وكلما أخلص المؤمن عبادته لربه، كلما إهتدى الى الصراط المستقيم.
2/ ورسول الله على صراط مستقيم. قال الله سبحانه: «يس* وَالْقُرْءَانِ الْحَكِيمِ * إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * عَلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ » (يس/1-4) 3/ والاعتصام بكتاب الله واتباع رسوله، وسيلة الاهتداء الى الصراط المستقيم. قال الله سبحانه: «وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ ءَايَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ » (آل عمران/101) ومن دون الاعتصام بالله والعمل برسالته واتباع رسوله، كيف ينجو البشر من عواصف الهوى، وأعاصير الشهوات، وأمواج الفتن الاجتماعية (ترغيباً وترهيباً)؟ 4/ وملة إبراهيم عليه السلام المتميزة بالحنفية البيضاء، البعيدة عن حميات الجاهلية (عنصرية أو قومية أو طبقية أو مصلحية)، هي وسيلة من وسائل الاستقامة. قال الله سبحانه: «قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِيـنَ » (الانعام/161) وهكذا تتحدد ملامح السبيل القويم والدين الحنيف عند الاستضاءة بسيرة الأنبياء عليهم السلام، وكيف أنهم تحدوا ضلالة مجتمعاتهم وتبرأوا منها، وهاجروا من أجلها وابتلوا فصبروا، وحوربوا وقوتلوا فصبروا، وتوكلوا على الله حتى استقاموا على الطريق.
5/ واتباع الرسول ضمانة الصراط المستقيم. قال الله تعالى: «وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلاَ تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ » (الزّخرف/61) 6/ ومن إتباع الرسول، الاهتداء بنور الذين أنعم الله عليهم من الصديقين والشهداء والصالحين، حيث قال ربنا عز وجل: «وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ» (لقمان/15) 7/ ونحن ندعو ربنا عند تلاوة سورة الحمد أن يهدينا الصراط المستقيم، الذي هدى إليه الذين أنعم عليهم. قال الله تعالى: «اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ *صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ المَغضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّآلِّينَ» (الفاتحة/6-7) وهكذا يجب علينا أن نبحث عمّن أنعم الله عليهم من هم، وما هي معالم الصراط الذي يسلكونه فنتبعهم. والذين أنعم الله عليهم هم الذين نقرء عنهم في آية مباركة: «وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَاُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَآءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ اُولئِكَ رَفِيقاً» (النساء/69) وهؤلاء هم أُمة واحدة بالرغم من إختلاف درجاتهم، ويجدهم باذن الله من يريدهم هنا أو هناك، وهم أدلاء الله على صراطه وشهداء على خلقه وحججه عليهم.
رابعاً: معرفة الناكبين عن الصراط
لكي تستضيء بنور الحق، إجتنب ظلام الباطل. ولكي تعرف الصراط المستقيم، لابد أن تعرف الناكبين عنه من المغضوب عليهم والضالين، وهم الذين لا يعلمون والسادات والكبراء، وأولئك الذين تبدلوا الكفر بالايمان، وأيضاً المجرمون والمفسدون والذين يصدون عن سبيل الله. وأخيراً لا تطع الأكثرية التي تضلك عن سبيل الله.
1/ من مضلات الفتن اتباع الذين لا يعلمون (إما خوفاً من بطشهم أو طمعاً فيهم أو حبّاً لهم واحتراماً)، وإنما على الجاهل أن يتبع العالم وليس العكس. قال الله سبحانه: «قَالَ قَدْ اُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ» (يونس/89) وفي كلمة «اسْتَقيمَا» دلالة على أن إجتناب الجاهلين ليس سهلاً، بل يحتاج الى تحدي قوتهم أو ثروتهم أو شهرتهم أو ما أشبه. ولكن السبيل الى الهدى لن يحصل من دون إجتناب الضلالة. ولنا في سيرة النبي إبراهيم عليه السلام أُسوة حسنة، إذ أنه برء من أبيه وقوم أبيه، كما جاء في القرآن: «وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لاَِبِيهِ ءَازَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً ءَالِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ * وَكَذلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ» (الانعام/74-75) 2/ وأسوء من الجاهلين، الذين يصدون عن سبيل الله؛ ومن مظاهر صدهم عن السبيل، أنهم يبغونها عوجاً (وذلك بتحريف الكلم عن مواضعه وبالكتمان وبالتأويـل). قــال الله سبحانــه: «الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُمْ بِالأَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ» (هود/19) 3/ ومن المضلات اتباع السادات والكبراء، (مثل اتباع الآباء والوجهاء). قال الله سبحانه: «وَقَالُوا رَبَّنَآ إِنَّآ أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَآءَنَا فَاَضَلُّونَا السَّبيلاَ » (الاحزاب/67) وقد حذر الإمام أمير المؤمنين عليه السلام من ذلك في خطبة لـه يوم الغدير، قال فيها: وتقربوا الى الله بتوحيده وطاعة من أمركم أن تطيعوه، ولا تمسكوا بعصم الكوافر، ولا يخلج بكم الغي تضلوا عن سبيل الرشاد باتباع أولئك الذين ضلوا وأضلوا. قال الله عزّ من قائل، في طائفة ذكرهم بالذم في كتابه: «إِنَّآ أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَآءَنَا فَاَضَلُّونَا السَّبيلاَ» ([134]) 4/ ومن المضلات إتباع سبيل المجرمين. (ومن عرف المجرمين وشخّص خطهم الاجتماعي، فعليه أن يتنكب سبيلهم ويسترشد بمخالفتهم). قال الله سبحانه: «وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الاَيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُـجْرِمِينَ » (الانعام/55) 5/ ومن المضلات إتباع الأكثرية. (إذ هي تجتذب الانسان، فيزعم أنهم على حق. بينما العلماء والمؤمنون والصالحون هم الأقلية، كما الدر في الحصى، والماس في الأحجار). قال الله تعالى: «وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ » (الانعام/116) 6/ ومن المضلات الانشقاق عن الرسول، وعن تابعيه من الأئمة الهداة والصالحين. قال الله سبحانه: «وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَآءَتْ مَصِيراً» (النساء/115) من هنا فإن سبيل المؤمنين معلم من معالم السبيل السوي.
7/ ومن المضلات عن السبيل اتباع الهوى. وقد حذر ربنا سبحانه النبي داود عليه السلام من أن يتبع هواه، (والذي يتمثل في الشهوات أو في الحميات والعصبيات أو في العقد النفسية والفواحش الباطنة، مثل التكبر والاستعلاء في الأرض أو ما أشبه، مما يتصل بالذات بعيداً عن محورية الحق). قال الله سبحانه: «يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ اِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ» (ص/26) 8/ ومن أخطر الأهواء التي تضل الناس، وبالذات القيادات والقضاة، هو التكبر في الأرض بغير حق، فإنه يطبع القلب ويحجبه عن نور الايمان. والله سبحانه يصرف المتكبر عن آياته، فإذا به لا يؤمن بأية آية إلهية (يراها، سواءً كانت آيات تتلى مثل كتاب الله، أو آية تبصر مثل عبر التاريخ وعبر الحوادث، ومن لا يؤمن بالآيات يكون كمن لا يبصر معالم الطريق ولا إشارات المرور، فيهوي في وديان الضلالة. إنه لا يتبع سبيل الرشد، بل يبحث أبداً عن سبيل الغي فيتخذه سبيلاً. قال الله سبحانه: «سَاَصْرِفُ عَنْ ءَايَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الاَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وإِن يَرَوْا كُلَّ ءَايَةٍ لاَيُؤْمِنُوا بِهَا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وإِن يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِاَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِاَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ» (الاعراف/146)
بصائر الآيات
1/ لكي نهتدي الى السبيل القويم، علينا أن نستهدي ربنا، لأنه على صراط مستقيم وعليه قصد السبيل، وقد هدى الانسان السبيل إما شاكراً وإما كفوراً.
2/ والصراط إليه واحد، والسبل الى غيره متفرقة. بلى؛ هناك سبل السلام في خلقه، يهدي إليها من اتبع رضوانه وجاهد فيه (وهي سبل الحياة الدنيا).
3/ والسبيل القويم الذي هدى إليه رسله، كان سبيل التوحيد. وهو صراط النبي محمد صلى الله عليه وآله، وملة النبي إبراهيم عليه السلام، ونهج النبيين الذين أنعم الله عليهم، وسبيل من أناب (من الصديقين والشهداء والصالحين).
4/ صراط الذين أنعم الله عليهم، هو الصراط المستقيم. (فمعرفتهم تهدينا الى معرفة نهجهم المستقيم)، وهم غير المغضوب عليهم، الذين بمعرفتهم أيضاً نهتدي الى الصراط المستقيم الذي تنكبوا عنه. أوليس الرشد في مخالفة الغي، والسؤال من هم المغضوب عليهم؟ إنهم المفسدين والمجرمون والمتكبرون في الأرض بغير حق، والذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجاً (من دعاة الدين والعلم)، ويكتمون ما أمر الله ببيانه.
5/ يهتدي الإنسان الى الرشد عبر معرفة الضالين، وهم السادة والكبراء. وأكثر من في الأرض، الذين يتبعون الظن، والغافلون، والذين يتبعون أهواءهم بغير علم.
6/ وسبيل الله، سبيل من أناب إليه من أهل الذكر ممن خالف هواه، وأطاع مولاه، وألزم كلمة التقوى بعيداً عن الحمية الجاهلية وعن الاستكبار والفواحش ما ظهر منها وما بطن.
فقه الآيات
نستلهم من جملة آيات هذا البحث، ضرورة البحث عن السبيل القويم الذي يهدي إليه الرب، عبر البحث عن الذين أنعم الله عليهم بالاهتداء إليه، وهم خط الرسل والصالحين. ولا يكون ذلك إلاّ بالتبصر بما في الكتاب والسنة في صفات المخلصين من عباد الله، والاستدلال بتلك الصفات الى أهلها الأحياء منهم لنتبع نهجهم.
وقد استفاضت النصوص الدينية بضرورة معرفة كل أُمة إمامها، وبأن نكون مع الصادقيــن، وبأن نسأل أهل الذكر، وبأن نسأل الذين يستنبطون الأحكام من القرآن، وبأن نقلد ذلك الفقيه المخالف لهواه المطيع لأمر مولاه، وهكذا..
وبصفة عامة؛ من واجبات كل مكلّف التفتيش عمن أوجب الشرع إتباعه والانتماء الى خطه. وليس ذلك بالأمر السهل، لأنه يقتضي الانقطاع عن المحيط الثقافي وعن البيئة الاجتماعية، والتجرد مرحلياً عن الانتماء الى الأسرة والعشيرة والقومية والوطن، والهجرة القلبية عنهم ثم التعرف عن البديل. وقد تكون في أولئك الذين تجرد عنهم مرحلياً ذلك البديل، ولكن التجرد إنما هو لتحاشي الضغط النفسي والواقعي الذي يدعوه الى الاسترسال مع الواقع، وعدم الشك فيه، وقد يكون في ذلك هلاكه. والله المستعان.
النصرة للرسول والمؤمنين
من قيم الإيمان الإنتصار للرسول وللمؤمنين، وبالنصرة تتحقق المثل العليا؛ مثل إقامة القسط والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ووضع الإصر والاغلال. ونصرة الرسول بند أساسي من بنود الميثاق، الذي أخذه الله من النبيين، وهي من حقوق المسلمين على بعضهم.
أولاً: نصرة الله والرسول
1/ لقد أكدّ الكتاب الكريم على وجود ميثاق، أقر به النبييون واحتملوا أصره وشهدوا على أنفسهم به. متى كان ذلك وكيف، لم يذكره السياق هنا؛ فلعله كان في عالم الذر، أو عالم الأرواح، لا ندري، ولكنه أكد على أن يكون من شكرهم لنعمة الكتاب والحكمة التي آتاهم الله إيمانهم بالرسول الذي يأتيهم مصدقاً لما معهم وأن ينصروه. ثم أخذ الله عليهم الإقرار والشهادة بذلك، وأخبرهم أن ذلك إصر (أمانة ثقيلة) ففعلوا. قال ربنا سبحانه: «الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الاُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّورَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالاَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ ءَامَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي اُنْزِلَ مَعَهُ اُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» (الاعراف/157) نستفيد من الآية؛ إن من صفات المخلصين من عباد الله إيمانهم ببعضهم، لأن إيمانهم بالكتاب والحكمة يقتضي الإيمان بكل من أوتي الكتاب والحكمة. وليس إيمانهم ذاتياً أو نابعاً من الحمية المادية حتى تتحدد بأنفسهم، أو بمن ينتسب اليهم، بل هو إيمان بالحق أنّى كان، وبمن حمله أنّى يكون.
ولست أعرف تفاصيل نصرة الأنبياء عليهم السلام للنبي صلى الله عليه وآله، ولعل من ذلك البشارة به، وأخذ الميثاق من الأمم التابعة لهم بأن يؤمنوا به، كما كان من شروط الإيمان بالنبي تصديق الذين حملوا الرسالة من قبله.
ولكنا نستفيد من وجوب نصرة النبي على الأنبياء مدى أهمية الانتصار للرسول، والدفاع عنه قبل حياته وأثناءها وبعدها.
2/ لكي يقوم الناس بالقسط، أنزل الله رسالاته، وأنزل الحديد فيه بأس شديد. فمن -يا ترى- يستخدم بأس الحديد لاقامة القسط (ومقاومة الظلمة)؟ إنهم رجال ينصرون الله ورسوله بالغيب. (ومن هنا نعرف أن نصرة الرسول تهدف القسط الذي أنزل الله رسالاته من أجل إقامته). قال الله تعالى: «وإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَآ ءَاتَيْتُكُم مِن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَــالَ ءَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَاْ مَعَكُم مِـنَ الشَّاهِدِيــنَ » (آل عمران/81) 3/ ومثل هؤلاء المجاهدين أولئك الذين هاجروا من مكة الى المدينة وأخرجتهم قريش من ديارهم وأموالهم، لأنهم آمنوا بالنبي صلى الله عليه وآله فهاجروا الى الله يبتغون فضلاً من الله (لاصلاح معاشهم) ورضواناً من الله، وكانوا ينصرون الله ورسوله. (ونصرة الله بنصرة دينه، ونصرة الرسول بالطاعة له). قال الله سبحانه: «لِلْفُقَرَآءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ اُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمَوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ» (الحشر/8) وقد جعل الله لهؤلاء نصيباً من الفيء، الذي حصل عليه المسلمون من دون حرب.
4/ ومثل آخر من التاريخ؛ الحواريون الذين استجابوا لنداء عيسى بن مريم عليهما السلام، إذ نادى في قومه من أنصاري الى الله؟ فقال نفر محدود منهم: نحن أنصار الله.
بلى؛ كانوا هم أنصار الله، إذا اتبعوا رسوله. (وهكذا نصرة الله تتحقق بنصرة رسوله ودينه). قال الله سبحانه: «فَلَمَّآ أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللّهِ ءَامَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِاَنَّا مُسْلِمُونَ » (آل عمران/52) 5/ وقد أيّد الله بقدرته وحكمته وفضله الحواريين، حتى أصبحوا ظاهرين. قال الله سبحانه: «يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُونُوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ اَنصَارُ اللَّهِ فَأَمَنَت طَآئِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَآئِيلَ وَكَفَرَت طَآئِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ ءَامَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ » (الصف/14)
ثانياً: نصرة المؤمنين
1/ ونصرة المؤمنين لبعضهم مفروضة، وبالذات عند تعرض طائفة منهم لفتنة الأعداء، فيهاجرون الى دار الإسلام. فعلى هؤلاء أن يهبوا لمساعدتهم بشتى الوسائل؛ (بالإيواء والإحسان إليهم وحمايتهم والدفاع عنهم)، وكذلك إذا بقوا في ديارهم واستنصروا المؤمنين ضد هجوم كاسح عليهم من قبل الأعداء. قال الله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِاَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ ءَاوَوْا وَنَصَرُوا اُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِن وَلاَيَتِهِم مِن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِيثَاقٌ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ » (الانفال/72) 2/ وقال الله سبحانه: «وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ ءَاوَوْا وَنَصَرُوا اُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُم مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ » (الانفال/74)
فقه الآيات
كلمة النصرة تستخدم في الدعم عند الخطر. وهكذا يستفاد من النصوص ضرورة دعم المؤمن للقيادة الربانية، ولسائر المؤمنين عند مواجهة الأخطار. والنصرة دليل صدق الانتماء، حيث تلونا في سورة الحشر أن المهاجرين الذين ينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون. وجاء في آية كريمة قول الله سبحانه: «مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا » (الاحزاب/23) وقد سبق الحديث عن فريضة الجهاد ([135]) في مناسبة أخرى، ولكن الذي يستدعي التنويه هنا، التأكيد على خلق الشهامة والعطاء والصدق عند الانتماء إلى الدين والرسول والأمة. فالمؤمن يوفر دائماً المزيد من طاقاته للدفاع عن كلمة الحق. وحسب ما يقوله المؤمنون لقدوات الهدى عليهم السلام: "ونصرتي لكم معدة". ([136]) وقد أمر الله المسلمين بأن يعدوا للأعداء ما استطاعوا من قوة. قال الله سبحانه: «وَأَعِدُّوا لَهُم مَااسْتَطَعْتُم مِن قُوَّةٍ وَمِن رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وءَاخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاتَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاتُظْلَمُونَ» (الانفال/60) وفريضة الإعداد هذه كما هي مسؤولية القيادة الربانية، كذلك هي واجب كل مؤمن، لأنّ أوامر الشريعة المتوجهة الى عموم المؤمنين تتقسم على الأفراد. فعلى كل مؤمن جزء مقسوم من تلك الأوامر حسب طاقته.
ونستوحي من هذه البصائر الأحكام الفقهية التالية:
1/ علينا أن نتحسس أوضاع المؤمنين وقضاياهم، لنعرف طبيعة الدعم الذين يحتاجونه هنا وهناك، ولنوفر الوسائل المناسبة لهذا الدعم في الوقت المناسب، ولكي نهرع لمساعدتهم عند تعرضهم للخطر.
2/ علينا أن نتعاون فيما بيننا ونوحد جهودنا، لكي نكون أقدر على مواجهة الأخطار المحدقة بالمؤمنين.
3/ علينا أن نهب للدفاع عن المقدسات عند تعرضها للاهانة أو التجريح، سواءً من قبل الكفار أو المنافقين. مثلاً؛ إذا أراد أحدهم أن ينال من مقام القرآن أو منـزلة النبي وأهل بيته عليه وعليهم السلام أو الكعبة المشرفة أو المساجد والمراقد المطهرة، فعلينا أن نهب للانتصار لها بكل وسيلة ممكنة. وقد قال الله سبحانه: «الَّذِينَ اُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلآَّ أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَويٌ عَزِيزٌ » (الحج/40) 4/ كذلك إذا تعرض حكم ثابت من أحكام الله لإثارة الشبهات من قبل أي كان، فعلينا أن نردها وندافع عنها.
5/ إذا واجه مؤمن خطراً، كما إذا تعرض هو أو عرضه أو ماله لظلم، وكان باستطاعتنا أن ندافع عنه، فلا نألوا جهداً في سبيل ذلك. وقد جاء في قصة النبي موسى عليه السلام أنه دافــع عن الرجل من شيعته (الذي ظلـم) ووكــز عدوه فقضى عليــه، عـن ذلك قال ربنا سبحانــه: «وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلاَنِ هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّه فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌ مُبِينٌ * قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * قَالَ رَبِّ بِمَآ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِّلْمُجْرِمِينَ » (القصص/15-17) وهكذا نجد أن النبي موسى عليه السلام شكر الله سبحانه على ما أنعم عليه من قوة، وتعهد لله بأن لا يكون ظهراً للمجرمين.
وقد جاء في الدعاء المأثور من مفردات الاستغفار من الذنب: "وعن مظلوم ظلم بحضرتي فلم أنصره.."
6/ وهكذا ينبغي أن نطبق كلمة النصرة لله ولرسوله وللمؤمنين على الحقائق الموضوعية التي نواجهها يومياً، ونكون ممن ينتصر الله بهم لدينه، حيث جاء في أدعية شهر رمضان المبارك: "وتجعلني ممن تنتصر به لدينك ولا تستبدل بي غيري". ([137])
البـاب الثاني الصدق شرف الإنسان
آفاق الصدق في القرآن
الفصل الأول: كلمة الصدق والوفاء بالعقود الفصل الثاني: العهود والمواثيق آفاق الصدق في القرآن صدق اللسان يعكس صدق القلب، وصدق القلب ميراث الايمان، وسلامة النفس من الأنانية والجهل والعقد؛ وصدق اللسان قرين صدق العمل، والثبات في المواقف الصعبة.
وهكذا تتصل قيمة الصدق بكلمة الشرف الانساني الرفيع، والاحساس بالكرامة والشعور بالعزة والاقتدار.
ماهي حقائق الصدق؟ وكيف كانت تلك الحقائق ميراث الايمان؟ وماهي شواهد الصدق؟ وماهو جزاءه عند الله وفي الحياة الدنيا؟ هذه هي الأسئلة العامة التي نجعلها باذن الله إطاراً لحديثنا المتشعب عن كلمة الصدق.
الف: حقائق الصدق
1/ عندما اتهمت زوجة العزيز يوسف الصديق سلام الله عليه بأنه راودها عن نفسها، أنطق الله بعزته وحكمته ورحمته الواسعة؛ أنطق طفلاً من أهلها شهد ليوسف عند العزيز بأن المرأة هي التي راودته، واستشهد بأن قميصه قُدَّ من دبر وهو دليل على أن يوسف كان يفلت من يدها وهي التي تتمسك بأذياله. فقال ربنا سبحانه: «قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَآ إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ» (يوسف/26) هذا مثل للصدق، وفي مقابله مثل للكذب. فيوسف لم يراودها، بل هي التي راودته. وصدق يوسف يتمثل في أن كلامه مطابق للحقيقة الواقعة، وشاهد صدقه قميصه.
2/ ولكن الصدق لا يتحدد عند موافقة اللسان للواقع، بل يشمل موافقة العمل للسان. فمن إدعى أنه بار، فان آمن فعلاً بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والرسل، وآتى المال لذوي الحاجة، وأقام الصلاة، وآتى الزكاة، وأوفى بعهده، وصبر عند الشدائد وفي الحرب، فإنه يكون صادقاً في دعواه. أما إذا اكتفى بمظاهر العبادة، فوقف لحظات باتجاه المغرب والمشرق، وتشبث بحدود الشريعة الظاهرية دون قيمها وروحها، كما فعلت اليهود؛ فإنه ليس بصادق، لأن عمله يكذب لسانه. قال الله سبحانه: «لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ ءَامَنَ بِاللّهِ وَالْيَومِ الاَخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَاتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ الْسَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَاتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَآءِ وَالضَّرَّآءِ وَحِينَ الْبَأْسِ اُوْلَئِكَ الَّذِين َصَدَقُوْا وَاُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ» (البقرة/177) 3/ إنما الصادق حقاً هو الذي وفى بعهده مع الله وميثاقه، بألاّ يعبد إلاّ الله، وأن يجاهد في سبيله، وأن يكون من المؤمنين الذين وفوا بعهد الله فمنهم من استشهد في سبيله أو عبد الله حتى آتاه اليقين، ومنهم من لايزال ينتظر. قال الله تعالى: «مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا» (الاحزاب/23) ونستفيد من الآية الحقائق التالية:
ألف: إن الله هو الذي يكتب الشهادة في سبيله لرجال، والانتظار لآخرين الى أجل مسمى. ومن هنا فإنهم ما بدّلوا تبديلاً.
فها هو حمزة سيد الشهداء يضمّخ بدمه في معركة أحد. بينما يبقى الامام علي عليه السلام ينتظرها حتى يلاقيها في محراب المسجد بالكوفة بعد ثلاثين ونيف من الأعوام.
باء: إن المؤمنين الموفين بعهد الله ينتظرون الشهادة، وربما بفازغ الصبر. وثم حديث دار بين النبي المصطفى صلى الله عليه وآله والإمام علي عليه السلام يكشف ذلك، حيث قال الإمام عليه السلام: يا رسول الله؛ أوَ ليس قد قلت لي يوم اُحد حيث استشهد من استشهد من المسلمين، وحيزت عني الشهادة، فشقَّ ذلك عليَّ، فقلت لي: أبشر، فإن الشهادة من ورائك؟ فقال لي: إنّ ذلك لكذلك، فكيف صبرك إذن؟ فقلت: يا رسول الله؛ ليس هذا من مواطن الصبر، ولكن من مواطن البشرى والشكر. ([138]) إذا كانت في الأمة طائفة من المؤمنين ينتظرون الشهادة، فإن الأمة لا تخشى بإذن الله ذلاً ولا هزيمة، لأن العدو يهابها. فمن يمتلك القوة امام واله الشهادة والباحث عنها؟؟ جيم: إن الوفاء بعهد الله هو الصدق العملي، حيث إن كل مؤمن يواثق ربه على العمل بما يأمر به سبحانه أبداً، فاذا عمل فعلاً بميثاقه فقد صدق عمله قوله.
4/ ويتجلى الصدق العملي عند لقاء العدو، عندئذ تبلو سرائر المرء، وتتوضح حقائقه عند نفسه قبل الآخرين. وعلى الانسان أن يزكي نفسه بالاستعاذة بالله من الشك والشبهة والتردد، حتى لا تخونه عزماته عند المواجهة، ذلك لأن الصدق عند البأس خير له عاقبة. قال الله سبحانه: «طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فإِذَا عَزَمَ الأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ» (محمد/21) 5/ وقد يتدرج المؤمن من التصديق القولي الى التصديق عملياً بانفاق ماله الى أن يوفقه الله سبحانه للتصديق حقاً ببذل نفسه. وهكذا سمّي العطاء بالتصدق، لأن صاحبه يصدق بعمله ما أظهره من الايمان بالله واليوم الآخر. قال الله سبحانه: «وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَآ أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنْفَ بِالأَنْفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَن لَمْ يَحْكُم بِمَآ اَنْزَلَ اللّهُ فَاُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ » (المائدة/45) 6/ وقال تعالى: «فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يآ أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَاَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ» (يوسف/88) ونستفيد من القرآن؛ أن التصدق كفارة الذنب، وأن الله سبحانه يجزي المتصدق خير الجزاء. أوليس قد صدق فعله قوله، ووفى لله سبحانه بما عاهد عليه؟
باء: الصدق في الحياة
ماذا تعني كلمة الصدق حين تضاف الى القدم أو إلى المقعد أو المدخل والمخرج أو حتى إلى اللسان؟ 1/ يبدو أن القدم قد تزل عند الابتلاء وقد تثبت، فاذا ثبتت فانها قدم صدق، حيث قال الله سبحانه: «وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِي مِن لَدُنكَ سُلْطَاناً نَصِيراً» (الاسراء/80) فان أقدام المؤمنين لا تزول في الدنيا عن قواعد الدين، ولا تزل في الآخرة عن الصــراط. والله يثبت الذين آمنوا في الحياة الدنيا وفي الآخرة، حيث قال سبحانــه: «يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُــوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الأَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَآءُ» (ابراهيم/27) والمؤمنون يسألون ربهم أن يثبت أقدامهم، ويقول تعالى: «وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلآَّ أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ »(آل عمران/147) فالقدم الثابت قدم صدق، لأن الصدق هو المطابق للواقع. واذا وضعت رجلك في موقع مناسب، بحيث استقرت فيه أو تطابقت مع الأرض، فقد تثبت ولا تزول.
2/ والمقعد الصدق هو الذي يستقر بصاحبه ويطابقه ويناسبه، فلا يزعج عنه. ولعل هذا معنى قوله سبحانه: «فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ» (القمر/55) 3/ وإذا دخل الانسان مدخلاً يناسبه، دخله بثبات قدم، وبجهد كاف، وبحكمة بالغة، فإنه قد دخل مدخل صدق. أما إذا دخل في موقع لا يناسبه، أو لم يبذل الجهد الكافي للعمل الذي دخل فيه، أو خرج منه قبل أن يستكمل العمل، فانه قد دخل مدخلاً غير صدق، وخرج مخرجاً غير صدق.
وهكذا يدعو المؤمنون ربهم أن يدخلهم مدخل صدق ويخرجهم مخرج صدق، لأن ذلك وسيلة الى نعمة كبيرة، هي أن يجعل الله لهم من لدنه سلطاناً نصيراً. قال الله سبحانه: «وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِي مِن لَدُنكَ سُلْطَاناً نَصِيراً» (الاسراء/80) الانسان يريد أن يبلغ النتائج من دون جهد كاف في المقدمات؛ يريد علماً بلا تعلم، مالاً بلا جهد، ومنعة بلا تضحية. وهذا قد يحصل، ولكنه غير نافع كثيراً، وغير حاصل دائماً. انما الرشد في أن تحصل على نعمة العلم والمال والعزة وأنت تستحقها بجدارة، لأنك بذلت جهداً كافياً لها، وقد وصلت الى غايتك بعد أن توفرت فيك المؤهلات الكافية.
وهذا صحيح بالنسبة الى كل النعم، ولعله أصدق ما يكون بالنسبة الى نعمة الرئاسة، إذ أكثر الناس يتمنونها من دون أن يوفروا في أنفسهم مؤهلاتها. ويبدو أن خاتمة الآية تشير الى أن السلطان والنصرة يستحقها من يوفقه الله سبحانه ليدخل مدخل صدق ويخرج مخرج صدق.
4/ واللسان الصادق قد يكون لك، وقد يكون عليك. فاذا كنت صالحاً فان ذلك اللسان يمدحك بصدق، وإلاّ فإنه لا يمدحك، بل وقد يذمك لا سمح الله. ولعل هذا هو السبب الذي يدعو المؤمنين الى طلب لسان الصدق؛ أي أن يعملوا عملاً صالحاً، ثم يراه الصادقون من عباد الله ويثنون عليهم بما عملوه من صالح الأعمال. قال الله سبحانه: «وَاجْعَل لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الاَخِرِينَ» (الشعراء/84) ونستفيد من الآية؛ إن من التطلعات المشروعة للبشر أن يثني عليهم الذين يأتون من بعدهم، ولكن ينبغي أن يكون الثناء عليهم بما فعلوه من صالح الافعال. أما إذا أحب الانسان أن يمدح بما لم يفعل فإنه رذيلة. قال الله سبحانه: «لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَواْ وَيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلاَ تَحْسَبَنَّهُم بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ» (آل عمران/188)
جيم: بين الصدق والايمان
1/ وكلمة الصدق ميراث كلمة التقوى، والتقوى ميراث الايمان. قال الله سبحانه: «وَالَّذِي جَآءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ» (الزمر/33) ونستلهم من الآية؛ إن على الانسان التصديق بالحق ونشره، ليصدق به الآخرون.
2/ والله يجزي الصادقين، ويعذب المنافقين. قال الله تعالى: «لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَآءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ اِنَّ اللَّه كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً» (الاحزاب/24) ونستفيد من الآية؛ إن الصدق علامة الايمان، كما إن علامة النفاق الكذب.
3/ وقد أعدّ الله للصادقين مغفرة وأجراً عظيماً. قال الله سبحانه: «اِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّآئِمِينَ وَالصَّآئِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُم ْوَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيمًا» (الاحزاب/35) 4/ والدعوة التي لا يني المؤمن يكررها، هي أن يهديه الله إلى صراط الذين أنعم عليهم. فمن هم هؤلاء؟ إنهم هم الأنبياء والصديقون، حيث قال سبحانه: «وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَاُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَآءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ اُولئِكَ رَفِيقاً» (النساء/69) وقد استفاضت كلمات النبي وأهل بيته بالدعوة الى الصدق، وبيان ثوابه العظيم عند الرب. وإليك طائفة منها:
روي عن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، أنه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن أدناكم منّي وأوجبكم عليّ شفاعة، أصدقكم حديثاً". ([139]) وعن جابر بن يزيد الجعفي، عن أبي جعفر (الإمام الباقر) عليه السلام، قال: سمعته يقول: "والله إن العبد ليصدق حتى يكتبه الله من الصادقين، ويكذب حتى يكتب من الكاذبين، وإذا صدق قال الله: صدق وبرّ، وإذا كذب قال الله: كذب وفجر". ([140]) وعن أبي القاسم الكوفي في كتاب الاخلاق، قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وآله: بم يعرف المؤمن؟ قال: "بوقاره، ولينه، وصدق حديثه". ([141]) وعن أبي عبد الله (الإمام الصادق) عليه السلام، قال: "إن الله تبارك وتعالى لم يبعث نبياً قطّ، إلاّ بصدق الحديث، وأداء الأمانة الى البرّ والفاجر". ([142]) وقال أمير المؤمنين علي عليه السلام: "الصدق يهدي الى البرّ، والبرّ يدعو الى الجنة، ومايزال أحدكم يصدق حتى لا يبقى في قلبه موضع إبرة من كذب، حتى يكون عند الله صادقاً". ([143]) وقال الإمام علي عليه السلام أيضاً: "إن من حقيقة الإيمان، أن يؤثر العبد الصدق، حيث يضرّ على الكذب حيث ينفع، ولا يعدو المرء بمقالة عمله". ([144])
دال: شواهد الصدق
يتشابه عند الانسان الصدق والكذب، فكيف نميّز بينهما؟ في آيات الذكر الكثير من شواهد الصدق، وهي تنفع الانسان في كشف معاذير نفسه ومدى صدقها وتطابقها مع الواقع. إذ المرء ربما أراد خداع غيره فيخدع نفسه، ويضله الله ضلالاً كبيراً.
1/ يتعرض الانسان للابتلاء فيكشف واقعه، ليس للناس وحدهم، بل لنفسه ايضاً. فاذا شاء إستعان بالله في إصلاح نفسه وتزكيتها من درن الكذب والنفاق. قال الله سبحانه: «عَفَا اللّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ» (التوبة/43) ونستفيد من الآية؛ إنه ينبغي أن تترك الأحداث تجري، والفتن تتابع كما قدّرها الله، لكي تعرف معادن الناس.
2/ ونصرة الله ورسوله ودين الله سبحانه وآل بيت النبي صلى الله عليه وآله، إنها شاهد صدق إدعاء الانسان بالايمان. قال الله سبحانه: «لِلْفُقَرَآءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ اُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمَوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ» (الحشر/8) 3/ بل واحترام الرسول، والتأدب بما أمر الله سبحانه تجاهه، دليل صدق المرء في دعوى الايمان. قال الله سبحانه: «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ ءَامَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ» (الحجرات/15) 4/ ومن شواهد الصدق حب لقاء الله، وقلة الحرص على البقاء في الدنيا، بل وتمني الموت؛ فلو كان المرء صادقاً في أنه قد عمل بما فرض الله عليه، لم يخش الموت. أوليس الموت سبيله الى الجنة والرضوان؟ وهكذا إبتلى الله اليهود (وبالذات أحبارهم) بأن يتمنوا الموت إن كانوا صادقين، في أنهم أحباء الله. قال الله تعالى: «قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الاَخِرَةُ عَنْدَ اللّهِ خَالِصَةً مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ » (البقرة/94)، وقال أيضاً: «قُل يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَآءُ لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ» (الجمعة/6) 5/ إقامة الحجة على ما يدعيه المرء شاهد صدقه، وقد تحدى الكتاب الكفار بأن يأتوا بما لديهم من برهان على دعاويهم. قال الله سبحانه: «وَقَالُوا لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلا مَنْ كَانَ هُودَاً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ» (البقرة/111) 6/ وربما طالبهم الكتاب ببرهان يدعونه مثلاً، بأن يأتوا بالتوراة التي أدعو أنها تشهد على صدقهم، فقال ربنا سبحانه: «كُلُّ الطَّعامِ كَانَ حِلاًّ لِبَنِي إِسْرَآئِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَآئِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاْتْلُوهَآ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ» (آل عمران/93) 7/ ومن شواهد الصدق، تفصيل ما يجمله القائل. (فاذا إدعى أحدهم أنه حدث هناك حدث، سأل: متى، وكيف، ومن فعله، وهكذا.. حتى يتبين مدى صدقه). وقد أمر الله سبحانه الملائكة الذين اعترضوا على خلقة آدم، أمرهم بأن ينبئوا بأسماء من عرضهم عليهم، فقال تعالى: «وَعَلَّمَ ءادَمَ الأَسْمآءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلآَئِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِاَسْمَآءِ هَؤُلآءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ» (البقرة/31) 8/ والشهداء هم من أدلة الصدق على الدعاوى. ألم تقرء قوله تعالى: «وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِن مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَآءَكُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ» (البقرة/23) 9/ وقد يدعي أحدهم شيئاً، فعليه أن يحققه عملياً. وقد طالب النبي ابراهيم عليه السلام الذي جادله في ربه، بأن يأتي بالشمس من المغرب فبهت الذي كفر. وقد أمر الله الكفار بأن يدفعوا عن أنفسهم الموت، فعجزوا وافتضح كذبهم. قال الله سبحانه: «الَّذِينَ قَالُوا لإِخْوانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ» (آل عمران/168) 10/ وقال الله تعالى: «تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ» (الواقعة/87) 11/ وادّعى اليهود أن تكذيبهم بالرسول كان بسبب نقص الآيات الدالة على رسالته، فكذبهم ربهم، وقال: «الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَآ أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَآءَكُمْ رُسُلٌ مِن قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ » (آل عمران/183) 12/ وترى بعض الناس يحسنون الكفر، فاذا طالبتهم بأن يأتوا بأفضل مما يكفرون به، يبهتون ويفتضح كذبهم. قال الله سبحانه: «قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِندِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَآ أَتَّبِعْهُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ» (القصص/49) 13/ ومن شواهد الصدق، الحلف يميناً، خصوصاً فيما إذا ترتب عليه ما يخشاه الفرد. فــإن الرجل الذي يقذف زوجته بالزنــا، عليه أن يلاعنها ثم ينفصل عنها نهائيـاً. قال الله سبحانـه: «وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَآءُ إِلآَّ أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ» (النور/6)
في رحاب الأحاديث
وقد تظافرت الأحاديث عن الصدق، وها نحن نقرء منها بعضاً مما لم نكتبها فيما مضى:
1/ عن الامام علي عليه السلام في خطبة طويلة، قال: "أيها الناس، ألا فاصدقوا إن الله مع الصادقين، وجانبوا الكذب فإنه مجانب للإيمان، ألا إنّ الصادق على شفا منجاة وكرامة، ألا إنَّ الكاذب على شفا ردى وهلكة". ([145]) 2/ وعن الامام علي بن الحسين عليهما السلام، قال: "أربع من كنّ فيه كمل إسلامه، ومُحيت ذنوبه، ولقي ربه وهو عنه راض؛ وفاء لله بما يجعل على نفسه للناس، وصدق لسانه مع الناس، والإستحياء من كل قبيح عند الله وعند الناس، وحسن خلقه مع أهله". ([146]) 3/ عن عبد الله بن عمر، قال: جاء رجل الى النبي صلى الله عليه وآله، فقال: يا رسول الله؛ ما عمل أهل الجنة؟ قال: "الصدق. إذا صدق العبد برّ، وإذا برّ آمن، وإذا آمن دخل الجنة". ([147]) 4/ قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "أقربكم مني غداً في الموقف أصدقكم للحديث، وآداكم للأمانة، وأوفاكم بالعهد، وأقربكم من الناس". ([148]) * * * وفيما يلي نتحدث عن آفاق الصدق عبر فصلين؛ في الفصل الأول نتحدث عن العقود وأحكامها بتفصيل يتناسب وأهمية الموضوع، وفي الفصل الثاني نتحدث عن اليمين والوعد والكفالة.
([1]) بحار الأنوار، ج5، ص6.
([2]) المصدر، ج4، ص197.
([3]) بحار الأنوار، ج 5، ص90، ح10.
([4]) التوحيد، للصدوق (ره )، ص 339.
([5]) بحار الأنوار، ج 68، ص238- 239.
([6]) المصدر، ص239.
([7]) المصدر.
([8]) بحار الأنوار، ج100، ص65، ح10.
([9]) المصدر، ج74، ص153، ح116.
([10]) المصدر، ج69، ص30.
([11]) المصدر، ج73، ص153.
([12]) العروة الوثقى، طبعة دار الكتب الاسلامية، طهران، ص9، في مسائل الاجتهاد والتقليد، المسألة 67.
([13]) مستمسك العروة الوثقى للمرجع السيد محسن الحكيم، طباعة دار الكتب العلمية - قم ايران، ج1، ص 103.
([14]) المصدر (ببيان منا).
([15]) الفقه للمرجع السيد محمد الشيرازي، طباعة دار العلوم - بيروت لبنان- ، ج1، ص 455 نقلاً عن الباب الحادي عشر ص 6.
([16]) بحار الأنوار، ج2، ص21، ح62.
([17]) المصدر، ص96، ح39.
([18]) شرائع الاسلام، كتاب القصاص، الفصل الرابع في كيفية الاستيفاء، المسألة الثامنة.
([19]) ميزان الحكمة، ج9، ص 176.
([20]) ميزان الحكمة، ج5، ص492، ح10717.
([21]) وسائل الشيعة، ج12، ص 54-57.
(([22] ننقل النص التالي من كتاب شرائع الاسلام للمحقق الحلي في كتاب التجارة، طباعة النجف الاشرف - مطبعة الآداب، 1389هـ - 1969 م، ج 2، ص 9 وما بعد.
([23]) شرائع الاسلام، ج 2، ص 10.
([24]) وسائل الشيعة، ج12، ص 7، ح 6.
([25]) المصدر، ص8، ح 12.
([26]) المصدر، ص 12، ح8.
([27]) وسائل الشيعة، ج12، ص 16، ح1.
([28]) المصدر، ص 33، ح3.
([29]) المصدر، ص 36، ح1.
([30]) المصدر، ص 37، ح1.
([31]) المصدر، ص 39، ح2.
([32]) المصدر، ص 40، ح2.
([33]) المصدر، ص 41، ح5.
([34]) شرائع الاسلام، باب إحياء الموات.
([35]) المصدر، كتاب الشفعة.
([36]) نهج البلاغة، كتاب 47.
([37]) وسائل الشيعة، ج 11، ص 298، ح 7.
([38]) ميزان الحكمة، ج10 ، ص 738، ح 22493.
([39]) المصدر، ص 739 ،ح 22497.
([40]) المصدر، ص 740، ح 22502.
([41]) فقه الامام الصادق عليه السلام، ج 2، ص 114 (كتاب الحج) ([42]) شرائع الاسلام، ج 1، كتاب الجهاد.
([43]) المصدر، كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
([44]) ميزان الحكمة، ج10، ص 728، ح 22467.
([45]) ميزان الحكمة، ج 10، ص 731.
([46]) المصدر، ص 739، ح 22499.
([47]) ميزان الحكمة، ج10، ح 22495.
([48]) المصدر، ص 742 ، ح 22512.
([49]) المصدر، ص 743 ، ح 22515.
([50]) المصدر، ح 22516.
([51]) المصدر، ص 741، ح 22503.
([52]) المصدر، ح 22504.
([53]) المصدر، ص 735، ح 22481.
([54]) المصدر، ح 22475.
([55]) المصدر، ح 22476.
([56]) بحار الأنوار، ج 27، ص 170-171، ح 11.
([57]) ميزان الحكمة ، ج 10، ص 745، ح 22520.
([58]) المصدر، ص 733، ح 22470.
([59]) المصدر، ح 22471.
([60]) فقه الامام الصادق عليه السلام، محمد جواد مغنية، ج1، ص 112.
([61]) الشرائع، ج 1، كتاب الاعتكاف.
([62]) الشرائع، ج 1، كتاب الجهاد.
([63]) الشرائع ، ج 1، كتاب التجارة في شروط عقد البيع.
([64]) المصدر، ج2، كتاب الحجر.
([65]) المصدر، ج2، كتاب الوصايا.
([66]) المصدر.
([67]) المصدر، كتاب النكاح، في أولياء العقد.
([68]) تفسير نور الثقلين، ج4، ص 567.
([69]) بحار الأنوار، ج 23، ص 224.
[70])) المصدر، ج 10، ص 139.
[71])) بحار الأنوار، ج 26، ص 99.
([72]) المصدر، ج 70، ص 255 وأيضاً في ج 12، ص 45.
([73]) راجع تفسير من هدى القرآن للمؤلف في تفسير الآية.
([74]) مفاتيح الجنان، أعمال ليلة النصف من شعبان.
([75]) مفاتيح الجنان، للشيخ القمي، أدعية الأيام في شهر رجب، ص133.
([76]) تفسير نور الثقلين، ج3، ص403.
([77]) بحار الأنوار، ج 2، ص 87.
([78]) أي علموا بوجدانهم معرفة لاريب فيها كأنهم يضطرون الى قبولها.
([79]) بحار الأنوار، ج2، ص87-88.
([80]) المصدر، ص88.
([81]) بحار الأنوار، ج 2، ص 83، ح5.
([82]) المصدر.
([83]) المصدر، ح 6.
([84]) بحار الأنوار، ج2، ص 92، ح 21.
([85]) المصدر، ص 93، ح 26.
([86]) المصدر، ص 92، ح 22.
([87]) المصدر، ص 96، ح 39.
([88]) تفسير نور الثقلين، ج2، ص 548، رواية رقم 102.
([89]) المصدر، رواية رقم 104.
([90]) اصول الفقه، ج2 ، ص 58.
([91]) المصدر، ص 59.
([92]) المستصفى، ج2، ص 64.
([93]) المصدر.
([94]) الموافقات، ج4، ص 59.
([95]) وسائل الشيعة، ج20، ص64.
([96]) مجمل اللغة، لإبن الفارس، منشورات معهد المخطوطات العربية (الكويت)، ج1، ص 189-190.
([97]) المغرب في ترتيب المعرب، للمطرزي، دار الكتاب العربي بيروت لبنان، ص 26.
([98]) التحقيق في كلمات القرآن الكريم، ج1، ص 78.
([99]) أصول الفقه للعلامة المظفر، ج2.
([100]) أهم مقدمات الحكمة أن الاطلاق لا يفهم من الكلام إلاّ إذا كان المتحدث في مقام البيان؛ أي في معرض توضيح الفكرة من جميع الجهات. وفي هذه الآية لا نعلم بأن القرآن في معرض بيان الاقتداء بالرسول من جميع الجهات، وانما فقط في الصبر على الشدائد.
([101]) بحار الأنوار، ج21، ص 312.
([102]) تفسير نور الثقلين، ج3، ص342، ح102.
([103]) بحار الأنوار، ج22، ص 40.
([104]) نهج البلاغة، الخطبة 160.
([105]) ميزان الحكمة، ج1، ص 102.
([106]) نهج البلاغة، كتاب 45.
([107]) نهج البلاغة، خطبة رقم160.
([108]) بحار الأنوار، ج 16، ص 273.
([109]) فيما يلي ننقل ببعض التصرف فقرات جاءت في بيان آية المودة في تفسير (من هدى القرآن) للمؤلف.
([110]) بحار الأنوار، ج19، ص22.
([111]) مقتل المقرّم، ص357.
([112]) بحار الأنوار، ج 27، ص 53، ح 5.
([113]) بحار الأنوار، ج27، ص53، ح 6.
([114]) المصدر، ص57، ح16.
([115]) المصدر، ص 58، ح 17.
([116]) المحاسن للبرقي، ج1، ص 263.
([117]) المصدر.
([118]) المحاسن للبرقي، ج1، ص 264.
([119]) بحار الأنوار، ج 27، ص 54، ح 8.
([120]) المصدر، ص 57، ح 14.
([121]) الكافي، ج1، ص85، ح1.
([122]) بحار الأنوار، ج2، ص52، ح20.
([123]) المصدر، ج1، ص203، ح18.
([124]) مستدرك الوسائل، ج8، ص331.
([125]) المصدر، ج8، ص335.
([126]) ميزان الحكمة، ج1، ص520، ح2034.
([127]) المصدر، ص528، ح2071.
([128]) تحف العقول، ص115.
([129]) نهج البلاغة، حكمة رقم40.
([130]) تفسير الصافي، للفيض الكاشاني، ج2، ص 468.
([131]) بحار الأنوار، ج97، ص23.
([132]) بحار الأنوار، ج2، ص22.
([133]) تفسير نور الثقلين، ج3، ص 264، ح 103.
([134]) تفسير نور الثقلين، ج4، ص 308.
([135]) في الجزء السابع من هذه الموسوعة بحث مفصل حول فريضة الجهاد.
([136]) مفاتيح الجنان، الشيخ القمي، زيارة العباس عليه السلام، ص435.
([137]) مفاتيح الجنان، أدعية ليالي شهر رمضان، ص183.
([138]) خطبة رقم 156.
([139]) مستدرك الوسائل، ج8، ص454، ح1.
([140]) مستدرك الوسائل، ج8، ص455، ح3.
([141]) المصدر، ح4.
([142]) المصدر، ح5.
([143]) المصدر، ح7.
([144]) المصدر، ص456، ح8.
([145]) مستدرك الوسائل، ج8، ص456، ح9.
([146]) مستدرك الوسائل، ج8، ص456، ح10.
([147]) المصدر، ص457، ح16.
([148]) بحار الأنوار، ج74، ص150.