- تشریع الاسلامی، مناهجه و مقاصده جلد 9

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

تشریع الاسلامی، مناهجه و مقاصده - جلد 9

سید محمد تقی مدرسی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید



3/ الجانب النفسي في الصراع جانب هام، وقد نصر الله المسلمين بالرعب، وقد أمر سبحانه بأن يرهبوا العدو. والأعداء يحاولون أن يبثوا الرعب في نفوس المؤمنين؛ سواءً بالاشاعات التي يبثونها، أو باستعراض القوة أمامهم، أو عبر الطابور الخامس الذي يؤيدهم.

وعلى المسلمين أن يواجهوا السلاح النفسي للعدو بالمزيد من الصبر، والتوكل على الله، والثقة بوعده لهم بالنصر، وبعدم الضيق مما يمكر الأعداء. فلا يجوز أن نبالغ في قوة العدو، أو نخشى مكره، أو ننهزم أمام إرهابه.

الأعداء يبالغون في استخدام القوة المادية. وقد يكون ميزان القوة يرجح جانبهم. أما المسلمون فهم يتذكرون أبداً وعد الله لهم بالنصر، وبأن العدو لا يضر بهم شيئاً إلاّ باذن الله، وإنهم يرجون من ثواب الله ما لا يرجوه الكفار الذين لا حظ لهم في الآخرة، بل لهم عذاب عظيم. وهكذا يستفيد المؤمنون من الركائز المعنوية التي يملكونها إلى أقصى حد ممكن.

كل ذلك ليس فقط في الحرب المعلنة، بل وأيضاً في كل جوانب الصراع، فإن على المؤمنين ألاّ يسمحوا للوحشة أو الحزن أن يضعفهم، إنما يتمتعون أبداً بقوة معنوية عالية.. فلا ينهارون أمام وسائل الاعلام المضللة لمجرد وجود بعض الامكانات المادية المتطورة لدى الكفار، بل يعتمدون على الحق الذي لديهم حتى ولو ضعفت إمكاناتهم المادية.

4/ وهكذا لا يتأثر المجاهدون بالحرب المعنوية التي تشن ضدهم، فيتهمون بالعنف والارهاب، أو بالتمرد والعصيان، أو بالسفه والجنون.. مع ذلك هذه الحرب لن تفتّ من عضدهم شيئاً، لأنهم على بصيرة من أمر دينهم، وعلى هدى من ربهم، وعلى يقين بنصر الله لهم. وهكذا مدح ربنا هؤلاء الصفوة من خلقه بأنهم لا يخافون لومة لائم. حيث قال عزّ وجلّ: «يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ» (المائدة/54) كظم الغيظ عزّ المؤمن يغلب هوى نفسه، بينما الهوى يغلب غيره. والغيظ يهيمن على قلب البشر، ويحجب عنه نور العقل والعلم، ويشط به عن الحكمة والحلم؛ بينما المؤمن يتعالى على غيض نفسه، ويجترع الغصة، ويتسم بالحلم والحكمة في التصرف.

1/ قال الله تعالى في صفة المتقين: «الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّآءِ وَالضَّرَّآءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُـحْسِنِينَ » (آل عمران / 134) 2/ وضرب القرآن لنا مثلا رائعا عن كظم الغيظ في شخصية النبي يعقوب عليه السلام، الذي ابتلي بضياع قرة عينه يوسف عليه السلام سنين متطاولة، ولكنه كظم غيظه، وقال عنه ربنا سبحانه: «وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَآ أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَينَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيم» (يوسف/ 84)

في رحاب الأحاديث

1/ عن سيف بن عميرة، قال: حدثني من سمع أبا عبد الله (الإمام الصادق) عليه السلام يقول: "من كظم غيظا ولو شاء أن يمضيه أمضاه، أملأ الله قلبه يوم القيامة رضاه". ([73]) 2/ قال أبو عبد الله (الإمام الصادق) عليه السلام: "ما من عبد كظم غيظا إلاَّ زاده الله عز وجل عزاً في الدنيا والآخرة، وقد قال الله عز وجل: ]والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين[ وأثابه الله مكان غيظه ذلك". ([74]) 3/ عن أبي الحسن الأول (الإمام موسى الكاظم) عليه السلام، قال: "اصبر على أعداء النعم، فإنّك لن تكافي من عصى الله فيك بأفضل من أن تطيع الله فيه". ([75]) 4/ وأشد ما يحتاجه الانسان من كظم الغيظ عند تسلط الأعداء، وقبل الإذن بمواجهتهم؛ أي عند الهدنة والتقية. وفي ذلك يقول الحديث الشريف عن أبي عبد الله (الإمام الصادق) عليه السلام: "كظم الغيظ عن العدو في دولاتهم تقية حزم لمن أخذ به وتحرُّز من التعرض للبلاء في الدنيا، ومعاندة الأعداء في دولاتهم ومماظتهم في غير تقية ترك أمر الله. فجاملوا الناس، يسمن ذلك لكم عندهم، ولا تعادوهم فتحملوهم على رقابكم فتذلّوا". ([76]) الحلم زين العلم الحلم من جنود العقل، ومن تجليات الايمان في القلب، وهو زين العلم. والحليم اسم كريم من أسماء الرب سبحانه. فاذا رجح عقل الانسان، لـم تستخفه الحوادث الصغيرة، وبقي متعاليا على الظروف المتغيرة، وإنما الحلم ميراث تصديق الفرد بالسنن الالهية الثابتة.

وقد ذكّرنا كتاب ربنا باسم ربنا "الحليم" مقارناً مع إسم المغفرة، لأنه يصبر على ذنوب عباده حتى يستغفروه فيعفو عنهم، ولا يبادر بأخذهم بذنوبهم، ولو فعل لما بقي على الأرض من دابة .

وذكرنا القرآن باسم الحليم مع إسم العليم بما يخفى على الناس من الفواحش الباطنية .

وجاء هذا الاسم الكريم مقرونا باسم الغني - مرة واحدة - عند الأمر بالصدقة، كما ذكر باسم الشكور مع هذا الاسم عند الأمر بالقرض.

1/ لا يؤاخذ الله عبدا بادر عند الغضب باليمين ثم ندم، ولكن يحاسب على ما عقد عليه قلبه (من اليمين)، فعليه أن يلتزم به. والله يعفو عن كثير مما تكسب القلوب من الذنوب (كالحسد قبل إظهاره) ويحلم عن كثير منها، بأن يؤخر جزاءها لأعطاء العبد فرصة التوبة منها. قال الله تعالى: «لاَ يُؤَاخِدُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ » (البقرة / 225) .

2/ وكذلك ما تكسب قلوب الناس فيما يتصل بنكاح المطلقات ( وقد يكون فيه من تمنيات باطلة) يعلمها الله. وعلينا أن نراقب الله في أفكارنا وأمنياتنا، ولكن حلم الله ومغفرته يأتيان على كثير من الذنوب القلبية قبل إظهارها بقول أو عمل. قال الله تعالى: «وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّه َيَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ » (البقرة/ 235) .

3/ وحين ينهى ربنا عن الصدقة التي يتبعها أذى، يذكرنا بأنه غني (لا يريد مثل هذه الصدقة)، وهو حليم (لا يعجّل عقوبة الذين يتبعون صدقاتهم بالمن والأذى). قـال الله تعالــى: « قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذىً وَاللّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ » (البقرة / 263) .

4/ أما عند بيان عفو الله عن الذين تولّوا يوم المواجهة، فإن القرآن يذكرنا بأن الله غفور (فقد عفى عن المذنبين التائبين)، وحليم (لم يعجّل عليهم العقاب). قال الله تعالى : «إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ» ( آل عمران / 155) .

5/ وعند تبيان أسهم الورثة، يذكرنا الرب بأنه عليم حليم. (فيعلم عدد الأسهم المختلفة للورثة، وبحلمه لا يعجّل المضارّين منهم بالعقاب). قال الله تعالى: «وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَم يَكُن لَهُنَّ وَلَدٌ فإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَآ أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَمْ يَكُن لَكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الُّثمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَآ أَوْ دَيْنٍ وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ اُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُوا أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَآءُ فِيْ الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَآ أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَآرٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ)» ( النساء / 12) .

6/ أما الذين سألوا عن أشياء (لم يكلَّفوا علمها)، فقد عفا الله عنهم وذكرهم بأنه غفور حليم. قال الله تعالى: «يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ تَسْاَلُوا عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْاَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرءَانُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللّهُ عَنْهَا وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ» ( المائدة / 101 ) .

7/ ولما أمر الله عباده بأن يقرضوه قرضا حسنا ليضاعفهم، ذكّرهم بأنه شكور (إن أقرضوه)، حليم (إن استأثروا بالمال). قال الله تعالى: «إِن تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ» (التغابن/ 17).

8/ والله سبحانه يعلم بما يكسبه عباده (من خير وشر)، ولكنه حليم (لا يبادرهم بالجزاء). قال الله تعالى: «لَيُدْخِلَنَّهُم مُّدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ» ( الحج / 59) .

9/ والسموات السبع والأرض ، ومن فيهن يسبحون لله وهو حليم غفور. (ولعل هذا ما يدعوهم الى تسبيح الله وحمده، فهو قدوس عن التأثر بأفعال خلقه، وهو حميد لغفران ذنوبهم، والله العالم). قال الله تعالى: «تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالاَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً» ( الاسراء / 44) .

10/ والله يعلم ما تكنّ صدور عباده، (ولكنه لا يبادرهم بالجزاء حتى يظهروه بعمل أو قول، ثم لا يستغفروا). قال الله تعالى:« وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَلِيماً» (الاحزاب/ 51) .

11/ والله يمسك السموات والأرض ، من أن تزولا ( بالرغم من ذنوب عباده)، وإنه حليم غفور (ومن حلمه دوام رحمته بالرغم من ذنوب عباده). قال الله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَن تَزُولاَ وَلَئِن زَالَتَآ إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً» (فاطر/ 41).

12/ والحلم من صفات الأنبياء عليهم السلام، وكان النبي إبراهيم الخليل قدوة فيه. قال الله تعالى: «إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ» ( هود / 75) .

فقد تجلّت صفة الحلم في النبي إبراهيم عليه السلام حين جادل ربه في قوم لوط، وحاول أن يدعو لأولئك الضالين بالرغم من انحرافهم، ليرفع الله عنهم العذاب ويعطيهم فرصة أخرى للتوبة.

13/ كذلك تجلت ذات الصفة في النبي شعيب عليه السلام، حيث يقول قومه له: « إِنَّكَ لاَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ» (هود/ 87) .

14/ كذلك تجلت صفة الحلم في النبي إسماعيل الذبيح الذي سلّم نفسه لأمر ربه بذبحه، وهكذا بشر الله النبي إبراهيم باسماعيل غلاما حليما. قال الله تعالى:« فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلاَمٍ حَلِيمٍ» (الصافات/101).

بصائر الآيات

1/ الحلم من جنود العقل وتجليات الايمان، وهو زين العلم. وإذا رجّح العقل تعالى صاحبه على المتغيرات، وتمسّك بالسنن الثابتة. والله حليم ذو أناة، فلا يعجل بأخذ المذنب، بل يمهله بفضله لعلّه يتوب.

2/ وقورن إسم الحلم بأسماء الله الحسنى؛ الغفور، والعليم، والغني. والحلم من صفات الأنبياء، وكان النبي إبراهيم عليه السلام قدوة فيه، كما تجلت عند النبي شعيب عليه السلام، وعند النبي إسماعيل الذبيح عليه السلام.

في رحاب الأحاديث

1/ عن محمد بن عبيد الله، قال: سمعت (الإمام علي بن موسى) الرضا عليه السلام يقول: لا يكون الرجل عابداً حتى يكون حليماً، وإن الرجل كان إذا تعبّد في بني إسرائيل لم يعدّ عابداً حتى يصمت قبل ذلك عشر سنين. ([77]) 2/ عن زرارة، عن أبي جعفر (الإمام محمد الباقر) عليه السلام، قال: كان علي بن الحسين عليهما السلام يقول: إنه ليعجبني الرجل أن يدركه حلمه عند غضبه. ([78]) 3/ قال الامام الحسن عليه السلام: الحلم زينة. ([79]) 4/ قال أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام: الحلم حجاب من الآفات. ([80]) 5/ وقال عليه السلام: الحلم رأس الرئاسة. ([81]) 6/ وقال عليه السلام: الحلم عشيرة. ([82]) 7/ وقال عليه السلام: الحلم نور، جوهره العقل. ([83]) 8/ وقال عليه السلام: الحلم تمام العقل. ([84]) 9/ وقال عليه السلام: الحلم نظام أمر المؤمن. ([85]) 10/ وقال عليه السلام: لا عزّ أنفع من الحلم. ([86]) 11/ وقال عليه السلام: وجدت الحلم والاحتمال أنصر لي من شجعان الرجال. ([87]) 12/ وقال عليه السلام: من غاظك بقبح السفه عليك، فغظه بحسن الحلم عنه. ([88]) 13/ وقال عليه السلام: إن لم تكن حليماً فتحلّم، فإنه قلّ من تشبّه بقوم إلاَّ أوشك أن يكون منهم. ([89]) 14/ وقال عليه السلام: من لم يتحلّم لم يحلم. ([90]) 15/ وقال عليه السلام: الحليم مَن احتمل إخوانه. ([91]) 16/ سئل الامام علي عليه السلام عن أقوى الخلق: قال: الحليم. ([92]) 17/ قال أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام: بوفور العقل يتوفر الحلم. ([93]) 18/ وقال عليه السلام: الحلم والأنّاة توأمان تنتجهما علوّ الهمّة. ([94]) 19/ وقال عليه السلام: من حلم ساد. ([95]) 20/ وقال عليه السلام: السلم ثمرة الحلم. ([96]) 21/ قال الإمام الصادق عليه السلام: يظفر من يحلم. ([97]) 22/ قال أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام: من حلم من عدوّه ظفر به. ([98]) 23/ وقال عليه السلام: إنّ أوّل عـوض الحليـم من خصلته أن الناس أعوانه على الجاهل. ([99]) 24/ قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ... فأما الحلم؛ فمنه ركوب الجميل، وصحبة الأبرار، ورفع الضّعة، ورفع الخساسة، وتشهي الخير، ويقرّب صاحبه من معالي الدّرجات، والعفو، والمهل، والمعروف، والصمت. فهذا ما يتشعّب للعاقل بحلمه. ([100]) 25/ قال أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام: الحلم عند شدة الغضب يؤمن غضب الجبار. ([101]) 26/ قيــل للإمـام الحـسـن بن علي عليهما السلام: ما الحلم؟ قـال: كظـم الغيــظ وملـك النفـس. ([102]) 27/ قال أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام: ليس الحليم من عجز فهجم، وإذا قدر انتقم؛ إنما الحليم من إذا قدر عفى، وكان الحلم غالباً على أمره. ([103]) 28/ وقال عليه السلام: كمال العلم الحلم، وكمال الحلم كثرة الاحتمال والكظم. ([104]) 29/ قال الإمام محمد الباقر عليه السلام: ما شيب شيء بشيءٍ من حلمٍ بعلم. ([105]) 30/ قال أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام: لن يثمر العلم حتى يقارنه الحلم. ([106]) 31/ قال لقمان الحكيم: لا يعرف الحليم إلاّ عند الغضب. ([107]) 32/ سئل الإمام علي عليه السلام عن أحلم الناس، فقال: الذي لا يغضب. ([108]) 33/ قال أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام: آفة الحلم الذلّ. ([109]) 34/ قال رسول الله صلى الله عليه وآله: بسط الوجه زينة الحلم. ([110]) العفو تاج المكارم العفو ميراث التقوى، والله أعد للمتقين جنات عرضها السموات والأرض. وعلى من أوسع الله عليه من فضله، أن يوسع الناس فضلاً وعفواً، ليغفر الله له. وقد يكون أقرب الناس إليك فتنة لك (كالزوجة والأولاد)، فعليك أن تتعامل معه بحذر وبعفو وصفح. ومن يرجو العفو من الله فليصفح عن الناس. والله سبحانه قد سمح لمن اُسيء إليه أن يرد إساءته بمثلها، ولكنه رغبه في العفو والاصلاح، ووعده أجراً من لدنه. والعفو من خلق النبي صلى الله عليه وآله، فأحرى بنا أن نقتدي به. وحتى الكفار ينبغي أن يصفح المسلمون عنهم (في ظروف الهدنة)، حتى يأتي الله بأمره (لجهادهم). والتائب من المشركين يحظى بفرصة العفو عنه. وعلى من شمله العفو أن يتبعه بمعروف (فلا يستغل العفو في الاسترسال في الظلم).

كانت هذه بصائر حول العفو استوحيناها من آيات الذكر، دعنا نتدبر أكثر فأكثر في تلك الآيات، ونستفيد منها المزيد من حقائق العفو في القرآن والسنة.

1/ (حينما يزداد الانسان إيماناً وتقوى، يتحلى بمكارم الأخلاق؛ ومنها العفو الذي يبين الكتاب صلته بالتقوى). قال الله سبحانه: « وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلْتَّقْوَى وَلاَ تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ » (البقرة/ 237) .

فالعفو ميراث التقوى، والتقوى ميراث الإيمان.

2/ وقد أعد الله جنات عريضة للمتقين، ومن أبرز صفاتهم عفوهم عن الناس. قال الله تعالى: «وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِن رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَاْلأَرْضُ اُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّآءِ وَالضَّرَّآءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُـحْسِنِينَ» (آل عمران/ 133-134) .

3/ وعلى أصحاب الفضل والسعة أن يوسعوا الناس من مالهم وحسن أخلاقهم، وذلك طمعا في مغفرة الله لهم . قال الله تعالى : «وَلاَ يَأْتَلِ اُولُواْ الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ» (النور/ 22) ونستوحي من الآية؛ إن الأغنياء والعلماء والوجهاء والمسؤولين أولى من غيرهم بالعفو، عمن هو أقل منهم درجة.

4/ وعلى المؤمنين أن يحذروا أقرب الناس إليهم، ولكن في ذات الوقت لا يغلظون عليهم ، بل يصفحون عنهم ويغفرون لهم (لكي لا ينفروا الناس عن دين الله). قال الله تعالى: «يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلاَدِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِن تَعْفُواْ وَتَصْفَحُواْ وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ » ( التغابن / 14) .

ولعل معنى العداوة هنا، إنهم فتنة للانسان.

5/ إن كل إنسان ينتظر العفو من ربه، فعليه أن يعفو عمن هو دونه ليغفر الله له . قــال الله تعالى: «إِن تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَن سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوّاً قَدِيراً» (النساء/ 149).

6/ ورغّب الله سبحانه في العفو عن سيئات الآخرين، ووعدهم بالأجر الذي ضمنه لهم. قال الله سبحانه: «وَجَزآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَاَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ » (الشورى/ 40) .

7/ والله سبحانه أمر رسوله بالعفو، (فأحرى بنا من أن نتبعه). قال الله سبحانه: «فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُـحْسِنِينَ » (المائدة/13) 8/ وحتى مع الكفار من أهل الكتاب، الذين ودّوا لو يكفر المسلمون، أمر الله بالصفح والعفو عنهم، حتى يأتي الأمر بمواجهتهم. (لعل الصفح جاء في ظروف التعايش السلمي معهم). قال الله سبحانه: «وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِندِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِاَمْرِهِ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ » (البقرة / 109) 9/ كذلك العفو محمود بالنسبة الى التائبين من المشركين، الذين أمر الله بإطلاق سراحهم إن هم إلتزموا بشروط التوبة. قال الله تعالى: «فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الْصَّلاَةَ وَءَاتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ » (التوبة/ 5 ) .

10/ (ومن عفى فإنما ابتغى أجر ربه)، ومن عفي لـه من أخيه فعليه أن يتبع عفوه بالمعروف. قال الله تعالى: «فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالمَعْرُوفِ» (البقرة / 178) .

في رحاب الأحاديث 1/ قال رسول الله صلى الله عليه وآله في خطبته: ألا أخبركم بخيـر خلائق الدنيــا والآخـــرة ؟ العفو عمن ظلمك، وتصل من قطعك ، والاحسان الى من أساء إليك، واعطاء من حرمـك. ([111]) 2/ قال رسول الله صلى الله عليه وآله: عليكم بالعفو، فان العفو لا يزيد العبد إلاّ عزّاً، فتعافوا يعزّكم الله. ([112]) 3/ عن حمران، عن أبي جعفر (الإمام محمد الباقر) عليه السلام قال: الندامة على العفو أفضل وأيسر من الندامة على العقوبة. ([113]) 4/ قال أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام: العفو تاج المكارم .([114]) 5/ قال الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام: ثلاث من مكارم الدنيا والآخرة؛ تعفو عمّن ظلمك، وتصل من قطعك، وتحلم اذا جهل عليك. ([115]) 6/ قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا أوقف العباد نادى مناد: ليقم من أجره على الله، وليدخل الجنة. قيل: من ذا الذي أجره على الله ؟ قال : العافون عن الناس. ([116]) 7/ وقال صلى الله عليه وآله: تعافوا تسقط الضغائن بينكم. ([117]) 8/ وقال صلى الله عليه وآله: إن الله عفوّ يحب العفو. ([118]) 9/ وقال صلى الله عليه وآله: رأيت ليلة اُسري بي قصوراً مستويةً مشرفةً على الجنة، فقلت: يا جبريل لمن هذا ؟ فقال: للكاظمين الغيظ، والعافين عن الناس، والله يحب المحسنين. ([119]) 10/ وقال صلى الله عليه وآله: من أقال مسلماً عثرته، أقال الله عثرته يوم القيامة. ([120]) 11/ قال الإمام الصادق عليه السلام : إنا أهل بيت مروّتنا العفو عمّن ظلمنا. ([121]) 12/ قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من كثر عفوه مدّ في عمره. ([122]) 13/ عن ابن فضال قال: سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول : ما التقت فئتان إلاّ نُصر أعظمهما عفواً. ([123]) 14/ قال رسول الله صلى الله عليه وآله: عفو الملك، عقال الملك. ([124]) 15/ وقال صلى الله عليه وآله: عفو الملك أبقى للملك. ([125]) 16/ وقال صلى الله عليه وآله: تجاوزوا عن الذنب مالم يكن حدّاً. ([126]) 17/ وقال صلى الله عليه وآله: تجاوزوا عن ذنوب الناس يدفع الله عنكم بذلك عذاب النـار. ([127]) 18/ وقال صلى الله عليه وآله: تجاوزوا عن عثرات الخاطئين يقيكم الله بذلك سوء الأقــدار. ([128]) 19/ قال أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام: شيئان لايوزن ثوابها؛ العفو والعدل. ([129]) 20/ وقال عليه السلام: قلّة العفو أقبح العيوب، والتسرّع الى الانتقام أعظم الذنوب. ([130]) 21/ وقال عليه السلام: شر الناس من لا يعفو عن الزلّة، ولا يستر العورة. ([131]) 22/ ومن كتاب كتبه عليه السلام للأشتر لما ولاّه مصر، جاء فيه: ولا تكونن عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان: إما أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق، يفرط منهم الزلل، وتعرض لهم العلل، ويؤتى على أيديهم في العمد والخطأ، فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب وترضى أن يعطيك الله من عفوه وصفحه... ولا تندمن على عفو ولا تبجحن بعقوبة. ([132]) التواضع شرف ماهي حقائق التواضع، وكيف تتصل بكلمة الصدق وروح الايمان، ولمن يتواضع المؤمن؟ الإجابة عن هذه الأسئلة تعرفنا بهذه القيمة، كما تزيدنا وعياً بآفاق الشرف الانساني الرفيع.

أولاً: حقائق التواضع الضعة في النفس تورث الكبر، لأن الحقير في نفسه يحاول جبر إحساسه الداخلي بالصغار، باظهار الرفعة والعلو، وإرتداء ثوب التكبر الفضفاض. بينما ميراث شرف النفس التواضع. وهكذا جاء في الحديث المأثور عن الإمام الصادق عليه السلام: "ما من رجل تكبّر أو تجبّر إلاّ لذلّة وجدها في نفسه". ([133]) وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: "لا حسب إلاّ بتواضع"، ([134]) وقال الإمـام علــي عليــه السلام: "التواضع زينة الحسب"، ([135]) وقال الإمام علي عليه السلام: "التواضع زكاة الشرف". ([136]) 1/ ونستفيد من آية كريمــة؛ إن التواضــع الحميــد هو الذي يفيــض من قلـب مفعـم بالعــزة والكرامة. قال الله سبحانه في صفة خيرة المؤمنين: «يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرينَ يُجَاهِـدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلـِيــمٌ» (المائدة/54) إن صلة هذه الطائفة المختارة من المؤمنين، صلتهم بربهم التي سمت الى درجة الحب المتبادل، حيث أن الله يحبهم وهم يحبونه، جعلهم يحبون بعضهم ويتساهلون في علاقاتهم حتى يحسب الناظر إليهم أنهم أذلة على بعضهم.

بلى؛ إن ذلتهم ليست لبعضهم، وإنما على بعضهم؛ أي تبقى الكرامة هي شعورهم الداخلي.

أوليسوا هم عباد الله المكرمين، الذين لا يشعرون بالضعف ولا بالهوان ولا بالذل؟ وكيف يكون ضعيفاً من يتوكل على الله، وكيف يكون ذليلاً مَن يستمد القوة من ربه القوي العزيز؟ قال الله سبحانه: «يَقُولُونَ لَئِن رَجَعْنَآ إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ» (المنافقون/8) 2/ الرحمة ينبوع التواضع، فالقلب الرحيم الذي لا ينغلق على ذاته، ولا يفكر فقط في مصالحه، بل يرفرف في رحاب البشر، بل في رحاب الخليقة، ويفكر في خير الجميع.. ذلك القلب يفيض منه التواضع؛ والذي يتجلى في خفض الجناح كما الطير يخفض جناحه لافراخه رحمة بها وتمهيداً لاطعامها، كذلك الولد الوفي يخفض جناحه لوالديه شكراً لهما على ما بذلاه في خدمته حينما كان صغيراً، وكانا يخفضان لـه أجنحة الرحمة لتربية روحه بالعاطفة، وجسمه بالطعام والشراب، وعقله بالتعليم والتأديب.

هذا بعض ما نستوحيه من قول الله سبحانه: « وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً» (الاسراء/24) وفي كلمات النبي وأهل بيته عليه وعليهم صلوات الله وسلامه تبيان حقائق التواضع، وبتعبيرات بالغة الوضوح.

أ- فأبرز حقائق التواضع؛ العبادة الخالصة لله سبحانه. ولقد جاء في بيان فلسفة العبادات عن الإمام علي عليه السلام: "... ولما في ذلك من تعفير عتاق الوجوه بالتراب تواضعاً، والتصاق كرائم الجوارح بالأرض تصاغراً، ولحوق البطون بالمتون من الصّيام تذلُّلاً ". ([137]) وفي حديث آخر عن حكمة إجتباء النبي موسى عليه السلام، روي عن الإمام الصادق عليه السلام، أنه قال: "أوحى الله عز وجل الى موسى عليه السلام: أن يا موسى أتدري لم اصطفيتك بكلامي دون خلقي؟ قال: يا ربِّ ولم ذاك؟ قال: فأوحى الله تبارك وتعالى إليه أن يا موسى إنّي قلّبت عبادي ظهراً لبطن، فلم أجد فيهم أحد أذلّ لي نفساً منك. يا موسى إنّك إذا صلّيت وضعت خدَّك على التراب أو قال: على الأرض -". ([138]) إذاً التذلل لله وإظهار العبودية بارغام الوجه والخد في التراب، من حقائق التواضع والعبودية لرب العالمين سبحانه. وتتجلى هذه الصفة في الأنبياء عليهم السلام والملائكة، حيث جاء في الحديث في صفة الرسل عليهم السلام عن الامام علي عليه السلام: "ولكنّه سبحانه كرّه إليهم التكابر، ورضى لهم التواضع، فألصقوا بالأرض خدودهم، وعفّروا في التراب وجوههم، وخفضوا أجنحتهم للمؤمنين". ([139]) وأيضاً قال عليه السلام في صفة الملائكة: "جعلهم الله فيما هنالك أهل الأمانة على وحيه، وحمّلهم الى المرسلين ودائع أمره ونهيه.... وأشعر قلوبهم تواضع إخبات السكينة". ([140]) كما تتجلى في أولياء الله المتقين، حيث جاء في الحديث عن الامام علي عليه السلام : "ملبسهم الإقتصاد، ومشيهم التواضع". ([141]) ب- ومن حقائق التواضع البساطة في المأكل والمشرب والثياب.

وقد زهد النبي في طعام الدنيا تواضعاً، كما نقرء في الرواية التالية، عن الإمام الصادق عليه السلام، أنه قال: "أفطر رسول الله صلى الله عليه وآله عشيّة خميس في مسجد قبا، فقال: هل من شراب؟ فأتاه أوس بن خولي الانصاري بعُسّ مخيض بعسل. فلما وضعه على فيه نحّاه، ثم قال: شرابان يكتفى بأحدهما من صاحبه، لا أشربه ولا اُحرّمه، ولكن أتواضع لله. فإن من تواضع لله رفعه الله، ومن تكبّر خفضه الله، ومن إقتصد في معيشته رزقه الله، ومن بذّر حرمّه الله، ومن أكثر ذكر الموت أحبه الله". ([142]) ونقرء في رواية أخرى تحريضاً على بساطة الملبس تواضعاً لله، عن رسول الله صلى الله عليه وآله، أنه قال: "من ترك زينة لله، ووضع ثياباً حسنة تواضعاً لله وابتغاء وجهه، كان حقاً على الله أن يكسوه من عبقريّ الجنّة في تخات الياقوت". ([143]) ج- ومن التواضع إنتخاب المجلس دون شرف المجلس، والسلام على الناس، وترك المراء حتى ولو كان محقاً. وحسب المرء من التواضع أن يعرف قدره، وأن يعطي الناس ما يحب أن يُعطى مثله.

وبمثل هذا وردت أحاديث؛ عن أبي الحسن عليه السلام قال: "التواضع أن تعطي الناس ما تحب أن تُعطاه".

وفي حديث آخر قال: "قلت: ما حدّ التواضع الذي إذا فعله العبد كان متواضعاً؟ فقال: التواضع درجات منها أن يعرف المرء قدر نفسه فينـزلها منـزلتها بقلب سليم، لا يحب أن يأتي الى أحد إلاّ مثل ما يؤتي إليه إن رأى سيئة درأها بالحسنة، كاظم الغيظ، عاف عن الناس، والله يحب المحسنين". ([144]) وروي عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام، عن آبائه عليهم السلام، قال: "ان من التواضع أن يرضى الرجل بالمجلس دون المجلس، وأن يسلّم على من يلقي، وأن يترك المراء وأن كان محقاً، ولا يحب أن يحمد على التقوى". ([145]) ثانياً: التواضع؛ شرف وصدق وعبادة كيف تتصل قيمة التواضع بكلمة الصدق التي هي شرف المؤمن، ومن أفضل العبادة؟ 1/ ليس من التواضع أن يهين الإنسان نفسه، لأن الله سبحانه لم يسمح للمؤمن أن يذل نفسه. أوليس الله قد أغناه بعبادته عن عبادة خلقه، وأكرمه بالسجود له دون السجود لما سواه، فكيف يرضى له بالتذلل لأحد غيره سبحانه؟ وقد أمر ربنا سبحانه بالكفر بالطاغوت ولم يأمر بالتواضع لـه، لأن ذلك أساساً ليس تواضعاً، بل ضعة وهواناً. أولم يقل ربنا سبحانه: «لآ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لاَانفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» (البقرة/256) وهكذا لا يجتمع الكفر بالطاغوت مع الخضوع له والتذلل لسلطانه، وورد في الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام، أنه قال: "أيّما مؤمن خضع لصاحب سلطان أو من يخالطه على دينه طلباً لما في يديه من دنياه، أخمله الله ومقته عليه ووكله إليه، فإن هو غلب على شيء من دنياه وصار في يده منه شيء نزع الله البركة منه، ولم يأجره على شيء ينفعه في حج ولا عمرة ولا عتق". ([146]) 2/ ولم يرض ربنا سبحانه بالتواضع للأغنياء، لأنه هوان وصغار. قال الله سبحانه: «فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَالَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَآ اُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ» (القصص/79) إن الله قص علينا قصة قارون، الذي إغتر البعض بمظاهر زينته، وتمنوا أن يكون لهم مثلما كان لـه، فلما خسف به وبداره الأرض، أصبحوا يقولون: ويكأنه لا يفلح الظالمون. والعبرة فيها ضرورة تجنب الاغترار باصحاب الثروة.

وقد جاء في الحديث عن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من أتى ذا ميسرة فتخشّع لـه طلب ما في يديه، ذهب ثلثا دينه. ثم قال: ولا تعجل وليس يكون الرّجل ينال من الرجل المرفق فيجلّه ويوقّره فقد يجب ذلك لـه عليه، ولكن تراه أنه يريد بتخشّعه ما عند الله، أو يريد أن يختله عمّا في يديه". ([147]) بل إعتبر الدين من الخلق الحسن تيه الفقراء على الأغنياء. لنستمع الى الرواية المأثورة عن الإمام علي عليه السلام، حيث قال: "ما أحسن تواضع الأغنياء للفقراء طلباً لما عند الله، وأحسن منه تيه الفقراء على الأغنياء إتكالاً على الله". ([148]) بل التواضع حقاً هو الذي يصدر من الإحساس بالرفعة، كما أن العفو هو الذي يصدر من المقتدر. هكذا نقرء في النص التالي عن الرسول صلى الله عليه وآله: "أفضل الناس من تواضع عن رفعة". ([149]) وهكذا ينبغي أن يقرن التواضع بالإحساس بالشخصية. إقرء الرواية التالية عن الرسول صلى الله عليه وآله، إذ قال: "طوبى لمن تواضع لله تعالى في غير منقصة، وأذلّ نفسه في غير مسكنة". ([150]) وقد إستلهمنا من آية كريمة سبق القول فيها، أن التواضع المطلوب وخفض الجناح هو الذي يكون من الرحمة. والرحمة هي إحسان وعطاء وتفضل، وليس خضوعاً واستجداءً. وبتعبير آخر؛ الرحمة هي ميراث الشرف الذي يحس به الانسان، وهو بدوره ميراث الصدق.

ثالثاً: لمن التواضع؟ السؤال؛ من يتواضع لمن؟ إنما يتواضع الكبير للصغير؛ النبي لأمته، والوالد لولده، وعند حاجة الوالدين الى الرحمة بعد كبر سنهما فالولد يخفض جناحه لهما، وهكذا..

والمؤمنون يتواضعون لبعضهم، لأن كل واحد منهم راع، وكل راع مسؤول عن رعيته، وكل واحد منهم مستوصى بالاخرين، لكي لا يستكبر الغني منهم على الفقير، والقوي منهم على الضعيف، والحاكم منهم على المحكوم.

بلى؛ عندما يتواضع المؤمن لربه، فانه يتواضع عن ذلة وعبودية. ولكن تجلي هذه الصفة ستكون في علاقة المؤمنين مع بعضهم، أو علاقة المؤمن بالناس الذين هم خلق الله.

1/ وهكذا أمر الله النبي صلى الله عليه وآله أن يخفض جناحه للمؤمنين، قال الله تعالى: «لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ» (الحجر/88) ونستوحي البصائر التالية من هذه الآية الكريمة:

ألف: النهي عن نظر الطمع الى ما متّع الله الناس بها.

باء: إن القرآن نزل حسب بعض النصوص على لغة إياك اعني واسمعي يا جارة. فالخطاب ظاهراً موجه الى الرسول، ولكنه يعني كل من يتولى موقعه من الدعاة الى الله والقادة. وقد جاء في الحديث عما يخص العلماء عن الإمام الصادق عليه السلام، أنه قال: تواضعوا لمن تعلمونه العلم، وتواضعوا لمن طلبتم منه العلم، ولا تكونوا علماء جبارين فيذهب باطلكم بحقكم. ([151]) وجاء في حديث مفصل كيف كان قادتنا يتواضعون للناس، إقرء وتأمل الحديث التالي عن الإمام العسكري عليه السلام: أعرف الناس بحقوق إخوانه وأشدهم قضاء لها أعظمهم عند الله شأناً، ومن تواضع في الدنيا لإخوانه فهو عند الله من الصدّيقين، ومن شيعة عليّ بن أبي طالب عليه السلام حقاّ. ولقد ورد على أمير المؤمنين أخوان لـه مؤمنان: أب وإبن، فقام إليهما وأكرمهما وأجلسهما في صدر مجلسه وجلس بين يديهما، ثمَّ أمر بطعام فاُحضر فأكلا معه، ثمَّ جاء قنبر بطست وإبريق خشب ومنديل لييبس، وجاء ليصبّ على يد الرجل، فوثب أمير المؤمنين عليه السلام وأخذ الابريق ليصبَّ على يد الرجل فتمرَّغ الرجل في التراب، وقال: يا أمير المؤمنين الله يراني وأنت تصبُّ على يدي؟ قال: اقعد واغسل فإنَّ الله عزّ وجلّ يراك وأخوك الذي لا يتميّز منك ولا يتفضّل عليك يخدمك، يريد بذلك في خدمته في الجنة، مثل عشرة أضعاف عدد أهل الدنيا، وعلى حسب ذلك في مماليكه فيها.

فقعد الرجل، فقال لـه الإمام علي عليه السلام: أقسمت عليك بعظم حقّي الذي عرفته وبجّلته وتواضعك لله حتى جازاك عنه، بأن ندبني لما شرَّفك به من خدمتي لك، لمّا غسلت مطمئناً كما كنت تغسل لو كان الصابُّ عليك قنبر. ففعل الرَّجل ذلك، فلما فرغ ناول الابريق محمد بن الحنفية، وقال: يا بنيَّ لو كان هذا الإبن حضرني دون أبيه لصببت على يده، ولكنَّ الله عزّ وجلّ يأبى أن يسوى بين إبن وأبيه إذا جمعهما مكان، لكن قد صبَّ الأب على الأب، فليصبَّ الإبن على الإبن. فصبَّ محمد بن الحنفية على الإبن. ثمَّ قال الإمام الحسن بن عليّ العسكري عليه السلام: فمن اتّبع علياّ عليه السلام على ذلك فهو الشيعي حقّاً". ([152]) جيم: يبدو أن من حقائق خفض الجناح، التشاور مع الناس، والعفو عن أخطائهم، ولعل هذا الأخير هو المراد من قوله سبحانه: «لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ» (الحجر/88) 2/ قال الله سبحانه:« فَبِمَـا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ » (آل عمران/159) 3/ وقال الله سبحانه: «وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ المُؤْمِنِينَ» (الشعراء/215) وقد ورد في تفسير هذه الآية عن الامام الصادق عليه السلام: وقد أمر الله عز وجل أعز خلقه وسيد بريته محمداً صلى الله عليه وآله بالتواضع، فقال عز وجل: «وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ المُؤْمِنِينَ» والتواضع مزرعة الخشوع والخضوع والخشية والحياء، وإنهن لا يأتين إلاّ منها وفيها، ولا يسلم الشرف التام الحقيقي إلاّ للمتواضع في ذات الله تعالى. ([153]) رابعاً: فوائد التواضع وفي الأحاديث الشريفة تبيان لفوائد التواضع، نبيّن بعضاً منها:

قال الامام علي عليه السلام: "ثمرة التواضع المحبة، ثمرة الكبر المسبّة". ([154]) وقال عليه السلام: "التواضع يكسبك السلامة". ([155]) وقال عليه السلام: "التواضع يكسوك المهابة". ([156]) وقال عليه السلام: "من تواضع قلبه لله، لم يسأم بدنه من طاعة الله". ([157]) وقال عليه السلام: "بخفض الجناح تنتظم الأمور". ([158]) وقال الإمام الكاظم عليه السلام: "إن الزرع ينبت في السّهل ولا ينبت في الصّفا، فكذلك الحكمة تعمر في قلب المتواضع، ولا تعمر في قلب المتكبر الجبار، لأن الله جعل التواضع آلة العقل، وجعل التكبر من آلة الجهل...". ([159]) وقال الإمام علي عليه السلام: "بالتواضع تتمّ النعمة". ([160]) وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: "إن التواضع يزيد صاحبه رفعة، فتواضعوا يرفعكم الله". ([161]) وقال الإمام الكاظم عليه السلام: "إن الله لم يرفع المتواضعين بقدر تواضعهم، ولكن رفعهم بقدر عظمته ومجده". ([162]) وقال الإمام علي عليه السلام: "ما من أحد من ولد آدم إلاّ وناصيته بيد ملك، فإن تكبر جذبه بناصيته إلى الأرض وقال له: تواضع، وضعك الله! وإن تواضع جذبه بناصيته، ثم قال له: إرفع رأسك، رفعك الله، ولا وضعك بتواضعك الله". ([163])

النصح في القول والعمل


/ 29