....الخ
ـ قال قاضي القضاة شهاب الدين الخفاجي الحنفي المتوفّى 1069هـ في شرح «الشفاء 3: 577»، عند قول القاضي: ونقل من كتاب أحمد بن سعيد الهندي فيمن وقف بالقبر أنْ لايلصق به ولايمسّه بشيء من جسده، فلا يقبله فيكره مسّه وتقبيله وإلصاق صدره لأنه ترك أدب، وكذا كلّ ضريح يُكره فيه، وهذا أمر غير مجمع عليه، ولذا قال أحمد والطبري: لابأس بتقبيله والتزامه، وروي أن أبا أيوب الأنصاري كان يلتزم القبر الشريف، قيل: وهذا لغير من لم يغلبه الشوق والمحبة، وهو كلام حسن.
وقال في 3: 571 عند قول ابن أبي مليكة ـ من أحب أنْ يكون وجاه النبيّ فيجعل القنديل الذي في القبلة عند القبر على رأسه: هو إرشاد لكيفية الزيارة، وأن يكون بينه وبين القبر فاصل، فقيل إنّه يبعد عنه بمقدار أربعة أذرع. وقيل: ثلاثة، وهذا مبني على أنّ البعد أولى وأليق بالأدب كما كان في حياته(صلى الله عليه وآله وسلم)وعليه الأكثر، وذهب بعض المالكية إلى أن القرب أولى. وقيل: يعامله معاملته في حياته، فيختلف ذلك باختلاف الناس، وهذا باعتبار ماكان في العصر الأوّل، وأما اليوم فعليه مقصورة تمنع من دنو الزائر، فيقف عند الشباك.
ـ نقل عن ابن ابي الصيّف اليماني، أحد علماء مكة من الشافعية، جواز تقبيل المصحف وأجزاء الحديث وقبور الصالحين.
ـ قال الحافظ ابن حجر: استنبط بعضهم من مشروعية تقبيل الحجر الأسود جواز تقبيل كلّ من يستحق التعظيم من آدمي وغيره، فأما تقبيل يد الآدمي فسبق في الأدب، وأما غيره فنقل عن أحمد أنه سئل عن تقبيل منبر النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)وقبره فلم ير به بأساً واستبعد(160) بعض أتباعه صحته عنه(161).
وأخبر جمال الدين عبد الله بن محمّد الأنصاري المحدّث قال: رحلنا مع شيخنا تاج الدين الفاكهاني(162) إلى دمشق، فقصد زيارة نعل سيدنا رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)التي بدار الحديث الأشرفيّة بدمشق، وكنت معه فلمّا رأى النعل المكرّمة حسر عن رأسه وجعل يقبّله ويمرّغ وجهه عليه ودموعه تسيل وأنشد:
فلو قيل للمجنون: ليلى ووصلها
لقال: غبار من تراب نعالها
أحبُّ إلى نفسي وأشفى لبلواها
تريد أم الدنيا وما في طواياها؟
أحبُّ إلى نفسي وأشفى لبلواها
أحبُّ إلى نفسي وأشفى لبلواها
فلو جاز لمثل عمر الوقوف على قبر رجل عادي واعتناقه والبكاء عليه، فما وازع الأمة عن الوقوف على قبر رسولها الكريم واعتناقه والبكاء عليه أو قبور عترته الطاهرة؟!.
{أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده}
زيارة أبي بكر بن أبي قحافة
لفظ الفقه على المذاهب الأربعة 1: 551
ـ ثمَّ يقف حيث يحاذي رأس الصديق(رضي الله عنه)ويقول:
السّلام عليك ياخليفة رسول الله، السّلام عليك ياصاحب رسول الله في الغار، السّلام عليك يارفيقه في الأسفار، السلام عليك ياأمينه في الأسرار، جزاك الله عنا أفضل ما جزى اماماً عن أمة نبيه، ولقد خلفته بأحسن خلف، وسلكت طريقه ومنهاجه خير سلك، وقاتلت أهل الردّة والبدع، ومهّدت الإسلام، ووصلت الأرحام، ولم تزل قائماً للحقّ ناصراً لأهله حتى أتاك اليقين، والسّلام عليك ورحمة الله وبركاته، اللّهمَّ أمتنا على حبّه ولاتخّيب سعينا في زيارته برحمتك ياكريم.
زيارة عمر بن الخطاب
ـ ثمَّ يتحول حتى يحاذي قبر عمر(رضي الله عنه) ويقول:
السلام عليك ياأمير المؤمنين، السلام عليك يامظهر الإسلام، السلام عليك يامكسّر الأصنام، جزاك الله عنّا أفضل الجزاء، ورضي الله عمن استخلفك، فقد نصرت الإسلام والمسلمين حيّاً وميتاً،فكفلتالأيتام،ووصلتالأرحام،وقويبك الإسلام، وكنت للمسلمين اماماً مرضيا وهاديا مهديا، جمعت شملهم، وأغنيت فقيرهم، وجبرت كسرهم، السلام عليك ورحمة الله وبركاته.
قال الأميني: هذه الزيارة هي التي ذكرها شرنبلالي الفقيه الحنفي في «مراقي الفلاح» وغير واحد من السلف، غير أن أعلام اليوم زادوا فيها ماراقهم من فضائل الشيخين، وليس هناك أي وازع من ذلك، إذ في وسع الزائر سرد جمل الثناء على المزور بكل مايعلم من مناقبه، وقد أطبقت الأمة الاسلامية على هذا في قرونها الخالية حتى اليوم.
زيارة اخرى
رواية القسطلاني
ينتقل عن يمينه قدر ذراع فيسلّم على أبي بكر(رضي الله عنه)، لأنّ رأسه بحذاء منكب النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)فيقول:
السلام عليك ياخليفة سيد المرسلين، السلام عليك يامن أيّد الله به يوم الردة الدين، جزاك الله عن الإسلام والمسلمين خيراً، اللّهمَّ ارض عنه وارض عنا به.
ثم ينتقل عن يمينه قدر ذراع فيسلم على عمر بن الخطاب(رضي الله عنه)فيقول:
السلام عليك ياأمير المؤمنين، السلام عليك يامن أيّد الله به الدين، جزاك الله عن الإسلام والمسلمين خيراً، اللّهمَّ ارض عنه وارض عنّا به.
زيارة اخرى
لفظ الباجوري
يتأخّر صوب يمينه قدر ذراع فيسلّم على أبي بكر(رضي الله عنه) فيقول:
السلام عليك ياخليفة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، جزاك الله عن أمة محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) خيراً.
ثمّيتأخرأيضاًقدرذراعفيسلمعلى عمر(رضي الله عنه)فيقول مثل ماتقدم، ثم يرجع إلى موقفه الأوّل قبالة وجهه(صلى الله عليه وآله وسلم) ويتوسّل به إلى ربه.
زيارة الشيخين
بلفظ واحد
ثم يرجع قدر نصف ذراع فيقول:
السلام عليكما ياضجيعي رسول الله ورفيقيه، ووزيريه، ومشيريه، والمعاونين له على القيام في الدين، القائمين بعده بمصالح المسلمين، وجزاكما الله أحسن الجزاء.
وزاد شرنبلالي الحنفي في «مراقي الفلاح»: جئناكما نتوسّل بكما إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)ليشفع لنا ويسأل ربنا أنْ يتقبّل سعينا ويحينا على ملته ويميتنا عليها ويحشرنا في زمرته.
زيارة الشيخين بلفظ آخر
ذكرها ابن حبيب في ذيل زيارة النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)
السلام عليكما ياصاحبي رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، يا أبابكر وياعمر جزاكما الله عن الإسلام وأهله أفضل ماجزى وزيري نبيّ على وزارته في حياته، وعلى حسن خلافته إياه في امته بعد وفاته، فقد كنتما لرسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وزيري صدق في حياته، وخلفتماه بالعدل والإحسان في امته بعد وفاته، فجزاكما الله على ذلك مرافقته في جنته وإيانا معكم برحمته.
زيارة الشيخين بلفظ ثالث
رواية الغزالي
السلام عليكما ياوزيري رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، والمعاونين له على القيام بالدين مادام حياً، والقائمين في امته بعده بأمور الدين، تتبعان في ذلك آثاره، وتعملان بسنّته، فجزاكما الله خير ماجزى وزيري نبيّ عن دينه.
وهناك ألفاظ اخرى في «مجمع الأنهر» وغيره وفي المذكور غنىً وكفاية، قال ابن الحاج في «المدخل 1: 256»، يثني عليهما بما حضره،ويتوسّل بهما إلى النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)ويقدمهما بين يديه في حوائجه.
ـ ولايقف في الحرم الأقدس طويلاً بل بمقدارالصّلاة والدعاء تأدّباً منه، فهذا مستحب عنده.
وداع الحرم الأقدس
ـ ثمَّ إذا فرغ الزائر من أشغاله وعزم على الخروج من المدينة، فالمستحب أن يأتي القبر الشريف، ويعيد دعاء الزيارة كما سبق ويودّع رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، ويسأل الله عز وجل أنْ يرزقه العودة إليه، ويسأل السلامة في سفره، ثمَّ يصلي ركعتين في الروضة الصغيرة، وهي موضع مقام رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)قبل أنْ زيدت المقصورة في المسجد، فاذا خرج فليخرج رجله اليسرى أولاً ثمَّ اليمنى وليقل:
اللّهمَّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد، ولا تجعله آخر العهد بنبيّك، وحطّ أوزاري بزيارته، وأصبحني في سفري السلامة، ويسرّ رجوعي إلى أهلي ووطني سالماً يا أرحم الراحمين.
ويقول: اللّهمَّ إنّا نسألك في سفرنا هذا البرّ والتقوى ومن العمل ما تحبُّ وترضى، اللّهمَّ كن لنا صاحباً في سفرنا وخليفةً على أهلنا، اللّهمَّ ذلِّل لنا صعوبة سفرنا وأطوعنا بعده، اللّهمَّ إنّا نعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنظر، وسوء المنقلب في الأهل والمال، اللّهمَّ أصحبنا بنصح وأقلبنا بذمّة، اكفنا ما أهمَّنا ومالا نهتمّ له، ورجِّعنا سالمين مع القبولِ والمغفرة والرضوانِ، ولاتجعله آخر العهد بهذا المحلِّ الشريف.
ويُعيد السّلام والدُّعاء المتقدِّم في الزيارة ويقول بعده:
اللّهمَّ لاتجعل هذا آخر العهد بحرم رسولك(صلى الله عليه وآله وسلم)وحضرته الشريفة، ويسرّ لي العود إلى الحرمين سبيلا سهلة، وارزقني العفو والعافية في الدنيا والآخرة.
وزاد الشربيني في «المغني»: وردّنا إلى أهلنا سالمين غانمين.
وقال الكرماني من الحنفيّة: إذا اختار الرجوعُ يستحبُّ له أن يأتي القبر الشريف ويقول بعد السلام والدّعاء:
ودَّعناك يا رسول الله غير مودّع ولا سامحين بفرقتك، نسألك أن تسأل الله تعالى أن لايقطع آثارنا من زيارة حرمك، وأن يُعيدنا سالمين غانمين إلى أوطاننا، وأن يُبارك لنا فيما وهب لنا، وأن يرزقنا الشكر على ذلك، اللّهمَّ لاتجعل هذا آخر العهد من زيارة قبر نبيّك(صلى الله عليه وآله وسلم).
ثمَّ يتوجّه إلى الروضة ويصلّي ركعتين عند الخروج، ويسأل الله العود.
زيارة أئمّة البقيع وبقية المزارات فيها
ـ ويُستحبّ بعد زيارته(عليه السلام) أن يخرج ]الزائر [إلى البقيع كلَّ يوم، ويوم الجمعة آكد كما قال الفاكهي، وفي إحياء العلوم: يسحبّ أن يخرج كلّ يوم إلى البقيع(165) وكذا قال النووي والفاخوري وزاد الأخير: ويخصُّ يوم الجمعة يأتي المشاهد والمزارات فيزور العباس ومعه الحسن بن علي، وزين العابدين، وابنه محمّد الباقر، وابنه جعفر الصادق، ويزور أميرالمؤمنين سيدنا عثمان، وقبر إبراهيم بن النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)وعمّته صفيّة، وكثيراً من الصحابة والتابعين، خصوصاً سيّدنا مالكاً وسيدنا نافعاً ويقول:
سلامٌ عليكم بما صبرتم فنعم عُقبى الدار، سلامٌ عليكم دار قوم مؤمنين، وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون. ويقرأ آية الكرسي وسورة الإخلاص.
وقال النووي يقول: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، أنتم السابقون وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون، اللهم اغفر لأهل البقيع الغرقد، اللهم لاتحرمنا أجرهم، ولاتفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم.
وزاد القاضي حسين: اللهم ربَّ هذه الأجساد البالية والعظام النخرة التي خرجت من الدنيا وهي بك مؤمنة أدخل عليها روحاً منك وسلاماً منّي، اللهم برّد مضاجعهم عليهم واغفر لهم(166).
وقال إبن الحاجّ في «المدخل 1: 265»: هو بالخيار إن شاء أن يخرج إلى البقيع ليزور مَن فيه اقتداء بالنبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، فإذا أتى إلى البقيع بدأ بثالث الخلفاء عثمان بن عفّان(رضي الله عنه)، ثمَّ يأتي قبر العبّاس عمَّ النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، ثمَّ يأتي من بعده من الأكابر، وينوي امتثال السنّة في كونه عليه الصلاة والسلام كان يزور أهل البقيع الغرقد، وهذا نصٌّ في الزيارة، فدلّ على أنّها قربةٌ بنفسها مستحبّة، معمولٌ بها في الدين، ظاهرةٌ بركتها عند السلف والخلف.
قال الأميني: إنّ المشاهد المقصودة بالبقيع كانت مشهودة قبل استيلاء يد العيث والفساد الأثيمة عليها، وهي كثيرة جمعها وبسط القول فيها السمهودي في «وفاء الوفاء 2: 101 ـ 105، وهناك فوائد هامّة.
زيارة شهداء أُحد
ـ يستحبّ للحاجّ أن يزور شهداء أُحد، قال النووي وشرنبلالي وغيرهما: أفضلها وأحسنها يوم الخميس خصوصاً قبر سيّدنا حمزة.
وقال الفاخوري في «الكفاية»: ويخصُّ بها يوم الإثنين.
وقال إبن حجر: ويسنُّ له أن يأتي متطهّراً قبور الشهداء بأُحد ويبدأ بسيّد الشهداء حمزة(رضي الله عنه).
وقال الفاكهي في «حسن الأدب: 83»: وقد ورد: «زوروهم وسلّموا عليهم، والذي نفسي بيده لايسلّم عليهم أحدٌ إلاّ ردّوا عليه إلى يوم القيامة»، ولا يخفى أنَّ ردّهم السلام دعاءٌ بالسلامة ودعاؤهم مستجابٌ.
زيارة حمزة عمّ النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)
فيقول وهو في غاية الأدب والإجلال:
السلام عليك يا عمَّ المصطفى، السلام عليك يا سيّد الشهداء، السلام عليك يا أسدالله،السلام عليك يا أسد رسول الله، رضي الله عنك وأرضاك، وجعل الجنّة منقلبك ومثواك، السلام عليكم أيّها الشهداء ورحمة الله وبركاته.
قال إبن جبير في رحلته ص153: وحول الشهداء ]بجبل أُحد [تربةٌ حمراء، هي التربة التي تنسب إلى حمزة، ويتبرّك الناس بها.
زيارة بقيّة الشهداء
ثمَّ يتوجّه إلى قبور الشهداء الباقين ـ والمشهور من الشهداء المكرّمين الذين استشهدوا يوم أُحد وهم سبعون رجلا ـ فيقول:
السلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار، السلام عليكم يا شُهداء، السلام عليكم يا سعداء، رضي الله عنكم وأرضاكم.
قال الحمزاوي في «كنز المطالب: 230»: ويتوسّل بهم إلى الله في بلوغ آماله; لأنّ هذا المكان محلّ مهبط الرحمات الربّانية، وقد قال خير البريّة عليه الصلاة وأزكى التحيّة: «إنّ لربّكم في دهركم نفحات ألا فتعرّضوا لنفحات ربّكم»، ولاشكّ ولا ريب أنّ هذا المكان محلُّ هبوط الرّحمات الإلهيّة، فينبغي للزائر أن يتعرّض لهاتيك النفحات الإحسانيّة، كيف لا؟ وهم الأحبّة والوسيلة العظمى إلى الله ورسوله، فجديرٌ لمن توسّل بهم أن يبلغ المنى، وينال بهم الدرجات العلى، فإنّهم الكرام لايخيب قاصدهم وهم الأحياء، ولا يُردُّ من غير إكرام زائرهم.
وقال السمهودي في «وفاء الوفاء 2: 113»: وقد سرد إبن النجّار أسماءهم، فتبعه ليسلّم عليهم من شاء بأسمائهم: