الدور الأول - سجود علی الأرض نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

سجود علی الأرض - نسخه متنی

علی احمدی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

18 ـ عن ليث قال: «رأيت طاووساً في مرضه الّذي مات فيه يصلّي على فراشه قائماً ويسجد عليه»(36).

19 ـ عن محمد بن راشد قال: «رأيت مكحولا يسجد على عمامته فقلت: لم تسجد عليها؟ فقال: أتقي البرد على إنساني»(37).

أقوال الفقهاء وكلماتهم:

قال ابن بطال: «لا خلاف بين فقهاء الأمصار في جواز الصلاة عليها ـ أي: على الخمرة ـ إلاّ ما روي عن عمر بن عبدالعزيز أنّه يؤتى بتراب فيوضع على الخمرة فيسجد عليها، وروي عن عروة ابن الزبير أنّه كان يكره الصلاة على شيء دون الأرض، وكذا روي عن غير عروة»(38).

قال الشافعي في كتاب الاُمّ: «ولو سجد على جبهته ودونها ثوب أو غيره لم يجز السجود إلاّ أن يكون جريحاً، فيكون ذلك عذراً، ولو سجد عليها وعليها ثوب متخرّق فماسّ شيء من جبهته الأرض أجزأه ذلك; لأنّه ساجد وشيء من جبهته على الأرض، وأحبّ أن يباشر راحتيه الأرض في البرد والحرّ، فإن لم يفعل وسترهما من حرّ أو برد وسجد عليهما فلا إعادة عليه ولا سجود سهو، ثم أطال الكلام في فروع المسألة فقال: وإنّه أمر بكشف الوجه ولم يؤمر بكشف ركبتيه ولا قدم»(39).

قال ابن حجر في فتح الباري 1 : 414 في شرح حديث «كنّا إذا صلّينا مع النبيّ
(صلى الله عليه وآله)
فيضع أحدنا طرف الثوب من شدّة الحرّ مكان السجود»: وفيه إشارة إلى أنّ مباشرة الأرض عند السجود هو الأصل; لأنّه علق بعدم الاستطاعة.

وقال الشوكاني في النيل في تفسير هذا الحديث: «الحديث يدل على جواز السجود على الثياب لاتّقاء حرّ الأرض، وفيه إشارة إلى أنّ مباشرة الأرض عند السجود هي الأصل ليتعلّق بسط الثوب بعدم الاستطاعة»(40).

وقال في النيل في شرح حديث ثابت بن صامت: «إنّ رسول الله
(صلى الله عليه وآله)
قام يصلّي في مسجد بني عبدالأشهل وعليه كساء ملتفّ به يضع يده عليه يقيه برد الحصى»: الحديث يدلّ على جواز الاتّقاء بطرف الثوب الّذي على المصلّي ولكن للعذر، إمّا عذر المطر كما في الحديث، أو الحرّ والبرد كما في رواية ابن أبي شيبة(41).

قال الترمذي بعد نقله عن أبي سعيد: «إنّ النبيّ
(صلى الله عليه وآله)
صلّى على حصير»: وفي الباب عن أنس والمغيرة بن شعبة قال أبو عيسى: وحديث أبي سعيد حسن والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم، إلاّ أنّ قوماً اختاروا الصلاة على الأرض استحباباً(42).

قال البيهقي في السنن الكبرى بعد نقل حديث جابر بن عبدالله الأنصاري: «كنت اُصلّي مع رسول الله
(صلى الله عليه وآله)
صلاة الظهر، فآخذ قبضة من الحصى في كفّي حتّى تبرد وأضعها بجبهتي إذا سجدت من شدّة الحرّ. قال الشيخ: ولو جاز السجود على ثوب متصل به لكان ذلك أسهل من تبريد الحصى في كفّ ووضعها للسجود وبالله التوفيق»(43).

أقول:
من المعلوم أن لو كان السجود على الثوب جائزاً مطلقاً متّصلا أو غير متّصل كالمنديل والسّجادة المصنوعة من القطن والصوف والحرير وغيرها وقتئذ لكان أسهل بمراتب من السجود على التراب والحصى والحجر المتّقدة بحرّ الشمس أو الباردة في المطر والشتاء.

قال مالك:
«يكره أن يسجد الرجل على الطنافس وبسط الشعر والثياب والأدم، وكان يقول: لا بأس أن يقوم عليها ويركع عليها ويقعد عليها ولا يسجد عليها ولا يضع كفّيه عليها، وكان لا يرى بأساً بالحصباء وما أشبهه ممّا تنبت الأرض أن يسجد عليها»(44).

وقال مالك:
«لا يسجد على الثوب إلاّ من حرّ أو برد كتّاناً أو قطناً. قال مالك: وبلغني أنّ عمر بن الخطاب وعبدالله بن عمر كانا يسجدان على الثوب في الحرّ والبرد. وقال مالك: لا بأس أن يقوم الرجل في الصلاة على أحلاس الدواب ... ويسجد على الأرض ويقوم على الثياب والبسط وما أشبه ذلك والمصلّيات وغير ذلك ويسجد على الخمرة والحصير» (راجع المدوّنة الكبرى 1 : 74/75).

وقال في عون المعبود 1 : 349 في شرح حديث أنس «كنّا نصلّي مع رسول الله
(صلى الله عليه وآله)
في شدّة الحرّ فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكّن وجهه من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه»: وفي الحديث جواز استعمال الثياب، وكذا وغيرها من الحيلولة بين المصلّي وبين الأرض لاتّقاء حرّها، وكذا بردها. قال الخطّابي: وقد اختلف الناس في هذا; فذهب عامّة الفقهاء إلى جوازه: مالك والأوزاعي وأحمد وأصحاب الرأي وإسحاق بن راهويه، وقال الشافعي: لا يجزيه ذلك كما لا يجزيه السجود على كور العمامة. ويشبه أن يكون تأويل حديث أنس عنده أن يبسط ثوباً هو غير لابسه (انتهى) قلت: وحمله الشافعي على الثوب المنفصل، وأيّد البيهقي هذا الحمل بما رواه الإسماعيلي من هذا الوجه بلفظ: «فيأخذ أحدنا الحصى في يده، فإذا برد وضعه وسجد عليه» قال: فلو جاز السجود على شيء متّصل به لما احتاجوا إلى تبريد الحصى مع طول الأمر فيه».

وفي إرشاد الساري 1 : 408 بعد نقله رواية أنس «كنا إذا صلينا مع النبي
(صلى الله عليه وآله)
فيضع أحدنا طرف الثوب من شدة الحر مكان السجود» قال: «واحتجّ بذلك أبو حنيفة ومالك وأحمد وإسحاق على جواز السجود على الثوب في شدّة الحرّ والبرد، وبه قال عمر ابن الخطاب وغيره، وأوّله الشافعية بالمنفصل أو المتّصل الّذي لا يتحرّك بحركته كما مرّ، فلو سجد على متحرّك بحركته عامداً عالماً بتحريمه بطلت صلاته لأنّه كالجزء منه».

وفي المدوّنة الكبرى 1 : 73 و75 و76 و80 نقل عن مالك فتاوى في المسألة وفروعها لا بأس بنقلها بطولها.

قال مالك:
لا يسجد على الثوب إلاّ من حرّ أو برد، كتّاناً كان أو قطناً، قال ابن القاسم قال: بلغني أنّ عمر بن الخطاب وعبدالله بن عمر كانا يسجدان على الثوب من الحرّ والبرد ويضعان أيديهما عليه، قلت لابن القاسم: فهل يسجد على اللبد والبسط من الحرّ والبرد؟ قال: ما سألنا مالكاً عن هذا، ولكنّ مالكاً كره الثياب، وإن كانت من قطن أو كتان فهي عندي بمنزلة البسط واللبود، فقد وسع مالك أن يسجد على الثوب من حرّ أو برد. قلت: أفترى أن يكون اللبد بتلك المنزلة؟ قال: نعم، إلى أن قال: وقال مالك: لا بأس أن يقوم الرجل في الصلاة على أحلاس الدواب التي قد حلّست به اللبود الّتي تكون في السروج ويركع عليها ويسجد على الأرض ويقوم على الثياب والبسط وما أشبه ذلك، ويسجد على الخمرة والحصير وما أشبه ذلك، ويضع يديه على الّذي يضع عليه جبهته.

وقال:
وأخبرني ابن وهب قال: أخبرني رجل عن ابن عبّاس أنّ النبي
(صلى الله عليه وآله)
كان يتّقي بفضول ثيابه برد الأرض وحرّها، قال ابن وهب: إنّ رسول الله
(صلى الله عليه وآله)
رأى رجلا يسجد إلى جانبه وقد اعتمّ على جبهته، فحسر رسول الله
(صلى الله عليه وآله)
عن جبهته.

وقال وكيع:
عن سفيان عن عمر ـ شيخ من الأنصار ـ قال: رأيت أنس بن مالك يصلّي على طنفسة متربّعاً متطوّعاً وبين يديه خمرة يسجد عليها.

وقال فيمن يسجد على كور العمامة، قال: أحبّ إليّ أن يرفعها عن بعض جبهته حتّى يمسّ بعض جبهته الأرض قلت: فإن سجد على كور العمامة؟ قال: أكرهه، فإن فعل فلا إعادة عليه. قال: وقال مالك: ولا يعجبني أن يحمل الرجل الحصباء أو التراب من موضع الظلّ إلى موضع الشمس فيسجد عليه. قال: وكان مالك يكره أن يسجد الرجل على الطنافس وبسط الشعر والثياب والأدم وكان يقول: لا بأس أن يقوم عليها ويركع عليها ويقعد عليها، ولا يسجد عليها ولا يضع كفّيه عليها، وكان لا يرى بأساً بالحصباء وما أشبهه مما تنبت الأرض أن يسجد عليها وأن يضع كفّيه عليها.

وقال مالك:
أرى أن لا يضع الرجل كفّيه إلاّ على الذي يضع عليه جبهته.

قال:
وإن كان حرّاً أو برداً فلا بأس أن يبسط ثوباً يسجد عليه ويجعل كفّيه عليه.

قال الأحوذي في الشرح 1 : 273 بعد ذكر الحديث في الصلاة على الحصير: «والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم، إلاّ أنّ قوماً منأهلالعلم اختاروا الصلاة على الأرض استحباباً. قال في النيل: وقد روي عن زيد بن ثابت وأبي ذر وجابر بن عبدالله وعبدالله بن عمر وسعيد بن المسيّب ومكحول وغيرهما من التابعين استحباب الصلاة على الحصير، وصرح ابن المسيّب بأنها سنّة».

كان عبدالرحمن بن يزيد يسجد على عمامته(45).

أفتى الامام مالك بن أنس باستحباب السجود على الأرض وما أنبتته(46).

قال ابن القيّم في زاد المعاد 1 : 59: «كان النبيّ
(صلى الله عليه وآله)
يسجد على جبهته وأنفه دون كور العمامة، ولم يثبت عنه السجود على كور العمامة من حديث صحيح ولا حسن، ولكن روى عبدالرزاق في المصنّف من حديث أبي هريرة قال: كان رسول الله
(صلى الله عليه وآله)
يسجد على كور العمامة وهو من رواية عبدالله بن محرز وهو متروك، وذكره أبو أحمد من حديث جابر ولكنّه من رواية عمرو بن شهر عن جابر الجعفي متروك عن متروك. وقد ذكر أبو داود في المراسيل: أنّ رسول الله
(صلى الله عليه وآله)
رأى رجلا يصلي في المسجد فسجد بجبينه وقد اعتمّ على جبهته، فحسر رسول الله
(صلى الله عليه وآله)
عن جبهته، وكان رسول الله
(صلى الله عليه وآله)
يسجد على الأرض كثيراً، وعلى الماء والطين وعلى الخمرة المتّخذة من خواصّ النخل وعلى الحصير المتّخذ منه (انتهى)».

هذا ملخّص ما وصل إلينا من عقائد الصحابة وأقوال العلماء في المسألة، فمنهم من قال بوجوب السجود على التراب والرمل والحصباء إن أمكن وإلاّ فالأرض كلّها كما عن عطاء وابن مسعود وعمر بن عبدالعزيز.

ومنهم من قال بوجوب السجود على الأرض فقط مطلقاً كأبي بكر ومسروق وعبادة وإبراهيم النخعي.

ومنهم من قال بوجوب السجود على الأرض وما أنبتته اختياراً، وجواز السجود على الثياب للحرّ والبرد كابن عمر وعمر ومالك وأبي حنيفة وابن حجر والشوكاني وأحمد والأوزاعي وإسحاق بن راهويه وأصحاب الرأي.

ومنهم من قال بوجوب السجود على الأرض وما أنبتته اختياراً، وجواز السجود على الثياب المتّخذة من القطن والصوف لحر أو برد مع استحباب السجود على الأرض كما عن الشافعي ومالك.

ومنهم من قال أو نسب إليه القول بجواز السجود على الأرض ونباتها والثياب بأنواعها كأبي هريرة وأنس ومكحول وعامة الفقهاء فيما بعد القرن الرابع.

وهنا قول قصد; وهو وجوب السجود على الأرض وما أنبتته اختياراً، وجواز السجود على غير الأرض ونباتها اضطراراً (دون مطلق الحرّ والبرد) وإن كان الاضطرار من غير جهة الحرّ والبرد.

فانتظر حتّى توافيك الأدلّة إن شاء الله تعالى.

* * *

الدور الأول

القسم الأول

من أدلّة وجوب السجود على الأرض

حديث «جعلت لي الأرض» ألفاظه وإسناده

حديث تبريد الحصى، شكوى الصحابة بحصيب المسجد

حديث تتريب الوجه

حديث السجود على كور العمامة

حديث لزوم الجبهة ولصوقها وتمكينها بالأرض

حديث عائشة وغيرها في عمل النبي
(صلى الله عليه وآله)

أحاديث أهل البيت
(عليهم السلام)

ماورد عنالصحابة والتابعين في ذلك فيالأحاديث المرفوعة

حديث يشير إلى الدور المذكور

أدلّة الامامية:

وكيف كان، فقد استدلّ الإماميّة لمذهبهم بما ورد عن أهل البيت
(عليهم السلام)
بأسانيد متّصلة عن آبائهم
(عليهم السلام)
عن رسول الله
(صلى الله عليه وآله)
، وبما رواه أهل السنّة في كتبهم من أقوال النبيّ
(صلى الله عليه وآله)
في ذلك وأفعاله، وبما نقلوه من أقوال الصحابة وأعمالهم.

وإليك ما وقفنا عليه من الأدلّة:

1 ـ يدل على وجوب السجود على الأرض قوله
(صلى الله عليه وآله)
«جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً»(47).

وفي لفظ:
«جعلت لنا الأرض كلّها مسجداً وطهوراً»(48).

وفي لفظ:
«جعلت لي الأرض طيبة وطهوراً ومسجداً»(49).

وفي لفظ:
«جعلت لك ولاُمّتك الأرض كلّها مسجداً وطهوراً»(50).

وفي لفظ:
«إنّ الله جعل لي الأرض مسجداً وطهوراً أينما كنت أتيمّم واُصلّي عليها»(51).

وفي لفظ:
«الأرض لك ولاُمّتك طهوراً ومسجداً ...»(52).

وفي لفظ:
«جعلت لي الأرض مسجداً وترابها وطهوراً»(53).

وفي لفظ:
«جعلت الأرض مسجداً ترابها وطهوراً»(54).

وفي لفظ:
عن أبي اُمامة الباهلي: إنّ رسول الله
(صلى الله عليه وآله)
قال: «فضّلني ربّي على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أو على الاُمم بأربع قال: ارسلت إلى الناس كافّة، وجعلت الأرض كلّها لي ولاُمتي مسجداً وطهوراً، فأينما أدركت رجلا من اُمّتي الصلاة فعنده مسجده وعنده طهوره» الحديث(55).

فقه الحديث:

لا إشكال في الحديث سنداً; لتواتره ونقل كبار الحفّاظ له في كتبهم المعتبرة، وأمّا دلالته فهو يدلّ على أنّ الذي يسجد عليه في الشريعة الإسلامية هو الأرض; لأنّ ما هو طهور هو الذي يكون مسجداً بحكم السياق; إذ الموضوع الّذي حمل عليه الطهور هو الّذي حمل عليه المسجد، فلو كان فرق بين موضوعي المحمولين لزم تكراره، فحينئذ كما أنّ الطهوريّة ثابتة لنفس الأرض، فكذا كونها مسجداً.

ولا ينافي ذلك استفادة معنى آخر من الحديث الشريف، وهو أنّ العبادة والسجود لله سبحانه لا يختصّ بمكان دون مكان، بل كلّ الأرض مسجد للمسلمين أينما كانوا وحيثما حلّوا وشاءوا، وليسوا كغير المسلمين الّذين خصّوا العبادة بالبيع والكنائس، وذلك لأنّه قد يستفاد من كلام واحد معان متعددة وأحكام كثيرة ونكات عديدة، بل هذا من بديع الكلام ولا سيّما كلام سيد الأنبياء وإمام الفصحاء والبلغاء، وقد اُعطي جوامع الكلام، ونزل على لسانه القرآن الكريم، وربّي في حجور الفصاحة، وارتضع من ثدي الحكمة والبلاغة.

وقد استفاد هذا المعنى من هذا الحديث الجصّاص حيث قال: «إنّ ما جعله من الأرض مسجداً هو الذي جعله طهوراً»(56) وإلى
هذا المعنى أشار ابن حجر في الفتح أيضاً في شرحه لهذا الحديث حيث قال: «وجعلت لي الأرض مسجداً» أي: موضع سجود لا يختصّ السجود منها بموضع دون غيره(57).

أقول:
يعني لم يجعل المسجد بمعنى المصلّى مجازاً بل حمله على حقيقته، وإليه أشار أيضاً القسطلاني في شرح الحديث حيث قال: «مسجد أي: موضع سجود»(58) كما أنّه قال في باب التيمّم في
شرحه للحديث: «جعلت لي الأرض طهوراً ... احتجّ به مالك وأبو حنيفة على جواز التيمم بجميع أجزاء الأرض، لكن في حديث حذيفة عند مسلم: «وجعلت لنا الأرض كلّها مسجداً، وجعلت تربتها لنا طهوراً إذا لم نجد الماء» وهو خاص، فيحمل العام عليه، فتختصّ الطهورية بالتراب ... وفي رواية أبي اُمامة عند البيهقي «فأيّما رجل من اُمّتي أتى الصلاة فلم يجد ماءً وجد الأرض طهوراً ومسجداً» وعند أحمد «فعنده طهوره ومسجده»(59).

وفي البحر الرائق 1 : 155 و156 بعد نقل حديث «جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً» استدلّ به على جواز التيمّم على مطلق الأرض قال: لأنّ اللام للجنس فلا يخرج شيء منها، لأنّ الأرض كلها جعلت مسجداً، وما جعل مسجداً هو الّذي جعل طهوراً (انتهى ملخّصاً).

وفي المعتصر من المختصر من مشكل الآثار 1 : 16: «قال رسول الله
(صلى الله عليه وآله)
: لقد أعطيت الليلة خمساً ما أعطيهنّ أحد قبلي: أرسلت إلى الناس عامة ... وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً أينما أدركتني الصلاة تمسحت وصليت، وكان من قبلي يعظمون ذلك، إنما كانوا يصلون في كنائسهم وبيعهم (الحديث) واستدلّ بهذا على أنّ ما كان من الأرض مسجداً كان منها طهور.. الخ.

ويؤيّد ما ذكرنا (من كون المراد من المسجد محلّ السجود وأنّ ما هو طهور هو المسجد) ما تقدّم من لفظ الحديث «فأينما أدركت رجلا من اُمّتي الصلاة فعنده مسجده وعنده طهوره» حيث يصرّح بأنّ المراد من المسجد في الحديث الشريف ليس هو المصلّى ليكون المراد كما تقدّم أنّه يصلي في أيّ مكان شاء ومتى أراد، بل المراد موضع السجود، أي: جعلت لي الأرض محلّ سجود، فمتى صلّى إنسان فعنده ما يسجد عليه وإن كان يستفاد الترخيص بالنسبة إلى مكان الصلاة أيضاً كما لا يخفى على المتدبّر.

ويؤيّد هذا المعنى أيضاً ما في شرح عون المعبود لسنن أبي داود 1 : 182 حيث قال: «ومسجداً أي: موضع سجود، ولا يختص السجود منها بموضع دون غيره، ويمكن أن يكون مجازاً من المكان المبني للصلاة، وهو من مجاز التشبيه; لأنه إذا جازت الصلاة في جميعها كانت كالمسجد قاله الحافظ في الفتح (راجع الفتح 1 : 369 وما بعدها) حيث جعل الشارح مفاد الحديث حقيقة فيما ذكرنا من السجود على الأرض، وجعل المعنى الآخر محتملا مجازاً».

نعم في بعض الروايات إشارة إلى المعنى المجازي أيضاً منها قوله
(صلى الله عليه وآله)
كما عن حذيفة: «جعلت لي الأرض مسجداً وترابها طهوراً»(60) حيث خصّ الطهور بالتراب فقط دون سائر أجزاء
الأرض. ومنها ما عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله
(صلى الله عليه وآله)
: «الأرض كلّها مسجد إلاّ المقبرة والحمام»(61).

ويحتمل أن يكون وضع الوجه على الأرض مباشرة مأخوذ في حقيقة السجود لغة، وكذا عند أهل العرف، ويدل عليه ما رواه البخاري 5 : 57: قال: «قرأ النبي
(صلى الله عليه وآله)
النجم فسجد، فما بقي أحد إلاّ سجد إلاّ رجل رأيته أخذ كفّاً من حصى فرفعه فسجد عليه»(62) إذ
الظاهر منه أنّ السجود هو الوقوع على الأرض بهيئة خاصة، ولذا قال الرجل «يكفيني منه» أي: يكفي من السجود الحقيقي لا أنّه نفسه، ولو كان السجود على غير الأرض كافياً لما كان التكلّف لازماً، لإمكان السجود على الثوب.

فالأصل في السجود أن يضع الانسان وجهه على الأرض، على ترابها ورملها وحصاها وحجرها ومدرها ونباتها غير مأكول ولا ملبوس، إلاّ أن تعرض عناوين حكم الشارع فيها بجواز السجود على الثياب ونحوها كضرورة الحر والبرد والزحام، وسيأتي الكلام عليها إن شاء الله تعالى.

/ 11