم مُؤْمِنِينَ» (البقرة/246-248) ونستفيد من هذه الآيات المفصلات البصائر التالية:

أ- إن الأمة إنما تستحق القيادة الرشيدة إذا كانت مستعدة لطاعة تلك القيادة، وتحقيق متطلبات القيادة. ومن هنا فقد قال نبيهم: هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألاَّ تقاتلوا. فلمّا أكّدوا لـه أنهم مستعدون للقتال، طلب من الله إختيار قائد لهم.

ب- إن القائد (الملك) قد لا يكون هو النبي، بل يكون شخصاً آخر يختاره لهم النبي.

ج- إن إصطفاء طالوت للملك لم يكن بناءً على سعة ماله، بل لبسطته في العلم الذي يؤهّله لمعرفة أفضل السبل، وفي الجسم الذي يساعده على قتال العدو.

د/ إن الله قد جعل لملكه آية هي التابوت الذي تحمله الملائكة، وذلك كان برهان صدقه في اختيار الله له.

4/ ونستفيد من آية كريمة؛ إن الصبر واليقيــن هما صفتا القيادة الربانيــة للأمـة، حيث يقـول ربنــا سبحانـه: «وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِاَيَاتِنَا يُوقِنُــونَ» (السجدة/ 24) وهكذا اليقين يجعل الانسان ذا رؤية شفافة، وتتبلور عنده ليس القيم والأهداف فقط، وإنما المناهج المؤدية إليها (الاستراتيجيات) أيضاً. أما الصبر فإنه ضروري لمواجهة الصعاب، التي تعترض سبيل الجهاد لبلوغ الأهداف البعيدة.

5/ ومن الصلاحيات التي تؤهل القائد، الإحسان. قال الله سبحانه: «وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّاُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَآءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَآءُ وَلاَ نُضِيعُ أَجْــرَ الْمُـحْسِنِيـنَ» (يوسف/56) 6/ وقال الله سبحانه: «وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى ءَاتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُـحْسِنِينَ» (القصص/14) وهكذا كان جزاء الله ليوسف الصديق وموسى كليم الله عليهما السلام، الحكم والملك لإحسانهما. وفي سورة القصص مثال لنوع الاحسان الذي كان يتميز به موسى عليه السلام، وهو الدفاع عن المظلوم.

دال/ الدفاع والجهاد 1/ من سبل الملك؛ الجهاد والصبر على أذى الطاغوت بانتظار النجاة من عند الله سبحانه. وقد أذن الله سبحانه للذين يقاتلون بأنهم ظلموا؛ أذن لهم بالدفاع عن أنفسهم للعودة الى بلادهم، التي أخرجوا منها بغير حق. قال الله تعالى: «اُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِاَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ اُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلآَّ أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَويٌ عَزِيزٌ» ( الحج/39-40) ويأتي تمكين الله لهم بعد أن يدافعوا عن أنفسهم بالقتال، كما قرأنا ذلك في الآية 40 من سورة الحج.

2/ وحين قاد طالوت مقاتلي بني اسرائيل، وقتل داود جالوت قائد الكافرين، آتا الله داود الملك، قال الله سبحانه: «فَهَزَمُوهُم بإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَءَاتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَآءُ وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ» (البقرة/251) وهكذا قدّر الله الملك لداود حين قتل جالوت، وهكذا قدّر الله الدفاع من أجل منع الفساد من أن يشمل الأرض بفعل سلطة الطغاة.

3/ والمستضعفون من بني اسرائيل الذين ابتلاهم الله بفرعون وإرهابه، قدّر الله لهم السلطة والتمكن في الأرض، فبعث الله إليهم موسى عليه السلام نبياً وقائداً، وأورثهم الأرض التي باركها وقدّسها. قال الله سبحانه: «وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الاَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الاَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ» (القصص/5-6) وفي قصة بني اسرائيل عبر كثيرة في جهاد المؤمنين ضد الكفار، علينا التأمل فيها لمعرفة سُبل النجاة من الطغاة والوصول الى السلطة والتمكن في الأرض برغم أنفهم. وعلينا دراستها في مناسبة أخرى، إلاَّ أن أبرزها دور القائد الرباني في مسيرة النضال ضد الظالمين، وضرورة التفاف الجماهير المستضعفة حوله، والقيام بواجبهم واستقامتهم على الطريق رغم الصعاب بالتوكل على الله سبحانه.

4/ والقصة لا تنحصر بقوم موسى عليه السلام، وانما هذا الوعد الإلهي قد تكرر للمؤمنين من هذه الأمة (إذا توفرت لديهم شروط القيام لله)، حيث قال سبحانه: «وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الاَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُـمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَاُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ» (النور/55) وهكذا نستفيد من الآيات؛ إن من أسباب التمكين، الجهاد في سبيل الله، والصبر على أذى الطغاة، والاستقامة مع القادة.

فقـه الآيـات نهتدي باذن الله الى البصائر التالية، وذلك من خلال تدبرنا في آيات التمكين والملك:

1/ التطلع الى التمكين، بل والملك، طموح مشروع للمسلم، بل ومرغوب فيه. فعلى كل مؤمن أن يستهدف المركز القيادي إن رأى في نفسه صلاحية ذلك. كما رأينا النبي يوسف عليه السلام يقول لعزيز مصر: «اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ» (يوسف/55) 2/ هدف المؤمن من التمكين والملك تحقيق قيم الوحي جميعاً؛ من بسط العدل، ومحاربة البغي، واقامة الصلاة، وايتاء الزكاة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وسائر القيم المثلى.

3/ لا يبحث المؤمن عن السلطة بأية وسيلة ممكنة، بل بالسبل المشروعة، وأبرزها: معرفة الأسباب واتباعها، وتوفير صلاحية السلطة في نفسه من الصبر واليقين، وأن يتبع الصدق في مدخله ومخرجه في الأمور، وأن يكون كفوءً حفيظاً.

4/ الدفاع عن حقوق المحرومين وقيادتهم لاستعادتها، من الوسائل المشروعة للقيادة والتمكين في الأرض.

في رحاب الأحاديث 1/ قال الإمام علي عليه السلام: "إذا ملك الأراذل هلك الأفاضل". ([62]) 2/ وقال عليه السلام: "خير الملوك من أمات الجور وأحيى العدل". ([63]) 3/ وقال عليه السلام: "من جعل ملكه خادماً لدينه، إنقاد له كل سلطان. من جعل دينه خادماً لملكه، طمع فيه كل إنسان". ([64]) 4/ وقال عليه السلام: "إذا بني الملك على قواعد العدل، ودعم بدعائم العقل، نصر الله مواليه وخذل معاديه". ([65]) 5/ في تفسير (لا حول ولا قوة إلاّ بالله) قال الإمام علي عليه السلام: "إنا لا نملك مع الله شيئاً، ولا نملك إلاّ ما ملّكنا. فمتى ملّكنا ما هو أملك به منا كلفنا، ومتى أخذه منا وضع تكليفه عنا". ([66]) 6/ قال الإمام علي عليه السلام: "تاج الملك عدله". ([67]) 7/ وقال عليه السلام: "أفضل الملوك من حسن فعله ونيته، وعدل في جنده ورعيته". ([68]) البـاب الرابع الفضائل زينة الإنسان لا للخوف .. لا للحزن ماذا يعني الحزن، وما علاقته بالخوف، وما هي أسبابه، وكيف نتجنبه؟ الحزن حالة الكآبة التي تطرء على النفس بعد فوت شيء منها، أو على فعل شيء يندم عليه. أما الخوف فهو خشية الانسان من فوت شيء. الحزن قد يكون من فراق عزيز (كما حزن يعقوب عليه السلام لفراق يوسف عليه السلام)، أو فقد بلد (كما حزن صاحب النبي في الغار)، أو ضياع فرصة خير (كما حزن المؤمنون عندما فاتهم الجهاد).

وقد يكون الحزن على إنسان بسبب كفره (كما يحزن الأب إذا انحرف إبنه). وقد يكون الحزن على ما فات الانسان من خير. ويتجنب المؤمن الحزن إذا بثه الى الله سبحانه، وكذلك بالتوكل عليه وبالصبر، وبما يعوضه الرب من الجنة.

هذه خلاصة بعض البصائر التي نستفيدها من آي الذكر، وإليك الحديث مفصلاً:

أولاً: معنى الحزن الحزن ما يتحسس به الأب عند فراق إبنه، والأم عند فراق إبنها، والانسان عندما يضطر لترك وطنه، والطاغوت حينما يقوم قائد رباني ضده. هذه هي الأمثلة الأشد ظهوراً لحالة الحزن التي تطرء على القلب، وهذه هي حقائق الحزن كما نستفيدها من الآيات الكريمة التي سنتلوها عليك إن شاء الله.

1/ كان حب النبي يعقوب عليه السلام شديداً لولده النبي يوسف عليه السلام. فلما أراد إخوته انتزاعه منه في رحلة الصيد حسبما أخبروه، قال لهم ما قص علينا ربنا سبحانه في كتابه: «قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ» (يوسف/13) واستمر حزنه على غيابه، حتى ابيضت عيناه من الحزن. قال الله سبحانه: «وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَآ أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَينَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيم» (يوسف/84) 3/ وإنما ببث الشكوى الى الله سبحانه، خفف النبي يعقوب عليه السلام عن نفسه الحزن. قال الله سبحانه: «قَالَ إِنَّمَآ أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ» (يوسف/86) 4/ وهكذا أصبح فؤاد أم موسى فارغاً من شدة الحزن على إبنها، الذي ألقته في اليم. ولكن الله سبحانه أمرها بألاَّ تحزن. قال الله سبحانه: «فَرَدَدْنَاهُ إِلَى اُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلاَ تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ» (القصص/13) 5/ وقال تعالى: «إِذْ تَمْشِي اُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَن يَكْفُلُهُ فَرَجَعْناكَ إِلَى اُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى» (طه/40) 6/ وصورة أخرى للحزن تمثلت عند آل فرعون، الذين التقطوا النبي موسى عليه السلام ليكون سبباً لحزن ممتد عندهم في المستقبل، حيث قال الله سبحانه: «فَالْتَقَطَهُ ءَالُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ» (القصص/8) 7/ وكان صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله في الغار قد حزن (وخاف)، فقال الله سبحانه: «إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاتَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَاَنْزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ» (التوبة/40) ثانياً: دواعي الحزن لقد سبق أن ذكرنا إن من دواعي الحزن؛ فوات ما يحبه الانسان، مثل فقد عزيز أو وطن أو ملك. وهناك دواعي أخرى مثل ضياع فرصة لعمل الخير، أو الحزن على بلاء أصابه، أو عدو تحداه، أو مكر ضاق به ذرعاً، أو أي خير فاته.

وتتداخل دواعي الحزن مع سبل تجنبه في آيات الذكر، مما يدعونا الى ذكر بعض الآيات هنا وبعضها في العناوين التالية تجنباً للتكرار.

1/ بين عشية وضحاها وجدت العذراء مريم سلام الله عليها نفسها أمام مولود خلقه الله بلا أب. فكان ذلك مدعاة لحزنها، لولا أن وليدها الرضيع عليه السلام طمأنها (أو طمأنها جبرئيل عليه السلام). وقال الله سبحانه: «فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَآ اَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً» (مريم/24) ونستفيد من الآية؛ إنه ينبغي أن يواسى الحزين بما يذهب عنه الحزن. وقد واسى جبرئيل (على قول) مريم وأخبرها أن نهر ماء جار قد أحدث من جانبها، أو أخبرها بأنه سيكون لوليدها شأن كبير. وهكذا عليها أن تتحمل الحزن من أجله. وكلمة (سريا) تعني النهر، كما هو الانسان الشريف. وقال البعض أن عيسى هو الذي تحدث مع أمه وسلاّها بأن عندها يوجد نهر قد أحدث الآن لحاجتها الى الاغتسال، والله العالم.

2/ استبشروا بنداء الجهاد، وتقدموا الى رسول الله صلى لله عليه وآله ابتغاء القتال تحت لواءه، ولكن النبي صلى الله عليه وآله أخبرهم بأن الشقة بعيدة وبحاجة الى ما يحملهم عليه، وهو لا يملك ما يوصلهم الى ساحة القتال. فحزنوا لذلك (ونفى الكتاب الحرج عنهم)، إذ قال سبحانه: «وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَآ أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لآ أَجِدُ مَآ أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ» (التوبة/92) فاضت أعينهم بكاءً على عدم امتلاكهم ما ينفقون في سبيل الله. وهكذا يحزن المؤمن على الآخرة أكثر مما يحزن على دنياه؛ يحزن إذا لم يوفق لصالح العمل، ويحزن لو ابتلي بذنب. فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: أوصى الله الى عيسى بن مريم عليه السلام: يا عيسى هب لي من عينيك الدموع، ومن قلبك الخشوع، واكحل عينك بميل الحزن إذا ضحك البطّالون. ([69]) ولعله من ذلك ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله: إن الله يحب كل قلب حزين. ([70]) 3/ وفي صورة معاكسة تماماً كان حزن آل فرعون، الذين التقطوا النبي موسى عليه السلام وهو رضيع من البحر؛ كان حزنهم وندمهم بعدئذ شديداً، لأنهم ربّوا في أحضانهم عدوهم الذي أزال الله به ملكهم، وكانوا خاطئين (لأن ملكهم كان يزول به أو بغيره، وسواءً التقطوه من البحر أم لا، بل كان التقاطهم بذاته تقديراً حكيماً من لدن رب العزة ليعلموا أنهم خاطئون). قال الله سبحانه: «فَالْتَقَطَهُ ءَالُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ» (القصص/8) وبقي حزن آل فرعون الى أن أغرقهم الله سبحانه في اليم وأدخلهم النار، لأنهم كفروا بالله ورسله.

4/ ولكن حزن جبهة الحق يتبدّد بالتوكل على الله (ومعرفة عظيم ملكه). فالمنافقون كانوا يتناجون فيما بينهم (ويتآمرون) بالإثم والعدوان ومعصية الرسول، وكان هدفهم من النجوى شنّ حرب نفسية ضد المؤمنين. علماً بأنهم لن يضروا بهم شيئاً إلاّ باذن الله، لأن أزمّة الأمور بيده المقتدرة، وانما على المؤمنين التوكل على الله (لمقاومة الأثر النفسي من النجوى). قال الله سبحانه: « إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَلَيْسَ بِضَآرِّهِمْ شَيْئاً إِلاَّ بإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ» (المجادلة/10) ونستفيد من الآية؛ إن على من يحزن لأمر حقيقي أن يتوكل على الله، وأن يجتهد في مواصلة طريقه المرسوم من دون أن يتأثر بالحزن فينهزم أو ينطوي على نفسه أو يقنط.

5/ والصبر عند المصيبة واليقين بأن ما أصابه ما كان ليخطئه، لأنه كان قدراً من عند ربــه مقدوراً. ثم ذكر الله سبحانه، وتذكّر أن الانسان مملوك لـه، وأنه إليه راجع؛ كل ذلك يساهـم فـي تخفيف المصيبــة، وتطهير النفس من الأثر السلبي للحزن والناشئ منها. قال الله سبحانــه: «وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأمْوَالِ وَالأنْفُسِ وَالَّثمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِيــنَ * الَّذِينَ إِذَآ أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلّهِ وإِنّآ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ» (البقرة/155-156) ثالثاً: تجنب الحزن على الكفار والمنافقين مما يحزن الرسول ومن يتبعه مسارعة الناس في الكفر، فكيف نتجنب هذا الحزن النابع من الرغبة الشديدة عند الرسول وتابعيه من الدعاة في هداية الناس به؟ الذي نستفيده من كتاب ربنا؛ إن على الداعية أن يعطف اهتمامه من الكفار الى المؤمنين، ويخفض لهم جناح الرحمة، وان يصبر وصبره بالله، وأن يتق بوعده، وأن يتذكر أن الدنيا دار فتنة وابتلاء، وأن كفر من يكفر يدخل ضمن هذه الدائرة، وإن العزة لله، وإن إليه يرجع الخلق للحساب، وأنه يعلم ما يقوله الكفار بهدف أذى المؤمنين. بهذه البصائر وأشباهها يخفّف الداعية حزنه على مسارعة البعض الى الكفر.

1/ نهى ربنا رسوله الكريم من النظر (باهتمام أو بغبطة) الى ما متع الله الكفار من نعم مختلفة ومزدوجة، ونهاه من الحزن عليهم (لأنهم كفروا بالله وإنهم سيعذبون بكفرهم)، وأمره بأن يخفض جناحه للمؤمنين. قال الله سبحانه: «لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ» (الحجر/88) نستفيد من الآية؛ إن على القائد الرباني ألاّ ينبهر بما لدى الكفار من إمكانات، وإنما يهتم بالمؤمنين به ويكتفي بهم بعد الله سبحانه، حيث يقول تعالى: «يَآ أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ» (الانفال/64) ومن حقائق اهتمامه بهم؛ خفض الجناح رحمة بهم، وعطفاً عليهم. ومن حقائق ترك الاهتمام بالكفار؛ عدم الحزن عليهم، وألا يأبه بهم وبما يملكون.

ونستوحي من ذلك؛ إن الانسان إذا فقد شئياً فلا يحزن عليه، بل يركّز اهتمامه بما يملك ويطوّره ويستفيد منه كيما يعوض عما فقده، والله العالم.

2/ وإذا بدء الأعداء حبك المؤامرات، فينبغي ألا يضيق المؤمن بذلك ذرعاً، ولا يحزن عليهم لماذا لا يؤمنون بالحق. ولكن يصبر، فالصبر نجاة من مكرهم، والصبر إنما يكون بالله (ربما لشدة وقع الحزن على النفس). قال الله سبحانه: «وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ» (النحل/127) 3/ (لأن الكفار قد فقدوا قيمتهم الانسانية بكفرهم)، فإن النبي لا يحزن على كفرهم، ولا يخشى مكرهم، لأن الله ينصره عليهم. قال ربنا سبحانه:« وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُن فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ» (النمل/70) 4/ وهذه سنة الله في رسله السابقين. هذا النبي الكريم لوط سلام الله عليه، جاءته ملائكة ربه في صورة ضيوف، فأراد بهم قومه سوءً، فضاق بهم لوط ذرعاً. فقالت الملائكة لـه: لا تخف ولا تحزن (وعدم الخوف، لأن الله ينصره عليهم. وعدم الحزن عليهم، لأنه لا قيمة لكافر)، قال الله سبحانه: «وَلَمَّآ أَن جَآءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالُوا لاَ تَخَفْ وَلاَ تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلاَّ امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ» (العنكبوت/33) وهكذا نجا الله رسوله والمؤمنين به من أهله، وأهلك الكافرين. وبقيت لنا من قصتهم عبرة مهمة، هي: ألاّ نخاف مع الله شيئاً، ولا نحزن.

رابعاً: تجاوز الحزن على ما فات يحزن البشر على ما فاته من نعم الله، ومن فرص الخير. ولكي يتجاوز هذا الحزن عليه أن يحظى بنعمة عظيمة تصغر معها سائر النعم على أهميتها في نفسها، وهي نعمة الهداية، والإيمان، والتسليم لله، والتقـوى، والانفــاق. وبكلمـة؛ نعمة أن يكون من أوليــاء الله. وقد تكررت هـذه البصيرة في القرآن لأهميتها ودورها في سكينة النفس واطمأنانها عند المؤمن.

1/ عند المواجهة مع الكفار يتسامى المؤمن على دواعي الوهن والحزن، (حتى ولو كانت الموازنة المادية مختلة لصالح الكفار)، ذلك لأنه يمتلك جوهرة تسامت على كل شيء، ألا وهي: الإيمان بالله سبحانه. قال ربنا تعالى: «وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ اْلأَعْلَوْنَ إِن كُنْتُم مُؤْمِنِينَ» (آل عمران/ 139) ولعل النهي عن الحزن يهدف ترضية نفوس المؤمنين بالخسائر المادية التي تلحقهم بادئ ذي بدء، لأنها تصغر عند مقايستها بالنصر والعلو الذين يرزقون عاقبة الأمر.

2/ كذلك الإيمان بالله والاستقامة على الطريق رغم الصعاب، يذهب الحزن عن قلب المؤمن، حيث الملائكة تتنزل عليهم وتبشرهم بالجنة. قال الله سبحانــه:« إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَــا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلآَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَــدُونَ» (فصلت/ 30) بلى؛ الجنة وما أدراك ما الجنة! فحين يبشر بها المؤمنون يعرفون أن كل ثمن كانوا قد قدموه أو سوف يقدمونه لدخولها فهو قليل. فما شر بشر بعده الجنة.

3/ وقال سبحانــه: «إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ» (الاحقاف/13) ونستفيد من الآية؛ إن الاستقامة تستدعي تنزل الملائكة عليهم بالبشرى وهم في دار الدنيا، لكي تثبتهم على الطريق.

4/ ومنذ أن أهبط الله آدم عليه السلام من الجنة الى الأرض، ذكّر بني آدم بأن الخوف والحزن يصيبان من لم يتبع هدى الله. أما الذين يتبعون هدى ربهم باتباع الرسل والآيات، فإنهم في أمان من الخوف (على المستقبل)، لأن الله قد وعدهم جنات تجري من تحتها الأنهار، ولأنه سبحانه هو الحفيظ لهم الذي ضمن لهم الأمن. كما لا حزن لهم (على ما فاتهم)، لأن الله يعوضهم، وأن إليه المصير. قال الله سبحانه: «قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعاً فإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ» (البقرة/38) 5/ والأمر ليس مختصاً بالمؤمنين من هذه الأمة، بل يدور الأمر مدار الإيمان والعمل الصالح أنى كان، وفي أية أمة مؤمنة تتبع الرسل. قال الله سبحانه: «إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ ءَامَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ» (البقرة/62) 6/ وقال الله سبحانه: «إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ ءَامَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ» (المائدة/69) 7/ وإذا أسلم الانسان نفسه لله، وسلّم للحق النازل من لدنه تسليماً، وأطاع الرسل بلا جدال، فإنه يحظى بنعمة السكينة، فلا خوف عليه ولا حزن. قال الله سبحانه: «بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ» (البقرة/112) 8/ ومحور الأمن عند المؤمن ثقته بالمستقبل، وايمانه بأن الله تعالى لا يضيع أجره. فإذا أنفق لم يخف الفقر ولم يحزن على ما فاته من أمواله، لأنه لم يفته شيء منها، إنما هي مودعة عند رب لا تضيع عنده الودائع. قال الله سبحانه: «الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَآ أَنْفَقُواْ مَنّاً وَلآ أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِم وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ» (البقرة/262) 9/ وقال تعالى: «الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ» (البقرة/274) 10/ وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة آية صدق ايمان المسلم، فإذا أدّاهما فإنه يحظى بالأمن والسكينة. قال الله سبحانه: «إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوْا وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُواْ الصَّلاةَ وَاتَوُاْ الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ» (البقرة/277) 11/ وتتجلى سكينة الإيمان في القيامة، حيث يستبشر المؤمنون السابقون بالذين يلحقون بهم من إخوانهم، لأنهم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. قال الله سبحانه: «فَرِحِينَ بِمَآ ءَاتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُـواْ بِهِم مِن خَلْفِهِمْ اَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُــونَ» (آل عمران/170) 12/ والسكينة هي ميراث الرسالات الإلهية، فما من نبي إلاّ وقد بعث بالبشرى لمن آمن وأصلح، أنه لا خوف عليه ولا حزن. قال الله سبحانه: «وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ فَمَنْ ءَامَنَ وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ» (الانعام/48) 13/ وقال سبحانه: «يَا بَنِي ءَادَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ ءَايَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ» (الاعراف/35) 14/ وولاية الله حصن لمن قَبِلَها بصدق، فإن أولياء الله لا خوف عليهم مما يأتي ولا حزن لما فات. قال الله سبحانه:« أَلآ إِنَّ أَوْلِيَآءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ» (يونس/62) 15/ والتقوى درع لمن تسربل بها، فهي أمان من الحزن. قال الله سبحانه: «وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لاَ يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ» (الزمر/61) 16/ ومن حقائق ذهاب الحزن عن المؤمن بالرغم من شدة ابتلاءه، إنه يشكو بثه وحزنه الى الله. (ومن يجد من يبث إليه شكواه فيسمعه ويستجيب لـه، كيف لا تطمأن نفسه)؟ قال الله سبحانه (على لسان النبي يعقوب عليه السلام): «قَالَ إِنَّمَآ أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ» (يوسف/86) وكذلك نجد في قصة الإمام الحسين عليه السلام وريث الأنبياء، أنه قال عند ذبح رضيعه في حجره: "هوّن ما نزل بي أنه بعين الله". ([71]) 17/ ويحمد المؤمنون ربهم، لأنه أذهب عنهم الحزن. (في يوم القيامة لا يحزنون على خطاياهم، لأن ربهم قد غفرها لهم). قال الله سبحانه: «وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ» (فاطر/34) 18/ وفي يوم القيامة، حيث الخلائق في حزن وخوف، وحيث الفزع الأكبر، ترى المؤمنين في سكينة، (لأنهم قد حصلوا عليها في الدنيا بايمانهم). قال الله سبحانه: «لاَ يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الاَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلآَئِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ» (الأنبياء/103) خامساً: لكي لا تحزن الرسل والرسول ومن يتبع نهجه يواجه تحديات كبرى، والله سبحانه يذكرهم بما يزيدهم استقامة وتثبيتاً. فيذكرهم أن كفر المكذبين لا يضر الله شيئاً، وأن تكذيبهم إنما هو بآيات الله بالرغم من أن في ظاهره تكذيب بالرسول أو بالدعاة الى الله. وأن مظاهر القوة التي يملكونها ليست بشيء، لأن العزة لله جميعاً، وإن المرجع الى الله، وإن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون.

1/ كانوا يسارعون في الكفر (بعد الإيمان)، وكان مدعاة لحزن المؤمنين إذ يجدون جبهة الحق تضعف أمام جبهة الباطل، فجاءهم الذكر بالسكينة، وأخبرهم أنهم لا يضرون الله شيئاً وإنما يضرون أنفسهم، إذ إن الله يريد ألاّ يجعل لهم حظاً في الآخرة؛ فهم يضيعون أعمالهم الصالحة بكفرهم وارتدادهم. قال الله سبحانه: «وَلاَ يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً يُرِيدُ اللَّهُ اَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظّاً فِي الاَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ» (آل عمران/176) 2/ وكانوا يكذبون الرسول، ويكذبون الدعاة الى الله، وكان ذلك مدعاة للحزن. ولكن هل هذا التكذيب كان لنقص في الدعوة أو في دلائلها وشواهدها؟ كلاَّ؛ إنما كان بسبب أزمة في أنفسهم، لأنهم ظالمون. قال الله سبحانه: «قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَيُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِاَيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ» (الانعام/33) 3/ وكان الكفار يستهزئون بالرسول وبالدعاة، وكان ذلك سبباً للحزن. ولكن الله أخبرهم بأن العزة لله جميعاً، فهو سبحانه ودينه ورسوله هم الأعزاء، بينما الكفار هم الأذلاء. قال الله سبحانه: «وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ » (يونس/65) 4/ والله يعلم ما يقولون، ويعلم ما يسرون في أنفسهم، وهو يحيط قدرة بهم، فلماذا الحزن؟ قال الله سبحانه: «فَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ» (يس/76) 5/ وهم بالتالي يرجعون الى ربهم، ويرون أعمالهم ويحزنون بها، فلا داعي للحزن من جراء أعمالهم أو أقوالهم. قال الله تعالى: «وَمَن كَفَرَ فَلاَ يَحْزُنكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ» (لقمان/23) فقـه الآيـات لأن الحزن يعطل طاقات الانسان، ويشل فعالتيه، فقد نهي عنه. وجاء في القرآن الكريم ما يشفي النفس منه، ويطهرها من آثاره. وتبعاً لموارد الحزن المختلفة نتحدث فيما يلي عن حقائق الحزن:

1/ إذا إستبد الحزن بالقلب جراء خوف أو ندم أو مصيبة، فإن تصرفات الانسان تصبح غير حكيمة. ومن هنا كان على المسلم مواجهة أسباب الحزن بالذات، إذا كان مصدره عملاً في سبيل الله. ومن سبل مواجهته التواصي باجتنابه، كما فعل النبي صلى الله عليه وآله بصاحبه في الغار، إذ قال لـه: لا تحزن إن الله معنا.

والخوف والحزن والفرح وسائر الحالات النفسية تغيرات عاطفية في النفس البشرية، ولابد من ضبطها وتوجيهها بالعقل والعلم وتذكر الحقائق الموضوعية؛ مثلاً عند الحزن أو الخوف نتذكر قدرة الله سبحانه وأنه مع المؤمنين. فقد ذكّر النبي موسى سلام الله عليه قومه عندما خافوا مطاردة جيش فرعون لهم، فقال : إن معي ربي سيهدين؛ وكذلك قال الله لموسى وهارون عليهما السلام، إذ قال لهما: أني معكما أسمع وأرى. ومن هنا فإن علينا ذكر الله كلّما مرّ بنا طائف من الخوف أو الحزن أو أية حالة عاطفية طاغية.

2/ لكل منّا عينان؛ واحدة تنظر الى الايجابيات، والثانية إلى السلبيات. فبالأولى نرى نعم الله علينا، وبالثانية مواطن الضعف والعجز لدينا. بالأولى نبصر من معنا، وبالثانية من هو ضدّنا..

والانسان الايجابي يركّز اهتمامه بالجانب الايجابي، فيرى النعم فيشكر الله عليها. وإذا صُرف بصره الى النواقص صبر عليها انطلاقاً من النعم. ومن هنا قرنت صفتا الشكر والصبر في آية قرآنية: «وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِاَيَاتِنَآ أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُم بِاَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لاَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ» (ابراهيم/5)، وجاء في الدعاء: "اللهم إني أسألك صبر الشاكرين لك". ([72]) والقائد الناجح هو الذي يستفيد من القدرات التي يمتلكها هو وأفراده بأقصى قدر ممكن، ويثق بها. بينما القائد الفاشل ينهزم نفسياً بالنظر دائماً الى قوة العدد، وقد يبالغ فيها.

ولأن الحرب هي صراع إرادات قبل أن تكون موازين قوى، فإن على القادة أن يتجنبـــوا الاهتمام بقوة العدو، وانما يركزوا على قوتهم. وقد أمر الله رسوله بأن يكتفي بعد التوكـل علــى الله بمن اتبعه من المؤمنين، فقال سبحانه: «يَآ أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ» (الانفال/64) وكما أمره بألاّ يمد عينيه إلى ما متع الكفار من نعم، وألاّ يحزن عليهم، بل يخفض جناحه للمؤمنين.


/ 29