، مع احتياجهم أو اشتياقهم إلى اظهار ما في ضمائرهم إلى ان بلغت حدا وافيا، كما هو المشاهد، من المخترعين واهل الصنعة في هذه الايام - نعم تنوع افراده انما هو لاجل تباعد الملل وعدم الروابط السهلة بين الطوائف البشريه فاحتاج كل في افهام مقاصده إلى وضع الفاظ وتعيين لغات وعليه فليس الواضع شخصا واحدا معينا بل اناس كثيرة وشر ذمة غير قليلة على اختلافهم في العصور وتباعدهم في الزمان. وما عن بعض الاشاعرة من ان الواضع هو الله تعالى، وقد الهم بها انبيائه واوليائه مستدلا بلزوم العلاقة بين الالفاظ ومعانيها دفعا للترجيح بلا مرجح، وامتناع احاطة البشر على خصوصيات غير متناهيه، غير مسموع إذ المرجح لا ينحصر في الرابطة بين اللفظ والمعنى بل قد يحصل الترجيح بامور اخر كسهولة ادائه أو حسن تركيبه أو غير ذلك، على ان الامتناع مسلم لو كان الواضع شخصا معينا محدودا عمره ووقته. ثم ان دعوى وجود المناسبة الذاتية بين الالفاظ ومعانيها كافة قبل الوضع مما يبطله البرهان المؤيد بالوجدان - إذ الذات البحت البسيط الذى له عدة اسماء متخالفة من لغة واحدة أو لغات اما ان يكون لجميعها الربط به أو لبعضها دون بعض اولا ذا ولا ذاك - فالاول يوجب تركب الذات وخروجهه من البساطة المفروضة، والاخيران يهدمان اساس الدعوى، والتمسك بانه لو لا العلاقة يلزم الترجيح بغير المرحج. قد عرفت جوابه وان الترجيح قد يحصل بغير الربط، واما حصوله بعد الوضع فواضح البطلان، لان تعيين لفظ لمعنى لا يصير علة لحصول علاقة واقعية تكوينية إذ الاعتبار لا يصير منشأ لحصول امر واقعى حقيقي، والانتقال إلى المعنى اما لاجل بناء المستعملين على كون استعمالهم على طبق الوضع، أو لجهة الانس الحاصل من الاستعمال، وما ربما يقال من ان حقيقة الوضع لو كانت اعتبارية ودائرة مدار الاعتبار، يلزم انعدام هذه العلقة بعد انقراض المعتبرين وهلاك الواضعين والمستعملين، فلا ضير في الالتزام به - إذ هذا هو الفرق بين القوانين الحقيقية الفنية، كقانون الجاذبة وسير النور واوزان الاجسام، وبين الاعتبارية، كقانون الازدواج والنظام - فان الاولى ثابتة محققة، كشفت اولا، لوحظ خلافها ام لم يلحظ بخلاف الثانية فان سيرها وامد عمرها مربوط بامتداد الاعتبار - فاللغات المتروكة البائد اهلها، المقبورة