الدّعاء الاوّل
وكان من دعائه(عليه
السلام) إذ ابتدأ بالدعاء بالتحميد
لله عزّ وجلّ والثناء عليه فقال:
أَلْحَمْدُ للهِ الأوَّلِ بِلا أَوَّل
كَانَ قَبْلَهُ، وَالآخِرِ بِلا آخِر يَكُونُ بَعْدَهُ ، الَّذِي قَصُرَتْ عَنْ
رُؤْيَتِهِ أَبْصَارُ النَّاظِرِينَ، وَ عَجَزَتْ عَنْ نَعْتِهِ أَوهامُ
الْوَاصِفِينَ ، ابْتَدَعَ بِقُدْرَتِهِ الْخَلْقَ ابتِدَاعَاً، وَ اخْتَرَعَهُمْ
عَلَى مَشِيَّتِهِ اخترَاعاً، ثُمَّ سَلَكَ بِهِمْ طَرِيقَ إرَادَتِهِ،
وَبَعَثَهُمْ فِي سَبِيلِ مَحَبَّتِهِ، لا يَمْلِكُونَ تَأخِيراً عَمَّا
قَدَّمَهُمْ إليْهِ، وَلا يَسْتَطِيعُونَ تَقَدُّماً إلَى مَا أَخَّرَهُمْ عَنْهُ،
وَجَعَلَ لِكُلِّ رُوْح مِنْهُمْ قُوتَاً
مَعْلُوماًمَقْسُوماً مِنْ رِزْقِهِ، لاَ
يَنْقُصُ مَنْ زادَهُ نَاقِصٌ، وَلاَ يَزِيدُ مَنْ نَقَصَ منْهُمْ زَائِدٌ. ثُمَّ
ضَرَبَ لَهُ فِي الْحَيَاةِ أَجَلاً مَوْقُوتاً، وَ نَصَبَ لَهُ أَمَداً
مَحْدُوداً، يَتَخَطَّأُ إلَيهِ بِأَيَّامِ عُمُرِهِ، وَيَرْهَقُهُ بِأَعْوَامِ
دَهْرِهِ، حَتَّى إذَا بَلَغَ أَقْصَى أَثَرِهِ، وَ اسْتَوْعَبَ حِسابَ عُمُرِهِ،
قَبَضهُ إلَى ما نَدَبَهُ إلَيْهِ مِنْمَوْفُورِ ثَوَابِهِ أَوْ مَحْذُورِ
عِقَابِهِ،
، عَدْلاً مِنْهُ تَقَدَّسَتْ
أَسْمَآؤُهُ،وَتَظاهَرَتْ آلآؤُهُ،
وَالْحَمْدُ للهِ الَّذِي لَوْ حَبَسَ
عَنْ عِبَادِهِ مَعْرِفَةَ حَمْدِهِ عَلَى مَا أَبْلاَهُمْ مِنْ مِنَنِهِ
الْمُتَتَابِعَةِ، وَأَسْبَغَ عَلَيْهِمْ مِنْ نِعَمِهِ الْمُتَظَاهِرَةِ،
لَتَصرَّفُوا فِي مِنَنِهِ فَلَمْ يَحْمَدُوهُ، وَتَوَسَّعُوا فِي رِزْقِهِ فَلَمْ
يَشْكُرُوهُ، وَلَوْ كَانُوا كَذلِكَ لَخَرَجُوا مِنْ حُدُودِ الإنْسَانِيَّةِ إلَى
حَدِّ الْبَهِيمِيَّةِ، فَكَـانُوكَمَا وَصَفَ فِي مُحْكَم
كِتَابِهِ:
وَالْحَمْدُلله عَلَى مَا عَرَّفَنا
مِنْ نَفْسِهِ، وَأَلْهَمَنَا مِنْ
شُكْرِهِ، وَفَتَحَ لَنَا من أبوَابِ الْعِلْمِ بِرُبُوبِيّته،
وَدَلَّناعَلَيْهِ مِنَ الإِخْلاَصِ لَهُ فِي تَوْحِيدِهِ، وَجَنَّبَنا
مِنَ الإلْحَادِ وَالشَّكِّ فِي أَمْرِهِ، حَمْداً نُعَمَّرُ بِهِ فِيمَنْ حَمِدَهُ
مِنْ خَلْقِهِ ، وَنَسْبِقُ بِـهِ مَنْ سَبَقَ إلَى رِضَاهُ وَعَفْوِهِ، حَمْداً
يُضِيءُ لَنَابِهِ ظُلُمَاتِ الْبَرْزَخِ، وَيُسَهِّلُ عَلَيْنَابِهِ سَبِيلَ
الْمَبْعَثِ، وَيُشَرِّفُ بِهِ مَنَازِلَنَا عِنْدَ مَوَاقِفِ الأشْهَادِ، يَوْمَ
تُجْزَىكُلُّ نَفْس بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ
، حَمْداً يَرْتَفِعُ مِنَّا إلَى أَعْلَى عِلِّيِّينَ، فِي كِتَاب مَرْقُوم
يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ، حَمْداً تَقَرُّ بِهِ عُيُونُنَا إذَا بَرِقَتِ
الأبْصَارُ، وَتَبْيَضُّ بِهِ وُجُوهُنَا إذَا اسْوَدَّتِ الأبْشَارُ، حَمْداً
نُعْتَقُ بِهِ مِنْ أَلِيمِ نَارِ اللهِ إلَى كَرِيمِ جِوَارِاللهِ، حَمْداً
نُزَاحِمُ بِهِ مَلاَئِكَتَهُ الْمُقَرَّبِينَ، وَنُضَامُّ بِـهِ أَنْبِيآءَهُ
المُـرْسَلِيْنَ، فِي دَارِ الْمُقَامَةِ الَّتِي لا تَزُولُ، وَمَحَلِّ
كَرَامَتِهِ الَّتِي لا تَحُولُ .وَالْحَمْدُ للهِ الَّذِي اخْتَارَ لَنَا
مَحَاسِنَ الْخَلْقِ ، وَأَجرى
عَلَيْنَا طَيِّبَاتِ الرِّزْقِ،
وَجَعَلَ لَنَا الفَضِيلَةَ بِالْمَلَكَةِ عَلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ، فَكُلُّ
خَلِيقَتِهِ مُنْقَادَةٌ لَنَا بِقُدْرَتِهِ، وَصَآئِرَةٌ إلَى طَاعَتِنَا
بِعِزَّتِهِ. وَالْحَمْدُ للهِ الَّذِي أَغْلَقَ عَنَّا بَابَ الْحاجَةِ إلاّ
إلَيْهِ، فَكَيْفَ نُطِيقُ حَمْدَهُ، أَمْ مَتَى نُؤَدِّي شُكْرَهُ؟!، لا، مَتى؟
وَالْحَمْدُ للهِ الَّذِي رَكَّبَ فِينَا آلاَتِ الْبَسْطِ، وَجَعَلَ لَنَا
أدَوَاتِ الْقَبْضِ، وَمَتَّعَنا بِاَرْواحِ الْحَياةِ ، وَأثْبَتَ فِينا جَوارِحَ
الأعْمَالِ، وَغَذَّانَا بِطَيِّبَاتِ الرِّزْقِ ،
وَأغْنانَا بِفَضْلِهِ ،
وَأقْنانَا بِمَنِّهِ ، ثُمّ أَمَرَنا لِيَخْتَبِرَ طاعَتَنَا، وَنَهَانَا
لِيَبْتَلِيَ شُكْرَنَا، فَخَالَفْنَا عَنْ طَرِيْقِ أمْرِهِ، وَرَكِبْنا مُتُونَ
زَجْرهِ، فَلَم يَبْتَدِرْنا بِعُقُوبَتِهِ ، وَلَمْ يُعَاجِلْنَا بِنِقْمَتِهِ،
بَلْ تَأنَّانا بِرَحْمَتِهِ تَكَرُّماً، وَانْتَظَرَ مُراجَعَتَنَا بِرَأفَتِهِ
حِلْماً. وَالْحَمْدُ للهِ الَّذِي دَلَّنَا عَلَى التَّوْبَةِ الَّتِي لَمْ
نُفِدْهَا إلاّ مِنْ فَضْلِهِ، فَلَوْ لَمْ نَعْتَدِدْ مِنْ فَضْلِهِ إلاّ بِهَا
لَقَدْ حَسُنَ بَلاؤُهُ عِنْدَنَا، وَ جَلَّ إحْسَانُهُ إلَيْنَا، وَجَسُمَ
فَضْلُهُ عَلَيْنَا، فَمَا هكذا كَانَتْ سُنَّتُهُ فِي التَّوْبَةِ لِمَنْ كَانَ
قَبْلَنَا، لَقَدْ
وَضَعَ عَنَّا
، وَلَمْ يُكَلِّفْنَا إلاّ وُسْعاً، وَ لَمْيُجَشِّمْنَا إلاّ يُسْراً، وَلَمْ
يَدَعْ لأَحَـد مِنَّا حُجَّةً وَلاَ عُذْراً، فَالْهَالِكُ مِنَّا مَنْ هَلَكَ
عَلَيْهِ، وَالسَّعِيدُ مِنَّا مَنْ رَغِبَ إلَيْهِ . وَالْحَمْدُ للهِ بِكُلِّ مَا
حَمِدَهُ بِهِ أدْنَى مَلائِكَتِهِ إلَيْهِ، وَ أَكْرَمُ خَلِيقَتِهِ عَلَيْهِ،
وَأرْضَى حَامِدِيْهِ لَدَيْهِ، حَمْداً يَفْضُلُ سَآئِرَ الْحَمْدِ، كَفَضْلِ
رَبِّنا عَلَى جَمِيعِ خَلْقِهِ ، ثُمَّ لَهُ الْحَمْدُ مَكَانَ كُلِّ نِعْمَة لَهُ
عَلَيْنَا،
وَعَلى جَمِيعِ عِبَادِهِ الْمَاضِينَ وَالْبَاقِينَ، عَدَدَ مَا
أَحَاطَ بِهِ عِلْمُهُ مِنْ جَمِيعِ الأشْيَآءِ، وَمَكَانَ كُلِّ وَاحِدَة مِنْهَا
عَدَدُهَا أَضْعافاً مُضَاعَفَةً أَبَداً سَرْمَداً إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ،
حَمْداً لاَ مُنْتَهَى لِحَدِّهِ، وَلا حِسَابَ لِعَدَدِهِ وَ لاَ مَبْلَغَ
لِغَايَتِهِ، وَلا انْقِطَاعَ لأَمَدِهِ، حَمْدَاً يَكُونُ وُصْلَةً إلَى طَاعَتِهِ
وَعَفْوِهِ، وَ سَبَباً إلَى رِضْوَانِهِ، وَذَرِيعَةً إلَى مَغْفِرَتِهِ،
وَطَرِيقاً إلَى جَنَّتِهِ، وَخَفِيْراً مِنْ نَقِمَتِهِ، وَ أَمْناً مِنْ
غَضَبِهِ، وَ ظَهِيْراً عَلَى طَاعَتِهِ، وَ حَاجِزاً عَنْ مَعْصِيَتِهِ، وَعَوْناً
عَلَى تَأدِيَةِ حَقِّهِ
وَوَظائِفِهِ، حَمْداً نَسْعَدُ بِهِ فِي
السُّعَدَاءِ مِنْ أَوْلِيَآئِهِ،وَنَصِيرُ بِهِ فِي نَظْمِ الشُّهَدَآءِ
بِسُيُوفِ أَعْدَائِهِ، إنَّهُ وَلِيٌّحَمِيدٌ .
الدّعاء الثّاني
وكان من دعائه(عليه
السلام) بعد هذا التّحميد الصّلاة
على رسوله (صلى الله عليه وآله)
وَالْحَمْدُ للهِ الَّذِي مَنَّ
عَلَيْنَا بِمُحَمَّد نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ دُونَ الأُمَمِ
الْمَـاضِيَةِ، وَالْقُـرُونِ السَّالِفَةِ، بِقُدْرَتِهِ الَّتِي لاَ تَعْجِزُ
عَنْ شَيْء وَإنْ عَظُمَ، وَ لا يَفُوتُها شَيءٌ وَإنْ لَطُفَ، فَخَتَمَ بِنَا
عَلَى جَمِيع مَنْ ذَرَأَ، وَجَعَلَنَا شُهَدَاءَ عَلَى مَنْ جَحَدَ، وَكَثَّرَنا
بِمَنِّهِ عَلَى مَنْ قَلَّ . اللّهمَّ فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد أَمِينِكَ عَلَى
وَحْيِكَ، وَنَجِيبِكَ مِنْ خَلْقِكَ، وَصَفِيِّكَ مِنْ عِبَادِكَ، إمَامِ
الرَّحْمَةِ وَقَائِدِ الْخَيْرِ وَمِفْتَاحِ
الْبَرَكَةِ، كَمَا نَصَبَ لاَِمْرِكَ
نَفْسَهُ ، وَ عَرَّضَ فِيْكَ لِلْمَكْرُوهِ بَدَنَهُ ، وَكَاشَفَ فِي الدُّعآءِ
إلَيْكَ حَامَّتَهُ، وَحَارَبَ فِي رِضَاكَ اُسْرَتَهُ، وَقَطَعَ فِيْ إحْياءِ
دِينِـكَ رَحِمَهُ، وَأقصَى الأدْنَيْنَ عَلى جُحُـودِهِمْ ، وَقَرَّبَ الأقْصَيْنَ
عَلَى اسْتِجَابَتِهِمْ لَكَ ، وَوالَى فِيكَ الأبْعَدِينَ ، وَعَادى فِيكَ
الأقْرَبِينَ، وَأدْأبَ نَفْسَهُ فِي تَبْلِيغِ رِسَالَتِكَ، وَأَتْعَبَهَا
بِالدُّعآءِ إلَى مِلَّتِكَ، وَشَغَلَهَا بِالنُّصْحِ لاَِهْلِ دَعْوَتِكَ،
وَهَاجَرَ إلَى بِلاَدِ الْغُرْبَةِ وَمحَلِّ النَّأيِ، عَنْ مَوْطِنِ رَحْلِهِ ،
وَمَوْضِـعِ رِجْلِهِ، وَمَسْقَطِ رَأسِهِ، وَمَأنَسِ نَفْسِهِ، إرَادَةً مِنْهُ
لإعْزَازِ دِيْنِكَ ، واسْتِنْصَاراً عَلَى أَهْلِ الْكُفْرِ بِكَ ، حَتّى
اسْتَتَبَّ لَهُ مَا حَاوَلَ فِي أَعْدَائِكَ ، وَاسْتَتَمَّ لَهُ مَا دَبَّرَ فِي
أوْلِيآئِكَ ، فَنَهَدَ إلَيْهِمْ مُسْتَفْتِحاً بِعَوْنِكَ، وَمُتَقَوِّياً عَلَى
ضَعْفِهِ بِنَصْرِكَ ، فَغَزَاهُمْ فِي عُقْرِ دِيَارِهِمْ، وَهَجَمَ عَلَيْهِمْ
فِي بُحْبُوحَةِ قَرَارِهِمْ، حَتّى ظَهَر أَمْرُكَ، وَعَلَتْ كَلِمَتُكَ
اللَهُمَّ فَارْفَعْهُ بِمَاكَدَحَ فِيكَ إلَى
الدَّرَجَةِ الْعُلْيَا مِنْ جَنَّتِكَ،
حَتَّى لاَ يُسَاوَى فِي مَنْزِلَة، وَلا يُكَاْفَأَ فِي مَرْتَبَة، وَلاَ
يُوَازِيَهُ لَدَيْكَ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ، وَلا نبيٌّ مُرْسَلٌ ، وَعَرِّفْهُ فِي
أهْلِهِ الطّاهِرِينَ، وَاُمَّتِهِ الْمُؤْمِنِينَ، مِنْ حُسْنِ الشَّفَاعَةِ
أجَلَّ مَا وَعَدْتَهُ، يَا نَافِذَ الْعِدَةِ، يَا وَافِىَ الْقَوْلِ، يَا
مُبَدِّلَ السَّيِّئات بِأضْعَافِهَا مِنَ الْحَسَنَاتِ، إنَّكَ ذُو الْفَضْلِ
الْعَظِيمِ الْجَوَادُ اَلْكَرِيمُ.
الدعاء
الثالث
وكان من دعائه(عليه
السلام) في الصلاة على حملةِ العرشِ
و كلِّ ملك مقرّب
أَللَّهُمَّ وَحَمَلَةُ عَرْشِكَ،
الَّذِينَ لا يَفْتُرُونَ مِنْ تَسْبِيحِكَ، وَلا يَسْـأَمُـونَ مِنْ
تَقْـدِيْسِـكَ، وَلا يَسْتَحسِرُونَ مِنْ عِبَادَتِكَ، وَلاَ يُؤْثِرُونَ
التَّقْصِيرَ عَلَى الْجِدِّ فِي أَمْرِكَ، وَلا يَغْفُلُونَ عَنِ الْوَلَهِ
إلَيْكَ. وَإسْرافِيْلُ صَاحِبُ الصُّوْرِ، الشَّاخِصُ، الَّذِي يَنْتَظِرُ مِنْكَ
الإذْنَ وَحُلُولَ الأمْرِ، فَيُنَبِّهُ بِالنَّفْخَةِ صَرْعى رَهَائِنِ
الْقُبُورِ. وَمِيكَآئِيلُ ذُو الْجَاهِ عِنْدَكَ، وَالْمَكَانِ الرَّفِيعِ مِنْ
طَاعَتِكَ. وَجِبْريلُ الأمِينُ
عَلَى وَحْيِكَ، الْمُطَاعُ فِي أَهْلِ
سَمَاوَاتِكَ، الْمَكِينُ لَدَيْكَ، الْمُقَرَّبُ عِنْدَكَ، وَالرُّوحُ الَّذِي
هُوَ عَلَى مَلائِكَةِ الْحُجُبِ، وَالرُّوحُ الَّذِي هُوَ مِنْ أَمْرِكَ.
أَللَّهُمَّ فَصَلِّ عليهم وَعَلَى الْمَلاَئِكَـةِ الَّـذِينَ مِنْ دُونِهِمْ مِنْ
سُكَّـانِ سَمَاوَاتِكَ وَأَهْلِ الأمَانَةِ عَلَى رِسَالاَتِكَ، وَالَّذِينَ لا
تَدْخُلُهُمْ سَأْمَةٌ مِنْ دُؤُوب ، وَلاَ إعْيَاءٌ مِنْ لُغُوب وَلاَ فُتُورٌ،
وَلاَ تَشْغَلُهُمْ عَنْ تَسْبِيحِكَ الشَّهَوَاتُ،
وَلا يَقْطَعُهُمْ عَنْ
تَعْظِيمِكَ سَهْوُ الْغَفَـلاَتِ، الْخُشَّعُ الأبْصارِ فلا يَرُومُونَ النَّظَرَ
إلَيْكَ ، النَّواكِسُ الأذْقانِ الَّذِينَ قَدْ طَالَتْ رَغْبَتُهُمْ فِيمَا
لَدَيْكَ، الْمُسْتَهْتِرُونَ بِذِكْرِ آلآئِكَ، وَالْمُتَوَاضِعُونَ دُونَ
عَظَمَتِكَ وَجَلاَلِ كِبْرِيآئِكَ، وَالَّذِينَ يَقُولُونَ إذَا نَظَرُوا إلَى
جَهَنَّمَ تَزْفِرُ عَلَى أَهْلِ مَعْصِيَتِكَ: سُبْحَانَكَ مَا عَبَدْنَاكَ حَقَّ
عِبَـادَتِكَ. فَصَـلِّ عَلَيْهِمْ وَعَلَى الـرَّوْحانِيِّينَ مِنْ مَلآئِكَتِكَ،
وَأهْلِ الزُّلْفَةِ عِنْدَكَ، وَحُمَّالِ الْغَيْبِ إلى رُسُلِكَ،
وَالْمُؤْتَمَنِينَ على وَحْيِكَ،
وَقَبائِلِ الْمَلآئِكَةِ الَّذِينَ
اخْتَصَصْتَهُمْ لِنَفْسِكَ، وَأَغْنَيْتَهُمْ عَنِ الطَّعَامِ والشَّرَابِ
بِتَقْدِيْسِكَ، وَأسْكَنْتَهُمْ بُطُونَ أطْبَـاقِ سَمَاوَاتِكَ، وَالّذينَ عَلَى
أرْجَآئِهَا إذَا نَزَلَ الأمْرُ بِتَمَامِ وَعْدِكَ، وَخزّانِ الْمَطَرِ
وَزَوَاجِرِ السَّحَابِ، وَالّذِي بِصَوْتِ زَجْرِهِ يُسْمَعُ زَجَلُ الرُّعُوْدِ،
وَإذَا سَبَحَتْ بِهِ حَفِيفَةُ السّحَـابِ الْتَمَعَتْ صَوَاعِقُ الْبُرُوقِ،
وَمُشَيِّعِيْ الْثَلْجِ وَالْبَرَدِ،
وَالْهَابِطِينَ مَعَ قَطْرِ الْمَطَر إَذَا
نَزَلَ، وَالْقُوَّامِ عَلَى خَزَائِنِ الرّيَاحِ، وَالمُوَكَّلِينَ بِالجِبَالِ
فَلا تَزُولُ، وَالَّذِينَ عَرَّفْتَهُمْ مَثَاقِيلَ الْمِياهِ، وَكَيْلَ مَا
تَحْوِيهِ لَوَاعِجُ الأمْطَارِ وَعَوَالِجُهَا، وَرُسُلِكَ مِنَ الْمَلائِكَةِ
إلَى أهْلِ الأرْضِ بِمَكْرُوهِ مَا يَنْزِلُ مِنَ الْبَلاءِ، وَمَحْبُوبِ
الرَّخَآءِ، والسَّفَرَةِ الْكِرَامِ البَرَرَةِ، وَالْحَفَظَةِ الْكِرَامِ
الْكَاتِبِينَ، وَمَلَكِ الْمَوْتِ وَأعْوَانِهِ، وَمُنْكَر وَنَكِير، وَرُومَانَ
فَتَّانِ الْقُبُورِ، وَالطَّائِفِينَ بِالبَيْتِ الْمَعْمُورِ، وَمَالِك،
وَالْخَزَنَةِ، وَرُضْوَانَ، وَسَدَنَةِ الْجِنَانِ
وَالَّذِيْنَ
وَالَّذِينَ يَقُولُونَ: والزّبانيةُ
الذّينَ إذَا قِيْـلَ لَهُمْ: ابْتَدَرُوهُ
سِرَاعاً وَلَمْ يُنْظِرُوهُ. وَمَنْ أوْهَمْنَا ذِكْرَهُ، وَلَمْ نَعْلَمْ
مَكَانَهُ مِنْكَ، وَبأيِّ أمْر وَكَّلْتَهُ. وَسُكّانُ الْهَوَآءِ وَالأرْضِ
وَالمآءِ، وَمَنْ مِنْهُمْ عَلَى الْخَلْقِ، فَصَلِّ عَلَيْهِمْ يَوْمَ تَأْتي
، وَصَلِّ عَلَيْهِمْ صَلاَةًتَزِيدُهُمْ
كَرَامَةً عَلى كَرَامَتِهِمْ، وَطَهَارَةً عَلَى طَهَارَتِهِمْ . أللّهُمَّ وَإذَا
صَلَّيْتَ عَلَى مَلاَئِكَتِكَ وَرُسُلِكَ، وَبَلَّغْتَهُمْ صَلاَتَنَا عَلَيْهِمْ،
فَصَلِّ عَلَيْهِمْ بِمَا فَتَحْتَ لَنَا مِنْ حُسْنِ الْقَوْلِ فِيْهِمْ، إنَّكَ
جَوَاْدٌ كَرِيمٌ .
الدعاء
الرابع
و كان من دعائه (عليه
السلام) في الصلاة على أتباع
الرّسُلِ و مصدّقيهم
اَللَّهُمَّ وَأَتْبَاعُ الرُّسُلِ
وَمُصَدِّقُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الأرْضِ بِالْغَيْبِ عِنْدَ مُعَارَضَةِ
الْمُعَـانِدينَ لَهُمْ بِالتَّكْذِيبِ وَالاشْتِيَاقِ إلَى الْمُرْسَلِينَ
بِحَقائِقِ الإيْمَانِ. فِي كُلِّ دَهْر وَزَمَان أَرْسَلْتَ فِيْهِ رَسُولاً،
وَأَقَمْتَ لأهْلِهِ دَلِيلاً، مِنْ لَدُنْ آدَمَ إلَى مُحَمَّد صَلَّى الله
عَلَيْهِ وَآلِـهِ مِنْ أَئِمَّةِ الْهُـدَى، وَقَادَةِ أَهْـلِ التُّقَى عَلَى
جَمِيعِهِمُ السَّلاَمُ، فَاذْكُرْهُمْ مِنْكَ بِمَغْفِرَة وَرِضْوَان. اَللَّهُمَّ
وَأَصْحَابُ
مُحَمَّد خَاصَّةً الَّـذِينَ أَحْسَنُوا
الصَّحَابَةَ، وَالَّذِينَ أَبْلَوْا الْبَلاَءَ الْحَسَنَ فِي نَصْرِهِ،
وَكَانَفُوهُ وَأَسْرَعُوا إلَى وِفَادَتِهِ، وَسَابَقُوا إلَى دَعْوَتِهِ،
واسْتَجَابُوا لَهُ حَيْثُ أَسْمَعَهُمْ حجَّةَ رِسَالاَتِهِ، وَفَارَقُوا
الأزْوَاجَ وَالأوْلادَ فِي إظْهَارِ كَلِمَتِهِ، وَقَاتَلُوا الآباءَ وَالأبناءَ
فِي تَثْبِيتِ نبُوَّتِهِ، وَانْتَصَرُوا بهِ وَمَنْ كَانُوا مُنْطَوِينَ عَلَى
مَحبَّتِهِ يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ فِي مَوَدَّتِهِ، وَالّذينَ
هَجَرَتْهُمُ العَشَائِرُ إذْ تَعَلَّقُوا بِعُرْوَتِهِ، وَانْتَفَتْ مِنْهُمُ
الْقَرَاباتُ إذْ سَكَنُوا فِي ظِلِّ قَرَابَتِهِ، فَلاَ تَنْسَ لَهُمُ اللّهُمّ
مَا تَرَكُوا لَكَ وَفِيكَ، وَأَرْضِهِمْ مِنْ رِضْوَانِكَ وَبِمَا حَاشُوا
الْخَلْقَ عَلَيْكَ، وَكَانُوا مَعَ رَسُولِكَ دُعَاةً لَكَ إلَيْكَ، وَاشكُرْهُمْ
عَلَى هَجْرِهِمْ فِيْكَ دِيَارَ قَوْمِهِمْ، وَخُرُوجِهِمْ مِنْ سَعَةِ الْمَعَاشِ
إلَى ضِيْقِهِ، وَمَنْ كَثَّرْتَ فِي إعْزَازِ دِيْنِـكَ مِنْ مَظْلُومِهِمْ.
أللّهُمّ وَأوْصِلْ إلَى التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإحْسَان الَّذِينَ
يَقُولُونَ :
خَـيْـرَ
جَزَائِكَ، الَّذِينَ قَصَدُوا
سَمْتَهُمْ، وَتَحَرَّوْا وِجْهَتَهُمْ، وَمَضَوْا عَلى شاكِلَتِهِمْ، لَمْ
يَثْنِهِمْ رَيْبٌ فِي بَصِيْرَتِهِمْ، وَلَمْ يَخْتَلِجْهُمْ شَكٌّ فِي قَفْوِ
آثَارِهِمْ وَالاِئْتِمَامِ بِهِدَايَةِ مَنَارِهِمْ، مُكَانِفِينَ وَمُوَازِرِيْنَ
لَهُمْ، يَدِيْنُونَ بِدِيْنِهِمْ، وَيَهْتَدُونَ بِهَدْيِهِمْ، يَتَّفِقُونَ
عَلَيْهِمْ، وَلاَ يَتَّهِمُونَهُمْ فِيمَا أدَّوْا إلَيْهِمْ. ألَّلهُمَّ وَصَلِّ
عَلَى التّابِعِيْنَ مِنْ يَوْمِنَا هَذا إلى يَوْم الدِّينِ،
وَعَلَى
أزْوَاجِهِمْ، وَعَلَى ذُرِّيَّاتِهِمْ، وَعَلَى مَنْ أَطَاعَكَ مِنْهُمْ صَلاةً
تَعْصِمُهُمْ بِهَامِنْ مَعْصِيَتِكَ، وَتَفْسَحُ لَهُمْ فِي رِيَاضِ جَنَّتِكَ،
وَتَمْنَعُهُمْ بِهَا مِنْ كَيْدِ الشَيْطَانِ، وَتُعِينُهُمْ بِهَا عَلَى مَا
اسْتَعَانُوكَ عَلَيْهِ مِنْ بِرٍّ، وَتَقِيهِمْ طَوَارِقَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ
إلاّ طَارِقاً يَطْرُقُ بِخَيْر، وَتَبْعَثُهُمْ بِهَا عَلَى اعْتِقَادِ حُسْنِ
الرَّجَـاءِ لَكَ، وَالطَّمَعِ فِيمَا عِنْدَكَ، وَتَرْكِ النُّهَمَةِ فِيمَا
تَحْويهِ أيْدِي الْعِبَادِ لِتَرُدَّهُمْ إلَى الرَّغْبَةِ إلَيْكَ وَالرَّهْبَةِ
مِنْكَ، وَتُزَهِّدُهُمْ فِي سَعَةِ العَاجِلِ وَتُحَبِّبُ إلَيْهِمُ الْعَمَلَ
لِلآجِلِ، وَالاسْتِعْدَادَ