مقتطفات جلد 2

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

مقتطفات - جلد 2

عیدروس ابن رویش

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

معاوية أمين على الوحي

عن زياد بن معاوية بن يزيد بن عمر، حفيد يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، عن عبدالرحمن بن الحسام، قال: أخبرنا رجل من أهل حوران أخبر عن رجل آخر، قال: اجتمع عشرة من بني هاشم، فغدوا على النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، فلمّا قضى الصلاة قالوا: يا رسول اللّه غدونا إليك لنذكر لك بعض اُمورنا، إنّ اللّه تفضّل بهذه الرسالة، فشرّفك بها وشرّفنا لشرفك، وهذا معاوية بن أبي سفيان يكتب الوحي فقد راينا أنّ غيره من أهل بيتك أولى به منه، قال: نعم، اُنظروا في رجل غيره، قال: وكان الوحي ينزل في كلّ أربعة أيّام من عند اللّه إلى محمّد فأقام جبرئيل يوماً لا ينزل، فلمّا كان يوم أربعين هبط جبرئيل بصحيفة فيها مكتوب: يا محمّد! ليس لك أن تغيّر ما اختاره اللّه لكتاب وحيه، فأقرّه فانـّه أمين، فأقرّه.

أخرجه ابن عساكر في تاريخه، وقال: هذا خبر منكر، وفيه غير واحد من المجهولين.

وقال ابن حجر في لسان الميزان [3 : 411]: قلت: بل هو ممّا يقطع ببطلانه، فواللّه إنّي لأخشى أن يكون الذي افتراه مدخول الايمان.

وقال الأميني في الغدير [5 : 307]: هذه هتيكة لا يتفوّه بها إلاّ المستهزئ باللّه ورسوله، من الذين اتّخذوا آيات اللّه هزواً، ودين اللّه سخريّا، والنبوّة مجهلة، وأجهل من اُولئك الهاجمون على قدس صاحب هذه الرسالة بوضع هذه السفاسف المخزية عليه(صلى الله عليه وآله وسلم)، هو الحافظ الذي يتكلّم في سندها ويرى هذا الحديث منكراً لمكان المجهولين في رجاله، ذاهلاً عن واجب المحدّث، النظرة في متن الحديث قبل البحث عن سنده، فالقول ما قاله ابن حجر.معاوية رجل من أهل الجنّة

عن عبداللّه بن عمر مرفوعاً: الآن يطلع عليكم رجل من أهل الجنّة، فطلع معاوية. فقال: أنت يا معاوية منّي وأنا منك، لَتُزاحمني على باب الجنّة كهاتين، وأشار بأصبعيه.

هذا الحديث ذكره الذهبي أيضاً في ترجمة الحسن بن شبيب عنه، مِن طريق عبداللّه بن يحيى المؤدّب، فقال: الحسن حدّث بالبواطيل عن الثقات. وقال في ترجمة عبداللّه بن يحيى: خبر باطل لا يدرى من ذا.

راجع: ميزان الاعتدال [2 : 133] ولسان الميزان [3 : 376].كيفية حشر معاوية

وعن سعد: أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) قال لمعاوية: أنه يُحشَر وعليه حلّة من نور، ظاهرها من الرحمة، وباطنها من الرضا، يفتخر بها في الجمع لكتابة الوحي.

ذكره الذهبي من أباطيل محمّد بن الحسن الكذّاب الدّجال: راجع: ميزان الاعتدال [3 : 516 ط دار المعرفة].حديث السفرجل

وعن عبداللّه بن عمر: أنّ جعفر بن أبي طالب أهدى الى النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)سفرجلاً، فأعطى معاوية ثلاث سفرجلات، وقال: تلقاني بهنَّ في الجنة.

قال ابن حبّان: موضوع آفته إبراهيم بن زكريّا الواسطي، وقال بعضهم: ممّا يبيّن وضعه أنّ معاوية أسلم في الفتح، وجعفر قُتِل قبل الفتح بمؤته. وورد بطرق اُخرى كلّهاباطلة فاسدة موضوعة. راجع: اللآلي المصنوعة [1 : 199].

وقال الذهبي في ميزانه [1 : 16] في ترجمة إبراهيم الواسطي: يروي عن مالك أحاديث موضوعة.حديث يكون على هذه الاُمّة اثنا عشر خليفة

وعن عبداللّه بن عمر، قال: قال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم): يكون على هذه الاُمّة إثنا عشر خليفة: أبو بكر الصدّيق أصبتم اسمه، عمر الفاروق قرن من حديد أصبتم اسمه، عثمان بن عفّان ذو النورين قُتِل مظلوماً، أوتي كفلين من الرحمة، ملك الأرض المقدّسة معاوية، وابنه. ثمّ يكون السفاح، ومَنصور، وجابر، والأمين، وسلام، وأمير العصب، لا يرى مثله ولا يدرى مثله الحديث.

أخرجه نعيم بن حماد في الفتن، كما في كنز العمّال [6 : 67].

قال الأميني: أرسلوا الحديث ورفعوه خوفاً مِن أن يقف الباحث على ما في إسناده، غير أن نعيم بن حمّاد بِمُفرده يَكفي في المصيبة، ويُستغنى به عن عرفان بقيَّة رجاله.

قال الازدي: كان يضع الحديث في تقوية السنّة، وله حكايات مُزوّرة في ثلب النعمان كلّها كذب. راجع: ميزان الذهبي [4 : 267] وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي [2 : 67] والبداية والنهاية لابن كثير [10 : 463] واللآلي [1 : 15 ]والجوهر النقي لابن التركمان كما في هامش سنن البيهقي [3 : 47] وسلسلة الكذّابين والوضّاعين للأميني [5 : 269].معاوية يحاسب الخلائق

وعن علي(رضي الله عنه)، قال: أوّل مَن يدخل من الاُمّة أبو بكر وعمر وانّي الموقوف مع معاوية للحساب.

قال الذهبي في ترجمة أصبغ الشيباني: خبر منكر، أخرجه ابن الجوزي في الواهيات. وقال ابن حجر في لسان الميزان: وهذا أولى بكتاب الموضوعات. وقد ذكره العقيلي، فقال: مجهول وحديثه غير محفوظ، ثمّ ساقه. راجع: لسان الميزان [1: 460].

اهداء القلم الى معاوية

وعن أنس مرفوعاً: هبط عليّ جبرئيل ومعه قلم من ذهب إبريز، فقال: إنّ العليّ الأعلى يقرؤك السلام ويقول لك: حبيبي قد أهديت هذا القلم مِن فوق عرشي إلى معاوية، فأوصله إليه ومره أن يكتب آية الكرسي بخطّه بهذا القلم ويشكّله ويعجمه ويعرضه عليك، فإنّي قد كتبت له من الثواب بعدد كلّ من قرأ آية الكرسي من ساعة يكتبها إلى يوم القيامة.

فقال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم): من يأتيني بأبي عبدالرحمن؟ ـ يريد به معاوية ـ فقام أبو بكر الصدّيق، ومضى حتّى أخذ بيده وجاءا جميعاً إلى النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، فسلّموا عليه، فردّ عليهم السلام، ثمّ قال لمعاوية: اُدنُ مني يا أبا عبدالرحمن، فدنا من رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم). فدفع إليه القلم، ثمّ قال له: يامعاوية! هذا قلم أهداه إليك ربّك من فوق العرش لتكتب آية الكرسي بخطّك وتشكّله وتعجمه وتعرضه عليّ، فاحمد اللّه واشكره على ما أعطاك، فإنّ اللّه قد كتب لك من الثواب من قرأ آية الكرسي من ساعة تكتبها إلى يوم القيامة، فأخذ القلم من يد النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)فوضعه فوق اُذنه.

فقال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم): اللهمّ إنّك تعلم انّي قد أوصلته إليه ـ ثلاثاً ـ فجثا معاوية بين يدي النبيّ ولم يزل يحمد اللّه على ما أعطاه من الكرامة ويشكره، حتّى أتى بطرس ومحبرة فأخذ القلم ولم يزل يخطّ به آية الكرسي أحسن ما يكون من الخطّ، حتّى كتبها وشكّلها وعرضها على النبيّ(صلى الله عليه وآله). قال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم): يا معاوية! إنّ اللّه قد كتب لك من الثواب بعدد كلّ من يقرأ آية الكرسي من ساعة كتبتها إلى يوم القيامة.

قال الحفّاظ: موضوع وأكثر رجاله مجاهيل، ويراه ابن الجوزي من وضع الحسين بن يحيى الختاني، كما في ميزان الاعتدال [1 : 257] وعند الذهبي: باطل كأنـّه عمله أحمد بن عبداللّه الأيلي، ويرى ابن حجر في لسان الميزان: انّ الأمر ينحصر بأحمد الأيلي، وهو الذي وضعه.

وأخرجه النقّاش بلفظ أخصر، وقال: حديث موضوع بلا شكّ، وضعه أحمد أو الحسين.

راجع: ميزان الاعتدال [1 : 527 و 52] ولسان الميزان [1 : 258] وسلسلة الموضوعات من الغدير [5 : 305] واللآلي [1 : 216].عدّ معاوية من الاُمناء في أحاديث

وعن جابر فيما أخرجه ابن عساكر في تأريخه: أنّ رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم)استشار جبرئيل في استكتاب معاوية، فقال: استكتبه فإنّه أمين.

أخرج ابن عساكر باسناده من طريق السري بن عاصم أبي عاصم الهمداني أحد الكذّابين الوضّاعين، والحسن بن زياد، وهو اللؤلؤي الوضّاع الكذّاب. وقاسم بن بهرام المشترك بين ثقّة وكذّاب.

وأمّا ابن كثير فقد زيّفه، كما في البداية والنهاية [5 : 354] وقال: والعجب من الحافظ ابن عساكر مع جلالة قدره، واطّلاعه على صناعة الحديث أكثر من غيره من أبناء عصره ـ بل ومن تقدّمه بدهر ـ كيف يريد في تأريخه هذا، وأحاديث كثيرة من هذا النمط، ثم لا يبيّن حالها ولا يُشير الى شيء من ذلك اشارة لا ظاهرة ولا خفيّة؟ ومثل هذا الصنيع فيه نظر واللّه أعلم.

وأخرجه الذهبي في ميزانه [3 : 95] عن أمير المؤمنين مرفوعاً، من طريق أصرم بن حوشب الكذّاب الوضّاع الخبيث، وعدّه من مناكير محمّد بن عبدالمجيد.

وعن عبادة بن الصامت، قال: أوحى اللّه إلى النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم): استكتب معاوية فإنّه أمين مأمون.

أخرجه الطبراني في الأوسط عن محمّد بن معاوية الزيادي، عن أحمد بن عبدالرحمن الحرّاني، عن محمّد بن زهير السلمي، عن أبي محمّد ساكن بيت المقدس، فقال: محمّد بن معاوية كذّاب، وشيخه ليس بمؤمن، والسلمي وشيخه لايُعرف، وللحديث طرق اُخرى كلّها باطلة.

راجع: سلسلة الموضوعات للأميني [5 : 305] واللآلي المصنوعة للسيوطي [1: 218] وذكره الذهبي في ميزانه [3 : 59] فقال: خبر باطل، لعلّه هو افتر متنه ـ يعني محمّد بن زهيرـ.

وعن يزيد بن محمّد المروزي، عن أبيه، عن جدّه، قال: سمعت أمير المؤمنين عليّاً(رضي الله عنه)، يقول، فذكر خبراً فيه: بينا أنا جالس بين يدي رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم)إذ جاء معاوية، فأخذ رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) القلم من يدي، فدفعه إلى معاوية، فما وجدت في نفسي إذ علمت أنّ اللّه أمره بذلك.

قال ابن حجر: هذا متن باطل واسناد مختلف. وعدَّه من موضوعات مسرّة بن عبداللّه الخادم. راجع: لسان الميزان لابن حجر العسقلاني [6 : 20].

وأخرج الخطيب في تاريخه [13 : 273] حديثاً في المناقب، فقال: هذا الحديث كذب موضوع. والرجال المذكورون في اسناده كلّهم ثقات أئمّة سوى مسرّة ـ الخادم ـ والحمل عليه فيه.

وعن أبي هريرة مرفوعاً: الاُمناء عند اللّه ثلاثة: أنا وجبرئيل ومعاوية.

قال الخطيب والنسائي وابن حبّان: هذا الحديث باطل موضوع، رأى الخطيب في تاريخه [11 : 8] الحمل فيه على علي البرداني.

وقال ابن عدي: باطل من كلّ وجه. وزيّف الحاكم طرقه، وفيها جمع من الكذّابين والوضّاعين. راجع: اللآلي المصنوعة [1 : 217] وقال الذهبي في ميزانه [1:233]: هذا كذّاب. وذكره في ترجمة الحسن بن عثمان، فقال: هذا كذب.

وذكره ابن كثير في تاريخه [8 : 120] من طريق أبي هريرة وأنس وواثلة بن الأسقع، فقال: لا يصحّ من جميع وجوهه. وفي لسان الميزان [2 : 220]: أورد ابن الجوزي في الموضوعات وجزم بأنّ هذا وضعه ـ يعني وضع الحسن بن عثمان ـ .

وقال ابن عدي: الحسن عندي يضع الحديث، ويسرق حديث الناس، وسألت عنه عبدان الأهوازي، فقال: كذّاب. وقال أبو علي النيسابوري: هذا كذّاب يسرق الحديث. وفي شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي [2 : 366] عدّه ابن الجوزي من موضوعات أبي عيسى أحمد الخشّاب.

قال الأميني في سلسلة الموضوعات من غديره [5 : 306]: بهذه المخازي هتكوا ناموس الإسلام، ودنّسوا ساحة قدس صاحب الرسالة، فما قيمة أمينين يكون معاوية ثالثهما؟!.معاوية أحكم الاُمّة وأجودها

وأخرج ابن عساكر في تاريخه [4 : 224] من طريق الحسن بن محمّد بن الحسن أبي علي الأبهري المالكي نزيل دمشق إلى شداد بن أوس مرفوعاً: أبو بكر أرأف اُمّتي وأرحمها، وعمر بن الخطّاب خير اُمّتي وأعدلها، وعثمان أحيى اُمّتي وأكرمها وأصدقها، وأبو الدرداء أعبد اُمّتي وأتقاها، ومعاوية أحكم اُمّتي وأجودها.

وفي لفظ العقيلي من طريق بشير بن زاذان، عن عمر بن صبح، عن ركن، عن شدّاد بن أوس مرفوعاً: أبو بكر أوزن اُمّتي، وعثمان أحيى اُمّتي، ومعاوية أحكم اُمّتي. لسان الميزان [2 : 37].

وفي لفظ السيوطي نقلاً عن العقيلي أيضاً: أبو بكر أوزن اُمّتي وأرحمها، وعمر خير اُمّتي وأكملها، وعثمان أحيى اُمّتي وأعدلها، وعلي أوفى اُمّتي وأوسمها، وعبداللّه بن مسعود أمين اُمّتي وأوصلها، وأبو ذر أزهد اُمّتي وأرقّها، وأبو الدرداء أعدل اُمّتي وأرحمها، ومعاوية أحلم اُمّتي وأجودها. راجع: اللآلي [1:428].

قال الاميني في سلسلة المناقب [10 : 89] من غديره: قال الحافظ ابن عساكر: هذا الحديث ضعيف. ونحن على يقين من أنّ الباحث بعدما أوقفناه على ترجمة رجال الاسناد، يحكم بالوضع لا بالضعف، كما حكم به الحافظ. واليك الرجال:

1 ـ بشير بن زاذان: ضعّفه الدارقطني وغيره، واتّهمه ابن الجوزي. قال ابن معين: ليس بشيء. وذكره الساجي وابن الجارود والعقيلي في الضعفاء.

وقال ابن عدي: أحاديثه ليس لها نور، وهو ضعيف غير ثقة، يحدّث عن جماعات ضعفاء وهو بيّن الضعف. وقال ابن حجر العسقلاني في ترجمته بعد ذكر الحديث: ولا يتابع بشير بن زاذان على هذا، ولا يُعرف إلاّ به. ولمّا ذكر له ابن الجوزي حديثاً في فضل الصحابة، قال: هو المتّهم به عندي، فإمّا أن يكون من فعله، أو من تدليسه من الضعفاء. وقال ابن حبّان: غلب الوهم على حديثه حتّى بطل الاحتجاج.

راجع: ميزان الاعتدال [1 : 328] ولسان الميزان [2 : 37].

2 ـ عمر بن صبح أبونعيم الخراساني: قال ابن راهويه: أخرجت خراسان ثلاثة لم يكن لهم في الدنيا نظير في البدعة والكذب: جهم بن صفوان، عمر بن صبح، مقاتل بن سليمان.

وقال البخاري في التأريخ الأوسط: حدّثني يحيى اليشكري، عن علي بن جرير، سمعت عمر بن صبح يقول: أنا وضعت خطبة النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم).

وقال أبو حاتم وابن عدي: منكر الحديث. وقال ابن حبّان: يضع الحديث على الثقات، لا يحلّ كتب حديثه إلاّ على وجه التعجّب. وقال الأزدي: كذّاب. وقال الدارقطني: متروك. وقال ابن عدي: عامّة ما يرويه غير محفوظ، لا متناً ولا اسناداً. وقال النسائي: ليس بثقة. وقال العقيلي: ليس حديثه بالقائم وليس بالمعروف بالنقل. وقال أبو نعيم: روى عن قتادة ومقاتل الموضوعات.

راجع: ميزان الاعتدال [3 : 206 ط دار احياء الكتب العربية] وتهذيب التهذيب للعسقلاني [7 : 463].

3 ـ ركن الشامي: وهّاه ابن المبارك. وقال يحيى ليس بشيء. وقال النسائي والدارقطني: متروك. وقال أبو أحمد الحاكم: يروي عن مكحول أحاديث موضوعة. وقال ابن الجارود: ليس بثقة. وقال عبداللّه بن المبارك: لإن أقطع الطريق أحبّ اليّ من أن أروي عن عبدالقدّوس الشامي، وعبدالقدوس خير من مائة مثل ركن.

راجع: تاريخ ابن عساكر [5 : 327] تاريخ الخطيب [8 : 436] وميزان الاعتدال [2: 54] ولسان الميزان للعسقلاني [2 : 462].معاوية أحلم الاُمّة وأجودها

وعن علي بن عبداللّه، عن علي بن أحمد، عن خلف بن عمرو العكبري، عن محمّد بن ابراهيم، عن يزيد الخلاّل، عن أحمد بن القاسم بن مهران، عن محمّد بن بشير بن زاذان، عن عكرمة، عن ابن عبّاس، قال: قال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم): أبو بكر خير اُمّتي وأتقاها، وعمر أعزّها وأعدلها، وعثمان أكرمها وأحياها، وعلي ألبّها وأوسمها، وابن مسعود آمنها وأعدلها، وأبو ذرّ أزهدها وأصدقها، وأبو الدرداء أعبدُها، ومعاوية أحلمها وأجودها.

قال السيوطي في اللآلي المصنوعة [1 : 428]: في هذا الطريق مجروحون، وقد خلّط بشير بن زاذان في إسناده.

ونحن نقول: لو لم يكن في الاسناد من المجروحين إلاّ يزيد الخلاّل لكفاه علّة.

قال يحيى بن معين: كذّاب. وقال أبو سعيد: قد أدركت يزيد هذا وهو ضعيف، قريب ممّا قال يحيى. راجع: تاريخ الخطيب [14 : 348] وميزان الاعتدال [4:439].

وقال أبو داود: ضعيف. وقال الدارقطني: ضعيف جدّاً. وقال ابن عدي: ليس بذاك المعروف. راجع: لسان الميزان [6 : 293].دعاء الرسول(صلى الله عليه وآله) لمعاوية

وأخرج الترمذي في جامعه [13 : 229] وحسّنه عن عبدالرحمن بن أبي عميرة مرفوعاً: اللهمّ اجعله هادياً مهديّاً واهد به.

وأخرجه أيضاً ابن عبدالبرّ في الاستيعاب في ترجمة عبدالرحمن [2 : 407 هامش الاصابة] فقال: عبدالرحمن حديثه مضطرب، ولا يثبت في الصحابة وهو شاميّ، ومنهم من يوقف حديثه هذا ولا يرفعه، ولا يصحّ مرفوعا عندهم.

وقال في الأخير: لا يثبت أحاديثه ولا يصحّ صحبته، ورجال الاسناد كلّهم شاميّون، وهم: أبو سهر الدمشقي، وسعيد بن عبدالرحمن الدمشقي، وربيعة بن يزيد الدمشقي، وابن أبي عميرة الدمشقي، وقد تفرّد به ابن أبي عميرة، فما ثقتك برواية تفرّد بها شاميّ، عن شاميّ، إلى شاميّ، إلى رابعهم مثلهم شاميّ. ولا يوجد عند حملة السنّة علم بها؟.

وأخرج الإمام أحمد في مسنده ما يدافع به ابن حجر عن معاوية، بل ويحتجّ به في ثبوت خلافته كما في [ص 130] من صواعقه: عن العرباض بن سارية: سمعت رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: اللهمّ علّم معاوية الكتاب والحساب وقه العذاب.

وأخرجه أيضاً السيوطي في تاريخ الخلفاء [ص 130 ط. ادارة الطباعة المنيرية دمشق سنة 1351] ولكن في اسنادها: الحارث بن زياد، وهو ضعيف مجهول، كما قاله ابن أبي حاتم عن أبيه. وابن عبدالبرّ. والذهبي في ميزانه [1:201 ]وفي تهذيب التهذيب [2 : 142] وفي لسان الميزان [2 : 49] وفي الاستيعاب [3 : 401].نظرة الحفّاظ والمحدّثين فيما جاء من فضائل معاوية

فلذلك نرى أنّ الحفّاظ وأساطين المحدّثين قد أنكروا ما جاء من الأخبار والروايات، ما دلت على فضائل معاوية بن أبي سفيان. منهم:الإمام أحمد بن حنبل

قال عبداللّه بن أحمد بن حنبل: سألت أبي عن علي ومعاوية، فقال: إعلم أنّ عليّا كثير الأعداء، ففتّش له أعداؤه عيباً فلم يجدوا، فجاؤا إلى رجل قد حاربه فاطروه كيداً منهم لعليّ. راجع: تاريخ الخلفاء [1 : 33].الحاكم

قال: سمعت أبا العباس محمّد بن يعقوب بن يوسف يقول: سمعت إسحاق بن ابراهيم الحنظلي يقول: لا يصحّ في فضل معاوية حديث.

البخاري

لم يجد في فضائل معاوية حديثاً صحيحاً فلم يذكر في صحيحه منقبةً لمعاوية، وذلك عندما عدَّ مناقب الصحابة ولكن قال: باب ذكر معاوية، وبذلك جزم إسحاق بن راهويه والنسائي وغيرهما.ابن حجر العسقلاني

قال: قد ورد في فضائل معاوية أحاديث كثيرة، ولكن ليس فيها ما يصحُّ من طريق الإسناد. راجع: فتح الباري في شرح صحيح البخاري [7 : 83].ابن تيميّة

قال في منهاجه [2 : 207]: وضعوا لمعاوية طائفة فضائل وروَوا أحاديث عن النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) في ذلك، كلّها كذب.العجلوني

قال في كتابه كشف الخفاء [ص 420]:باب فضائل معاوية: ليس فيه حديث صحيح.الفيروزابادي

قال في آخر كتابه سفر السعادة: فضائل معاوية ليس فيه حديث صحيح.مسلم وابن ماجة

قال الأميني في الغدير [11 : 74]: أمّا مسلم وابن ماجة، فلمّا لم يريا حديثا يُعبأ به في فضائل معاوية، ضربا عن اسمه في الصحيح والسنن صفحاً عند عدّ مناقب الصحابة.العيني

قال في كتابه عمدة القاري: فإن قلت قد ورد في فضله ـ يعني معاوية ـ أحاديث كثيرة. قلت: نعم، ولكن ليس فيها حديث صحيح يصحّ من طريق الإسناد، نصّ عليه إسحاق بن راهويه والنسائي وغيرهما، فلذلك قال ـ يعني البخاري ـ : باب ذكر معاوية، ولم يقل فضيلة ولا منقبة.الشوكاني

قال في الفوائد المجموعة: اتّفق الحفّاظ على أنـّه لم يصحّ في فضل معاوية حديث.السيوطي

في كتابه تاريخ الخلفاء [1 : 130]: قد ورد في فضله ـ يعني معاوية ـ أحاديث قلّما تثبت.لفت نظر

روى ابن كثير في تاريخه [11 : 124] كما ذكره الأميني في غديره [11 : 75 ]دخل الحافظ النسائي الى دمشق، فسأله أهلها أن يحدّثهم بشيء من فضائل معاوية، فقال: أما يكفي أن يذهب رأساً برأس حتّى يروى له فضائل؟ فقاموا إليه يطعنون في خصيتيه، حتّى اُخرج من المسجد الجامع، فقال: أخرجوني إلى مكّة، فأخرجوه وهو عليل، فتوفّي بمكّة مقتولاً شهيداً.

واعلم أنّ هذه الموضوعات التي سجّلناها في هذه السطور إنّما نزر يسير من الكثير الذي لو جمع كلّه لجاء بمجلّد ضخم، لأنّ من لعبت بهم الهوى من ذوي الأيدي الأثيمة، في العصور الماضية المظلمة، قد اختلقوا أحاديث كاذبة على صاحب الشريعة، وكرام أصحابه، وثقات التابعين، لا تدخل تحت الضبط والحصر، وهم فيما بين ذلك على اختلاف أغراضهم.

فمنهم: من اغترّ بعظيم الهبات، وجليل العطيات من أرباب الحكّام والسلطات، كما أخبرنا بذلك أهل الأخبار والسير، منهم ابن أبي الحديد في كتابه شرح نهج البلاغة، كما سيوافيك خبره فيما يلي.

ومنهم: من رجال الدين الموصوفين بالزهد والورع والتقوى، وضعوا أخباراً باطلة حسبةً واحتساباً لما عند المولى عزّ وجلّ، لما يرون أنّ ذلك من الضرورة في الدين لعوام المسلمين، إمّا لترقيق قلوبهم في زعمهم، وإمّا لتحريضهم على فضائل الأعمال، أو غير ذلك ممّا له روابط دينيّة.

فمن ذلك قال يحيى بن سعيد القطّان، فيما ذكره الأميني في غديره [5:275]: مارأيت الصالحين في شيء أكذب منهم في الحديث. وذُكرت عبارته هذه أيضاً في مقدّمة صحيح مسلم، وتاريخ بغداد [2 : 98].

وقال أيضاً، كما في مقدّمة صحيح مسلم: ما نرى أهل الخير أكذب منهم في الحديث.

وقال أيضاً، كما في اللآلي المصنوعة في خاتمة الكتاب: ما رأيت الكذب في أحد أكثر فيمن يُنْسب الى الخير والزهد.

وقال القرطبي في التذكار [ص 155]: لا التفات لما وضعه الوضّاعون، واختلقه المختلقون، من الأحاديث الكاذبة، والأخبار الباطلة، في فضل سور القرآن، وغير ذلك من فضائل الأعمال، وقد ارتكبها جماعة كثيرة وضعوا الحديث حسبة كما زعموا، يدعون الناس إلى فضائل الأعمال، كما روي عن أبي عصمة نوح بن أبي مريم المروزي، ومحمّد بن عكاشة الكرماني، وأحمد بن عبداللّه الجويباري وغيرهم.

قيل لأبي عصمة نوح بن أبي مريم: من أين لك عن عكرمة عن ابن عبّاس في فضل سور القرآن سورةً سورة؟ فقال: انّي رأيت الناس أعرضوا عن القرآن، واشتغلوا بفقه أبي حنيفة، ومغازي محمّد بن إسحاق، فوضعت هذا الحديث حسبة.

وقال القرطبي أيضاً في [ص 156] من نفس المصدر: قد ذكر الحاكم وغيره من شيوخ المحدّثين: أنّ رجلاً انتدب في وضع أحاديث في فضل القرآن وسوره، فقيل له: لم فعلت هذا؟ فقال: رأيت الناس زهدوا في القرآن فأحببت أن اُرغبهم فيه، فقيل: فإنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: من كذب عليّ متعمّداً فليتبوّأ مقعده من النار، فقال: أنا ما كذبت عليه إنّما كذبت له.

وقال في التحذير من الموضوعات: وأعظمهم ضرراً قوم منسوبون إلى الزهد، وضعوا الحديث حِسبةً فيما زعموا، فتقبّل الناس موضوعاتهم ثقةً منهم بهم وركوناً إليهم، فضلّوا وأضلّوا.

وقال في [ص 268]: وسمعت قول ميسرة بن عبد ربّه، لمّا قيل له: من أين جئت بهذه الأحاديث؟ قال: وضعتها اُرغِّب الناس فيها.

وقال أيضا: إنّي احتسب في ذلك.

وقال الحاكم: كان الحسن ـ الراوي عن المسيّب بن واضح ـ ممّن يضع الحديث حِسبةً. راجع: لسان الميزان [5 : 288]. وكان نعيم بن حمّاد يضع الحديث فيتقوية السنّة.

الوضّاعون والدجّالون من رجال الدين

قال الأميني في غديره [5 : 276]: فكأنّ الكذب والإفك وقول الزور ليست من الفواحش، ولم يكن فيها أيّ منقصة ومغمزة، ولا تُنافي شيئاً من فضائل النفس، ولاتمسّ كرامة ذويها.

فهذا حرب بن ميمون، مجتهد عابد وهو أكذب الخلق.

وهذا الهيثمالطائي، يقوم عامّة الليل بالصلاة، وإذا أصبح يجلس ويكذب.

وهذا محمّد بن إبراهيم الشامي، كان من الزهّاد، وهو الكذّاب الوضّاع.

وهذا الحافظ عبدالمغيث الحنبلي، موصوف بالزهد والثقة والدين والصدق والأمانة والصلاح والاجتهاد، واتّباع السنّة والآثار، وهو يؤلّف من الموضوعات كتاباً في فضائل يزيد بن معاوية.

وهذا معلّى بن صبيح، من عبّاد الموصل، وكان يضع ويكذب.

وهذا معلّى بن هلال، عابد وهو كذّاب.

وهذا أبو عمر الزاهد ألّف من الموضوعات كتاباً في فضائل معاوية بن أبي سفيان.

وهذا أحمد الباهلي من كبار الزهّاد، وهو ذلك الكذّاب الوضّاع. قال ابن الجوزي: كان يتزهّد ويهجر شهوات الدّنيا، فحسّن له الشيطان هذا الفعل القبيح.

وهذا البرداني، رجل صالح، ويضع الحديث في فضل معاوية.

وهذا وهب بن حفص من الصالحين، ومكث عشرين سنة لايكلِّم أحداً، وكان يكذب كذباً فاحشاً.

وهذا أبو بشر المروزي الفقيه، أصلب أهل زمانه في السّنة، وأذبّهم عنها، وأخفّهم لمن خالفها، وكان يضع الحديث ويقلّبه.

وهذا أبو داود النخعي، أطول الناس قياماً بليل، وأكثرهم صياماً بنهار، وهو وضّاع.

وهذا أبو يحيى الوكّار، من الكذّابين الكبار، وكان من الصلحاء العبّاد الفقهاء.

وهذا إبراهيم بن محمّد الآمدي، أحد الزهّاد وأحاديثه موضوعة. راجع: لسان الميزان [1 : 99].

وهذا رشدين مقلّب متون الحديث، وكان عابداً صالحاً، كما قاله الذهبي.

وهذا إبراهيم أبو إسماعيل الأشهلي، كان عابداً صام ستّين سنة، لا يتابع على شيء من حديثه، كان يقلّب الأسانيد ويرفع المراسيل. راجع تهذيب التهذيب [1:104].

وهذا جعفر بن الزبير، كان مجتهداً في العبادة، وهو وضّاع. راجع: ميزان الاعتدال [1 : 406] وغيره من كتب التراجم.

وهذا أبان بن أبي عيّاش، رجل صالح كان من العُبّاد وهو كذّاب. راجع: تهذيب التهذيب [1 : 99].الوضّاعون المحتسبون لمرضاة الملوك والوُلاة

أمّا من كانوا يضعون الأحاديث الكاذبة، والروايات الباطلة، ويبتغون بها الجزاء من الملوك والاُمراء، فقد نبّأنا ابن أبي الحديد بما رواه في شرح نهج البلاغة [3:15].

قال: وروى أبو الحسن علي بن محمّد بن أبي سيف المدائني في كتاب الأحداث، قال: كتب معاوية نسخة واحدة إلى عمّاله بعد عام الجماعة: أن برئت الذمّة ممّن روى شيئاً من فضل أبي تراب وأهل بيته. فقامت الخطباء في كلّ كورة وعلى كلّ منبر يلعنون عليّاً، ويبرؤون منه، ويقعون فيه وفي أهل بيته.

وكان أشدّ الناس بلاءً حينئذ أهل الكوفة; لكثرة من بها من شيعة علي(عليه السلام)، فاستعمل عليهم زياد بن سميّة، وضمّ إليه البصرة، فكان يتتبّع الشيعة وهو بهم عارف; لأنـّه كان منهم أيّام علي(عليه السلام)، فقتلهم تحت كلّ شجر ومدر، وأخافهم، وقطع الأيدي والأرجل، وسمل العيون، وصلبهم على جذوع النخل، وطردهم وشرّدهم عن العراق، فلم يبق بها معروف منهم.

وكتب معاوية إلى عمّاله في جميع الآفاق: أن لا يجيزوا لأحد من شيعة علي وأهل بيته شهادة.

وكتب إليهم: أن انظروا من قبلكم من شيعة عثمان ومحبّيه وأهل ولايته والذين يروون فضائله ومناقبه، فادنوا مجالسهم وقرّبوهم وأكرموهم، واكتبوا إليّ بكلّ من يروي كلّ رجل اسمه واسم أبيه وعشيرته. ففعلوا ذلك حتّى أكثروا في فضائل عثمان ومناقبه، لِما كان يبعثه إليهم معاوية من الصلات والكساء والحباء والقطائع، ويفيضه في العرب منهم والموالي، فكثر ذلك في كلّ مصر، فتنافسوا في المنازل والدنيا، فليس يجيء أحد مردود من الناس عاملاً من عمّال معاوية، فيروي في عثمان فضيلةً أو منقبةً إلاّ كتب اسمه وقرّبه وشفّعه، فلبثوا في ذلك حيناً.

ثمّ كتب إلى عمّاله: إنّ الحديث في عثمان قد كثر وفشا في كلّ مصر وفي كلّ وجه وناحية، فإذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأوّلين، ولا تتركوا خبراً من المسلمين في أبي تراب إلاّ وائتوني بمناقض له في الصحابة، فإنّ هذا أحبّ إليّ وأقرّ لعيني، وأدحض لحجّة أبي تراب وشيعته، وأشدّ عليهم من مناقب عثمان وفضله.

فقرئت كتبه على الناس، فرويت أخبار كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقة لها، وجدّ الناس في رواية ما يجري هذا المجرى، حتّى أشادوابذكر ذلك على المنابر، وألقي إلى معلّمي الكتاتيب، فعلّموا صبيانهم وغلمانهم من ذلك الكثير الواسع، حتّى رووه وتعلّموه كما يتعلّمون القرآن، وحتّى علّموه بناتهم ونساءهم وخدمهم، فلبثوا في ذلك ما شاء اللّه.

ثمّ كتب إلى عمّاله نسخةً واحدة إلى جميع البلدان: اُنظروا إلى من قامت عليه البيّنة أنـّه يحبّ عليّاً وأهل بيته، فامحوه من الديوان، واسقطوا عطاءه ورزقه.

وشفع ذلك بنسخة اُخرى: من اتّهمتموه بموالاة هؤلاء القوم، فنكّلوا به واهدموا داره، فلم يكن البلاء أشدّ ولا أكثر منه بالعراق، لا سيّما بالكوفة، حتّى أنّ الرجل من شيعة علي(عليه السلام) ليأتيه من يثق به، فيدخل بيته، فيلقي إليه سرّه ويخاف من خادمه ومملوكه، ولا يحدّثه حتّى يأخذ عليه الأيمان الغليظة ليكتمنّ عليه، فظهر حديث كثير موضوع وبهتان منتشر، ومضى على ذلك الفقهاء والقضاة والولاة.

وكان أعظم الناس في ذلك بليّةً القرّاء المراؤون، والمستضعفون من أهل الخشوع والنسك، فيفتعلون الأحاديث ليحظوا بذلك عند ولاتهم، ويقرّبوا مجالسهم، ويصيبوا به الأموال والضياع والمنازل، حتّى انتقلت تلك الأخبار والأحاديث إلى أيدي الديّانين الذين لا يستحلّون الكذب والبهتان، فقبلوها ورووها وهم يظنّون أنـّها حقّ، ولو علموا أنـّها باطلة لما رووها ولا تديّنوا بها.

فلم يزل الأمر كذلك حتّى مات الحسن بن علي عليهما السلام، فازداد البلاء والفتنة، فلم يبق أحد من هذا القبيل إلاّ وهو خائف على دمه، أو طريد في الأرض.

ثمّ تفاقم الأمر بعد قتل الحسين(عليه السلام)، وولّي عبدالملك بن مروان: فاشتدّ على الشيعة، وولّى عليهم الحجّاج بن يوسف، فتقرّب إليه أهل النسك والدين ببغض علي وموالاة أعدائه، فأكثروا في الرواية في فضلهم وسوابقهم ومناقبهم، وأكثروا من الغضّ من علي(عليه السلام) وعيبه والطعن فيه.

قال ابن أبي الحديد: وقد روى ابن عرفة المعروف بابن نفطويه، وهو من أكابر المحدّثين وأعلامهم في تاريخه ما يناسب هذا الخبر، وقال: إنّ أكثر الأحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة اُفتعلت في أيّام بني اُميّة، تقرّباً إليهم بما يظنّون أنـّهم يرغمون به اُنوف بني هاشم. إلى آخر كلامه.الوضّاعون لخدمة مبدأ أو لتعظيم إمام أو لتأييد مذهب

فقد رأينا فيما مرّ أنّ الكثير من الوضّاعين لا يخلو أحدهم من أن يكون إماماً يُقتدى به، أو خطيباً مفوّهاً، قد اكتنفه جمع من الاُمّة يصغون إليه، أو حافظاً مشهوراً يتلقّى منه المحدّثون ثقةً بهم منهم، لما ظهرت فيهم ملامح الصلاح والاستقامة والنسك.

ثمّ إنّهم لمّا كانوا من مختلف المذاهب، فممّا لا عجب إذن أن لو كان كلّ واحد منهم يؤيّد مبدأه، وينصر مذهبه، ويعظّم إمامه بالروايات الموضوعة، والأخبار المختلقة، فريةً على رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم)، لشدّة ما بلغ بهم من التعصب المذهبي الناشئ من اختلافات عقائديّة، فبذلك اتّقدت نار العداوة والتباغض بين المسلمين، فتفارقوا وانقسموا فحلّ عليهم الضعف والهوان، فتحقّقت بذلك أهداف أعداء الدين من الكفّار والمنافقين والمستعمرين.

ثم إنّهم لمّا رأو مالديهم من التنافر والاختلاف، وسّعوا الهوّة ما بين كلّ فريق منهم، فتكاثر الافتعال ووقوع التضارب بين رجال المذاهب حتّى أنّ من كان منهم لم تساعده مقدرته لاقتراف تلك الأفعال الشنيعة والأعمال الفاحشة، عادوا إلى رؤيا مناميّة، وأتوا إلى الناس بمختلقات الأطياف حول المذاهب ورجالاتها.

الحنفيّة

فالأحناف قد جاؤا بروايات مفتعلة على رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) في فضل إمامهم.

كرواية: سيأتي من بعدي رجل يقال له: النعمان بن ثابت، ليُحيِيَنّ دين اللّه وسنّتي على يديه.

أخرجه الخطيب البغدادي في تاريخه [2 : 289] من طريق محمّد بن يزيد المستملي الكذّاب الوضّاع، وقال: هو موضوع باطل. وأخرجه الأميني في غديره [5 : 278].

ورواية: في كلّ قرن من اُمّتي سابقون، وأبو حنيفة سابق في زمانه. أخرجه الخوارزمي في كتابه مناقب أبي حنيفة [1 : 16] وفي جامع مسانيد أبي حنيفة [1:18] بلفظ: أبو حنيفة سابق هذه الاُمّة. والسند مرسل عن ابن لهيعة من طريق حامد بن آدم الكذّاب. كذّبه الجوزجاني وابن عدي، وعدّه أحمد السليماني فيمن اشتهر بوضع الحديث. وقال ابن معين: كذّاب لعنه اللّه، مات سنة 332. راجع: ميزان الذهبي [1 : 447].

ورواية: إنّ في اُمّتي رجلاً اسمه النعمان وكنيته أبو حنيفة، هو سراج اُمّتي، هو سراج اُمّتي، هو سراج اُمّتي.

أخرجه الخطيب البغدادي في تأريخه [13 : 335] وقال: حديث موضوع.

ورواية: يكون في آخر الزمان رجل يكنّى بأبي حنيفة، هو خير هذه الاُمّة. أخرجه الخطيب الخوارزمي في مناقب أبي حنيفة [1 : 14] باسناد باطل.

ورواية: سيكون في اُمّتي رجل يقال له أبو حنيفة هو سراج اُمّتي. قال الشيخ علي القاري في موضوعاته الكبرى: هو موضوع باتّفاق المحدّثين. راجع: كشف الخفاء [1 : 33].

ورواية: يكون في اُمّتي رجل يقال له: النعمان، يكنّى أبا حنيفة، يجدّد اللّه له سنّتي على يديه. عدّه ابن عدي من موضوعات الجويباري الكذّاب الوضّاع. راجع: لسان الميزان [1 : 193]. واللآلي [1 : 238] والغدير [5 : 278ط 2].

ورواية: سيأتي من بعدي رجل يقال له: النعمان بن ثابت، ويكنّى أبا حنيفة يحيي دين اللّه وسنّتي على يديه.

أخرجه الخطيب البغدادي في تأريخه [2 : 289] وقال: باطل موضوع.

ومحمّد بن يزيد متروك الحديث. وسليمان بن قيس، وأبو المعلى مجهولان. وأبان ابن أبي عياش رمي بالكذب. وعدّه ابن حجر في الخيرات الحسان من الموضوعات، كما في كشف الخفاء [1 : 33] قال الأميني في غديره [5 : 278]: محمّد بن يزيد راوي الحديث هو أبو بكر الطرسوسي أحد الكذّابين الوضّاع.

ورواية: يجيء رجل، فيحيي سنّتي، ويميت البدعة، إسمه النعمان بن ثابت.

أخرجه الخطيب الخوارزمي في مناقب أبي حنيفة [1 : 15] من طريق إبراهيم بن أحمد الخزاعي، قال ابن حبّان: يخطئ ويخالف. وعن أبي هدية: إبراهيم الكذّاب الوضّاع الخبيث.

ورواية: إنّ سائر الأنبياء تفتخر بي وأنا أفتخر بأبي حنيفة، وهو رجل تقيّ عند ربّي، وكأنّه جبل من العلم، وكأنّه نبيّ من أنبياء بني إسرائيل، فمن أحبّه فقد أحبّني ومن أبغضه فقد أبغضني. قال ابن الجوزي: موضوع. وقال العجلوني: لا يصلح وإن تعدّدت طرقه. راجع: كشف الخفاء [1 : 33].

ورواية: إنّ آدم افتخر بي وأنا افتخر برجل من اُمّتي اسمه نعمان، وكنيته أبو حنيفة. وهو سراج اُمّتي.

قال العجلوني: موضوع. راجع: كشف الخفاء [1 : 33].

ورواية: لو كان في اُمّة موسى وعيسى مثل أبي حنيفة لما تهوّدوا وما تنصّروا. عدّه العجلوني من الموضوعات، كما في كشف الخفاء [1 : 33].

ورواية: يخرج من اُمّتي رجل يقال له: أبو حنيفة، بين كتفيه خال، يحيي اللّه تعالى على يديه السنّة.

مرسل عن مجاهيل، ذكره الخوارزمي في مناقب أبي حنيفة [1 : 16].

ورواية: عن ابن عبّاس: يطلع بعد رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) بدر على جميع خراسان يكنّى بأبي حنيفة. أخرجه الخوارزمي في مناقب أبي حنيفة [1:18] وفي جامع المسانيد [1 : 17] بإسناد باطل. ـ

ورواية أبي البختري الكذّاب، قال: دخل أبو حنيفة على جعفر بن محمّد الصّادق، فلمّا نظر إليه جعفر، قال : كأنّي أنظر إليك وأنت تحيي سنّة جدّي(صلى الله عليه وآله وسلم)بعدما اندرست، وتكون مفزعاً لكلّ ملهوف، وغياثاً لكل مهموم، بك يسلك المتحيّرون اذا وقفوا، وتهديهم الواضح من الطريق اذا تحيّروا، فلك من الله العون والتوفيق، حتّى يسلك الربانيّون بك الطريق.

أخرجه الخطيب الخوارزمي في مناقب أبي حنيفة [1 : 19].

وقد كانت اُمّة من الحنفيّة الذين لم يقتصروا في المغالاة على تلك الروايات، التي لا تقوم على أساس من الصحّة، بل قد أفرطوا في الثناء على إمامهم إلى حد أن زعم بعضهم بأنّ أبا حنيفة أعلم من الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم). كما ذكر ذلك الخطيب البغدادي في تأريخه [13 : 413]. والأميني في غديره [5 : 280].

قال علي بن جرير: كنتُ في الكوفة فقدمت البصرة، وبها عبداللّه بن مبارك، فقال لي: كيف تركت الناس؟ قال: قلت: بالكوفة قوم يزعمون أنّ أبا حنيفة أعلم من رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم)، قال: قلت: اتخذوك في الكفر إماماً، قال: فبكى حتّى ابتلّت لحيتهـ يعني انّه حدّث عنه ـ .

وروى أيضاً في نفس المصدر [ص 414] عن علي بن جرير، قال: قدمت على ابن المبارك، فقال له رجل: إنّ رجلين تماريا عندنا في مسألة، فقال أحدهما: قال أبو حنيفة. وقال الآخر: قال رسول(صلى الله عليه وآله وسلم)، قال: كان أبو حنيفة أعلم في القضاء، فقال ابن المبارك: أعد عليّ، فأعاد عليه. فقال: كفر كفر، قلت: بك كفروا، وبك اتّخذوا الكافر إماماً، قال: ولِمَ؟ قلت: بروايتك عن أبي حنيفة. قال: أستغفر اللّه من روايتي عن أبي حنيفة.

وروى أبو نعيم في الحلية [6 : 358] عن فضيل بن عياض، قال: إنّ هؤلاء اُشربتْ قلوبُهم حبّ أبي حنيفة، فأفرطوا فيه حتّى لا يرون أنّ أحداً كان أعلم منه.

وكان محمّد بن شجاع أبو عبدالله فقيه أهل العراق يحتال في إبطال الحديث عن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) ورَدِّه، نصرةً لأبي حنيفة ورأيه. راجع: تاريخ بغداد [5: 351] كما ذكره الأميني في غديره [5 : 280] وقال: وهناك قوم قابلوا هؤلاء بالطعن على إمامهم، وشنّوا عليه الغارات، وتحاملوا بالوقيعة عليه، لا يسعنا ذكر جُل ما وقفنا عليه فضلاً عن كلّه، غير أنـّا نذكر منه النّزر اليسير.

قال ابن عبدالبرّ في الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمّة الفقهاء [ص 149]: فممّن طعن عليه محمّد بن إسماعيل البخاري ـ صاحب الصحيح ـ فقال في كتابه في الضعفاء: أبو حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي، قال نعيم بن حماد، حدّثنا يحيى ابن سعيد، ومعاذ بن معاذ، سمعا سفيان الثوري يقول: قيل: استتيب أبو حنيفة من الكفر مرّتين. وذكر الخطيب البغدادي في تأريخه [13 : 379 ]استتابته من الكفر عن جمع كثير. راجع: الغدير [5 : 280].

وقال نعيم عن الفزاري: كنت مع سفيان بن عيينة، فجاء نعي أبي حنيفة، فقال: لعنه اللّه كان يهدم الإسلام عروةً عروةً، وما وُلد في الاسلام مولود أشرّ منه. هذا ما ذكره البخاري.

وقال في [ص 150] من الانتقاء: وذكر الساجي في كتابه العلل في باب أبي حنيفة: إنّه اُستتيب في خلق القرآن فتاب. والساجي ممّن كان ينافس أصحاب أبي حنيفة.

وقال ابن الجارود في كتابه في الضعفاء والمتروكين: النعمان بن ثابت أبو حنيفة، جُلُّ حديثه وهمٌ قد اختُلِف في إسلامه.

وروي عن مالك رحمه اللّه أنـّه قال في أبي حنيفة نحو ما ذكره سفيان: إنّه شرّ مولود في الإسلام، وإنّه لو خرج على هذه الاُمّة بالسيف كان أهون عليه.

وذكره الساجي قال: سمعت وكيع بن الجراح يقول: وجدت أبا حنيفة خالف مائتي حديث عن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم). وذكره الخطيب في تاريخه [13 : 390].

وذكر الساجي قال: حدّثني محمّد بن روح المدائني، قال: حدّثني معلّى بن أسد، قال: قلت لابن المبارك: كان الناس يقولون إنك تذهب إلى قول أبي حنيفة؟ قال: ليس كلّ ما يقوله الناس يصيبون فيه، كنّا نأتيه زماناً ونحن لا نعرفه، فلمّا عرفناه تركناه.

وقال: حدّثني محمّد بن أبي عبدالرحمن المقري، قال: سمعت أبي يقول: دعاني أبو حنيفة إلى الأرجاء غير مرّة، فلم اُجِبه.

وقال ابن عبدالبرّ في الانتقاء [ص 152] كما ذكره الأميني في غديره [5 : 281]: سمع الطحاوي أبو جعفر رجلاً ينشد:

إن كنتِ كاذبةً بما حدّثتِني***فعليكِ إثمَ أبي حنيفة أو زُفر

الواثبين على القياس تعدّياً***والناكبين عن الطريقة والأثر

وزفر هو ابن الهذيل العنبري ثمّ التميمي، أحد أكابر أصحاب أبي حنيفة، وأفقههم وأحسنهم قياساً، ولّي قضاء البصرة، وقد خلف أبا حنيفة إذ مات في حلقته، توفّي سنة [158] انتهى.

وذكر الخطيب في تأريخه [14 : 259]: قال عبداللّه بن أحمد بن حنبل: أصحاب أبي حنيفة لاينبغي أن يُروى عنهم شيء. وسئل عن أبي حنيفة: يُروى عنه؟ قال: لا.

وفي حلية الأولياء [6 : 325] وتاريخ بغداد [13 : 400] عن منصور بن أبي مزاحم، قال: سمعت مالك بن أنس وذُكر أبو حنيفة، قال: كاد الدين، ومن كاد الدين فليس من أهله.

وفي الصفحة المذكورة من الحلية: عن الوليد بن مسلم، قال: قال لي مالك ابن أنس: يُذكر أبو حنيفة ببلدكم؟ قلت: نعم، قال: ما ينبغي لبلدكم أن يُسكن.

وفي الغدير [5 : 282] نقلاً عن تاريخ بغداد [13 : 380]: كان ابن أبي ليلى يتمثّل بأبيات منها:

إلى شنان المرجئين ورأيهم***عمرو بن ذرّ وابن قيس الماصر

وعتيبة الدبّاب لا نرضى به***وأبو حنيفة شيخ سوء كافر

وعن يوسف بن أسباط: ردّ أبو حنيفة على رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم)، أربعمائة حديث أو أكثر.

وعن مالك أنـّه قال: ما ولد في الإسلام مولود أضرّ على أهل الإسلام من أبي حنيفة.

وقال أيضا: كانت فتنة أبي حنيفة على هذه الاُمّة من فتنة إبليس في الوجهين جميعا: في الأرجاء، وما وضع من نقض السنن.

وعن عبدالرحمن بن مهدي: ما أعلم في الإسلام فتنة بعد فتنة الدجّال أعظم من رأي أبي حنيفة.

وعن شريك: لأن يكون في كلّ حيّ من الأحياء خمّار خير من أن يكون فيه رجل من أصحاب أبي حنيفة.

وعن الأوزاعي: عمد أبو حنيفة إلى عرى الإسلام فنقضها عروة عروة، ما وُلد مولود في الإسلام أضرّ على الإسلام منه.

وعن سفيان الثوري أنـّه قال، إذ جاء نعي أبي حنيفة: الحمد للّه الذي أراح المسلمين منه. لقد كان ينقض عرى الإسلام عروة عروة، ما ولد في الإسلام مولود أشأم على أهل الإسلام منه.

وعن عبداللّه بن إدريس: أبو حنيفة ضالّ مُضلّ.

وفي تاريخ الخطيب البغدادي [7 : 17]: عن أحمد بن حنبل أنـّه قال: كان أبو حنيفة يكذب. وقال أيضاً: أصحاب أبي حنيفة ينبغي أن لا يُروى عنهم شيء.

وعن أبي حفص عمرو بن علي: أبو حنيفة صاحب الرأي ليس بالحافظ، مضطرب الحديث. واهي الحديث، وصاحب هوىً.الشافعيّة

أمّا الشافعيّة، فقد رووا رواية لا تثبت صحّتها، وحملوها على إمامهم محمّد بن ادريس الشافعي، كحديث: عالم قريش يملأ طباق الأرض علماً.

قال ابن الحوت في أسنى المطالب [ص 14]: خبر لم يصح، فهو ضعيف. انتهى.

وجاء البعض منهم بفضائل لإمامهم نشأت من رؤيا مناميّة، كما رواه الخطيب البغدادي في تأريخه [1 :8 366] وذلك عن المزني أنـّه رأى رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)في المنام، فسأله عن الشافعي، فقال: من أراد محبّتي وسنّتي، فعليه بمحمّد بن إدريس الشافعي المطلبي، فإنّة منّي وأنا منه.

وفي الصفحة المذكورة أيضاً عن محمّد بن نصر الترمذي. أنـّه قال: كتبت الحديث تسعاً وعشرين سنة، وسمعت مسائل مالك وقوله، ولم يكن لي حُسن رأي في الشافعي، فبينا أنا قاعد في مسجد النبيّ(صلى الله عليه وآله) بالمدينة إذ غفوت غفوة، فرأيت النبيّ(صلى الله عليه وآله) في المنام، فقلت: يا رسول اللّه أكتب رأي أبي حنيفة؟ قال: لا، قلت: أكتب رأي مالك؟ قال: ما وافق حديثي، قلت له: أكتب رأي الشافعي؟ فطأطأ رأسه شبه الغضبان لقولي، وقال: ليس هذا بالرأي، هذا ردّ على من خالف سنتي، فخرجت على إثر هذه الرؤيا إلى مصر، فكتبت كتب الشافعي.

وقال أحمد بن نصر، كما في تاريخ الشام: رأيت النبي(صلى الله عليه وآله) في منامي، فقلت: يار سول اللّه بمن تأمرني أن نقتدي به من اُمّتك في عصرنا، ونركن إلى قوله ونعتقد مذهبه؟ فقال: عليكم بمحمّد بن إدريس الشافعي، فإنّه منّي، وإنّ اللّه قد رضي عنه وعن جميع أصحابه ومن يصحبه ويعتقد مذهبه إلى يوم القيامة، قلت له: وبمن؟ قال: بأحمد بن حنبل، فنعم الفقيه الورع الزاهد. راجع تاريخ الشام لابن عساكر [2:48] والغدير للأميني [5 : 283].

وعن أحمد بن الحسن الترمذي، كما في تاريخ بغداد [6 : 69]: كنت في الروضة فأغفيت فإذا النبيّ(صلى الله عليه وآله) قد أقبل، فقمت إليه فقلت: يا رسول اللّه قد كثر الاختلاف في الدين، فما تقول في رأي أبي حنيفة؟ فقال: اُفّ، ونفض يده، قلت: فما تقول في رأي مالك؟ فرفع يده وطأطأ، وقال: أصاب وأخطأ، قلت: فما تقول في رأي الشافعي؟ قال: بأبي ابن عمّي، أحيا سنّتي.

وعنه أيضاً، كما في نفس المصدر [4 : 231]: رأيت رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) في المنام، فقلت: يا رسول اللّه أما ترى في الناس من الاختلاف؟ قال: فقال لي: في أيّ شيء؟ قلت: أبو حنيفة ومالك والشافعي، فقال: أمّا أبو حنيفة فما أدري من هو، وأمّا مالك فقد كتب العلم، وأمّا الشافعي فمنّي وإليّ.المالكيّة

أمّا المالكية، فقد أتى بعضهم بمختلقات، ووضعوها على رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)، وطبقوها على إمامهم، كرواية: يكاد الناس يضربون أكباد الإبل، فلا يجدون أعلم من عالم المدينة. أخرجه ابن الحوت في أسنى المطالب [ص 14] وعدّه من الموضوعات، وقال سمعته من المالكيّة ولم أره.

أقول: فياليت فيهم من مسائل: اين كان عيال الرسول(صلى الله عليه وآله) في عهد أنس بن مالك، هل انقرضوا؟ أم لم يكن لهم نصيب من العلم، كما لا نصيب لهم ممّا ترك جدّهم الأعظم صلوات اللّه عليه وعليهم؟ أم لم يكونوا أحد الثقلين وأعدال القرآن العظيم؟

ثمّ إنّ منهم من قال بدعوى الإجماع المجرّدة من المسلمين على أنّ المراد من ذلك الحديث المزوّر هو مالك بن أنس، ذاهلاً عن قول محمّد بن عبدالرحمن وكثيرين من الشيوخ المتقدّمين، أنّ هناك رجالاً أفضل من مالك بن أنس، كما رواه الأميني في غديره [5 : 284] عن تاريخ بغداد [2 : 298] فمنهم:

1 ـ الإمام أحمد، قال: كان ابن أبي ذئب أفضل من مالك بن أنس، تاريخ بغداد [2 : 298].

2 ـ يحيى بن سعيد، قال: إنّ سفيان فوق مالك من كلّ شيء في الحديث والفقه والزهد. تاريخ بغداد [9 : 164].

3 ـ عطيّة بن أسباط، قال: إنّ أبا حنيفة أفقه من ملأ الأرض مثل مالك. مناقب أبي حنيفة للشيخ على القاري المطبوع مع الجواهر المضيئة [ص 461].

4 ـ الشافعي وإبن بكير، قالا: إن ليث بن سعيد الفهمي شيخ الديار المصريّة أفقه من مالك. خلاصة التهذيب لصفي الدين الخزرجي [ص 275] وطبقات الحفّاظ للذهبي [1 : 208].

5 ـ أبو موسى الأنصاري، قال: سألت سفيان بن عيينة، فحدّثنا عن ابن جريج مرفوعاً: يوشك أن يضرب الرجل أكباد الإبل في طلب العلم، فلا يجد عالماً أعلم من عالم المدينة. قال أبو موسى: فقلت لسفيان: أكان ابن جريج يقول: نرى أنـّه أنس؟ فقال: إنّما العالم من يخشى اللّه، ولا نعلم أحدا كان أخشى للّه من العمري ـ يعني عبداللّه بن عبدالعزيز العمري ـ راجع تاريخ بغداد [6 : 377].

6 ـ يحيى بن صالح، قال: محمّد بن حسن ـ يعني الشيباني ـ أفقه من مالك. تاريخ بغداد [6 : 377].

وأمّا ثناء النبيّ(صلى الله عليه وآله) على الإمام مالك في الرؤيا المناميّة التي رآها بعض المالكيّة، فيوجد شطر منها في حلية الأولياء [6 : 317].الحنابلة

وأمّا الحنابلة، فإنّهم قد بالغوا في الدعاية إلى مذهبهم وإمامهم مبلغاً لا يصل إلى غيرهم من أهل المذاهب، كما سترى من التقوّلات والأطياف ما يتعجّب منها ذوو الانصاف والتمييز، وقد بلغت مغالاتهم إلى حدّ ما قاله المديني، فيما ذكره الأميني في غديره [5 : 287] نقلاً عن تاريخ بغداد [4 : 418]: إنّ اللّه أعزّ هذا الدين برجلين ليس لهما ثالث: أبو بكر الصدّيق يوم الردّة، وأحمد بن حنبل يوم المحنة.

وقال أيضاً: ما قام أحد بأمر الإسلام بعد رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) ما قام به أحمد بن حنبل، قال الميموني: قلت له: يا أبا الحسن ولا أبو بكر الصدّيق؟ قال: ولا أبو بكر الصدّيق، إنّ أبا بكر الصدّيق كان له أعوان وأصحاب، وأحمد بن حنبل لم يكن له أعوان وأصحاب.

ومنها: ما حكاه ابن الجوزي في مناقب أحمد [ص 297]: عن عبداللّه بن موسى، قال: خرجت أنا وأبي في ليلة مظلمة نزور أحمد، فاشتدّت الظلمة، فقال أبي: يا بنيّ تعال نتوسّل إلى اللّه بهذا العبد الصالح حتّى يضيء لنا الطريق، فإنّي منذ ثلاثين سنة ما توسّلت به الاّ قُضيت حاجتي، فدعا أبي وأمّنت على دعائه، فأضاءت السماء كأنـّها ليلة مقمرة حتّى وصلنا إليه.

وأما ما جاءوا به من الرؤيا المناميّة مما تبهت منها العقول فكثيرة. وإليك شطراً، منها: ما حكاه ابن الجوزي في مناقب أحمد [ص 454] قال: حدّثني أبو بكر ابن مكارم بن أبي يعلى الحربي ـ وكان شيخاً صالحاً ـ قال: قد جاء في بعض السنين مطر كثير جدّاً قبل دخول شهر رمضان بأيّام.

فنمت في ليلة رمضان، فاُريت في منامي كأنـّي قد جئت على عادتي إلى قبر الإمام أحمد بن حنبل أزوره، فرأيت قبره قد التصق بالأرض مقدار ساف أو سافين ـ والساف والسافة: الصفّ من الطين أو اللّبن - فقلت: إنّما تّم هذا على قبر الإمام أحمد من كثرة الغيث، فسمعته من القبر وهو يقول: لا، هذا من هيبة الحقّ عزّ وجلّ; لأنـّه عزّ وجلّ قد زارني، فسألته عن سرّ زيارته إيّاي في كلّ عام، فقال عزّ وجلّ: ياأحمد لأنـّك نصرت كلامي وهو ينشر ويتلى في المحاريب.

فأقبلت على لحده اُقبّله، ثمّ قلت: يا سيدي ما السرّ في أنـّه لا يقبّل قبر إلاّ قبرك؟ فقال لي: يا بنيّ ليس هذا كرامة لي، ولكن هذا كرامة رسول اللّه(صلى الله عليه وآله); لأن معي شعرات من شعره(صلى الله عليه وآله) ألا ومن يحبّني يزورني في شهر رمضان. قال ذلك مرّتين.

وأخرج الحافظ ابن عساكر في تاريخه [2 : 460] كما ذكره الأميني في غديره [5:199] عن أبي بكر بن أنزويه، قال: رأيت في المنام رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) ومعه أحمد ابن حنبل، فقلت: يا رسول اللّه من هذا؟ فقال: هذا أحمد بن حنبل وليّ اللّه ووليّ رسول الله على الحقيقة، وأنفق على الحديث ألف دينار، ثمّ قال: من يزوره غفر اللّه له، ومن يُبغض أحمد فقد أبغضني، ومن أبغضني فقد أبغض اللّه.

وأخرج الخطيب البغدادي في تاريخه [4 : 423] وابن الجوزي في مناقب أحمد [ص481] عن عبدالعزيز قال: سمعت أبا الفرج الهندبائي يقول: كنت أزور قبر أحمد بن حنبل، فتركت مدّة، فرأيت في منامي قائلاً يقول لي: تركت قبر إمام السنّة؟.

وقال ابن الجوزي، كما في البداية والنهاية لابن كثير [12 : 423] رأى رجل في صفر سنة (542) في المنام قائلاً يقول له: من زار أحمد بن حنبل غُفر له، قال: فلم يبق خاصّ ولا عامّ الاّ زاره، وعقدتُ يومئذ ثمّ مجلساً، فاجتمع فيه اُلوف من الناس.

وأخرج ابن الجوزي في مناقب أحمد [ص 481] عن أحمد بن الحسين، عن أبيه، قال: قال الشيخ أبو طاهر ميمون: يا بنيّ رأيت رجلاً بجامع الرصافة في شهر ربيع الأوّل سنة (460) فسألته، فقال: قد جئت من ستمائة فرسخ، فقلت: في أيّ حاجة؟ قال: رأيت وأنا ببلدي في ليلة جمعة، كأنـّي في صحراء أو في فضاء عظيم والخلق قيام، وأبواب السماء قد فُتحت، وملائكة تنزل من السماء، تُلبِس أقواماً ثياباً خضراً، وتطير بهم في الهواء، فقلت: من هؤلاء الذين قد اختصّوا بهذا؟ فقالوا لي: هؤلاء الذين يزورون أحمد بن حنبل، فانتبهت ولم ألبث أن أصلحت أمري وجئت إلى هذا البلد وزرته دفعات، وأنا عائد إلى بلدي إن شاء اللّه.

وأخرج أيضاً ابن الجوزي في مناقب أحمد (ص 482) عن أبي يوسف بن بختان ـ وكان من خيار الصالحين ـ قال: لمّا مات أحمد بن حنبل رأى رجل في منامه كأنّ على كلّ قبر قنديلاً، فقال: ما هذا؟ فقيل له: أما علمت أنـّه نور لأهل القبور، ينوّرهم بنزول هذا الرجل بين أظهرهم، فقد كان فيهم مَن يعذّب فرُحم.

وباسناده عن عبيد بن شريك، قال: مات رجل مخنّث فرئي في النوم، فقال: قد غفر لي، دفن عندنا أحمد بن حنبل، فغفر لأهل القبور.

وباسناده في [ص 483] عن أبي علي الحسن بن أحمد الفقيه، قال: لمّا ماتت اُمّ القطيعي دفنها في جوار أحمد بن حنبل، فرآها بعد ليال، فقالت: يا بنيّ رضي اللّه عنك، فلقد دفنتني في جوار رجل ينزل على قبره في كلّ ليلة ـ أو قالت: في كلّ ليلة جمعة ـ رحمةً تعمّ بجميع أهل المقبرة وأنـا منهم.

وقال: قال أبو علي وحكى أبو ظاهر الجمّال ـ شيخ صالح ـ قال: قرأت ليلةً وأنا في مقبرة أحمد بن حنبل قوله تعالى: )فَمِنْهُمْ شَقِيّ وَسَعيد( ثمّ حملتني عيني، فسمعت قائلاً يقول: ما فينا شقيّ والحمد للّه ببركة أحمد.

وقال: بلغني عن بعض السلف القدماء، قال: كانت عندنا عجوز من المتعبّدات قد خلت بالعبادة خمسين سنة، فأصبحت ذات يوم مذعورةً، فقالت: جاءني بعض الجنّ في منامي، فقال: إنّي قرينكِ من الجنّ، وإنّ الجنّ استرقت السمع بتعزية الملائكة بعضها بعضاً بموت رجل صالح يقال له أحمد بن حنبل، وتربته في موضع كذا، وإنّ اللّه يغفر لمن جاوره، فإن استطعتِ أن تجاوريه في وقت وفاتك فافعلي، فانّي لكِ ناصح، وانّكِ ميتة بعده بليلة، فماتت كذلك، فعلمنا أنـّه منام حقٍّ.المنازعات والاختلافات الفريقيّة

وما زال كلّ واحد من أرباب المذاهب يتغالون في إمامهم، ويتعصّبون كلّ منهم لمذهبهم، فيتنافسون في اختلاف المناقب والفضائل غلوّاً في إمامهم، حتّى أدّت بهم المنافسة إلى المطاعنة فيما بينهم البين، ثمّ انتهت بهم إلى العداء والمقاتلة التي تطرّقت إلى المعارك الهائلة، التي ذهبت فيها نفوس كثيرة، وهلكت أموال وفيرة للمسلمين، كما أخبرنا بذلك الاُستاذ الكبير البحّاث أسد حيدر في كتابه الإمام جعفر الصادق والمذاهب الأربعة [1 : 191].

منها: ما وقع في مرو من النزاع من أهل المذاهب، حتّى كانت الحنفيّة تلعن الحنابلة والشافعيّة على المنابر، وكانت الحنابلة يحرقون مسجداً للشافعيّة.

ووقعت في نيسابور سنة (554) هـ فتنة هائلة للخلاف بين الشافعيّة والحنفيّة، حتّى ذهب تحت هياجها خلق كثير، فحُرقت الأسواق والمدارس، وكثر القتل في الشافعيّة، فانتصروا بعد ذلك على الحنفيّة، وكانوا يسرفون في أخذ الثأر منهم.

ووقعت في اصفهان سنة (716) هـ منازعة بين الشافعيّة والحنابلة، نشأت من التعصّب المذهبي، حتّى كثر القتلى، وحُرقت المساكن والأسواق. وذكر ذلك أيضاً ابن كثير في تاريخه البداية والنهاية [14 : 76] وفي مرآة الجنان [3 : 343].

وكانت الحنابلة في دمشق سنة (323) هـ يستظهرون بالعميان على الشافعيّة الذين كانوا يأوون للمساجد، فإذا مرّ بهم شافعيّ المذهب اغروا به العميان، فيضربونه بعصيّهم، وكان رئيس الحنابلة وزعيمهم الديني الشيخ البربهاري يتولى اثارة الفتنة. راجع تاريخ ابن الاثير [8 : 239].

وقد اجتعمت بقية المذاهب على الحنابلة غضباً من أعمال ابن تيمية، ونودي في دمشق وغيرها: من كان على دين ابن تيمية حلّ ماله ودمه ـ يعني أنـّهم كفرة ـ .

وقال الشيخ أبو الحاتم الحنبلي، كما في تذكرة الحفّاظ [3 : 275]: من لم يكن حنبليّاً فليس بمسلم.

وفي شذرات الذهب [3 : 253]: كان الشيخ عبدالغني المقدسي الحنبلي المتوفى سنة (600) هـ قد لقي من التحامل عليه والتكفير له وللحنابلة بدمشق، ووقع الشيء الكثير حتّى هجر دمشق.

وقد بلغ من فرط تعصّبهم أنهم ذهبوا إلى أشياء بعيدة من الدين، كما ذهب إليها الكيدانيّ وغيره من الحنفيّة من منع اقتداء بعض المذاهب بالبعض الآخر، وكسّر بعضهم سبابة مصلّ في التشهّد; لأن ذلك محرّم عندهم. راجع: الوحدة الاسلاميّة [ص145ـ146] والإمام الصادق [1 : 170].

وكان سلطان محمود سنة (408) هجرية قد قتل جماعة ونفى آخرين من المعتزلة والشيعة وأمر بلعنهم على المنابر.

وكا في سنة (403) قد صدر مرسوم من البلاط العبّاسي يتضمّن القدح في نسب العلويين خلفاء مصر، وانـّهم ليسوا من أبناء علي(رضي الله عنه). راجع: الامام الصادق [1 : 313] وشذرات الذهب [2 : 186].

وكانت الحنابلة كما في طبقات الشافعيّة [3 : 109] قد تعصّبوا على شيخ الشافعيّة، وكان عالمهم المبرّز، فتكلّموا فيه وبالغوا بالأذى بألسنتهم، فثارت فتنة عظيمة أدّت إلى ذهاب النفوس من الطرفين، وانتصر السلطان لأبي إسحاق إبراهيم بن يوسف الفيروزآبادي، فسجن شيخ الشافعيّة. وتعصّبوا أيضاً على الفقيه الشافعي أبي منصور المتوفى سنة (567) هـ حتّى قتلوه بالسمّ، وكان من زعماء الشافعيّة المبرّزين.

قال ابن الجوزي: ان الحنابلة دسّوا إليه امرأةً جاءت اليه بصحن حلوى، وقالت: هذا يا سيّدي من غزلي، فأكل هو وامرأته وولد له صغير فأصبحوا موتى.

وقتل كذلك أبو الحسن بن فورك بالسم بسبب التعصّب المذهبي.

وحبس أبو علي خادم المستنصر أحد أئمّة الشافعيّة في مصر، وكان يجلس في حلقة ابن عبدالحكيم ويناظرهم، فسعوا به إلى السلطان وقالوا: هذا جاسوس فحبسه سبع سنين.

واجتمع أئمّة المذاهب في هراة عند ملك ألب أرسلان يستغيثون به من الشيخ محمد بن عبداللّه الأنصاري الحنبلي، بعد أن جعلوا صنماً تحت سجّادته، وقالوا للملك: إنّه مجسِّم، وانـّه يترك في محرابه صنما يزعم أنّ اللّه على صورته، ففحص الملك فوجد الأمر كذلك. راجع: تذكرة الحفّاظ [3 : 358].

ولعلّ من أعظم تلك الفتن التي وقعت بين المذاهب هي فتنة ابن القشيري عندما ورد بغداد سنة (469) هجريّة، وكان يذمّ الحنابلة وينسبهم إلى التجسيم، وكتب إلى الوزير يشكو الحنابلة ويسأله المعونة، وهجم على زعيم الحنابلة عبدالخالق بن عيسى، ووقع قتال بين الطرفين عظيم. راجع: طبقات الحنابلة [1:22] لابن رجب.

فياليت شعري أليست تلكم الثورات الدمويّة التي ذهب تحت هيجانها كثير من النفوس والأموال إلاّ نتائج الخلاف المذهبي، حتّى أصبح المسلمون أعداء متخاصمين متحاسدين متقاتلين متباغضين؟ وأين يا ترى مصداق قول من قال: الاختلاف بين الاُمّة رحمة؟ أذلك كلّه هو المعنيّ عندهم بالرحمة المستفادة من الخلاف والاختلاف حتّى همّ أنصار كلّ فرقة من الفرق أن تبتغي سُلّماً لإيصال الاساءات والأذيّات إلى الفرقة الاُخرى بأي وسيلة وبكل مالديهم من الطاقة؟

قال قاضي دمشق محمّد بن موسى الحنفي، المتوفّى سنة (506) هجرية: لو كان لي من الأمر شيء لأخذت على الشافعيّة الجزية.

وقال أبو حامد الطوسي، المتوفّى سنة (567) هجرية: لو كان لي أمر لوضعت على الحنابلة الجزية. راجع: الامام الصادق [1 : 190].

وهذا الآمدي المتوفّى سنة (631) هجرية، وكان في أوّل أمره حنبليّاً، ولما سافر إلى بغداد انتقل إلى مذهب الشافعي، وعاد إلى مصر، فحسده جماعة من فقهاء البلاد، وتعصّبوا عليه، ونسبوه إلى فساد العقيدة حتّى وضعوا خطوطهم، بما يستباح بها دمه.

وكان القاضي المالكي الحارث بن مسكين أمر بإخراج الشافعيّة والحنفيّة من المسجد وينزع إلى حصرهم، وكان حينئذ يتولّى القضاء في مصر.

وكان الحسن بن أبي بكر النيسابوري لمّا قدم بغداد سنة (538) تحامل على الأشعري وعلى الشافعيّة حتىّ اُخرج أبو الفتح الاسفرائيني من بغداد لما حصل فيها من الفتن بين الأشعرية والشافعيّة. راجع: وفيات الاعيان [1 : 301] لابن خلكان، والإمام الصادق [1 : 193] لأسد حيدر.

وكان الشيخ علي بن حسن الملقّب بسيف الدين حنبليّاً ثمّ صار شافعيّاً، فتعصّب عليه فقهاء البلاد وحكموا عليه بالكفر والزندقة. مرآة الجنان [4 : 24 ]والامام الصادق [1 : 193].

وكان أبو سعيد المتوفّى سنة (562) هجريّة حنفيّ المذهب، وتحوّل شافعيّاً، ولقي عناءً وامتحن لذلك. وكان السمعاني ممّن انتقل من المذهب الحنفي إلى المذهب الشافي، ولقي عناءً وتعصّبا، وقامت الحروب على ساق، واضطرمت نيران الفتنة بين الطرفين، فكانت تملأ ما بين خراسان والعراق. واضطرب أهل مرو اضطراباً فظيعاً، وكان عبدالعزيز الخزاعي من أكابر المالكيّة فلمّا قدم الإمام الشافعي بغداد تبعه وقرأ عليه كتبه ونشر علمه.

وكان الشيخ محمّد بن عبداللّه، المتوفّى سنة (268) مالكيّاً، فلمّا قدم الشافعي إلى مصر، انتقل إلى مذهبه.

وكان أبو جعفر بن نصر الترمذي سنة (295) هـ حنفيّاً، فلمّا حجّ انتقل إلى مذهب الشافعي.

وكان أبو جعفر الطحاوي شافعيّاً وتفقّه على خاله المزني، ثمّ تحوّل حنفيّاً بعد ذلك. وكذا الخطيب البغدادي كان في سنة (493) هـ حنبليّاً، ثم صار شافعيّاً. وكذا ابن فارس صاحب كتاب المجمل في اللغة كان شافعيّاً تبعاً لوالده، ثمّ انتقل إلى مذهب مالك. وكذلك الشيخ محمّد بن الدهان النحوي، كان في سنة (590) هـ حنبليّاً، ثمّ انتقل إلى مذهب الشافعي، ثمّ تحوّل حنفيّاً حين طلب الخليفة أن يعلّم ولده النحو، ثمّ تحوّل شافعيّاً. وكذا الشيخ تقي الدين بن دقيق كان مالكي المذهب، ثمّ تحوّل إلى مذهب الشافعي. راجع: الدين الخالص [3 : 355].

وكلّ هؤلاء امتحنوا وعذّبوا من قبل أنصار المذاهب الذين يتحوّلون منها، وأمثالهم كثير حتّى أصبح التكتّم لازماً. وإلى ذلك أشار الشاعر أبو بكر محمّد بن عبدالباقي المتوفى سنة (535) وكان حنبليّاً:

إحفظ لسانك لا تبح بثلاثة***سنٍّ ومال ما استطعت ومذهبِ

فعلى الثلاثة تبتلى بثلاثة***بمكفّر وبحاسد ومكذّبِ

ومن هذا القبيل قال الزمخشري:

إذا سألوا عن مذهبي لم أبح به***وأكتمه كتمانه لي أسلم

فإن حنفيّاً قلت قالوا بأنـّني***أبيح الطِلا وهو الشراب المحرّم

وان شافعيّاً قلت قالوا بأنـّني***أبيح نكاح البنت والبنت تحرم

وإن مالكيّاً قلت قالوا بأنـّني***أبيح لهم لحم الكلاب وهم هم

وقال أيضا كما في تفسيره الكشاف [2 : 498 ط. بولاق]:

كثر الشك والخلاف فكلّ***يدّعي الفوز بالصراط. السويّ

فاعتصامي بلا إله سواه***ثمّ حبّي لأحمد وعليّ

فاز كلب بحب أصحاب كهف***كيف أشقى بحبّ آل نبيّالتناكر والاختلاف بين الفرق الاسلاميّة

ومن نتائج الخلاف والاختلاف إنكار بعضهم على بعض، ومن ذلك إنكار السنيّين يوم الغدير ويوم عاشورا ما قامت به الشيعة، وكان يصحب هذا الإنكار اعتداء أدّى إلى إراقة الدم بين الفريقين وقَتْلِ خلق كثير. ذكر ذلك ابن كثير في البداية والنهاية [11 : 235].

وممّا يضحك الثاكل الحزين، ويبكي ذوي الإنصاف من المؤمنين، ما رواه ابن كثير في نفس المصدر [ص 102] أنّ السنيّين قاموا بما قامت به الشيعة، من النياحة على ابن الزبير مقابلةً للحسين(عليه السلام)، وأقاموا الزينة يوم الغار مقابل يوم الغدير. وذكر ذلك أيضا ابن العماد الحنبلي في شذرات الذهب [3 : 130] وأسد حيدر في كتابه الامام الصادق(عليه السلام) [1 : 203].

ثمّ إنّ الشيعة لمّا استمرّت بإقامة عيد الغدير وإقامة يوم عاشورا، ضاق أعداؤهم ذرعاً، فعمدوا إلى مقابلة الشيعة بأن اركبوا امرأة وسمّوها عائشة، وتَسمّى بعضهم بطلحة، وقالوا: نقاتل أصحاب علي، وذلك في سنة (363) هـ ، فقتل بسبب ذلك خلق كثير. راجع البداية والنهاية [11 : 235].

ثمّ انّ الحنابلة أقامت النياحة على إمامهم أحمد بن حنبل، ولازموا قبره مدةً من الزمن إظهاراً للتفجيع، واُقيمت مجالس العزاء عليه.

قال محمّد بن عيسى النيسابوري: ينبغي لكلّ أهل دار في بغداد أن يقيموا على أحمد بن حنبل النياحة في كلّ دورهم. كذا في طبقات الحنابلة [2 : 51].

وكذلك لمّا مات ابن تيميّة سنة (728) هـ ناح عليه خمسون ألف امرأة، ومائتا ألف رجل يرفعون أصواتهم بالتكبير ممزوجاً بالبكاء والعويل، ولما غسل شربوا ماء غسله تبرّكاً به، ونادى مناد أمام جنازته: هكذا جنائز أهل السنّة، واُقيمت عليه المآتم ينوح عليه خلق كثير، منهم شمس الدين الذهبي. كذا في العقود الدريّة في مناقب ابن تيميّة [ص 299].

وفعلوا كذلك بكثير غيرهم، كشيخ الحرمين حتّى تطوّف تلامذته في الشوارع ينوحون عليه إلى سنة كاملة، كما في طبقات الشافعيّة [3 : 259] والامام الصادق(عليه السلام) [1 : 204].

وكذلك ما وقع لأبي عمر الحنبلي، المتوفّى سنة (607) هـ حتّى أنـّهم تسابقوا إلى تمزيق كفنه يتبرّكون به، ولولا الدولة لما وصل من كفنه إلى قبره شيء. كذا في شذرات الذهب [3 : 30].

والعجيب أنـّهم ينكرون على الشيعة ما أقاموها يوم كربلاء ويوم الغدير، وينسبون ذلك إلى بدعة وهم بأنفسهم يعملونه، ويرون ذلك من الاُمور المستحسنة، كما قاله محمّد بن عيسى الذي أسلفنا ذكره.

ومُلخّص القول وصل ما جرى بين أرباب المذاهب وأنصارها إلى حدّ أن يدّعي القوم لإمامهم اُموراً، حتّى أنّ المالكيّة قالوا: إنّه مكتوب على فخذ إمامهم بقلم القدرة: مالك حجة اللّه في أرضه، كذا ذكره الشرنوبي في كتابه شرح تائيّة ابن الفارض كما في كتاب الامام الصادق والمذاهب الأربعة [1 : 196] وقال شاعر المالكي:

إذا ذكروا كتب العلوم فحيّ هل***بكتب الموطّأ من تصانيف مالك

فشُدَّ به كفّ الصيانة تهتدي***فمن حاد عنه هالك في الهوالك

وجاءت الحنابلة وقالوا ما قالوا غلُوّاً في إمامهم الى حدّ أن زعموا أنـّه ما قام بأمر الإسلام أحد بعد رسول اللّه كما قام به أحمد بن حنبل، ولا أبو بكر الصدّيق مثله، وإنّ اللّه جلّ وعلا كان يزور قبره، كما أسلفنا ذكره عن مناقب أحمد لابن الجوزي.

وفي طبقات الحنابلة [1 : 13]: من أبغض أحمد بن حنبل فهو كافر، فقيل له: أتطلق عليه اسم الكفر؟ قال: نعم، من أبغض أحمد عاند السنّة. ومن عاند السنّة، قصد الصحابة، ومن قصد الصحابة أبغض النبيّ(صلى الله عليه وآله)، ومن أبغض النبيّ كفر باللّه العظيم.

وفي تذكرة الحفّاظ [3 : 375]: قال أبو حاتم بن جاموس بالريّ، وكان مقدّم أهل السنة: كلّ من لم يكن حنبليّاً فليس بمسلم.

وقال شاعر الحنبلي:

سبرت شرائع العلماء طرّاً***فلم أر كاعتقاد الحنبليّ

فكن من أهله سرّاً وجهراً***تكن أبداً على النهج السويّ

وقال شاعر الحنفي:

غدا مذهب النعمان خير المذاهب***كذا القمر الوضّاح خير الكواكب

مذاهب أهل الفقه عندي تقلّصت***وأين عن الروسي نسج العناكب

وقال شاعر الشافعي:

مثل الشافعي في العلماء***مثل البدر في نجوم السماء

قل لمن قاسه بالنعمان جهلاً***أيُقاس الضياء بالظلماء

وان تعجب فعجب ما يقوله كثير من الناس انّ الاختلاف رحمة وسعة افتتحت به سبل الافتكار، واتّسع به مجال للاجتهاد والابتكار، اخذاً بقول القاسم بن محمّد بن أبي بكر فيما روي عنه مسنداً أنـّه قال فيما ذكره ابن عبدالبرّ في كتابه جامع بيان العلم [2 : 96]: لقد نفع اللّه باختلاف أصحاب محمّد.

وفي رواية: لقد أوسع على الناس باختلاف أصحاب محمّد(صلى الله عليه وآله).

وإلى ذلك ذهب عمر بن عبدالعزيز، حيث قال كما في نفس المصدر: ما اُحبّ أنّ أصحاب رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) لم يختلفوا; لأنـّه لو كان قولاً واحداً كان الناس في ضيق.

قال ابن عبدالبرّ: فهذا مذهب القاسم بن محمّد بن أبي بكر ومن تابعه، وهذا المذهب ضعيف عند أهل العلم، وقد رفضه أكثر الفقهاء، وأهل النظر. انتهى.

وكانت حجّة اُولئك القوم في ذلك حديث: أصحابي كالنجوم فبأيّهم اقتديتم اهتديتم، وهذا الحديث كما هو معلوم باطل عند الباحثين والمحقّقين من العلماء وأهل النظر، لا يقتضي علماً ولا عملاً، ومطعون في سنده ودلالته.

أمّا من حيث سنده، فلأنّ في طريقه حمزة النصيبي، والحارث بن غصين، والأوّل متّهم، والثاني مجهول.

قال الحافظ الذهبي في كتابه ميزان الاعتدال [1 : 284]: قال ابن معين: حمزة النصيبي لا يساوي فلساً. وقال البخاري: منكر الحديث. وقال الدارقطني: متروك. وقال ابن عدي: مرويّاته موضوعة. وقال ابن حجر العسقلاني: الحارث بن غصين قال ابن عبدالبرّ: مجهول. راجع: لسان الميزان [2 : 156] للعسقلاني.

وقال ابن عبدالبرّ في كتابه جامع العلم [2 : 111] عند إيراده الحديث المذكور: هذا إسناد لا تقوم به الحجّة; لأنّ فيه الحارث بن غصين مجهول.

وأمّا بطلان دلالته، فلأنّ المخاطبين حينئذ بلفظ اقتديتم هم أصحابه، والمشبهون بالنجوم هم جميع أصحابه; لأنّ الجمع المنكر المضاف في قوله(صلى الله عليه وآله): أصحابي يفيد العموم عند علماء الاُصول.

أفيحتمل إذن أن يكون المراد والمدلول أن يقتدي كلّ فرد منهم بغيره، مع أنّ كلّ واحد منهم نجم يقتدى به؟ وما عسى أن يقال إذن في قتلة عثمان والمتقاعدين عن نصرته؟

ثمّ إنّ ممّا يؤيّد قول من قال ببطلان صحّة الحديث المذكور كونه معارضاً بما هو صحيح السند وصريح الدلالة لخلافه، هو حديث الحوض، ما أخرجه البخاري في صحيحه [4 : 94] في باب الصراط جسر جهنّم، أنـّه(صلى الله عليه وآله) قال: يرد عليّ الحوض رجال من أصحابي فيجلون عنه. فأقول: يا ربّ أصحابي، فيقال: إنّك لا علم لك بما أحدثوا بعدك، إنّهم ارتدّوا على أدبارهم القهقرى.

وأخرج أيضاً في الصفحة المذكورة، أنـّه(صلى الله عليه وآله) قال: ليردنّ عليّ أقوام أعرفهم ويعرفوني، ثمّ يحال بيني وبينهم، فأقول: إنّهم منّي، فيقال: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: سحقاً سحقاً لمن غيّر بعدي.

وأخرج أيضا في [3 : 85] في باب وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم انـّه(صلى الله عليه وآله) قال: يجاء برجال يوم القيامة، فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: يا ربّ أصحابي، فيقال: إنّك لاتدري ما أحدثوا بعدك، إنّ هؤلاء لم يزالوا مرتدّين على أعقابهم منذ فارقتهم.

وأخرج أيضاً في [4 : 174]: انـّه(صلى الله عليه وآله) قال: لتتبعنّ سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع، حتّى لو دخلوا جحر ضبّ لتبعتموهم، قلنا: يا رسول اللّه! اليهود والنصارى؟ قال: فمن.

فلنعد إلى ما نحن بصدده، وذلك في قول بعضهم: إنّ الاختلاف رحمة وسعة.

وأمّا مالك والشافعي ومن سلك سبيلهما، كالليث بن سعد، والأوزاعي، وأبي ثور، وجماعة من أهل النظر، فإنّهم قالوا: إنّ الاختلاف إذا تدافع فهو خطأ وصواب.

قال ابن عبدالبر: كان مالكاً والليث يقولان في اختلاف أصحاب رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) ليس كما قال ناس فيه توسعة، ليس كذلك إنّما هو خطأ وصواب.

وفي رواية: قال مالك: في اختلاف أصحاب رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) مخطئ ومصيب، فعليك بالاجتهاد.

وفي رواية: قد ذكره إسماعيل بن اسحاق في كتابه المبسوط عن أبي ثابت، قال: سمعت ابن القاسم يقول: سمعت مالكاً والليث بن سعد يقولان في اختلاف أصحاب رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) أنّ اُناساً يقولون فيه توسعة، فقالا: ليس كذلك إنّما هو خطأ وصواب.

وفي رواية لمّا سئل مالك عن ذلك، فقال: لا واللّه حتى يصيب الحقّ وما الحقّ إلاّ واحد، قولان مختلفان يكونان صوابين جميعاً؟ وماالحقّ والصواب إلاّ واحد.

وأمّا المزني، فقد احتجّ في ذلك على اُولئك بقوله عزّ وجلّ: )وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْد غَيْرِ اللّهِ لَوَجدَوا فيه اختلافاً كثيراً( [النساء: 82] قال: فذمّ الاختلاف، وقال تعالى: )وَلا تَكُونُوا كَالّذينَ تَفَرّقُوا وَاخْتَلَفُوا( [آل عمران: 105] وقال تعالى: )فَاِنْ تَنازَعْتُمْ في شَيء فَرُدّوهُ إلى اللّهِ وَرَسُولِه( الآية [النساء: 59] فلو كان الاختلاف من دينه ماذمّه. ولو كان التنازع من حكمه ما أمرهم بالرجوع إلى الكتاب والسنّة.

قال أبو العالية في قوله تعالى: )شَرَعَ لَكُمْ مِن الدّينِ ما وَصّى بِهِ نُوحاً وَالذي أوْحَيْنا إلَيْكَ وَما وَصّينا بِهِ إبْراهيمَ وَمُوسى وَعيسى أنْ أقيمُوا الدّينَ وَلا تَتَفرّقُوا فيه( [الشورى:13] قال: إقامة الدين: إخلاصه )وَلا تَتَفَرّقوا فِيه( قال: لا تتعادوا عليه وكونوا إخوانا، ثمّ ذكر بني إسرائيل وحذّرهم أن يأخذوا بسنتهم، قال جلّ ذكره: )وَما تَفَرّقُوا إلاّ مِنْ بَعْدِ ما جَاءَهُم الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُم(.

قال مجاهد: )وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِين( أهل الباطل )إلاّ مَنْ رَحِمَ ربّي( قال: أهل الحقّ. وقد ذكر ابن عبدالبرّ اختلاف جمع من الصحابة في كتابه جامع بيان

العلم [2: 104] في باب الدليل في أقاويل السلف على أنّ الاختلاف خطأ وصواب.

ومنه قطع عمر بن الخطّاب اختلاف الصحابة في الكبير على الجنائز وردّهم إلى أربع تكبيرات. وقال في آخر الباب المذكور: وفي رجوع أصحاب رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)بعضهم إلى بعض وردّ بعضهم على بعض، دليل واضح على أنّ الاختلاف عندهم خطأ وصواب.

ولقد أحسن القائل:

إثبات ضدّين معاً في الحال***أقبح ما اُتي من المحالالتخطّي في الاجتهاد منشأ الاختلاف

وأمّا ما ارتأى لبعضهم بأنّ الاجتهاد منشأه الاختلاف، فلولاه لما اتّسعت دائرة العلوم والمعارف، واستدلوا في ذلك بالحديث المروي عن عمرو بن العاص، وعن أبي هريرة، بطريق عبدالرزّاق عن معمّر، الذي قال البخاري فيه: أخشى أن يكون وهم فيه ـ اي في إسناده ـ .

ولفظ الحديث: اذا حكم الحاكم واجتهد وأصاب فله أجران، وإن اجتهد وأخطأ فله أجر.

فقد اختلف الفقهاء في تأويل هذا الحديث، كما ذكره ابن عبدالبرّ في كتابه جامع بيان العلم [2 : 86] فقال قوم منهم: لا يؤجر من أخطأ; لأنّ الخطأ لا يؤجر أحد عليه، وحسبه أن يرفع عنه المأثم، وردّوا ذلك الحديث بقوله(صلى الله عليه وآله): تجاوز اللّه لاُمّتي عن خطئها ونسيانها.

وبحديث القضاة ثلاثة: قاضيان في النار، وقاض في الجنّة. فأمّا اللذين في النار: فرجل جار متعمّداً فهو في النار، ورجل إجتهد فأخطأ فهو في النار. وأمّا الذي في الجنّة، فرجل إجتهد فأصاب الحقّ فهو في الجنّة. قال قتادة: فقلت لأبي العالية: ماذنب هذا الذي اجتهد فأخطأ؟ قال: ذنبه أن لا يكون قاضياً إذا لم يعلم. وأمّا الشافعي، فإنّه قال: لا يؤجر على الخطأ; لأنّ الخطأ في الدين لا يؤجر به أحد، وإنّما يؤجر لإرادته الحقّ الذي أخطأه.

قال المزني: أثبت الشافعي في قوله هذا، أنّ المجتهد المخطئ أحدث في الدين ما لم يؤجر به ولم يُكلّفه، وانّما اُوجر في نيّته لا في خطئه.

وأمّا مالك فإنّه قال: من سعادة المرء أن يوفّق في الصواب والخير. ومن شقوة المرء أنـّه لا يزال يخطئ. فهذا دليل على أن ّ المخطئ عنده وان اجتهد فليس بمرضيّ الحال.

وأمّا أبو حنيفة، فقد اختلف قوله في هذ الباب، فمرّة يقول: أمّا أصحاب رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) فآخذ بقول من شئت منهم، ولا أخرج عن قول جميعهم، وإنّما يلزمني النظر في أقاويل من بعدهم من التابعين ومن دونهم.

قال ابن عبدالبرّ: جعل للصحابة في ذلك ما لم يجعل لغيرهم، وأظنّه مال إلى ظاهر حديث أصحابي كالنجوم واللّه أعلم. وإلى نحو هذا كان أحمد بن حنبل يذهب.

وذكر العقيلي قال: حدّثنا هارون بن علي المقري، قال: حدّثنا محمّد بن عبدالرحمن الصيرفي، قال: قلت لأحمد بن حنبل: إذا اختلف أصحاب رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)في مسألة هل يجوز لنا أن ننظر في أقوالهم لنعلم مع من الصواب منهم فنتبعه؟ فقال لي: لا يجوز النظر بين أصحاب رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)، فقلت: كيف الوجه في ذلك؟ قال: تقلّد أيّهم أحببت.

قال أبو عمر: لم ير النظر فيما اختلفوا فيه خوفاً من التطرّق إلى النظر فيما شجر بينهم وحارب فيه بعضهم بعضاً. وقد روى السمتي عن أبي حنيفة أنـّه قال في قولين للصحابة، أحد القولين خطأ، والمأثم فيه موضوع.

وقال أيضا كما في [ص 103] من كتابه المذكور: وقد اختلف أصحاب رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)، فخطّأ بعضهم بعضاً، ونظر بعضهم في أقاويل بعض وتعقّبها، ولو كان قولهم كلّه صواباً عندهم لما فعلوا ذلك.

وقد جاء عن ابن مسعود في غير مسألة أنـّه قال: أقول فيها برأيي، فإن يك صواباً فمن اللّه، وإن يك خطأ فمنّي وأستغفر اللّه.

وغضب عمر بن الخطّاب من اختلاف اُبي بن كعب وابن مسعود في الصلاة في الثوب الواحد، إذ قال اُبي: الصلاة في الثوب الواحد حسن جميل، وقال إبن مسعود: إنما كان ذلك والثياب قليلة، فخرج عمر مغضباً، فقال: اختلف رجلان من أصحاب رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) ممّن يُنظر إليه ويُؤخذ عنه، وقد صدق اُبىّ ولم يأل ابن مسعود، ولكنّي لا أسمع أحداً يختلف فيه بعد مقامي هذا إلاّ فعلت به كذا وكذا.اختلاف أئمّة المذاهب في مسائل عديدة

وقد اختلف أئمّة المذاهب في مسائل عديدة يعرفها من يتصفّح كتبهم ومصنّفاتهم.

منها: في الجمع بين الصلاتين، فأبو حنيفة ذهب إلى عدم جواز الجمع بين الصلاتين بعذر السفر بحال، سوى الظهر والعصر بعرفة، والمغرب والعشاء بمزدلفة.

وأمّا الشافعي ومالك وأحمد بن حنبل، فقد ذهبوا بجواز الجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء في وقت واحد بعذر السفر تقديماً أو تأخيراً، كما ذكره في غنية المتملّي [ص 244] على ما في كتاب الإمام الصادق والمذاهب الأربعة [6:356] بل وقد أجاز الشافعي الجمع بين الصلاتين تقديماً في وقت الاُولى منها بعذر المطر، وكذلك مالك وأحمد، غير أنهما أجازا الجمع بين العشاءين فقط، سواء قوي المطر أو ضعف إذا كان يبل الثوب، لا بين الظهر والعصر سواء قوي المطر أو ضعف.

قال أبو اسحاق الشيرازي: ويجوز الجمع بين الصلاتين في المطر، لما روى ابن عبّاس رضي اللّه عنه، قال: صلّى رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) الظهر والعصر والمغرب والعشاء جمعاً من غير خوف ولا سفر. قال مالك: أرى ذلك في وقت المطر. الى آخر كلامه.

ورأي مالك هذا مدفوع عند بعضهم، الذين يرون جواز الجمع مطلقا، والحديث كما نرى دليل لهم في ذلك، لانتفاء علّة الخوف من أيّ كان، سواء من البلل، أو من أعباء السفر، أو غير ذلك.

ولقد قال ابن المنذر كما في الامام الصادق والمذاهب الأربعة [6 : 357]: لامعنى لحمل الأثر على عذر من الأعذار، لأنّ ابن عبّاس أخبر بالعلّة، وهو قوله: أراد أن لا يحرج اُمّته، كما في الرواية الاُخرى التي سيلي ذكرها.

وقال النووي في شرحه لصحيح مسلم [5 : 218 ـ 219] بعد ذكر أخبار الجمع: أمّا حديث ابن عبّاس، فلم يجمعوا على ترك العمل به، بل لهم أقوال:

منهم من تأوّله على أنـّه(صلى الله عليه وآله) جمع بعذر المطر، وهذا مشهور عن كبار المتقدّمين، وهو ضعيف بالرواية الاُخرى: من غير خوف ولا مطر.

ومنهم من تأوّله على أنـّه كان في غيم، فصلّى الظهر، ثمّ انكشف الغيم وبان وقت العصر فصلاّها. وهذا أيضاً باطل; لأنـّه وإن كان فيه أدنى احتمال في الظهر والعصر، فلا احتمال فيه في المغرب والعشاء.

ومنهم من تأوّله على تأخير الاُولى إلى آخر وقتها، فلمّا فرغ منها دخلت الثانية فصلاّها، فصارت صلاته صورة جمع. وهذا أيضا ضعيف أو باطل; لأنـّه مخالف للظاهر مخالفةً لا تُحتمل، وفعل ابن عبّاس الذي ذكرناه حين خطب، واستدلاله بالحديث لتصويب فعله، وتصديق أبي هريرة له وعدم انكاره، صريح في ردّ هذا التأويل.

ومنهم من قال: هو محمول على الجمع بعذر المرض، أو نحوه ممّا هو في معناه من الأعذار. وهذا قول أحمد بن حنبل، والقاضي حسين من أصحابنا، واختاره الخطابي والمتولي، والرؤياني من أصحابنا، وهو المختار في تأويله لظاهر الحديث، ولفعل ابن عبّاس، وموافقة أبي هريرة، ولأنّ المشقّة فيه أشدّ من المطر.

وذهب جماعة من الأئمّة، كما في شرح النووي لصحيح مسلم [5:218ـ219 ]إلى جواز الجمع في الحضر للحاجة، لا لمن يتخذه عادة. وهو قول ابن سيرين، وأشهب من أصحاب مالك، وحكاه الخطابي عن القفال، عن أبي إسحاق المروزي، عن جماعة من أصحاب الحديث. واختاره ابن المنذر، ويؤيّده ظاهر قول ابن عبّاس: أراد أن لا يحرج اُمّته. فلم يعلّله بمرض ولا غيره، واللّه اعلم.

وقال أشهب: إنّ للمقيم رخصة الجمع بين الصلاتين لغير عذر مطر ولا مرض. قال الباجي، كما في شرح الموطأ [1 : 255]: وهذا قول ابن سيرين.

وقال شيخ الإسلام الأنصاري، كما في تحفة الباري في شرح البخاري [2:292 ]ما معناه: والتأوّل بأنـّه فرغ من الاُولى فدخل وقت الثانية خلاف الظاهر.

وقال القسطلاني في كتابه ارشاد الساري في شرح البخاري [2 : 293] ما معناه: والتأوّل على الجمع الصوري، بأن يكون أخّر الظهر إلى آخر وقتها، وعجّل العصر في أوّل وقتها، ضعيف لمخالفة الظاهر.

قال الفخر الرازي في التفسير الكبير [21 : 25] في قوله تعالى: )أقِم الصّلاةِ لِدُلُوكِ الشّمْس( [الاسراء: 78] ما ملخّصه: انّ أوقات الصلاة ثلاثة: وقت الزوال، ووقت المغرب، ووقت الفجر. وقال: وهذا يقتضي أن يكون الزوال وقتاً للظهر والعصر، فيكون هذا الوقت مشتركاً بين الصلاتين، وأن يكون أوّل المغرب وقتاً للمغرب والعشاء، الى آخر كلامه.

وقال البغوي، كما في معالم التنزيل بهامش الخازن [4 : 141]: كانت الآية جامعة لمواقيت الصلاة كلّها، فدلوك الشمس يتناول الظهر والعصر، وإلى غسق الليل يتناول المغرب والعشاء، وقرآن الفجر هو صلاة الصبح. انتهى.

وأمّا الأحاديث: فقد أخرج مسلم في صحيحه [1 : 285 ط بندوغ] في باب الجمع بين الصلاتين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس، قال: صلّى رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)الظهر والعصر جميعا، والمغرب والعشاء جميعاً، من غير خوف ولا سفر.

وأخرج أيضاً عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس بلفظ: صلّى رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)الظهر والعصر جميعاً في المدينة من غير خوف ولا سفر. وأخرجه مالك في الموطأ [1 : 291] شرح الزرقاني.

قال أبو الزبير: فسألت سعيداً لِمَ فعل ذلك؟ فقال: سألت ابن عبّاس كما سألتني، فقال: أن لا يحرج أحداً من اُمّته. راجع شرح النووي لصحيح مسلم [5:215].

وفيه أيضاً عن مسلم، عن جابر بن زيد، عن ابن عبّاس: أنّ رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)صلّى بالمدينة سبعاً وثمانياً، الظهر والعصر، والمغرب والعشاء.

وعن عبداللّه بن شقيق، كما في شرح النووي [5 : 217] قال: خطبنا ابن عبّاس يوماً بعد العصر حتّى غربت الشمس وبدت النجوم، وجعل الناس يقولون: الصلاة الصلاة، قال: فجاء رجل لا يفتر ولا ينثني، فقال: الصلاة الصلاة، فقال ابن عبّاس: أتعلّمني بالسنّة؟ لا اُمّ لك، ثمّ قال: رأيت رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) جمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء.

وقال عبداللّه بن شقيق: فحاك في ذلك في صدري شيء، فأتيت أبا هريرة فسألته، فصدّق مقالته.

وفي رواية اُخرى كما في نفس المصدر [ص 218] قال رجل لابن عبّاس: الصلاة فسكت، ثمّ قال: الصلاة، فسكت. ثمّ قال: الصلاة، فسكت، ثمّ قال ابن عبّاس: لا اُمّ لك، أتعلّمنا بالصلاة؟ كنّا نجمع بين الصلاتين على عهد رسول اللّه(صلى الله عليه وآله). أخرجه مسلم في صحيحه في باب جواز الجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء.

قال الاُستاذ أسد حيدر في كتابه الامام الصادق والمذاهب الأربعة [6:361]: هذه الآثار تدلّ بصراحة على جواز الجمع بين الصلاتين وأنـّه مشروع، وعلّة تشريعه هي التوسعة على الاُمّة، وعدم إحراجها بسبب التفريق.

وهذه الآثار منها ما يدلّ على الجواز في السفر، ومنها ما هو مطلق لا يختصّ بمورد، وهذا يدلّ على ما نقوله، وإنّ تأويلها على خلاف ذلك، أو حملها على شيء غيره، أمر لا يتّفق مع الواقع، وقد تقدم ذلك فيما ذكره النووي.

والأحاديث الواردة في جواز الجمع متّفق على صحّتها ولزوم الأخذ بها، وإن كان البخاري قد أهمل الكثير منها، فذلك لا يضرّ بعد أن كان تخريجها على شرطه.

وكيف كان فإنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) شرع ذلك لئلاّ يحرج اُمّته، كما نطقت به الأخبار السابقة. وورد ذلك أيضاً عن أهل البيت(عليهم السلام).

قال الإمام الصادق(عليه السلام): إنّ رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) جمع بين الظهر والعصر بأذان وإقامتين، وجمع بين المغرب والعشاء في الحضر، من غير علّة، بأذان واحد وإقامتين.

وعنه أيضاً قال: إنّ رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) صلّى الظهر والعصر في مكان واحد من غير علّة ولا سفر، فقال له عمر: أحدث في الصلاة شيء؟ قال(صلى الله عليه وآله): لا، ولكن أردت أن اُوسّع على اُمّتي.

وعنه أيضاً قال: صلّى رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) بالناس الظهر والعصر حين زالت الشمس في جماعة من غير علّة. وصلّى بهم المغرب والعشاء الآخر قبل سقوط الشفق من غير علة في جماعة، وإنّما فعل رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) ليتّسع الوقت على اُمّته. إلى غير ذلك من الأخبار الواردة في الباب. راجع: الوسائل [3 : 160] باب جواز الجمع بين الصلاتين لغير عذر من أبواب المواقيت.

وعلى أيّ حال فإنّ المتتبّع المنصف لا يجد دليلاً على منع الجمع في الحضر من غير عذر، وإنّما كانت هناك تأويلات وظنون، أو حمل للأخبار على غير مؤدّاها.

وقد جمع النبيّ(صلى الله عليه وآله) في حال العذر، كما جمع في حال عدمه، لئلاّ يحرج اُمّته. وقد وردت عنه(صلى الله عليه وآله) سنّة صحيحة صريحة، ونطق الكتاب بها، كقوله تعالى: )أقِم الصّلاةِ لِدُلُوكِ الشّمْس ِإلى غَسَقِ الّليْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إنّقُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً (كما تقدّم بيانه في كلمة الرازي السابقة، وعليه جمع من المفسّرين.

وقد أخذ الشيعة بتلك النصوص الصريحة فجوّزوا الجمع، ووافقهم جمع من علماء المسلمين، ولا خلاف بينهم بأنّ التفريق أفضل.

والذي يظهر من مجموع الأقوال وموارد الخلاف، أنّ المراد بالجمع بين الصلاتين، هو إيقاعهما في وقت واحد تقديماً أو تأخيراً، من غير وقوع شيء بينهما من نافلة وأوراد مستحبّة.

وإذا نظرنا بعين الواقع، فإنّ عمل أكثر الشيعة يقع على جهة التفريق، من حيث الالتزام بالنوافل، وأداء المستحبّات، وبذلك تقع الصلاة في وقت الفضيلة.

فلنقف عند هذا الحدّ من البحث في موضوع الفقه، ولعلّ في هذا البيان من ذكر اختلاف الآراء وكثرة الأقوال الذي تعرّضنا لها كفاية لمن أراد أن يتحقّق جليّة الأمر الواقع في عهد الرسول(صلى الله عليه وآله) من بين متضارب الأقوال، ومختلفات آراء الرجال.

/ 11