الرؤية في منطق العلم والعقل - رؤیـة الله فی ضوء الکتاب والسنة والعقل نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

رؤیـة الله فی ضوء الکتاب والسنة والعقل - نسخه متنی

جعفر سبحانی تبریزی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

2 ـ رأيت السيد جالساً على كرسي عال .. فقلت: ويل لي لأن عينيّ قد رأتا الملك ربّ الجنود(16).

والمقصود من السيد هو الله جلّ ذكره.

3 ـ كنت أرى أنه وضعتْ عروش، وجلس القديم الأيام، لباسه أبيض كالثلج، وشعر رأسه كالصوف النقي، وعرشه لهيب نار(17).

4 ـ أما أنا فبالبرّ أنظر وجهك(18).

5 ـ فقال منوح لامرأته: نموت موتاً لأننا قد رأينا الله(19).

6 ـ فغضب الربّ على سليمان، لأنّ قلبه مال عن الرب، إله إسرائيل الذي تراءى له مرّتين(20).

7 ـ وقد رأيت الرب جالساً على كرسيّه، وكل جند البحار وقوف لديه(21).

8 ـ كان في سنة الثلاثين في الشهر الرابع في الخامس من الشهر، وأنا بين المسبيّين عند نهر خابور، أن السماوات انفتحت فرأيت رؤى الله ـ إلى أن قال: ـ هذا منظر شبه مجد الرب، ولما رأيته خررت على وجهي وسمعت صوت متكلم(22).

إنّ فكرة الرؤية تسرّبت إلى المسلمين من المتظاهرين بالإسلام، كالأحبار والرهبان، وصار ذلك سبباً لجرأة طوائف من المسلمين على جعلها في ضمن العقيدة الإسلامية، بحيث يُكفّر منكرها أحياناً أو يفسق، ولما صارت تلك العقيدة راسخة في القرنين الثاني والثالث بين المسلمين، عاد المتكلّمون الذين تربوا بين أحضانهم للبرهنة والاستدلال على تلك الفكرة من الكتاب أولا والسنة ثانياً، ولولا رسوخها بينهم لما تحمّلوا عبء الاستدلال وجهد البرهنة، وسوف يوافيك انّ الكتاب يردّ فكرة الرؤية ويستعظم أمرها وينكرها بشدّة، وما استدلّ به على جواز الرؤية من الكتاب فلا يمتّ إلى الموضوع بصلة.

إنّ مسألة رؤية الله تعالى قد طرحت على صعيد البحث والجدال في القرن الثاني، عندما حيكت العقائد على نسق الأحاديث، ووردت فيها رؤيته سبحانه يوم القيامة، فلأجل ذلك عدّت من العقائد الإسلامية، حتى انّ الإمام الأشعري عند ما تاب عن الاعتزال ولحق بأهل الحديث رقى يوم الجمعة كرسياً ونادى بأعلى صوته: من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا أعرّفه نفسي، أنا فلان بن فلان كنت قلت بخلق القرآن وانّ الله لا يُرى بالأبصار وانّ أفعال الشرّ أنا أفعلها، وانّي تائب مقلع معتقد للردّ على المعتزلة(23).

وقال في الإبانة: وندين بأنّ الله تعالى يرى في الآخرة بالأبصار كما يرى القمر ليلة البدر، يراه المؤمنون، كما جاءت الروايات عن رسول الله(24).

وقال في كتابه الآخر: بسم الله، إن قال قائل: لم قلتم إن رؤية الله بالأبصار جائزة من باب القياس؟ قيل له: قلنا ذلك لأنّ ما لا يجوز أن يوصف به تعالى ويستحيل عليه لا يلزم في القول بجواز الرؤية(25).

وهذا النص يعرب عن انّ الرؤية كانت في ذلك العصر وفي عصر الإمام أحمد جزء من العقائد الإسلامية، ولذلك لا تجد كتاباً كلامياً إلاّ ويذكر رؤية الله تبارك وتعالى في الآخرة، ويقررها جزءاً من العقائد الإسلامية، حتى أنّ الإمام الغزالي مع ما أُوتي من مواهب كبيرة وكان من المصرّين على التنزيه ـ فوق ما يوجد في كتب الأشاعرة ـ لم يستطع أن يخرج عن إطار العقيدة، وقال: العلم بأنه تعالى مع كونه منزّهاً عن الصورة والمقدار، مقدّساً عن الجهات والأنظار، يُرى بالأعين والأبصار(26).

ثمّ إنّهم اختلفوا في الدليل على الرؤية، ففرقة منهم اعتمدوا على الأدلة العقلية دون السمعية، كسيف الدين الآمدي أحد مشايخ الأشاعرة في القرن السابع (155-316 هـ) يقول: لسنا نعتمد في هذه المسألة على غير المسلك العقلي، إذ ما سواه لا يخرج عن المظاهر السمعية، وهي ممّا يتقاصر عن إفادة القطع واليقين، فلا يذكر إلاّ على سبيل التقريب»(27).

وفرقة أُخرى كالرازي وغيره قالوا: العمدة في جواز الرؤية ووقوعها هو جواز السمع، وعليه الشيخ الشهرستاني في نهاية الاقدام(28).

الرؤية بالأبصار لا بالقلب ولا بالرؤيا:

محل النزاع بين الأشاعرة ومن قبلهم الحنابلة وأصحاب الحديث، وبين غيرهم من أهل التنزيه، هو رؤية الله سبحانه بالأبصار التي هي نعمة من نعم الله سبحانه وطريق إلى وقوف الإنسان على الخارج.

يقول سبحانه: (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالاَْبْصَارَ وَالاَْفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (النحل/78).

فالمُثبتُ للرؤية والنافي لها يركّزُ على موضوع واحد هو الرؤية بالأبصار، وأنّ الخارج عن هذا الموضوع خارج عن إطار العقيدة.

وبذلك يظهر أنّ الرؤية بغير الأبصار تأويل للعقيدة التي أصرّ عليها أصحاب أحمد، بل الملتحق به الإمام الأشعري، ولا يمتّ إلى موضوع البحث بصلة، فقد نقل عن ضرار وحفص الفرد: انّ الله لا يرى بالأبصار، ولكن يخلق لنا يوم القيامة حاسة سادسة غير حواسنا فندركه بها(29).

يقول ابن حزم: إنّ الرؤية السعيدة ليست بالقوة الموضوعة بالعين، بل بقوّة أُخرى موهوبة من الله(30).

إلى غير ذلك من الكلمات التي حرّفت النقطة الرئيسية في البحث، ومعتقد أهل الحديث الأشاعرة، ونحن نركّز في البحث على الرؤية بالأبصار، وأمّا الرؤية بغيرها فخارجة عن مجاله.

فإذا كانت الحنابلة والأشاعرة مصرّين على جواز الرؤية، فأئمة أهل البيت ومن تبعهم من الإمامية والمعتزلة والزيدية قائلون بامتناعها في الدنيا والآخرة.

فالبيت الأموي والمنتمون إليه من أهل الحديث كانوا من دعاة التجسيم والتشبيه والجبر وإثبات الجهة، والرؤية لله سبحانه، وأما الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) وبيته الطاهر وشيعتهم فكانوا من دعاة التنزيه والاختيار، ومن الرافضين لهذه البدع المستوردة من اليهود بحماس.

وقد نجم في ظلّ العراك الفكري بين العلويين والأمويين منهجان في مجال المعارف كلّ يحمل شعاراً، فشيعة الإمام وأهل بيته يحملون شعار التنزيه والاختيار، والأمويون وشيعتهم يحملون شعار التشبيه والجبر، وقد اشتهر منذ قرون، القول بأنّ: التنزيه والاختيار علويان، والتشبيه والجبر أمويان.

فصارت النتيجة في النهاية أنّ كلّ محدّث مُتزلّف إلى البيت الأموي يحشّد أخبار التجسيم والجبر، بلا مبالاة واكتراث، لكن الواعين من أُمّة محمّد الموالين لأهل بيته كانوا يتجنّبون نقل تلك الآثار.

قال الرازي في تفسير قوله (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ): احتجّ علماء التوحيد قديماً وحديثاً بهذه الآية على نفي كونه جسماً مركباً من الأعضاء والأجزاء، حاصلا في المكان والجهة.

قالوا: لو كان جسماً لكان مثلا لسائر الأجسام، فيلزم حصول الأمثال والأشباه، وذلك باطل بصريح قوله تعالى (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)ـ?إلى أن قال: ـ

واعلم إنّ محمّد بن اسحاق بن خزيمة أورد استدلال أصحابنا بهذه الآية في الكتاب الذي سمّاه بالتوحيد، وهو في الحقيقة كتاب الشرك، واعترض عليها، وأنا أذكر حاصل كلامه بعد حذف التطويلات، لأنه كان رجلا مضطرب الكلام، قليل الفهم، ناقص العقل، فقال: نحن نثبت لله وجهاً ونقول: إنّ لوجه ربّنا من النور والضياء والبهاء، ما لو كشف حجابه لأحرقت سبحات وجهه كلّ شيء أدركه بصره، ووجه ربّنا منفي عنه الهلاك والفناء، ونقول: إنّ لبني آدم وجوهاً كتب الله عليها الهلاك والفناء،

ونفى عنها الجلال والاكرام، غير موصوفة بالنور والضياء والبهاء، ولو كان مجرّد اثبات الوجه لله يقتضي التشبيه لكان من قال إنّ لبني آدم وجوهاً وللخنازير والقردة والكلاب وجوهاً، لكان قد شبّه وجوه بني آدم بوجوه الخنازير والقردة والكلاب. ثمّ قال: ولا شكّ إنّه اعتقاد الجهمية; لأنه لو قيل له: وجهك يشبه وجه الخنازير والقردة لغضب ولشافهه بالسوء، فعلمنا أنه لا يلزم من اثبات الوجه واليدين لله إثبات التشبيه بين الله وبين خلقه.

إلى أن قال: وأقول هذا المسكين الجاهل إنّما وقع في أمثال هذه الخرافات لأنّه لم يعرف حقيقة المثلين، وعلماء التوحيد حقّقوا الكلام في المثلين ثمّ فرعوا عليه الاستدلال بهذه الآية(31).

وليس ابن خزيمة أوّل أو آخر محدّث تأثّر بهذه البدع، بل كانت الفكرة تتغلغل بين أكثر أهل الحديث الذين منهم:

1 ـ عثمان بن سعيد بن خالد بن سعيد التميمي الدارمي السجستاني، صاحب المسند المتوفى عام 280 هـ صاحب النقض، يقول فيه: إنّ الله فوق عرشه وسماواته.

2 ـ حشيش بن أصرم، مؤلف كتاب الاستقامة، يعرّفه الذهبي: بأنه يرد فيه على أهل البدع، ويريد به أهل التنزيه الذين يرفضون أخبار التشبيه، توفي عام 352 هـ .

3 ـ أحمد بن محمّد بن الأزهر بن حريث السجستاني السجزي، نقل الذهبي في ميزان الاعتدال عن السلمي قال: سألت الدار قطني عن الأزهري، فقال: هو أحمد بن محمّد بن الأزهر بن حريث، سجستاني منكر الحديث، لكن بلغني أنّ ابن خزيمة حسن الرأي فيه، وكفى بهذا فخراً(32).

يلاحظ عليه أنه: كفى بهذا ضعفاً، لأنّ ابن خزيمة هذا رئيس المجسّمة والمشبّهة، ومنه يعلم حال السجستاني. توفي سنة 312 هـ(33).

4 ـ محمّد بن اسحاق بن خزيمة، ولد عام 311 هـ وقد ألّف «التوحيد وإثبات صفات الرب»، وكتابه هذا مصدر المشبّهة والمجسّمة في العصور الأخيرة، وقد اهتمّت به الحنابلة، وخصوصاً الوهابية، فقاموا بنشره على نطاق وسيع، وسيأتي الحديث عنه.

5 ـ عبد الله بن أحمد بن حنبل، ولد عام 213 هـ وتوفي عام 290 هـ ، يروي أحاديث أبيه (الإمام أحمد بن حنبل)، وكتابه «السنة» المطبوع لأوّل مرّة بالمطبعة السلفية ومكتبتها عام 9413 هـ ، وهو كتاب مشحون بروايات التجسيم والتشبيه، يروي فيه ضحك الرب، وتكلّمه، واصبعه، ويده، ورجله، وذراعيه، وصدره، وغير ذلك ممّا سيمر عليك بعضه.

وهذه الكتب الحديثية الطافحة بالاسرائيليات والمسيحيات جرّت الويل على الأُمة وخدع بها المغفّلون من الحنابلة والحشوية وهم يظنّون أنهم يحسنون صنعاً.

الرؤية في كلمات الإمام علي (عليه السلام):

من يرجع إلى خطب الإمام علي (عليه السلام) في التوحيد وما أُثِر عن أئمة العترة الطاهرة يقف على أنّ مذهبهم في ذلك هو امتناع الرؤية، وأنه سبحانه لا تدركه أوهام القلوب، فكيف بأبصار العيون، وإليك نزراً يسيراً ممّا ورد في هذا الباب:

1 ـ قال الإمام علي (عليه السلام) في خطبة الأشباح: «الأول الذي لم يكن له قبل فيكون شيء قبله، والآخر الذي ليس له بعد فيكون شيء بعده، والرادع أناسي الأبصار عن أن تناله أو تدركه»(34).

2 ـ وقد سأله ذعلب اليماني فقال: هل رأيت ربك يا أمير المؤمنين؟ فقال (عليه السلام): أَفأعبد ما لا أرى؟ فقال: وكيف تراه؟ فقال: لا تدركه العيون بمشاهدة العيان ولكن تدركه القلوب بحقائق الإيمان، قريب من الأشياء غير ملابس، بعيد منها غير مبائن(35).

3 ـ وقال (عليه السلام): «الحمد لله الذي لا تدركه الشواهد، ولا تحويه المشاهد، ولا تراه النواظر، ولا تحجبه السواتر»(36).

إلى غير ذلك من خطبه (عليه السلام) الطافحة بتقديسه وتنزيهه عن إحاطة القلوب والأبصار به(37).

وأمّا المروي عن سائر أئمة أهل البيت (عليهم السلام) فقد عقد ثقة الإسلام الكليني في كتابه «الكافي» باباً خاصاً للموضوع روى فيه ثمان روايات(38)، كما عقد الصدوق في كتاب التوحيد باباً لذلك روى فيه إحدى وعشرين رواية، يرجع قسم منها إلى نفي الرؤية الحسيّة البصريّة، وقسم منها يثبت رؤية معنوية قلبية سنشير إليه في محله(39).

ثمّ إنّ للإمام الطاهر عليّ بن موسى الرضا احتجاجاً في المقام على مقال المحدّث أبي قرة، حيث ذكر الحديث الموروث عن الحبر الماكر «كعب الأحبار»: من أنه سبحانه قسم الرؤية والكلام بين نبيّين، كما تقدّم.

فقال أبو قرة: فإنّا روينا: أنّ الله قسّم الرؤية والكلام بين نبيين، فقسّم لموسى (عليه السلام) الكلام، ولمحمّد (صلى الله عليه وآله) الرؤية.

فقال أبو الحسن (عليه السلام): فمن المبلِّغ عن الله إلى الثقلين الجنّ والإنس أنّه لا تُدركه الأبصار ولا يحيطون به علماً وليس كمثله شيء، أليس محمّد (صلى الله عليه وآله)؟ قال: بلى.

قال أبو الحسن (عليه السلام): فكيف يجيء رجل إلى الخلق جميعاً فيخبرهم أنه جاء من عند الله، وأنه يدعوهم إلى الله بأمر الله، ويقول: إنّه لا تدركه الأبصار ولا يحيطون به علماً وليس كمثله شيء، ثمّ يقول: أنا رأيته بعينيّ وأحطتُ به علماً وهو على صورة البشر، أما تستحيون؟ أما قدرت الزنادقة أن ترميه بهذا، أن يكون أتى عن الله بأمر ثمّ يأتي بخلافه من وجه آخر.

فقال أبو قرة: إنّه يقول: (وَلَقَدْ رَآهُ نزلةً أُخْرَى) (النجم/13).

فقال أبو الحسن (عليه السلام): انّ بعد هذه الآية ما يدلّ على ما رأى حيث قال: (مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى) (النجم/11) يقول: ما كذب فؤاد محمّد (صلى الله عليه وآله)ما رأت عيناه ثمّ أخبر بما رأت عيناه فقال: (لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى) (النجم/18) فآيات الله غير الله، وقال: (وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً)(طه/110) فإذا رأته الأبصار فقد أحاط به العلم ووقعت المعرفة.

فقال أبو قرة: فتكذّب بالرواية؟

فقال أبو الحسن (عليه السلام): إذا كانت الرواية مخالفة للقرآن كذّبتها، وما أجمع المسلمون عليه أنه لا يحاط به علماً، ولا تدركه الأبصار، وليس كمثله شيء(40).

الرؤية في منطق العلم والعقل

إنّ الرؤية في منطق العلم والعقل لا تتحقّق إلاّ إذا كان الشيء مقابلا أو حالاًّ في المقابل من غير فرق بين تفسيرها حسبَ رأي القدماء أو حسب العلم الحديث، فإنّ القدماء كانوا يفسّرون الرؤية على النحو التالي:

خروج الشعاع من العين وسقوطه على الأشياء ثمّ انعكاسه عن الأشياء ورجوعه إلى العين لكي تتحقّق الرؤية.

ولكن العلم الحديث كشف بطلان هذا التفسير وقال: إنّها صدور الأشعة من الأشياء ودخولها إلى العين عن طريق عدستها وسقوطها على شبكيّة العين فتُحقّق الرؤية.

وعلى كلّ تقدير فالضرورة قاضية على أنّ الإبصار بالعين متوقّف على حصول المقابلة بين العين والمرئي أو حكم المقابلة، كما في رؤية الصور في المرآة.

وهذا أمر تحكم به الضرورة وإنكاره مكابرة واضحة، فإذا كانت ماهيّة الرؤية هي ما ذكرناه فلا يمكن تحقّقها فيما اذا تنزّه الشيء عن المقابلة أو الحلول في المقابل.

وبعبارة واضحة: أنّ العقل والنقل اتّفقا على كونه سبحانه ليس بجسم ولا جسماني ولا في جهة، والرؤية فرع كون الشيء في جهة خاصة، وما شأنه هذا لا يتعلّق إلاّ بالمحسوس لا بالمجرّد.

ثمّ إنّ الرازي أراد الخدش في هذا الأمر البديهي ولكنّه رجع خائباً، واعترض على هذا الاستدلال بوجهين:

الأوّل: أنّ ادّعاء الضرورة والبداهة على امتناع رؤية الموجود المنزّه عن المكان والجهة أمر باطل، لأنّه لو كان بديهياً لكان متّفقاً عليه بين العقلاء، وهذا غير متّفق عليه بينهم، فلا يكون بديهياً، ولذلك لو عرضنا قضيّة أنّ الواحد نصف الاثنين لا يختلف فيه اثنان، وليست القضيّة الأُولى في البداهة في قوّة القضيّة الثانية(41).

يلاحظ عليه: بأنّه خفى على الرازي بأنّ للبداهة مراتب مختلفة، فكون نور القمر مستفاداً من الشمس قضيّة بديهية، ولكن أينَ هذه البداهة من بداهة قولنا: الواحد نصف الاثنين، أضف إلى ذلك أنّ العقلاء متّفقون على لزوم المقابلة أو حكمها على تحقّق الرؤية، وإنّما خالف فيه أمثال من خالف القضايا البديهية كالسوفسطائيّين، حيث ارتابوا في وجودهم وعلومهم وأفعالهم مع أنّهم كانوا يُعدّون من الطبقات العليا في المجتمع اليوناني.

الثاني: أنّ المقابلة شرط في الرؤية في الشاهد، فلمَ قلتم إنّه في الغائب كذلك.

وتحقيقه هو أنّ ذات الله تعالى مخالفة بالحقيقة والماهية لهذه الحوادث، والمختلفات في الماهية لا يجب استواؤها في اللوازم، فلم يلزم من كون الادراك واجباً في الشاهد عن حضور هذه الشرائط، كونه واجباً في الغائب عند حضورها(42).

هذا كلامه في كتاب الأربعين، ويقول في تفسيره: ألم تعلموا إنّ ذاته تعالى مخالفة لسائر الذوات، ولا يلزم من ثبوت حكم في شيء ثبوت مثل ذلك الحكم فيما يخالفه، والعجب أنّ القائلين بالامتناع يدعون الفطنة والكياسة ولم يتنبه أحد لهذا السؤال، ولم يخطر بباله ركاكة هذا الكلام(43).

يلاحظ عليه: أنّ الرازي غفل عن أنّ الرؤية من الأُمور الإضافية القائمة بالرائي والمرئي، فالتقابل من لوازم الرؤية بما هي هي، فاختلاف المرئي في الماهيات كاختلاف الرائي في كونه حيواناً أو انساناً لا مدخليّة له في هذا الموضوع، فافتراض نفس الرؤية وتعلّقها بالشيء وغضّ النظر عن الرائي وخصوصيات المرئي يجرّنا إلى القول: بأنّ الرؤية رهن التقابل أو حكمه، وذلك لأنّ الموضوع لحكم العقل من لزوم المقابلة في الرؤية هو نفسها بما هي هي، والموضوع متحقّق في الشاهد والغائب، والمادي والمجرّد، فاحتمال انتقاض الحكم باختلاف المرئي يناقض ما حكم به بأنّ الرؤية بما هي هي لا تنفكّ عن التقابل، فإنّه أشبه بقول القائل: إنّ نتيجة 2+2 هو الأربعة، لكن إذا كان المعدود مادياً لا مجرّداً، ويردّ بأنّ الموضوع نفس اجتماع العددين وهو متحقّق في كلتا الصورتين.

ثمّ ماذا يقصد (الرازي) من الغائب؟ هل يقصد الموجود المجرّد عن المادّة ولوازمها؟ فبداهة العقل تحكم بأنّ المنزّه عن الجسم والجسمانية والجهة والمكان لا يتصوّر أنْ يقع طرفاً للمقابلة، وإنْ أراد منه الغائب عن الأبصار مع احتمال كونه جسماً أو ذا جهة، فذلك ابطال للعقيدة الإسلامية الغرّاء التي تبنّتها الأشاعرة وكذلك الرازي نفسه في غير واحد من كتبه الكلامية وفي غير موضع في تفسيره.

ولقائل أن يسأل الرازي: أنّه لو وقعت الرؤية على ذاته سبحانه فهل تقع على كلِّه أو بعضه؟ فلو وقعت على الكلّ تكون ذاته محاطة لا محيطة، وهذا باطل بالضرورة، ولو وقعت على الجزء تكون ذاته ذا جزء مركب.

وممّا ذكرنا تتبيّن ركاكة ما استدلّ به الرازي على كلامه.

المحاولة اليائسة في تجويز الرؤية:

/ 12