قال السَّمهودي: قال بعضهم: الأولى أن يقول: صلّى الله وسلّم عليكَ يا رسول الله، وإن كانت الرواية «يا محمّد» تأدُّباً، لأنَّ من خصائصه صلّى الله تعالى عليه وسلّم أن لا يُنادي بإسمه، بل يُقال: يا رسول الله، يا نبيَّ الله، ونحوه، والذي يظهر أنَّ هذا في نداء لا يقترن به الصَّلاة والسَّلام.
التوسل والإستشفاع بقبره الشريف(صلى الله عليه وآله وسلم)
ـ ثمَّ يرجع الزائر إلى موقفه الأوَّل قبالة وجه رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)فيتوسَّل به في حقِّ نفسه، ويستشفع إلى ربِّه سبحانه وتعالى، ويكثر الإستغفار والتضرُّع بعد قوله: ياخير الرسل أنَّ الله أنزل عليك كتاباً صادقاً قال فيه: }ولو أنهم اذ ظلموا أنفسهم جاؤك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما}(144)، وإنّي جئتك مستغفراً من ذنوبي متشفعا بك إلى ربي، ويقول:
نحن وفدك يارسول الله وزوّارك، جئناك لقضاء حقك والتبرك بزيارتك والإستشفاع بك إلى ربك تعالى، فإنّ الخطايا قد أثقلت ظهورنا، وأنت الشافع المشفع الموعود بالشفاعة العظمى والمقام المحمود، وقد جئناك ظالمين لأنفسنا، مستغفرين لذنوبنا، سائلين منك أنْ تغفر لنا إلى ربك، فأنت نبينا وشفيعنا، فاشفع لنا إلى ربك، واسأله أنْ يميتنا على سنتك ومحبتك، ويحشرنا في زمرتك، وأن يوردنا حوضك غير خزايا ولانادمين.
قال القسطلاني في «المواهب اللدنية»: وينبغي للزائر له(صلى الله عليه وآله وسلم)أنْ يكثر من الدعاء والتضرع والإستغاثة والتشفع والتوسل به(صلى الله عليه وآله وسلم)فجدير بمن استشفع به يشفعّه الله فيه.
قال: وإنّ الإستغاثة هي طلب الغوث، فالمستغيث يطلب من المستغاث به إغاثته أنْ يحصل له الغوث، فلا فرق بين أنْ يعبّر بلفظ الإستغاثة، أو التوسل، أو التشفع، أو التوجه، أو التجوه، لانهما من الجاه والوجاهة ومعناهما علو القدر والمنزلة، وقد يُتوسل بصاحب الجاه إلى من هو أعلى منه.
قال: ثمَّ إنَّكلاً من الإستغاثة، والتوسل، والتشفّع، والتوجّه بالنبي(صلى الله عليه وآله وسلم) كما ذكره (تحقيق النصرة ومصباح الظلام) واقع في كلّ حال قبل خلقه وبعد خلقه في مدة حياته في الدنيا وبعد موته في البرزخ وبعد البعث في عرصات القيامة، ثمَّ فصّل ما وقع من التوسّل والإستشفاع به(صلى الله عليه وآله وسلم) في الحالات المذكورة.
وقال الزرقاني في شرح «المواهب: ج8، ص317»: ونحو هذا في منسك العلامة خليل، وزاد: وليتوسّل به(صلى الله عليه وآله وسلم)ويسأل الله تعالى بجاهه في التوسّل به إذ هو محطّ جبال الأوزار وأثقال الذنوب: لأنّ بركة شفاعته وعظمها عند ربه لا يتعاظمها ذنب، ومن اعتقد خلاف ذلك فهو المحروم الذي طمس الله بصيرته، وأضلّ سريرته، ألم يسمع قوله تعالى: }ولو أنهم اذ ظلموا أنفسهم جاؤك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما}(145)، الآية؟
قال: ولعلّ مراده التعريض بابن تيمية.
قال الأميني: هناك جماعة من الحفّاظ وأعلام أهل السنّة بسطوا القول في التوسّل وقالوا: إنَّالتوسل بالنبي جائز فى كلّ حال قبل خلقه وبعده في مدّة حياته في الدنيا وبعد موته في مدّة البرزخ وبعد البعث فى عرصات القيامة والجنة، وجعلوه على ثلاثة أنواع:
1 ـ طلب الحاجة من الله تعالى به أو بجاهه أو لبركته، فقالوا: إنَّالتوسل بهذا المعنى جائز في جميع الأحوال المذكورة.
2 ـ التوسّل به بمعنى طلب الدّعاء منه، وحكموا بأن ذلك جائز في الأحوال كلّها.
3 ـ الطلب من النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) ذلك الأمر المقصود، بمعنى أنه(صلى الله عليه وآله وسلم)قادر على التسبب فيه بسؤاله ربه وشفاعته إليه، فيعود إلى النوع الثاني في المعنى، غير أن العبارة مختلفة، وعدّوا منه قول القائل للنبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم): أسألك مرافقتك في الجنة، وقول عثمان ابن أبي العاص: شكوت إلى النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)سوء حفظي للقرآن، فقال «أُدن مني ياعثمان» وضع يده على صدري وقال: «أخرج ياشيطان من صدر عثمان»، فما سمعت بعد ذلك شيئاً إلاّ حفظته.
وقال السبكي في «شفاء الأسقام»: والآثار في ذلك كثيرة أيضاً(إلى أنْ قال): فلا عليك في تسميته توسّلاً، أو تشفعاً، أو إستغاثة، أو تجوها، أو توجهها، لأن المعنى في جميع ذلك سواء.
قال الأميني: لايسعنا إيقاف الباحث على جلّ ماوقفا عليه من كلمات ضافية لأعلام المذاهب الأربعة في المناسك وغيرها حول التوسّل بالنبي الأقدس(صلى الله عليه وآله وسلم)ولو ذكرناها برمتها لتأتي كتاباً حافلاً، وقد بسط القول فيه جمع لايستهان بعدتهم منهم:
ـ الحافظ ابن الجوزي المتوفّى 597هـ في كتاب (الوفاء في فضائل المصطفى) جعل فيه بابين في المقام: باب التوسّل بالنبي، وباب الإستشفاء بقبره.
ـ شمس الدين أبو عبد الله محمد بن النعمان المالكي المتوفّى 673هـ في كتاب (مصباح الظلام في المستغيثين بخير الأنام)، قال الخالدي في صلح الإخوان: هو كتاب نفيس نحو عشرين كراساً. وينقل عنه كثيراً السيد نور الدين السمهودي في «وفاء الوفاء» في الجزء الثاني في باب التوسّل بالنبي الطاهر.
ـ ابن داود المالكي الشاذلي، ذكر في كتابه (البيان والإختصار) شيئاً كثيراً مما وقع للعلماء والصلحاء من الشدائد، فالتجئوا إلى النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)فحصل لهم الفرج.
ـ تقي الدين السبكي المتوفّى 756هـ في «شفاء السقام:120ـ133».
ـ السيد نور الدين السمهودي المتوفّى 911هـ في «وفاء الوفاء 2: 419 ـ 431».
ـ الحافظ أبو العباس القسطلاني المتوفّى 923هـ في «المواهب اللدنية».
ـ أبو عبد الله الزرقاني المصري المالكي المتوفّى 1122هـ في شرح المواهب 8: 317.
ـ الخالدي البغدادي الموفي 1299هـ في (صلح الإخوان)، وهو أحسن ماألف في الموضوع، فقد جمع شوارده في سبعين صحيفة، وأفرد له رسالة رداً على كلمة السيد محمود الآلوسي في التوسّل بالنبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، طبعت في عشرين صحيفة بمطبعة «نخبة الأخبار» سنة1306.
ـ العدوي الحمزاوي المتوفّى 1303هـ، في «كنز المطالب:198».
ـ العزامي الشافعي القضاعي في (فرقان القرآن) المطبوع مع (الأسماء والصفات) للبيهقي في 140 صحيفة، وهو كتاب قيّم أدّى للكلام حقّه.
{أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة}
التبرك بالقبر الشريف
بالتزام وتمريغ وتقبيل
بالتزام وتمريغ وتقبيل
بالتزام وتمريغ وتقبيل
نعم، هناك أُناس(147) شذّت عن شِرعة الحق وحكموا بالحرمة، قولاً بلا دليل، وتحكّماً بلا برهان، ورأياً بلا بّينة، وهم معروفون في الملأ بالشذوذ، ولا يُعبأ بهم وبآرائهم.
فهانحن نقدم بين يدي القارئ ما يوقفه على الحقيقة، ويريه صواب الرأي، وجدد الطريق، وعند جُهينة الخبر اليقين.
ـ أخرج الحافظ ابن عساكر في «التحفة» من طريق طاهر بن يحيى الحسيني قال: حدثني أبي عن جدي عن جعفر بن محمد، عن أبيه عن علي (رضي الله عنه)قال: «لمّا رمس رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)جاءت فاطمةرضياللهعنها فوقفت على قبره(صلى الله عليه وآله وسلم)وأخذت قبضة من تراب القبر ووضعت على عينيها وبكت، وأنشأت تقول:
ماذا على من شم تربة أحمد
صُبّت علي مصائب لو أنها
صُبّت على الأيام صرن لياليا
أن لا يشم مدى الزمان غواليا
صُبّت على الأيام صرن لياليا
صُبّت على الأيام صرن لياليا
وذكر البيتين لها سلام الله عليها ابن حجر في «الفتاوى الفقهية2:18»، والخطيب الشربيني في تفسيره 1: 394، والقسطلاني في «ارشاد الساري 2: 390».
ـ عن أبي الدرداء قال: إنَّبلالاً مؤذن النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)رأى في منامه رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وهو يقول: ماهذه الجفوة يابلال؟! أما آن لك أنْ تزورني يابلال؟! فانتبه حزيناً وجلاً خائفاً فركب راحلته وقصد المدينة فأتى قبر النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) فجعل يبكي عنده ويمرّغ وجهه عليه، فأقبل الحسن والحسينرضياللهعنهم فجعل يضمهما ويقبلهما.الحديث.
أخرجه الحافظ بن عساكر في «تاريخ الشام» مسنداً بطريق في موضعين ـ كما في «شفاء السقام: 39 ـ 40»، في ترجمة ابراهيم بن محمد الأنصاري، 2: 256 وفي ترجمة بلال. غير أنّ مهذِّب الكتاب حذف الإسناد في الموضع الأوّل وأبقى المتن، وأسقطه رأساً سنداً ومتناً في الثاني، وقد أخطأ وأساء على الحديث وعلى الكتاب.
ورواه الحافظ أبو محمد عبد الغني المقدسي في «الكمال» في ترجمة بلال، وأبو الحجاج المزي في «التهذيب»، والسبكي في «شفاء السقام: 39»، وقال: روينا ذلك بإسناد جيد، و لاحاجة إلى النظر في الإسنادين اللذين رواه ابن عساكريهما، وإن كان رجالهما معروفين مشهورين.
وذكره ابن الأثير في «أسد الغابة 1: 208»، والسمهودي في «وفاء الوفاء 2: 408»، وقال: سند جيد، و443 وقال: إسناده جيد، والقسطلاني في «المواهب اللدينة»، والخالدي في «صلح الإخوان: 57»، والحمزاوي في «مشارق الأنوار: 57».
ـ عن علي أمير المؤمنين(عليه السلام) قال: «قدم علينا اعرابي بعدما دفنّا رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)بثلاثة أيام، فرمى بنفسه على قبر النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)وحثا من ترابه على رأسه وقال: يارسول الله قلت فسمعنا قولك، ووعيت عن الله سبحانه فوعينا عنك، وكان فيما أنزل عليك: }ولو أنهم اذ ظلموا أنفسهم جاؤك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما}(148) وقد ظلمت وجئتك تستغفر لي، فنودي من القبر: قد غفر لك، أخرجه:
1 ـ الحافظ أبو سعيد عبد الكريم السمعاني المتوفّى 573هـ
2 ـ الحافظ أبو عبد الله بن نعمان المالكي المتوفّى 683هـ في «مصباح الظلام».
3 ـ أبو الحسن علي بن ابراهيم بن عبد الله الكرخي.
4 ـ الشيخ شعيب الحريفيش المتوفّى 801هـ في «الروض الفائق2: 137».
5 ـ السيد نور الدين السمهودي المتوفّى 911هـ في «وفاء الوفاء2: 412».
6 ـ أبو العباس القسطلاني المتوفّى 922هـ في «المواهب اللدنية».
7 ـ الشيخ داود الخالدي المتوفّى 1299هـ في «صلح الإخوان:540».
8 ـ الشيخ حسن الحمزاوي المالكي المتوفّى 1303هـ في «مشارق الأنوار: 57».
ـ عن داود بن أبي صالح: أقبل مروان يوماً فوجد رجلاً واضعاً وجهه (جبهته) على القبر، فأخذ مروان برقبته ثمَّ قال: هل تدري ما تصنع؟ فأقبل عليه فاذا أبو أيوب الأنصاري، فقال: نعم إنّي لم آت الحجر إنما جئت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ولم آت الحجر، سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)يقول: «لاتبكوا على الدين إذا وليه أهله، ولكن ابكوا على الدين إذا وليه غير أهله».
أخرجه الحاكم في «المستدرك 4: 515»، وصحّحه هو والذهبي في تلخيصه، ورواه أبو الحسين يحيى بن الحسن الحسيني في «أخبار المدينة» باسناد آخر عن المطلب بن عبد الله بن حنطب كما في «شفاء السقام، للسبكي: 113»، قال السبكي بعد حكايته: فإن صحّ هذا الإسناد لم يُكره مس جدار القبر، وإنما أردنا بذكره القدح في القطع بكراهة ذلك.
وذكره السيد نور الدين السمهودي في «وفاء الوفاء2:410ـ443»، نقلاً عن إمام الحنابلة أحمد قال: رأيته بخط الحافظ أبي الفتح المراغي المدني.
وأخرجه الحافظ الهيثمي في «مجمع الزوائد 4: 2»، نقلاً عن أحمد.
قال الأميني: إنَّ هذا الحديث يُعطينا خبراً بأن المنع عن التوسّل بالقبور الطاهرة إنما هو من بدع الأمويين وضلالاتهم منذ عهد الصحابة، ولم تسمع أذن الدنيا قط صحابياً ينكر ذلك غير وليد بيت أمية مروان الغاشم، نعم الثور يحمي أنفه بروقه، نعم بعلّة الورشان يأكل رطب الوشان، نعم لبني أمية عامة ولمروان خاصة ضغينة على رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) منذ يوم لم يبق(صلى الله عليه وآله وسلم)في الأسرة الأموية حرمة إلاّ انتهكها، ولا ناموساً إلاّ مزقه، ولا ركناً إلاّ أباده، وذلك بوقيعته(صلى الله عليه وآله وسلم)فيهم، وهو لا ينطق عن الهوى إنْ هو إلاّ وحي يوحى علّمه شديد القوى. فقد صحَّ عنه(صلى الله عليه وآله وسلم)قوله: «إذا بلغت بنو أمية أربعين اتخذوا عباد الله خولاً، ومال الله دغلاً».
وصحَّ عنه(صلى الله عليه وآله وسلم) قوله: «إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلاً اتخذوا دين الله دغلاً، وعباد الله خولاً، ومال الله دولاً».
وصحَّ عنه(صلى الله عليه وآله وسلم) قوله لمّا استأذن الحكم بن أبي العاص عليه: «عليه لعنة الله وعلى من يخرج من صلبه إلاّ المؤمن منهم وقليل ماهم، يشرفون على الدنيا ويضعون في الآخرة، ذوو مكر وخديعة، يُعطون في الدنيا ومالهم في الآخرة من خلاق»..
وصحَّ عنه(صلى الله عليه وآله وسلم) قوله لمّا أُدخل عليه مروان بن الحكم: «هو الوزغ بن الوزغ، الملعون ابن الملعون».
وصحَّ عن عائشة قولها: إنَّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «لعن الله أبا مروان ومروان في صلبه، فمروان فضض من لعنة الله عز وجل».
وصحَّ عن عبد الله بن الزبير: أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)لعن الحكم وولده(149).
فحقيق على مروان أنْ يري الأمة الاسلامية أنه يُحامي عن التوحيد وقد رام أن يخذلها عن نبيها ويصغّره عندها، وكيف يروقه نبيّ كان هذا هتافه فيه وفي أبيه وجده وأصله وشجرته؟ تلك الشجرة الملعونة التي اجتثت من فوق الأرض مالها من قرار.
فلا يحق لمسلم أنْ يحذو حذو تلك الأمة الملعونة بقولهم ويتخذ برأيهم ويتبع اثر أولئك الرجال الذين اتخذوا دين الله دغلاً، وعباد الله خولاً، وكتاب الله حولاً.
ـ عن أبي خيثمة (زهير بن حرب الثقة المأمون المتوفّى 234هـ) قال: حدثنا مصعب بن عبد الله، حدثنا اسماعيل بن يعقوب التيمي قال: كان ابن المنكدر(150) يجلس مع أصحابه قال: وكان يصيبه الصمات، فكان يقوم كما هو يضع خده على قبر النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) ثمَّ يرجع، فعوتب في ذلك قال: إنّه ليصيبني خطرة فاذا وجدت ذلك استشفيت بقبر النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، وكان يأتي موضعاً من المسجد في الصحن فيتمرغ فيه ويضطجع، فقيل له في ذلك فقال: إنّيرأيت النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) في هذا الموضع (يعني موضع النوم)(151).
ـ قال العز بن جماعة الحموي الشافعي المتوفّى 819هـ في كتاب «العلل والسؤالات» لعبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه رواية أبي علي بن الصوف عنه، قال عبد الله: سألت أبي عن الرجل يمس منبر رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ويتبرك بمسه ويقبله، ويفعل بالقبر مثل ذلك رجاء ثواب الله تعالى؟ قال: لابأس به(وفاء الوفاء2: 443).
ـ قال العلامة أحمد بن محمد المقري المالكي المتوفّى 1041هـ في «فتح المتعال بصفة النعال» نقلاً عن ولي الدين العراقي، قال: أخبر الحافظ أبو سعيد بن العلا قال: رأيت في كلام أحمد بن حنبل في جزء قديم عليه خط ابن ناصر(152) وغيره من الحفاظ أنَّ الأمام أحمد بن حنبل سُئل عن تقبيل قبر النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)وتقبيل منبره؟ فقال: لابأس بذلك.
قال: فأريناه التقىَّ ابن تيمية، فصار يتعجب من ذلك ويقول: عجبت من أحمد، عندي جليل هذا كلامه أو معنى كلامه. وقال: وأيّ عجب في ذلك وقد روينا عن الإمام أحمد أنه غسل قميصاً للشافعي وشرب الماء الذي غسله به؟(153)، وإذا كان هذا تعظيمه لأهل العلم فما بالك بمقادير الصحابة؟ وكيف بآثار الأنبياء عليهم الصلاة والسلام؟ وما أحسن ماقاله مجنون ليلى:
أمر على الديار ديار ليلى
وما حب الديار شغفن قلبي
ولكن حب من سكن الديارا
أُقبل ذا الجدار وذا الجدارا
ولكن حب من سكن الديارا
ولكن حب من سكن الديارا
ـ قال شيخ مشايخ الشافعية الشافعي الصغير محمد بن أحمد الرملي 1004هـ في شرح «المنهاج»: ويكره أنْ يجعل على القبر مظلة، وأن يقبل التابوت الذي يجعل فوق القبر واستلامه وتقبيل الأعتاب عند الدخول لزيارة الأولياء. نعم، إنْ قُصد التبرّك لا يكره، كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى، فقد صرحوا(156) بأنه إذا عجز عن استلام الحجر سن له أنْ يشير بعصا وأن يقبلها(157).
ـ قال أبو العباس أحمد الرملي الكبير الأنصاري شيخ الشيوخ في حاشية «روض الطالب» المطبوعة في هامش «أسنى المطالب» 1: 331 عند قول المصنف في أدب مطلق زيارة القبور (أن يدنو منه دنوه منه حياً): قال في المجموع: ولا يستلم القبر ولا يقبله، ويستقبل وجهه للسلام، والقبلة للدعاء وذكره أبو موسى الأصبهاني قال شيخنا: نعم: إنْ كان قبر نبيّ أو ولي أو عالم واستلمه أو قبله بقصد التبرك فلا بأس به.
ـ نقل الطيب الناشري عن محب الدين الطبري الشافعي: أنه يجوز تقبيل القبر ومسّه، قال: وعليه عمل العلماء الصالحين وأنشد:
لو رأينا لسليمى أثراً
لسجدنا ألف ألف للأثر
لسجدنا ألف ألف للأثر
لسجدنا ألف ألف للأثر
يادار خير المرسلين ومن به
عندي لأجلك لوعة وصبابة
وعليّ عهد إنْ ملأت محاجري
لأعفِّرنَّ مصون شيبي بينها
لولا العوادي والأعادي زرتها
لكن سأهدي من حفيل تحيّتي
لقطين تلك الدار والحجرات
هُدى الأنام وخصّ بالآيات
وتشوّق متوقد الجمرات
من تلكم الجدران والعرصات
من كثرة التقبيل والرَّشفات
أبداً ولو سحباً على الوجنات
لقطين تلك الدار والحجرات
لقطين تلك الدار والحجرات