مشاکل الحجاج کما یرویها الرحالة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

مشاکل الحجاج کما یرویها الرحالة - نسخه متنی

سید علی قاضی عسکر

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید



وكان للمطّوفين أحياناً نفس الأسلوب الذي كان يستخدمه الحملداريّة مع الحجيج. فقد كانوا يُجبرون الحجّاج على دفع إتاوات ورشاوى، بعيداً عن أي مذهب أو دين.


كتب (نجم الملك منجّم باشي) حول ذلك فقال:


«جرت العادة على هذه الحال سنوات عديدة، حيث يقوم كلّ حاج بدفع ريالين إفرنجيّين (ويعادل ذلك اثني عشر ألف دينار) إلى السيد حسن المطوّف ليقسمها بعد ذلك على الخدام والسدنة. فهذا الرجل المتوحش والقليل الأدب يقتحم هو وجماعة من الخواجات والعسكر خيم الحجّاج في أنصاف الليالي لتحصيل تلك المبالغ. ويقوم أحياناً بالإغارة ليلا على الحجّاج وهم نيام لوحدهم أو مع عيالهم دون إذن وبلا وازع. ثم يبتزّون منهم المبالغ عنوة مستخدمين أخسّ الأساليب.»


وكتبت ابنة (فرهاد ميرزا) كذلك في يومياتها تقول:


«اليوم، بقي بعض الحجيج في المدينة (المنورة) عند خروجنا منها; لأنهم دخلوها بينما كنّا نروم الخروج منها، ومنهم من جاء عن طريق (ينبُع) ومنهم مناستطاع الفرار من (رابغ)، وقد أعطوا الحملدار مبلغ ألف ريال كإتاوة، فأخذها وهرب. وقطع بعض الرجال الطريق على الحجيج في (رابغ) وطالبوهم بدفع الإتاوة، ولما كان هؤلاء الحجيج المساكين قد أعطوا جميع أموالهم إلى الحملدار، فقد أُجبِروا على البقاء هناك، لكن بعضهم استطاع الفرار والخلاص من أيديهم. ويبدو أنّ الحجّاج الذين جاءوا عن طريق (ينبُع) قد قابلوا الشريف هناك. وقد أراد هؤلاء الأشرار من قبل تمرير هذه الحيل والألاعيب علينا يوم تحرّكنا من المدينة، وعندما لم يتمكنوا من ذلك معنا استغلوا هؤلاء الحجيج المساكين...»


3ـ حيل الحملدارية وألاعيبهم:


يُمارس جماعة من الحملدارية بعض الحيل والخدع مع الحجيج أثناء مسيرهم إلى الحج. ومن جملة تلك الحيل، ما أورده صاحب كتاب (تير أجل در صدمات راه جبل):


«أولا: لمّا كان أغلب الحجّاج يفضلون السفر بطريق البحر هذه الأيام، وإنّ معظم حجيج البحر يصلون إلى مكة قبل حجيج طريق الجبل; لهذا يُحاول الحملدارية الوصول قبل الحجّاج إلى مكة خلسةً قبل يوم أو يومين متجاوزين بذلك الإحرام، فيرتدون أفخر الملابس ويقومون باصطياد ضحاياهم بلسان ناعم ، خاصة القرويين والرعايا السّذج،


فيعطونهم الجِمال ليذهبوا بها إلى منىً وعرفات. وبعد رجوع الحاج من هناك يُصفّون حسابهم معه وينتهي كل شيء حسب الظاهر. لكنهم في طريق العودة يطالبون الحاج المذكور بأجرة ركوبه الجمل الذي أخذه إلى منى وعرفات، ولا ينفع حينئذ صراخ الحاج عندما يريد إفهامهم أنّه قد صفّى الحساب مع أولئك الرجال وبضمنه أجرة ركوب الجمل المذكور. فيضطر المسكين إلى دفع الأجرة وقدرها تومان واحد مقابل كلّ جمل.


ثانياً: وقد يتّفق بعض الحملدارية مع هذا النوع من الحجّاج ويتمّ صفقته معهم شفهياً ، ثم يقول الحملدار: الآن وقد تمّ كلّ شيء فليدفع كل واحد منكم (4) تومانات ليطمئنّ قلبي! وفي الوقت المناسب، خاصة عند خروج الحجيج ورجوعهم وانشغالهم بعدة أمور، يأتي إلى الحجيج وهم في عجلة من أمرهم مع شخص يؤيّده كذباً أنّه يطلبه فعلا ، قائلا لهم : إنّه اشترى من هذا الشخص بعيراً ويريد بعض المال منهم لأداء دَينه! فيقولون له: حسنٌ، اِعطه وسجّل ذلك على الحساب. فيقول مستعجلا كذلك: لا وقت لدي الآن.


تحاسبوا أنتم معه أو اعطوه ثلث المبلغ على الحساب! وعندئذ يعطونه أو يعطون المُرسَل من قِبل أمير الحاج مبلغ ليرة أو إمپريال واحد! وعند خروج الحجيج من المدينة واطمئنان الحملدار أن لا طريق للعودة أمام الحاج ، تبدأ محاسبته ويبدأ بالمماطلة والتّسويف، ويصرخ الحاج! فإذا احتكموا إلى الشرع، يُؤمر الحاج بدَفع مبلغ ما إلى الحملدار. وهكذا، يجني الأخير بعض المال بهذه الحيلة وهي على أنواع كثيرة، لكننا سنكتفي بهذا المقدار.


ثالثاً: قد يحصل على الأغلب أن يدفع الحاج الإتاوة ويأخذ وصلا بذلك، وعند المحاسبة ينكر الحملدار أنّه كان قد قبض من الحاج أيّ مبلغ، وأنّه (أي الحملدار) قام بإعطاء الوصل إلى الحاج الذي وعده بإعطائه الإتاوة فيما بعد. ثم يُقتاد المسكين إلى أمير الحاج فيخبره الأخير أنّ أي وصل لا يحمل ختمه يُعتبر باطلا ، وأنّ على الحجّاج أن لا يُعطوا أي مبلغ للحملدار دون علمه، ممّا يضطر الحاج المسكين إلى دفع تلك الإتاوة ثانية. فإذا كان الحاج ذا قوة وبأس، يقتادونه إلى الشرع، فيتمّ إرغامه على دفع المبلغ كلّه أو نصفه بعد القسم أو المصالحة!


رابعاً: يتعهّد الحملدارية في النجف أو مكة المكرمة في المقاولة التي تتمّ بينهم وبين الحجيج بالالتزام بأخذهم إلى المكان المقصود بمبلغ معيّن يتضمّن تحمّل الحملدارية كل المصاريف في الطريق ودون أيّ استثناء. وقد يُكتب ذلك بالتفصيل أيضاً، لكنّ الحملدارية لا يوفون بأيّ التزام يُذكر».


5 ـ المخاطر والسرقات:


يُعتبر قَطع الطريق أو السرقة من بين المشاكل الكبيرة الأخرى ، التي كان يواجهها حجّاج بيت الله الحرام.


يقول الشاعرالفارسي الكبير (سعدي) في كتابه المشهور (گلستان ـ البستان): «كنتُ في أطراف مكة لا أقوى على المشي من قلة النوم، ومع ذلك قلتُ للجمّال:


أتركني لحالي!» .





  • پاى مسكين پياده چند رود
    تا شود جسم فربهى لاغر
    لاغرى مرده باشد از سختى



  • كزتحمل ستوده شد بُختى
    لاغرى مرده باشد از سختى
    لاغرى مرده باشد از سختى



فأجاب: يا أخي! إنّ الإحرام أمامك واللّص وراءك. فإذا ركبتَ نجوت، وإذا تخلّفتَ هلكت!»


وأما (مولوي) فقد أنشد الأبيات التالية لنفس الغرض:





  • عزّت مقصد بود اى مُمْتَحَن
    عزّت كعبه بود آن ناحيه
    دزدى اعراب و طول باديه



  • پيچ پيچ راه و عقبه و راهزن
    دزدى اعراب و طول باديه
    دزدى اعراب و طول باديه



وأنشد (جُنيد الشيرازي) البيتين التالين واصفاً اللّصوص وقطّاع الطرق:





  • مباز عشق اگرت طاقت ستم نبود
    حريم كعبه مقصود بى حرامى نيست
    تو را كه خوف بود راه در حرم نبود



  • كه در طريق وفا جز بلا و غم نبود
    تو را كه خوف بود راه در حرم نبود
    تو را كه خوف بود راه در حرم نبود



ويصف (ميرزا علي الأصفهاني) اللصوص والإغارة على أموال الحجيج بقوله:


«بعد أن تحركنا من المدينة وسرنا مسافة قصيرة ، لاحظنا أنّ الحملدار قد انحرف في مسيره عن (مسجد الشجرة)، فبدأت الهواجس تنتابنا والأفكار تأخذنا في سبب عدم مرورنا بالمسجد المذكور. وقال مسؤولو القافلة : إنّه لا يمكننا المرور بمسجد الشجرة وإنّ علينا أن نُحرم بمحاذاته.


فنزلنا عن جِمالنا واغتسلنا وأدّينا تلبية الإحرام. فبينما كان جمع منّا مشغولا بالتلبية ، وكان جمع آخر قد انتهى من ذلك، تغمرنا حالة الخشوع والخضوع والتّوجه نحو البارئ عزّ وجل، تعالت أصوات الطلقات النارية خلف القافلة، واستعرت نيران الحرب والفتنة.


فأسرع الحجيج المساكين إلى ركوب جمالهم وهم حفاة وانطلقوا هاربين ، في حين ما انفك الغزاة يواصلون إطلاق النيران. وأما المسؤولون عن القافلة، فلكي يُبعدوا عن ساحتهم كلّ شبهة، راحوا يتحرّكون هنا وهناك متظاهرين بالدفاع والمقاومة. فيما تزايد إطلاق العيارات النارية من الجبال المحيطة. وكانت قافلة الحجيج بالطبع هي الهدف المقصود. فجفلت على أثر ذلك بعض الجمال وتفرّقتمرتبكةً هنا وهناك، وسقطت الكثير من الهوادج من على ظهورها. فاستغلّالجمّالون الخبثاء هذا الوضع وبدأوا بنهب أموال الحجيج. بل وكانوا يُسقطون الأحمال والحجّاج المساكين من على ظهور الجمال. وما فتئت أعداد اللصوص تكثر وتزداد، وبدأت الطلقات النارية تتجه نحو القافلة من ثلاث جهات. وهكذا تجسّمت أمامنا أبشع الأعمال. فالجمال بدأت بالهروب واحدة تلو الأخرى، والأمتعة والهوادج طريحة الأرض، وظلّ المعتمرون المحرمون يتراكضون على صخور الصحراء وأحجارها، ويدوسون الأشواك حفاة، حيارى لا يعلمون شيئاً عن مصيرهم.


وأما النساء المجلّلات، فقمن بالهروب حفاةً على غير هدًى كذلك، وهنّ لابسات لباس الإحرام، ينشدن الخلاص والنجاة. لكن الغزاة الطغاة لم يكونوا ليعطوا أحداً فرصة الهروب أو الفرار. الحقّ أنّ ذلك المنظر كان يمثل مشهداً من مشاهد يوم القيامة! فالطلقات النارية تمرّ بالقرب من آذان المسلمين ، الذين تعالت صيحاتهم وأصواتهم وملأت أركان الصحراء قائلين: وا محمّدا! كان مثلهم كمثل قطيع الغنم الذي تلاقفته الذئاب. وسقطت جموع الأطفال الأبرياء والمرضى المساكين والنساء الخائفات تحت أقدام الجمال ، وظلّوا هدفاً للطلقات النارية وهم محاصرون بين الجبال وحجارة الصحراء. كان ذلك تقدير العزيز القهار! وظلّت الحالة هكذا مدة ثلاث ساعات تقريباً، وتمّ للصوص ما أرادوا من تخويف الحجيج برصاصاتهم، ومال مقدّم القافلة نحو واد قريب على الجهة اليمنى من القافلة. فاشتدّ الأمر هناك، وسقط الكثير من الهوادج على الأرض ، فكان حالها بشكل لا يمكن للقلم أن يوصفه. الحقّ أنّ ذلك المنظر كان يعبّر عن مصداق الآية القائلة { يَوْمَ يَفِرّالمَرْءُ مِنْ أخِيِهِ(35). إضافةً إلى كل ما لاقاه الحجيج من الخوف والرهبة والتعب والهروب حفاةً على صخور الصحراء وحصاها، فقد أخذ الظمأ منهم كلّ ما ادخروه من طاقة، ويبست أفواههم حتى من اللّعاب. وسمعتُ السيد المسكين يقول: لم أعد أرى شيئاً، واظلمت السماء والأرض أمامي.


گر نويسم شرح آن بى حد شود مثنوى هفتاد من كاغذ شود


وعلى كلّ حال ، فقد وصل الجمّالون الزنادقة إلى ما أرادوا ولعبوا لعبتهم مع الحجّاج، فكانوا يُلقون الحاج من على ظهر دابّته ويسرقون متاعه. وأضحت تلك الأجساد الرقيقة الوديعة طُعماً لرصاص أولئك الظالمين الذين انشغلوا بالنهب والسّلب، وانهمك كلّ امرئ فيما يَعنيه، فلا يُعلم منهم الحي ولا الميّت. وأخيراً، نزلنا من ذلك الوادي وإذا بمحيا المدينة الطيبة يتجلّى من بعيد، ولاحت السكك الحديدية، وعلم عساكر القطار بالأمر فهرعوا للنجدة ، واقتتلوا مع أعداء الدين وتمكنوا من طردهم والحيلولة بينهم وبين ملاحقة قافلة الحجيج الذين تطلّعوا إلى المدينة، بين مسلوب ومنهوب ومجروح وجائع وظمآن وحاف وعريان، في حال يُرثى لها. ونزلوا بظهر المدينة، بينما ظلّ كثيرون منهم في ذلك الوادي المهول، يتخطّفهم الموت من كلّ جانب، لا يقوى واحد منهم على السير. وكانت حصيلة الحادثة أن سقط الكثيرون برصاص الأعداء، وجُرِح عدد آخر، ونُهبت اللّيرات والأمتعة والصكوك والذهب والحليّ والسجّاد، وأشياء أخرى لا يمكن للقلم أن يحصيها جميعاً...»


وقد أشارت ابنة (فرهاد ميرزا) أيضاً إلى بعض الجرائم التي ارتكبها أولئك اللصوص الجفاة وقُطّاع الطرق الأجلاف، وتصرّفهم اللاّإنساني مع الحجيج، فقالت:


«تخلّف عنا يوم الأحد حاج من جرجان ، وكان لزوجته كذلك هودج في قافلتنا ، فلما وصلنا منزلا في الليل، علمنا بأنه ظلّ في الصحراء. فبعث المسؤولونعن القافلة رجلا للبحث عنه، فعاد به صباح يوم الثلاثاء. ثم تبيّن بعد ذلك أنّ فارسين من الأعراب وآخر كان راجلا قد سألوه عن سبب تخلّفه عن القافلة. فأجابهم هذا المسكين التعيس أنّ السبب في ذلك هو بعيره الذي توقّف ولم يعاود السير! فقالوا له: إذا أعطيتنا نقوداً فسوف نحمل لك أمتعتك. على كلّ حال حمل أولئك الرجال أمتعة هذا الحاج على جمالهم وبدأوا بالسير ببطء حتى اختفوا عن أنظار ذلك المسكين. فاضطر الرجل إلى السير مشياً وكانت معه ستون توماناً، أخذوها منه وقسّموها عليهم أمامه ، وفكّروا في النهاية التّخلّص منه بقتله، فندب المسكين حاله وتمسكن أمامهم، فانصرفوا عن قتله، واستعاضوا عن ذلك بضربه حتى كاد يهلك ، ثم خلعوا عنه ملابسه الداخلية واخلوا سبيله قائلين له: اِذهب في هذا الاتجاه إلى أي مكان تريد! فقضى الحاج المسكين تلك الليلة في عرض الصحراء يبكي ويصيح حتى اليوم التالي; فعثر عليه الرجال الذين ذهبوا للبحث عنه ، فأركبوه بعد أن كان على شفير الهاوية.»


وتضيف ابنة (فرهاد ميرزا) في مكان آخر من يومياتها قائلة:


«تحرّكنا يوم الخميس، لخمس ساعات بقين على الغروب، من (بئر خلع). وقبل وصولنا المنزل في الليل، تعالت الأصوات من الجهات الأربع قائلة: لصوص... لصوص!. ثم تبيّن أنّ اللصوص قد سرقوا هِميان ابن الحاج عبد الهادي الإسترابادي الذي يُتاجر في بغداد، مع رزمة ثيابه من تحته. فكانوا يرمون بالحجارة على المشاعل لإطفائها; ليتمكنوا من التّحرك خلال صفوف الحجيج ويقوموا بهذه الحركات، كما قيل عن (حسين كُرد) في الكتب من أنه...»


ثم تُضيف:


«وما إن وصلنا منزل (ربّ الحسان) وأراد الحجّاج المساكين أخذ قسط من الراحة حتى ارتفعت الأصوات تصيح: لصوص... لصوص! فعلمنا بعد حين أنّ متاع (حسن خان نامي) من أهالي شيراز، قد سُرِق. لكن (حسن) هذا أبدى شجاعة وجرأة، حيث طارد اللّص، والليل قد بلغ منتصفه، لكن اللّص استطاع أن يضربه على رأسه ، فرجع المسكين برأس مشدوخ. وقد كان متاع (حسن خان نامي) يحتوي على شيء من الرّز والدقيق وملابسه بالطّبع. وهكذا فلم يبقَ له إلا رأسه المكسور...!»


وقد أورد (ميرزا داود) وزير الوظائف آنذاك وقائع فظيعة في يومياته تُشير بوضوح إلى أنّ القتل والنّهب والإغارة على أموال الناس كان أمراً عادياً. يقول ميرزا داود:


«ومن الحوادث المروعة التي حصلت في الطريق في ذلك الوقت، هي أنّه كان يوجد شاب (وهو ابن أخي مقوّم باشي)، وكان يتمتع بشخصية متميزة بين الحملدارية. وقد اعتاد هذا الشاب الوسيم على ركوب الفرس. وكان يوجد في (بئر جديد) مكتب للتلغراف وبئر كبيرة وخمس خيام يسكنها الأعراب. وتقع (بئر جديد) على بعد منزلين من (هدية). وصلنا هناك بعد غروب الشمس بساعة ، وكان الشابّ المذكور قد وصل قبلنا إلى هناك بوقت قصير، وذلك لشراء العلف من أولئك الأعراب ، فحدث جِدال بينه وبين البائع حول سعر العلف ، فضرب الشابُ الأعرابيَ على رأسه بعود خيزران كان في يده، فبادر الأعرابي بضرب الشاب بطلق ناريّ من بندقية اعتاد أولئك الأعراب حملها معهم ، وأصاب ظهر الشابفسقط مقتولا في الحال. ثم سارع الأعرابي إلى جبل لا يبعد عن المكان سوى مئة قدم وجلس هناك يراقب قافلة الحجيج، بينما انشغل أهله وأمّه بالبيع والشراء،وكأن شيئاً لم يحصل. وخلال هذه المدة تمّ غسل جثة الشاب ودفنها، وغاب الأعرابي عن الأنظار!


فعمد (عبد الرحمن پاشا) إلى القبض على رجلين من الأعراب وزجّهما في السجن ساعات قليلة. وقيل : إنّه قد أُصدِرَ أمرٌ بالقبض على القاتل وإرساله إلى الشام بعد عشرين يوماً ، لكن لا أحد يعلم متى سيتمّ تسليم المطلوب! لقد قُتِل الشابّ المسكين دون أيّ مبرّر. وبالرغم من محاولات (السلطان) لإشاعة الأمن والاستقرار، إلاّ أنّ حالة الفوضى واللاّأمن ما زالت تسود الوضع هناك. ويعمد الأعراب اللصوص إلى مطاردة القوافل حتى (مَعان) للتربّص بمن يتخلّف عن القافلة، أو القيام بسرقة متاع شخص ما في ظلمة الليل. فما فُقِد لن يُستردّ أبداً!»


وكتب المرحوم السيد محسن الأمين حول سرقة أموال الحجيج وأمتعتهم، والإغارة عليهم، فقال:


«... عند الخروج من جدّة يقوم المسؤولون هناك بأخذ قرشين عن كلّ مركب. ولما كان الحجّاج يصطفون خارج المركب بانتظار أمتعتهم، تتمّ في هذه الأثناء سرقة الكثير من أمتعة الحجيج وأغراضهم. وأغلب اللصوص هم من الشرطة وقوات الأمن المكلّفة بإشاعة الأمن! وقد سرقوا مني شخصياً كوزاً من النحاس.»


وكتب في مكان آخر من يومياته عن بعض الحوادث التي تحصل في الطريق بين (جدّة) و(مكّة) فقال:


«... كانت الطريق محفوفة بالمخاطر، وكانت قوات الأمن منتشرة في البراري وعلى رؤوس الجبال من جدّة حتى مكّة ، ويقوم هؤلاء بالنّفخ في أبواقهم ويردّ عليهم جماعتهم بعد سماعهم الصوت. والحقّ أنّ قوات الأمن لم تقصّر في الحيلولة دون الإغارة على أموال الحجيج أو سرقة أمتعتهم...»


ثم يُضيف:


«... تحرّكنا من (بحرة) في الصباح فوصلنا مكّة عصراً ، ولا أحد يعلم كم مرة أغار اللصوص على القوافل ، فقد كانت معظم حالات القتل والنّهب تحصل في هذا الطريق...»


وذكر السيد محسن الأمين في مكان آخر من يومياته ما يلي:


«تحرّكنا من (عسفان) فجراً متّجهين نحو (خُليص)،... فأغار بعض سكّان البادية على شخصين من أهالي (معرّة النعمان)، فسرقوا مال أحدهم واصطحبوا الآخر معهم... وعلى حدّ قول صاحب الدار التي استأجرناها منه في المدينة، فإنّ هؤلاء القوم قد اعتادوا على الإغارة على أموال الحجيج في موسم الحجّ، ثم يشرعون بعد موسم الحجّ بالإغارة على بعضهم البعض والاقتتال فيما بينهم، فهم لا يعرفون مهنة غير هذه.»


وقد طالت اللصوصية والإغارة المدن كذلك، ولم يكن الحجيج بمأمن عن كلّ تلك الأعمال.


يقول المرحوم الأمين بهذا الصدد:


«... لم نَسعد في المدينة بزيارة مسجد (قبا) رغم أنّ المسافة بيننا وبينه لم تكن بأطول من تلك التي بيننا وبين (جبل) أحد. وكذلك الحال بالنسبة إلى مسجد (فضيخ) ومشربة (أمّ إبراهيم)، فلم نتمكن من زيارتهما بسبب الخوف الشديد الذي كان ينتابنا...»


وقال في مكان آخر من يومياته:


«مكثنا في مدائن صالح حوالى يومين... وتمتعنا برؤية البيوت التي كان الأقدمون قد نحتوها في صخور الجبال هناك، حيث ما زالت باقية على هيئتها، جميلة وشامخة، ويمكن للمارّة مشاهدة تلك المناظر قبل وصولهم إلى تلك القلعة. وبعد وصولنا إلى مقرّ إقامتنا هناك رُمنا الذهاب إلى تلك الأماكن ومشاهدتها ، لكن عدم وجود الأمن والاستقرار حال بيننا وبين ما كنا نرغب...»


6ـ مشكلة الحجر الصحي الذي يواجهه الحجيج:


توجد في المدن الواقعة على الطريق ، وكذلك في بداية الدخول إلى (جدّة) أماكن وُضِعت خصيصاً لحجر الحجّاج صحيّاً. حيث يُنزل الحجيج من المراكب وتبدأ عملية تعقيم ملابسهم وأمتعتهم، وإجراء الكشوفات الصحية عليهم بعد ذلك ، فإذا اكتشفوا عند أحدهم علامة لمرض ما، يقومون بحجره صحيّاً ولعدة أيام. وبالرغم من أهمية هذا العمل وضرورته، فقد كانت تلك مشكلة حقيقية يواجهها الحجيج هناك، وذلك بسبب سوء معاملة المسؤولين عن الشؤون الصحية للحجيج والعقبات التي يضعونها أمامهم. إضافة إلى التأخير الزائد عن حدّه في الحجر الصحي، إلى درجة يحاول معها بعض الحجّاج الهروب من المسؤولين والنجاة بأنفسهم.


وحول هذا الموضوع كتب (الجزائري) في يومياته ما يلي:


«كانت إحدى المشاكل التي تصادف الحاج الإيراني وغير الإيراني فيما يتعلق بمسألة الحجر الصحي، هي إيقافهم عراة في طابور أمام الطبيب واضعين ملابسهموأمتعتهم في صندوق كبير، ثم يضعون ذلك الصندوق في جهاز للبخار حتى يتم تَعقيم الملابس التي فيه تماماً ، ثم يحجرون على الحجيج هناك عدة أيام، قد تصل أحياناً إلى عشرة أيام أو اثني عشر يوماً ، ثم يسمحون لهم بالعودة بعد ذلك إلى البواخر من جديد.»


وعند عودة القوافل من الحجّ، يتعرّض الحجيج في بعض المناطق أحياناً إلى التأخير بسبب إجراء الحجر الصحي عليهم من جديد. وقد كتب (اعتماد السلطنة) في تقرير له عن حجّه في عام 1363هـ حيث قال:


«يوضع كلّ من يأتي عن طريق الحجاز والشام في حجر صحيّ مدة اثني عشر يوماً، سواء عليه أكان ينتمي إلى طبقة اجتماعية راقية أم متدنية. وقد عُيّن ناظرٌ لهذا الغرض; يقوم بأخذ مبلغ قدره اثنان وعشرون قرشاً ونصف القرش (أو ما يُعادل أربعة آلاف وأربعمائة دينار إيراني) عن كلّ مسافر يُطلَق سراحه من الحجر الصحيّ.»


7ـ المعاملة السيئة التي يتلقاها الحجيج عند وصولهم جدة:


لا شكّ في أنّ أهمّ المسائل التي يجب مراعاتها في تاريخ السياحة والسفر هي معاملة المسؤولين للسيّاح أثناء وصولهم إلى البلد المقصود. ولا ريب كذلك في أنّ المعاملة السيئة التي يتّبعها بعض المسؤولين في ذلك البلد، واستخدامهم العنف والقسوة في التعامل مع السّياح ستترك آثارها السلبية عليهم، فيعودوا إلى أوطانهممحمّلين بذكريات لا تسرّ ، وقد يعمدون إلى كتابة كلّ ذلك في مؤلَّف ويضعونه في متناول أيدي الأجيال القادمة من بعدهم.


كتب العلاّمة السيد محسن الأمين السطور التالية عن رحلته إلى الحجّ وتشرّفه بأداء مراسمه، حيث قال:


«كانوا يتعاملون مع الناس في جدّة وكأنّهم قطيع من الغنم. وقال بعض الحجيج الذين وصلوا بعدنا عصراً : إنّ بعض حاجياتهم قد سُرقت، فكان بعضهم يبكي ويولول; لأنّ نقوده كانت ضمن الحاجات التي سُرِقت منه...!»


ثم يُتابع السيد ويشرح كيفية وصوله هو شخصيّاً إلى (جدّة) حيث يقول:


«... عندما وصلنا جدّة، ركبنا في قوارب أخذتنا إلى جزيرة في البحر تبعد عن جدّة حوالى ساعة. وقد قيل لنا : إنّ الهدف من ذلك هو إجراء التعقيمات علينا وعلى أمتعتنا وفُرشنا، والقضاء على الميكروبات... كان البحر هائجاً والشمس محرقة، وكانت أمواجه العالية تتلاقفنا وتقذف بنا هنا وهناك ، فوصلنا بعد عناء إلى الجزيرة المذكورة ، وقد رست عندها مجموعة كبيرة أخرى من البواخر; كلّها مليئة بالحجّاج، وقد أصبحوا أقواماً سُفعاً من النار ، ومع ذلك فلم يُسمَح لأي أحد منهم بالدخول إلى الجزيرة. وهناك أخذوا من الحجّاج كلّ فرشهم ومناديلهم وبياضاتهم ووضعوها في جهاز للبخار ليتمّ تخليصها من الميكروبات العالقة بها. ثم سمحوا للمسافرين بالدخول إلى الجزيرة من باب خاصّ، ووضعوهم في مكان معيّن ، بعد ذلك أمروهم بالخروج من باب أخرى. لقد كانوا يتعاملون مع الناس مثل تعاملهم مع قطيع من الغنم. وكانت تلك الجزيرة جرداء لا زرع فيها ولا ماء، وقد أهلك العطشُ الكثيرين...»


ووصف (ميرزا داود) وزير الوظائف آنذاك طريقة وصوله إلى جدة أيضاً حيث قال:


«وصلنا الجمارك في الساعة الواحدة بعد منتصف ليلة الأحد بعد عناء وتعب شديدين ، لقد كان المنظر هناك يشبه يوم المحشر إلى حدّ كبير ، فالزحام خانق في البواخر وفي الممرات الخاصة بالذهاب والإياب ، وقد قيل لنا : إنّ أحد الشيوخ من (بخارى) قد سقط تحت أقدام الجمع الحاشد وقضى نحبه! الحقّ أنه لم يكن هناك مكان في هذا العالم أسوأ من (جدّة)، حيث يؤخرون الناس مدة من الزمن في البواخر وخاصة الرعايا الإيرانيين، حيث يبعث سعادة (مفخم السلطنة)، أخي السفير الكبير (البرنس أرفع الدولة) مبعوثاً من قِبله، فيصعد المبعوث المذكور إلى ظهر السفينة وهي راسية ويقوم بعدِّ الحجّاج الإيرانيين; ليأخذوا خمسة قروش عن كلّ مسافر من صاحب الطرّاد . وأما الرعايا الروس والإنكليز وغيرهم فيؤخذ من كلّ واحد منهم قرشين اثنين فقط، وأمّا الإيرانيون فيأخذون منهم سبعة قروش ونصف القرش عن كلّ واحد ، ولا ينفع حينئذ صراخ صاحب الطراد وهو يقول: إنّ في الطّراد اثنين وخمسين مسافراً وحسب! فالمبعوث عن القنصل يلحّ قائلا: بل هم سبعة وخمسون مسافراً، وأنت معهم كذلك، فيكون المجموع ثمانية وخمسين!


ثم يُدخلون المسافرين بعد ذلك إلى مكان ضيّق يحيط بهم جدار وموانع خشبية وقضبان حديدية، ويسمونه بـ(القفص)، وهذا القفص هو مكان الحجر الصحيّ. يأخذون من الرعايا الأجانب مبلغ قرشين ونصف القرش فقط، بينما يقبضون من الإيرانيين ما يعادل نصف مجيدي على حساب الحجر الصحيّ المذكور. ومن جهة أخرى يقوم حضرة القنصل الإيراني بتقاضي خمسة قروش من كلّ حاج إيراني مسكين، مُسلِّماً إيّاه ورقة صغيرة كإيصال للمبلغ ، وعند الباب يقوم شخصان بأخذ هذه الورقة من صاحبها ثم يُخرجونه من ذلك القفص ليُدخلوه قفصاً آخر لا يقلّ عن الأول. فالزحام هو هو، والحجيج المساكين عراة في ذلك الجوّ القارس. فيقوم أحدهم بأخذ البطاقة ومبلغ قرشين عن كلّ واحد كذلك ويسلمّه ورقة صغيرة; يأخذونها منه عند الباب. وعند ذلك فقط يُسمَح للحاجبالخروج من الحجر الصحيّ! وبعد هذا، يستلمه الحمّال ثم يذهب به إلى مقرّ إقامته. ويطالب الحمّالُ الحاجَ هناك بمبلغ تومانين اثنين مقابل حمله الأمتعة. وقلنا للحمّال مرّة: إنّ هذا كثير! فأجاب بالعربية: مكتوب على...! ثم يتبيّن أنّ هذا الحمّال يقسّم المبلغ المذكور ويعطي نصفه إلى السيّد القنصل! مسكين هو الحاج الإيرانيّ!»


8 ـ ابتزاز الحجيج:


/ 7