مقتطفات جلد 1

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

مقتطفات - جلد 1

عیدروس ابن رویش

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


والعثمانيّة


وهم الذين يغالون في تفضيل عثمان على من سواه من الصحابة، من فرط محبّتهم وتعصّبهم له، حتّى ذهب بهم الغلوّ إلى أن وضعوا في عثمان أحاديث مختلقة، كما اختلقت في الشيخين السّالفين، وقد صرّح بذلك ابن أبي الحديد في كتابه شرح نهج البلاغة، فاحتجّ بها أتباع كل فرقة منهم، واحتفظوا عليها لتشييد مذهب كلّ منهم مذهبه، وقد فصّلنا القول حول تلك الأحاديث الموضوعة، وما قاله فيها أهل الجرح والتعديل في مجلّدنا الأوّل من مقتطفاتنا.

وجاءت طائفة بعدهم، ورأوا أنّ الأفضليّة تترتّب بترتيب الخلافة، ولا عبرة لنا بهذا القول المحض، المجرّد عن الدّليل والبرهان، العاري عن المحجّة والبيان، لما ذكرنا قول من قال: إنّ الأمر لمن غلب.

ومنتهى القول في هذا الموضوع ما ينكشف لنا به وجه الحقّ جليّاً لا غبار عليه، أن نهتدي في ذلك بالرجوع إلى المرجع الأعظم، الذي فيه تبيان كلّ شيء، وفيه بيان للنّاس، لقوله تعالى:"فإذا تَنَازَعتُمْ في شَيء فَرُدّوهُ إلى اللّهِ والرسول" |النساء:59|.

وعلى كلّ تقدير، قد علمت الاُمّة واجتمعت على أنّ للّه خيرةً من خلقه، وأنّ خيرته منهم هم الأتقياء، لقوله تعالى "إنّ أكرمَكم عند اللّهِ أتْقَاكم" |الحجرات:13| وانّ خيرته من المتّقين هم المجاهدون في سبيله، لقوله تعالى: "فَضَّل اللّه المُجَاهِدينَ بأمْوالِهِم وأنْفُسِهِمْ عَلى القاعِدِينَ دَرَجَة" |النساء: 95| وانّ خيرته من المجاهدين هم السّابقون إلى الجهاد، لقوله عزّ وجلّ: "لا يستوي منكم مَنْ أنْفَقَ من قَبْل الفَتْحِ وَقَاتَل" الآية |الحديد: 10|

وقد اجتمعت الاُمّة على أنّ السّابقين إلى الجهاد هم البدريّون، وانّ خيرة البدريّين علىّ لا غير، فعليّ إذن خيرة هذه الاُمّة بعد نبيّها بهذه النّصوص، وانـّه أشجعها، الذي لا يقاس به الشجعان المعروفون بالجهاد، كحمزة، وجعفر، وعبيدة بن الحارث، والزبير، وطلحة، وأبي دجانة، وسعد بن أبي وقّاص، والبرّاء ابن عازب، وسعد بن معاذ، ومحمّد بن مسلمة، وهيهات أن يكون من لم يوجد له في كتب المغازي أثر ولا ذكر أشجع منه.

وكيف يتسنّى لعالم منصف ان يقول إنّ أحداً أشجع من أبي السّبطين، المجاهد في سبيل اللّه، والكاشف الكروب عن وجه رسول اللّه، والمقدّم في سائر الغزوات إذا لم يحضر النبيّ؟ وإذا حضر فهو تاليه وصاحب الراية واللّواء معاً، وما كان تحت لواء أحد من الجماعة، ولا فرّ من زحف قطّ، كما قد فرّ الشيخان وثالثهما وغيرهم، وقد كانوا تحت لواء الجماعة.

قال ابن شهرآشوب في مناقبه |2: 66|: واستدلّ أصحابنا بقوله تعالى: "ليس البِرّ أَنْ تُوَلّوا وُجُوهَكم قِبَلَ المشْرقِ والمغْرب ولكنّ البرّ من آمنَ باللّهِ واليومِ الآخِر"الآية |البقرة: 177| أنّ المعنيّ بها أمير المؤمنين علي لأنـّه كان جامعاً لهذه الخصال، ولا قطع على كون غيره جامعاً لها. ولهذا قال الزجّاج والفرّاء: كأنـّها مخصوصة بالأنبياء والمرسلين.

وعن ابن عبّاس في قوله تعالى: "وَلَهُ أسلَمَ مَنْ في السّمَاواتِ وَالأرض" |آل عمران: 83| قال: أسلمت الملائكة في السماوات، والمؤمنون في الأرض، وأوّلهم عليّ إسلاماً، ومع المشركين قتالاً، وقاتل من بعده المقاتلين ومن أسلم كرهاً، انتهى.

قال اللّه سبحانه وتعالى للنبيّ "صلى الله عليه وآله" آمراً: "يا أيّهَا النبيّ جّاهِدِ الكُفّارَ وَالمُنَافِقِين" |التوبة: 73 والتحريم: 9| فقد جاهد النبيّ "صلى الله عليه وآله" الكفّار في حياته، وأمر عليّاً بقتال المنافقين، وذلك قوله "صلى الله عليه وآله"لعليّ: تقاتل النّاكثين والقاسطين والمارقين.

قال ابن شهرآشوب: وحكم المسمّين بأهل الرّدّة لا يخفى على منصف.

قال ابن عبّاس كما في تفسير عطاء الخراساني في قوله تعالى: "وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ، الذي أنْقَضَ ظَهْرَكَ" |الشرح: 2 ـ 3| أي: قوّى ظهرك بعلي بن أبي طالب.

وقال أبو معاوية الضرير، عن الأعمش، عن مجاهد في قوله تعالى: "هُوَ الذي أيّدَكَ بِنَصْرِهِ" |الأنفال: 62| أي: قوّاك بأمير المؤمنين علي، وجعفر، وحمزة، وعقيل. وقد روي مثل ذلك عن الكلبي عن أبي صالح، عن أبي هريرة.

وفي تفسير أبي بكر الشيرازي، قال ابن عبّاس في قوله تعالى: "وقل رَبِّ أَدخِلْني مُدْخَلَ صِدْق وَأخْرِجْني مُخْرَجَ صِدْق" يعني: مكّة "وَاجْعَلْ لي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَاناً نَصيراً" |الاسراء: 80| قال ابن عبّاس: لقد استجاب اللّه لنبيّه دعاءه، وأعطاه علي بن أبي طالب سلطاناً ينصره على أعدائه.

وفي فضائل الصحابة للعكبري، عن ابن عبّاس، قال: رأيت رسول اللّه "صلى الله عليه وآله"يوم فتح مكّة متعلّقاً بأستار الكعبة، وهو يقول: اللهمّ ابعث إليّ من بني عمّي من يعضدني. فهبط جبرئيل، فقال: يا محمّد أو ليس قد أيّدك بسيف من سيوف اللّه مجرّد على أعداء اللّه؟ يعني بذلك علي بن أبي طالب "عليه السلام".

وعن أبي المضا صبيح مولى الرّضا عن الرضا عن آبائه "عليهم السلام" في قوله تعالى: "لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالّذينَ آمَنُوا" |غافر: 51| منهم علي بن أبي طالب.

قال الناشي:

أيا ناصر المصطفى أحمد++

تعلّمت نصرته من أبيكا

وناصبت نصّابه عنوةً++

فلعنة ربّي على ناصبيكا

ولو آمنوا بنبيّ الهدى++

وباللّه ذي الطّول ما ناصبوكا

راجع مناقب ابن شهرآشوب |2: 65 ـ 67|.

سئل الباقر "عليه السلام"لأيّ علّة ترك أمير المؤمنين فدكاً لمّا ولي النّاس؟ فقال: للاقتداء برسول اللّه "صلى الله عليه وآله" لمّا فتح مكّة، وقد باع عقيل داره، فقيل لعقيل: ألا ترجع إلى دارك؟ فقال "صلى الله عليه وآله": فهل ترك عقيل لنا داراً؟ إنّا أهل بيت لا نسترجع شيئاً يؤخذ منّا ظلماً.

وقال ضرار لهشام بن الحكم: ألا دعا علي الناس عند وفاة النبي "صلى الله عليه وآله" إلى الإئتمام به إن كان وصيّاً؟ قال هشام: لم يكن واجباً عليه؛ لأنه قد دعاهم إلى موالاته والائتمام به النبي "صلى الله عليه وآله" يوم الغدير ويوم تبوك وغيرهما ولم يقبلوا منه. ولو كان ذلك جائزاً لجاز على آدم أن يدعو إبليس إلى السجود له، بعد إذ دعاه ربّه إلى ذلك. ثمّ إنـّه "عليه السلام"صبر كما صبر اُولو العزم من الرسل.

وسئل أبو حنيفة الطاقي بقوله: لم لم يطلب عليّ بحقّه بعد وفاة رسول اللّه إن كان له حقّ؟ فقال: خاف أن يقتله الجنّ، كما قتلوا سعد بن عبادة بسهم المغيرة ابن شعبة.

وقيل لعليّ بن ميثم: لم قعد عليّ عن قتالهم؟ فقال: كما قعد هارون عن قتال السّامريّ، وقد عبدوا العجل، قيل: فكان هارون ضعيفاً؟ قال ابن ميثم: كان "عليه السلام"كهارون حيث يقول: "يا ابْنَ اُمّ إنّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُوني" وكنوح إذ قال: "إنّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِر" وكلوط اذ قال: "لَوْ أنّ لي بِكُم قُوّةً أو آوِي إلى رُكن شَديد"وكموسى وهارون إذ قال موسى: "رَبِّ إنّي لا أملك إلاّ نفسي وأخي".

قال ابن شهرآشوب: وهذا المعنى قد أخذه ابن ميثم من قول امير المؤمنين لمّا اتّصل به الخبر أنـّه لم ينازع الأوّلين. قال "عليه السلام": لي بستّة من الأنبياء اُسوة:

أوّلهم خليل الرحمن، إذ قال:"وَأعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّه" |مريم: 48| ثمّ قال "عليه السلام": إن قلتم إنـّه اعتزلهم من غير مكروه فقد كفرتم، وإن قلتم إنـّه اعتزلهم لما رأى المكروه منهم فالوصيّ أعذر.

وبلوط إذ قال: "لَوْ أنّ لي بكم قوّةً أو آوي إلى رُكْن شَدِيد" |هود: 80| فإن قلتم: إنّ لوطاً كانت له بهم قوّة، فقد كفرتم. وإن قلتم: لم يكن له بهم قوة، فالوصيّ أعذر.

وبيوسف إذ قال: "ربّ السجنُ أحَبّ إليّ ممّا يدعونَني إليه" |يوسف:33| فإن قلتم: إنّه طالب بالسجن بغير مكروه يسخط اللّه فقد كفرتم، وإن قلتم:إنّه دعي إلى ما يسخط اللّه، فالوصيّ أعذر.

وبموسى إذ قال: "فَفَرَرْتُ منكم لما خِفْتُكُمْ" |الشعراء: 21| فان قلتم: إنّه فرّ من غير خوف فقد كفرتم. وإن قلتم: إنّه فرّ لسوء أرادوا به، فالوصيّ أعذر.

وبهارون إذ قال لاخيه: "يا ابنَ اُمَّ إنّ القومَ اسْتَضْعَفُونِي وكَادُوْا يَقْتُلُونَنِي" |الاعراف: 150| فإن قلتم: إنـّهم لم يستضعفوه ولم يشرفوا على قتله، فقد كفرتم. وإن قلتم: استضعفوه وأشرفوا على قتله، فلذلك سكت عنهم، فالوصيّ أعذر.

وبمحمّد إذ هرب الى الغار، وخلفني على فراشه، ووهبت مهجتي للّه. فإن قلتم: إنـّه هرب من غير خوف أخافوه، فقد كفرتم. وإن قلتم: أخافوه فلم يسعه إلاّ الهرب إلى الغار، فالوصيّ أعذر.

فقال الناس: صدقت يا أميرالمؤمنين.

قال العوني:

كم من نبيّ غدا مستضعفاً وله++

ربّ السّماوات بالأملاك يردفه

للّه في الأرض مكر ليس يأمنه++

الاّ كفور شقيّ الجدّ مقرفه

قال علي "عليه السلام"كما في نهج البلاغة |الخطبة: 26|: فنظرت فإذا ليس لي معين إلاّ أهل بيتي، فضننت بهم عن الموت، فأغضيت على القذى، وضربت على الشجى، وصبرت على أخذ الكظم، وعلى أمرّ من طعم العلقم.

وفي الخصال من آداب الملوك أنـّه "عليه السلام"قال: ولي في موسى اُسوة، وفي خليلي قدوة، وفي كتاب اللّه عبرة، وفيما أودعني رسول اللّه برهان، وفيما عرفت تبصرة، إنّ يكذّبوني فقد كذّبوا الحقّ من قبلي، وإن ابتلى به فتلك سربي المحجّة البيضاء، والسّبيل المفضية لمن لزمها من النّجاة، لم أزل عليها لا ناكلاً ولا مبدّلاً، لن أضيع بين كتاب اللّه وعهد ابن عمّي به.

ومن كلام له فيما رواه محمّد بن سلام: فنزل بي من وفاة رسول اللّه مالم تكن الجبال حملته، ورأيت من أهل بيته "صلى الله عليه وآله" بين جازع لا يملك جزعه، ولا يضبط نفسه، ولا يقوى على حمل ما نزل به، قد أذهب الجزع صبره، وأذهل عقله، وحال بينه وبين الفهم والإفهام، وبين القول والاستماع.

ثمّ قال بعد كلام: وحملت نفسي على الصّبر عند وفاته، ولزمت الصّمت والأخذ فيما أمرني من تجهيزه.

فبهذه العبارات النّابغة، والأساليب السّائغة، علمنا يقيناً بأنّ قعوده "عليه السلام"عن الجماعة، وسكوته عن القيام عليهم، ليس عن خوف يتغشّاه، أو عن رهبة نالته، ولكن محافظةً ورعايةً على سلامة بيضة الدين.

بل لو سلّمنا أنـّه قد دبّت في قلبه خيفة، فإنّه ليس بمعيّر ولا ينقص من فضله ذرّة. كيف؟ وقد قتل موسى واحداً على وجه الدّفع فأصبح في المدينة خائفاً يترقّب. وذلك قوله تعالى فيما حكى عنه: "فخَرَجَ منها خَائِفاً"وفي موضع قال: "فَفَرَرْتُ منكم لمّا خِفْتُكُمْ" وفي آخر قال: "رَبّي إنّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ" وقال: "إنّي أخافُ أن يقتُلُون" وقد قتل عليّ "عليه السلام"اُناساً، ووترهم بالنّهب وأفناهم بالحصيد واستأسرهم، فلم يدع قبيلةً من أعلاها إلى أدناها إلاّ وقد قتل صناديدهم.

قيل لأمير المؤمنين في جلوسه عنهم، فقال "عليه السلام": إنّي ذكرت قول النبيّ "صلى الله عليه وآله": إن القوم نقضوا أمرك، واستبدّوا بها دونك، وعصوني فيك، فعليك بالصّبر حتّى ينزل الامر، إنهم سيغدرون بك، وأنت تعيش على ملّتي، وتقتل على سُنّتي، فمن أحبّك أحبّني، ومن أبغضك أبغضني، وإنّ هذه ستخضب من هذه.

وسئل الصّادق: ما منع عليّاً أن يدفع أو يمتنع؟ فقال "عليه السلام": منع عليّاً من ذلك آية من كتاب اللّه تعالى، وذلك قوله تعالى: "لَوْ تَزَيّلُوا لَعَذّبْنا الّذينَ كَفَروا منهم عَذاباً أليماً" |الفتح: 25| ثمّ قال: إنّه كان للّه ودائع مؤمنين في أصلاب الكفّار والمنافقين، فلم يكن عليّ ليقتل حتّى تخرج الودائع، فإذا خرج ظهر على من ظهر وقتله.

وعن زرارة بن أعين، قلت لأبي عبداللّه "عليه السلام": ما منع أمير المؤمنين "عليه السلام" أن يدعو الناس الى نفسه ويجرّد في عدوّه سيفه؟ فقال "عليه السلام": لخوف أن يرتدّوا، فلا يشهدوا أنّ محمّداً رسول اللّه.

قال الناشي:

إنّ الذي قبل الوصيّة ما أتى++

غير الّذي يرضى الإله وما اغتدى

أصلحت حال الدّين بالأمر الذي++

أضحى لحالك في الرّئاسة مفسدا

وعلمت أنـّك إن أردت قتالهم++

ولّوا عن الإسلام خوفك شرّدا

فجمعت شملهم بترك خلافهم++

وإن اغتديت من الخلافة مبعدا

لتتمّ ديناً قد أمرت بحفظه++

وجمعت شملاً كاد أن يتبدّدا

وسأل صدقة بن مسلم عمرو بن قيس الماصر عن جلوس عليّ في الدّار، فقال الماصر: إنّ عليّاً في هذه الاُمّة كان فريضةً من فرائض اللّه، أدّاها نبيّ اللّه إلى قومه، مثل الصّلاة والزكاة والصوم والحجّ، وليس على الفرائض أن تدعوهم إلى شيء، إنّما عليهم أن يجيبوا الفرائض، وكان عليّ أعذر من هارون لمّا ذهب موسى الى الميقات، فقال لهارون: "اُخْلُفني في قومي ولا تَتَّبِعْ سَبيلَ المُفْسِدين" فجعله رقيباً عليهم، وانّ نبيّ اللّه "صلى الله عليه وآله". نصب عليّاً لهذه الاُمّة علماً ودعاهم اليه. فعليّ في غدرهم جلس في بيته، وهم في حرج حتّى يخرجوه، فوضعوه في الموضع الذي وضعه رسول اللّه "صلى الله عليه وآله".

قال العوني:

تقول لم لم يقاتلهم هناك على++

حقّ ليدفع عنه الضّيم مرهفه

أم كيف أمهل من لو سلّ صارمه++

في وجهه لرأيت الطّير يخطفه

فقلت تثّبّتت في العقل حكمته++

فلا اعتراض عليه حين ينصفه

لم عمّر اللّه إبليساً وسلّطه++

على ابن آدم في الآفات يقرفه

لم يمهل اللّه فرعوناً يقول لهم++

إنّي أنا اللّه محيي الخلق متلفه

في مجلس لو أراد اللّه كان به++

وبالأولي نصروه كان يخسفه

أملى لهم فتمادوا في غوايتهم++

إنّ الغويّ كذا الدّنيا تسوّفه

وهل خلا حجّة للّه ويحك من++

جبّار سوء على البأساء يعطفه

ومن كلامه وقد سئل عن أمرهما: فقال: وكنت كرجل له على النّاس حقّ، فإن عجّلوا ماله أخذه وحمدهم، وإن أخّروه أخذه غير محمودين، وكنت كرجل يأخذ بالسّهولة، وهو عند النّاس مخذول الهدى، بقلّة من يأخذه من الناس، فاذا سكتّ فاعفوني.

وقال "عليه السلام"لعبدالرحمن بن عوف يوم الشّورى: إنّ لنا حقّاً إن اُعطيناه أخذنا، وإن منعنا ركبنا أعجاز الإبل وإن طال بنا السّرى.

وسئل متكلّم: لم لم يقاتل عليّ الأوّلين على حقّه وقاتل الآخرين؟ فقال: لم لم يقاتل رسول اللّه في حال الغار ومدّة الشّعب وقاتل بعدهما؟.

وقال بعض النّواصب للطّاقي: كان عليّ يسلّم على الشّيخين بإمرة المؤمنين، أفصدق أم كذب؟ فقال الطاقي: أخبرني أنت عن الملكين اللذين دخلا على داود، فقال أحدهما: "إنّ هذا أخي له تسع وتسعون نعجةً ولي نعجة واحدة"، كذب أم صدق؟

وسأل سليمان بن حريز هشام بن الحكم بقوله: يا هشام أخبرني عن قول عليّ لأبي بكر: يا خليفة رسول اللّه، أصدق أم كذب؟ فقال هشام: وما الدّليل على أنـّه قاله؟ ثمّ قال: وان كان قاله، فهو كقول إبراهيم: "إنّي سَقِيم" وكقوله: "بَلْ فَعَلَهُ كَبيرُهُمْ" وكقول يوسف: "أيـّتُهَا العِيْرُ اِنّكُمْ لَسَارِقوُن".

قال أبو عبيدة المعتزلي لهشام بن الحكم: الدّليل على صحّة معتقدنا وبطلان معتقدكم، كثرتنا وقلّتكم، مع كثرة أولاد عليّ وادّعائهم. فقال هشام: لست إيّانا طعنت، أردت بهذا القول، انّما أردت الطّعن على نوح، حيث لبث في قومه ألف سنة إلاّ خمسين عاماً، يدعوهم الى النّجاة ليلاً ونهاراً، وما آمن معه إلاّ قليل.

وسأل هشام جماعة من المتكلّمين، فقال: أخبروني حين بعث اللّه محمّداً، بعثه بنعمة تامّة أو بنعمة ناقصة؟ قالوا: بنعمة تامّة، فقال هشام: فأيّما أتمّ أن يكون في أهل بيت واحد نبوّة وخلافة، أو يكون نبوّة بلا خلافة؟ قالوا: بل يكون نبوّة وخلافة. قال: فلماذا جعلتموها في غيرها؟ فإذا صارت في بني هاشم ضربتم وجوههم بالسّيف؟ فاُفحموا.

قال الصاحب:

من كالوصيّ عليّ عند سابقة++

والقوم ما بين تضليل وتسفيه

من كالوصيّ عليّ عند مشكلة++

وعنده البحر قد فاضت نواحيه

من كالوصيّ علي عند مخمصة++

قد جاد بالقوت ايثاراً لعافيه

يا يوم بدر تجشّم ذكر موقعه++

فاللوح يحفظه والوحي يمليه

وأنت يا اُحد قل هل في الورى أحد++

يطيق جحداً لما قد قلته فيه

براءة استرسلي في القوم وانبسطي++

فقد لبست جمالاً من تواليه

لقد أوعز الصّاحب رحمه اللّه بالبيت الأخير من شعره إلى أخذ عليّ سورة البراءة من أبي بكر، حتّى هاب أن ينزل فيه شيء. فسأل رسول اللّه "صلى الله عليه وآله" عن سبب ذلك، راجع المجلد الاول من مقتطفاتنا، فإنّ فيه ما يروي الغليل ويشفي العليل في هذا الموضوع.

راجع: مناقب ابن شهرآشوب |1: 270 ـ 276|.

مسابقته بالسّخاء والإنفاق في سبيل اللّه


قال اللّه تعالى: "لاَ يَسْتَوي مِنْكم مَنْ أنْفَقَ من قَبْلِ الفَتْحِ وقَاتَلَ اُولئِكَ أعْظَمُ دَرَجَةً من الَّذين أنْفَقُوا مِنْ بَعدُ وَقَاتَلُوا" |الحديد: 10|.

حوت هذه الآية الشّريفة معنىً جليلاً يفتهم منه ما يتميّز بين ثلّتين أنفقتا في سبيل اللّه عزّ وجلّ مع عدم استوائهما في الرّتبة، وأعظميّة إحداهما على الاُخرى في الدّرجة، مهما استويتا في نفس الأمر، وهو الإنفاق من قبل الفتح وبعده.

ثمّ إنّه كان الإنفاق من أعاظم الأعمال ثواباً ودرجةً وجزاءً في الآخرة، حيث لا يتصوّر ظهوره أو وجوده إلاّ من نفوس جبلت على السّخاء والجود، فكانت خيرة المولى عزّ وجلّ من بين الصّحابة المشهورين بالنّفقة، عليّاً، وأبا بكر، وعمر، وعثمان، وعبدالرحمن بن عوف، وطلحة.

ولكن لعليّ في ذلك فضل عليهم، بل وفضائل، لكونه "عليه السلام"أليقهم بتلك الخصلة الحميدة المذكورة في هذه الآية، لأنـّه هو الجامع بين الإنفاقين.

وثمّ وجه آخر من حيث أنّ كون الجود عند أرباب العلم جودان: نفسيّ، وماليّ. وذلك باعتبار ما أشار إليه المولى عزّ وجلّ بقوله آمراً: "جاهِدُوا بأموالِكم وأنفُسِكُمْ" |التوبة: 41| وقال "صلى الله عليه وآله" في خبر: أجود الناس من جاد بنفسه. وكان عليّ "عليه السلام"أجود الناس بنفسه ومهجته في سبيل اللّه، ونصرة أخيه رسول اللّه "صلى الله عليه وآله"كما دلّ على ذلك ما مضى من الأخبار والأشعار، ولا قائل بخلاف ذلك إلاّ مكابر طاغ، أو طائش باغ، أو جهول لاغ.

فكم من آية نزلت فيه معربةً عن عظيم الثّناء عليه.

منها: ما رواه ابن شهرآشوب في مناقبه |1: 345 ط النجف و 2: 71 ط ايران| نقلاً عن جماعة من أعلام المفسّرين وأساطينهم، كابن عبّاس، والسّدّي، ومجاهد، وأبي صالح، والواحدي، والطوسي، والثعلبي، والطبرسي، والماوردي، والقشيري، والثمالي، والنقّاش، والفتّال، وعبيداللّه بن الحسين، وعلي بن حرب الطائي: أنـّه كان عند علي بن أبي طالب أربعة دراهم من الفضّة، فتصدّق بواحد ليلاً، وبواحد نهاراً، وبواحد سرّاً، وبواحد جهراً، فنزل قوله تعالى: "الذين يُنْفِقون أموالَهُم بالليلِ والنهارِ سِراً وَعَلانِيَةً" الآية |البقرة: 274|.

وهل عظّم اللّه تلك الدّراهم الأربعة، حتّى سمّى كلّ واحد منها مالاً إلاّ لعظيم منزلة منفقيه عنده عزّ وجلّ جلاله؟

وفي تفسير النقّاش، وأسباب النّزول، قال الكلبي: فقال النبيّ "صلى الله عليه وآله" لعليّ: ما حملك على هذا؟ قال "عليه السلام": حملني أن أستوجب على اللّه الذي وعدني. فقال له رسول اللّه: ألا إنّ ذلك لك فأنزل اللّه هذه الآية.

ومنها: ما رواه الضحّاك عن ابن عبّاس في قوله تعالى: "ثمّ لا يُتْبِعُونَ ما أنفقوا مَنّاً وَلاَ أَذَى" |البقرة: 262| نزلت في عليّ.

وعنه أيضاً عن ابن عبّاس، قال: لمّا أنزل اللّه: "للفقراءِ الذين اُحْصِرُوا في سبيل اللّه" |البقرة: 273| بعث عبدالرحمن بن عوف بدنانير كثيرة إلى أصحاب الصّفّة حتّى أغناهم، وبعث علي بن أبي طالب في جوف الليل بوسق من تمر، فكان أحبّ الصّدقتين إلى اللّه صدقة عليّ، واُنزلت الآية، انتهى.

ولعلّ ذلك مصداق قوله "صلى الله عليه وآله" لمّا سئل: أيّ الصّدقة أفضل في سبيل اللّه؟ قال "صلى الله عليه وآله": جهد من مقلّ.

وفي تاريخ البلاذري، وفضائل الإمام أحمد أنـّه كانت غلّة علي أربعين ألف دينار، فجعلها صدقةً، وأنـّه باع سيفه، وقال: لو كان عندي عشاء ما بعته.

ومن الآيات اللاّتي نزلن فيه، آية لا يعمل بها أحد قبله من الاوّلين، ولا أحد بعده من الآخرين غيره، كأنـّها اختصّت به دون الاُمّة المحمّديّة، أو النّائب عنهم في إمضاء وقضاء بما احتوت فيها من أمر اللّه؛ لأنه تفرّد في العمل بها، وهي آية النّجوى.

عن شريك، والليث، والكلبي، وأبي صالح، والضحّاك، والزجّاج، ومقاتل، ومجاهد، وقتادة، وابن عبّاس: كانت الاغنياء يكثرون مناجاة الرّسول "صلى الله عليه وآله" فلمّا نزل قوله تعالى: "يا أيّها الذين آمنوا إذا ناجَيْتُمُ الرسول فَقَدّموا بَينَ يَدَيْ نجوَاكم صَدَقَة" |المجادلة: 12| انتهوا، فاستقرض عليّ "عليه السلام"ديناراً وتصدّق به، فناجى النبيّ "صلى الله عليه وآله"عشر نجوات، ثمّ نسختها الآية التي بعدها.

قال عليّ: كان لي دينار فبعته بعشر دراهم، فكنت كلّما أردت أن اُناجي رسول اللّه قدّمت درهماً، فنسختها الآية الاُخرى.

وروى الواحديّ في أسباب نزول القرآن وفي الوسيط، والثعلبيّ في تفسيره الكشف والبيان، ما رواه علي بن علقمة ومجاهد، أنّ عليّاً قال: إنّ في كتاب اللّه آية، ما عمل بها أحد قبلي، ولا يعمل بها أحد بعدي، ثمّ تلا قوله تعالى: "يا أيّها الذين آمنوا إذا ناجيتُمُ الرسولَ" الآية.

وروى الترمذيّ في جامعه، وأبو يعلى في مسنده، وأبو بكر بن مهدويه في أماليه، والخطيب في أربعينه، والسمعاني في فضائله، مسنداً الى جابر بن عبداللّه الانصاري قال: ناجى النبي "صلى الله عليه وآله" في يوم الطائف عليّاً فأطال نجواه، فقال أحد الرّجلين للآخر: لقد أطال نجواه مع ابن عمّه.

وفي رواية الترمذي |5: 597 ط دار الفكر|: فقال الناس: لقد أطال نجواه.

وفي رواية غيره: أنّ رجلاً قال: أتناجيه دوننا؟ فقال النبيّ "صلى الله عليه وآله" ما انتجيته ولكنّ اللّه انتجاه، ثمّ قال الترمذي: أي أمر ربيّ أن أنتجي معه.

وإلى ذلك أشار العبدي:

وكان بالطّائف انتجاه++

فقال أصحابه الحضور

أطلت نجواك مع عليّ++

فقال ما ليس فيه زور

ما أنا ناجيته ولكن++

ناجاه ذو العزّة الخبير

وقال الحميري:

وفي يوم ناجاه النبيّ محمّد++

يسرّ إليه ما يريد ويطلع

فقالوا أطال اليوم نجوى ابن عمّه++

مناجاته بغي وللبغي مصرع

فقال لهم لست الغداة انتجيته++

بل اللّه ناجاه فلم يتورّعوا

وفي جامع الترمذيّ أيضاً |5: 379 ط دار الفكر| ، وتفسير الثعلبيّ، عن الأشجعي، والثّوري، وسالم بن أبي حفصة، وعلي بن علقمة الأنماري، عن عليّ "عليه السلام"أنـّه قال في آية النّجوى: فبي خفّف اللّه ذلك عن هذه الاُمّة.

وفي مسند أبي يعلى الموصلي: فبه خفّف اللّه عن هذه الاُمّة.

وفي رواية أبي القاسم الكوفي: إنّ اللّه امتحن الصّحابة بهذه الآية، فتقاعسوا كلّهم عن مناجاة الرّسول، فكان الرسول احتجب في منزله عن مناجاة أحد، إلاّ من تصدّق بصدقة، فكان معي دينار.

وساق "عليه السلام"كلامه إلى أن قال: فكنت أنا سبب التّوبة من اللّه على المسلمين حين عملت بالآية فنسخت، ولو لم أعمل بها حين كان عملي بها سبباً للتّوبة عليهم، لنزل العذاب عند امتناع الكلّ عن العمل بها. انتهى.

فمن ذلك قال القاضي الطرثيثي: إنـّهم عصوا في ذلك إلاّ عليّاً، فنسخه عنهم، يدلّ عليه قوله تعالى: "فإذ لم تَفْعَلُوا وَتَابَ اللّهُ عَلَيْكُم" ولقد استحقّوا العذاب. لقوله تعالى: "أأشْفقْتُم" الآية.

ولذلك تمنّى عمر أن تكون احدى الثّلاثة التي كانت لعليّ له، وكانت الواحدة منهنّ أحبّ إليه من حمر النعم. كما رواه الثعلبي في تفسيره عن أبي هريرة، وابن عمر أنـّه قال، قال عمر بن الخطّاب: كان لعليّ ثلاث، لو كان لي واحدة منهنّ كانت أحبّ إليّ من حمر النعم: تزويجه فاطمة، وإعطاؤه الرّاية يوم خيبر، وآية النجوى.

أقول: وكفاه فضلاً من اللّه وفخراً، بما تضمّنته سورة هل أتى على الانسان، ما عجز عن شرح بيانه كلّ لسان، وكلّ عن تصوير معانيه كلّ بنان، بإنفاقه أرغفة ثلاثةً على ثلاث ضيفان، قوت ثلاث ليال، فنزّلت فيه ثلاثون آية، وكفانا علماً بعلوّ منزلته وعظيم جود الله تعالى له قوله: "عَيْناً يَشْرَب بِها عِبادُ اللّه" |الانسان: 6|.

وفي ذلك قال العيني:

من أطعم المسكين واليتيم والـ++

أسير للّه ثلاثاً وطوى

وقد تعدّدت الروايات في عظيم سخائه، كما جاء بها أهل السّنن والتّراجم، ما يحتاج في جمعها إلى مجلّد ضخم.

فمنها: ما حدّث أبو هريرة: أنـّه كان في المدينة مجاعة، ومرّ بي يوم وليلة لم أذق شيئاً، وسألت أبا بكر آيةً كنت أعرف بتأويلها منه، ومضيت معه إلى بابه، وودّعني وانصرفت جائعاً يومي، وأصبحت وسألت عمر آية كنت أعرف منه بها، فصنع كما صنع أبو بكر، فجئت في اليوم الثالث إلى عليّ، وسألته ما يعلمه فقط، فلمّا أردت أن أنصرف دعاني إلى بيته، فأطعمني رغيفين وسمناً، فلما شبعت انصرفت إلى رسول اللّه، فلمّا بصر بي ضحك في وجهي، وقال: أنت تحدّثني أم اُحدّثك؟ ثمّ قصّ عليّ ما جرى، وقال لي: جبريل عرّفني.

ورؤي أمير المؤمنين حزيناً، فقيل له: ممّ حزنك؟ قال: لسبع أتت لم يضف إلينا ضيف.

وفي تفسير أبي يوسف يعقوب بن سفيان، وعلي بن حرب الطائي، ومجاهد، بأسانيدهم، عن ابن عبّاس، وأبي هريرة، وروى جماعة عن عاصم بن كليب، عن أبيه، واللّفظ له: عن أبي هريرة أنـّه جاء رجل إلى رسول اللّه، فشكا إليه الجوع، فبعث رسول اللّه إلى أزواجه، فقلن: ما عندنا إلاّ الماء، فقال رسول اللّه "صلى الله عليه وآله": من لهذا الرجل الليلة؟ فقال عليّ: أنا يا رسول اللّه، وأتى فاطمة وسألها: ما عندك يا بنت رسول اللّه؟ فقالت: ما عندنا إلاّ قوت الصّبية، لكنّا نؤثر به ضيفنا.

فقال علي "عليه السلام": يا بنت محمّد نوّمي الصّبية، وأطفي المصباح، وجعلا يمضغان بألسنتهما، فلمّا فرغ من الأكل أتت فاطمة بسراج، فوجدت الجفنة مملوءة من فضل اللّه.

فلمّا أصبح صلّى عليّ مع النبيّ "صلى الله عليه وآله"، فلمّا سلّم من صلاته نظر إلى عليّ وبكى بكاءً شديداً، وقال "صلى الله عليه وآله": يا أمير المؤمنين لقد عجب الربّ من فعلكم البارحة، إقرأ: "ويُؤثِرون على أنفسِهم ولو كان بِهِم خَصاصَة "أي: مجاعة"ومن يُوْقَ شُحَّ نَفْسِهِ "يعني: عليّاً وفاطمة والحسن والحسين "فاُولئك هُمُ المفلحون"|الحشر: 9|.

قال الحميري:

قائل للنّبيّ إنّي غريب++

جائع قد أتيتكم مستجيرا

فبكى المصطفى وقال غريب++

لا يكن للغريب عندي ذكورا

من يضيف الغريب قال عليّ++

أنا للضّيف فانطلق مأجورا

إبنة العمّ هل من الزّاد شيء++

فأجابت أراه شيئاً يسيرا

كفّ برّ قال اصنعيه فإنّ++

اللّه قد يجعل القليل كثيرا

ثمّ أطفي المصباح كي لا يراني++

فاُخلّي طعامه موفورا

جاهد يلمظ الاصابع والضّيف++

يراه إلى الطّعام مشيرا

عجبت منكم ملائكة اللّه++

وأرضيتم اللّطيف الخبيرا

ولهم قال يؤثرون على++

أنفسهم نال ذاك فضلاً كبيرا

وله أيضاً:

وآثر ضيفه لمّا أتاه++

فظلّ وأهله يتلمّظونا

فسمّاه الإله بما أتاه++

من الإيثار باسم المفلحينا

وفي تفسير أبي بكر الشيرازي بإسناده، عن مقاتل، عن مجاهد، عن ابن عبّاس في قوله تعالى: "رِجَالٌ لاَ تُلهِيهِم تجارة ولاَبَيعٌ عَنْ ذِكرِ اللّه" إلى قوله: "بغير حساب" |النور: 37| قال: هو واللّه أمير المؤمنين.

ثمّ قال بعد كلام: وذلك أنّ النبيّ "صلى الله عليه وآله" أعطى عليّاً يوماً ثلاثمائة دينار اُهديت إليه، قال عليّ: فأخذتها وقلت واللّه لأتصدّقنّ الليلة من هذه الدّنانير صدقة يقبلها اللّه منّي، فلمّا صلّيت العشاء الآخرة مع رسول اللّه، أخذت مائة دينار وخرجت من المسجد، فاستقبلتني امرأة، فأعطيتها الدّنانير، فأصبح الناس بالغد يقولون تصدّق عليّ الليلة بمائة دينار على امرأة فاجرة، فاغتممت غمّاً شديداً.

فلمّا صلّيت الليلة القابلة صلاة العتمة، أخذت مائة دينار وخرجت من المسجد، وقلت: واللّه لأتصدّقنّ اللّيلة بصدقة يتقبّلها ربّي منّي، فلقيت رجلاً فتصدّقت عليه بدنانير. فأصبح أهل المدينة يقولون: تصدّق عليّ البارحة بمائة دينار على رجل سارق، فاغتممت غمّاً شديداً، وقلت: واللّه لأتصدّقنّ الليلة صدقةً يتقبّلها ربّي منّي.

فصلّيت العشاء الآخرة مع رسول اللّه "صلى الله عليه وآله" ثمّ خرجت من المسجد ومعي مائة دينار، فلقيت رجلاً فاعطيته إيّاها، فلمّا أصبحت قال أهل المدينة: تصدّق عليّ البارحة بمائة دينار على رجل غنيٍّ، فاغتممت غمّاً شديداً، فأتيت رسول اللّه فخبّرته.

فقال لي: يا علي هذا جبرئيل يقول لك: إنّ اللّه عزّ وجلّ قد قبل صدقاتك وزكّى عملك، إنّ المائة دينار التي تصدّق بها أوّل ليلة وقعت في يدي إمرأة فاسدة، فرجعت إلى منزلها، وتابت إلى اللّه عزّ وجل من الفساد، وجعلت تلك الدّنانير رأس مالها وهي في طلب بعل تتزوّج به.

وأنّ الصّدقة الثانية وقعت في يدي سارق، فرجع إلى منزله، وتاب إلى اللّه من سرقته، وجعل الدنانير رأس ماله يتّجر بها.

وإن الصّدقة الثالثة وقعت في يدي رجل غنيّ لم يزكّ ماله منذ سنين، فرجع إلى منزله ووبّخ نفسه، وقال شحّاً عليك يا نفس، هذا عليّ بن أبي طالب تصدّق عليَّ بمائة دينار ولا مال له، وأنا قد أوجب اللّه على مالي الزّكاة لأعوام كثيرة لم أزكّه، فحسب ماله وزكّاه، وأخرج زكاة ماله كذا وكذا ديناراً، وأنزل اللّه فيك: "رِجال لا تلهيهم تجارةٌ ولا بَيْعٌ عن ذِكْرِ اللّه" الآية.

وروى أبو الطّفيل: رأيت عليّاً يدعو اليتامى، فيطعمهم العسل، حتّى قال بعض أصحابه: لوددت أنّي كنت يتيماً.

وروى المعلّى بن خنيس، عن الصادق أنـّه "عليه السلام"أتى ظلّة بني ساعدة في ليلة قد رشت السماء ومعه جراب، فإذا نحن بقوم نيام، فجعل يدسّ الرّغيف والرّغيفين حتّى أتى على آخره.

قال الحميري:

ومن ذا كان للفقراء كنزاً++

إذا نزل الشّتاء بهم كنينا

وروى محمّد بن الصّمّة، عن أبيه، عن عمّه، قال: رأيت في المدينة رجلاً على ظهره قربة وفي يده صحفة، يقول: اللهمّ وليّ المؤمنين وإله المؤمنين وجار المؤمنين إقبل قرباتي الليلة، فما أمسيت أملك سوى ما في صحفتي وغير ما يواريني، فإنّك تعلم أنّي منعته نفسي مع شدّة سغبي في طلب القربة إليك غنماً، اللهمّ فلا تخلق وجهي ولا تردّ دعوتي. قال: فأتيته حتّى عرفته، فإذا هو علي بن أبي طالب، فأتى رجلاً فأطعمه.

وروى عبداللّه بن علي بن الحسين مرفوعاً، أنّ النبيّ أتى مع جماعة من أصحابه إلى علي "عليه السلام"، فلم يجد عليّ شيئاً يقرّبه إليهم، فخرج ليحصل لهم شيئاً، فاذا هو بدينار على الأرض، فتناوله وعرّف به فلم يجد له طالباً، فقوّمه على نفسه، واشترى به طعاماً وأتى به اليهم. ولمّا أصاب عوضه جعل ينشد صاحبه فلم يجده، فأتى به النبيّ وأخبره بالخبر، فقال "صلى الله عليه وآله": يا علي إنّه شيء أعطاكه اللّه لمّا اطّلع على نيّتك وما أردته، وليس هو شيئاً للنّاس، ودعا له بخير.

قال الحميري:

فمال إلى أدناهم منه بيعاً++

توسّم فيه خير ما يتوسّم

فقال له بعني طعاماً فباعه++

جميل المحيّا ليس منه التّجهّم

فكال له حبّاً به ثمّ ردّه++

إليه وأرزاق العباد تقسم

فآب برزق ساقه اللّه نحوه++

إلى أهله والقوم للجوع رزّم

فلا ذلك الدّينار أحمى تبره++

يقيناً وأمّا الحبّ فاللّه أعلم

أمن زرع أرض كان أم حبّ جنّة++

حباه به من ناله منه أنعم

وبيعه جبريل أطهر بيع++

فأيّ أيادي الخير من تلك أعظم

يكلّم جبريل الأمين فإنّه++

لأفضل من يمشي ومن يتكلّم

وروت الخاصّة والعامّة، منهم: ابن شاهين المروزي، وابن شيرويه الدّيلمي، عن الخدريّ، وأبي هريرة: أنّ عليّاً أصبح ساغباً، فسأل فاطمة طعاماً، فقالت: ما كان إلاّ ما أطعمتك منذ يومين، آثرت به على نفسي وعلى الحسن والحسين، فقال: ألا أعلمتني فأتيتكم بشيء؟ فقالت: يا أبا الحسن إنّي لأستحيي من إلهي أن اُكلّفك ما لا تقدر عليه، فخرج واستقرض من النبيّ ديناراً، فخرج يشتري به شيئاً، فاستقبله المقداد قائلاً ما شاء اللّه، فناوله علي الدّينار، ثمّ دخل المسجد فوضع رأسه فنام.

فخرج النبيّ فإذا هو به فحرّكه، فقال "صلى الله عليه وآله": ما صنعت؟ فاخبره، فقام وصلّى معه فما قضى النبيّ صلاته الاّ وقال: يا أبا الحسن هل عندك شيء نفطر عليه فنميل معك؟ فأطرق لا يجيب جواباً حياءً منه، وكان اللّه أوحى إليه أن يتعشّى تلك الليلة عند عليّ.

فانطلقا حتّى دخلا على فاطمة وهي في مصلاّها وخلفها جفنة تفور دخاناً، فأخرجت فاطمة الجفنة فوضعتها بين أيديهما، فسأل عليّ "عليه السلام"أنّى لكِ هذا؟ قالت: هو من فضل اللّه ورزقه، إنّ اللّه يرزق من يشاء بغير حساب، قال: فوضع النبيّ كفّه المبارك بين كتفي عليّ، ثمّ قال: يا علي هذا بدل دينارك، ثمّ استعبر النبيّ باكياً، وقال: الحمد للّه الذي لم يمتني حتّى رأيت في ابنتي ما رأى زكريا لمريم.

وفي رواية الصادق "عليه السلام": أنـّه أنزل اللّه فيهم: "ويُؤثِرُون على أنْفُسِهِم ولو كَان بِهم خَصاصَة" |الحشر: 9|.

قال الحميري:

وحدّثنا عن حارث الأعور الّذي++

نصدّقه في القول منه وما يروي

بأنّ رسول اللّه نفسي فداؤه++

وأهلي ومالي طاوي الحشى يطوي

لجوع أصاب المصطفى فاغتدى الى++

كريمته والنّاس لاهون في سهو

فصادفها وابني عليّ وبعلها++

وقد أطرقوا من شدّة الجوع كالنّضو

فقال لها يا فطم قومي تناولي++

ولم يك فيما قال ينطق بالهزو

هديّة ربّي إنّه مترحّم++

فقامت إلى ما قال تسرع بالخطو

فجاءت عليها اللّه صلّى بجفنة++

مكرمة باللّحم جزواً على جزو

فسمّوا وظلّوا يطعمون جميعهم++

فبخ بخ لهم نفسي الفداء وما أحوي

فقال لها ذاك الطّعام هديّة++

من اللّه جبريل أتاني به يهوي

ولم يك منه طاعماً غير مرسل++

وغير وصيٍّ خصّه اللّه بالصّفو

وفي حديث ابن عبّاس أنّ المقداد قال له: أنا منذ أيّام ما طعمت شيئاً، فخرج أمير المؤمنين وباع درعه بخمسمائة ودفع إليه بعضها، وانصرف متحيّراً، فناداه أعرابّي: إشتر منّي هذه النّاقة مؤجّلاً، فاشتراها بمائة درهم ومضى الأعرابّي، فاستقبله أعرابّي آخر وقال: بعني هذه النّاقة بمائة وخمسين درهماً، فباع وصاح يا حسن ويا حسين إمضيا في طلب الأعرابّي وهو على الباب، فرآه النبيّ، فقال وهو مبتسم: يا علي الأعرابىّ صاحب الناقة جبرئيل والمشتري ميكائيل، يا علي المائة عن النّاقة، والخمسين بالخمس التي دفعتها إلى المقداد، ثمّ تلا: "وَمَنْ يَتّقِ اللّهَ يَجْعَلْ له مخرجاً" الآية |الطلاق: 2 - 3|.

قال السيّد الحميري:

أليس المؤثر المقداد لمّا++

أتاه مقوّياً في المقويينا

بدينار وما يحوي سواه++

وما كلّ الأفاضل مؤثرينا

وسمع أمير المؤمنين "عليه السلام"أعرابياً يقول وهو آخذ بحلقة الباب: البيت بيتك، والضّيف ضيفك، ولكلّ ضيف قرى، فاجعل قراي منك في هذه الليلة المغفرة.

فقال "عليه السلام": يا أعرابي هو واللّه أكرم من أن يردّ ضيفه بلا قرى.

وسمعه في الليلة الثّانية قائلاً: يا عزيزاً في عزّك يعزّ من عزّ عزّك، أنت أنت لا يعلم أحد كيف أنت إلاّ أنت، أتوجّه إليك بك وأتوسّل بك إليك، وأسألك بحقّك عليك، وبحقّك على آل محّمد أعطني ما لا يملكه غيرك، واصرف عنّي ما لا يصرفه سواك، يا أرحم الراحمين، فقال "عليه السلام": هذا إسم اللّه الأعظم بالسّريانيّة.

وسمعه في الليلة الثالثة يقول: يا زين السّماوات والأرض، اُرزقني أربعة آلاف درهم، فضرب "عليه السلام"يده على كتف الاعرابي، ثمّ قال: قد سمعت ما طلبت وما سألت ربّك، فما الذي تصنع بأربعة آلاف درهم؟ قال: ألف صداق امرأتي، وألف أبني به داراً، وألف أقضي به ديني، وألف ألتمس به المعاش، قال: أنصفت يا أعرابي، إذا قدمت المدينة فسل عن علي بن أبي طالب.

قال: فلمّا أتى الأعرابي المدينة، قال للحسين "عليه السلام": قل لأبيك صاحب الضّمان بمكّة، فدخل فأخبره، قال: إي واللّه يا حسين، إئتني بسلمان، فلمّا أتاه قال: يا سلمان أجمع لي التجّار، فلمّا اجتمعوا قال لهم: إشتروا منّي الحائط الذي غرسه لي رسول اللّه بيده، فباعه منهم باثني عشر ألف درهم، فدفع إلى الأعرابي أربعة آلاف، فقال: كم انفقت في طريقك؟ قال: ثلاثة عشر درهماً، قال: ادفعوا له ستّاً وعشرين درهماً حتى يصرف الأربعة آلاف حيث سأل، وصيّر بين يديه الباقي، فلم يزل يعطي قبضةً قبضةً حتى لم يبقَ منها درهم.

فلمّا أتى فاطمة ذكر بيع الحائط، فقالت: فأين الثّمن؟ قال: دفعته واللّه إلى عيون استحييت منها أن أحوجها إلى ذلّ المسألة، فأعطيتهم قبل أن يسألوني، فقالت: لا اُفارقك أو يحكم بيني وبينك أبي، إذ أنا جائعة وابناي جائعان لم يكن لنا في اثني عشر ألف درهم درهم نأكل به الخبز؟ فقال: يا فاطمة لا تلاحيني وخلّي سبيلي.

فهبط جبرئيل على النّبيّ، فقال: السلام يقرأ عليك السّلام، ويقول: بكت ملائكة السّماوات للزوم فاطمة عليّاً، فاذهب إليهما، فجاء إليهما، فقال "صلى الله عليه وآله": يا بنتي مالكِ تلزمين عليّاً؟ فقصّت عليه القصّة، فقال "صلى الله عليه وآله" خلّي سبيله فليس على مثل عليّ تضرب يد، ثمّ خرجا من الدار، فما لبث أن رجع النبيّ، فقال: يافاطمة رجع أخي؟ فقالت: لا، فأعطاها سبعة دراهم سوداء هجريّة، وقال: قولي له يبتاع لكم بها طعاماً.

فلمّا أتاها أعطته الدّراهم فأخذها وقال: بسم اللّه والحمد للّه كثيراً طيّباً من فضل اللّه، فذهب إلى السّوق فإذا سائل يقول: من يقرض اللّه الملىّ الوفيّ. فقال في نفسه: يا أبا الحسن!! أتسمع ما يقول: إقرض اللّه، ثمّ مضى ليستقرض من أحد، فإذا بشيخ معه ناقة، فقال: يا عليّ إبتع منّي هذه النّاقة، فقال "عليه السلام": ليس معي ثمنها، قال الشيخ: إني اُنظرك بثمنها، فابتاعها بمائة درهم ثمّ اشترى، الى آخر القصّة المذكورة.

قال بعضهم:

أمّن طوى يومين لم يطعم ولم++

تطعم حليلته ولا الحسنان

فمضى لزوجته ببعض ثيابها++

ليبيعه في السّوق كالعَجلان

يهوى ابتياع جرادق لعياله++

من بين ساغبة ومن سغبان

إذ جاءه مقداد يخبر أنـّه++

مذ لم يذق أكلاً له يومان

فهوى إلى ثمن المثال فصبّه++

من كف أبيض في يد غرثان

فطرا من الأعراب سائق ناقة++

حسناء تأجره له معسان

نادى ألا اشترها فقال وكيف لي++

بشرا البعير وما معي فلسان

قال الفتى ابتعها فإنّك منظر++

فيما به الكفّان تصطفقان

فبدا له رجل فقال أبائع++

منّي بعيرك أنت يا ربّاني

أخبر شراك لهن ربحك قالها++

مائة فقال فهاكها مائتان

وأتى النبيّ معجباً فأهابه++

وإليه قبل قد انتهى الخبران

نادى أبا حسن أأبدأ بالّذي++

أقبلت تنبئنيه أم تبداني

قال الوصيّ له فأنبئني به++

انّي اتّجرت فتاح لي ربحان

ربح لآخرتي وربح عاجل++

وكلاهما لي يا أخي فخران

فأبثّه ما في الضّمير وقال هل++

تدري فداك أحبّتي من ذان

جبريل صاحب بيعها والمشتري++

ميكال طبت وانجح السّعيان

والنّاقة الكوماء كانت ناقةً++

ترعى بدار الخلد في بطنان

ويا هل ترى، وياليت شعري وما يقال في رجل لم يردّ سائلاً قط، حتّى أنـّه يعطي سائلاً وهو راكع للّه، كما نطق القرآن بذلك شاهداً بأنـّه خليفة اللّه في أرضه بعد رسوله، وذلك قوله تعالى: "إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذين آمَنُوا اَلَّذين يقيمون الصلاة و يُؤتُونَ الزَكَاةَ وَهُمْ راكِعُون" |المائدة: 55| وهل شاركه أحد من العالمين في هذه؟ حاش وكلاّ وحقّ الحقّ.

راجع: مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب |2: 70 ـ 80|.

/ 122