تشریع الاسلامی، مناهجه و مقاصده جلد 9

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

تشریع الاسلامی، مناهجه و مقاصده - جلد 9

سید محمد تقی مدرسی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید




ما هي النصيحة، وما هي مصاديقها وحقائقها، وكيف تتصل بحقيقة الايمان، وما هي مسؤولية الناصح ومسؤولية من ينصحه؟ أبرز حقائق النصحية في الكتاب اثنتان؛ الأولى: ابلاغ رسالات الله بأمانة. الثانية: الاخلاص لله وللرسول في القول والفعل.


وإذا كانت الحقيقة الأولى للنصيحة تأتي من قبل رسل الله، فان الحقيقة الثانية تعتبر بمثابة استجابة لها من قبل المؤمنين الصادقين.


وتتسع كلمة النصيحة لتشمل الصدق في ابلاغ الخبر، لاسيما عندما يكون الخبر غير مريح لمن يبلغ، كما إذا انذره بخطر قريب، أو أهدى إليه عيبه ونصحه بالاجتناب منه. كما تشمل النصيحة الصدق في التعامل مع الاصدقاء واستفراغ الجهد لتحقيق أهدافهم في غيبتهم، وهي المناصحة.


وهكذا نتابع الحديث عن النصيحة باذن الله.

حقائق النصيحة


1/ كان النبي موسى سلام الله عليه في باكورة نهضته ضد آل فرعون، وكان قد قتل منهم رجلاً ظالماً، وكانت المؤامرة تحاك ضده في أروقة الظالمين ليأخذوه ويقتلوه، وكان في تلك الأروقة مؤمن يتحسس الأنباء لموسى عليه السلام، وكانت المسافة بين موقعه ومنـزل النبي موسى طويلة، وكان اخبار النبي موسى بالمؤامرة خطراً على الرجل، ولكنه كان يرفع الخطر عن موسى عليه السلام.


كما كان صعباً على النبي موسى عليه السلام أن يستجيب لنصيحة الرجل ويهيم على وجهه في الصحراء، ولكنه فعل.


هذه هي أبرز حقائق النصيحة في الحياة الدنيا، لأنها تحتوي على عناصر مثيرة، مثل تسلل المؤمن الى أجهزة العدو، ووجود ثورة إلهية، ثم إحاطة الخطر بالقائد، ثم هجرة القائد من البلد لكي لا يجهز على نهضته في المهد.


تعالوا نتدبر في الآية الكريمة: «وَجَآءَ رَجُلٌ مِنْ اقْصَا الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ» (القصص/20) ونستوحي من الآية حقائق النصيحة التي نجدها أيضاً في النصوص التالية.


2/ وقد يكون الناصح كاذباً، والنصيحة خديعة، ولكنها تتلبس بذات مواصفات النصيحة الصادقة التي سبق الحديث عنها، كالتي نجدها عند ابليس عندما دل بغرور أبانا آدم عليه السلام وزوجته على شجرة زعم أنها تثمر الخلد وملك لا يُبلى.. وحلف لهما يميناً أنه من الناصحين.


لقد لبّس كذبته بكل عناصر النصيحة، حيث زعم أنه يدلهما إلى ما هو خير لهما؛ أي الدلالة إلى ما يضمن لهما الخلد والملك (شهوة البقاء وشهوة الامتلاك)، وإستخدام الإحساس بالشرف والذي كان عند أبينا آدم عليه السلام (بصفته الانسان السوي)، وحيث أنه عليه السلام كان صادقاً وكان مستغرباً عنده أن يحلف أحد بالله كاذباً، إلى درجة كذبه في مقام النصح. قال الله سبحانه: «وَيَآ ءَادَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَـا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ * فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُرِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلآَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الخَالِدِينَ * وَقَاسَمَهُمَآ إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ» (الاعراف/ 19 -21) 3/ ويتجلى صدق الانسان في كلمته، وفي عمله. والصدق هو أداء حق الناس تماماً، وحق الناس في الكلمة ألاَّ يقول لهم إلاّ الحق.


وحقهم في الفعل بذل ما في الوسع من جهد لمصلحتهم، كما تفعل الأم الحنون لولدها الرضيع، وكما ينبغى أن يفعله الأخ الكبير لأخيه الضعيف عند غياب والديه عنه. من هنا أخبرت أخت موسى عليه السلام- وقد إلتقطه من اليم آل فرعون، وحرّم الله عليه المراضع - أخبرتهم أنها تعرف أهل بيت يكفلونه وهم لـه ناصحون، وكانت تعني أهل بيت موسى.


بلى؛ وأي انسان أشد عطفاً على الرضيع من والديه؟ قال الله سبحانه: «وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ» (القصص/12) ويخالف النصيحة للرسول الاعتذار عن الحرب بين يديه بالكذب، بينما إذا كان صادقاً في القعود عن القتال كان عليه ان يخلص في سائر مسؤولياته، فيؤيد المجاهدين بالمال وبالكلمة الطيبة وما أشبه.


وفي الأحاديث المروية عن النبي وأهل بيته عليه وعليهم السلام ما تأمر بالنصيحة العملية لخمس جهات، حيث جاء في الرواية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وآله، أنه قال: "من يضمن لي خمساً أضمن لـه الجنة. قيل: وما هي يا رسول الله؟ قال: النصيحة لله عزّ وجلّ، والنصيحة لرسوله، والنصيحة لكتاب الله، والنصيحة لدين الله، والنصيحة لجماعة المسلمين. ([164]) وهذه هي النصيحة في العمل بالوفاء التام بكل الحقوق المفروضة لهذه الجهات، الله ورسوله وكتابه ودينه وجماعة المسلمين، إذ لا معنى لتقديم النصح في القول لكتاب الله مثلاً.


ومن مصاديق النصيحة العملية ما نقرءه في الحديث التالي، الذي روي عن العالم (الإمام موسى الكاظم) عليه السلام في كلام طويل: ثلاث لا يغلُّ عليها قلب امرئ مسلم؛ اخلاص العمل لله، والنصيحة لأئمة المسلمين، واللزوم لجماعتهم. وقال: حقّ المؤمن على المؤمن أن يمحضه النصيحة في المشهد والمغيب، كنصيحته لنفسه. وروي؛ من مشى في حاجة أخيه فلم يناصحه كان كمن حارب الله ورسوله. ([165]) 4/ وكانت هذه هي مسؤولية إخوة النبي يوسف تجاه أخيهم يوسف عليه السلام، عندما استأمنه عندهم أبوهم يعقوب عليه السلام، ولكنهم خانوا الأمانة، حيث إن الأخ يجب أن يبذل قصارى جهده للمحافظة على أخيه الصغير عند غياب والديه، ولكنهم لم يفعلوا فاستحقوا العتاب. قال الله سبحانه: «قَالُوا يَآ أَبَانَا مَالَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ» (يوسف/11) وهكذا نستفيد معاني النصحية الفعلية من هاتين الآيتين؛ فهي المزيد من الاهتمام في الحفظ، وفي أداء الخدمة المناسبة باخلاص من دون غش أو غل أو تهاون.


5/ ومن هذه النصيحة العملية تلك التي أمرنا بها تلقاء الله والأنبياء والأئمة، حيث قال الله سبحانه: «لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَآءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لايَجِدُونَ مَايُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى اَلْمُـحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ» (التوبة/91) ويجعل الإمام الصادق عليه السلام المناصحة للمؤمن من الواجبات، حيث يقول: "يجب للمؤمن على المؤمن أن يناصحه". ([166]) 6/ والنصيحة القولية هي من أسمى الفرائض التي قام بها رسل الله، حيث أبلغوا رسالات ربهم باخلاص. قال الله سبحانه: «اُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَتَعْلَمُونَ» (الاعراف/62) وهكذا كان نوح النبي عليه السلام مثلاً في تقديم النصح لقومه، إذ دعاهم الى الله ربهم ونبذ الشركاء من دونه لعلهم يفلحون.


7/ ولكن الناس لا يحبون - عادة- الناصحين، لانهم يدعونهم الى اصلاح ما زين لهم من عقائد فاسدة وفواحش اعتادوا على ارتكابها. يقول ربنا تعالى: «فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَاقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاتُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ» (الاعراف /79) ونستوحي من الآية بصيرتين:


أ- إن النصح وابلاغ الناس كلمة الحق واجب صعب مستصعب، لأن الناس يرفضون عادة ذلك ويرجمون الناصحين بالتهم وينابذونهم بالعداء، كما فعلت الأمم برسل الله. ومنهم ثمود، حيث تحدّوا النبي صالح عليه السلام وهمّوا به، فأخذهم الله بعذاب بئيس.


ب- إن على الانسان أن يستجيب للناصح قبل أن يقع في ورطة ما ينذره منها، فاذا أنذرك الطبيب عن مغبة التمادي في عمل، وقال لك: إنك سوف تفقد صحتك، فلم تقبل منه، وقعت في مهلكة المرض.. أليس كذلك؟ وقد أمرت النصوص الشرعية بالنصيحة، وأمرت بقبولها. تعالوا نستمع الى بعضها:


روي عن عبد الرحمن بن الحجاج قال: سمعت (الإمام) الصادق عليه السلام يقول: "من رأى أخاه على أمر يكرهه فلم يردَّه عنه، وهو يقدر عليه، فقد خانه. ومن لم يجتنب مصادقة الأحمق، أوشك أن يتخلّق بأخلاقه". ([167]) وهكذا اعتبرت الرواية الكف عن نصيحة الأخ الايماني خيانة به.


وعن أبي جعفر الثاني (الإمام محمد الجواد) عليه السلام قــال: "المؤمــن يحتاج الى خصــال؛ توفيق من الله، وواعظ من نفسه، وقبول ممن ينصحه". ([168]) وعن أبي الحسن الثالث (الإمام علي الهادي) عليه السلام أنه قال لبعض مواليه: "عاتب فلاناً وقل لـه: إن الله إذا أراد بعبد خيراً إذا عوتب قبل". ([169]) 8/ إنما الاستجابة للناصح توفيق كبير، وإنما بالاستعانة بالله سبحانه يسمو البشر الى درجة قبول النصح. ألا تقرء قوله تعالى: «وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ» (هود/34) فالله سبحانه هو الذي يهدي عباده، ومن يريد الله أن يضله فلن تجد لـه ولياً مرشداً. ومن هنا فعلينا أن نسأل الله توفيق قبول النصح.


9/ وللنصيحة بالكلمة حدّ، وحدّها ردّ النصيحة من قبل المستنصح. فلا ينبغي آنئذٍ أن يحزن الناصح، لأنه قد قام بواجبه. قال الله سبحانه: «فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ ءَاسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ» (الاعراف/93) وهكذا نجد النبي شعيب عليه السلام يترك قومه الكافرين ويتولى عنهم دون أن يحزن عليهم، لأنهم كفروا بنعمة النصيحة، وكفروا بالله. فهم وليس الناصح يتحملون مسؤولية كفرهم.


وهذه البصيرة مهمة جداً عند ابلاغ الرسالة والدعوة الى الخير، لأنها تتصل بسنة الابتلاء. وإن الأنبياء ومن يتبعهم لا يريدون إكراه الناس على الهدى، وإنما إتمام الحجة. وإن على الانسان أن يختار طريق الحق بحرية تامة، لينال كرامة الله سبحانه.


10/ وعلى الناصح أن يكون أميناً، فلا يدخل مصالحه وحمياته وذاتياته في الحقائق التي يبلغها للناس. وهكذا كان الأنبياء عليهم السلام الذين اختارهم الله لرسالاته وعصمهم من الخطايا والزلل. فقال ربنا سبحانه (على لسان النبي هود عليه السلام): «اُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ» (الاعراف/68) وهكذا أضاف ربنا كلمة الأمين الى كلمة الناصح لكي نعرف مدى صدق الأنبياء عليهم السلام، ومدى خلوص نصائحهم من أية شائبة؛ من هوى ذاتي، أو حمية قومية، أو جهل، أو جهالة. حاشا لله أن يبعث رسلاً تلك صفاتهم، وهم عليهم السلام قد قالوا بكل وضوح أنهم لا يريدون من الناس أجراً. «قُلْ مَآ أَسْاَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلاَّ مَن شَآءَ أَن يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً» (الفرقان/ 57) وهكذا ينبغي أن يكون الناصح، حيث جاء في الحديث عن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام، قال: "من استشار أخاه فلم يمحضه محض الرّأي سلبه الله عزّ وجلّ رأيه". ([170]) وجاء في حديث آخر عن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، أنه قال: "امحض أخاك بالنصيحة؛ حسنة كانت أو قبيحة، وساعده على كل حال، وزل معه حيثما زال، ولا تطلبن منه المجازاة فانّها من شيم الدناة". ([171])

فقـه الآيـات


متى تجب النصيحة في القول والفعل، ومتى تكون مندوبة، ومتى لا ينبغي الاسترسال فيها؟ الف: في النصيحة القولية فروع..


1/ إذا دخلت النصيحة القولية في دائرة الدعوة الى الحق، مثل ابلاغ رسالات الله سبحانه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كانت واجبة. كذلك إذا استلزم تركها ضياع قيمة من قيم الدين، نعلم من الشرع يقيناً أن الله لا يرضى بضياعها. مثلاً؛ إذا أدى التهاون في نصيحة شخص الى قتله، أو انتهاك عرضه، أو وقوعه في ضرر كبير، أو أدى ترك النصيحة الى انهيار حركة رسالية ونهضة دينية، أو أدى الى غلبة الطغاة على المسلمين، أو ما أشبه.. فانها تكون واجبة حتى ولو استوجبت بذل جهد بالغ، كما فعل مؤمن آل فرعون حيث سعى الى النبي موسى عليه السلام من أقصى المدينة، ونصحه بمغادرة البلاد وأخبره بالمؤامرة على قتله.


2/ وإذا كانت النصيحة تؤدي الى توفر مصلحة الإخوان، ليست مصلحة ضرورية؛ كما إذا نصحت أخاك بشراء منـزل ينفعه، أو الدخول في صفقة يستفيد منها، أو ترك عادة يتضرر منها ضرراً ليس ببالغ.. في كل هذه الحالات تبدو النصيحة مستحبة.


كما أن الأمر بالمستحب مستحب، وكذلك النهي عن المكروه مندوب شرعاً، حسبما ذكر في الفقه.


3/ وقد تصبح النصيحة غير مطلوبة، كما إذا تمادى الكفار بعد ابلاغهم الرسالة في كفرهم، فإن مسؤولية الرسل ومن هم على نهجهم تنتهي عند هذا الحد. وقد رأينا كيف أن الأنبياء عليهم السلام تولّوا عن الأمم الكافرة بعد أن تمادت في الغواية.


باء/ أما النصيحة العملية؛ أي أداء حقوق الناس إليهم إذا احتملها المؤمن، وعدم بخسهم أشياءهم، فانها واجبة إذا كان تركها يعد خيانة وتضييعاً لحقوق الناس وظلماً لهم. وذلك مثل أن تتعهد ببناء بيت لأحد ثم لا تناصحه في توفير المواد الإنشائية الضرورية. ومعيار وجوب المناصحة هنا، ما يكون تركه سبباً للظلم أو الخيانة.


أما إذا لم يكن كذلك فالمناصحة مستحبة، كما إذا تعهدت بالبناء فبذلت جهداً كافياً لتنفيذ ما توافقت مع صاحب المال، ولكن كان بامكانك أن تبذل المزيد من الجهد حتى يصبح البناء ممتازاً، فان هذه هي المناصحة التي لا تبدو واجبة، ولكنها تدخل في دائرة حقوق الاخوان على بعضهم، والتي يلتزم بها المؤمن إحساناً وتفضلاً. والله المستعان.

في رحاب الأحاديث


في أحاديث أهل البيت عليهم السلام آداب رفيعة في النصيحة، نستعرض جانباً منها:


ألف/ الحث على المشي بين الخلق بالنصيحة.


قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "إن أعظم الناس منـزلة عند الله يوم القيامة أمشاهم في أرضه بالنصيحة لخلقه. ([172]) وروي عن سفيان ابن عيينة قال: سمعت أبا عبد الله (الإمام الصادق) عليه السلام يقول: "عليكم بالنصح لله في خلقه، فلن تلقاه بعمل أفضل منه". ([173]) وقال الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: "النصح ثمرة المحبّة". ([174]) وقال الإمام الصادق عليه السلام: "المؤمن أخو المؤمن، يحقّ عليه النصيحة". ([175]) وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: "ثلاثة رفع الله عنهم العذاب يوم القيامة؛ الراضي بقضاء الله، والناصح للمسلمين، والدال على الخير". ([176]) باء/ وبيّنت النصوص أن المبالغة في تقديم النصح قد تسبب في إثارة التهمة.


قال الإمام علي بن الحسين عليهما السلام: "كثرة النصح تدعو الى التهمة". ([177]) جيم/ كما وأمرت النصوص بقبول النصح.


قال الإمام الصادق عليه السلام: "أحبّ إخواني إليَّ، من أهدى إليَّ عيوبي". ([178])

صفوة الفضائل


وصفوة الفضائل التي ينبغي للانسان المؤمن أن يتحلى بها، نجدها في كلمة جامعة لأمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، في وصفه للمتقين. وهنا نأتي على ذكرها لتكون مسك ختام كتابنا هذا، وهي خير سبيل للوصول إلى قمة الفضائل، التي هي زينة الانسان.


فقد روي أن صاحب لأمير المؤمنين عليه السلام يقال له همام، كان رجلاً عابداً، فقال له: يا أمير المؤمنين؛ صف لي المتقين كأني أنظر إليهم.


فتثاقل عن جوابه، ثم قال عليه السلام: يا همّامُ؛ اتقِ اللهَ وأحْسِنْ فَـ ]إنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا والَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ[. لم يقنع همّامٌ بِذَلِكَ القول، حتّى عزم عليه. فحمد الله وأثنى عليه، وصلّى على النبي صلى الله عليه وآله، ثم قال عليه السلام:


أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ اللهَ ـ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ـ خَلَقَ الْخَلْقَ حِينَ خَلَقَهُمْ غَنِيّاً عَنْ طَاعَتِهِمْ، آمِناً مِنْ مَعْصِيَتِهِمْ، لاَِنَّةُ لاَ تَضُرُّهُ مَعْصِيَةُ مَنْ عَصَاهُ، وَلاَ تَنْفَعُهُ طَاعَةُ مَنْ أَطَاعَهُ. فَقَسَمَ بَيْنَهُمْ مَعَايِشَهُمْ، وَوَضَعَهُمْ مِنَ الدُّنْيَا مَوَاضِعَهُمْ.


فَالْمُتَّقُونَ فِيهَا هُمْ أَهْلُ الْفَضَائِلِ؛ مَنْطِقُهُمُ الصَّوَابُ، وَمَلْبَسُهُمُ الاقْتصَادُ، وَمَشْيُهُمُ التَّوَاضُعُ. غَضُّوا أَبْصَارَهُمْ عَمَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِمْ، وَوَقَفُوا أَسْمَاعَهُمْ عَلَى الْعِلْمِ النَّافِعِ لَهُمْ. نَزَلَتْ أَنْفُسُهُمْ مِنْهُمْ فِي الْبَلاَءِ، كَالَّتِي نَزَلَتْ فِي الرَّخَاءِ.


ولَوْ لاَ الاَْجَلُ الَّذِي كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِمُ، لَمْ تَسْتَقِرَّ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْسَادِهِمْ طَرْفَةَ عَيْن، شَوْقاً إِلَى الثَّوَابِ، وَخَوْفاً مِنَ الْعِقَابِ.


عَظُمَ الْخَالِقُ فِي أنْفُسِهِمْ، فَصَغُرَ مَا دُونَهُ فِي أَعْيُنِهِمْ. فَهُمْ وَالْجَنَّةُ كَمَنْ قَدْ رَآهَا، فَهُمْ فِيهَا مُنَعَّمُونَ. وَهُمْ وَالنَّارُ كَمَنْ قَدْ رَآهَا، فَهُمْ فِيهَا مُعَذَّبُونَ.


قُلُوبُهُمْ مَحْزُونَةٌ، وَشُرُورُهُمْ مَأْمُونَةٌ، وَأَجْسَادُهُمْ نَحِيفَةٌ، وَحَاجَاتُهُمْ خَفِيفَةٌ، وَأَنْفُسُهُمْ عَفِيفَةٌ.


صَبَرُوا أَيَّاماً قَصِيرَةً أَعْقَبَتْهُمْ رَاحَةً طَوِيلَةً، تِجَارَةٌ مَرْبِحَةٌ، يَسَّرَهَا لَهُمْ رَبُّهُم.


أَرَادَتْهُمُ الْدُّنْيَا وَلَمْ يُرِيدُوهَا، وَأَسَرَتْهُمْ فَفَدَوْا أُنْفُسَهُمْ مِنْهَا.


أَمَّا اللَّيْلَ فَصَافُّونَ أَقْدَامَهُمْ، تَالِينَ لاَِجْزَاءِ الْقُرْآنِ يُرَتِّلُونَهَا تَرْتِيلاً، يُحَزِّنُونَ بِهِ أَنْفُسَهُمْ، وَيَسْتَثِيرُونَ بِهِ دَوَاءَ دَائِهِمْ. فَإِذَا مَرُّوا بِآيَة فِيهَا تَشْوِيقٌ رَكَنُوا إِلَيْهَا طَمَعاً، وَتَطَلَّعَتْ نُفُوسُهُمْ إِلَيْهَا شَوْقاً، وَظَنُّوا أنَّهَا نُصْبَ أَعْيُنِهِمْ. وَإِذَا مَرُّوا بِآيَة فِيهَا تَخْوِيفٌ أَصْغَوْا إِلَيْهَا مَسَامِعَ قُلُوبِهِمْ، وَظَنُّوا أَنَّ زَفِيرَ جَهَنَّمَ وَشَهِيقَهَا فِي أُصُولِ آذَانِهِمْ، فَهُمْ حَانُونَ عَلَى أَوْسَاطِهِمْ، مُفْتَرِشُونَ لِجَبَاهِهِمْ وَأَكُفِّهِمْ، وَأَطْرَافِ أَقْدَامِهِمْ، يَطْلُبُونَ إِلَى اللهِ تَعَالَى فِي فَكَاكِ رِقَابِهِمْ.


وَأَمَّا النَّهَارَ فَحُلَمَاءُ عُلَمَاءُ، أَبْرَارٌ أَتْقِيَاءُ، قَدْ بَرَاهُمْ الْخَوْفُ بَرْيَ الْقِدَاحِ، يَنْظُرُ إِلَيْهمُ الْنَّاظِرُ فَيَحْسَبُهُمْ مَرْضَى، وَمَا بِالْقَوْمِ مِنْ مَرَض، وَيَقُولُ: قَدْ خُولِطُوا! وَلَقَدْ خَالَطَهُمْ أَمْرٌ عَظِيمٌ!


لاَ يَرْضَوْنَ مِنْ أَعْمَالِهِمُ الْقَلِيلَ، وَلاَ يَسْتَكْثِرُونَ الْكَثِيرَ. فَهُمْ لاَِنْفُسِهِمْ مُتَّهِمُونَ، وَمِنْ أَعْمَالِهِمْ مُشْفِقُونَ.


إِذَا زُكِّيَ أَحَدٌ مِنْهْمْ خَافَ مِمَّا يُقَالُ لَهُ، فَيَقُولُ: أَنَا أَعْلَمُ بِنَفْسِي مِنْ غَيْرِي، وَرَبِّي أَعْلَمُ مِنِّــي بِنَفْسي! اللَّهُمَّ لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا يَقُولُونَ، وَاجْعَلْنِي أَفْضَلَ مِمَّا يَظُنُّونَ، وَاغْفِرْ لِي مَا لاَ يَعْلَمُـونَ.


فَمِنْ عَلاَمَةِ أَحَدِهِمْ أَنَّكَ تَرَى لَهُ قُوَّةً فِي دِين، وَحَزْماً فِي لِين، وَإِيمَاناً فِي يَقِين، وَحِرْصاً فِي عِلْم، وَعِلْماً فِي حِلْم، وَقَصْداً فِي غِنىً، وَخُشُوعاً فِي عِبَادَة، وَتَجَمُّلاً فِي فَاقَة، وَصَبْراً فِي شِدَّة، وَطَلَباً فِي حَلاَل، وَنَشاطاً فِي هُدىً، وَتَحَرُّجاً عَنْ طَمَع.


يَعْمَلُ الاَْعْمَالَ الصَّالِحَةَ وَهُوَ عَلَى وَجَل، يُمْسِي وَهَمُّهُ الشُّكْرُ، وَيُصْبِحُ وَهَمُّهُ الذِّكْرُ. يَبِيتُ حَذِراً، وَيُصْبِحُ فَرِحاً؛ حَذِراً لَمَّا حُذِّرَ مِنَ الْغَفْلَةِ، وَفَرِحاً بِمَا أَصَابَ مِنَ الْفَضْلِ وَالرَّحْمَةِ. إِنِ اسْتَصْعَبَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ فِيَما تَكْرَهُ لَمْ يُعْطِهَا سُؤْلَهَا فِيَما تُحِبُّ.


قُرَّةُ عَيْنِهِ فِيَما لاَ يَزُولُ، وَزَهَادَتُهُ فِيَما لاَ يَبْقَى، يَمْزُجُ الْحِلْمَ بِالْعِلْمَ، وَالْقَوْلَ بِالْعَمَلِ.


تَرَاهُ قَرِيباً أَمَلُهُ، قَلِيلاً زَلَلُهُ، خَاشِعاً قَلْبُهُ، قَانِعَةً نَفْسُهُ، مَنْزُوراً أَكْلُهُ، سَهْلاً أَمْرُهُ، حَرِيزاً دِينُهُ، مَيِّتَةً شَهْوَتُهُ، مَكْظُوماً غُيْظُهُ. الْخَيْرُ مِنْهُ مَأْمُولٌ، وَالشَّرُّ مِنْهُ مَأْمُونٌ. إِنْ كَانَ فِي الْغَافِلِينَ كُتِبَ فِي الذَّاكِرِينَ، وَإِنْ كَانَ فِي الذَّاكِرِينَ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الْغَافِلِينَ. يَعْفُو عَمَّنْ ظَلَمَهُ، وَيُعْطِي مَنْ حَرَمَهُ، وَيَصِلُ مَنْ قَطَعَهُ.


بَعِيداً فُحشُهُ، لَيِّناً قَوْلُهُ، غَائِباً مُنْكَرُهُ، حَاضِراً مَعْرُوفُهُ، مُقْبِلاً خَيْرُهُ، مُدْبِراً شَرُّهُ. فِي الزَّلاَزِلِ وَقُورٌ، وَفِي الْمَكَارِهِ صَبُورٌ، وَفِي الرَّخَاءِ شَكُورٌ. لاَ يَحِيفُ عَلَى مَنْ يُبْغِضُ، وَلاَ يَأْثَمُ فِيمَنْ يُحِبُّ. يَعْتَرِفُ بِالْحَقِّ قَبْلَ أَنْ يُشْهَدَ عَلَيْهِ. لاَ يُضَيِّعُ مَا اسْتُحْفِظَ، وَلاَ يَنْسَى مَا ذُكِّرَ، وَلاَ يُنَابِزُ بِالاَْلْقَابِ، وَلاَ يُضَارُّ بالْجارِ، وَلاَ يَشْمَتُ بالْمَصَائِبِ، وَلاَ يَدْخُلُ فِي الْبَاطِلِ، ولاَ يَخْرُجُ مِنَ الْحَقِّ.


إِنْ صَمَتَ لَمْ يَغُمَّهُ صَمْتُهُ، وَإِنْ ضَحِكَ لَمْ يَعْلُ صَوْتُهُ، وَإِنْ بُغِيَ عَلَيْهِ صَبَرَ حَتّى يَكُونَ اللهُ هُوَ الَّذِي يَنْتَقِمُ لَهُ.


نَفْسُهُ مِنْهُ فِي عَنَاء، وَالنَّاسُ مِنْهُ فِي رَاحَة. أَتْعَبَ نفسه لآِخِرَتِهِ، وَأَرَاحَ النَّاسَ مِنْ نَفْسِهِ. بُعْدُهُ عَمَّنْ تَبَاعَدَ عَنْهُ زُهْدٌ وَنَزاهَةٌ، وَدُنُوُّهُ مِمَّنْ دَنَا مِنَهُ لِينٌ وَرَحْمَةٌ. لَيْسَ تَبَاعُدُهُ بِكِبْر وَعَظَمَة، وَلاَ دُنُوُّهُ بِمَكْر وَخَدِيعَة.


قال: فصعق همّام رحمه الله صعقةً كانت نفسُه فيها.


فقال أميرالمؤمنين عليه السلام: أَمَا وَاللهِ لَقَدْ كُنْتُ أَخَافُهَا عَلَيْهِ.


ثُمَّ قَالَ: هكَذَا تَصْنَعُ الْمَوَاعِظُ البَالِغَةُ بِأَهْلِهَا.


فقال له قائل: فما بالك يا أمير المؤمنين ؟ فقال عليه السلام: وَيْحَكَ؛ إِنَّ لِكُلِّ أَجَل وَقْتاً لاَ يَعْدُوهُ، وَسَبَباً لاَ يَتَجَاوَزُهُ. فَمَهْلاً، لاَ تعُدْ لِمِثْلِهَا، فَإِنَّمَا نَفَثَ الشَّيْطَانُ عَلَى لِسَانِكَ! ([179])

المصادر


1 - القرآن الكريم

2 - تفسير نور الثقلين للحويزي

3 - تفسير الصافي للفيض الكاشاني

4 - تفسير مجمع البيان للطبرسي

5 - تفسير من هدى القرآن للمؤلف

6 - تفسير الميزان للطباطبائي

7 - تفسير الجامع لأحكام القرآن للقرطبي

8 - نهج البلاغة

9 - وسائل الشيعة للحر العاملي

10 - مستدرك الوسائل للميرزا حسين النوري

11 - تحف العقول لابن شعبة الحراني

12 - بحار الأنوار للمجلسي

13 - التوحيد للصدوق

14 - ميزان الحكمة للري شهري

15 - الكافي للكليني

16 - المحاسن للبرقي

17 - غوالي اللئالي

18 - الحياة للحكيمي

19 - مفاتيح الجنان للشيخ عباس القمي

20 - العروة الوثقى للسيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي

21 - مستمسك العروة للمرجع محسن الحكيم

22 - موسوعة الفقه للمرجع السيد محمد الشيرازي

23 - شرائع الإسلام للمحقق الحلي

24 - فقه الإمام الصادق عليه السلام للشيخ محمد جواد مغنية

25 - جواهر الكلام للشيخ محمد حسن النجفي

26 - الفقه الإسلامي للمؤلف

27 - المكاسب للشيخ الأنصاري

28 - دراسات في المكاسب المحرمة للفقيه المنتظري

29 - ايصال الطالب الى المكاسب للمرجع السيد محمد الشيرازي

30 - مفاتيح الشرائع للشيخ محمد رضا المشتهر بأفضل

31 - مهذب الأحكام للفقيه السبزواري

32 - الفقه الإسلامي وأدلته للدكتور وهبة الزحيلي

33 - الربا فقهياً واقتصادياً لحسن محمد تقي الجواهري

34 - اصول الفقه للمظفر

35 - المستصفى من علم الاصول لأبي حامد محمد ابن محمد الغزالي

36 - الموافقات للشاطبي

37 - المغرب في ترتيب المعرب للمطرزي

38 - التشريع الإسلامي للمؤلف

39 - الوسيط للدكتور عبد الرزاق السنهوري

40 - مبادئ القانون للدكتور همام محمد محمود والدكتور محمد حسين منصور

41 - الموسوعة الجنائية لجندي عبد الملك

42 - حقوق تعهدات للدكتور أميري قائم مقامي (باللغة الفارسية)

43 - حقوق مدني للدكتور السيد حسن إمامي (باللغة الفارسية)

44 - حقوق مدني للدكتور ناصر كاتوزيان (باللغة الفارسية)

45 - حقوق جزائي اختصاصي لمحمد صالح وليدي (باللغة الفارسية)

46 - حياة الإمام الحسين بن علي عليهما السلام لباقر شريف القرشي

47 - مقتل المقرم

48 - التحقيق في كلمات القرآن الكريم لحسن المصطفوي

49 - مجمل اللغة لإبن فارس

50 - المعجم المفهرس لالفاظ نهج البلاغة

/ 29