تقیة عند اهل البیت ع نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

تقیة عند اهل البیت ع - نسخه متنی

مصطفی قصیر العاملی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

وفي مرحلة سياسية اُخرى يقول:

فيالله وللشورى، متى اعترض الريب فيّ مع الأول منهم حتى صرت اُقرن إلى هذه النظائر، لكني أسففت إذ أسفوا وطرت إذ طاروا...( [111]).

وعندما انثال عليه الناس يبايعونه بعد مقتل عثمان بن عفان، قام(عليه السلام)بالأمر وأراد أن يغيّر ما كان يراه مخالفاً للسنّة التي هو أعلم الناس بها، فلم يجد آذاناً صاغية، ونهاهم عن الجماعة في النافلة فيما يدعى بصلاة التراويح فصاح الناس: واعمراه( [112])، واتّهموه بتغيير سنته فأعرض عنهم.

وهكذا في مسائل اُخرى، حتى كانت مسألة التحكيم، وأصر البعض في عسكره على الاحتكام إلى القرآن، ولم يسمعوا تحذيره من الانخداع بهذه المقولة، واراد اختيار ابن عباس للحكومة، فأصروا على أبي موسى الأشعري، فقبل بذلك احترازاً من الفتنة وحذراً من تفرقهم عنه، وكان ما كان.

لقد كان للتقية وجود في حياة أمير المؤمنين(عليه السلام) السياسيّة. صحيح أنه لم يكن يخاف على نفسه، بل لم يكن الوضع آنذاك قد بلغ حداً يتطلب أن يتقي(عليه السلام) على نفسه، لكن الإسلام كان في خطر، حالة الارتداد عن الدين وهو جديد غض، وحالة الانحراف التي لا يدري إلى أين ستصل كانت تستدعي منه السكوت عن حقوقه الشخصية، وغض النظر عن العديد من الظلامات لأجل حفظ الوحدة في المجتمع الإسلامي، هذه الوحدة التي كانت أكثر من ضرورة، فالمجتمع الإسلامي آنذاك كان محاطاً بالأعداء، وأي نزاع في الداخل وأي انقسام في مراكز القوة سوف يذهب بالهيبة والشكيمة ويثير شهوة الأعداء للانقضاض على هذا الدين، بل حتى في داخل المجتمع الإسلامي، كان الكثير من القبائل التي دخلت في الإسلام في السنوات الأخيرة من حياته(صلى الله عليه وآله وسلم) في معرض الارتداد والخروج من الدين، فيما لو حصل نزاع دموي على الحكم. كل هذا دفع أمير المؤمنين(عليه السلام) إلى ممارسة التقية والسكوت عن حقه تارة، وعن بعض المخالفات التي اعتاد الناس عليها اُخرى، وليس ذلك سكوتاً عن الحق بمقدار ما هو افتداء للدين ببعضه، افتداء للأهم بالمهم.

وهكذا كان الإمام الحسن(عليه السلام) والإمام الحسين(عليه السلام) أيام معاوية، حتى كانت خلافة يزيد فوجد أن الفساد الحاصل لا يعالج إلاّ بالخروج، فخرج وضحى بأعز ما عنده من أهل وأولاد وصحب وأتباع، لتكون كلمة الله هي العليا.

وقد كان أئمة أهل البيت بعد ذلك لا يجدون الفرصة لنشر علوم الرسالة التي يحملون، والتي استأمنهم عليها الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم)، حتى بدأت دولة بني اُمية بالتضعضع، وانشغل بنو العباس بترتيب حركتهم السياسية لبناء دولتهم، في هذه الأثناء كانت الفرصة مؤاتية لنشر معارف الدين ومحاربة البدع، وهذه الاُمور من أهم وظائف الإمامة، ولأجل تحقيق هذا الهدف على أفضل وجه ممكن، قام الإمام الباقر ومن بعده الصادق(عليهما السلام) بصرف جهودهما لهذه المهمة، ولما كان شرط النجاح فيها الابتعاد عن الساحة السياسية فقد لجأوا إلى التظاهر بعدم الرغبة في طلب السلطة، وطلبوا من شيعتهم كتمان أمرهم وحديثهم المتعلق بالإمامة وما يترتب على ذلك، خاصة أنهم كانوا يرون أن الظروف السياسية لن تكون في خدمتهم لو أرادوا خوض معركة الوصول إلى الحكم.

فالتقية كان لها الدور الفعال في تمكين الإمام الباقر وبعده الإمام الصادق(عليهما السلام) من نشر التشيع بهذا الشكل الواسع، وتأسيس فقه قائم على السنة الشريفة والكتاب الكريم، لا على القياس والاستحسان. وهذا لا ينكره إلاّ مكابر.الدور الجهادي للشيعة:

البعض ـ نتيجة للنظر القاصر ـ يعتبر التقية من الأساليب التي تدعو إلى الركون والتخاذل والخنوع، وأنها أبعد ما تكون عن منهج الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) وابنه الثائر الإمام الحسين(عليه السلام). هذا الرأي وهذا التوهم ناشئان من الابتعاد عن ساحة العمل والجهاد، فليس هناك في الحقيقة أي تناف بين التقية ـ بمعناها الصحيح ـ وبين عالم الثورة والجهاد. بل ربما يقال:إن بينهما تمام الانسجام والتآلف.

لذا نحن نجد أن الشيعة الذين اشتهر عنهم العمل بالتقية ـ حتى عدّها البعض من شعاراتهم ـ نجدهم يمتلكون تاريخاً مليئاً بالجهاد والتضحية والفداء، حتى عصرنا الحاضر. وهذه الثورة المباركة وحدها تشكل اكبر دليل على ذلك.

الجهاد ليس معناه الحرب دائماً، وليس هو مجرد القتال. وإنما هو القتال من أجل الدين وفي سبيل الله، والهدف الذي يضعه المجاهد نصب عينيه هو اعلاء كلمة الدين، وترسيخ قواعده، ورفع لوائه، وتحقيق حاكميته، وهذا يتطلب عملاً مدروساً على كل جبهة وفي اكثر من موقع ومجال.

ومن هذا القبيل الشجاعة، فالبعض يتصور أن الشجاعة معناها القتل والضرب وتجريد السيف دائماً، فنتيجة لذلك يقول: لا يعقل أن يؤخذ أمير المؤمنين(عليه السلام) ـ وهو أشجع الناس ـ مقيداً بحبائل سيفه ويقاد إلى المسجد وهو على هذه الصورة، ولا يعقل أن يسكت أمير المؤمنين(عليه السلام) على الاعتداء على السيدة الزهراء بمرأىً منه ومسمع.

هؤلاء يقيسون شجاعة علي(عليه السلام) على شجعانهم، فهم يتخيلونه مثل بطل سينمائي أو شبه عنترة العبسي، وغفلوا عن أن شجاعة علي(عليه السلام) مستمدة من عمق إيمانه ومنتهى يقينه، وأنه الأقوى والأقدر على إظهار شجاعته عندما يقف في مواجهة الأعداء، وأنه الأقوى والأقدر على كتم غضبه وضبط قواه عندما يكون الموقف الشرعي يتطلب ذلك، فالمحور دائماً طاعة الله، ورضى الله، وسبيل الله.

(أشِدّاءُ على الكُفّارِ رُحَماءُ بينَهم)( [113]) و (أذِلّة على المُؤمنينَ أعِزّة على الكافرينَ)( [114]).

يرتعد من سطوته الأعداء، ويغشى عليه من خوف الله، ويرتعد عندما يقف بين يديه. فالذي يحكّم الدين في كل حركاته وسكناته ليس غريباً منه أن يتواضع حتى الذّل إذا كان الموقف الشرعي يقتضي ذلك، ويصبر على المصائب والنوازل إذا كانت مصلحة الدين تتطلب ذلك.

وقد سبق أن اشرنا إلى أن التقية تخضع لقاعدة التزاحم بين الأحكام، وبين المصالح والمفاسد، وأن التقية تحرم إذا بلغت الدم، وإذا أدّت إلى الفساد في الدين، فهي إنما شرعت لتحقيق أغراض الشارع المقدس إذا حافظ المكلف على حدودها.

نعم ربما يتخذ البعض من التقية غطاءً لتبرير تخاذلهم والجلوس في بيوتهم; حيث يريد منهم الدين الخروج، فهؤلاء يشكلون حالة شاذة في المجتمع، ولا نقيم إيجابيات الحكم الشرعي من خلالهم، فإذا استخدم شخص مّا الحجاب الشرعي غطاء لتحرير انحرافاته، فلبس العباءة مثلاً ليتسلل إلى مآربه الخبيثة، فهل يعني هذا أن على النساء أن يتركن لبس العباءة حتى تفوت الفرصة على هؤلاء؟ وكذلك التقية، فإن اساءة الاستفادة منها لا يعني أبداً حرمتها وأنها تدعو إلى التخاذل والخنوع، فإن هؤلاء كانوا في كل عصر حتى في صدر الاسلام (يقولونَ إنَّ بيوتَنا عَورةٌ وما هيَ بعورة إنْ يُريدونَ إلاّ فِراراً)( [115]).

وهؤلاء قد يتخذون من بعض الروايات ذريعة لممارساتهم، دون أن يدركوا المراد منها، ونحن إذا نظرنا إلى أخبار التقية بمجموعها ندرك أن مثل هذه الأخبار إما وردت في موارد خاصة، وهي تعليمات أخذت بنظر الاعتبار الظرف الخارجي المعاصر للنص، أو أنها لها تأويلات لابد منها، نستفيدها من بقية الأخبار.

ونحن سنتعرض لتلك الروايات ومعالجتها في فصل مستقل.

المهم أن الواقع الخارجي يثبت أن التقية لا تعني أبداً ترك الجهاد، ولا تعني التخاذل، ولكن الجهاد المطلوب شرعاً، والمثمر الموصل إلى الأهداف المنشودة، يحتاج إلى توفر شروط ومتطلبات وأدوات لابد منها، فهل من المعقول أن يأمر المولى عزّوجلّ شخصاً بالخروج إلى قتال العدو، وحده وبدون سلاح ولا ذخيرة؟! أي فائدة في مثل هذا الجهاد؟ والصحيح أن هذا ليس جهاداً.

في الفترة الاُولى لنشوب الحرب بين العراق والجمهورية الإسلامية كانت تحصل أحياناً بعض الحالات من هذا النوع. بعض المؤمنين البسطاء يسيطر عليهم حبّ الشهادة ويشتاقون للحصول على منزلة الشهداء، فيخرجون إلى جبهات القتال دون سلاح وعلى غير هدىً وربما تجاوز وهو يسير على الأقدام خطوط العدو، وإذا سأله شخص إلى أين أنت ذاهب؟ يقول: اُريد الشهادة!! هذه في الحقيقة ليست شهادة إنها أشبه بالانتحار.

الجهاد هكذا يحتاج إلى تدريب وتخطيط وقيادة وعمل منظم وسلاح وعدّة، يحتاج إلى دراسات عن ساحة العدو، وإمكاناته ومواقع القوة والضعف عنده، يحتاج أحياناً إلى حيلة وخدعة. الجهاد أحياناً يطلب من الإنسان الاختفاء والكتمان وإيهام العدو بالانصراف عن القتال. إلى ما هنالك من شروط وأسباب لابد من توفرها.

أحياناً يتجاوز أحد أفراد الجيش التعليمات نتيجة للحماس، ويتعجّل في اطلاق النار على العدو، فيؤدي ذلك إلى فشل الخطة المرسومة وانكسار الجيش.

أئمتنا سلام الله عليهم كلهم حسين، لكنهم يجرّدون السيف عندما يكون الموقف يتطلب ذلك، ويغمدونه عندما يتطلب ذلك. فلو كان الحسين(عليه السلام)في ظروف الحسن(عليه السلام) لصالح معاوية، ولو كان الحسن(عليه السلام) في ظروف الحسين(عليه السلام)لثار في وجه يزيد، لا اُريد الخوض في غمار البحث عن العوامل والأسباب التي دفعت الإمام الحسين(عليه السلام) بالذات إلى القيام بنهضته; فإنه بحث طويل يحتاج إلى دراسة مستقلة، ولكن اُريد اجمالاً أن أقول: إن الإسلام كان يمر بظرف استثنائي. كان يعاني من حركة جاهلية كادت تودي به، وتعود بالاُمة إلى ما قبل البعثة. وقد وجد الحسين(عليه السلام) أنه لابد من الانتفاض لإيقاظ المسلمين وتنبيههم إلى هذا الواقع، وكان بقاء الحسين(عليه السلام) في المدينة أو في مكة يعني حتماً الاغتيال بأحد الوسائل التي يختارها الجهاز الحاكم، ومن ثم يتصدّى الإعلام الرسمي لتضليل الاُمة، ويضيع دمه(عليه السلام) هدراً، دون أن يحقق في ذلك للإسلام أي ثمرة.

لقد كان دور التضليل الإعلامي كبيراً إلى حدّ أمكن من تحويل الضحايا المظلومين والمضطهدين إلى بغاة خارجين، وزنادقة ملحدين.

ألم يقنع معاوية أهل الشام بأن علياً لا يصلي حتى فضحته شهادته في المحراب( [116])؟!

ألم يكن أهل الشام لا يعلمون لرسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) من ذوي قربى سوى بني اُمية( [117])؟!

ألم يجعلوا من سب علي(عليه السلام) سنةً في الجمعات والجماعات، حتى أن عمر ابن عبد العزيز لما تركها قام إليه عمرو بن شعيب فقال: يا أمير المؤمنين، السنّة السنّة!! يحرضه على السبّ( [118])؟!

ألم يستشهد حجر بن عدي وأصحابه بمرج عذراء; لأنهم عدّوا من المخالفين للسنّة وللجماعة في ترك سب أبي تراب فاستحقوا القتل( [119])؟!

ألم يجعل من يوم قتل ابن بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) عيداً يحتفل به بنو اُمية( [120])؟!

ألم يعمل الإعلام الرسمي لتضليل الناس عند ورود سبايا آل الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الشام، وإيهامهم بأنهم سبايا الروم والديلم( [121])؟!

في مثل هذه الظروف، لم يكن أمام الحسين(عليه السلام) إلاّ الخروج الذي حقق النتائج التالية:

1 ـ وفر الجو الإعلامي المطلوب لنهضته عن طريقين:

الأول: انتشار خبر خروجه في الأمصار الذي يعني عدم الرضا بالوضع القائم، وعدم الإقرار بشرعية يزيد.

الثاني: انتشار تفاصيل النهضة المباركة عن طريق الحشد الكبير الذي ضمه جيش عبيدالله بن زياد، فقد ضم اكثر من ثلاثين ألفاً، كان من بينهم المحدثون والمؤرخون والرواة فضلاً عن عامة المقاتلين. هذا الأمر ضمن نقل التفاصيل من دون تحريف، أضف إلى أن المأساوية التي اتصفت بها الواقعة أعطت القضية جانباً عاطفياً مثيراً يدفع الناس إلى تناقل أخبارها بسرعة.

2 ـ بلغ المسلمين جميعاً ضوابط وخصائص الخلافة الشرعية، وعدم توفرها في يزيد.

3 ـ بعث الضمائر الميتة وأيقضها من غفوتها فكانت مقدمة لسلسلة انتفاضات.

4 ـ كسر حاجز الخوف عند الناس الذي كان معاوية قد زرعه.

وغير ذلك من النتائج الإيجابية.

والظروف التي تلت شهادة الإمام الحسين(عليه السلام) رغم شدتها وصعوبتها شهدت سلسلة من الانتفاضات والثورات منها:

1 ـ ثورة التوابين والمختار الثقفي في العراق.

2 ـ ثورة زيد بن علي.

3 ـ ثورة محمد بن عبدالله بن الحسن في الحجاز.

4 ـ ثورة ابراهيم بن عبدالله بالبصرة.

5 ـ ثورة الحسين بن علي صاحب فخ.

6 ـ ثورة محمد بن ابراهيم وأبي السرايا.

7 ـ ثورة محمد بن جعفر الصادق(عليه السلام).

8 ـ ثورة علي بن محمد بن جعفر الصادق(عليه السلام).

فتاريخ الشيعة الحافل بالجهاد يشهد للانسجام التام بين التقية بالمعنى الصحيح وبين الجهاد. ولعل كل حركة سياسية أو غير سياسية تحتاج إلى عوامل تضمن لها النجاح، ومنها السرية والانضباط، مضافة إلى التخطيط السليم.

فالرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) بقي طيله حياته الرسالية يعتمد على هذه العوامل بالإضافة إلى التسديد الإلهي، فقد عمل سراً مدة ثلاث سنوات في أول الدعوة، ولم يطرح كل أهدافه، ولم يبين نواياه حتى بعد أن صدع بالدعوة، وإنما قال لهم: قولوا لا إله إلاّ الله تفلحوا.

لقد عمل سراً في كثير من المجالات خاصة الحربيّة منها. إن العديد ممن قبلوا رسالته وآمنوا به بقيت اسماؤهم طي الكتمان حتى بعد الهجرة النبوية. كان بعض المسلمين يعيشون في مكة وفي أوساط المشركين دون أن يطلع أحدٌ على حقيقتهم.

أبو طالب عم الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) وكافله كان من العناصر التي آمنت وبقي ايمانه سراً حتّى وفاته; ليحفظ مكانته من قريش، ويوظف ذلك في حماية الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم). وهذه المسألة (أي مسألة ايمان ابي طالب) وإن كانت موضع خلاف بين المسلمين، ولكنا نعتقد أن الإصرار على تكفيره جاء ضمن مخطط العداء لعلي بن أبي طالب(عليه السلام)، الذي مارسة الأمويون ثم انطلى ذلك على المسلمين حتى اليوم.

ونحن نملك من النصوص ما يوجب القطع بذلك، وعلى سبيل المثال:

عن أمير المؤمنين(عليه السلام) قال: كان والله أبو طالب عبد مناف بن عبد المطلب مؤمناً مسلماً يكتم ايمانه مخافة على بني هاشم أن تنابذها قريش( [122]).

وعن الإمام الصادق(عليه السلام) قال: إن ابا طالب أسرّ الإيمان وأظهر الشرك فآتاه الله اجره مرتين، وما خرج من الدنيا حتى أتته البشارة من الله بالجنة( [123]).

وعن العسكري(عليه السلام): إن أبا طالب كمؤمن آل فرعون يكتم ايمانه( [124]).كيف كان الأئمة(عليهم السلام) يمارسون التقيّة:

لقد عمل الأمويون لعزل أهل البيت(عليهم السلام) عن المسلمين عزلاً تاماً من خلال الرعب الذي بثوه في النفوس والإرهاب. ولم تسمح لهم الظروف ـ كما قلنا ـ بنشر علومهم; لشدة الحصار المفروض. وفي أواخر حكم بني أمّية وبدايات الدولة العباسية وجد الأئمة متنفساً لنشر حديثهم، لكن الأمر بقي في حدود، ولم يكن بالإمكان العمل بلا قيد ولا شرط.

فالحكام ـ أياً كانوا ـ لا يريضيهم ولا يريحهم أن يروا الناس يختلفون إلى بيوت أئمة أهل البيت(عليهم السلام)، فهم يعرفون منزلتهم من رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، ويعلمون أنهم أصحاب هذا الأمر، وأن الناس لو تركوا لا تبوعهم، وبذلك تزداد قدرتهم ولا يؤمن خطرهم على كراسي الحكم التي يتشبثون بها. فلابدّ دائماً من الحذر والرقابة والحيلولة دون اتساع نفوذهم. من أجل ذلك اتفق الجميع على اختلاف مشاربهم وأهوائهم على سياسة واحدة تجاه أهل هذا البيت، فالكل يحمل تجاههم نفس المشاعر، نعم قد يختلف ذلك شدة وضعفاً تبعاً للظروف السياسية التي تحيط بالحاكم والإمكانات المتوفرة عنده.

المهم أن عصر الصادقين(عليهما السلام) شهد انفراجاً ملحوظاً لما ذكرنا من انشغال الفريق الجديد بتثبيت حكمه، والتخلص من خصومه، وإرساء قواعد الدولة; بينما الفريق السابق يعاني من الشلل والضعف العام. هذا الوضع مكّن الأئمة(عليهم السلام) من الانصراف إلى جمع التلامذة ونشر الحديث والمعارف الإسلامية التي كان المجتمع الإسلامي في غاية الظمأ لها.

ولأجل تمهيد الطريق لتحقيق هذا الأمر وأداء هذه المهمة كان لابد من الحفاظ على مواقعهم بعيداً عن الساحه السياسية، وإقناع خصومهم بشكل وبآخر أنهم منصرفون عن ذلك. وبسبب ما كان للحكام من نظرة خاصة تجاه أهل البيت(عليهم السلام) من جهة كونهم أصحاب الحق الشرعي، الذي زرع في نفوس اُولئك الحكام سرعة الانفعال، وشدة الحذر منهم، كان عليهم سلام الله عليهم أن يكونوا أكثر دقة في التخطيط لمهمتهم، واختيار تلامذتهم، وانتخاب أصحابهم، ومن ثم أكثر حرصاً على تربيتهم على الكتمان في الجوانب المتعلقة بالإمامة وأبعادها وخصائصها، فإنه من الممكن القول بأن علوم أهل البيت(عليهم السلام) على قسمين: قسم كان ينشر بدون اي حذر ولا مشكلة، وقسم كان يعد من الحديث الخاص الذي لا يؤتى إلاّ من عرف الحق وآمن بالإمامة وبمنزلة الأئمة(عليهم السلام)، ولا شك أن هذا القسم كان هناك حظر رسمي على انتشاره، لا لأنه من المعارف المخالفة للكتاب والسنة، ولا لأنه غريب عن الإسلام، بل لأنه يشكل خطراً عليهم، لأنه يقتضي سلب الشرعية عن حكمهم ويقتضي تعريف الناس بمن هو أولى منهم بالأمر.

ومن هنا نجد أن الإمام الصادق(عليه السلام) يحرص على سؤال طلاب الحديث الذين يدخلون عليه، ومعرفة اتجاهاتهم الفكرية وملامحهم السياسية، قبل أن يبادر لتحديثهم. ومن جهة اُخرى نراه يحدث من دون سند إذا كان السامع شيعياً عارفاً بعصمتهم، وأنهم يفتون بالعلوم التي ورثوها عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، بينما يحدث الآخرين مسنداً حديثه عن أبيه عن جده عن أجداده عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، لأنهم يتعاملون معه على أنه راو ثقة فلا بد من السند.الامام في هذه الأجواء لم ينجُ من وشايات المغرضين والحاقدين، فكان يتعرض باستمرار لمضايقات الحكام باستدعائه وتفتيش داره، بحثاً عن السلاح والأموال التي تدل عندهم على أنه يدبر أمراً بليل، مع أنه(عليه السلام)كان يدرك خطر هذه الاُمور على المهمة التي يريد الانصراف إليها، وأن الحكام لن يتركوه فكان لا يترك في داره ما يثير ريبتهم، إلاّ أنهم مع ذلك لا يأمنون ناحيته.وفي هذه الأجواء كان الحكام يدركون خطورة انتشار التشيع وزيادة أتباع أهل البيت(عليهم السلام) ولو مستقبلاً، فكان لابد من تصفية الشيعة ووضع الإمام تحت الحصار والرقابة، وكانت كلما ازدادت هذه الظروف صعوبة ازداد حرص الإمام على ممارسة التقية والتأكيد على أصحابه بذلك.ولقد تمكن الإمام الصادق(عليه السلام) من خلال هذه التقية أن يحقق أمرين:الأمر الأول: أنه استطاع أن يؤسس القاعدة الفكرية الإسلامية الواعية من خلال الحديث الذي نشره على مستوىً واسع. حتى بلغ عدد المحدّثين عنه في الكوفة وحدها أربعة آلاف رجل. وحارب في الوقت نفسه الزندقة والإلحاد التي تفشت نتيجة للتأثر باليونان وفارس بعد فتحهما واختلاط المسلمين بأهل الكتاب، وقد تمكن(عليه السلام) من تخريج متكلمين بارعين وقفوا بشدة أمام هذه التيارات الإلحادية.الأمر الثاني: أنه استطاع أن يحقن دماء الشيعة الذين لم يفتأوا يتعرضون للاستفزاز من قبل أعوان السلطة، والملاحقة والقتل خوفاً من زيادة نفوذهم.ولقد كان الحماس أحيانا يدفع بالبعض من الشيعة الى التساهل تجاه الأخطار المحدقة والاستهتار بها، فيندفع انطلاقاً من حرصه على اظهار فضائل الأئمة وعظيم منزلتهم فيحدث بذلك ما يلفت أنظار الحكام إلى انتشار التشيع وخطورته عليهم، وهذا يعود بالخطر على الأئمة والشيعة، ويكون سبباً في تشديد الحصار والملاحقة. هذا الأمر خصوصاً يكشف لنا السر في بعض النصوص التي تشدد على الكتمان بلهجة قاسية.روي عن علي بن الحسين(عليه السلام) أنه قال: وددت والله أني افتديت خصلتين في الشيعة لنا ببعض لحم ساعدي: النزق وقلة الكتمان( [125]).وروي عن أبي عبدالله(عليه السلام) أنه قال: إنه ليس احتمال أمرنا التصديق له والقبول فقط، من احتمال أمرنا ستره وصيانته عن غير أهله، فأقرئهم السلام وقل لهم: رحم الله عبداً اجتر مودّة الناس إلينا ]إلى نفسه[. حدثوهم بما يعرفون، واستروا عنهم ماينكرون.. ثم قال: ماالناصب لنا حرباً بأشد علينا مؤونة من الناطق بما نكره، فإذا عرفتم من عبد اذاعة فامشوا إليه وردوه عنها.. الحديث( [126]).وروي عنه(عليه السلام) قوله: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يتكلم في دولة الباطل إلا بالتقية( [127])وروي أيضاً عنه(عليه السلام) قوله: من أذاع علينا شيئاً من أمرنا فهو كمن قتلنا عمداً ولم يقتلنا خطأً( [128]).والذي يظهر من هذا الحديث الأخير أن التركيز في الكتمان كان على اُمور الإمامة، لقوله(عليه السلام): شيئاً من أمرن. ويشهد له أيضاً ما روي عن القاسم شريك المفضل وكان رجل صدق قال: سمعت أبا عبدالله(عليه السلام)يقول: خلق في المسجد يشهرونا ويشهرون أنفسهم، اُولئك ليسوا منا ولا نحن منهم، أنطلق فاُداري وأستر فيهتكون ستري، هتك الله ستورهم. يقولون: إمام، والله ما أنا بإمام إلاّ من أطاعني، فأما من عصاني فلست له بامام، لِمَ يتعلقون باسمي؟ ألا يكفّون اسمي عن أفواهم، فوالله لا يجمعني الله وإياهم في دار( [129]).لاحظ هذا التشدد، والإشارة إلى أن التساهل كان بنقل أحاديث الإمامة على ما يبدو في الملأ العام في المسجد، فإن عمل واحد غير مسؤول يؤدي إلى تحطيم كل الإنجازات وإضاعة كل الجهود، فإن إفشاء السرّ يفسد العمل الذي شرطه الكتمان.روي عن أبي عبدالله(عليه السلام): كتمان سرنا جهاد في سبيل الله( [130]).وعنه(عليه السلام): عليكم بالتقية فإنه ليس منا من لم يجعلها شعاره ودثاره مع من يأمنه; لتكون سجية مع من يحذره( [131]).وعنه(عليه السلام): ... وأن امامتنا بالرفق والتألّف والوقار والتقيّة وحسن الخلطة والورع والاجتهاد، فرغّبوا الناس في دينكم وفي ما أنتم فيه( [132]).وعنه(عليه السلام): لا تذيعوا أمرنا ولا تحدثوا به إلاّ أهله; فإن المذيع علينا أمرنا أشد مؤونة من عدوّنا. انصرفوا رحمكم الله ولا تذيعوا سرنا( [133]).وعنه(عليه السلام): كفوا ألسنتكم والزموا بيوتكم، فإنه لا يصيبكم أمر تخصّون به أبداً( [134]).وعن الإمام الباقر(عليه السلام): لو أن على ألسنتكم أوكية لحدّث كل امرئ بماله( [135]).وعن الإمام أبي الحسن(عليه السلام): إن كان في يدك هذه شيء، فإن استطعت أن لا تعلم هذه فافعل. وقال: احفظ لسانك تعزّ، ولا تمكن الناس من قياد رقبتك فتذل( [136]).والخلاصة: أن التقية كانت استجابة للواقع المرّ، وتعاملاً معه بالطريقة المناسبة، وحركة مضادة لجأ إليها الشيعة لتقيهم المكاره، ولتزيل من أمامهم العوائق.التقية لم تحول الشيعة إلى جمعية سريّة، ولا إلى حركة باطنية رغم كل معاناتهم. ولأجل هذا نجدهم اليوم، وبعد أن ارتفعت الدواعي للتقية، سبّاقين إلى طرح فكرهم وعرض علومهم.وسيأتي في الفصل القادم مزيد بيان عن كيفية ممارسة الأئمة للتقية من خلال التمييز بين التقية والاتقاء.التقية أم الاتقاء:من الحالات الدقيقة جداً التي زلّ فيها الكثيرون، مسألة التمييز بين الموارد التي يتقي فيها الإمام(عليه السلام) حذراً من السائل، وبين الموارد التي يتقي فيها خوفاً على السائل، ونعني الموارد التي يقصد فيها الإمام التظاهر بما يخالف الحق، والموارد التي يدفع الإمام فيها أحد أفراد شيعته إلى ممارسة التقية من حيث لا يدري. وسوف نسمي الأول تقية، والثاني اتقاءً للتمييز بينهما.فأحيانا يسأل الشيعي الموالي مسألة فينظر الإمام الى حال السائل، ويعرف أنه مبتلىً بمحيط ربما يشكل خطراً عليه لو عمل على طبق الحق، ولا ينفع في مثل هذه الحالة أن يأمره الإمام بالتقية; لأنه ربما لا يشعر بالحاجة والضرورة لممارستها، فيتعين على الإمام أن يأمره بالعمل الذي يسأل عن حكمه على طبق الفتوى المخالفة لهم، ويتوهم السائل أنه أجابه على وفق المذهب الحق.البعض عندما يقرأ بعض النصوص المروية في مثل هذه الحالات، ويجد أن الفقهاء يحملونها على التقية، يتعجب ويتصور أنه لا يوجد أي مبرر للتقية; فالسائل شيعي وليس هناك أحد، فلماذا يتقي الإمام؟!، والحق أن هذه الموارد من باب الاتقاء لا التقية، وقد وردت عدة نصوص تشكل شواهد بينة تدل على أن الأئمة(عليهم السلام)كانوا يمارسون هذا النمط من الاتقاء، وبذلك يمكن تفسير الكثير من الحالات التي بقيت محيّرة عند البعض ودفعت المشككين إلى السقوط في مستنقع لا يستحسن وروده. فإن النظرة الشمولية لجميع المتون الحديثية، واستقصاء موارد التقية في الفتوى تمكن الباحث من تكوين صورة كاملة عن كيفية اتقاء الأئمة(عليهم السلام)، ومن هو المتقى منه.فالإمام(عليه السلام) إذا أراد ممارسة التقية بالفتوى فله حالات ثلاث لا يخرج عنها:1 ـ أحيانا يأمر الشيعة بالتقية والكتمان، ويترك لهم تشخيص الموارد والظروف، ويفتي لهم بالحق الصريح، وهذه هي الحالة البسيطة العادية، وهذا خارج عن محل بحثنا هنا.ومن أمثلة هذه الحالة ما ورد عن علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن الماضي(عليه السلام) عن الرجل يسجد على المسح والبساط، قال: لا بأس اذا كان في حال التقية، ولا بأس بالسجود على الثياب إذا كان في حال التقية( [137]).فقد صرح سلام الله عليه بأن الفتوى في حال التقية فقط، وجميع الموارد التي يبين فيها الحكم الواقعي ويأمر بالتقية عند الضرورة تدخل في هذا القسم.2 ـ أحيانا يُسأل الإمام(عليه السلام) من قبل شخص يتقى منه فيجيبه بالفتوى على طبق مذهب العامة، وهنا ربما روى ذلك عن الإمام وسمعه منه الشيعة فيقع التباس في الحكم لمن لا يدرك أن الراوي كان ممن يتقى منه. وهذا النوع إذا وجد، فأخبار معالجة النصوص المتعارضة تتكفل بإصلاحه وسيأتي التعرض لها في فصل مستقل. ويمكن أن يكون عمل الإمام هنا عندما يجيب السائل بحسب مذهب العامة ليس من باب التقية، وانما لكون السائل يريد الفتوى بحسب مذهبهم، فإن العوام إذا رأوا شخصاً من أهل العلم وكان عندهم مسألة في محل ابتلائهم فإنهم يبادرون لسؤاله دون استفسار عن مذهبه، كما يحصل اليوم في أماكن الالتقاء والمساجد وفي موسم الحج. فالسائل لا يعلم أصلاً أن هذا الجالس هو إمام المذهب الفلاني، بل ربما كان لا يعرف مذهباً آخر غير مذهبه الذي يتعبد به.وهذا له شاهد عن أبان بن تغلب قال: قلت لأبي عبدالله(عليه السلام): إني أقعد في المسجد فيجيء الناس فيسألوني، فإن لم اُجبهم لم يقبلوا منّي، وأكره أن اُجيبهم بقولكم وما جاء عنكم، فقال لي: انظر ما علمت أنه من قولهم فأخبرهم بذلك( [138]).فالإمام أجازه أن ينقل لهم فتواهم، والتقية هنا في كتمان فتوى أئمة أهل البيت(عليهم السلام) لا في اظهار فتوى العامة، بل هو ناقل آراء الغير وربما بأسمائهم، وهذا قد ينطبق على بعض الحالات التي يرد فيها السائل على الإمام(عليه السلام).3 ـ الحالة الثالثة: التي هي محل كلامنا هنا، أن يأتي الشيعي ويسأل الإمام، فيقول له: افعل كذا وكذا، أو آمرك بأن تفعل كذا وكذا مما هو مخالف للمعروف من مذهب أهل البيت(عليهم السلام). فهذا في حقيقته ليس فتوى، وإنما هو أمر ولائي، فالإمام(عليه السلام) نظر إلى تكليف المكلف الشخصي بالعنوان الثانوي وأصدر أمراً مطابقاً لذلك التكليف، دون أن يتنبه السائل إلى شيء، فربما توهم أن هذا هو الحكم الكلي المتعلق بالعنوان الأولي.مثاله: لوجاء شخص مريض إلى الإمام وسأله عن أحكام الصوم بالنسبة للمريض، فيجيبه الإمام بقوله: أفطر. أو سأله عن حكم السفر فيقول له: قصّر في صلاتك. فإن هذا عادة يستفاد منه حكم كلّي لكن بالشروط والقيود التي كانت مأخوذة في السؤال. لكن لو شاهد الإمام مثلاً شخصاً مريضاً ومن دون سؤال سابق قال له: لا تصم، فهذا السامع إذا كان لا يعلم بمرض المخاطب فسوف يعجب ويتوهم أنه أجاز له الإفطار، وربما حمل ذلك على خصوصيات اُخرى لا على اساس المرض.فمرجع هذا النوع من التقية إلى أن الإمام(عليه السلام) أخذ على عاتقه تشخيص حال المكلف، ونظر إلى تكليفه الفعلي بلحاظ تلك الحال، وأمره بفعل ذلك.وأما الشواهد الروائية:فقد روي أنه كتب علي بن يقطين( [139]) إلى الامام الكاظم(عليه السلام) يسأله عن الوضوء؟ فكتب إليه أبو الحسن(عليه السلام): فهمت ما ذكرت من الاختلاف في الوضوء، والذي آمرك به في ذلك أن تمضمض ثلاثاً، وتستنشق ثلاثاً، وتغسل وجهك ثلاثاً، وتخلّل شعر لحيتك، وتغسل يديك من أصابعك إلى المرفقين ثلاثاً، وتمسح رأسك كله، وتمسح ظاهر اُذنيك وباطنها، وتغسل رجليك إلى الكعبين ثلاثاً، ولا تخالف ذلك إلى غيره.فلما وصل الكتاب إلى علي بن يقطين تعجب مما رسمه له أبو الحسن(عليه السلام)فيه مما أجمع العصابة على خلافه، ثم قال: مولاي أعلم بما قال، وأنا أمتثل أمره، فكان يعمل في وضوئه على هذا الحد، ويخالف ما عليه جميع الشيعة امتثالاً لأمر أبي الحسن(عليه السلام).وسعي بعلي بن يقطين إلى الرشيد، وقيل: إنه رافضي مخالف لك، فامتحنه الرشيد من حيث لا يشعر، فلما نظر إلى وضوئه، ناداه: كذب ـيا علي بن يقطينـ من زعم أنك من الرافضة، وصلحت حاله عنده. وورد عليه كتاب أبي الحسن(عليه السلام)، ابتدئ من ا لآن ـ يا علي بن يقطين ـ وتوضأ كما أمرك الله تعالى: اغسل وجهك مرة فريضة واُخرى اسباغاً، واغسل يديك من المرفقين كذلك، وامسح بمقدّم رأسك، وظاهر قدميك من فضل نداوة وضوئك، فقد زال ما كنا نخاف منه عليك، والسلام( [140]).وقريب من هذه القصة روي أنها وقعت بين الإمام الصادق(عليه السلام) وداود بن زربي الذي كان إلى جوار بستان للمنصور، وكان وشي به إلى المنصور أنه رافضي يختلف إلى جعفر بن محمد، فلما اطلع إلى طهارته اعتقد كذب ما اُخبر به، فأرسل إليه وأكرمه( [141])..ومن أمثلة وشواهد ذلك ما روي عن سلمة بن محرز قال: قلت لأبي عبدالله(عليه السلام): إن رجلاً مات وأوصى إلي بتركة، وترك ابنته، قال: فقال: أعطها النصف، قال: فأخبرت زرارة بذلك، فقال لي: اتقاك، إنما المال لها. قال: فدخلت عليه بعد فقلت: أصلحك الله، إن اصحابنا زعموا انك اتقيتني، فقال: لا والله ما اتقيتك، ولكني اتقيت عليك أن تضمن، فهل علم أحد؟ فقلت: لا، قال: أعطها ما بقي( [142]).من خلال هذه الأمثلة يظهر واضحاً أن الامام(عليه السلام) إذا رأى السائل في بعض الحالات في معرض الابتلاء والوقوع تحت مراقبة السلطة أو الوقوع في مشكلة كبيرة نتيجة تقيده بالأحكام الواقعية، يأمره بالعمل بالنحو الذي يحقق له النجاة ويحقن دمه، وفي مثل هذه الموارد لا شك أن وظيفة المكلف على طبق أمر الامام، وان لم يلتفت بنفسه إلى انطباق عنوان الضرورة. ولأجل ذلك يسلك الإمام(عليه السلام) في مثل هذه الحالات اسلوب إصدار الأمر الخاص، فيقول: آمرك بكذا، أو أعطها كذا. وهذه النقطة جديرة بأن تلاحظ في دراسة النصوص المتعارضة. فيفرق بين النص الوارد بعبارة بيان الحكم العام، والنص الوارد بعبارة الأمر بالفعل الذي يحتمل الحكم الشخصي الذي يؤخذ فيه الشروط والخصوصيات التي تتوفر بالسائل; وقد لا يدلّ عليها أية قرينة لفظية كما أنه يحتمل الحكم العام أيضاً، إلاّ أنه لرفع التعارض يمكن حمله على حكم تلك الواقعة بالخصوص أو ذلك الشخص بالخصوص لظرف خاص.المهم أن الأئمة(عليهم السلام) بهذه الطريقة كانوا أحيانا يمارسون التقية لدفع الأذى والمكروه عن شيعتهم وأتباعهم، ويحقنون دماءهم.كما أنه من خلال هذه الأمثلة يتضح أن حكام تلك العصور كانوا ينظرون إلى التشيع على أنه جريمة نكراء، وأن الالتقاء بالامام(عليه السلام) ذنب يوجب القتل، وهذه الأمور كانت تشكل محور الوشايات. ومن هنا كانت التقية تنصب على ابعاد تهمة التشيع والرفض، الذي يتوقف على اخفاء كل ما يمكن أن يشكل دليلاً عند السلطة، ولو كان الوضوء.والتقية التي يمارسها الإمام قد لا تكون لأجل حفظ نفسه ولا لأجل خوفه، وانما لهذه الغاية ولهذه المصلحة. واذا اتضح هذا لا تبقى أي غرابة عندما يروى لنا أن بعض الظروف كانت تلجئ الإمام(عليه السلام) إلى القاء الخلاف بين أصحابه، ولعل ذلك يدخل فيما ذكرناه، فهو لكي لا يتميّز الشيعة بقول خاص يستدلّ به على تشيع شخص فيؤخذ به.كما أن الروايات السابقة تكشف عن كون المتقى منه بالدرجة الاُولى حكام الجور وأعوانهم وعيونهم; واذا حصل حاجة لممارسة التقية بين العوام فلأجل أن لا يشتهر عن الشخص تشيعه المؤدي إلى اطلاع السلطة على ذلك. فبين عوام الناس أيضاً المتقى منه والذي يشكل خوفاً وضرراً هو السلطة الحاكمة ولا أحد يدعي خوفه من نفس العوام الذين قد لا يحملون أي حالة عدائية للشيعة بل ربما كانوا ينظرون إليهم بعين التقدير والاحترام. بعض أنحاء التقية:لم يكن يكتفي الجور بمراقبة الامام(عليه السلام) ووضع العيون والقيام بالمداهمات بحثاً عن السلاح والأموال وغير ذلك، وانما كانوا يحرصون أحيانا على استدعاء الامام اِلى عاصمة ملكهم ليضعوه تحت الرقابة المباشرة وليكون الحصار عليه أشد ما يكون، هذا الأمر كان يجعل الاتصال بين الامام وأصحابه وشيعته معقداً. ولأجل القيام بالاتصالات الضرورية كان يسلك الأئمة وأتباعهم طرقاً كثيرة لاختراق حالة الحصار والتمويه على عيون السلطة.ولقد اضطر مرة هارون بن خارجة الأنصاري لزيارة الامام الصادق(عليه السلام); وكان(عليه السلام) أنذاك بالحيرة وقد منع أبو العباس السفاح الدخول عليه، فذهب هارون ولم يقدر على لقائه، فرأى بائع خيار يلبس جبة صوف، فاشترى منه الخيار كله واستعار جبّته وذهب ينادي على الخيار حتى دنا من أبي عبدالله(عليه السلام)، فدخل عليه وسأله عما أراد، وقد اُعجب الامام(عليه السلام)، بفعله وقال له: ما أجود ما احتلت!!( [143]).بل لقد كانوا يتوسلون أحيانا بتغيير أسمائهم خاصة خلال المراسلات خوفاً من وقوعها بأيدي الوشاة; كما يفعل اليوم فيما يسمى بالاسماء المستعارة.يقول أبو غالب الزراري في رسالته: وكان جدنا الأذني الحسن بن الجهم من خواص سيدنا أبي الحسن الرضا(عليه السلام) وله كتاب معروف، وكانت اُم الحسن بن الجهم ابنة عبيد بن زرارة، ومن هذه الجهة نسبنا إلى زرارة ونحن ولد بكير، وكنا قبل ذلك نعرف بولد الجهم. وأول من نسب منا إلى زرارة جدنا سليمان، نسبه ابوالحسن علي بن محمد صاحب العسكر ]الهادي[، وكان إذا ذكره في توقيعاته إلى غيره قال: الزراري; تورية عنه وستراً له ثم اتسع ذلك وسمينا به( [144]).ومن هذا القبيل ما كان تكني به الشيعة عن أئمتهم، خاصة زمان اشتداد المحنة عندما اُودع الامام الكاظم(عليه السلام) السجون. فعندما يروون عن الامام الكاظم(عليه السلام) يقولون حدثنا العبد الصالح، أو حدثنا العالم، أو الرجل وأمثال ذلك تقية وتورية.وفي زمان الحصار الشديد كان يلجأ أئمة أهل البيت(عليهم السلام) إلى اتخاذ وكلاء يرجع الناس إليهم ويتم تبادل المراسالات عن طريقهم، وهؤلاء الوكلاء غالباً ما يكونون من المغمورين الذين لا تلتفت إليهم السلطة ولا ترى لهم شأناً، لكنهم يفترض أنهم من الثقات عند الأئمة. وقد كان وكلاؤهم في أمور الأخماس والزكوات غالباً من الصيارفة الذين لا يثير تعاملهم بالمال أية شبهة عند العيون.وأما كيفية تناقل الكتب بين الامام والوكلاء فهي في غاية الدقة والحذر، فربما اختاروا من الطرق مايخفى حتى على الخادم الذي ينقلها.روي أن الامام أبي محمد العسكري(عليه السلام) دفع إلى داود بن الأسود، وكان وقاد حمام الامام، خشبةً مدوّرة طويلة كأنها رجل باب، وأمره بإيصالها إلى العمري (أحد وكلاء الامام) فزاحمه في الطريق بغل لسقّاء فضربه بالخشبة فانشقت وإذا بها كتب، فأخذها وأسرع والسقّاء يسبه ويشتمه ويشتم صاحبه. وقد وبخه الامام(عليه السلام) عندما علم بذلك على فعله وأمره أن يمضي لما يؤمر به ولا يلتفت الى من يلاقيه حتى لو شتمه وشتم إمامه( [145]).وقد يكون من أشد الأساليب وأصعبها على الأئمة(عليهم السلام) ما كانوا يلجأون إليه من اختيار اسلوب القدح في خواص أصحابهم وشيعتهم لإيهام أعدائهم أنهم ليسوا من أتباعهم ومحبيهم بل من مخالفيهم، دفعاً للأذى عنهم وحقناً لدمائهم. وهذا الاُسلوب رغم كونه من أبرع الاساليب إلاّ أنه قد يترك أحياناً بعض الآثار السلبية عند بسطاء الشيعة الذين لا يدركون مغزى ذلك القدح والسرّ فيه. لكن كبار الأصحاب والمقربين منهم يعرفون لحن كلام أئمتهم ويدركون مرامهم.من ذلك ما ورد عن عبدالله بن زرارة قال: قال لي أبو عبدالله(عليه السلام): اقرأ مني على والدك السلام وقل له: اني انما أعيبك دفاعاً مني عنك، فإن الناس والعدو يسارعون إلى كل من قرّبناه وحمدنا مكانه لإدخال الأذى في من نحبه ونقربه، ويذمونه لمحبتنا له وقربه ودنوه منا، ويرون ادخال الأذى عليه وقتله، ويحمدون كل من عيبناه نحن...فإنما اعيبك لأنك رجل اشتهرت بنا وبميلك إلينا، وأنت في ذلك مذموم عند الناس غير محمود الأثر لمودتك لنا ولميلك إلينا، فأحببت أن اعيبك ليحمدوا أمرك في الدين بعيبك ونقصك ويكون بذلك منا دفع شرهم عنك، يقول الله عزوجل: (أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصباً) هذا التنزيل من عند الله، صالحة لا والله ما عابها إلا لكي تسلم من الملك ولا تعطب على يديه، ولقد كانت صالحة ليس للعيب فيها مساغ، والحمد للّه، فافهم المثل يرحمك الله... الحديث( [146]).وأمثلة ذلك كثيرة، وهذا ينفع في فهم لحن كلامهم(عليه السلام) في الجرح والتعديل، وهو يتوقف على الدراسة الواعية والشاملة لمجمل نواحي وأساليب عملهم والظروف المحيطة بهم، ليمكن إدراك ما له مدخلية في ظهورات كلامهم مما يشكل قرائن حالية.التقيّة واُسلوب التوّريَة:إن كيفية ممارسة التقية مسألة تخضع للظروف وتختلف باختلاف الموارد، وهي فن بكل ما للكملة من معنىً، وقد تقدم كيف أن بعض أنحاء التقية كان يتم باُسلوب ذكي فيؤدي الغرض بنجاح، فالمسألة تعتمد على مقدار براعة الانسان، وباعتبار أن التقية تدخل في باب الضرورات فلا بد من الاقتصار في ارتكاب المحظورات على القدر المتيقن، وليس للإنسان أن يذهب بعيداً في تجاوز حدود الشريعة، فهي انما شرعت لتحفظ هذه الحدود، وتفتدي الأهم من تلك الحدود بالأقل أهميّة.فإذا كان للمكلف مندوحة وكان أمامه باب للتخلص من دون وقوع في مخالفة الشريعة أو كان هناك مجال للتخلص بالمخالفة الأصغر فلا يجوز ارتكاب المخالفة الكبرى.عن أبي عبدالله(عليه السلام)، في الرجل يحلف تقية، قال: إن خشيت على دمك ومالك فاحلف ترده عنك بيمينك، وان رأيت أن يمينك لا يرد عنك شيئاً فلا تحلف( [147]).والكذب هو أحد المحظورات التي يباح ارتكابها للتقيّة ورفع الظلم كما ذكرنا في بدايات هذا البحث، إلاّ أن الإنسان في الكثير من الأحيان يعثر على مخرج يعصمه من الوقوع في الكذب، حيث أن باب التوّريَة واسع جداً، فإذا قدّر انفتاح هذا الباب أمامه، لم يحل له الكذب قطعاً.في الرواية عن الرضا(عليه السلام) قال: إن الله تعالى جعل هذه التورية ممّا رحم به شيعتنا ومحبينا( [148]).الناس يختلفون من حيث قدرتهم على استعمال التورية، ولقد كان بعض أصحاب الأئمة(عليهم السلام) يجيدون استعمالها ويحسنون التخلص من المواقف الحرجة التي يقعون فيها، هؤلاء كانوا اكثر قدرة على الحركة والنفوذ في أعماق المجتمع، ومن ثم دفع الكثير من المخاطر التي كانت تعترضهم، فهي تدخل أحياناً في المواهب والملكات المتفاوتة شدة وضعفاً عند الناس.من الأمثلة اللطيفة للتورية ما ذكر من أن حجر البدري أخذه الحجاج بن يوسف الثقفي على أن يسب علياً فصعد المنبر وقال: أيها الناس إن أميركم هذا أمرني أن ألعن علياً ألا فالعنوه لعنه الله( [149]).ومراده من الضمير في قوله: إلعنوه، ولعنه الله، نفس الحجاج الذي أمره وليس علياً.ورويت هذه القصة بالذات عن عقيل بن أبي طالب وكان معاوية قد أمره بذلك أيضاً.وسئل ابن الجوزي مرةً عن أفضل الخلق بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وكان ذلك محرجاً له فهو لا يريد أن يرضي فريقاً ويغضب فريقاً آخر فقال لهم: من كانت ابنته تحته( [150]).وهذا الكلام يحتمل الوجهين إذ إن بنت الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) كانت تحت عليّ(عليه السلام) وبنت أبي بكر كانت تحت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم).ومن بديع التورية في مقام التقية ما روي عن الصادق(عليه السلام) في قصة مؤمن آل فرعون عندما وشي به عند فرعون، فأحضره وأحضر الواشين، فقالوا: أنت تكفر بربوبية فرعون!! فقال لفرعون: هل جرّبت عليّ كذباً قط؟ قال: لا، قال: فسلهم من ربهم ومن رازقهم و... فقالوا: فرعون هذا، فقال المؤمن: فاني أشهدك واُشهد من حضرك أن ربهم هو ربي وخالقهم هو خالقي ورازقهم هو رازقي.. لا رب لي ولا خالق ولا رازق غير ربهم وخالقهم ورازقهم.. وأراد بذلك الله عزّوجلّ وليس ما قالوا وما توهموا( [151]).ومن تلك الأساليب تغيير الحركات الاعرابية على نحو يتوهم السامع أنه من باب اللحن في الكلام، مع أنه مقصود للمتكلم وله وجه لا يتبادر إلى ذهن السامع في اول وهلة، أو العدول عن الاخبار إلى صيغة الاستفهام، أو التعجب أو استعمال الكلمات المشتركة وقصد أحد المعنيين الأبعد عن ذهن السامع مع ايهام ارادة الآخر.ولقد كان بعض الأصحاب ممن له براعة في هذا الفن يلقن أصحابه من الموالين كيفية التخلص في المواقف الصعبة لو سئل عما يتقي فيه.فمن ذلك ما روي أن بعض الشيعة ذكر في حضرة الامام العسكري أنه يُمتحن ويطلب منه أن يحلف فسأل كيف أصنع معهم؟ فقال له بعض الأصحاب الذين كانوا في المجلس: كيف يقولون؟ قال: يقولون لي: أتشهد أن فلاناً هو الإمام بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)؟ فلا بدّ لي من أن أقول: نعم، وإلا أثخنوني ضرباً، فإذا قلت: نعم، قالوا لي: قل: والله.فقال له: قل: نعم، واقصد به نعماً من الابل والبقر والغنم، فإذا قالوا: قل والله، فقل: ولّى، أي ولّى ـ تريد ـ عن أمر كذا، فإنهم لا يميّزون وقد سلمت، فقال: فإن حققوا عليّ وقالوا: قل والله وبين الهاء؟ فقال: قل واللهُ، برفع الهاء فإنه لا يكون يميناً إذا لم تخفض الهاء( [152]).وفي القرآن الكريم شواهد على مثل ذلك كما ورد في قصة يوسف وابراهيم.فعن أبي جعفر(عليه السلام) قال: .. لقد قال ابراهيم (إني سقيم) والله ما كان سقيماً وما كذب، ولقد قال ابراهيم (بل فعله كبيرهم) وما فعله كبيرهم وما كذب، ولقد قال يوسف (ايتها العير إنكم لسارقون) والله ما كانوا سرقوا وما كذب( [153]).وفي رواية اُخرى عن أبي عبدالله يفسر ذلك فيقول: .. ما فعله كبيرهم وما كذب ابراهيم(عليه السلام)، فقلت: وكيف ذلك؟ قال: إنما قال ابراهيم(عليه السلام): (فاسألوهم إن كانوا ينطقون)إن نطقوا فكبيرهم فعل وان لم ينطقوا فلم يفعل كبيرهم شيئاً فما نطقوا وما كذب ابراهيم.فقلت: قوله عزّوجلّ في يوسف: (أيتها العير إنكم لسارقون) قال: إنهم سرقوا يوسف من أبيه ألا ترى أنه قال لهم حين قال: (ماذا تفقدون قالوا نفقد صواع الملك) ولم يقل: سرقتم صواع الملك، انما عنى سرقتم يوسف من أبيه.فقلت: قوله: (إني سقيم) قال: ما كان ابراهيم سقيماً وما كذب، إنما عنى سقيماً في دينه مرتاداً( [154]).وقد روي أنه عنى بقوله: (إني سقيم) أي سأسقم، وكل ميت سقيم، وقد قال الله عزوجل لنبيّه(صلى الله عليه وآله وسلم): (إنك ميت)أي ستموت.الخروج عن الحدّ في التقية:ربما يقع البعض في مشكلة المبالغة في التقية والكتمان نتيجة إساءة تفسير بعض النصوص وعدم الوقوف على المراد الحقيقي فيها، وعدم ادراك سرّ تأكيد الأئمة(عليه السلام) على التقية. من قبيل ما روي عن الرضا(عليه السلام) أنه قال: لا دين لمن لا ورع له ولا إيمان لمن لا تقية له، وإن اكرمكم عند الله أعملكم بالتقية، قيل: يا ابن رسول الله إلى متى؟ قال: إلى قيام القائم، فمن ترك التقية قبل خروج قائمنا فليس منا... الحديث( [155]).ومن قبيل ما روي عن أبي عبدالله(عليه السلام) أنه قال لحبيب بن بشير: لا والله ما على وجه الأرض شيء أحب اليّ من التقية، يا حبيب، إنه من كانت له تقية رفعه الله، يا حبيب، من لم تكن له تقية وضعة الله... الحديث( [156]).هذه الأخبار وأمثالها أوقعت البعض في خطأ كبير واشتباه عظيم، فذهب إلى الاعتقـاد بضـرورة اخفـاء الحـق وعـدم جـواز اظهـاره حتى ظهور الحجة عجّل الله تعالى فرجه. والسبب الذي أوصلهم إلى هنا، أنهم لم يقارنوا الأخبار والروايات جيداً مع بعض ولم يلتفتوا إلى الظروف التاريخية المحيطة بالنص، فدرسوها بمعزل عن القرائن الحالية. بينما المفروض دراسة هذه القرائن ومناسبات الحكم والموضوع، ورعاية الزمان والمكان في كل نص، وملاحظة المخاطبين مباشرة والاطلاع على أحوالهم، ثم بعد ذلك يمكن تشكيل دلالة ظاهرة للنص من خلال كل هذه الاُمور.والبعض قد يتخذ من التقية غطاءاً للركون إلى الراحة والفرار من المسؤولية، خاصة مسؤولية الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي قد تكلفه الكثير، هؤلاء مع الأسف يشوهون مفهوم التقية، ويتخذون من هذا القانون الإسلامي العظيم مبرراً لأهوائهم الشخصية، وهذا النوع من سوء الاستفادة لن يؤثر على حكمة التشريع ومصلحته. ويبدو أن هذه الحالة الشاذة كانت موجودة في كل عصر.الإمام الصادق(عليه السلام) يقول مخاطباً نماذج من هذا القبيل: إنما جعلت التقية ليحقن بها الدم، فإذا بلغت التقية الدم فلا تقية، وايم الله لو دعيتم لتنصرونا لقلتم: لانفعل، إنما نتقي، ولكانت التقية أحب إليكم من آبائكم واُمهاتكم، ولو قد قام القائم ما احتاج إلى مساءلتكم عن ذلك، ولأقام في كثير منكم أهل النفاق حدّ الله( [157]).وكان الإمام الرضا(عليه السلام) قد حجب جماعة من الشيعة وردوا عليه وجفاهم، وما زالوا يختلفون على داره حتى أذن لهم، فقالوا: يا ابن رسول الله ما هذا الجفاء العظيم والاستخفاف بعد الحجاب الصعب؟!قال(عليه السلام): لدعواكم أنكم شيعة أمير المؤمنين(عليه السلام) وأنتم في أكثر أعمالكم مخالفون ومقصرون في كثير من الفرائض وتتهاونون بعظيم حقوق إخوانكم في الله، وتتقون حيث لا تجب التقية، وتتركون التقية من حيث لا بد من التقية( [158]).وفي الرواية عن الصادق(عليه السلام): للتقية مواضع من ازالها عن مواضعها لم تستقم له( [159]).فمعرفة المواضع والالتزام بحدودها مهم جداً، وإلا فدقة المقام قد توقع الإنسان في الإفراط أو التفريط.ومن هنا كانت وصايا الأئمة تنصب على الدقة والفطانة والتدبر في مختلف الشؤون ليكون الإنسان على بينة من أمره.يقول أبو جعفر الباقر(عليه السلام): في حكمة آل داود: ينبغي للمسلم أن يكون مالكاً لنفسه مقبلاً على شأنه، عارفاً بأهل زمانه، فاتقوا الله ولا تذيعوا حديثنا...( [160]).فلا بد للمسلم أن يعرف خصوصيات الزمان والمكان وحدود الأحكام وإلاّ وقع من حيث يدري أو لا يدري في الفساد في الدين المنهي عنه، وتضييع الأحكام.ليس الملاك دائماً حفظ النفس، فإنه وإن كان واجباً، إلاّ أن هناك ما هو أهم من حفظ النفس أحياناً، فلا بد من الموازنة بدقة، والتجرد عن الأهواء النفسية، والترفع عن المصالح الشخصية والدنيوية فيما لو اصطدمت بالمصالح الدينية والاُخروية. ولا بد من دراسة كل مورد بعين الاعتبار والتدبّر.وقد تبين لنا من خلال هذه الدراسة أن التقية أحد أنواع الجهاد إذا كانت في مواضعها الصحيحة وبحدودها المسنونة. فليس من المعقول أن يكلف الله الإنسان في المواضع التي تختل فيها موازين القوى ويكون أعزل من أي قدرة وإمكانية بحيث لا تقدم تضحيته وإتلاف نفسه أية فائدة للإسلام، لا يعقل أن يكلف بالإقدام على القتل. كما أنه ليس من المشروع أن يعتبر الإنسان نفسه أعز عليه من كل شيء، فيحفظها ويمنعها ولو أدى إلى الفساد في الدين وهلاك الملة.يقول الامام الراحل، الامام الخميني(قدس سره):التقية لحفظ الدين، فحيث يكون الدين في خطر لا محل للتقية ولا مكان للسكوت( [161]).ويقول أيضاً في خطابه الذي ألقاه في المدرسة الفيضية في قم سنة1342هـ . ش:حضرات السادة قد لاحظوا أن اُصول الاسلام في معرض الخطر. القرآن والمذهب في خطر، مع هذا الاحتمال التقية محرمة، وإظهار الحقائق واجب ولو بلغ ما بلغ( [162]).هذا هو رأي الشيعة في التقية. إن الذين يستنكرون على الشيعة التقية إما أنهم أساؤوا فهمها، أو أنهم لا يرضيهم أن يروا شيعة أهل البيت(عليهم السلام) ومحبيهم وأتباعهم ينتشرون في العالم الإسلامي وغير الإسلامي، ولا يرضيهم أن ينتشر التشيع بفضل هذا المبدأ العظيم الذي مكنهم من ممارسة نشاطهم التبليغي في أقسى الظروف وفي أسوأ الأحوال.التقيّة والتعارض بين الأخبار:لا أحد ينكر أهمية السنة الشريفة في استنباط الأحكام الشرعية وأخذ المعارف الدينيّة; إذ إنها تشكل المصدر الثاني من مصادر الشريعة بعد كتاب الله، وهي المفسرة والمبينة والمفصلة للكتاب. وما هو متوفر في أيدي المسلمين من الحديث، فيه الكثير من الاختلاف والتعارض، بل إن الاختلاف كان قد ظهر مبكراً في حياة أئمة أهل البيت(عليهم السلام)، ونحن إذ نعتبر أن أئمة أهل البيت(عليهم السلام) قد شرفهم الله تعالى بالعصمة ورزقهم المقام المحمود وأورثهم علوم الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)، فإن ما يصدر عنهم من الحديث يدخل في السنة، ويجري فيه ما يجري في السنة النبوية الشريفة، ولبحث هذا الجانب مقام آخر.وقد أخذ علم الاُصول على عاتقه دراسة حالات الاختلاف والتعارف، ووضع قواعد لعلاج ذلك والتخلص منه، ومن ثم الوصول إلى الأصح أو ما هو حجة يمكن التمسك به.وقد ذكروا عدة عوامل لنشوء التعارض بين الأخبار وظهوره منها:1 ـ وجود النسخ في الحديث الذي يؤدي إلى التعارض بين الناسخ والمنسوخ عند عدم التصريح به وفقدان القرائن الداخلية عليه.2 ـ اختفاء القرائن التي لها تأثير على فهم المراد الحقيقي، وذلك لعدة أسباب: منها التقطيع الذي طرأ على الأخبار، وأدى إلى وجود قطعة في محل وقطعة اُخرى في محل آخر مع كون إحدى القطعتين تتضمن قرينة تعين المراد هناك. ومنها: إهمال الراوي لنقل القرائن الحالية اعتماداً على كونها معروفة، لكن هذه القرائن لن تكون معروفة عند الطبقات المتأخرة مما يؤدي إلى حالة التعارض.3 ـ نقل الحديث بالمعنى، ومدخلية فهم الراوي في ذلك مما قد يؤدي الى تغير الحديث عن أصله.4 ـ ملاحظة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) أو الامام(عليه السلام) لخصوصيات الراوي وحاله ورعاية ذلك في الإجابة.5 ـ وضع الحديث والتزوير الذي ابتلي به الحديث منذ الصدر الأول، ولهذا أكبر الأثر على نشوء الاختلاف والتعارض. ولقد كان الدافع لوضع الحديث وتزويره اُمور: منها سياسية تبريرية، ومنها اسرائيلية تهدف إلى تخريب الدين وإفساده، ومنها لأغراض عصبيّة في مجالات النزاع بين أهل الأهواء والآراء والمذاهب، والأحزاب والقبائل. وغير ذلك.6 ـ وأخيراً من عوامل ظهور التعارض استعمال التقية، خاصة في الموارد التي تدخل تحت عنوان الاتقاء التي تخلو أحيانا من قرينة تدل على ذلك عند خصوص السائل، وإن كان هناك من القرائن العامة ما يمكن الاعتماد عليه، وفيما تقدم من الأمثلة بيان كاف وتصوير واف لدواعي التقية وكيفية ممارستها.وقد وضع أئمة أهل البيت(عليهم السلام) لشيعتهم بعض القواعد لتكون مرجعاً لهم في التمييز بين الأخبار وعلاج حالات التعارض، ومن أهم تلك القواعد والموازين اثنان:1 ـ موافقة الكتابفعن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: كل شيء مردود إلى الكتاب والسنّة وكل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف( [163]).وعنه(عليه السلام) أيضاً قال: ما لم يوافق من الحديث القرآن فهو زخرف( [164]).وعنه(عليه السلام) أيضاً قال: إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فاعرضوهما على كتاب الله; فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فردّوه( [165])...إلى ما هنالك من نصوص في هذا المجال، وهما مما لا يختلف فيه اثنان. نعم شذّ من لا يعتد به فقال: إن السنة حاكمة على الكتاب. وهو لا يستحق المناقشة والوقوف عنده.2 ـ مخالفة العامةوهذه النقطة خاصة هي التي دعتنا لعقد هذا الفصل. فإن البعض يثير هذه المسألة على أساس أنها دعوة إلى الخلاف ودعوة إلى تكريس حالة الشقاق والفرقة بين المسلمين، ويبني على ذلك استحالة العمل في سبيل الوحدة وعدم إمكانية تقريب وجهات النظر.لماذا كانت مخالفة العامة علامة للترجيح في حالة التعارض؟ليس هناك في الواقع أية موضوعية لمخالفة العامة لولا الواقع الذي دفع أئمة أهل البيت(عليهم السلام) يمارسون التقية، فالأخبار الصادرة عنهم في مثل هذه الظروف يحتمل أن تكون صدرت لأجل التقية وأنها وإن كانت وظيفة السائل ـ كما قدمنا ـ وأنه عليه العمل بها، إلاّ أن ذلك السائل سوف يروي ما أجابه به الإمام(عليه السلام)، الأمر الذي سيجعل هناك روايتين صادرتين عن الإمام أومرويتين عنه، في هذه الحالة لو أراد المكلف نفسه أن يميز بين الصادر لغرض بيان الحكم الواقعي والصادر لأجل التقية فماذا يفعل؟، ليس أمامه إلاّ أن يعتبر أن الموافق للعامة هو الذي فيه التقية والمخالف هو الصحيح الذي يمكن الأخذ به.يروى عن الامام الصادق(عليه السلام) أنه قال لبعض أصحابه حول هذا الأمر:ما سمعته مني يشبه قول الناس ففيه التقية، وما سمعته مني لا يشبه قول الناس فلا تقية فيه( [166]).وقال(عليه السلام) لبعض أصحابه أيضاً: أتدري لِمَ اُمرتم بالأخذ بخلاف ما تقول العامة؟ فقال: لا أدري، فقال(عليه السلام): إن علياً(عليه السلام) لم يكن يدين الله بدين إلاّ خالفت عليه الاُمة إلى غيره، إرادة لإبطال أمره، وكانوا يسألون أمير المؤمنين(عليه السلام) عن الشيء الذي لا يعلمونه، فإذا أفتاهم، جعلوا له ضداً من عندهم، ليلبسوا على الناس( [167]).وقد يتعجب الإنسان في أول وهلة أنه كيف يمكن أن يكون ذلك؟ لكن إذا رجعنا إلى الواقع التاريخي الذي تحدثنا عن صفحة منه فيما سبق، وخاصة تلك الحالة التي كان عليها بنو أمية، فان الذين اتخذوا سبّ علي(عليه السلام) سنة وقربةً هل يستبعد عليهم أن يدفعهم بغضهم لعلي وكراهتهم له إلى مخالفته في كل ما يدين به؟ أليس بغض عليّ(عليه السلام) إمارة النفاق؟! ألم يكن المسلمون في حياة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) يعرفون المنافقين ببغضهم لعلي بن أبي طالب( [168])؟!، وهل يرتجى من أهل النفاق إلاّ الفساد في الدين.(وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون * ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون)( [169]).

وهذه الطريقة وهي الرجوع عند التعارض إلى مخالفة المخالفين في التمييز، معهودة من غير الشيعة وليست مختصة بهم ابداً.فقد حكي عن الشافعية أنهم رجحوا فتوى على فتوى بمخالفة أبي حنيفة، فقد جاء في كتاب جمع الجوامع وشرحه: أن أبا حامد الاسفراييني، وهو أحد شيوخ الشافعية، قال: اذا ورد عن الشافعي قولان لا يعلم أيهما المتأخر فالقول المخالف لأبي حنيفة أرجح من القول الموافق له( [170]).أما الكرخي وهو أحد أئمة الأحناف فيقول: إن الأصل قول أصحابهم فإن وافقته نصوص الكتاب والسنة فذاك وإلاّ وجب تأويلها، وجرى العمل على هذا( [171]).ثم إن هواية الميل إلى مخالفة أئمة أهل البيت(عليهم السلام) وشيعتهم لم تكن حكراً على بني أمية وإن كانوا هم قد فازوا بقصب السبق إليها، فهناك من المتأخرين جماعة صرحوا بذلك.يقول ابن تيمية في منهاجه ـ عند بيان التشبه بالشيعة ـ : ومن هنا ذهب من ذهب من الفقهاء إلى ترك بعض المستحبات إذ صارت شعاراً لهم (أي الشيعة) فإنه وإن لم يكن الترك واجباً لذلك، لكن في اظهار ذلك مشابهة لهم، فلا يتميز السنّي من الرافضي، ومصلحة التمييز عنهم لأجل هجرانهم ومخالفتهم أعظم من مصلحة المستحب( [172]).وقال مؤلف كتاب الهداية: إن المشروع التختم باليمين، ولكن لمّا اتخذته الرافضة جعلناه في اليسار( [173]).وقال الزرقاني في صفة عمامة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) كما روى الامام علي(عليه السلام) في اسدالها على منكبه حين عمّمه رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): إن الحافظ العراقي قال: إن ذلك أصبح شعار كثير من فقهاء الامامية فينبغي تجنّبه لترك التشبّه بهم( [174]).وقال الشيخ محمد بن عبدالرحمن في كتاب رحمة الاُمة: السنة في القبر التسطيح، وهو أولى على الراجح من مذهب الشافعي، وقال أبو حنيفة وأحمد: التسنيم أولى لأن التسطيح صار شعاراً للشيعة( [175]).وقال الغزالي: إن تسطيح القبور هو المشروع ولكن لما جعلته الرافضة شعاراً عدلنا إلى التسنيم( [176]).فلاحظ كيف تستنبط الأحكام، وما هي الملاكات والمصالح التي يبنى عليها الحكم الشرعي عندهم، أضف إلى أن المقصود من العامة والناس عندما يأمر أئمة أهل البيت(عليهم السلام) بالأخذ بما خالفهم، هم فقهاء البلاط وقضاتهم الذين كانت السلطة تروج لهم، وتفرض على الناس الرجوع إليهم دون غيرهم من فقهاء الزمان. المقصود أهل الرأي والقياس الذين يفتون الناس بآرائهم دون الاعتماد على كتاب أو سنة، وإلاّ فكيف يأمر أئمة أهل البيت(عليهم السلام) بمخالفة الكتاب والسنة، وهم أحرص الناس على حفظهما وإرجاع الناس إليهما، وهم قد جعلواالعرض على الكتاب والسنّة القطعية أوّل ملاك للتمييز بين الصحيح والسقيم من الأخبار ومعرفة كلامهم من الزخرف الموضوع عليهم.وقد تقدمت الرواية عن الصادق(عليه السلام): مالم يوافق من الحديث القرآن فهو زخرف( [177]).فمحال أن يأمروا بالأخذ بما خالف الفتاوى المعتمدة على الكتاب والسنّة وهم الآمرون بالإرجاع إليهما. فمن الضروري أن يكون مرادهم من مخالفة العامة هي الفتاوى المعتمدة على الرأي والقياس والأخبار الموضوعة التي لم تثبت من طرقهم.وإذا ضمّ إلى ذلك أنهم يمتلكون السنة النبوية الشريفة المدونة عندهم بإملاء رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وخط عليّ(عليه السلام) والتي لم تغادر صغيرة ولا كبيرة، ولم يعرض عليها النسيان ولا نالتها أيادي الدسّ والتلاعب، ندرك أنهم سلام الله عليهم ميزان الحق، وأنهم لا يأمرون بباطل قط ولا يفتون بالآراء والاجتهادات، وإنما هي سنة معهودة عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)حفظوها وضيعها الناس.إذا عرفنا ذلك يتضح أمران:الأول: أن التمييز والترجيح بمخالفة العامة ليس معناه أصالة الخلاف بمقدار ما هو تمييز بين ما صدر منهم تقيةً وما صدر لبيان الحكم الواقعي بلا تقية.والثاني: أن المراد من مخالفة العامة مخالفة الفتاوى المعتمدة على الرأي والقياس دون غيرها، لأنهم لا يخالفون الكتاب والسنة بتاتاً ولا يأمرون بمخالفتهما بل يأمرون بالرجوع إليهما وجعلهما ميزان معرفة الحديث.وهم(عليهم السلام) قد خالفوا الاعتماد على الرأي والقياس علنا وعارضوه جهاراً، واعتبروا ذلك نقطة انحراف في الاستنباط وابتعاد عن روح التشريع.فعن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: إن أصحاب القياس طلبوا العلم بالقياس، فلم يزدادوا من الحق إلاّ بعداً. وإن دين الله لا يصاب بالقياس( [178]).وسئل أبو الحسن موسى(عليه السلام) عن القياس فقال: ما لكم والقياس؟! إن الله لا يُسأل كيف أحلّ وكيف حرّم( [179]).وأخبار النهي عن القياس والافتاء بالرأي عنهم(عليهم السلام) كثيرة جداً.شبهات حول التقيّة1 ـ شبهة كون التقية من اُصول الدين:بعض (الباحثين!) الذين ينقصهم الاطلاع الكافي على التشيّع يتصدى للكتابة عنه، وهذا بلا شك يوقعه في هفوات كبيرة، بل يجره إلى الابتعاد عن الصواب كليّة. بعض هؤلاء يتهم الشيعة بأنهم يعتبرون التقية من اُصول الدين، وبناءً عليه يكون منكرها كافراً والعياذ بالله.طبعاً ليس دليله أنه قرأ في كتاب من كتب الشيعة ذلك ولا سمعه من أحد، وإنما هو قرأ في بعض الكتب أن الشيعة يروون عن الإمام الصادق(عليهم السلام)قوله:التقية ديني ودين آبائي ولا دين لمن لا تقية له( [180]).وقوله: لا خير فيمن لا تقية له، ولا ايمان لمن لا تقية له( [181]).والمؤسف أن هؤلاء لم يتعبوا أنفسهم في مراجعة كتاب من كتب العقائد عند الشيعة، مع أنها منتشرة في الآفاق تملأ الواجهات في المكتبات الخاصة والعامة( [182]). ولا يرجعون إليهم ليروا كيف يفسرون هذه الأحاديث.التقية كما قلنا اكثر من مرة من الأساليب العملية، وهي مسألة فرعية لها أحكامها التكليفية، وقلّما يخلو كتاب شيعي فقهي أو عقائدي من ذكرها وبيان أحكامها.أما هذه النصوص، فإن المراد بها أنها مما يدان به ويلتزم به، فإن الدين يأتي على معان، منها الجزاء ومنها الطاعة ومنها العادة الشأن، وتقول العرب ما زال ذلك ديني وديدني قال المثقّب العبدي يذكر ناقته:تقول إذا درأت لها وضينيأهذا دينه أبداً وديني( [183])وفي حديث علي(عليه السلام): محبة العلماء دين يدان به( [184]).ثم إنّ التقيّة تحفظ للإنسان دينه والتزامه، فلولاها لفتن وعذّب وقتل، فهو إذ يحفظ نفسه يحفظ دينه ويعبد ربّه ولو كان سراً. هذا هو المراد من هذه النصوص وأمثالها.والعجيب أن البعض يأخذ النصّ الذي يقع تحت ناظريه، ويستنبط منه وينسب ذلك رأساً إلى رواة الحديث ومخرّجيه، دون أية رعاية لقواعد الاستنباط. وهذا مما ابتلي به الشيعة مع الأعداء والمبغضين والمشنّعين. فربما كان النص الذي قرأه ساقطاً عن درجة الاعتبار عندنا، وربما كان معارضاً بغيره مما هو أرجح منه ومقدم عليه، وربما كان فيه من الإجمال ما يرفعه حديث آخر ونص آخر، وربما كان مؤوّلاً لأجل عدد من القرائن المنفصلة الواردة في نصوص اُخرى، وربما كان غير ذلك.2 ـ شبهة كون التقيّة من النفاق:عدد من المبغضين للشيعة والمشنعين عليهم يجعل التقية مصداقاً للنفاق، مدعياً أن النفاق هو أن تظهر خلاف ما تبطن من عقيدة، وبالتالي يعد الشيعة الملتزمين بها كلهم والعياذ بالله من المنافقين. هكذا دون تحرج أو خوف من الله.ونحن أسمينا هذه التهمة النكراء شبهة تسامحاً وإلاّ فهي من الوضوح بمكان، حيث إن النفاق في الدين ستر الكفر بالقلب واظهار الايمان باللسان( [185]). وأين هذا من التقيّة التي هي على العكس تماماً، (إلاّ من اُكره وقلبه مطمئن بالإيمان)، فهي إظهار الكفر واخفاء الإيمان وستره بالقلب، وتقية الشيعة كانت في اخفاء الإيمان والاعتقاد بالإمامة والولاية لأهل البيت(عليهم السلام)، يعني ستر التشيع مع التظاهر بموافقة الآخرين في عقيدتهم تجاه الإمامة، وهم عندما يظهرون الشهادتين والإيمان بالقيامة، ويمارسون العبادات ويعملون بالفروع، يعتقدون ذلك بقلوبهم، ويعيشون هذه العقيدة بوجدانهم وبأرواحهم أيضاً، الشيعة لا يعرف النفاق طريقاً إلى قلوبهم، وهم المسلّمون أمرهم لرسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، العاملون بكتاب الله، والملتزمون بوصية رسوله(صلى الله عليه وآله وسلم) باتباع أهل بيته أئمة الهدى. هم الملتزمون بمودة القربى امتثالاً لأمر الله عزوجل، فأين هو النفاق والكفر؟!إذا كان الشيعة بسبب البلاء الذي تعرضوا له، والإرهاب الذي مورس ضدهم قد اضطروا للاتقاء من حكام الجور فيما يرجع لعقيدتهم في الامامة، فأي مسلم لا يكتم رأيه وعقيدته إذا انصبت عليه أبعاض تلك البلايا.وبعد أن عرّف الرضي التقية بأن يقي الإنسان نفسه من العقوبة بما يظهره وإن كان يضمر خلافه، قال: وقد كان بعض الناس يأتي ذلك ويقول: إنه من النفاق، والصحيح أن ذلك جائز لقوله تعالى: (إلاّ أن تتقوا منهم تقاة...)( [186]).3 ـ شبهة كون التقية تؤدي إلى محق الدين:هذه الشبهة أثارها بعض المستشرقين ومن يسير في ركابهم، وتلقفها من يتربص بالشيعة ويبحث عن المثالب، وبعضهم طوّر الشبهة حيث اعتبر أن التقية تحوّل الشيعة إلى جمعية سريّة خطيرة ذات أهداف هدّامة!!لا أدري ماذا يقصدون بالأهداف الهدّامة، هل هي عقيدتهم بالإمامة، أو اتباعهم لأهل البيت(عليهم السلام)، أو ماذا؟!أم يقصد معارضتهم لحكام الجور والطغيان بشكل دائم ومستمر؟!إن التقية لم تجعل من الشيعة جمعية سريّة، ولن تفعل ذلك. وإذا كانت حكومات الظلم والجور ألجأتهم للتخفي فراراً من سطوتها، فإن هذه حالة طارئة تزول بزوال تسلط اُولئك الحكام. وهذا حال كل الحركات السياسية التي تتعرض لمثل هذه الضغوط.مثل هذه التهم يثيرها الإعلام الرسمي لسلاطين الجور، الذين يحرصون على تشويه صورة الحركات المعارضة وإلصاق مختلف التهم بها، كما هي سيرتهم في كل عصر.التقيّة عند الشيعة لها أحكامها الشرعية، وتخضع للشروط والضوابط المقررة شرعاً. وقد تقدم معنا أن التقية لا تجوز بوجه إذا كانت تؤدي إلى الفساد في الدين، فكيف يقال إنها تؤدي إلى محق الدين؟! لقد شرّعت التقية من أجل حفظ حدود الدين وأركانه لا من أجل محقه.ثم كيف يعمى عن الواقع الخارجي؟ إن الشيعة اليوم المنتشرين في أرجاء المعمورة يجاهرون بعقيدتهم أكثر من غيرهم، فمساجدهم مفتوحة، ومكتباتهم عامرة، وكتبهم منتشرة، وصحفهم ومجلاتهم، وخطباؤهم ومنابرهم في كل مكان. إن ظروف الحاجة إلى التقيّة زالت وارتفعت، وإذا كان هنالك فريق في الدنيا اليوم لا يمارس التقية فهم الشيعة.الأكثر غرابة أن البعض يصر على هذه الحماقة ويخفي رأسه في التراب كالنعام، فيقول: إن كل هذا من باب التظاهر والتقية، وإلاّ فالواقع غير ذلك!! الحمد للّه الذي جعله ممن يطلع على خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وأعطاه هذه الفطنة وهذا الذكاء الخارق حتى لا يخدع أبداً. وقد تقدم في فصل دور التقية في حفظ الدين ما يفي بالجواب أيضاً.4 ـ شبهة كون التقيّة من البدع:الحقيقة أن من يدعي أن التقية من البدع، لا بد أنه خفي عليه معنى البدعة.البدعة هي إدخال شيء في الدين ليس منه. وعلى ضوء ما قدمنا من الأدلة على مشروعية التقية وأحكامها من الكتاب والسنة والعقل، فكيف صارت من البدع، لعله خلط بين المفهوم والمصداق، ورأى أن التقية لكثرة ما مورست من قبل الشيعة صارت شعاراً لهم، وكانوا الفريق الذي يضطر للعمل بها دون غيرهم فتوهم أن فكرة التقية من مخترعاتهم. وقد قدمنا أنها ليست من مختصات الشيعة، فلا نعيد.5 ـ شبهة كون التقية أول موانع التجاوب الصادق بإخلاص بين الشيعة وغيرهم.لقد ادعى ذلك بعض المغرضين الذين يحبون اثارة الفتن ووضع العقبات أمام تقارب الفرق والمذاهب الإسلامية، هؤلاء الذين يعملون خدمة لمصالح أسيادهم والذين يلتزمون بمبدأ فرّق تسد.التقية لم تكن في أي يوم من الأيام حائلاً دون التقارب والتجاوب الصادق، أولاً لأن التقية لم تمارس خوفاً من أهل السنة، وإنما مورست خوفاً من حكام الجور. وثانياً لأن التقية، على العكس تماماً، تمهد الأجواء للتقارب والتجاوب الصادق. فإن الشيعة لا يبطنون البغض والعداوة لإخوانهم المسلمين، وإذا كان هناك عداء بين الشيعة وبين أحد فهو بينهم وبين أعداء الدين، من أهل الكفر والنفاق وسلاطين الجور الذين عاثوا في الأرض فساداً، وأهلكوا الحرث والنسل، نعم لا يوجد مجال للتجاوب الصادق مع هؤلاء.لكن متى كان هناك موانع للتجاوب بين المسلمين غير أعدائهم الذين يحرصون على زرع الخلاف والشقاق. فإن الخلافات الفكرية والمذهبية ليست بالحقيقة موانع من التجاوب والتقارب، وإنما هي ثغرات ينفذ من خلالها أعداء الدين لإثارة النزاعات.ولقد قام أقطاب التقريب بخطوات عظيمة في التأليف بين الاُمة، ولم يجدوا أن التقيّة مانع من متابعة نشاطهم.الجمهورية الإسلامية في إيران، هذه الدولة التي نعيش في ظلها الآن ونجتمع على أرضها من كل أنحاء العالم الاسلامي، تشكل دليلاً حسياً قاطعاً على أن التجاوب ممكن، وأنه لا يوجد أي عائق في طريق التقارب الصادق والمخلص، سوى هذا الفريق الشيطاني الذي يمارس دور الفايروس، فيزرع الفتن هنا وهناك وينفق الأموال الطائلة في سبيل تجييش المسلمين بعضهم ضد بعض وإثارة الأحقاد والضغائن، ويكفّر هذا وذاك.إن الدول العظمى التي تعتبر الإسلام عدوها الأول، وتدرك أن وحدة المسلمين وتكاتفهم تنتزع من أيديهم زمام الاُمور، وتفقدهم العديد من مواقع القوة، وتفوت عليهم فرصة الاستفادة من الثروات المودعة في أراضيهم; ثم هي تثير في نفوس مستضعفي العالم خارج العالم الإسلامي الدوافع نحو التحرر، وتوقظ فيهم روح التمرد على مستعمريهم وناهبي ثرواتهم. إن هذه الدول تسعى بجد وباستمرار لزرع الفرقة والشقاق مستفيدة من كل الوسائل ومن كل الأدوات; ونحن أشد ما نخشاه وما نتحاشاه هي الأدوات الداخلية التي تؤدي خدمات جليلة لتلك الدول، وهي أقدر على تنفيذ مخططاتها المشؤومة.نحن ندعو جميع اخواننا المسلمين لليقظة والحذر، وتجاوز القضايا البسيطة وعدم اعطاء الفرص للعدو ليستفيد منها. ندعو جميع اخواننا المسلمين للعمل بإخلاص من أجل وحدة الصف ولمّ الشمل، وتجميع القوى لتكون في مواجهة الحركة الصهيونية والصليبية التي تريد القضاء على الإسلام.إن الطاقات التي تهدر في أفغانستان وضاعت سدىً في اليمن، والتي دمرت سابقاً في العراق والخليج، وتلك الطاقات والقوى المرابطة على الخطوط الحمراء الوهمية الفاصلة بين الأقطار الإسلامية، لو قدر أن تجتمع في مواجهة الصهيونية لكانت أكثر من حاسمة.نسأل الله تعالى أن يجمعنا على الهدى وأن يؤلف قلوبنا. والسلام عليكم ورحمة الله.

كشف بالمصادر التي اعتمدتها هذه الدراسة1 ـ القرآن الكريم.2 ـ الاحتجاج، أبو منصور الطبرسي، انتشارات اسوة، قم، 1413هـ .3 ـ إحقاق الحق، القاضي التستري، مكتبة السيد المرعشي، قم.4 ـ أحكام القرآن، أبو بكر الجصاص، دار الكتاب العربي، بيروت مصورة عن طبعة 1335هـ .5 ـ إحياء علوم الدين، أبو حامد الغزالي، دار المعرفة، بيروت طبعة مصورة بالاوفست.6 ـ إختيار معرفة الرجال (رجال الكشي)، محمد بن الحسن الطوسي، نشر جامعة مشهد 1348هـ . ش.7 ـ الأدب في ظل التشيع، عبدالله نعمة، دار التوجيه الاسلامي بيروت، 1400هـ ـ 1980م.8 ـ الإرشاد، الشيخ المفيد، مؤسسة آل البيت(عليهم السلام) لإحياء التراث، قم، 1413هـ .9 ـ الأشباه والنظائر، جلال الدين السيوطي.10 ـ الأعلام، خيرالدين الزركلي، دار العلم للملايين، بيروت، 1984م طبعة سادسة.11 ـ إعلام الورى، ابو علي الطبرسي، المكتبة الحيدرية، النجف، 1390هــ 1970م.12 ـ أعيان الشيعة، السيد محسن الأمين، دار التعارف، بيروت، 1403هــ 1983م. 13 ـ أقرب الموارد، الشرتوني، مكتبة السيد المرعشي، قم طبعة مصورة على طبعة بيروت.14 ـ أمالي الشيخ الطوسي، الطوسي، المكتبة الأهلية، بغداد، 1384 هـ ـ 1964م.15 ـ الإمام الصادق والمذاهب الأربعة، أسد حيدر، دار الكتاب العربي، بيروت، 1392هـ ـ 1971م.16 ـ بحار الأنوار: محمد باقر المجلسي، دار الكتب الإسلامية، طهران طبعة اُولى مطابقة لطبعة دار احياء التراث.17 ـ بحوث من أهل السنة والسلفية، السيد مهدي الروحاني، المكتبة الإسلامية، بيروت 1399هـ ـ 1979م.18 ـ البداية والنهاية، الحافظ ابن كثير، مكتبة المعارف، بيروت، 1966م.19 ـ تاريخ بغداد، الخطيب البغدادي، دار الكتاب العربي، بيروت، مصورة بالاُوفست.20 ـ تاريخ الخلفاء، جلال الدين السيوطي، المكتبة التجارية الكبرى، مصر، 1371هـ ـ 1952م.21 ـ تاريخ الطبري، ابن جرير الطبري، دار المعارف، مصر، الطبعة الرابعة.22 ـ تاريخ اليعقوبي، أحمد بن أبي يعقوب، دار صادر، بيروت 1379هـ ـ 1960م.23 ـ التبيان في تفسير القرآن، محمد بن الحسن الطوسي، مكتبة الأمين، النجف.24 ـ التحصيل أيام التعطيل، الطبسي الحائري، دار فدك، مشهد.25 ـ تحف العقول، ابن شعبة الحراني، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، 1363هـ.ش ـ 1404 هـ . ق.26 ـ تدوين السنة النبوية، محمد رضا الجلالي، مكتب الإعلام الإسلامي، قم، 1413هـ ق ـ 1371 هـ ش.27 ـ تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، دار الفكر، بيروت، نسخة مصورة عن دار الكتب المصرية.28 ـ تفسير غرائب القرآن، النيسابوري، هامش تفسير الطبري، دار المعرفة، بيروت.29 ـ التفسير الكبير، الفخر الرازي، دار الكتب العلمية، طهران، الطبعة الثانية.30 ـ تفسير المنار، محمد رشيد رضا، دار المعرفة، بيروت، طبعة ثانية بالاُوفست. 31 ـ التفسير المنسوب إلى الإمام الحسن العسكري، مدرسة الامام المهدي، قم.

32 ـ تلخيص الشافي، محمد بن الحسن الطوسي، دار الكتب الإسلامية، قم، 1394هـ ـ 1974م.33 ـ تهذيب الأحكام، محمد بن الحسن الطوسي، دار الكتب الإسلامية، النجف 1378هـ .34 ـ تهذيب تاريخ دمشق، ابن عساكر، دار المسيرة، بيروت، 1399هـ ـ 1979م.35 ـ تهذيب التهذيب، ابن حجر العسقلاني، دار صادر، بيروت، مصورة عن طبعة الهند 1326 هـ .36 ـ التوحيد، الشيخ الصدوق، مؤسسة النشر الإسلامي، قم 1398هـق ـ 1357هـ ش .37 ـ جامع أحاديث الشيعة، البروجردي، المطبعة العلمية، قم.38 ـ الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، دار احياء التراث العربي، بيروت، 1965م.39 ـ الحياة السياسية للإمام الرضا، جعفر مرتضى العاملي، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، 1403هـ ق ـ 1362 هـ ش.40 ـ الخرائج والجرائح، قطب الدين الراوندي، مؤسسة الإمام المهدي، قم، 1409هـ .41 ـ الخصال، الصدوق، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، 1403هـ ق ـ 1362هـ ش.42 ـ دراسات في عقيدة الشيعة الإمامية، محمد علي الحسني، مؤسسة النعمان، بيروت، 1409هـ ـ 1989م.43 ـ رسالة في التقية، الشيخ مرتضى الأنصاري، مؤسسة قائم آل محمد، قم، 1412هـ .44 - روح التشيع، عبدالله نعمة، دار الفكر اللبناني، بيروت، 1405هـ ـ 1985م.45 ـ سير أعلام النبلاء، الذهبي، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1406هـ ـ 1986م.46 ـ السيرة الحلبية، علي بن برهان الدين الحلبي، دار الفكر، بيروت.47 ـ شرح نهج البلاغة،ابن أبي الحديد المعتزلي، تحقيق محمد ابو الفضل ابراهيم ـ دار إحياء الكتب العربية، مصر.48 ـ الشعر والشعراء، ابن قتيبة، دار صادر، بيروت تصوير طبعة ليدن.49 ـ الشفا، القاضي عياض، دار الفكر، بيروت، 1409هـ ـ 1988م.50 ـ جامع الأخبار، الشعيري، مؤسسة الأعلمي، بيروت، 1406هـ ـ 1986م.51 ـ الشيعة والسنة، احسان ظهير، ادارة ترجمان السنة، لاهور، 1396هـ ـ 1976م.52 ـ صحيفة نور، مجموعة خطب الإمام الخميني، باللغة الفارسية، طبعة اُولى طهران.53 ـ ضحى الإسلام، أحمد أمين، دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة العاشرة.54 ـ طبقات الحنابلة، ابن أبي يعلي، مطبعة السنة المحمدية، القاهرة 1371هـ ـ 1952 م.55 ـ الطبقات الكبرى، ابن سعد، دار صادر، بيروت.56 ـ علل الشرائع، الصدوق، المكتبة الحيدرية، النجف، 1358 هـ ـ 1966م.57 ـ علم اُصول الفقه، محمد جواد مغنية، دار العلم للملايين، بيروت، 1975م.58 ـ عوالي اللآلي، ابن أبي جمهور الأحسائي، مطبعة سيد الشهداء، 1403هـ ـ 1983م.59 ـ فتح الباري في شرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، دار المعرفة، بيروت.60 ـ قرب الإسناد، الحميري، مؤسسة آل البيت(عليهم السلام) لإحياء التراث، قم، 1413هـ .61 ـ الكافي، الكليني، دار الكتب الإسلامية، طهران، 1377هـ .62 ـ الكامل في التاريخ، ابن الأثير، دار صادر، بيروت، 1385هـ ـ 1965م.63 ـ كتاب سليم بن قيس، الهلالي، مؤسسة البعثة، طهران، 1407هـ .64 ـ كفاية الأثر، الخزاز القمي، انتشارات بيدار، قم، 1401هـ .65 ـ كمال الدين وتمام النعمة، الصدوق، مؤسسة النشر الإسلامي،قم، 1395هـ .66 ـ لسان العرب، ابن منظور، دار صادر، بيروت.67 ـ لسان الميزان، ابن حجر، مؤسسة الأعلمي، بيروت، مصورة على طبعة الهند 1330هـ .68 ـ المبسوط، السرخسي، دار الفكر، بيروت.69 ـ مجمع البيان، أبو علي الطبرسي، دار احياء التراث العربي، بيروت، 1379هـ ق ـ 1339هـ ش.

70 ـ المحاسن، البرقي، المجمع العالمي لأهل البيت، قم، 1413هـ .71 ـ مرآة العقول، محمد باقر المجلسي، دار الكتب الإسلامية، طهران، 1394هـ ق ـ 1353هـ ش.72 ـ مستدرك وسائل الشيعة، المحدث النوري، مؤسسة آل البيت(عليهم السلام)لاحياء التراث، قم، 1408هـ .73 ـ مسند أحمد بن حنبل، دار صادر، بيروت، نسخة مصورة على طبعة الميمنية.74 ـ المصنف، عبدالرزاق الصنعائي، المجلس العلمي، الطبعة الاُولى 1392هـ ـ 1972م.75 ـ المصنف في الأحاديث والأخبار، الحافظ ابن ابي شيبة، دار الفكر، بيروت، 1409هـ ـ 1989م.76 ـ معاني الأخبار، الصدوق، مؤسسة النشر الإسلامي قم، 1379هـ ق 1338هـ ش.77 ـ مناقب آل أبي طالب، ابن شهراشوب، دار الأضواء، بيروت، 1412هـ ـ 1991م طبعة محققة.78 ـ من لا يحضره الفقيه، الصدوق، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة الثانية.79 ـ المواسم والمراسم، جعفر مرتضى العاملي، منظمة الإعلام الإسلامي، طهران، 1408هـ ـ 1987م.80 ـ الموافقات، الشاطبي، دار المعرفة، بيروت، مصورة على طبعة المكتبة التجارية بمصر.81 ـ موسوعة الاستخبارات والأمن، علي دعموش، دار الأمير، بيروت، 1993م.82 ـ الميزان في تفسير القرآن، محمد حسين الطباطبائي، مؤسسة الأعلمي، بيروت 1391هـ ـ 1972م.83 ـ النزاع والتخاصم بين اُمية وبني هاشم، المقريزي، دار المعارف، مصر، 1988م.84 ـ النصائح الكافية لمن يتولّى معاوية، ابن عقيل العلوي، مؤسسة الفجر، بيروت، 1412هـ ـ1991م.85 ـ نهج البلاغة، مجموعة خطب الإمام جمعها الشريف الرضي، تحقيق صبحي الصالح، دار الهجرة، قم.86 ـ وسائل الشيعة، الحر العاملي، مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، قم، 1409هـ.87 ـ الإمام الصادق، محمد أبو زهرة، دار الفكر العربي، مصر.88 ـ مقاتل الطالبيين، ابو الفرج الأصبهاني، تحقيق السيد أحمد صقر، القاهرة 1368 هـ ـ 1949م.89 ـ الشيعة في التاريخ، محمد حسين الزين، مطبعة العرفان، صيدا، 1357هـ ـ 1938م.

المضامين الموضوع الصفحة

كلمة لا بد منها 5التقية في الكتاب والسنة ـ تمهيد 13المفهوم في اللغة والاصطلاح 14أدلة شرعيتها 16الكتاب الكريم 16السنة الشريفة 19دليل العقل وسيرة العقلاء 25التقية عند أهل السنة 27أقوال المفسرين 32موارد التقية 35لمحة عن الظروف التي دعت الشيعة للعمل بالتقية 42في عصر بني أمية 46في عصر بني العباس 48محنة خلق القرآن 53دور التقية في حفظ الدين 58الدور الجهادي للشيعة 63كيف كان الأئمة(عليهم السلام) يمارسون التقية 72التقية أم الاتقاء 79بعض أنحاء التقية 86التقية واسلوب التورية 90

الخروج عن الحد في التقية 95التقية والتعارض بين الاخبار 99شبهات حول التقية 108كشف بالمصادر التي اعتمدتها هذه الدراسة 117

المضامين 127

/ 4