الساحقة، ولا سيما علماؤهم وعظماؤهم حملة الآثار النبوية، وسدنة الأحكام الالهية (وأولئك لهم الخيرات وألئك هم المفلحون أعد الله لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم) وهم في غنى عن مدحة المادحين بمدحة الله تعالى، وثنائه عليهم في الذكر الحكيم، وحسبهم تأييد الدين، ونشر الدعوة إلى الحق المبين.
على أنا نتولى من الصحابة كل من اضطر إلى الحياد ـ في ظاهر الحال ـ عن الوصي؛ أو النجأ إلى مسايرة أهل السلطة بقصد الاحتياط على الدين، والاحتفاظ بشوكة المسلمين، وهم السواد الاعظم من الصحابة رضي الله عنهم اجمعين فإن مودة هؤلاء لازمة والدعاء لهم فريضة (ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنو ربنا انك رؤوف رحيم) .
(المسألة الثانية)
قال: وللشيعة في تكفير الاول والثاني صراحة شديدة ومجازفات طاغية، إلى آخر ارجافه.
(المسألة الثالثة)
زعم أن لهم في لعنهما عبارات ثقيلة شنيعة، إلى آخر عدوانه.
فأقول: ليس هذا الرجل أول من رمى الشيعة بهاتين المسألتين، ولا نحن أول من ناقش في ذلك، وقد أكل الدهر على هذه الامور وشرب، فالتحريش بمثل هذه المسائل ليس إلا إيقاظاً للفتنة الراقده، وإيقاداً للحرب الخامدة، (وتفريقاً بين المؤمنين، وارصاداً لمن حارب الله ورسوله من قبل، وليحلفنَ إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد انهم لكاذبون) وأي فائدة للأمة في هذا البوق يجأر فيه المرجف بأنكر الاصوات؟ وأي عائدة من هذا الطنبور ونغمه المزعج، وقد تقطعت أوتاره بتقادم عهده؟ وطول ما وقعت عليه اجيال المرجفين، وقد كان لبني أبي سفيان وبني مروان وأوليائهم قدم في هذه الدعاية وهم أهل السطوة، وأهل الحول والقوة، وأهل الطول والثروة، وأهل المكر والنكرة، وأهل الخداع والحيلة، وقد سخروا كل ما ليدهم في تعريض هذه المسائل وتطويلها (فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين) والشيعة كانوا حيال ذلك كالجبل الأشم لا يحفل بالعواصف، ولا يأبه بالقواصف، هذا والعصر مظلم، والحياة مهددة، أما اليوم فنور وحرية يأبيان ذلك كل الاباء، وما على الشيعة لو جابهت النواصب بالحقيقة الناصعة، وأدلتها القاطعة، ولعل النواصب يضطروننا إلى هذا.
وقد يُجهل الرجل الحليم
أستغفر الله، إن المسلمين إلى المسالمة أحوج منهم إلى الملاكمة، وما أغنانا عن استعراض مثل هذه المسائل المثيرة عونا في المعارك الفكرية التي لا تحمد عقباها، وقد اعذر من أنذر.
على أن هاتين المسألتين ـ مسألتي التكفير واللعن ـ مما لا وزن له عند أهل السنة لو رجعوا إلى اصول مذهبهم الاشعري، لأن الايمان عندهم عقد بالقلب لا ينافيه شيء مما يلفظه اللسان، حتى شتم الله تعالى ورسوله، كما نص عليه ابن حزم في ص204 من الجزء 4 من كتابه الفِصَل حيث نسب إلى إمام أهل السنة ابي الحسن بن اسماعيل الاشعري واصحابه القول: بأن الايمان عقد بالقلب، وإن أعلن الفكر