تشریع الاسلامی، مناهجه و مقاصده جلد 9

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

تشریع الاسلامی، مناهجه و مقاصده - جلد 9

سید محمد تقی مدرسی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید




الفصل الأول: كلمة الصدق والوفاء بالعقود


كلمة الصدق والوفاء بالعقود


تمهيد


كلمة الصدق من أجمل حقائق الإيمان في النفس والحياة، وتفيض منها حقائق الوفاء بالعهد والعقد، واداء النذر والعمل باليمين والالتزام بالوعد ودفع الكفالة. والصدق شرف الإنسان وكرامته، والصادق ناصح حرّ أمين.


ويبدو أن كلمة الصدق هي صبغة العلاقة بين أبناء المجتمع. وتتجلى كلمة الصدق في العقود باعتبارها من حقائق الصدق في التعامل مع الناس.


وفي هذه الدراسة المفصلة عن العقود نتحدث -بإذن الله تعالى- عن مختلف جوانب العقود عبر أقسام خمسة:


ففي القسم الأول نستوحي بصائر الوحي في العقود، مستلهمين من الآيات الكريمة التي أمر ربنا فيها بالصدق والعدل، ولا نفصّل فيها لأن لبحوثها مناسبة أخرى في هذه الموسوعة.


ونستفيد من آيات القرآن التي تنهى عن الظلم، ومن ثم نستوحي بصائر الوحي في حدود الله في العقود؛ مظهرها وجوهرها وحرمة الربا، وما يتصل بأهلية المتعاقدين، وبعض الشروط الضرورية في محل العقود.


وفي خاتمة الفصل نتأمل في الآية التي نهت الناس عن أكل اموالهم إلاّ بالتجارة عن تراض، وعن معنى التراضي وأركانه، وعن آية الوفاء بالعقود وآفاقها.


ثم نتحدث إن شاء الله بتفصيل عن الفروع الفقهية التي قد نستفيدها من البصائر القرآنية.


وفي القسم الثاني نبحث حول المكاسب التي حرّمها الشرع المبين، وذلك في بحوث ثلاثة؛ الأول: عن القواعد العامة. الثاني: عما نستفيده من حديث شريف روي عن كـتـاب تحف العقول فيه تفصيل المكاسب ما يجوز منها وما لا يجوز، ونتأمل فيها- بإذن الله- بما يتناسب ومنهج كتابنا هذا. الثالث: عن تفصيل أحكام الربا سواءً في الدين أو في العقود أو بيع الصرف.


وهكذا يستوعب حديثنا البحث عن محل العقود ومحتوى التجارات، والذي يفصل الفقهاء القول فيه تحت عنوان المكاسب المحرّمة.


أما القسم الثالث، فقد خصص لبحث صورة العقد، وحسب تعبير الفقهاء صيغة العقد، حيث يشترط فيها أمرين أساسيين هما التنجيز (وألاّ يكون العقد معلقاً) والتعبير؛ (أي توفر مظهر خارجي للعقد) . ويجرنا البحث فيه الى الحديث عن المعاطاة، وهي العقد بلا صيغة قولية، وإنما بالتعاطي الفعلي. كما نذكر جملة من الشروط المذكورة في الفقه للصيغة، ونبين الأصل فيها.


وفي القسم الرابع نذكر الشروط التي لا بد من توافرها في طرفي العقد (المتعاقدين)، ومنها شروط عامة مثل البلوغ والعقل، ومنها شروط ترتبط بالعقد مثل الرضا والملك.


وعند الحديث عن شرط الرضا يجري الحديث عن الإكراه معناه ومعياره ووسائله، وعن الرضا بعد الإكراه.


كما أنه عند الحديث عن شرط الملك، نبحث موضوع عقد الفضولي الذي أخذ جزءاً واسعاً من بحوثنا، وكذلك من بحوث الفقه والقانون، حيث تُحدثنا تلك البحوث عن التزامات الفضولي وموت الفضولي أو رب العمل، وعن التزامات المالك وعن عقد المتطفل. وألحقنا به البحث عن تصرف الفضولي ومدى ضمان الطرف الجاهل بالفضالة والطرف العالم بها. كما تحدثنا أيضاً ببعض التفصيل عن قاعدة نفي الظلم والضرر، أو قانون الاثراء بلا سبب.


أما القسم الخامس والأخير فقد خصص للكلام عن الخلل في التراضي، أو ما يسمى بعيوب الإرادة، حيث نتحدث أولاً عن الواجب في تحديد الثمن والمثمن ونفي الغرر. وثانياً عن الخيارات؛ ما يقتضيها وما يسقطها. وبالرغم من إن الحديث عن الخيارات حديث مفصّل في الكتب الفقهية، إلاّ أننا إختصرنا بحوثها لوضوحها.


وعموماً لا يتناسب حجم بحوثنا مع بحوث الفقه، لأن الهدف الذي نبتغيه ليس إستيعاب الفروع تماماً، بل إستيضاح الموضوعات العامة وإستنطاق الآيات المحكمة والسنة الواضحة فيها، حتى نتمكن من رد الفروع المتشابهة إليها، وإنجاح منهج تجميع الفروع المختلفة حول شجرة الأصول الواحدة.


كما إننا قد أدخلنا بعض المسائل الحديثة في بحوثنا الفقهية، وذلك من خلال دراسة الكتب القانونية. نسأل الله أن نكون قد وفقنا لأداء رسالتنا في هذه الدراسة.

القسم الأول: بصائر الوحي في العقود


في هذا القسم نتابع الحديث عن بصائر الوحي في العقود عبر بحوث ثلاثة:


في البحث الأول نتدبر في الآيات التي أمرت بالعدل والقسط، والتي نهت عن الظلم، وبالذات تلك الآيات التي نهت عن أكل أموال الناس بالباطل.


والبحث الثاني خصّصناه للحديث عن بصائر الوحي في العقود والأصول العامة التي نستفيدها فيها، والتي هي المرجع عند الشك، وهي التي تفيض منها أحكام الفروع.


وأما البحث الثالث والأخير فنبحث فيه عن الحدود الإلهية في العقود، والتي تشمل حدود الله التي نستفيدها من بصائر الوحي في أمرين؛ الأول صيغة العقود ومظاهرها الخارجية، والأمر الثاني عن حدود الله في جوهر العقود ومحلها ومحتوياتها؛ مثل حرمة الربا، وما يؤدي الى الفواحش أو الظلم، والإثم من المكاسب.


ونبحث في هذا القسم أيضاً عن أهلية المتعاقدين، وعن شروط البضاعة، وعن شروط متفرقة أخرى.


ومنهج البحث هنا كما في سائر أقسام موسوعة التشريع هو التدرج من الكلمات الأسمى، والقيم الأعلى والأوسع أفقاً والأشمل للأصول والفروع، الى الكلمات الأقرب، الى الحقائق الخارجية والمصاديق الفرعية. وهذا التدرج يزيدنا وعياً بحكمة الأحكام وبحدودها الدقيقة، والله المستعان.

أولاً: الصدق والقسط واجتناب الظلم


1/ لقد أمر الله سبحانه بالصدق، فقال: « مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيـلا» (الاحزاب/23). وقـــال تعالـــى: «وَالَّذِي جَآءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ» (الزمر/33). وقال تعالى: «يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ» (التوبة/119) 2/ وأمر الله تعالى بالعدل، فقال: « وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَانُ قَوْمٍ عَلَى اَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ » (المائدة /8) 3/ وأمر الله جل وعلا بالقسط، فقال: « قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ» (الاعراف/29). وقال تعالى: «وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَاَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الاُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَآءَتْ فَاَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ » (الحجرات/9) 4/ وأمر الله تعالى المسلمين بالقيام بالقسط، فقال: « يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَآءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيرَاً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَن تَعْدِلُوا وإِن تَلْوُو أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً» (النساء/135) 5/ ونهى ربنا عز وجل عن الظلم أشد النهي؛ ومن حقائقه أكل أموال الناس بالباطل، فقال سبحانه: «وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً» (النساء/161) 6/ واعتبر ربنا سبحانه الأحبار والرهبان الذين يأكلون أموال الناس بالباطل، يقومون بعمل يرفضه العقل؛ مثل أنهم كانوا يكنزون الذهب والفضة، فقال: «يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الاَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ» (التوبة/34) 7/ ومن مصاديق أكل أموال الناس بالباطل، الإدلاء بها الى الحكام، حيث قال سبحانـــه: «وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَآ إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ» (البقرة/188) 8/ وإستثنى الله تعالى من أكل أموال الناس، صورة التجارة عن تراض، حيث أنها وسيلة لتبادل الأموال، ولا يكون يومئذ أكلاً للأموال بالباطل. قال الله سبحانه: «يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلآَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً» (النساء/29) 9/ ومن مفردات الظلم المالي التي نهى الشرع عنها، السرقة التي جعل جزاءها شديداً، حيث قال ربنا سبحانه: «وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَآءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» (المائدة/38-39) ونستفيد من سياق الآية إن السرقة ظلم، فتعمها الآيات التي دلت على حرمة الظلم وشدة جزاء الظالمين.


10/ وأكد الشرع على النهي عن ظلم الزوجة، فقال سبحانه: «وءَاتُوا النِّسَآءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً» (النساء/4) 11/ وخصّ الذكر بعض الأنواع الشائعة من الظلم بحق النساء، فقال تعالى: «يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُوا النِّسَآءَ كَرْهاً وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَآ ءَاتَيْتُمُوهُنَّ إِلآَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً» (النساء/19) وهكذا حرّم الضغط على الزوجة حتى تتنازل عن بعض صداقها، حيث ان الرجل يدير شؤون زوجته فتكون ضعيفة أمامه، فيستغل ذلك بعض الرجال في ظلمها.


12/ كذلك نهى ربنا عز وجل عن منع الزوجة صداقها إذا أراد الزوج أن يطلقها بعد الدخول عليها، فقال سبحانه: «وإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَءاتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَاراً فَلاَ تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً * وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِيثَاقاً غَلِيظاً» (النساء/20-21) 13/ ونهى الله تعالى بشدة عن أكل أموال اليتامى ظلماً، فقال: «إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً» (النساء/10) 14/ ومن الظلم المالي الشائع الذي نهى عنه الدين بشدة، التطفيف في المكيال والميزان. قال الله سبحانه: «وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ» (المطففين/1-2) وقد سبق الحديث عن وجوب الوفاء في المكيال والميزان. ([1]) 15/ ونهى ربنا سبحانه عن الظلم الخفي الذي سمّاه بالغل، حيث قال: «وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ» (آل عمران/161) حيث إن من مصاديق الغل، إستغلال الفرد مركزه في الحصول على الأموال بصورة غير مشروعة؛ مثل الجور في تقسيم الأموال، أو السرقة من بيت المال.


16/ ومن الظلم منع الكفار حقهم إذا التحقت نساؤهم بالمسلمين، حيث أمر القرآن بايتائهم ما أنفقوا عليهن من الصداق. قال الله سبحانه: «يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا جَآءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لاَ هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَءَاتُوهُم مَآ أَنفَقُوا وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَآ ءَاتَيْتُمُوهُنَّ اُجُورَهُنَّ وَلاَ تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَسْأَلُوا مَآ أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَآ أَنفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ» (الممتحنة/10) 17/ وتبديل الوصية يعتبر من الظلم المالي الشائع، والذي نهى القرآن عنه. قال الله سبحانه: «كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ * فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فإِنَّمَآ إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» (البقرة/180-181) من هذه الآيات نستفيد البصائر التالية:


أ- إن القسط الذي من أجله بعث الله رسالاته، إنما هو مظهر من مظاهر العدل الذي أمر به الرب سبحانه، وهو بخلاف الظلم الذي نهى عنه ربنا سبحانه بشدة، حيث اعتبرت آية كريمة السرقة من مصاديق الظلم، إذ جاء في القرآن الكريم: «قَالُوا جَزَآؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَآؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ» (يوسف/75) وهكذا يكون من أهم أهداف التجارة عن تراض، إقامة القسط ومنع الظلم. وقد قرأنا في الآيات السابقة كيف أن الله سبحانه ذكرنا بأنواع شائعة من الظلم المالي والتي نهى عنها بشدة، وبالذات ما خفي منها كالغل والتطفيف، أو كان بحق الضعفاء كالزوجة واليتامى.


ب- إن التجارة وحدها لا تكفي تبريراً لأكل أموال الناس، بل لا بد أن تكون التجارة عن تراض. فأساس أكل المال الحلال، طيبة نفس صاحبه، حيث جاء في الحديث عن سول الله صلى الله عليه وآله، أنه قال: "لا يحل دم امرء مسلم ولا ماله إلاّ بطيبة نفسه". ([2]) ج- أكل أموال الناس حرام، إلاّ إذا كان بمبرر شرعي كاف؛ٍ لا فرق بين أن يكونوا مسلمين او غير مسلمين، لأن في بعض الآيات السابقة عموماً وإطلاقاً، ولأن الله عاب على اليهود أكلهم أموال الناس من غيرهم وقولهم أنه ليس عليهم في الأميين سبيل، ولأن ذلك ظلم والظلم حرام، وهو منافٍ للقسط الذي أمرنا به.


وهكذا نحصل على قاعدة فقهية هامة هي إحترام أموال الناس (إلاّ في الموارد التي يلغي الشرع حرمتها).

ثانياً: بصائر الوحي في العقود


1/ وقد أمر الله سبحانه بالوفاء بالعقود بوجه عام، فقال سبحانه: «يآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ اُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ» (المائدة/1) 2/ وقد بيّن سبحانه أنه أحل البيع وحرّم الربا، فقال: « الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ اِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِاَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَآءَهُ مَوْعِظَةٌ مِن رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَاُولئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ» (البقرة/275) 3/ وقـد أخبر انه سبحانه يمحق الربا، فقال: «يَمْحَقُ اللّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ» (البقرة/276) 4/ وأمر الله تعالى بأداء الأمانة، فقال: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً» (النساء/58) 5/ ومدح الله عز وجل فريقاً من أهل الكتاب كانوا يؤدون الأمانة، بينما ذمّ آخرين لعدم إهتمامهم بأداء الأمانة، فقال سبحانه: «وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِليْكَ وَمِنْهُم مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِمَاً ذَلِكَ بِاَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي اْلأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ» (آل عمران/75 ) ونستوحي من الآية ضرورة ردّ الأمانة الى صاحبها أنى كان، ولا يجوز تبرير الخيانة بأن صاحب الأمانة من غير قومنا أو يدين بغير ديننا. وقد سبق الحديث عن الأمانة. ([3]) 6/ وأشارت آية كريمة إلى الاستيجار، فقال سبحانه (في قصة النبي موسى عليه السـلام): «قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَآ أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ» (القصص/26) 7/ وبيّنت آيات كثيرة أحكام عقد النكاح، منها قوله سبحانه: «وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَآءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِن لاَ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلآَّ أَن تَقُولُواْ قَوْلاً مَعْرُوفاً وَلاَ تَعْزِمُواْ عُقْدَةَ النِّكَـاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّه َيَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ» (البقرة/235) 8/ وأشارت آية كريمة الى حكم الشراكة، حيث قال سبحانه (على لسان النبي داود عليه السلام): «قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَاِنَّ كَثِيراً مِّنَ الْخُلَطَآءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلاَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ» (ص/24) وبيّنت آيات مباركة أحكام الدين والرهن والشهادة، وسوف نتدبر فيها إن شاء الله.


والبصائر التي نستفيدها من الآيات هي التالية:


أ- إن الأصل في العقود وجوب الوفاء بها حسب ما تراضى طرفاها بها، ولا يجوز التخلف عنها لأن الله أمر بالوفاء بها كما أمر بالوفاء بسائر العهود.


ب- وأنه لا فرق في العقود بين التي كانت شائعة في عهد الرسول أو الأئمة عليه وعليهم صلوات الله، أو التي استحدثت أو سوف تستحدث، كما لا فرق في طهارة الماء بين الذي نزل من السماء في عهد الوحي أو الذي ينـزل اليوم أو غداً.



/ 29