ـ عقد الحافظ إبن الجوزي الحنبلي المتوفّى 597هـ، في كتابه «مثير الغرام الساكن إلى أشرف الأماكن» باباً في زيارة قبر النبيِّ(صلى الله عليه وآله وسلم)وذكر حديثي ابن عمر وأنس المذكورين في أحاديث الباب.
ـ قال أبو محمَّد عبد الكريم بن عطاء الله المالكي المتوفّى 612هـ، في مناسكه: فصلٌ: إذا كمل لك حجّك وعمرتك على الوجه المشروع، لم يبق بعد ذلك إلاّ إتيان مسجد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)للسَّلام على النبيِّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، والدعاء عنده، والسَّلام على صاحبيه، والوصول إلى البقيع وزيارة مافيه من قبور الصحابة والتابعين، والصَّلاة في مسجد الرَّسول، فلا ينبغي للقادر على ذلك تركه.
ـ قال أبو عبدالله محمَّد بن عبدالله بن الحسين السامري الحنبلي، المعروف بابن أبي سنينة المتوفّى 616هـ، في كتاب «المستوعب»: باب زيارة قبر الرَّسول(صلى الله عليه وآله وسلم). وإذا قدم مدينة الرَّسول(صلى الله عليه وآله وسلم) استحبَّ له أن يغتسل لدخولها. ثمَّ ذكر أدب الزيارة، وكيفيَّة السّلام والدُّعاء والوداع.
ـ قال الشيخ موفّق الدين عبدالله بن أحمد بن قدامة المقدسي الحنبلي المتوفَّي 620هـ، في كتابه المغني(90): فصلٌ: يستحبُّ زيارة قبر النبيِّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، ثمَّ ذكر حديثَي ابن عمر وأبي هريرة من طريق الدار قطني وأحمد.
ـ قال محيي الدين النووي الشافعي المتوفَّي حدود 677هـ، في «المنهاج» المطبوع بهامش شرحه المغني: ج1، ص494: ويسنُّ شرب ماء زمزم، وزيارة قبر رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)بعد فراغ الحجّ.
ـ قال نجم الدين بن حمدان الحنبلي المتوفّى 695هـ، في «الرّعاية الكبرى» في الفروع الحنبليَّة: ويسنّ لمن فرغ عن نسكه زيارة قبر النبيِّ(صلى الله عليه وآله وسلم)وقبر صاحبيهرضياللهعنهما، وله ذلك بعد فراغ حجِّة وإن شاء قبل فراغه.
ـ قال القاضي الحسين: إذا فرغ من الحجِّ فالسنَّة أن يقف بالملتزم ويدعو، ثمَّ يشرب من ماء زمزم، ثمَّ يأتي المدينة ويزور قبر النبيِّ(صلى الله عليه وآله وسلم): (الشفاء)(91).
ـ قال القاضي أبو العبّاس أحمد السروجي الحنفي المتوفَّي 710هـ، في «الغاية»: إذا انصرف الحاجّ والمعتمرون من مكّة فليتوجَّهوا إلى طيبة مدينة رسولالله(صلى الله عليه وآله وسلم)وزيارة قبره، فإنَّها من أنجح المساعي.
ـ قال الإمام القدوة إبن الحاجّ محمَّد بن محمَّد العبدري القيرواني المالكي المتوفّى 737 في ]المدخل [في فصل زيارة القبور1: 257 وأمّا عظيم جناب الأنبياء والرُّسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين فيأتي إليهم الزائر، ويتعيَّن عليه قصدهم من الأماكن البعيدة، فإذا جاء إليهم فليتَّصف بالذلِّ والإنكسار والمسكنة، والفقر والفاقة والحاجة، والإضطرار والخضوع، ويحضر قلبه وخاطره إليهم وإلى مُشاهدتهم بعين قلبه لا بعين بصره; لأنّهم لا يبلون ولا يتغيّرون، ثمَّ يثني على الله تعالى بما هو أهله، ثمَّ يُصلّي عليهم ويترضّى على أصحابهم، ثمَّ يترّحم على التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، ثمَّ يتوسَّل إلى الله تعالى بهم في قضاء مآربه ومغفرة ذنوبه، ويستغيث بهم، ويطلب حوائجه منهم، ويجزم بالإجابة ببركتهم، ويقرِّي حسن ظنِّه في ذلك، فإنَّهم باب الله المفتوح، وجرتْ سنّته سبحانه وتعالى بقضاء الحوائج على أيديهم وبسببهم».
ومَنْ عجز عن الوصول فليرسل بالسَّلام عليهم، ويذكر ما يحتاج إليه من حوائجه ومغفرة ذنوبه وستر عيوبه إلى غير ذلك، فإنَّهم السّادة الكرام، والكرام لا يردُّون مَنْ سألهم، ولا مَنْ توسّل بيهم، ولا مَنْ قصدهم، ولا مَنْ لجأ إليهم. هذا الكلام في زيارة الأنبياء والمرسلين عليهم الصَّلاة والسَّلام عموماً.
ثمَّ قال: فصلٌ: وأمّا في زيارة سيِّد الأوَّلين والآخرين صلوات الله عليه وسلامه، فكلُّ ما ذكر يزيد عليه أضعافه، أعني في الإنكسار والذلّ والمسكنة; لأنَّه الشافع المُشفَّع الذي لا تردُّ شفاعته، ولا يخيب مَنْ قصده، ولا مَنْ نزل بسحاته، ولا مَنْ استعان أو استغاث به، إذ أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام قطب دائرة الكمال وعروس المملكة.
إلى أن قال: فمن توسَّل به، أو استغاث به، أو طلب حوائجه منه، فلا يُردُّ ولا يخيب; لما شهدت به المعاينة والآثار، ويحتاج إلى الأدب الكلِّي في زيارته عليه الصَّلاة والسَّلام، وقد قال علماؤنا رحمة الله عليهم: إنَّ الزائر يشعر نفسه بأنَّه واقفٌ بين يديه عليه الصَّلاة والسَّلام كما هو في حياته، إذ لا فرق بين موته وحياته، أعني في مشاهدته لاُمّته ومعرفته بأحوالهم ونيّاتهم وعزائمهم وخواطرهم، ذلك عنده جليٌّ لا خفاء فيه.
إلى أن قال: فالتوسّل به عليه الصَّلاة والسَّلام هو محلّ حطّ أحمال الأوزار، وأثقال الذنوب والخطايا; لأنَّ بركة شفاعته عليه الصَّلاة والسَّلام وعظمها عند ربّه لا يتعاظمها ذنبٌ، إذ أنَّها أعظم من الجميع، فليستبشر من زاره، وليلجأ إلى الله تعالى بشفاعة نبيِّه عليه الصَّلاة والسَّلام من لم يزره، اللّهمَّ لا تحرمنا من شفاعته بحرمته عندك آمين ربّ العالمين.
ومَنْ اعتقد خلاف هذا فهو المحروم، ألم يسمع قول الله عزَّوجلَّ: }ولو أنَّهم إذ ظلموا أنفسهم جؤك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرَّسول}(92) الآية؟ فمَن جاءه ووقف ببابه وتوسّل به وجد الله توّاباً رحيماً; لأنَّ الله مُنزَّهٌ عن خلف الميعاد، وقد وعد سبحانه وتعالى بالتوبة لمن جاءه ووقف ببابه وسأله وإستغفر ربّه، فهذا لا يشكُّ فيه ولا يرتاب إلاّ جاحدٌ للدين معاندٌ لله ولرسوله(صلى الله عليه وآله وسلم)، نعوذ بالله من الحرمان.
ـ ألَّفَ الشيخ تقيّ الدين السبكي الشافعي المتوفّى 756هـ، كتاباً حافلا في زيارة النبيِّ الأعظم في 187 صحيفة وأسماه (شفاء السِّقام في زيارة خير الأنام) ردّاً على ابن تيميّة، وذكر كثيراً من أحاديث الباب، ثمَّ جعل باباً في نصوص العلماء من المذاهب الأربعة على إستحبابها، وانَّ ذلك مجمعٌ عليه بين المسلمى.
وقال في ص48: لا حاجة إلى تتّبع كلام الأصحاب في ذلك مع العلم بإجماعهم وإجماع سائر العلماء عليه، والحنفيّة قالوا: إنَّ زيارة قبر النبيِّ(صلى الله عليه وآله وسلم)من أفضل المندوبات والمستحبّات، بل يقرب من درجة الواجبات، وممَّن صرَّح بذلك أبو منصور محمّد بن مكرم الكرماني في مناسكه; وعبدالله بن محمود بن بلدحي في شرح المختار، وفي فتاوى أبي الليث السمر قندي في باب أداء الحجّ.
وقال في ص59: كيف يتخيَّل في أحد من السَّلف منعهم من زيارة المصطفى(صلى الله عليه وآله وسلم) وهم مجمعون على زيارة سائر الموتى، وسنذكر ذلك وما ورد من الأحاديث والآثار في زيارتهم.
وحكى في ص61 عن القاضي عياض وأبي زكرّيا النووي إجماع العلماء والمسلمين على استحباب الزيارة.
وقال ص63: وإذا استحبَّ زيارة قبر غيره(صلى الله عليه وآله وسلم)فقبره أولى; لما له من الحقِّ ووجوب التعظيم.
فإن قلتَ: الفرق ]يعني بين زيارة قبر النبيِّ وغيره [أنَّ غيره يُزار للإستغفار له; لاحتياجه إلى ذلك كما فعل النبيُّ(صلى الله عليه وآله وسلم)في زيارته أهل البقيع، والنبيُّ(صلى الله عليه وآله وسلم)مُستغن عن ذلك.
قلتُ: زيارته(صلى الله عليه وآله وسلم) إنَّما هي لتعظيمه والتبرُّك به، ولتنالنا الرَّحمه بصلاتنا وسلامنا عليه، كما إنّا مأمورون بالصّلاة عليه والتسليم وسؤال الوسيلة، وغير ذلك ممّا يعلم أنَّه حاصلٌ له(صلى الله عليه وآله وسلم)بغير سؤالنا، ولكنَّ النبيُّ(صلى الله عليه وآله وسلم)أرشدنا إلى ذلك لنكون بدعائنا له متعرِّضين للرَّحمة التي رتَّبها الله على ذلك.
فإن قلتَ: الفرق أيضاً أنَّ غيره لا يُخشى فيه محذورٌ، وقبره(صلى الله عليه وآله وسلم)يُخشى الإفراط في تعظيمه أن يُعبد.
شفاعتي»(94)؟ وعلى مخالفة إجماع السّلف والخلف بمثل هذا الخيال الذي لم يشهد به كتاب ولا سنَّة؟ بخلاف النهي عن أتِّخاذه مسجداً، وكون الصحابة إحترزوا عن ذلك المعنى المذكور; لأنَّ ذلك قد ورد النهي فيه، وليس لنا أن نشرِّع أحكاماً من قبلنا، أم لهم شركاء شرّعوا لهم من الدِّين مالم يأذن به الله؟
فَمَنْ منع زيارة قبر النبيِّ(صلى الله عليه وآله وسلم) فقد شرّع من الدين والتعظيم والوقوف عند الحدّ الذي لايجوز مجاوزته بالأدلَّة الشرعيَّة، وبذلك يحصل الأمر من عبادة غير الله تعالى، ومَنْ أراد الله ضلاله من أفراد من الجهّال فلن يستطيع أحدٌ هدايته.
فمَنْ ترك شيئاً من التعظيم المشروع لمنصب النبوَّة زاعماً بذلك الأدب مع الريوبيّة، فقد كذب على الله تعالى، وضيَّع ما أمر به في حقّ رسله، كما أنَّ مَنْ أفرط وجاوز الحدَّ إلى جانب الربوبيَّة فقد كذب على رسل الله، وضيَّع ما اُمروا به في حقِّ ربِّهم سبحانه وتعالى، والعدل حفظ ما أمر الله به في الجانبين، وليس في الزِّيارة المشروعة من التعظيم ما يُفضي إلى محذور.
وعقدَ في ص7587 باباً في كون السفر إلى الزِّيارة قربةً، وبسط القول فيه، وأثبته بالكتاب والسنَّة والإجماع والقياس، وإستدلَّ عليه من الكتاب بقوله تعالى: }ولو أنَّهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤك فإستغفروا الله وإستغفر لهم الرَّسول لوجدوا الله توّاباً رحيماً}(95)بتقريبصدقالمجييءوعدمفرقبينحياته(صلى الله عليه وآله وسلم)ومماته.
القبور، وإذا جاز الخروج إلى القريب جاز إلى البعيد، فقد ثبت في صحيح خروجه(صلى الله عليه وآله وسلم)إلى البقيع(98) بأمر من الله تعالى وتعليم عائشة كيفيَّة السَّلام على أهل البقيع. وخروجه إلى قبور الشهداء(99).
ثمَّ قال: الرابع: الإجماع; لاطباق السَّلف والخلف، فإنَّ الناس لم يزالوا في كلِّ عام إذا قضوا الحجَّ يتوجَّهون إلى زيارته(صلى الله عليه وآله وسلم)، ومنهم مَنْ يفعل ذلك قبل الحجِّ هكذا شاهدناه وشاهده من قبلنا، وحكاه العلماء عن الأعصار القديمة كما ذكرناه في الباب الثالث.
وذلك أمرٌ لا يُرتاب فيه، وكلّهم يقصدون ذلك ويعرجون إليه، وإن لم يكن طريقهم، ويقطعون فيه مسافة بعيدة، وينفقون فيه الأموال، ويبذلون فيه المهج، معتقدين أنَّ ذلك قربة وطاعة، وإطباق هذا الجمع العظيم من مشارق الأرض ومغاربها على ممرِّ السنين وفيهم العلماء والصّلحاء وغيرهم، يستحيل أن يكون خطأ، وكلّهم يفعلون ذلك على وجه التقرُّب به إلى الله عزَّوجلَّ، ومن تأخَّر عنه من المسلمين فإنَّما يتأخَّر بعجز أو تعويق المقادير مع تأسّفه عليه وودِّه لو تيسَّر له، ومَنْ إدَّعى أنَّ هذا الجمع العظيم مجمعون على خطأ فهو المخطيء.
ـ قال زين الدين أبو بكر بن الحسين بن عمر القريشي العثماني المصري المراغي المتوفّى 816هـ، في (تحقيق النصرة في تأريخ دار الهجرة): وينبغي لكلِّ مسلم إعتقاد كون زيارته(صلى الله عليه وآله وسلم)قربةً عظيمةً، للأحاديث الواردة في ذلك، ولقوله تعالى:
}ولو أنَّهم إذ ظلموا جاؤك فاستغفروا الله وإستغفر لهم الرَّسول}(100) الآية; لأنّ تعظيمه لا ينقطع بموته.
ولا يقال: إنَّ إستغفار الرَّسول لهم إنَّما هو في حياته وليست الزيارة كذلك; لما أجاب به بعض الأئمَّة المحقِّقين أنَّ الآية دلّت على تعليق وجدان الله تعالى توّاباً رحيماً بثلاثة اُمور: المجييء، وإستغفارهم، وإستغفار الرَّسول لهم. وقد حصل إستغفار الرَّسول لجميع المؤمنين; لأنَّه قد إستغفر للجميع قال الله تعالى: }وإستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات}(101)، فإذا وجد مجيئهم وإستغفارهم كملت الأمور الثلاثة الموجبة لتوبة الله تعالى ورحمته. (المواهب اللدنيَّة للقسطلاني).
ـ قال السيِّد نور الدين السَّمهودي المتوفّى 911هـ، في «وفاء الوفاء 2: 412»، بعد ذكر أحاديث الباب: وأمّا الإجماع: فأجمع العلماء على إستحباب زيارة القبور للرِّجال، كما حكاه النووي، بل قال بعض الظاهريَّة بوجوبها.
وقد إختلفوا في النساء وقد إمتاز القبر الشريف بالأدلّة الخاصَّة به كما سبق، قال السبكي: ولهذا أقول إنَّه لا فرق في زيارته(صلى الله عليه وآله وسلم)بين الرِجال والنساء.
وقال الجمال الريمي في «التقفية»: يُستثنى ـ أي من محلِّ الخلافـ قبر النبيِّ(صلى الله عليه وآله وسلم)وصاحبيه، فإنَّ زيارتهم مُتسحبَّةٌ للنساء بلا نزاع، كما اقتضاه قولهم في الحجِّ: يُستحبّ لمن حجَّ أن يزور قبر النبيِّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، وحينئذ فيقال معاياة قبور يستحبُّ زيارتها للنساء بالإتِّفاق، وقد ذكر ذلك بعض المتأخِّرين وهو الدمنهوري الكبير، وأضاف إليه قبور الأولياء والصَّالحين والشهداء، ثمَّ بسط القول في أنَّ السفر للزيارة قربةٌ كالزيارة نفسها.
ـ قال الحافظ أبو العبّاس القسطلاني المصري المتوفّى 923هـ، في «المواهب اللدنيَّة»: الفصل الثاني في زيارة قبره الشَّريف ومسجده المنيف: إعلم أنَّ زيارة قبره الشَّريف من أعظم القربات وأرجى الطاعات والسبيل إلى أعلى الدرجات، ومَنْ إعتقد غير هذا فقد إنخلع من ربقة الإسلام، وخالف الله ورسوله وجماعة العلماء الأعلام، وقد أطلق بعض المالكيَّة وهو أبو عمران الفاسي كما ذكره في «المدخل» عن «تهذيب الطالب» لعبد الحقّ: أنَّها واجبةٌ، قال: ولعلّه أراد وجوب السُنن المؤكّدة.
وقال القاضي عياض: إنَّها من سُنن المسلمين، مجمعٌ عليها، وفضيلةٌ مرغَّبٌ فيها، ثمَّ ذكر جملةً من الأحاديث الواردة في زيارته(صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: وقد أجمع المسلمون على إستحباب زيارة القبور كما حكاه النووي و أوجبها الظاهريَّة، فزيارته(صلى الله عليه وآله وسلم)مطلوبةٌ بالعموم والخصوص كما سبق، ولأنَّ زيارة القبور تعظيمٌ، وتعظيمه(صلى الله عليه وآله وسلم)واجبٌ، ولهذا قال بعض العلماء: لا فرق في زيارته(صلى الله عليه وآله وسلم) بين الرِّجال والنساء وإن كان محل الإجماع على إستحباب زيارة القبور الرِّجال، وفي النساء خلافٌ، الأشهر في مذهب الشافعي الكراهة.
قال ابن حبيب من المالكيَّة: ولا تدع في زيارة قبره(صلى الله عليه وآله وسلم)والصَّلاة في مسجده، فإنَّ فيه من الرغبة ما لا غنى بك وبأحد عنه، وينبغي لمن نوى الزيارة أن ينوي مع ذلك زيارة مسجده الشريف والصَّلاة فيه; لأنَّه أحد المساجد الثلاثة التي لا تشدّ الرحال إلاّ إليها، وهو أفضلها عند مالك. وليس لشدِّ الرِّحال إلى غير المساجد الثلاثة فضلٌ; لأنَّ الشَّرع لم يجييء به، وهذا الأمر لا يدخله قياسٌ; لأنّ شرف البقعة إنَّما يُعرف بالنصِّ الصريح عليه، وقد ورد النصُّ في هذه دون غيرها.
وقد صحَّ عن عمر بن عبد العزيز كان يبرد البريد للسَّلام على النبيِّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، فالسفر إليه قربةٌ، لعموم الأدلَّة، ومَنْ نذر الزيارة وجبت عليه كما جزم به ابن كج من أصحابنا، وعبارته: إذا نذر زيارة قبر النبيِّ(صلى الله عليه وآله وسلم) لزمه الوفاء وجهاً واحداً. إنتهى.
إلى أن قال: وللشيخ تقيِّ الدين إبن تيمية هنا كلامٌ شنيعٌ عجيبٌ، يتضمَّن منع شدِّ الرِّحال للزيارة النبويَّة، وأنَّه ليس من القرب، بل يضدُّ ذلك، وردَّ عليه الشيخ تقيّ الدين السبكي في «شفاء السِّقام»، فشفى صدور المؤمنين.
ـ ذكر شيخ الإسلام أبو يحيى زكريّا الأنصاري الشافعي المتوفّى 925هـ، في «أسنى المطالب» شرح «روض الطالب» ـ لشرف الدين إسماعيل بن المقري اليمني ـ: ج1، ص501، ما يستحبّ لمن حجَّ وقال: ثمَّ يزور قبر النبيِّ(صلى الله عليه وآله وسلم)ويسلّم عليه وعلى صاحبيه بالمدينة المشرَّفة، ثمَّ ذكر شطراً من أدلّتها وجملة من آداب الزيارة.
ـ قال إبن حجر الهيتمي المكي الشافعي المتوفّى 973هـ، في كتابه (الجوهر المنظّم في زيارة القبر المكرَّم) ص12 طسنة1279 بمصر ـ بعد ما إستدلَّ على مشروعيَّة زيارة قبر النبيِّ بعدَّة أدلّة منها الإجماع ـ فإن قلتَ: كيف تحكي الإجماع على مشروعيَّة الزيارة والسفر إليها وطلبها، وابن تيميَّة من متأخِّري الحنابلة منكرٌ لمشروعيَّة ذلك كلّه، كما رآه السبكي في خطِّه؟! وقد أطال ابن تيميَّة الإستدلال لذلك بما تمجه الأسماع، وتنفر عنه الطباع، بل زعم حرمة السَّفر لها إجماعاً وأنَّه لا تقصّر فيه الصَّلاة، وأنّ جميع الأحاديث الواردة فيها موضوعةٌ، وتبعه بعض مَنْ تأخَّر عنه من أهل مذهبه.
قلتُ: مَنْ هو ابن تيميَّة؟ حتّى يُنظر إليه أو يُعوَّل في شيء من اُمور الدِّين عليه، وهل هو إلاّ كما قال جماعة من الأئمَّة ـ الذين تعقَّبوا كلماته الفاسدة وحججه الكاسدة، حتَّى أظهروا عوار سقطاته وقبائح أوهامه وغلطاته كالعزّ بن جماعة ـ: عبدٌ أضلّه الله تعالى وأغواه، وألبسه رداء الخزي وأراده، وبوَّأه من قوَّة الإفتراء والكذب ما أعقبه الهوان وأوجب له الحرمان ولقد تصدّى شيخ الإسلام وعالم الأنام، المجمع على جلالته وإجتهاده وصلاحه وإمامته، التقيُّ السبكيُّ قدَّس الله روحه ونوَّر ضريحه، للردِّ عليه في تصنيفُ مستقلّ، أفاد فيه وأجاد، وأصاب وأوضح بباهر حججه طريق الصَّواب.
ثمَّ قال: هذا وما وقع من ابن تيميَّة ممّا ذكر وإن كان عثرةً لاتُقال أبداً، ومصيبةً يستمرُّ شؤمها سرمداً، وليس بعجيب فإنَّه سوَّلت له نفسه وهواه وشيطانه أنَّه ضرب مع المجتهدين بسهم صائب، وما درى المحروم أنَّه أتى بأقبح المعائب، إذ خالف إجماعهم في مسائل كثيرة، وتدارك على أئمَّتهم ـ سيَّما الخلفاء الراشدين ـ بإعتراضات سخيفة شهيرة، حتّى تجاوز إلى الجناب الأقدس المنزَّه سبحانه عن كلِّ نقص والمستحقِّ لكل كمال أنفس، فنسب إليه الكبائر والعظائم، وخرق سياج عظمته بما أظهره للعامَّة على المنابر من دعوى الجهة والتجسيم، وتضليل مَنْ لم يعتقد ذلك من المتقدِّمين والمتأخرين، حتّى قام عليه علماء عصره وألزموا السّلطان بقتله أو حبسه وقهره، فحبسه إلى أن مات، وخمدت تلك البدع، وزالت تلك الضَّلالات، ثمَّ إنتصر لهُ أتباعٌ لم يرفع الله لهم رأساً، ولم يظهر لهم جاهاً ولا بأساً، بل ضُربت عليهم الذلَّة والمسكنة وباءوا بغضب من الله ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون.
ـ قال الشيخ محمَّد الخطيب الشربيني المتوفّى 977هـ، في «مغني المحتاج: 1، 357»: ومحلّ هذه الأقوال(102) في غير زيارة قبر سيِّد المرسلين، أمّا زيارته فمن أعظم القربات للرِّجال والنساء، وألحقَ الدمنهوري به قبور بقيّة الأنبياء والصّالحين والشهداء، وهو ظاهرٌ وإن قال الأذرعي: لم أره للمتقدِّمين، قال ابن شهبة: فإن صحَّ ذلك فينبغي أن يكون زيارة قبر أبويها وأخوتها وسائر أقاربها كذلك فإنَّهم أولى بالصّلة من الصالحين. إنتهى.
والأولى عدم إلحاق بهم، لما تقدَّم من تعليل الكراهة(103).
وقال في ص494، بعد بيان مندوبيَّة زيارة قبره الشريف(صلى الله عليه وآله وسلم)وذكر جملةً من أدلّتها: ليس المراد إختصاص طلب الزيارة بالحجِّ، فإنَّها مندوبةٌ مطلقاً كما مرَّ بعد حجّ أو عمرة أو قبلهما أو لامع نسك; بل المراد ]يعني من قول المصنِّف بعد فراغ الحجِّ] تأكّد الزيارة فيها لأمرين:
أحدهما: أنَّ الغالب على الحجيج الورود من آفاق بعيدة، فإذا قربوا من المدينة يقبح تركهم الزيارة.
قبري وجبت له شفاعتي»(107)، وقال(صلى الله عليه وآله وسلم): «مَنْ زارني بعد مماتي فكأنَّما زارني في حياتي»(108)، إلى غير ذلك من الأحاديث.
وممّا هو مقرّرٌ عند المحقِّقين إنّه(صلى الله عليه وآله وسلم) حيٌّ يُرزق ممتّعٌ بجميع الملاذِّ والعبادات، غير أنّه حُجب عن أبصار القاصرين عن شرف المقامات، ورأينا أكثر الناس غافلين عن أداء حقِّ زيارته، وما يسنُّ للزائر من الجزئيّات والكليّات أحببنا أن نذكر بعد المناسك وآدابها ما فيه نبذة من الآداب تتميماً لفائدة الكتاب، ثمَّ ذكر شيئاً كثيراً من آداب الزائر والزيارة كما يأتي.
ـ وقال قاضي القضاة شهاب الدين الخفاجي الحنفي المصري المتوفّى 1069هـ، في شرح الشفاء 3 ص566: وأعلم أنَّ هذا الحديث(109) هو الذي دعا ابن تيميّة ومن معه كابن القيِّم إلى مقالته الشنيعة التي كفّروه بها، وصنّف فيها السبكي مُصنّفاً مستقلا، وهي منعه من زيارة قبر النبيِّ(صلى الله عليه وآله وسلم) وشدّ الرحال إليه، وهو كما قيل:
لمهبط الوحي حقّاً ترحل النجبُ وعند ذاك المرجّى ينتهي الطلبُ
فتوهّم أنَّه حمى جانب التوحيد بخرافات لا ينبغي ذكرها، فإنَّها لا تصدر عن عاقل، فضلا عن فاضل سامحه الله تعالى.
وأمّا قوله(صلى الله عليه وآله وسلم): «لا تتَّخذوا قبري عيداً»، فقيل: كره الإجتماع عنده في يوم معينّ على هيئة مخصوصة، وقيل: المراد لا تزوره في العام مرَّة فقط، بل أكثروا الزيارة له(110).
وأمّا إحتماله للنهي عنها فهو بفرض أنّه المراد محمولٌ على حالة مخصوصة، أي لا تتَّخذوه كالعيد في العكوف عليه وإظهار الزينة عنده وغيره مما يجتمع له في الأعياد، بل لا يُؤتى إلاّ للزيارة والسَّلام والدعاء ثمَّ ينصرف.
وقال في صحيفة 577 في شرح حديث: «لا تجعلوا قبري عيداً»: أي كالعيد بإجتماع الناس، وقد تقدَّم تأويل الحديث وأنَّه لا حُجّة فيه لما قاله ابن تيميّة وغيره، فإنَّ إجماع الاُمّة على خلافه يقتضي تفسيره بغير ما فهموه، فإنّه نزعةٌ شيطانيّة.
ـ قال الشيخ عبد الرَّحمن شيخ زاده المتوفّى 1087هـ، في (مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر) ج1 ص157: من أحسن المندوبات، بل يقرب من درجة الواجبات، زيارة قبر نبيِّنا وسيِّدنا محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم)، وقد حرَّض(عليه السلام) على زيارته وبالغ في الندب إليها بمثل قوله(عليه السلام): «مَنْ زار قبري». فذكرَ ستَّة مِن أحاديث الباب ثمَّ قال: فإنّ كان الحجُّ فرضاً فالأسن أن يبدأ به إذا لم يقع في طريق الحاجّ المدينة المنوَّرة ثمَّ يثني بالزيارة، فإذا نواها فلينوِ معها زيارة مسجد الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)، ثمَّ ذكر جملةً كبيرةً من آداب الزائر.
ـ قال الشيخ محمّد بن علي بن محمّد الحصني، المعروف بعلاء الدين الحصكفي الحنفي المفتي بدمشق المتوفّى 1088هـ، في (الدُّرِّ المختار في شرح تنوير الأبصار) في آخر كتاب الحجّ: وزيارة قبره(صلى الله عليه وآله وسلم)مندوبةٌ بل قيل: واجبةٌ لمن له سعةٌ، ويبدأ بالحجِّ لو فرضاً ويخيّر لو نفلا مالم يمرُّ به، فيبدأ بزيارته لا محالة، ولينوِ معه زيارة مسجده(صلى الله عليه وآله وسلم).
ـ قال أبو عبدالله محمّد بن عبد الباقي الزرقاني المالكي المصري المتوفّى 1122هـ، في «شرح المواهب: ج8، ص299: قد كانت زيارته مشهورةً في زمن كبار الصحابة معروفةً بينهم; لمّا صالح عمر بن الخطاب أهل بيت المقدس جاءه كعب الأحبار فأسلم ففرح به وقال: هل لك أن تسير معي إلى المدينة وتزور قبره(صلى الله عليه وآله وسلم)وتتمتَّع بزيارته؟ قال: نعم.
الدارقطني وغيره وصحّحه عبد الحقِّ، ولقوله(صلى الله عليه وآله وسلم): «مَنْ جائني زائراً لا تحمله حاجة إلاّ زيارتي كان حقّاً عليَّ أن أكون له شفيعاً يوم القيامة»(112)، رواه الجماعة منهم الحافظ أبو علي ابن السكن في كتابه المسّمى بالسنن الصِّحاح، فهذان إمامان صحَّحا هذين الحديثين، وقولهما أولى من قول مَنْ طعن في ذلك.
ـ قال الشيخ محمّد بن علي الشوكاني المتوفّى 1250هـ، في «نيل الأوطار 4: 324»: قد إختلفت فيها ]في زيارة النبيِّ [أقوال أهل العلم، فذهب الجمهور إلى أنّها مندوبةٌ، وذهب بعض المالكيَّة وبعض الظاهريَّة إلى أنّها واجبةٌ، وقالت الحنفيَّة: إنّها قريبةٌ من الواجبات، وذهب ابن تيميّة الحنبلي حفيد المصنِّف المعروف بشيخ الإسلام إلى أنّها غير مشروعة، ثمَّ فصَّل الكلام في الأقوال إلى أن قال في آخر كلامه:
وإحتجَّ أيضاً من قال بالمشروعيَّة بأنّه لم يزل دأب المسلمين القاصدين للحجِّ في جميع الأزمان على تباين الديار وإختلاف المذاهب، الوصول إلى المدينة المشرَّفة لقصد زيارته، ويعدّون ذلك منأفضلالأعمال،ولمينقلأنَّ أحداً أنكر ذلك عليهم فكان إجماعاً.
ـ قال الشيخ محمّد أمين بن عابدين المتوفّى 1253هـ، في (ردِّ المحتار على الدرِّ المختار) عند العبارة المذكورة ج2 ص263: مندوبةٌ بإجماع المسلمين كما في «الباب» إلى أن قال: وهل تستحبّ زيارة قبره(صلى الله عليه وآله وسلم) للنِّساء؟ الصحيح: نعم بلا كراهة بشروطها على ما صرَّح به بعض العلماء، أمّا على الأصحِّ من مذهبنا ـ وهو قول الكرخي وغيره من أنَّ الرخصة في زيارة القبور ثابتةٌ للرِّجال والنساء جميعاً ـ فلا إشكال، وأمّا على غيره فذلك نقول بالإستحباب لإطلاق الأصحاب، ]بل قيل: واجبةٌ [ذكره في شرح اللباب، وقال: كما بيَّنته في «الدرَّة المضيَّة في الزِّيارة المصطفويَّة» وذكره أيضاً الخير الرملي في حاشية «المنح» عن ابن حجر وقال: وانتصر له. نعم عبارة اللباب والفتح وشرح المختار أنّها قريبةٌ من الوجوب لمن له سعةٌ، إلى أن قال:
قال ابن الهمام: والأولى فيما يقع عند العبد الضعيف تجريد النيّة لزيارة قبره عليه الصّلاة والسّلام، ثمَّ يحصل له إذا قدم زيارة المسجد، أو يستمنح فضل الله تعالى في مرَّة اُخرى ينويها; لأنَّ في ذلك زيادة تعظيمه(صلى الله عليه وآله وسلم) وإجلاله. ويوافقه ظاهر ما ذكرناه من قوله(صلى الله عليه وآله وسلم): «مَنْ جاءني زائراً لا تعمله حاجة اذلاّ زيارتي كان حقّاً عليَّ أن أكون شفيعاً له يوم القيامة». إنتهى.
ونقل الرَّحمتي عن العارف الملاّ جامي أنّه أفرز الزِّيارة عن الحجِّ حتّى لا يكون له مقصدٌ غيرها في سفره، ثمَّ ذكر حديث: «لا تشدّ الرِّحال إلاّ لثلاثة مساجد»(113) فقال: والمعنى كما أفاده في «الإحياء» أنّه لا تُشدّ الرِّحال لمسجد من المساجد إلاّ لهذه الثلاثة; لما فيها من المضاعفة، بخلاف بقيَّة المساجد فإنّها متساويةٌ في ذلك، فلا يردّ أنَّه قد تشدّ الرِّحال لغير ذلك كصلة رحم وتعلّم علم، وزيارة المشاهد كقبر النبيِّ(صلى الله عليه وآله وسلم)وقبر الخليل(عليه السلام) وسائر الأئمّة.
ـ قال الشيخ محمّد بن السيِّد درويش الحوت البيروتي المتوفّى 1276هـ، في تعليق «حسن الأثر: ص246»: زيارة النبيِّ(صلى الله عليه وآله وسلم)مطلوبةٌ; لأنّه واسطة الخلق، وزيارته بعد وفاته كالهجرة إليه في حياته، ومَنْ أنكرها فإن كان ذلك إنكاراً لها من أصلها فخطاؤه عظيم، وإن كان لما يعرض من الجهلة ممّا لا ينبغي فليبيّن ذلك.
ـ قال الشيخ إبراهيم الباجوري الشافعي المتوفّى 1277هـ، في حاشيته على شرح ابن الغزي على متن الشيخ أبي شجاع في الفقه الشافعي ج1 ص347: ويسنُّ زيارة قبره(صلى الله عليه وآله وسلم)ولو لغير حاجّ ومعتمر كالذي قبله، ويسنُّ لمن قصد المدينة الشريفة لزيارته(صلى الله عليه وآله وسلم)أن يكثر من الصَّلاة والسَّلام عليه في طريقه، ويزيد في ذلك إذا رأى حرم المدينة وأجشارها، ويسأل الله أن ينفعه بهذه الزيارة ويتقبَّلها منه، ثمَّ ذكر جملةً كثيرةً من آداب الزِّيارة وألفاظها.
ـ جعل الشيخ حسن العدوي الحمزاوي الشافعي المتوفّى 1303هـ، خاتمة في كتاب (كنز المطالب) ص179 ـ 239 لزيارة النبيِّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، وفصّلَ فيها القول وذكرَ مطلوبيّتها كتاباً وسنّةً وإجماعاً وقياساً، وبسط الكلام في شدِّ الرِّحال إلى ذلك القبر الشريف، وذكر جملةً من آداب الزائر ووظائف الزِّيارة، وقال في ص195 بعد نقل جملة من الأحاديث الواردة في أنَّ النبيَّ(صلى الله عليه وآله وسلم)يسمع سلام زائريه ويردّ عليهم:
إذا علمت ذلك علمت أنَّ ردَّه(صلى الله عليه وآله وسلم) سلام الزائر عليه بنفسه الكريمة(صلى الله عليه وآله وسلم)أمرٌ واقعٌ لا شكَّ فيه، وإنّما الخلاف في درِّه على المسلّم عليه من غير الزائرين، فهذه فضيلةٌ اُخرى عظيمةٌ ينالها الزائرون لقبره(صلى الله عليه وآله وسلم)، فيجمع الله لهم بين سماع رسولالله(صلى الله عليه وآله وسلم)لأصواتهم من غير واسطة وبين ردِّه عليهم سلامهم بنفسه.
فأنّى لمن سمع لهذين بل بأحدهما أن يتأخَّر عن زيارته(صلى الله عليه وآله وسلم)؟! أو يتوانى عن المبادرة إلى المثول في حضرته(صلى الله عليه وآله وسلم)؟! تالله ما يتأخَّر عن ذلك مع القدرة عليه إلاّ مَن حقَّ عليه البعد من الخيرات، والطرد عن مواسم أعظم القربات، أعاذنا الله تعالى من ذلك بمنِّه وكرمه آمين.
وعُلم من تلك الأحاديث أيضاً أنَّه(صلى الله عليه وآله وسلم) حيٌّ على الدوام، إذ من المحال العادي أن يخلو الوجود كلّه عن واحد يُسلّم عليه في ليل أو نهار، فنحن نؤمن ونصدِّق بأنّه(صلى الله عليه وآله وسلم) حيٌّ يُرزق، وأنَّ جسده الشريف لا تأكله الأرض، وكذا سائر الأنبياء عليهم الصَّلاة والسّلام، والإجماع على هذا.
ـ قال السيِّد محمّد بن عبدالله الجرداني الدمياطي الشافعي المتوفّى 1307هـ، في «مصباح الظلام: ج2، ص145»: قال بعضهم: ولزائر قبر النبيِّ(صلى الله عليه وآله وسلم)عشر كرامات:
أحداهنَّ: يُعطي أرفع المراتب، الثانية: يبلغ أسنى المطالب، الثالثة: قضاء المآرب، الرابعة: بذل المواهب، الخامسة: الأمن من المعاطب، السادسة: التطهير من المعايب، السابعة: تسهيل المصائب، الثامنة: كفاية النوائب، التاسعة: حسن العواقب، العاشرة: رحمة ربّ المشارق والمغارب.
وما أحسن ما قيل:
هنيئاً لمن زار خير الورى
فإنَّ السَّعادة مضمونةٌ
لمن حلَّ طيبة أو زارها
وحطّ عن النفس أوزارها
لمن حلَّ طيبة أو زارها
لمن حلَّ طيبة أو زارها
زُر مَنْ تحبُّ وإن شطّت بك الدارُ
لا يمنعنّك بُعدٌ عن زيارته
إنَّ المحبَّ لمن يهواه زوّارٌ
وحال من دونه تربٌ وأحجارُ
إنَّ المحبَّ لمن يهواه زوّارٌ
إنَّ المحبَّ لمن يهواه زوّارٌ