اهل البیت (ع) و مصلحة الاسلام العلیا نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

اهل البیت (ع) و مصلحة الاسلام العلیا - نسخه متنی

مقدادی فؤاد

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

ثانياً: دوائر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

وللأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ثلاث دوائر هي:

أ ـ الدائرة الاولى هي دائرة الامة داخلياً، سواء أكان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر على صعيد فردي فيها، أو على صعيد جماعي، كما لو استشرت حالة المنكرات والإعراض عن المعروف استشراءً اجتماعياً عاماً، أو كانت هناك منظمات خاصة تقبع وراء انتشار المنكرات والإعراض عن المعروف بشكل مباشر أو غير مباشر، لذا جعل الاسلام غايته وقوامه في هذه الدائرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فعن الرسول(صلى الله عليه وآله)أنه قال: لا ينبغي لنفس مؤمنة ترى من يعصي اللّه فلا تنكر عليه ([542])، وقال أمير المؤمنين(عليه السلام): فرض اللّه تعالى النهي عن المنكر ردعاً للسفهاء ([543])، وعنه(عليه السلام)ايضاً قال: غاية الدين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإقامة الحدود ([544])، وقال أيضاً: قوام الشريعة الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وإقامة الحدود ([545]). كما أن في الأمر بالمعروف تحقيقاً لمصلحة العامة في المجتمع الاسلامي الموحَّد، وذلك قول أمير المؤمنين(عليه السلام): فرض اللّه تعالى... الأمر بالمعروف مصلحة للعوام ([546]).

ب ـ الدائرة الثانية هي دائرة حكّام الجور التي طالما جاهدها المؤمنون المجاهدون في أغلب أدوار المسيرة الاسلامية عبر تاريخها الطويل ; والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في هذه الدائرة من أفضل الجهاد لقول رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) : ألا لا يمنعن رجلاً مهابة الناس أن يتكلم بالحق إذا علمه، ألا إن أفضل الجهاد كلمة حقٍّ عند سلطان جائر ([547]).

وقال الامام علي(عليه السلام): ان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يقربان من أجل ولا ينقصان من رزق، ولكن يضاعفان الثواب ويعظمان الأجر، وأفضل منهما كلمة عدل عند امام جائر ([548]). بل إن البرَّ كلّه والجهاد في سبيل اللّه لا يعدلان قيمة ودور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ; لقول امير المؤمنين(عليه السلام): ما اعمال البرّ كلّها، والجهاد في سبيل اللّه عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلاّ كنفثة في بحر لجّي ([549])، وما نهضة الامام الحسين(عليه السلام)وأهل بيته الكرام، وثورته على يزيد المنحرف الجائر إلاّ تصديق لهذا الأمر الالهي، وصدعٌ بكلمة الحق في وجه السلطان الجائر الذي رام حرف الدين، والاجهاز على أصوله وتعطيل فروعه ومحو صورته الالهية التي جاهد رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)، وأهل بيته الطاهرون(عليهم السلام)وأصحابه الكرام (رضوان اللّه تعالى عليهم) لتثبيتها وتوحيد الأمة عليها، وهو القائل(عليه السلام)في ذلك: وإني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنّما خرجت لطلب الاصلاح في أمّة جدّي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدّي وأبي ([550]).

ولولا ثورة الامام الحسين(عليه السلام) والمواقف الجهادية المتواصلة لأئمة أهل البيت(عليهم السلام)وأتباعهم المخلصين، لوجدنا أن الأمة الاسلامية الواحدة أمم متعددة بعدد سلاطين الجور والضلال، ولما حصل هذا الانفصال والتقابل بين الأمة المؤمنة وهؤلاء السلاطين، ولما جعل منها أمة واحدة في مواجهة ألوان الجاهلية والتجبّر والطغيان، رغم الحدود والموانع المختلفة بين شعوبها وأوطانها.

ج ـ الدائرة الثالثة هي الدائرة الخارجية التي تدفع فيها الأمة الاسلامية عن نفسها من جهة كل منكر يغزوها من الأمم الضالة، وكل معروف مزوّر يفدها من المجتمعات الجاهلية، وذلك قول الامام الباقر(عليه السلام): إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبيل الأنبياء ومنهاج الصلحاء، فريضة عظيمة بها تقام الفرائض، وتأمن المذاهب، وتحلّ المكاسب، وتردّ المظالم، وتعمّر الأرض، وينتصف من الأعداء، ويستقيم الأمر، فأنكروا بقلوبكم، والفظوا بألسنتكم، وصكّوا بها جباههم، ولا تخافوا في اللّه لومة لائم ([551]).

ومن جهة أخرى تتحمل الأمة الاسلامية مسؤوليتها الكبرى في دعوة الامم والشعوب الاخرى إلى الاسلام وبيانه لهم عقيدة حق، ونظام سعادة، وحضارة كمال للانسان على الأرض لقوله تعالى: (وَما أَرسلْناكَ إلاّ كافّةً للنّاسِ بَشيراً ونَذيراً)([552]). وقوله تعالى أيضاً (وَما أَرسلْناكَ إلاّ رحمةً لِلعالَمينَ)([553])، ولكون الأمة الاسلامية تنفرد دون غيرها بأنها خير الأمم، لشرف انتمائها للاسلام الذي وحّدها وميّزها عن الأمم الأخرى، وعظمة الرسالة التي تحملها للناس: (كُنتُم خَيرَ أُمّة أُخرِجَتْ لِلنّاسِ تَأمُرونَ بالمَعروفِ وتَنهَونَ عن المُنكرِ وتُؤمِنونَ باللّهِ ولَوْ آمنَ أهلُ الكِتابِ لَكانَ خَيراً لهمْ مِنهُم المُؤمنونَ وأكثَرُهُم الفاسِقونَ)([554]).

ثالثاً: أثر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في بناء الأمة الاسلامية والحفاظ على كيانها الواحد.

إن للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر آثاراً عظيمة على صعيد بناء الامة الاسلامية، والحفاظ على وحدتها قوية شامخة، ومن أبرزها:

أ ـ تحقيق الوحدة والتماسك الداخلي على أساس التقوى والعدل، وامتلاك القدرة على الحد من حالات الطغيان والظلم التي قد تظهر في اوساط الامة، سواء أكان على صعيد أفراد أو قوىً أو قيام دول وبروز حكّام ينزون على السلطة فيها ويجنحون إلى الجور والفساد، وبعكسه سوف ينتشر الفساد في أوساطها، وتذهب ريحها وتتمزّق أوصالها، وتتفرق شيعاً وأحزاباً يلعب بمقدّراتها أهل الفجور والفساد، ويملك المستكبرون أمرها، ويسومها الطغاة الظلم والجور، ويجرّعها المتجبرون الذلّ والهوان، وينهش أطرافها ويستحوذ على ثرواتها العتاة والشذّاذ من الأمم الأخرى، فقد جاء في كتاب اللّه الحكيم: (فلَولا كانَ مِن القُرون مِن قَبلِكُم أولُو بَقيّة يَنهَونَ عَن الفَسادِ في الأرضِ إلاّ قليلاً مِمَّن أنجَينا مِنهُم واتَّبَع الّذين ظَلمُوا ما أُترِفوا فيهِ وكانوا مُجرمينَ)([555]).

وعن أمير المؤمنين(عليه السلام) قال: اعتبروا أيّها الناس بما وعظ اللّه به أولياءه من سوء ثنائه على الأحبار إذ يقول: (لَولا يَنهاهُم الرَّبّانيّونَ والأحبارُ عَن قَولِهم الإثمَ)([556])، وقال: (لُعنَ الّذينَ كفَروا مِن بَني إسرائيلَ ـ إلى قوله ـ لَبِئسَ ما كانُوا يَفعَلونَ)([557]) وإنما عاب اللّه ذلك عليهم لأنهم كانوا يرون من الظلمة الذين بين أظهرهم المنكر والفساد، فلا ينهونهم عن ذلك رغبة فيما كانوا ينالون منهم، ورهبةً مما يحذرون ; واللّه يقول: (فَلا تَخشَوا النّاسَ واخشَوني)([558])، وقال: (المُؤمنونَ والمُؤمناتُ بعضُهم أولياءُ بعض يأمُرونَ بالمَعروفِ ويَنهَونَ عَن المُنكرِ)([559]) فبدأ اللّه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضةً منه، لعلمه بأنها إذا أُدّيت وأقيمت استقامت الفرائض كلها هينها وصعبها، وذلك أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دعاء إلى الاسلام، مع ردِّ المظالم، ومخالفة الظالم، وقسمة الفيء والغنائم، وأخذ الصدقات من مواضعها ووضعها في حقها ([560]).

بل تفقد الامة لطف اللّه سبحانه باستجابة دعائها للخلاص مما هي فيه من بلاء ، إن هي تركت فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولم تعد اليها، فعن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) قال: إذا لم يأمروا بمعروف ولم ينهوا عن منكر ولم يتبعوا الأخيار من أهـل بيتي، سلّط اللّه عليهم شرارهم، فيدعـو عند ذلك خيارهم فلا يستجـاب لهـم ([561])، وعن أمير المـؤمنين(عليه السلام)قال: لتأمـرنّ بالمعـروف ولتنهُنّ عن المنكر([562])، أو ليستعملنّ عليكم شراركم، فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم ([563]).

ب ـ تقوية شوكة الامة الاسلامية أمام الأمم الأخرى، وظهورها بمظهر القوّة الواحدة التي تُرهب أعداء اللّه والاسلام، ذلك أن قوّة شوكتها امام الاعداء ناشئة من قوّة بنائها الداخلي، وتماسكها الذاتي الذي حصّنها من نفوذ قوى الكفر والجاهلية، وجعلها قوّة تُرهب أعداء اللّه ورسوله، مضافاً إلى كونها تترصد العدو، وتحذره بما تملك من الحس بالمنكر فتنكره قبل أن ينفذ إلى أوساطها، والحس بالمعروف فتعلنه وتأمر به لينشأ منه رأي عام يملك الآفاق والنفوس، فعن الرسول(صلى الله عليه وآله) أنه قال: لا يزال الناس بخير ما أمروا بالمعروفونهوا عن المنكر، وتعاونوا على البر ([564]).

ثم إن الأمة الاسلامية قد تحمّلت مسؤولية دعوة الناس للدخول في دين اللّه الحق، ورفع الحجب التي وضعها المستكبرون والطغاة ليحولوا بين البصائر ورؤية الحق حقّاً فيتبع والباطل باطلاً فيجتنب، والصبر على ما يصيبها من كيد الاعداء وفتنتهم، فقد جاء على لسان لقمان(عليه السلام) في القرآن الكريم: (يا بُنيَّ أقِم الصَّلاةَ وأمُرْ بالمعروفِ وانهَ عن المُنكرِ واصبِرْ على ما أصابكَ إنَّ ذلكَ مِنْ عَزْمِ الأُمورِ)([565])، كما أن النصر الإلهي في تحقيق هذه الأهداف أثر من آثار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على هذا الصعيد، لقول رسول اللّه(صلى الله عليه وآله): يا أيها الناس، إن اللّه يقول لكم: مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوا فلا أجيب لكم، وتسألوني فلا اعطيكم وتستنصروني فلا انصركم ([566])، كما ربط اللّه تعالى حرمان بركات الوحي ونزع هيبة الاسلام من الأمة، بتركها للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتعظيم الدنيا، فعن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) قال: إذا عظّمت أمتي الدنيا نُزعت منها هيبة الاسلام، وإذا تركت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حرمت بركة الوحي ([567]). وعنه(صلى الله عليه وآله) ايضاً: لا يزال الناس بخير ما أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، وتعاونوا على البر، فإذا لم يفعلوا نُزعت عنهم البركات وسلّط بعضهم على بعض، وليس لهم ناصر في الأرض ولا معين ([568])، كما ربط ذهاب قوّة الأمة وفقدها لعزّتها بتركها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فعن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)قال: لتأمرنّ بالمعروف ولتنهنَّ عن المنكر أو ليلحينّكم([569])اللّه كما لحيت عصاي هذه ([570])، وعنه(صلى الله عليه وآله) ايضاً: لتأمرنّ بالمعروف وتنهنّ عن المنكر أو ليبعثنَّ اللّه عليكم العجم فليضربنَّ رقابكم، وليكونّن أشداء لا يفرّون ([571]).

6 ـ التعاون على البرِّ والتقوى:

البرّ هو أوسع صور الإحسان وأصدقها، وما اقترانه بالتقوى في كثير من الآيات الكريمة والروايات الشريفة، إلاّ دليل على أن البرّ يفتقر في ديمومته ونموّه في الكيف والكم إلى تقوى البارّ للّه تعالى ; كما أنهما لا ينهضان ولا يظهران حالة اجتماعية وسلوكاً عاماً لأبناء الأمة، إلاّ إذا تناجى المسلمون بهما وتعاونوا عليهما، والتعاون عليهما عمل جماعي يجب أن يمارس على صعيد الامة، لتتحقق بذلك الأخوّة بأفضل صورها وأعلى رتبها، وتكون عاملاً حاسماً في رفع ودفع كل صور الإثم والعدوان والعصيان من واقع الأمة، وتوحيدها في المبدأ والمسار والمصير، ورصّ صفوفها على صراط اللّه المستقيم وسبيله القويم، وفي ذلك قال اللّه تعالى في محكم كتابه المجيد: (يا أيُّها الّذينَ آمَنوا إذا تَناجَيتُم فلا تَتَناجَوا بالإثمِ والعُدوانِ ومَعصِيةِ الرَّسولِ وتَناجَوا بالبِرِّ والتَقوى واتّقوا اللّهَ الّذي إليهِ تُحشَرونَ)([572])، وفي آية أخرى قال اللّه تعالى: (تَعاوَنوا على البِرِّ والتَقوى ولا تَعاونوا على الإثمِ والعُدوانِ واتَّقوا اللّهَ إنَّ اللّهَ شديدُ العِقابِ)([573])، وجاء عن الامام الصادق(عليه السلام)في وصيته لأحد أصحابه قوله: من صالح الاعمال البر بالاخوان، والسعي في حوائجهم، ففي ذلك مرغمة للشيطان، وتزحزح عن النيران ، ودخول الجنان. أخبر بهذا غرر أصحابك... هم البررة بالإخوان في العسر واليسر ([574]).

ويؤكّد المضمون المبدئي للبر وارتباطه المعنوي بالتقوى أن علامات وصفات البارّ هي نفس علامات وصفات التقي، كما في قوله تعالى: (وليسَ البِرُّ بأنْ تَأتوا البُيوتَ مِن ظُهورِها ولكنَّ البرَّ مَن اتَّقى وأْتُوا البُيوتَ مِن أبوابِها واتَّقوا اللّهَ لعلَّكم تُفلِحونَ)([575])، كما جاء في الحديث عن الرسول(صلى الله عليه وآله) في علامات البارّ قوله : يحبّ في اللّه، ويبغض في اللّه ويصاحب في اللّه، ويفارق في اللّه، ويغضب في اللّه، ويرضى في اللّه، ويعمل للّه، ويطلب اليه ويخشع خائفاً مخوفاً، طاهراً مخلصاً ، مستحيياً مراقباً، ويحسن في اللّه ([576]).

وهكذا فإن أمة هذه صفات أبنائها، واللّه الواحد الأحد محورها في كل شيء، هي لا شك أمة التوحيد والوحدة في عقيدتها وحياتها وحركتها.

ويؤكد الامام الصادق(عليه السلام) دور التعاون على البر وأثره في بناء الأمة الصالحة وتوحدها في اللّه، وأنه يُثمر الحب في اللّه، والتواصل والتراحم فيما بين أبناء الأمة ، وهذا هو أعلى صور الأخوّة والتوحّد في اللّه ومن أجل اللّه، وذلك لتفريعه(عليه السلام)كل ذلك على البرِّ في قوله: اتقوا اللّه، وكونوا إخوة بررة، متحابّين في اللّه، متواصلين، متراحمين ([577])، وجاء عنه(عليه السلام) أيضاً: تواصلوا، وتبارّوا، وتراحموا، وتعاطفوا ([578])، وجاء عنه(عليه السلام) ايضاً: تواصلوا وتبارّوا وتراحموا، وكونوا إخوة بررة كما أمركم اللّه عزَّوجل ([579]).

بل إن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) يرى أن بذل النفس في سبيل اللّه من أعلى درجات البر، فقد قال(صلى الله عليه وآله): فوق كل ذي برّ برّ حتى يقتل في سبيل اللّه فليس فوقه برّ ([580]). وبذلك يكون التعاون على البر جهاداً يدفع عن الأمة كيد الأعداء، ويحفظ بيضة الاسلام من الخطر، وهو عمل أمة متحدة على أسس الايمان والتقوى والبذل والتضحية والصبر في البأساء والضرّاء وحين البأس، لقوله عزَّ من قائل في كتابه الكريم: (ليسَ البِرَّ أنْ تُولّوا وجُوهَكم قِبَلَ المشرِقِ والمغرِبِ ولكنَّ البِرَّ مَن آمن باللّهِ واليومِ الآخرِ والملائكةِ والكِتابِ والنَبيّينَ وآتى المال على حُبّهِ ذَوي القُربى واليتامى والمساكينَ وابنَ السبيلِ والسائلينَ وفي الرِّقابِ وأقامَ الصَّلاةَ وآتى الزَّكاةَ والمُوفونَ بعهدهم إذا عاهَدوا والصَّابرينَ في البأساءِ والضَّرّاءِ وحِينَ البأسِ أُولئكَ الّذينَ صَدَقوا وأُولئكَ هُم المُتَّقونَ)([581]).7 ـ الاستباق إلى فعل الخير وإشاعته:

لقد طفح القرآن الكريم والسنّة الشريفة بالدعوة إلى فعل الخير والاستباق إليه وإشاعته، فقد قال الامام علي(عليه السلام): عليكم باعمال الخير فبادروها، ولا يكن غيركم أحق بها منكم ([582])، وذلك لكونه أعم الاسس الأخلاقية في تكوين الانسان الصالح والأمة الصالحة، وبناء وحدتها وتطبيق مبدأ الأخوّة بين أبنائها، لاجتماع حقيقة الدين فيه، لقول أمير المؤمنين(عليه السلام) فيه: جماع الخير في الموالاة في اللّه، والمعاداة في اللّه، والبغض في اللّه، والمحبّة في اللّه ([583]). وقال الامام الصادق(عليه السلام): جعل الشر كله في بيت وجعل مفتاحه حب الدنيا، وجعل الخير كله في بيت وجعل مفتاحه الزهد في الدنيا ([584]).

وقد صرّح القرآن الكريم بالسبب الكامن وراء الاختلاف والتفرّق وهو اتباع الأهواء، كما صرّح بالعلاج لهذا الداء الوبيل وهو الحكم بما أنزل اللّه واستباق الخيرات، فإنّها الاساس الأخلاقي الأمثل لتوحيد الأمة ورفع الاختلاف فيما بينها ، ومن آيات ذلك قوله تعالى: (وأَنزلْنا إليكَ الكِتابَ بالحقِّ مصدِّقاً لما بَينَ يدَيهِ مِن الكِتابِ ومُهَيمِناً عَليهِ فاحكُمْ بينَهُم بِما أنزلَ اللّهُ ولا تتَّبِعْ أهواءَهُم عَمّا جاءكَ مِن الحقِّ لكلّ جَعلْنا مِنكُم شِرعةً ومِنهاجاً ولو شاءَ اللّهُ لجَعَلَكُم أُمّةً واحِدةً ولكنْ ليَبلُوَكم فيما آتاكُم فاستَبِقوا الخَيراتِ إلى اللّه مَرجِعُكم جَميعاً فيُنبِّئُكم بِما كُنتُم فيهِ تَختَلِفونَ)([585]).

كما جعل اللّه سبحانه من أبرز أعمال أوليائه ـ رسلاً وأئمة ـ فعل الخيرات، وأنها أحد اركان العبادة له سبحانه وتعالى، حيث قال في محكم كتابه الكريم: (وجَعلْناهُم أئِمّةً يَهدونَ بأمرِنا وأوحَينا إليهِمْ فِعلَ الخَيراتِ وإقامَ الصَّلاةِ وإيتاءَ الزَّكاةِ وكانُوا لنا عابِدينَ)([586]).

ومن أبرز سنن الخير التي تضفي على الأمة الاسلامية روح الأخوّة والسلام ، وتخلق فيها أجواء الحب والوئام، وتميّزها عن غيرها من الامم هي سنّة افشاء السلام، فقد ورد عن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) أنه قال: ألا أخبركم بخير أخلاق أهل الدنيا والآخرة؟ قالوا: بلى يا رسول اللّه، فقال: إفشاء السلام في العالم ([587])، وورد عن أمير المؤمنين(عليه السلام) أنّه قال: سُنّة الأخيار لين الكلام وإفشاء السلام ([588]).

أمّا أنه كيف تعرف الخير وأهله فقد ورد وصفهم في حديث المعراج على لسان رب العزة قال: يا أحمد، إن أهل الخير وأهل الآخرة رقيقة وجوههم كثيرٌ حياؤهم، قليل حمقهم كثيرٌ نفعهم، قليل مكرهم، الناس منهم في راحة وانفسهم منهم في تعب، كلامهم موزون، محاسبين لانفسهم متعبين لها، تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم، اعينهم باكية وقلوبهم ذاكرة، إذا كتب الناس من الغافلين كتبوا من الذاكرين... ولا يشغلهم عن اللّه شيء طرفة عين. ولا يريدون كثرة الطعام ولا كثرة الكلام ولا كثرة اللباس. الناس عندهم موتى واللّه عندهم حيّ قيوم ... ([589]) .

وأمّا أنه كيف تنتمي إلى أهل الخير واُمته وذلك قول أمير المؤمنين(عليه السلام): ألا وإنّ اللّه سبحانه قد جعل للخير أهلاً، وللحق دعائم، وللطاعة عصماً ; وإن لكم عند كل طاعة عوناً من اللّه سبحانه يقول على الألسنة، ويثبّت الأفئدة فيه كِفاءٌ لمكتف، وشفاءٌ لمشتف ([590])، فقد ورد في معرفة خير الناس أنه: قال رجلٌ للنبي(صلى الله عليه وآله)..: أحبّ أن اكون خير الناس، فقال: خير الناس مَنْ ينفع الناس فكن نافعاً لهم ([591]). وقال(صلى الله عليه وآله) أيضاً: خير الناس من انتفع به الناس ([592])، وعن أمير المؤمنين(عليه السلام)أنّه قال: خيرُ الناس من نفع الناس ([593])، وعنه(عليه السلام) أيضاً: خير الناس من تحمّل مؤنة الناس ([594]) وعن معرفة الخير والشر وأهلهما يقول أمير المؤمنين(عليه السلام): إن الخير والشر لا يُعرفان إلاّ بالناس، فإذا أردت أن تعرف الخير فاعمل الخير تعرف أهله، وإذا اردت أن تعرف الشر فاعمل الشر تعرف أهله ([595]) .

أمّا خير الأخيار وأفضلهم فقد عرّفه رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) بقوله: خيركم مَنْ دعاكم إلى فعل الخير ([596])، وقال(صلى الله عليه وآله) أيضاً: خيرٌ من الخير معطيه ([597])، وعن أمير المؤمنين(عليه السلام) أنه قال: افعلوا الخير ما استطعتم فخيرٌ من الخير فاعله ([598])، وعنه أيضاً قال: فاعل الخير خيرٌ منه وفاعل الشر شرٌ منه ([599]).

اتقوا اللّه، وكونوا إخوة بررة252

اجعل شرائف صلواتك ونوامي بركاتك على محمد عبدك213

إذا استقبل المصلّي القبلة استقبل الرحمن بوجهه لا إله غيره 227

إذا عظّمت أمتي الدنيا نُزعت منها هيبة الاسلام250

إذا قال الرجل لأخيه ياكافر فهو كقتله204

إذا لم يأمروا بمعروف ولم ينهوا عن منكر ولم يتبعوا249

استعدّوا للبلاء، واعلموا أن اللّه تعالى حاميكم193

... اصبر على الحق فإنه لم يصبر أحدٌ قط لحقٍّ238

اعتبروا أيّها الناس بما وعظ اللّه به248

اعتزل عملنا لا أُمّ لك وتنحَّ عن منبرنا 142

افعلوا الخير ما استطعتم فخيرٌ من الخير فاعله 256

الأمر بالمعروف أفضل أعمال الخلق 243

الامر بالمعروف والنهي عن المنكر خلقان من خلق اللّه241

الحسن والحسين ابناي، من أحبّهما أحبّني164

الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا 136

الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنّة135

الحمد للّه الذي خلق الدنيا فجعلها دار189

الحمد للّه العزيز الجبار الواحد الأحد القهار الكبير المتعال141

الحمد للّه لا إله غيره ولا شريك له143

الحمد للّه، وما شاء اللّه، ولا قوة إلاّ باللّه، وصلى اللّه على رسوله185

الزم الحق يُنزلك منازل أهل الحق يوم لا يُقضى إلاّ بالحق 236

السابقون إلى ظل العرش طوبى لهم236

الصلاة عمود الدين 228

العزُّ أن تذلّ للحق إذا ألزمك 236

القرآن غنيّ لا غنى دونه، ولا فقر بعده 211

اللّه اللّه في الصلاة ; فإنها عمود دينكم 228

اللّهم إنا عترة نبيك محمد188

اللهم إني أحبه فأحبه واحب من يحبه136

اللهم أهل بيتي وخاصتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً219

اللّه، هذان ابناك فانحلهما136

المسلمون أخوة تتكافأ دماؤهم233

المؤمن أخو المؤمن كالجسد الواحد، إن اشتكى شيئاً232

الناس عبيد الدنيا، والدين لعق على ألسنتهم188

النجوم امان لأهل الارض من الغرق، واهل بيتي امان لأهل الارض من الاختلاف 221

اُمرت أن اُقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلاّ اللّه203

ان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر246

إن ائ مر بالمعروف والنهي عن المنكر سبيل الأنبياء ومنهاج الصلحاء247

إن الخير والشر لا يُعرفان إلاّ بالناس256

إن اللّه إذا أراد بعبد خيراً شرح صدره للإسلام237

إن اللّه أدّب نبيّه9 حتى إذا أقامه214

إن اللّه جعل للمعروف أهلاً من خلقه حبب244

إن اللّه خلق الخلق... وأمرهم بما يكون229

إن اللّه ليبغض المؤمن الضعيف الذي لا دين له،243

إن المؤمن ليزهر نوره لأهل السماء234

إن المؤمن ولي اللّه يعينه ويصنع له234

إنَّ دين اللّه لا يُعرف بالرجال، بل بآية الحق235

إنما جعلت الجماعة لئلاّ يكون الاخلاص والتوحيد228

انما مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح221

إنّما يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر من كانت فيه ثلاث خصال242

... ان وليتموها عليّاً وجدتموه هاديا مهديّاً222

إنها معذرة إلى اللّه عزوجل وإليكم186

انه سيأتي عليكم بعدي زمان ليس فيه شيءٌ اخفى من الحقّ207

إني أنا اللّه لا إله إلاّ أنا فاعبدوني206

إني خشيت أن يُجتثّ المسلمون عن وجه الارض161

إني قد سمعت كلامك في مجلس معاوية161

اُوصيكم بالصلاة وحفظها، فإنها خير العمل228

اين النجم من الشمس والقمر؟ أما إنه قد أغنى وأبلى وله فضله143

أتاني جبرئيل فقال: يا محمد سيكون في اُمّتك فتنة210

أحِبّ لأخيك المسلم ما تحب لنفسك234

... أرسله على حين فترة من الرسل، وتنازع في الألسن213

أرى ـ واللّه ـ أن معاوية خير لي من هؤلاء159

أفضل الناس عند اللّه من كان العمل بالحق237

... أَلا إنَّ فيه علم ما يأتي، والحديث عن الماضي212

ألا أخبركم بخير أخلاق أهل الدنيا والآخرة254

ألا لا يمنعنَّ رجلاً مهابة الناس أن يتكلّم بالحق239

ألا لا يمنعن رجلاً مهابة الناس أن يتكلم بالحق246

ألا وإنّ الحقَّ مطايا ذلل، ركبها أهلها وأعطوا أزمّتها236

ألا وإنّ اللّه سبحانه قد جعل للخير أهلاً255

أما بعد، فإن ّ الطاغية قد صنع بنا172

أما بعد، فقد بلغني كتابك أنه بلغك174

أنا أرد الحامية؟ وإنما أرد على جدي رسول اللّه194

أنشدكم باللّه إلاّ رجعتم172

أول الدين معرفته، وكمال معرفته التصديق به206

أَوِّهِ على إخواني الذين تلوا القرآن فأحكموهُ210

أي شيء سميت ابني؟164

أيها الناس، اسمعوا قولي189

أيها الناس، إنّا جئنا ندعوكم إلى اللّه وكتابه وسنّة رسوله140

أيها الناس، إن رسول اللّه قال: من رأى سلطاناً جائراً187

أيها الناس، إنكم إن تتقوا اللّه وتعرفوا187

أيها الناس إنما أنا بَشرٌ أوشك ان ادعى فأُجيب218

أيها الناس، إن معاوية زعم أني رأيته للخلافة أهلاً ولم أرَ نفسي158

بسم اللّه الرحمن الرحيم. من الحسين بن علي إلى الملأ من المؤمنين184

بسم اللّه الرحمن الرحيم. هذا ما أوصى به الحسين بن علي1838

تواصلوا، وتبارّوا، وتراحموا، وتعاطفوا 252

.. ثم انزل عليه الكتاب نوراً لا تطفأ مصابيحه209

جعل الشر كله في بيت وجعل مفتاحه حب الدنيا254

جعله اللّه ريّاً لعطش العلماء212

جماع الخير في الموالاة في اللّه253

حسين مني وأنا من حسين، احب اللّه من احب حسيناً164

حق المسلم على المسلم أن لا يشبع233

خُض الغمراتِ إلى الحقِّ حيث كان 236

خير الناس من انتفع به الناس 255

خير الناس من تحمّل مؤنة الناس 255

خيرُ الناس من نفع الناس 255

خير الناس مَنْ ينفع الناس255

خيركم مَنْ دعاكم إلى فعل الخير 256

خيرٌ من الخير معطيه 256

رضا اللّه رضانا أهل البيت 195

سُنّة الأخيار لين الكلام وإفشاء السلام 255

عباد اللّه إن أفضل ما توسّل به المتوسّلون إلى اللّه جلَّ ذكره الإيمان باللّه228

على الاسلام السلام إذا بليت الأمة براع مثل يزيد182

عليكم باعمال الخير فبادروها، ولا يكن غيركم أحق بها منكم 253

عليكم بالقرآن فاتّخذوه اماماً قائداً 207

عليكم بكتابِ اللّهِ، فإنّه الحبلُ المتينُ والنورُ المبينُ208

عن المنكر فهو خليفة اللّه245

غاية الدين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر245

فاعل الخير خيرٌ منه وفاعل الشر شرٌ منه 256

فإن قال ]قائل[: فلم أمر بالحج230

فرض اللّه تعالى... الأمر بالمعروف مصلحة للعوام 245

فو اللّه إني لأرجو أن أكون انصح154

فوق كل ذي برّ برّ حتى يقتل في سبيل اللّه253

في القرآن نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم212

قم يا بني فقل في هذين الرجلين عبد اللّه بن قيس145

قيل لرسول اللّه9: إنّ اُمتك ستفتن210

كان الحسين مع أُمه تحمله، فأخذه النبي1659

كان النبي9 في بيت أم سلمة فقال لها: لا يدخل عليَّ أحد163

كان أبي يقول: قم بالحق ولا تعرّض لما نابك 239

كان رسول اللّه9 إذا دخل الحسين7 اجتذبه164

كتاب اللّه تبصرون به، وتنطقون به، وتسمعون به209

كفّوا عن أهل لا إله إلاّ اللّه لا تكفّروهم بذنب فمن كفّر204

كلاّ، واللّه لا يكون ذلك أبداً 144

لا أفلح قوم اشتروا مرضاة المخلوق بسخط الخالق189

لا تزال امتي بخير ما أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر241

لأن اللّه تبارك وتعالى لم يجعله لزمان دون زمان208

لا يخلق من الأزمنة، ولا يغثّ على الألسنة208

لا يزال الناس بخير ما أمروا بالمعروف250

لا يصبر للحقِّ إلاّ من يعرف فضله 237

لا ينبغي لنفس مؤمنة ترى من يعصي اللّه فلا تنكر عليه 245

لتأمرنّ بالمعروف وتنهنّ عن المنكر أو ليبعثنَّ251

لتأمـرنّ بالمعـروف ولتنهُنّ عن المنكر249

لتأمرنّ بالمعروف ولتنهنَّ عن المنكر أو ليلحينّكم251

لقد قبض في هذه الليلة رجل لم يسبقه الأولون بعمل ولا يدركه الآخرون بعمل146

لقد كتب اللّه الجهاد على خلقه وسمّـاه كرهاً148

لكل شيء وجه، ووجه دينكم الصلاة 228

لما حضرت أبي عليّ بن الحسين7 الوفاة ضمّني إلى صدره238

لما نزلت هذه الآية على رسول الله 6: (وانذر عشيرتك الاقربين)، دعاني رسول الله219

لما ولدت فاطمة الحسن7 قالت لعلي7: سمّه135

ليكن همّك الصلاة، فإنّها رأس الاسلام بعد الإقرار بالدين 228

ما اعمال البرّ كلّها، والجهاد في سبيل اللّه246

ما أنفق مؤمن نفقة هي أحبّ إلى اللّه عزّ وجلّ من قول الحق239

ما جزاء من أنعم اللّه عزّ وجل عليه بالتوحيد إلاّ الجنة 206

مالي وليزيد لا بارك اللّه فيه؟166

ما من أمر يختلف فيه اثنان إلاّ وله أصل في كتاب اللّه عزّ وجل212

ما يبكيك يا أبا عبد اللّه ؟196

متى يبعث اشقاها فيخضب هذه من هذا؟! 146

مثل المؤمنون في توادّهم وتراحمهم231

مثلي لا يبايع سراً، فإذا دعوت الناس إلى البيعة180

مُذلاًّ للمؤمنين، ولكني معزّهم161

مرارة الحق، وإياك238

من أحبني فليحبه 136

مَنْ أصبح لا يهتمّ بأمور المسلمين فليس بمسلم 231

من أصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس منهم233

مَنْ أصبح من أمتي وهمّته غير اللّه فليس من اللّه231

من أمر بالمعروف شدَّ ظهور المؤمنين 243

مَنْ دخل في هذا الدين بالرجال أخرجه منه الرجال كما أدخلوه فيه236

من شهد أن لا إله إلاّ اللّه واستقبل قبلتنا وصلى صلاتنا203

من صالح الاعمال البر بالاخوان252

من قذف مؤمناً بكفر فهو كقاتله ومن قتل نفساً204

من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه218

من لم يعرف الحقّ من القرآن لم يتنكب الفتن 210

من لم يهتم باُمور المسلمين فليس بمسلم 231

نحن حزب اللّه الغالبون، وعترة رسول اللّه9 الأقربون176

... واردُد إلى اللّه ورسوله ما يُضلعك من الخطوب213

واعلموا ان هذا القرآن هو الناصح الذي لا يغش211

واللّه لأسلِمن ما سلمت اُمور المسلمين137

واللّه، لَلّذي صنعه الحسن بن علي7 كان خيراً162

واللّه ما سلّمت الأمر إليه إلاّ أني لم أجد انصاراً161

وإني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً246

وكونوا إخوة بررة كما أمركم253

ولك ألاّ تقضى دونك الأمور148

ويحكم! ماتدرون ما عملت. واللّه لَلّذي عملت لشيعتي خير159

هو حبلُ اللّهِ المتينُ، وعروتُه الوثقى208

يا أبا سعيد، علّة مصالحتي لمعاوية علّة مصالحة161

يا أحمد، إن أهل الخير وأهل الآخرة رقيقة وجوههم255

يا أخي، لو لم يكن في الدنيا ملجأ182

يا أسماء، تقتله الفئة الباغية من بعدي164

يا أهل الكوفة ، أنتم الذين أكرهتم152

يا أيها الناس، إن اللّه يقول لكم250

يا بنيّ، أوصيك بتقوى اللّه في الغنى والفقر239

يا قوم، إن بيني وبينكم كتاب اللّه191

يا معاوية، لكننا لو قتلنا173

يحبّ في اللّه، ويبغض في اللّه ويصاحب في اللّه252

الفصل الثالثقيادة أهـل البيـت (عليهم السلام)

القيادة الاسلامية في مدرسة أهل البيت(عليهم السلام)

الاطروحـة والجـذور

اساس الحكومة الاسلامية في مدرسة أهل البيت(عليهم السلام)

شبهـة ورد

مدرسة أهل البيت(عليهم السلام) ومنطـق تحميل العقيدة بالقوة

شبهـة ورد

القيادة الاسلامية في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) الأُطروحة والجذور

في محاولة منّا للتعرف على معالم مدرسة اهل البيت(عليهم السلام) واطروحاتها الاسلامية الحقة، نطرق أهم واخطر باب من ابواب الاسلام الاساسية الذي يقوم عليه بناؤه ويشتد به عوده وتقوى شوكته، ألا وهو باب القيادة الاسلامية التي عاشت الامة في أمرها صراع وجودها وبقائها بين اطروحات وتجارب عانت منها الكثير طيلة قرون متمادية منذ عهد رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) والى يومنا هذا .. فما هي الحقيقة؟ .. ما هي الاطروحة الحقة في القيادة الاسلامية؟ وما هي الجذور؟ ولماذا لم يتسنَّ لها تبوّؤ موقعها المفترض لها؟ وما هي قيمتها وقيمة تجربتها في الواقع؟ .. ثم ما هو السبيل لملء الفراغ القيادي المباشر في واقع الامة المعاصر؟ .. تلك اسئلة تطلب الجواب، وقبل الدخول في صلب الموضوع نشير إلى حقيقة مطلقة يَكشفها لنا واقع المسيرة الانسانية منذ مبدئها ولحد الآن، وهي ان قيام الحكم الالهي على اساس النظرية الدينية هو من الضرورات المسلّمة لاقامة العدل وردع الطغيان والظلم، حيث لم تعانِ البشرية من أمر على طول مراحل مسيرتها الانسانية وتاريخها المتلاحم مثل ما عانت من أمر الطغيان في الحكم والحكومة وسطوة الطاغوت وسلطانه. ولذا نجد أن اُولى مهمات الرسل في الامم هي ردع الطاغوت والدعوة لاجتنابه، والارشاد لولاية اللّه وعبادته (وَلقدْ بَعَثْنا في كُلِ اُمَّة رَسولاً أنِ اعْبُدُوا اللّهَ وَاجْتَنِبوا الطّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدى اللّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضّلالَةُ فَسيرُوا في الأرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ المُكَذِّبين)([600]).

ويتأكد هذا الدور في الرسل من اُولي العزم، فمنهم من كان أول تكليف رسالي له هو مواجهة طغيان السلاطين وحكومات الطاغوت المتحكمة في المجتمعات البشرية، وانقاذها من سلطانهم وإعادتها الى ولاية اللّه تعالى.

فهذا ابراهيم الخليل(عليه السلام) اصطفاه اللّه نبياً واصطنعه رسولاً ليقارع طاغوت عصره نمرود وقومه على ما يشركون (وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إبْراهيمَ على قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجات مَنْ نَشاءُ إنَّ رَبّكَ حَكيمٌ عَليم)([601])، ثم جعله للناس إماماً ليدعوهم الى حكومة العدل الالهي ويقيم أركانها فيهم (وَإذِ ابْتَلى إبْراهيمَ ربُّهُ بِكَلِمات فَاَتَمّهُنَّ قالَ إنّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إماماً قالَ وَمِنْ ذُرّيتي قالَ لا يَنالُ عَهْدي الظّالمين)([602]).

وهذا موسى(عليه السلام) كليم اللّه يرسله الى فرعون لانه طغى (اذْهَبْ إلى فِرْعَوْنَ إنّهُ طَغى)([603]) وشدّ أزره بأخيه هارون بأن جعله وزيراً له وأشركه في أمره وقال له: (اذْهَبْ أنْتَ وَأخوكَ بِآياتي وَلا تَنِيا في ذِكْري * اذْهَبا إلى فِرْعَوْنَ إنّهُ طَغى)([604]).

وعيسى روح اللّه أرسله أيضاً ليقف في وجه طغيان بني اسرائيل وإسرافهم على انفسهم بالفساد في الارض (وَقَضَيْنا إلى بَني إسْرائيلَ في الكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ في الأرْضِ مَرّتينِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبيراً)([605]) فدعاهم المسيح(عليه السلام)الى توحيد اللّه والرضوخ لارادته سبحانه، تحقيقاً للعدل واستئصالاً لشأفة الطغيان والظلم (وَقالَ المَسيحُ يا بَني إسرائيلَ اعْبُدوا اللّهَ رَبّي وَربَّكُمْ إنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيْهِ الجَنَّةَ وَمَأواهُ النّارُ وَما لِلظّالِمينَ مِنْ أنْصار)([606]).

واستمر الخطاب الالهي بخاتم الانبياء والرسل محمد(صلى الله عليه وآله) في إدارة الصراع العقائدي في واقع البشرية بين ولاية الطاغوت وولاية اللّه، وختم التنزيل بالقرآن الكريم، وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً بالاسلام (أفَغَيْرَ اللّهِ أبْتَغي حَكَماً وَهُوَ الّذي أنْزَلَ إلَيْكُمُ الكِتابَ مُفَصّلاً وَالّذينَ آتَيْناهُمُ الكِتابَ يَعْلَمُونَ أنّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبّكَ بِالحَقِّ فَلا تَكونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرينَ * وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَهُوَ السَّميعُ العَليم)([607]).

وفي خضم الكفاح النبوي المرير لدعوة الناس الى ولاية اللّه وتحكيمها في الاُمة المسلمة نجد أن الخطاب الإلهي المتمثل بالقرآن الكريم يؤكّد على أمر الولاية والامامة للرسول(صلى الله عليه وآله)، ويعبّد الاُمة بها، ويجعلها شرطاً لإيمانهم بقوله العزيز: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤمِنونَ حتّى يُحَكِّموكَ فيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثمَّ لا يَجِدُوا في أنْفُسِهِمْ حَرَجاً ممّا قَضَيْتَ وَيُسَلّمُوا تَسْليماً)([608]). ويؤكد ان ولاية الرسول(صلى الله عليه وآله)والمؤمنين ممن اصطفاهم من بعده هي من ولاية اللّه سبحانه (إنّما وَليُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالّذينَ آمَنُوا الّذينَ يُقيمونَ الصّلاةَ وَيُؤتُونَ الزّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ * وَمنْ يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالّذينَ آمَنُوا فَإنَّ حِزْبَ اللّه هُمُ الغالِبُون)([609]). وذلك حفظاً لدين اللّه من التحريف وللامة الاسلامية من الضياع، كما انحرفت الاديان السابقة وضاعت الامم السالفة.

وهكذا نجد أن الآيات القرآنية الكريمة تتوالى في مناسبات عديدة وصيغ مختلفة لتركز هذا المبدأ الالهي، وتقوّم الممارسة النبوية بالاساس العقائدي لاعداد وتربية العصبة المؤمنة بولاية اللّه ورسوله على التسليم المطلق بالنص الصادر عنهما في كل جوانب الحياة، وترشيد حركتها الرسالية في هذا الاتجاه، والوقوف بوجه الذين يجدون في أنفسهم حرجاً من ذلك التسليم من الذين مثّلوا اتجاها مخالفاً له منذ المرحلة الاولى لدعوة الرسول(صلى الله عليه وآله)وحركته الرسالية في اعداد الامة الاسلامية وتربيتها، وأوجدوا لهم أنصاراً في صفوف المسلمين من الذين لم يستوعبوا الرؤية العقائدية للولاية الالهية وموقع الرسول(صلى الله عليه وآله) منها، ولم يهضموا تجربتها في واقعهم، فهم لا يرون في الرسول(صلى الله عليه وآله)سوى مبلّغ لكتاب اللّه وبعض الفرائض والسنن العبادية الخاصة، أمّا في غير ذلك فهو مجتهد شأنه شأن غيره، وبرؤيتهم هذه يقدّمون مبدأ الاجتهاد، بمعنى إعمال الرأي البشري في تشخيص المصالح والمفاسد وفق تقديرهم للظروف على مبدأ التعبّد بالنص النبوي، على رغم ردع القرآن الكريم لهم بقوله في النبي(صلى الله عليه وآله): (ما ضَلّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى * وَما يَنْطِقُ عَنِ الهَوى * إنْ هُوَ إلاّ وَحيٌ يوحى)([610])، بل يرون أن لهم تأويل النصوص الاسلامية وفق تقديراتهم وتشخيصاتهم تلك، ولهم في ذلك درجات تتناسب ومدى انصهارهم بقيم الرسالة وقيادة الرسول(صلى الله عليه وآله)، وهي تبتعد أو تقترب من الدرجة العليا للانصهار بالرسالة والرسول(صلى الله عليه وآله) والتسليم الكامل لهما، وهي الدرجة التي يمثلها خط التعبّد بالنص النبوي الذي يرى أن الاجتهاد في مقابل النص خروج عن الدين الالهي، وأن الاجتهاد الصحيح ما كان في إطار النص ومن أجل فهمه واستخراج الحكم الشرعي منه وفق الموازين التي أرشدت اليها تلك النصوص([611]). وهناك مصاديق متعددة تحكي اتجاه الاجتهاد في مقابل النص في حياة الرسول(صلى الله عليه وآله)، منها موقف بعض الصحابة من صلح الحديبية الذي أوقعه رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)واحتجاجهم على هذا الصلح، ومنها النزاع والخلاف الذي حصل بين الصحابة حول تأمير أسامة بن زيد على الجيش، الذي جاء النص النبوي صريحاً فيه، فقد عقد الرسول(صلى الله عليه وآله) اللواء لاسامة بيده الشريفة، وقال: اغزُ بسم اللّه وفي سبيل اللّه، وقاتل من كفر باللّه، فخرج بلوائه معقوداً فدفعه إلى بريدة وعسكر بالجرف، فتثاقل الاصحاب وطعن قوم منهم في تأمير اسامة كما طعنوا من قبل في تأمير أبيه، وقالوا في ذلك فاكثروا حتى غضب رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)من طعنهم غضباً شديداً فخرج معصّب الرأس، مدثراً بقطيفته محموماً ألِماً وكان ذلك يوم السبت لعشر خلون من ربيع الاول قبل وفاته بيومين فصعد المنبر فحمد اللّه واثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، فما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة، ولئن طعنتم في تأميري اسامة لقد طعنتم في امارتي أباه من قبله، وايم اللّه ان كان لخليقاً بالإمارةِ، وان ابنه من بعده لخليق للامارة([612]). ومثله النزاع الذي حصل بين من كان من الصحابة عند رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) في البيت لما حضرته الوفاة وخلافهم في الاستجابة لطلبه(صلى الله عليه وآله) الذي قال فيه: ائتوني بالكتف والدواة اكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبد([613])، فقال عمر: ان النبي(صلى الله عليه وآله) قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن، حسبنا كتاب اللّه. فاختلف أهل البيت([614]) واختصموا، منهم من يقول: قرّبوا يكتب لكم النبي كتاباً لن تضلوا بعده، ومنهم من يقول ما قال عمر، فلمّا أكثروا اللغو والاختلاف عند النبي(صلى الله عليه وآله) قال لهم: قومو([615]).

وإذا عرفنا ان هذه الواقعة كانت في الساعات الأخيرة من حياة رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)ندرك مدى الشقّة والصراع بين هذين الاتجاهين، والذي اشتد وبرزت معالمه بصورة اكبر وأوضح بعد وفاة الرسول(صلى الله عليه وآله)، ولم ينحصر أمرها في الموقف من خلافة المسلمين وقيادتهم السياسية، بل امتدت الى الكثير من جوانب التشريع الاسلامي، خصوصاً إذا عرفنا أن هناك عوامل كمنت وراء هذا الاتجاه، وكان لها الدور الأساسي في تغذيته وتقويته. وأبرز تلك العوامل هي رواسب ما قبل الاسلام والتي ظلت عالقة بعده تشكل مانعاً كبيراً أمام انصهار اصحاب هذا الاتجاه في الرسالة الاسلامية وقيادة رسولها الكريم(صلى الله عليه وآله). ومنها ايضاً المنافقون الذين شكّلوا طابوراً معارضاً داخل المجتمع الاسلامي يثير الشكوك حول قيادة الرسول(صلى الله عليه وآله)(وَإذْ يَقولُ المُنافِقونَ وَالّذينَ في قُلوبِهمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنا اللّهُ وَرَسولُهُ إلاّ غُرورا)([616])، ويغذّي هذا الطابور وراء ستار الاسلام اتجاه التمرّد والعصيان لأوامره وإرشاداته(صلى الله عليه وآله) (إذا جاءَكَ المُنافِقونَ قالوا نَشْهَدُ إنّكَ لَرَسولُ اللّهِ وَاللّهُ يَعْلَمُ إنّكَ لَرَسولُهُ وَاللّهُ يَشْهَدُ إنَّ المُنافِقينَ لَكاذِبونَ * اتَّخَذُوا أيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبيلِ اللّهِ إنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُون)([617]). وقد حذر اللّه سبحانه رسوله الكريم(صلى الله عليه وآله) من كيدهم وأمره بمواجهتهم وكشف مؤامراتهم ضد دعوته الاسلامية الفتية وقيادته النبوية (يا أيُّها النَّبيُّ اتّقِ اللّهَ وَلا تُطِعِ الكافِرينَ وَالمُنافِقينَ إنَّ اللّهَ كانَ عَليماً حَكيماً * وَاتّبِعْ ما يُوحى إلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إنَّ اللّهَ كان بِما تَعْمَلُونَ خَبيراً)([618]). (يا ايها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير)([619])، وقد أعلم اللّه سبحانه وتعالى رسوله الكريم بان النصر والعزة سيكونان له وللمؤمنين وبيّن له مصير المنافقين في الدنيا والآخرة (وللّه العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون)([620]).

(وعد اللّه المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها هي حسبُهُم ولعنهم اللّه ولهم عذاب مقيم)([621]).

ويوجد الكثير من الروايات والحوادث المتعلقة بالمنافقين منها ما ذكره الامام أبو محمد الحسن العسكري(عليه السلام): لقد رامت الفجرة الكفرة قتل رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) على العقبة ورام من بقي من مردة المنافقين بالمدينة قتل علي بن ابي طالب(عليه السلام) فما قدروا على مغالبة ربهم، حملهم على ذلك حسدهم لرسول اللّه(صلى الله عليه وآله) في (علي) لمّا فخّم من أمره وعظّم من شأنه. من ذلك انه لما خرج النبي(صلى الله عليه وآله) من المدينة وقد كان خلّفه عليها وقال له: ان جبرائيل اتاني وقال لي: يا محمد ان العلي الاعلى يقرأ عليك السلام ويقول لك: يا محمد اما ان تخرج انت ويقيم علي، أو تقيم انت ويخرج علي، لابدّ من ذلك، فان علياً قد ندبته لاحدى اثنين. لا يعلم احد جلال من اطاعني فيهما وعظيم ثوابه غيري. فلما خلّفه، اكثر المنافقون الطعن فيه، فقالوا: ملّهُ وسئمهُ وكره صحبته، فتبعهُ علي حتى لحقه، وقد وجد ]غما شديداً[ مما قالوا فيه فقال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله): ما اشخصك ]يا علي[ عن مركزك؟ قال: بلغني عن الناس كذا وكذا فقال له: اما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ انه لا نبي بعدي؟([622]). ومن تلك العوامل أيضاً قطاع الطلقاء الواسع من الذين أسلموا بعد فتح مكة المكرمة استسلاماً للأمر الواقع لا وعياً للحقيقة وإيماناً بها.

وهكذا فإن هذه العوامل: الجذور الجاهلية، ظاهرة المنافقين، وقطاع الطلقاء، هي اكبر ما كان يُهدد التخطيط النبوي لتنفيذ الاطروحة الإلهية في تشريع الامامة والنص على القيادة المعصومة للاُمة من بعده، متمثلة بالائمة من أهل بيته(عليهم السلام)، وتقوية اتجاهها بين المسلمين، خصوصاً في قيامها بعد وفاته(صلى الله عليه وآله). ولهذا وجد الرسول(صلى الله عليه وآله)من الضروري ان يركّز دوره على تحديد معالم اُطروحة الامامة في قيادة الأمة الاسلامية وتربية نماذج فريدة تحمل عبء الاستمرار من بعده في الدعوة اليها، وتربية وإعداد الجماعة الصالحة التي تؤمن بها، وتعمل على إقامتها في واقع الأمة، ومقارعة من ينحرف ويدعو الى تفريق صفوف الاُمة عنها، وقد استفاض العديد من الروايات والوصايا عنه(صلى الله عليه وآله)، كان من أوائلها حديث الدار، عن علي بن أبي طالب قال: لما نزلت هذهِ الآية (وانذر عشيرتك الاقربين) دعاني رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) فقال: يا علي إن اللّه أمرني أن اُنذر عشيرتي الاقربين، فضقت بذلك ذرعاً وعرفت أني متى اُبادئهم بهذا الامر ارى منهم ما اكره، فصمت حتى جاءني جبرئيل فقال: يا محمد إنك ان لا تفعل ما تؤمر به يعذبك ربك فاصنع لنا صاعاً من طعام واجعل عليه رجل شاة واملأ لنا عساً من لبن واجمع لي بني عبد المطلب حتى اعلمهم وابلغهم ما أمرت به، ففعلت ما أمرني به ثم دعوتهم له وهم يومئذ أربعون رجلاً يزيدون أو ينقصون، فيهم أعمامه أبو طالب وحمزة والعباس وأبو لهب، فلما اجتمعوا إليه دعا بالطعام الذي صنعت لهم فجئنا به فلما وضعتهُ تناول رسول اللّه... ثم قال: خذوا بسم اللّه فأكل القوم حتى مالهم بشيء من حاجة ولا ارى إلاّ مواضع ايديهم... ثم قال: اسق القوم، فجئتهم بذلك العس فشربوا منه حتى رووا جميعاً... فلما اراد ان يكلمهم النبي(صلى الله عليه وآله) بَدرَهم ابو لهب إلى الكلام فقال: لهدّما سحركم صاحبكم، فتفرق القوم ولم يكلمهم النبي(صلى الله عليه وآله)فقال: الغد يا علي إن هذا الرجل قد سبقني إلى ما سمعت فتفرق القوم قبل ان اُكلمهم، فاعد لنا من الطعام مثل ما صنعت ثم اجمعهم لي، ففعلت ثم جمعتهم له ثم دعا بالطعام فقربته لهم ففعل كما فعل بالامس واكلوا حتى مالهم بشيء من حاجة، ثم قال: اسقهم، فأتيتهم بذلك العس فشربوا حتى رووا منه جميعا. ثم تكلم رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)فقال: يا بني عبد المطلب إني واللّه ما أعلم شاباً في العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني اللّه تبارك وتعالى أن ادعوكم، فأيكم يؤازرني على امري على ان يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم؟ فأحجم القوم عنها جميعاً. قال: قلت واني لاحدثهم سناً وأرمصهم عيناً واعظمهم بطناً واحمشهم ساقاً قلت: انا يا نبي اللّه اكون وزيرك عليه، فأخذ برقبتي ثم قال: هذا اخي ووصيّي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له واطيعوا. فقام القوم يضحكون ويقولون لابي طالب: قد أمرك ان تسمع لعلي وتطيع([623]). ومنها حديث السفينة المعروف والذي جاء فيه: مثل اهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق([624]).

وحديث المودة، فعن ابن عباس قال: لما نزل قوله تعالى: (قل لا اسألكم عليه اجراً إلاّ المودة في القربى) قالوا: يا رسول اللّه ومن قرابتك الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال(صلى الله عليه وآله): (علي وفاطمة وابناهما)([625]). وحديث الكساء وعشرات الاحاديث النبوية الاخرى. وقد توّج دوره المتواصل هذا وصاياه وأحاديثه وخطبه المسددة بالوحي بخطبة حجة الوداع الشهيرة، التي نص فيها على الامام علي(عليه السلام) ولياً وإماماً من بعده استمراراً لولايته وإمامته(صلى الله عليه وآله) على المسلمين. فقد قطع المؤرخون وأهل السير أن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) بعد أداء مناسك آخر حجة له عام عشرة للهجرة انصرف راجعاً إلى المدينة المنورة ومعه جموع الحجيج التي قدرها المؤرخون بأكثر من 124 ألفاً. فلما وصل غدير خم من الجحفة قبل ظهر يوم الخميس الثامن عشر من ذي الحجة المبارك نزل الروح الأمين على الرسول(صلى الله عليه وآله)بقول اللّه تعالى: (يا ايُّها الرّسول بَلّغْ ما اُنْزِلَ اِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ إنَّ اللّهَ لا يَهدي القَوْمَ الكافرينَ)([626]) وأمره أن يقيم علي بن أبي طالب إماماً على الناس بعده، وبعد أن أتمّ الرسول صلاة الظهر قام خطيباً وسط الناس وأسمع الجميع فقال فيما قال: ... فانظروا كيف تخلفوني في الثقلين، فنادى مناد: وما الثقلان يا رسول اللّه؟ قال: الثقل الاكبر كتاب اللّه طرف بيد اللّه عزوجلّ وطرف بأيديكم، فتمسّكوا به لا تضلّوا، والآخر الاصغر عترتي، وإن اللطيف الخبير نبّأني أنهما لن يتفرّقا حتى يردا عليّ الحوض، فسألت ذلك لهما ربّي، فلا تقدّموهما فتهلكوا، ولا تقصروا عنهما فتهلكو. ثم أخذ بيد علي فرفعها حتى رُئي بياض آباطهما، وعرفه القوم أجمعون، فقال: أيها الناس، من أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: اللّه ورسوله أعلم، قال: إن اللّه مولاي وأنا مولى المؤمنين، وأنا أولى بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فعلي مولاه يقولها ثلاث مرات، ثم قال: اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وأحبّ من أحبّه، وابغض من أبغضه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيث دار، ألا فليبلّغ الشاهد الغائب.

ثم لم ينصرفوا حتى نزل امين وحي اللّه بقوله: (اليَومَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دينَكُمْ وَأتْمَمْتُ عَلَيْكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام ديناً)([627]) فقال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله): اللّه أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة، ورضا الرب برسالتي، والولاية لعلي من بعدي. ثم طفق القوم يهنئون أمير المؤمنين(عليه السلام)، وممن هنأه في مقدّم الصحابة: الشيخان أبو بكر وعمر، وكان عمر يقول: بخ بخ لك يا ابن أبي طالب، أصبحت وأمسيت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة، وقال ابن عباس: وجبت واللّه في أعناق القوم...([628]).

وعدّ رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الطاهرون(عليهم السلام) يوم الغدير عيداً للمسلمين، بل هو عيد اللّه الأكبر([629]) وأفضل الأعياد([630])، فهو يوم أكمل اللّه سبحانه فيه دينه وأتمّ نعمته. وفيه قال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله): يوم غدير خم أفضل أعياد أمّتي. وهو اليوم الذي أمرني اللّه تعالى ذكره بنصب أخي علي بن ابي طالب علماً لأمتي يهتدون به من بعدي، وهو اليوم الذي اكمل اللّه فيه الدين، وأتمَّ على امتي فيه النعمة، ورضي لهم الاسلام دين([631]).

ولم يكن هذا الاختيار جزافاً، بل هو اختيار قائم على أساس الحكمة الالهية والإعداد الرسالي والتربية النبوية لشخص الامام علي(عليه السلام)، والذي شكّل ذات الاساس ونفس النهج في اختيار الائمة اللاحقين بعده(عليه السلام) من أهل البيت الطاهرين(عليهم السلام).

ومن يتصفّح سيرة الرسول(صلى الله عليه وآله) وأهل بيته(عليهم السلام) يجد شواهد طافحة وسبيلاً قائماً دائماً استوعب الكثير من مفردات السيرة النبوية الشريفة. يحكي دوره(صلى الله عليه وآله)في الاعداد الرسالي والتربية الخاصة للامام علي(عليه السلام) منذ صباه وانفتاحه على الرسول(صلى الله عليه وآله) والرسالة الالهية، وحتى آخر ساعات حياته الشريفة. فقد آثره بالعطاء العلمي الفريد، وخصّه بالكثير من مفاهيم الدعوة وحقائقها وأسرارها، واختلى به الساعات الطوال في الليل والنهار مناجياً إيّاه بما أفاض عليه الوحي الإلهي، ومرشداً له إلى صراطه المستقيم، ومستعيناً به على تحمّل أعباء الدعوة الاسلامية ورفع العقبات الكأداء عن طريقها، والخوض في لهوات الفتن التي تعترضها.

ومن فيض ما تواتر في ذلك ما رواه الحاكم في المستدرك بسنده عن أبي اسحاق: سألت القاسم بن العباس: كيف ورث علي رسول اللّه دونكم؟ قال: لأنه كان أولنا به لحوقاً وأشدّنا به لزوقاً([632]).

وفي حلية الاولياء عن ابن عباس انه يقول: كنّا نتحدّث ان النبي(صلى الله عليه وآله) عهد الى علي سبعين عهداً لم يعهد الى غيره([633]).

وروى النسائي عن ابن عباس عن علي، انه يقول: كانت لي منزلة من رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) لم تكن لأحد من الخلائق، كنت أدخل على نبي اللّه كل ليلة، فإن كان يصلي سبح فدخلت، وان لم يكن يصلي أذن لي فدخلت([634]).

وروي أيضاً عن الامام(عليه السلام) قوله: كان لي مع النبي(صلى الله عليه وآله) مدخلان مدخل بالليل ومدخل بالنهار([635]).

وروى النسائي عن الامام علي(عليه السلام) أيضاً انه كان يقول: كنت إذا سألت رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)أعطاني، وإذا سكتّ ابتدأني. ورواه الحاكم في المستدرك ايضاً، قال: صحيح على شرط الشيخين([636]).

وروى النسائي عن أم سلمة أنها كانت تقول: والذي تحلف به أم سلمة ان كانَ لأقرب الناس عهداً برسول اللّه(صلى الله عليه وآله) علي(عليه السلام) قالت: لما كان غداة قبض رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) أرسل اليه رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) وكأن أرى في حاجة اظنّه بعثه فجعل يقول: جاء علي؟ ثلاث مرات، فجاء قبل طلوع الشمس، فلما أن جاء عرفنا أن اليه حاجة، فخرجنا من البيت، وكنا عند رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) يومئذ في بيت عائشة، فكنت في آخر من خرج من البيت، ثم جلست أدناهنّ من الباب، فأكبّ عليه علي، فكان آخر الناس عهداً فجعل يساره ويناجيه([637]).

وقال امير المؤمنين(عليه السلام) في خطبته القاصعة الشهيرة وهو يصف ارتباطه الفريد بالرسول القائد وعناية النبي(صلى الله عليه وآله) بإعداده وتربيته: وقد علمتم موضعي من رسول اللّه بالقرابة القريبة والمنزلة الخصيصة، وضعني في حجره وأنا ولد، يضمّني الى صدره ويكنفني في فراشه ويمسّني جسده، ويشمّني عرفه، وكان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه، وما وجد لي كذبة في قول ولا خطلة في فعل، ولقد كنت أتبعه اتباع الفصيل اثر امّه، يرفع لي في كل يوم من اخلاقه عَلَماً ويأمرني بالاقتداء به، ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء فأراه ولا يراه غيري، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الاسلام غير رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)وخديجة وأنا ثالثهما، أرى نور الوحي والرسالة وأشم ريح النبوة([638]).

ولهـذا الارتبـاط تشير الصديقة فاطمة الزهراء(عليها السلام) في احدى خطبها وتقول: ... وبعد أن مني ببهم الرجال وذؤبان العرب ومردة اهل الكتاب، كلما اوقدوا ناراً للحرب اطفأها اللّه، أو نجم قرن الشيطان أو فغرت فاغرة من المشركين، قذف أخاه في لهواتها فلا ينكفئ حتى يطأ صماخها بأخمصه، ويخمد لهبها بسيفه مكدوداً في ذات اللّه مجتهداً في أمر اللّه قريباً من رسول اللّه، سيّداً في اولياء اللّه مشمّراً ناصحاً، مجدّاً كادحاً، لا تأخذه في اللّه لومة لائم، وانتم في رفاهية من العيش، وادعون فاكهون آمنون تتربّصون بنا الدوائر...([639]).

وفي خطبة لها امام نساء المهاجرين والانصار تشير فيها إلى ردّة فعل البعض من ملاحظة شدة التقارب بين الرسول والامام علي(عليه السلام) والى حسدهم لهُ جاء فيها: ... نقموا واللّه منه نكير سيفه وقلة مبالاته لحتفه وشدة وطأته ونكال وقعته وتنمره في ذات اللّه...([640]).

ولعدم تكامل عوامل الاذعان والتسليم في واقع الاتجاه المعارض للنص النبوي على اُطروحة الامامة وتعيينها من قبل الرسول(صلى الله عليه وآله)، فقد قرر أقطاب هذا الاتجاه في مجلس سقيفة بني ساعدة فور وفاة رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) استلام القيادة الاسلامية، والتصدّي لمقام خلافة الرسول(صلى الله عليه وآله) للمسلمين، وفق اعتبارات أملاها عليهم منهجهم الخاص في الاجتهاد والنظر للظروف آنذاك.

وقد يسأل سائل عن الاسباب الكامنة وراء عدم تكامل عوامل ترويض هذا الاتجاه وتربيته على التسليم بالنص النبوي على الامامة فنقول له: إن منطق الواقع وحقائق التاريخ في تلك الفترة النبوية تكشف لنا أسباباً متعددة من أبرزها المدى المحدود الذي لم يتجاوز العقدين لزمن الممارسة النبوية لمهمة الدعوة والتربية، خصوصاً وأن جيل الانصار لم يعاصر الرسول(صلى الله عليه وآله) أكثر من عقد واحد كما تضاءل المدى الزمني للتربية النبوية الى أقل من نصف عقد لمسلمة ما بعد فتح مكة.

ومن الطبيعي ان مثل هذه الفترة المحدودة غير كافية لتربية كل جيل المهاجرين والانصار، والوصول بهم الى تلك الرتبة العالية من الاذعان والتسليم لقيادته وقيادة من ينصبه لهم من بعده، خصوصاً اذا أخذنا بنظر الاعتبار التباين الجذري الكبير نفسياً وفكرياً واجتماعياً بين مجتمع الجاهلية المخاطب بالدعوة النبوية، وبين صورة المجتمع الاسلامي المنشود الذي تتحقق فيه الرتبة العالية للعبودية للّه تعالى والتسليم بلا حرج لقيادة الرسول الامين(صلى الله عليه وآله) وخلفائه من اهل بيته الطاهرين(عليهم السلام)، والتي تقتضي تغييراً جذرياً لهذا المجتمع لا يتحقق عادةً في إطار جيل لم يتخلّص بعد من رواسب الجاهلية.

وسببٌ آخر تمثّل في طبيعة الدور الرسالي للرسول(صلى الله عليه وآله) وما أفرزه من علاقة خاصة بينه وبين صحابته في بعدها الشمولي والنوعي. فلم يكن دوره(صلى الله عليه وآله)مقتصراً على تبليغ الرسالة الالهية وتوعية اتباعه لمفاهيمها وتربيتهم على ضوئها فقط، بل كانت دعوته قيادة شاملة لجميع جوانب الحركة الرسالية بما فيها من صراع سياسي وقتال عسكري لاعداء مختلفين وفي جبهات متعددة، وبناء لمجتمع جديد المعالم والصفات، وادارة لدولة لم يُعهد بمثلها في أوساطهم من قبل، مما جعل علاقته(صلى الله عليه وآله) بصحابته علاقة معقّدة وحسّاسة لم تنحصر ببعدها الاخلاقي والعبادي الخاص كما كان عليه المسيح(عليه السلام) مثلاً، فعكست أثرها على مدى وعيهم وانصهارهم الرسالي، وتمثّلهم لمحتوى التربية النبوية الشاملة. ويكشف عن ذلك مثلاً خشيته(صلى الله عليه وآله) من رد الفعل السلبي لرعيل من اصحابه لو انه نصّب علياً(عليه السلام)اماماً على الناس بعده في غدير خم، حتى نزل الروح الأمين(عليه السلام)عليه(صلى الله عليه وآله) مطمئناً إيّاه بقوله تعالى: (يا ايُّها الرَّسُولُ بَلّغ ما أُنْزِلَ اِلَيْكَ مِنْ رَبّكَ وَاِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ...)([641]).

وسبب ثالث نجده يكمن في المواجهة العقائدية والاجتماعية لجماعات اهل الكتاب من اليهود والنصارى والتي كان أخطرها أثراً التشكيك ومحاولة التحريف في اُصول العقيدة الاسلامية الذي مارسته هذه الجماعات، بل ونجاح اليهود منهم في استثمار قطاع المنافقين لتشكيل تيار فكري تسرّب الى العديد من مجالات التفكير، وخلق ارضية مناسبة للتأثير على الاتجاهات الفكرية للمسلمين، والتمهيد لدور الدس والتشويه الهادف في الاسلام، الذي نشط لاحقاً خصوصاً في العهد الاموي وما تلته من عهود، وبنظرة متأملة في آيات القرآن الكريم نجد مدى اهتمامه في بيان حقيقة هذا التيار وكشف زيفه ورد أباطيله بالدليل القاطع والبرهان الساطع، وتسديد الرسول(صلى الله عليه وآله) لمواجهته وتحجيم أثره. منها قوله تعالى: (وممن حولكم من الاعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم)([642]).

وقوله تعالى: (ان المنافقين يخادعون اللّه وهو خادعهم)([643]).

وقوله تعالى: (ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم وتوكل على اللّه)([644]).

ولهذه الاسباب الرئيسية نجد أن الرسول(صلى الله عليه وآله) جعل هدفه الأساسي على ضوء الواقع الممكن بيان معالم الاسلام الكبرى وتفاصيل مفرداته، وإعداد الامة الاسلامية كقاعدة عامة لحركة الاسلام النامية، ومواصلة بنائها الرسالي الجديد على يد القيادة الاسلامية التي نص عليها وأوصى بها لو ثنيت لها الوسادة بعد الرسول(صلى الله عليه وآله)، إلاّ ان الرياح ـ كما أسلفنا ـ جرت بما لم تشتهِ السفن. ووقفة تقويمية عابرة على خلافة وقيادة الخط المعارض بعد الرسول(صلى الله عليه وآله) تكشف لنا من خلال واضحات تاريخ تلك الفترة ان هذه الخلافة لم تستمر إلاّ لعقدين ونيف من الزمن ورغم الدور الكبير الذي مارسه اهل البيت(عليهم السلام) وفي مقدمتهم الامام علي(عليه السلام) في دعم الخلافة الراشدة وممارسة دور المرجعية الفكرية لها وللامة في المهمات الخطرة والشؤون الاساسية للخلافة حفاظاً على الاسلام وتجربته الفتية من السقوط، حتى قال الخليفة الثاني ولمرات عديدة في ذلك: لولا علي لهلك عمر، ولا ابقاني اللّه لمعضلة ليس لها أبو حسن([645]).

ويمكن ملاحظة ذلك من خلال الكثير من الشواهد والاحداث التي مر بها المسلمون في عهد الخلفاء وقد اوضح الامام علي(عليه السلام) الدوافع الكامنة وراء وقوفه هذا الموقف الداعم للخلافة في احدى كتبه قال: فأمسكت يدي حتى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الاسلام، يدعون الى محق دين محمد(صلى الله عليه وآله)، فخشيت إن لم انصر الاسلام وأهله أن ارى فيه ثلماً أو هدماً تكون المصيبة به علي اعظم من فوت ولايتكم التي انما هي متاع ايام قلائل يزول منها ما كان، كما يزول السراب أو كما ينقشع السحاب، فنهضت في تلك الاحداث حتى زاح الباطل وزهق واطمأنّ الدين وتنهنه([646]).

وقد تعامل الامام علي مع الخلافة بحسب اقتضاء المصلحة الاسلامية حفظاً للاسلام وحماية للجماعة الاسلامية من التمزق، ففي عهد الخليفة الاول أبو بكر، نراه عندما اراد ان يغزو الروم يستشير علياً(عليه السلام) في الامر فيشير عليه الامام علي(عليه السلام) بما تقتضيه مصلحة الاسلام فيقول له: إن فعلت ظفرت. فيقول ابو بكر: بشّرت بخير. وأمر الناس بالخروج([647]).

كذلك عندما قدم جاثليق النصارى يصحبهُ مئة من قومه ليسألَ ابا بكر بصفته خليفة المسلمين نراه يرسل وراء الامام علي(عليه السلام) ويدعوه لاعانته في الاجابة على الاسئلة. ومن هذهِ الاسئلة التي وجهها الجاثليق: اخبرني عن وجه الرب تبارك وتعالى، فدعا علي(عليه السلام)بنار وحطب واضرمه، فلما اشتعلت قال: اين وجه هذه النار؟ قال الجاثليق: هي وجه من جميع حدودها. فقال علي(عليه السلام): هذه النار مُدبّرة مصنوعة، لا يعرف وجهها، وخالقها لا يشبهها. وللّه المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه اللّه، لا تخفى على ربنا خافية([648]).

وفي عهد الخليفة عمر بن الخطاب نرى نفس الموقف فحينما اراد عمر ان يغزو الروم رجع إلى الامام(عليه السلام) في الامر، فنصحهُ الامام بان لا يقود الجيش بنفسه مبيناً علّة ذلك قائلاً: فابعث اليهم رجلاً مجرباً واحفز معه أهل البلاء والنصيحة، فان أظهره اللّه فذاك ما تحب وان تكن الاخرى كنت ردءاً للناس ومثابة للمسلمين([649]).

وعندما وردَ إلى بيت مال المسلمين مال كثير ـ من البحرين ـ قسمه عمر بين المسلمين، ففضل منه شيء، فجمع عمر المهاجرين والانصار واستفتاهم بأمره قائلاً: ما ترون في فضل فضلَ عندنا من هذا المال؟ قالوا: يا امير المؤمنين إنا شغلناك بولاية امورنا من اهلك وتجارتك... فهو لك، فالتفت عمر الى علي قائلاً: ما تقول أنت؟ قال الامام(عليه السلام): قد اشاروا عليك. قال الخليفة: فقل انت، قال علي(عليه السلام): لِمَ تجعل يقينك ظناً؟! ثم حدثهُ بواقعة مشابهة جرت في عهد رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) واخيراً اشار عليه بتوزيعه على الفقراء قائلاً: اشير عليك أن لا تأخذ من هذا الفضل وان تفضّه على فقراء المسلمين فقال عمر: صدقت واللّه([650]).

وفي ظروف أخرى نرى الامام علياً(عليه السلام) يتخذ اسلوب التوجيه واظهار ما تغاضى عنه القوم فعن ابن عباس قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول في مال للكعبة: إن ترك هذا المال في جوف الكعبة لآخذه واقسمهُ في سبيل اللّه وفي سبيل الخير، وعلي بن ابي طالب يسمع ما يقول، فقال عمر: ما تقول يا ابن أبي طالب؟ باللّه لئن شجعتني عليه لأفعلن، فقال علي: اتجعلهُ فينا وصاحبهُ رجل يأتي في آخر الزمان؟ فاقتنع عمر بضرورة عدم التصرف بحلي الكعبة([651]).

وعندما تستدعي الظروف كشف بعض الاسرار الغيبية نرى الامام يفعل ذلك، فبعد ان فتح المسلمون الشام جمع ابو عبيدة بن الجراح المسلمين واستشارهم في المسير أيكون الى بيت المقدس ام إلى قيسارية، فقال له معاذ بن جبل: اكتب الى أمير المؤمنين عمر، فحيث امرك فامتثله، فكتب ابن الجراح الى عمر بالأمر، فلما قرأ الكتاب استشار المسلمين بالامر. فقال علي(عليه السلام): مُر صاحبك ينزل بجيوش المسلمين الى بيت المقدس، فإذا فتح اللّه بيت المقدس، صرف وجهه إلى قيسارية فانها تُفتح بعدها ان شاء اللّه تعالى، وكذا اخبرنا رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) قال عمر: صدق المصطفى(صلى الله عليه وآله)وصدقت انت يا ابا الحسن. ثم كتب الى عبيدة بالذي اشار به علي(عليه السلام)([652]).

وبعد انتصار المسلمين على الفرس في خلافة عمر شاور ابن الخطاب اصحاب رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) في سواد الكوفة فقال بعضهم تقسمها بيننا، ثم شاور علياً(عليه السلام) في الامر. فقال(عليه السلام): ان قسمتها اليوم لم يكن لمن يجيء بعدنا شيء، ولكن تقرها في ايديهم يعملونها فتكون لنا ولمن بعدنا. فقال عمر لعلي(عليه السلام): وفقك اللّه، هذا الرأي([653]).

وعلى رغم كل ذلك فإن هذه الخلافة الراشدة وهذه التجربة القيادية للخط المعارض لاطروحة الامامة المعصومة بعد رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) انتهت دون أن تحقق اهدافها في الحفاظ على الحكومة الاسلامية من الانحراف والسقوط بأيد غير أمينة، فقد خلفت وراءها ساحة اسلامية مليئةً بالصراعات والتناقضات الحادة، فكانت الحروب سجالاً طيلة فترة خلافة أمير المؤمنين علي(عليه السلام) التي لم تبلغ الخمس سنوات.

وفي كل هذهِ الحروب والمعارك كان موقف الامام علي(عليه السلام) موقف المدافع عن اصالة الاسلام ووحدة المسلمين بعد ان استغل عدة من الطامعين والمتملقين الظروف السياسية في عهد الخليفة الثالث فتسلطوا على رقاب المسلمين واستحلّوا حقاً ليس لهم فكانت معركة الجمل التي قاتل فيها الناكثين سنة 36هـ ، ومعركة صفين التي قاتل فيها القاسطين سنة 37هـ ومعركة النهروان التي قاتل فيها المارقين سنة 38هـ وتلك المعارك الثلاث كانت من المعارك الحاسمة والفاصلة والمهمة في تاريخ الاسلام والتي ميزت الحق عن الباطل، بالاضافة إلى هذه المعارك المهمة كانت هناك غارات يرسلها معاوية للاغارة على المسلمين في انحاء البلاد الاسلامية ومن الموالين للامام علي(عليه السلام)، منها: الغارة على اليمن سنة 40هـ بقيادة بسر بن أرطاة في زمن خلافة الامام علي(عليه السلام)حيث ارسله على رأس ثلاثة آلاف مقاتل واوصاه بوصية جاء فيها لا تنزل على بلد أهله على طاعة علي الا بسطت عليهم لسانك، حتى يروا انه لا نجاة لهم منك وانك محيط بهم، ثم اكفف عنهم وادعهم إلى البيعة لي، فمن ابى فاقتلهُ، واقتل شيعة علي حيث كانو وقد نفّذ بسر أوامر سيده معاوية بحذافيرها وزاد عليها فظائع وجرائم وكان عدد من قتلهم بسر من المسلمين 30 ألفا في طريق ذهابه وايابه، وقتل عبد اللّه الحارثي عامل اليمن الذي ارسله الامام علي(عليه السلام)بعدما فرّ عاملها عبيد اللّه بن عباس، وقتل خلقاً كثيرا من شيعة الامام علي(عليه السلام)في اليمن وعندما سمع الامام باعمال هذا المجرم تألم كثيراً وجزع جزعاً شديداً فارسل له جيشاً ليقاتله ويمنعه من ذبح المسلمين ففرّ الى المدينة هارباً ودعا عليه الامام بدعاء جاء فيه اللهم اسلبه دينه وعقله فأصابه ذلك وجُنّ ولم يزل كذلك حتى مات([654]).

ومنها أيضاً الغارة على اهل العراق بإمرة سفيان بن عوف الغامدي حيث امره معاوية ان يدخل العراق مع نهر الفرات واوصاه ان يقتل ويحرق ويسلب وجاء في وصيته له ان هذه الغارات ياسفيان على العراق ترهب قلوبهم وتجرّئ كل من كان له فينا هوىً منهم ويرى فراقهم، وتدعو الينا كل من كان يخاف الدوائر، وخرِّبْ كل ما مررت به من القرى، واقتل كل من لقيت ممن ليس هو على رأيك، واحرب الاموال، فانه شبيه بالقتل، وهو أوجع للقلوب([655]).

وقد تألم الامام(عليه السلام) للاعمال التي قام بها سفيان من قتل ونهب وحرق وسلب، وحزن حزناً كبيراً، وقد وصف اعمال سفيان في خطبة له بالكوفة تقطر ألماً: وقتل منكم رجالاً صالحين وقد بلغني ان الرجل من اعدائكم كان يدخل بيت المرأة المسلمة والمعاهدة فينتزع خلخالها من ساقها ورعثها من اذنها فلا تمتنع منه، ثم انصرفوا وافرين لم يكلم منهم رجل كلماً، فلو ان امرأً مسلماً مات من دون هذا اسفاً، ما كان عندي ملوماً بل كان عندي به جدير([656]).

ومنها الغارة على اهل الكوفة بإمرة الضحاك بن قيس الفهري مع أربعة آلاف رجل وقد اوصاه معاوية بمايلي: سر حتى تمر بناحية الكوفة وترتفع عنها ما استطعت، فمن وجدته من الاعراب في طاعة علي، فأغر عليه وان وجدت مسلحة أو خيلاً فأغر عليهما...([657]). وكان هذا السفاك يتباهى بأعماله الاجرامية فقد خطب على منبر الكوفة بعد تلك الوقائع بسنين مفتخراً ومخوفاً أهل الكوفة فقال: اما اني لصاحبكم الذي أغرت على بلادكم فكنت اول من غزاها في الاسلام، اُعاقب من شئت وأعفو عمن شئت لقد ذعرت المخدرات في خدورهن وان كانت المرأة ليبكي ابنها فلا تُرهبه ولا تسكته الا بذكر اسمي، انا الضحاك بن قيس، أنا...([658]).

كما ارسل معاوية غارات اخرى على كل المناطق التي كان يشك بوجود ولاء فيها لعلي بن ابي طالب(عليه السلام) خليفة المسلمين، وقتل بسبب ذلك الآلاف من المسلمين من رجال واطفال، بل وقتل الكثير حتى من أهل الذمة المعاهدين وهم الذين اوصى النبي(صلى الله عليه وآله) بهم وقال انه سيكون خصماً لكل من آذاهم([659]). وكان موقف الامام علي(عليه السلام) من هذهِ الغارات اللا إنسانية هو الوقوف بوجه تلك الهجمات ومقاومتها وصدها. وهذهِ كلمات من وصية له إلى احد قادته العسكريين الذين بعثهم للتصدي لهجمات معاوية وغاراته على المسلمين: اتق اللّه الذي إليه تصير ولا تحتقر مسلماً ولا معاهداً ولا تغصبنّ مالاً ولا ولداً ولا ذرية وان حفيت وترجّلت، وصل الصلاة لوقته([660]). ولنقارن بين وصايا الامام علي(عليه السلام) لقادة جيشه وعماله عندما يرسلهم لرد ظلم وصد هجوم ضد المسلمين وبين وصايا معاوية إلى امراء جيشه عند ارسالهم للاغارة على المسلمين وهتك حرمتهم.

وعلى رغم كل هذه الحروب والغارات والمؤامرات المتوالية فقد بذل امير المؤمنين(عليه السلام)كل جهده لانقاذ الحكم الاسلامي من السقوط بأيدي المنحرفين، إلاّ أنّ الاعداء أجهزوا عليه في محرابه، فسقط شهيداً قبل أن يحقق أهدافه. فتسلق الى مقام الخلافة الخطير أبناء الطلقاء من بني اُمية بعد ان مهدوا لذلك عبر اندساسهم في قلب حكومة الخليفة الثالث، وتحولت الخلافة على ايديهم فيما بعد الى حكم وراثي ليس لمقاييس الاسلام وأحكامه أيّ اعتبار فيه، وبذلك عاد حكم الطاغوت الجاهلي من جديد ليحكم في أغلب الادوار بلباس الاسلام وشكليته.

ومن ابرز الادلة الواقعية على ذلك هو تنكّرهم للاسلام في أوضح تشريعاته، سواء في سلوكهم الخاص او في إدارتهم لشؤون الامة الاسلامية، بل وإدخالهم في الاسلام من البدع والضلالات الشيء الكثير.

ونشير باختصار الى بعض الامثلة لذلك:

1 ـ في عهد معاوية بن ابي سفيان:

أ ـ الخروج على بيعة الامة بالخلافة للامام علي(عليه السلام) وعلى الامام الحسن(عليه السلام).

ب ـ أخذ البيعة من المسلمين بالاجبار لابنه يزيد مع علمه بعدم صلاحه لهذا الامر.

ج ـ تغييره لكثير من سنن الرسول(صلى الله عليه وآله) وابتداع سنن جديدة ليست من الاسلام في شيء. قال ابن سيرين: وفدَ عمرو بن حزم على معاوية، فقال له: اذكرك اللّه في اُمة محمد(صلى الله عليه وآله) بمن تستخلف عليها، فقال: نصحت وقلت برأيك وانه لم يبق إلاّ ابني وابناؤهم، وابني أحق([661]).

2 ـ في عهد يزيد بن معاوية: أخرج ابو يعلى في مسنده عن ابي عبيدة قال: قال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله): لا يزال أمر أمتي قائماً بالقسط، حتى يكون اول من يثلمه رجل من بني امية يقال له يزيد، ومن مصاديق ثلمه للدين:

أ ـ قتله الامام الحسين(عليه السلام)وأهل بيته واصحابه.

ب ـ في سنة 63 هـ بلغه أن أهل المدينة خرجوا عليه وخلعوه فارسل اليهم جيشاً كثيراً وأمرهم بقتالهم، ثم السير إلى مكة لقتال ابن الزبير، فجاءوا وكانت وقعة الحرة على باب طيبة وما ادراك ما وقعة الحرة؟ ذكرها الامام الحسن العسكري(عليه السلام) مرة فقال: واللّه ما كاد ينجو منهم أحد، قتل فيها خلق من الصحابة رضي اللّه عنهم ومن غيرهم، ونهبت المدينة، وافتضّ فيها ألف عذراء فانا للّه وانا إليه راجعون! وقد قال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله): من أخاف اهل المدينة أخافه اللّهوعليه لعنة اللّه والملائكة والناس اجمعين رواه مسلم في مسنده. ويمكن اجمال سبب الثورة بما قاله عبداللّه ابن الصحابي الجليل حنظلة غسيل الملائكة وكان شريفاً فاضلاً عابداً سيد([662]) قال: واللّه ما خرجنا على يزيد حتى خفنا ان نرمى بالحجارة من السماء: انه رجل ينكح امهات الاولاد، والبنات والاخوات، ويشرب الخمر، ويدَع الصلاة([663]).

3 ـ في عهد عبد الملك بن مروان الذي تولى الخلافة سنة 73هـ :

أ ـ في سنة 74 هـ سار الحجاج ـ الذي نصبهُ عبد الملك ـ الى المدينة وأخذ يتعنت على أهلها ويستخف ببقايا من فيها من صحابة رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) وختم في اعناقهم وايديهم يذلهم بذلك، كأنس، وجابر بن عبد اللّه الانصاري، وسهل بن سعد الساعدي، فانا للّه وانا إليه راجعون([664]).

ب ـ وصيته إلى ابنه حين احتضاره: إذا انا مت فشمر، وائتزر والبس جلد النمر وضع سيفك على عاتقك، فمن ابدى ذات نفسه ]لك[ فاضرب عنقه ومن سكت مات بدائه([665]).

ولو لم يكن من مساوي عبد الملك الا الحجاج وتوليته اياه على المسلمين وعلى الصحابة رضي اللّه عنهم، يهينهم ويذلهم قتلاً وضرباً وشتماً وحبساً، وقد قتل من الصحابة واكابر التابعين ما لا يحصى فضلاً عن غيرهم... فلا رحمهُ اللّه ولا عفا عنهُ([666]).

4 ـ في عهد الوليد بن عبد الملك: الذي تولّى الخلافة سنة 86 هـ : أخرج ابو نعيم في الحلية عن ابن شوذب قال: قال عمر بن عبد العزيز عندما كان الوليد بالشام والحجاج بالعراق وعثمان بن حبارة بالحجاز وقرة بن شريك بمصر: امتلأت الارض واللّه جوراً([667]).

وقد اغتيل في عهد الوليد الامام زين العابدين(عليه السلام) من خلال دس السم إليه والذي قام بعملية الاغتيال اخوه سليمان بن عبد الملك الذي تولى الخلافة من بعده.

5 ـ في عهد سليمان بن عبد الملك الذي تولى الخلافة سنة 96هـ وكان مشغولاً بالطعام والنساء والبذخ بشكل جعل المؤرخين يقطعون بكونه افسد ممن سبقهُ من سلاطين بني امية([668]).

6 ـ هشام بن عبد الملك: وفي عهدهِ اعاد أيام يزيد والحجاج الدموية فتصدى لاهل البيت(عليهم السلام) وفي عهده ثار الشهيد زيد بن علي(عليه السلام) وأمر هشام بصلب جثته ومن ثم حرقها وذر رمادها في نهر الفرات، وقتل خيرة اصحاب واتباع الامام الباقر(عليه السلام)، ثم أقدم على اغتيال الامام محمد الباقر(عليه السلام) بدسّ السم إليه في عام114هـ .

ولم يتوان أئمة أهل البيت(عليهم السلام) واتباعهم في التصدي لهم، وكشفوا للامة انحرافهم عن الاسلام وضلال حكمهم الزائف، فتحملوا هم وأتباعهم بسبب ذلك ألوان التنكيل والتشريد والقتل، وقد اشرنا إلى اننا لم نجد اماماً منهم(عليهم السلام) ممن عاصر هؤلاء الطغاة إلا كان مقتولاً أو مسموماً على أيديهم.

تلك هي حقيقة اطروحة النص النبوي على الامامة وحقيقة جذورها الممتدة في عمق الدعوة الاسلامية للرسول(صلى الله عليه وآله).. وهذه هي حقيقة الخط المعارض الذي منع من تبوؤ موقعها المفترض لها وقيمة اطروحته وتجربته العملية وما آلت إليه.

أما ما هي قيمة اطروحة مدرسة أهل البيت(عليهم السلام) في القيادة الاسلامية وقيمة تجربتها في واقع الامة؟ وما هو السبيل لملء الفراغ القيادي المباشر في واقع الامة المعاصر؟ فهذا له بحث مستقل إن شاء اللّه، نقول فيه قول اللّه عزوجل في كتابه المجيد: (قُلْ هذِهِ سَبيلي أدْعو إلى اللّهِ على بَصيرَة أنا وَمَن اتَّبَعَني وَسُبْحانَ اللّهِ وَما أنا مِنَ الْمُشْرِكين)([669]).

اساس الحكومة الاسلامية في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) شبهة ورد

حدود الشبهة المعاصرة :

إنَّ من أبرز التحديات المعاصرة التي تواجهها الأمة الاسلامية وصحوتها الرائدة هي مسألة الحكم والحكومة كأطروحة نظرية في مقابل الاطروحات الوضعية ، وكقابلية على التطبيق في الواقع واستيعاب المستجدات والتطورات الهائلة في مجال تقنين حركة الانسان وحاجاته المتجددة كماً وكيفاً ، خصوصاً وان التحدي هذا قد حُشدت له كل عوامل القوة المادية العظمى التي تمتلكها الكارتلات الدولية للانظمة الوضعية ، مدعومة بالاجواء المحمومة للعقل الجمعي المختلق بأعظم وسائل التقنيات الاعلامية المعاصرة ، في سعتها وفنونها واساليبها المتنوعة ، للتحكم في اتجاهات الرأي العام للمجتمعات الانسانية .

وكلما صدع للاسلام صوت ولاحت بوارق انتصاره في اُمة من الناس أو بقعة من الأرض تصاعدت الوتيرة الاعلامية والهجمة الثقافية والسياسية لمختلف اجهزة الاستكبار العالمي ويعلو ضجيجها بشعار الديمقراطية العائم ، فهي تثيره دخاناً وتلوح به عصاً ; تارةً بهدف جرّ الدول الضعيفة ـ وخصوصاً ذات الاغلبية الاسلامية ـ إلى احضان المعسكر الرأسمالي الغربي ، وتارةً اُخرى لتمرير مخططاتها في احتواء الموجة الاسلامية المتنامية التي تطالب باقامة الحكومة الاسلامية وتحكيم شرعة الله وقوانينه في واقعهم السياسي والاجتماعي ، وثالثةً لتشويه صورة النظام الاسلامي الرائد وتجربته الفريدة في ايران الاسلام ... فتتهمه احياناً بالدكتاتورية والاستبداد ، واُخرى بالقصور عن تحقيق مصالح المجتمع وسعادته ، واخيراً ـ وهو الاخطر ـ محاولتها الدس والتشويه لخلق تصورات منحرفة ، خصوصاً في اوساط المثقفين ، مدعية ان النهج الديمقراطي هو السبيل الذي لا بد من الاخذ به لتطوير النظام السياسي الاسلامي وسد ثغراته وتجديده ليتناسب وتطلعات الشعوب لتقرير مصيرها ولينسجم والنظام السياسي الدولي القائم على اساس ديمقراطيتهم الغربية . وهذا في حقيقته محاولة تمهيدية لاحتواء النظام الاسلامي وتفريغه من محتواه الالهي الاصيل ، بل واسقاطه في حضيض انظمتهم الوضعية ونظرياتهم المادية . وليس هذا بغريب أو جديد في اُفق المواجهة مع الجاهلية الحديثة وشياطينها الانسية .

جذور الشبهة :

ولنتناول القضية من جذورها ، ثم نجلي الحقيقة ونظهر الحق مميزاً عن الباطل ليدمغه ويعلو عليه ، انطلاقاً من قوله تعالى : ( وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين * لَو أردنا ان نتخذ لهواً لاتخذناه من لدنّا إن كنا فاعلين * بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فاذا هو زاهق ولكم الويل ممّا تصفون )([670]). منذ الغزو الحضاري الاوربي لعموم الشرق وخصوص الحواضر الاسلامية ، والنظريات الوضعية تتوالى في الافق الثقافي بكل مؤسساته السياسية والاعلامية والتعليمية وغيرها من جوانب المجتمع والدولة ، متّخذةً أشكالاً متنوّعة وأنماطاً براقة توحي بالحداثة والجدّة ، وهي في الواقع لا تخرج عن اُصول الثقافة العلمانية ومقولاتها التي لا تتفاوت كثيراً في إنكارها ورفضها للدين ودوره في بناء الانسان والمجتمع والدولة على اُسس الحقّ والعدل .

والعلمانية ـ كما هي مبانيها ـ بين حدّين في نظرتها إلى الدين ; ففي حدّها المتطرّف الأول تنكر الدين وتقيم نظريتها على اساس الالحاد المطلق ، وفي حدّها المتطرّف الثاني تحاصر الدين وتجرده من هُويته الاجتماعية ، بل والانسانية ، وتجعله مجرّد تصورات ذهنية محضة وحالة ذاتية محاصرة في الباطن ، إذ ليس له أيّة مصداقية واقعية تعبّر عن إيمان الانسان به ، وليس له أيّ انعكاس ملموس ومحسوس في سلوكه كإنسان اجتماعي . والديمقراطية ـ كنظرية سياسية تأسست على ضوء مقولة العقد الاجتماعي لــ جان جاك روسو في اقامة السلطة والحكومة في الواقع الانساني ـ تقع في الحدّ المتطرّف الثاني من صور العلمانية التي نادت بها اوربا إبّان الثورة الصناعية .

ولقد أخذت العلمانية بريقها وموقعها في اوربا لعاملين رئيسيين احدهما سلبي والآخر ايجابي :

أمّا العامل السلبي منهما فهو الدكتاتورية المطلقة التي حكمت اوربا قروناً بما فيها دكتاتورية الكنيسة وهيمنتها باسم الدين والرب ، والتعسف البشع لرجالاتها في مواجهة التجديد والابداع العلمي والحرية الفكرية والثقافية ، وما رافق ذلك من اضطهاد للعلماء والمفكرين وسفك لدمائهم لمجرد اكتشافهم حقائق أو وصولهم إلى نظريات علمية مخالفة لنظريات الكنيسة .

وأمّا العامل الايجابي فقد تمثّل بالثورة الصناعية التي قلبت موازين التفكير الاوربي ـ خصوصاً تجاه الكنيسة ـ الذي ظلّ متحجراً على العديد من النظريات العلمية الباطلة والمقولات الخرافية المتخلفة ، اثبتت الثورة الصناعية وما رافقها من اكتشافات علمية خلافها ، وحطمت قدسية الكنيسة ومقولاتها ، معلنةً ـ كرد فعل على منهج الكنيسة ـ اُلوهية العلم في منهجه التجريبي المادي ، وأنه المقياس الأوحد في صدق وكذب أيّة رؤية فكرية أو دعوى نظرية ، بما في ذلك المقولات الدينية .

لهذا وذاك احتلّ العلم والمختبر العلمي مكان الدين والكنيسة في تنقيح العقائد والنظريات وقبولها أو رفضها . وهذا ما اُطلق عليه اسم العلمانية .

والديمقراطية في واقعها نظرية قائمة على الأساس العلماني في مجاله السياسي ، فهي منهج وطريقة منح السلطة وتشكيل الحكومة وبناء الدولة وأجهزتها بمعزل عن الدين ومؤسساته .

ونحن هنا في معرض بيان الاساس المقوّم للحكومة في كل من النظرية الاسلامية والنظرية الديمقراطية ثم نعقد مقارنة نكتشف من خلالها مدى التباين النظري بين الديمقراطية والاسلام في المنهج السياسي ... وهل هناك نقاط التقاء على المستوى النظري أو التطبيقي أم لا ؟

جواب الشبهة :

وقبل الدخول في مفردات الجواب لا بدّ لنا من الإشارة إلى مسألتين مهمّتين :

المسألة الاولى : خطأ الاسقاط التنظيري على الاسلام

ان الاسقاط التنظيري على الدين الاسلامي الذي يقوم به العلمانيون من المنادين بالديمقراطية العلمانية ومحاكمته على أساس تصوّراتهم عن الكنيسة كرؤية وموقف خطأ فاحش ; ذلك لأن العلمانية وديمقراطيتها جاءت كردّ فعل تجاه السلطة المتحجرة للكنيسة وحكومتها الفكرية والسياسية في الحقبة المظلمة ، وهذا يختلف أمره كليّاً والدين الاسلامي وعلماءه ومفكريه ; حيث إنّ الاسلام في مبانيه ـ اصولاً وفروعاً ـ يقوم على اساس المنهج العقلي في الاستدلال والبرهان على عقائده ; وانطلاقاً من ذلك تقوم عملية الاستنباط لأنظمته وتشريعاته من مصادرها الشرعية في مختلف مجالات الحياة بما فيها المجال السياسي ونظريته حول السلطة والحكم . وهكذا كانت سيرة علمائه ومؤسساته الرسالية بالرغم من محاولات التحريف والتزوير التي حاول أعداء الاسلام وحكام الجور القيام بها على مرّ العصور للإجهاز على أصالة الدين الاسلامي أو لتوظيفه في خدمة مصالحهم وأهوائهم الخاصة تكريساً لدكتاتوريتهم في السلطة والحكم .

المسألة الثانية :الفارق في اساس الحكومة بين النظرية الاسلامية والنظرية الوضعية

إن عملية تقويم أيّة نظرية أو اُطروحة في مجال الولاية والحكم لا بدّ فيها من النظر إلى فارق أساسي بين النظريات والاطروحات الوضعية من جهة والاُطروحات الإلهية المتمثلة بنموذجها الأكمل في الدين الاسلامي من جهة اُخرى ، وهو أن السلطتين التشريعية والتنفيذية في الأنظمة الوضعية من صنع البشر وليس وراءهم أو فوقهم أيّ مصدر أو سلطة عُليا ، وأنّ السلطة في أحسن صورها القائمة على اساس العقد الاجتماعي تفتقر إلى القدرة على اصابة واقع العدل والقسط والمصلحة الاجتماعية ، بل ان للميول والرغبات والمصالح الشخصية أو المشتركة للفئة المنتخَبة مطلق العنان في التحكم فيها . أمّا في الاسلام فإن السلطة التشريعية مقوّمة بواقع العدل والقسط والمصلحة الاجتماعية ، وهذا لا يمكن تحقيقه ومعرفته إلاّ من خلال الرسالات الالهيّة ، لان الله وحده هو العالم بالمصالح والمفاسد الواقعية للحياة الانسانية ، وطريقته في بيان تشريعه وايصاله إلى البشرية هي ارسال الرسل الأمناء بكتبه وبياناته ، وهو مفاد قوله تعالى : ( لقد ارسلنا رُسُلنا بالبيّنات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط ... )([671]). ( ولقد بعثنا في كل اُمّة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ... )([672]). ( هو الذي بعث في الامّيين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلّمهم الكتاب والحكمة ... )([673]). ( ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم انك أنت العزيز الحكيم )([674]). وغيرها من الآيات القرآنية الكريمة الدالّة على ذلك .

أمّا السلطة التنفيذية الموظفة لتطبيق هذه الشريعة الواصلة واقامة حكومتها في الناس فأمرها منحصر بالانسان العالم العادل الخبير والقادر على تحمل مسؤولية اقامة العدل والقسط في المجتمع الانساني ; لذا فان الله سبحانه يصطفي لها من البشر الأعلم بشريعته والعادل الأقدر على الاستقامة عليها والأكفأ في حملها رسالةً إلى الناس ، وهو المنصب الذي يصطلح عليه في الاسلام بالإمامة أو الولاية ، وهو مفاد قوله تعالى :

( وإذ ابتلى ابراهيمَ ربُّه بكلمات فأتمّهنّ قال إني جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين )([675]). ( وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لمّا صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون )([676]). ( والذين يقولون ربّنا هب لنا من أزواجنا وذرّياتنا قرّة أعيُن واجعلنا للمتقين إماماً )([677]). وغيرها من الآيات القرآنية الكريمة الدّالة على ذلك .

مقارنة بين الأساسين :

ولعقد المقارنة المفترضة نقول : ان هناك أمرين اساسيين من مقولات الوجدان الانساني لا بد من توفرهما معاً وفق المنطق العقلي والعقلائي لتسوغ إقامة الحكومة وبسط سلطانها التشريعي والتنفيذي وإعمال ولايتها على الناس :

الأول : مصدرٌ مشروع تستمدّ منه الحكومة المفترضة السلطة والولاية .

الثاني : قيام سلطة الحكومة المفترضة وبرامجها وفق المصالح الاجتماعية وبهدف تحقيق العدل في واقع المجتمع .

أمّا الأمر الأول : ففي الديمقراطية العلمانية ـ بمختلف صورها ـ يكون مصدر السلطة والحكومة في التشريع والتنفيذ هو الناس أو مجموعة منهم ، أمّا في الاسلام فمصدر السلطة والولاية هو الله تعالى ، وهذا كما يشمل أصل الولاية والحكومة فهو يستوعب السلّم الطولي لها من السلطتين التشريعية والتنفيذية ـ على فرض صحَّة هذا التقسيم على ضوء الاسلام ـ والله سبحانه يصطفي لتبليغ رسالاته وتشريعاته الناسَ والولاية عليهم مَن تمحّض الايمان والاخلاص والعدالة على دينه وارادته سبحانه وتأهّل لمنصب الولاية الإلهية بجعله واعتباره مبلّغاً وإماماً وحاكماً يبلّغ الناس رسالات ربه ، ويمارس هذه السلطة والولاية عليهم وفق الانظمة والتشريعات الالهية المبلغة إليه منه سبحانه ، كما له أن يجعلها ويعتبرها لمن يليه ممّن تتوفر فيه مواصفات الولاية الالهية بشكل خاص أو عام ، حسب الظروف والعوامل التي تمرّ بها مسيرة المجتمع الانساني .

وفي هذا الأمر نقطة افتراق اساسية وجوهرية ـ كما هو واضح ـ بين الديمقراطية العلمانية والنظرية السياسية في الاسلام .

وأمّا الأمر الثاني : فعلى أساس الديمقراطية العلمانية تبقى مشكلة تشخيص المصالح والمفاسد الواقعية للحياة الانسانية في بُعديها الفردي والاجتماعي مستعصية وقائمة تفتقر إلى حلٍّ واقعي يصدقه العقل والمنطق ويذعن له الوجدان وتطمئنّ به النفس . وعليه فإن معالم طريق تحقيق العدالة والسعادة للمجتمع الإنساني على اساس الديمقراطية العلمانية تبقى غامضة تاركة المجتمع يتخبّط في مجال تشخيص التشريع والنظام الصالح واختيار السلطة والحكومة العادلة والمؤتمنة على مصالحه وأهدافه . وبتعبير آخر ان العقبة الكؤود في وجه الديمقراطية العلمانية هي مسألة الجهل بالمصالح والمفاسد وعدم إحراز العدالة كشرط في مَنْ يتمّ اختياره للسلطة والولاية ، فهما نَقصان جوهريان تعجز الديمقراطية العلمانية عن رفعهما بعيداً عن الدين الحق .

ويمكننا تفصيل هذه المشكلة الأساسية بالنظر إلى أهم جوانبها من خلال طرح هذه المقارنة :

1 ـ كيف يمكننا أن نتصور قدرة الناس ـ عند غياب الدين الإلهي الحق ـ على اختيار ما به تحقيق المصلحة الاجتماعية في التشريع والتنفيذ ، وهم يجهلون مقاييس الصواب والخطأ في الاختيار ؟! اضافة إلى انهم محكومون بطبيعتهم الاولية للأهواء والنزعات الخاصة !

2 ـ كيف يمكننا عملياً معالجة مشكلة التصرف بآراء الأكثرية من الناس عن طريق شراء الأصوات أو التغرير بالوعود الكاذبة والاعلام الخادع أو ممارسة الارهاب لتحميل اختيار معيّن دون غيره بعيداً عن لحاظ المصلحة الاجتماعية وسبيل العدالة ؟ وكشاهد شاخص على ذلك ما يحصل في الدول المدّعية للديمقراطية ، كما في امريكا ودول اوربا الغربية ومن يحذو حذوهم من دول العالم الثالث ، وما جرى في الجزائر وتركيا وامثالهما ليس ببعيد عن ذاكرتنا.

3 ـ ما هو الضمان لاستقامة المنتخَبين للحكم والسلطة وتغليبهم لمصلحة المجتمع على مصالحهم الذاتية وأهوائهم الخاصة عند تشريع الأنظمة والقوانين أو تنفيذها ؟ خصوصاً وان المقياس والغاية لديهم لا يعدوان هذه الحياة المادية بكل زينتها وشهواتها ، بل اننا نجد هذه الفئة المنتخبة تنتهي عادة إلى تغليب مصالحها الفردية والفئوية عند التشريع وسنّ القوانين . أمّا في المجال التنفيذي فتعمد إلى التعسف الحكومي وبسط سطوتها الانتهازية على الشعوب والاُمم عن طريق تشكيل الاجهزة العلنية والسرّية لإحكام السيطرة وإعمال النفوذ ولمنع إعمال أيّة ارادة خارج ارادتها وسلطتها . والنموذج البارز لذلك هو النظام الحاكم في أميركا ودول الغرب عموماً ومن سار على نهجهم السياسي من دول العالم الثالث .

ولم تنفع كل عمليات الترقيع والتحديث للديمقراطية العلمانية حيث ظلّت عاجزة عن حسم هذه المشاكل ورفع صور التهافت عن مبانيها وبنائها ، على أن أصل هذه المشكلة يمكن في عجز الانسان ـ فرداً أو مجتمعاً ـ عن تشخيص المصالح والمفاسد الواقعية في مجالات حياته الخاصة والعامة ، فكيف يمكنه اصابة الأصلح في السلطة والولاية على صعيدي الصواب في التشريع والعدالة في التطبيق ؟! والتجربة الإنسانية الوضعية طرّاً بكل انتكاساتها وصراعاتها وما تحملته من آلام ومعاناة وشقاء إلى يومنا هذا دليل صارخ وشاهد حيّ على ذلك .

أمّا في الاسلام فلأن المشرّع والحاكم المطلق هو الله تعالى وهو العالم بمصالح ومفاسد الحياة الانسانية فلا وجودلهذه المشكلة ; فهو العادل الذي خلق بالحق وقدّر بالحق وشرّع بالحق وأعطى كلاًّ حقّه بلا حيف ولا ظلم ، وعندما يُرسل رسله لتبليغ تشريعاته للناس يصطفي الصادق الأمين ، وعندما يعيّن حاكماً عليهم يختار الاعلم بتشريعاته وذا العدالة الأوثق في الاستقامة عليها وصاحب العزم الأكفأ في حمل رسالته وتطبيقها في حياة الناس .

لذا فإن التشريعات والقوانين الصالحة للبشرية مضمونة من الله لعلمه سبحانه بمصالح ومفاسد الحياة ، وعامل العدالة والكفاءة في تحقيق المصلحة العامّة عند التطبيق شرط اساسي جعله الله ـ منظمّاً إلى شرط العلم والفقاهة بشريعته ـ في كلّ حاكم يلي امور الناس ، وبذلك تتكامل الشروط ويتحقق الأمران الضروريان المسوغان لإقامة أيّة حكومة وبسط سلطانها على الناس ; فالمصدر المشروع الذي تستمدّ منه سلطتها وولايتها على الناس هو الله سبحانه لكونه الكمال المطلق ، إذ الأصل أنْ لا ولاية لأحد على أحد إلاّ بمرجّح ، فكيف إذا كان الانسان محض الافتقار ، والله سبحانه ذاته عين الكمال المطلق .

كما ان العلم والفقه بالشريعة الالهية والعدالة والاستقامة عليها هو الضمان لسير الحاكم وحكومته وفق المصالح الاجتماعية ونهج العدل الإلهي في واقع المجتمع .

وهنا يتكامل لدينا الرد الحاسم والجواب التام على الشبهة التي حاول انصار الديمقراطية العلمانية إلصاقها بالحكم الاسلامي من أنه ينتهي إلى الاستبداد والدكتاتورية ، وذلك في إطار ادعائهم بأنّ مثل هذا الحكم الديني يعني الالتزام بالثيوقراطية ، التي تقول بان السلطة الحاكمة هي التي تستمدّ سلطتها وقدرتها على الحكم من الله تعالى وتضفي القدسية على أوامرها ونواهيها من قدسيته ، لذا فحكمها مطلق لا منازع له ولا رادع ، ومن ثم فهي مصونة من أيّ حساب ، فالرادّ عليها رادّ على الله وهو على حد الشرك به ، وهل هذا إلاّ أشد أنواع الاستبداد والديكتاتورية ؟!

فمما اتضح لنا سابقاً أن هناك أمرين أساسيين قائمين في نظرية الحكومة الاسلامية ينفيان بشكل قاطع ورود هذه الشبهة مطلقاً :

الأمر الأول : كون التشريع لله تعالى وهو العالم بكل شيء دون الانسان ، وما يمارسه الانسان ليس إلاّ الاجتهاد في استنباط الاحكام الإلهية من مصادرها الشرعية وتنقيح موضوعاتها الخارجية ، وبذلك يتحقق أول شروط السلامة من اهواء الاستبداد والديكتاتورية الانسانية في الحكم .

الأمر الثاني : ان الله سبحانه لم يترك أمر منصب الحكم تتحكم فيه الاهواء الانسانية التي غالباً ما تقوم على اساس القهر والغلبة اللذين هما قواما أيّة ديكتاتورية واستبداد في الحكم ، بل وضع شروطاً أساسية لا بد من توفرها في الحاكم حدوثاً وبقاءً ليكون صالحاً لمنصب الحكم والولاية في الاسلام . وعمدة هذه الشروط ـ كما أسلفنا ـ هي الفقاهة والعلم بالشريعة ، والعدالة والاستقامة عليها، والعزم والكفاءة في حمل رسالته سبحانه والحكم على ضوئها . وللاُمة الاسلامية الراشدة مراقبة مدى توفر هذه الشروط في الحاكم والدوام عليها ، وإلاّ فإنّه يسقط عن مقام الولاية ومنصب الحكم . وتاريخ الاُمّة الاسلامية الغابر والمعاصر حافل بشواهد المواجهة المختلفة ، خصوصاً تلك التي قادها أئمة أهل البيت(عليهم السلام) واتباعهم من العلماء المجاهدين ضد الحكام المنحرفين عن الاسلام .

وبهذين الامرين الاساسيين القائمين في نظرية الحكومة الاسلامية نقطع بعدم الانسجام بين طبيعة وشكل الحكم الاسلامي وبين الديكتاتورية والاستبداد ، فهما متباينان جوهرياً ولا يلتقيان أبداً .

ويتأكد هذا عقلياً وشرعياً وفق مباني المدرسة الاسلامية الكبرى لأهل البيت(عليهم السلام) التي ترى العصمة في الحاكم الاسلامي ; فالرسول(صلى الله عليه وآله) بعنوانه رسولاً مبلغاً وبعنوانه والياً حاكماً معصوم من الخطأ والزلل ، وأنه(صلى الله عليه وآله) نصَّ ـ بأمر الله سبحانه ـ على الخلفاء والحكام من بعده ، وانهم معصومون ، أمّا في عصر غيبة الامام المعصوم فانه(عليه السلام) قد جعل بالتنصيب العام الحكم والولاية في مَنْ تتوفر فيهم الشروط الاساسية للحاكم الاسلامي الصالح من العلم والفقاهة ، والعدالة ، والعزم والكفاءة ، وهذا ما نراه اليوم نموذجاً متوفراً في حكومة الفقيه العادل الكفوء في ايران الاسلامية .

هذه هي وجوه المقارنة الاساسية بين الديمقراطية العلمانية في الحكم ونظرية الحكم الاسلامي . فهما متقابلان لا شيء من احدهما يلتقي مع الآخر .

الشورى في الحكم :

أمّا لو جرّدنا الديمقراطية عن علمانيتها واخذناها بما هي مجرد انتخاب وتصويت ، أي بما يساوق الشورى في الاسلام ، فالأمر سيختلف عند ذلك .

وهنا لا بد لنا من توضيح معنى الشورى في الاسلام ، فنقول : ان الشورى يدّعى لها معنيان رئيسيّان :

المعنى الأول :

انها الاساس الذي يثبت به جزء أو كل شؤون منصب الحكم والولاية العامة .

وهو المعنى الذي ذهبت اليه المذاهب الاسلامية الاخرى وسارت عليه الخلافة في مرحلتها الاولى بعد وفاة رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، ويقوم على اساس شورى المسلمين وهي ان تكون الولاية للمسلمين على انفسهم وهم يمنحونها بالطريقة التي يتوافقون عليها إلى من يرونه مناسباً لها ضمن الضوابط العامة للانسان المسلم .

ورغم عدم وضوح الطريقة التي تمارس بها الشورى لاختيار الولي وتعيينه إلاّ انها عملاً مورست بأربعة اساليب في مرحلة الخلافة الاولى وهي :

الاسلوب الأول : طريقة شورى أهل الحل والعقد ، وفيها تجتمع مجموعة مختارة من المسلمين ليتفقوا بالاجماع أو بالاغلبية على اختيار الخليفة وبيعته ويكون هذا الاتفاق ملزماً لبقية المسلمين بالاقرار والبيعة . وهي الطريقة التي تم بموجبها اختيار الخليفة الأول أبي بكر وبيعته في سقيفة بني ساعدة ثم الطواف به في ازقة المدينة والمسح بيده على كل من صودف في الطريق من بقية المسلمين في المدينة .

الاسلوب الثاني : طريقة تعيين الخليفة السابق للخليفة اللاحق بعد استشارة مجموعة من كبار المسلمين ، والزام سائر المسلمين بها ، وهي الطريقة التي تم تولية الخليفة الثاني عمر بن الخطاب بها .

الاسلوب الثالث : طريقة حصر الخليفة السابق الاختيار في انتخاب الخليفة اللاحق بالأكثرية المطلقة في معينين يرى فيهم الصلاحية والأهلية لهذا المنصب وعند التساوي ترجح كفة من فيهم أحدهم المعين من قبل الخليفة السابق. وهي الطريقة التي تم انتخاب الخليفة الثالث عثمان بن عفان حيث حصر الخليفة الثاني عمر بن الخطاب الترشيح والانتخاب في ستة اشخاص افترض انهم موضع رضا المسلمين ويقوم هؤلاء الستة بانتخاب واحد منهم بالأكثرية المطلقة ، وعند التساوي ترجح الكفة التي يكون فيها عبد الرحمن بن عوف . وهذه الطريقة هي تلفيق بين الشورى النسبية والتعيين .

الاسلوب الرابع : طريقة البيعة العامة لأهل الحل والعقد وجمهور المسلمين . وهي الطريقة التي تم بها انتخاب الخليفة الرابع الامام علي بن أبي طالب (عليه السلام)باجتماع عموم المسلمين وكبار الصحابة في المدينة ، وقد أبلغ في وصفها أمير المؤمنين (عليه السلام)بقوله: فما راعني إلاّ والناس كعرف الضبع إليَّ ، ينثالون عليَّ من كل جانب ، حتى لقد وطئ الحسنان وشق عطفاي مجتمعين حولي كربيضة الغنم ([678]). ولسنا هنا بصدد مناقشة هذه الاساليب ومدى مشروعيتها اسلامياً ولا مناقشة صحة المعنى الأول للشورى أو عدم صحته فان له محله([679]) ، انما الذي يهمنا هنا هو ان القول بالشورى بهذا المعنى لا يقصد منه اصحابه ـ ولو نظرياً على الأقل ـ سلب الولاية التشريعية عن الله سبحانه والتصرف بها من قبل الحاكم ، والخليفة المنتخب بالشورى ، كما ان سلطته التنفيذية كحاكم يفترض تقيدها بقيود الاسلام المقررة شرعاً ، كالعلم والعدالة والكفاءة ـ ولو بالجملة ـ وإلاّ فعلى الأمة ـ وخصوصاً علماءها ـ نصيحته واتمام الحجة البالغة عليه ، فان لم ينفع ذلك فلها عزله وانتخاب حاكم أصلح غيره من بين المسلمين . وهذا يختلف في اساسه عن اساس النظام الديمقراطي في منح السلطة والحكم كما هو واضح .

المعنى الثاني :

انها طريقة لتجميع وتطوير التجارب والخبرات وتوظيفها لإسناد الحاكم والحكومة الاسلامية والمشاركة في تحمل مسؤولية أداء وظائفها الرسالية ، وهو المعنى الذي تذهب اليه مدرسة أهل البيت(عليهم السلام). وهذا وإن كان لا يصدق بمضمونه المذكور بحق الرسول(صلى الله عليه وآله) والائمة المعصومين(عليهم السلام) إلاّ أنه يصدق في مقام ترشيد المسلمين وتربيتهم وتأليف قلوبهم وشدّها نحو الرسول(صلى الله عليه وآله)والأئمة(عليهم السلام) بما هم حكام، وهو مدلول الآية الكريمة في قوله تعالى مخاطباً رسوله الكريم: ( فبما رحمة من الله لِنتَ لهم ولو كنتَ فظّاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فاذا عزمت فتوكّل على الله إن الله يحبُّ المتوكلين)([680])

ومن اساليب تحقيق المعنى الثاني للشورى هو الانتخاب والتصويت ، بل ان مشاورة أهل الخبرة والتجربة من المتخصصين في مختلف شؤون الحياة من قبل الحاكم الاسلامي في عصر الغيبة هي أحد ملاكات تحقق شرط الكفاءة والتدبير في ادارة شؤون الحكم الاسلامي .

وقد يوجب الحاكم الاسلامي عند اقتضاء مصلحة الاسلام والمجتمع وفي اطار ظروفه الداخلية وما يحيطه من اوضاع سياسية سائدة في العالم انتهاج اسلوب الانتخاب والتصويب ، كما وقد يُلزم بنتائجه . والذي نراه اليوم في الجمهورية الاسلامية الايرانية هو مصاديق حاكية عن هذا النهج ، كالتصويت على نظام الجمهورية الاسلامية والتصويت على الدستور الاسلامي وانتخاب مجلس الفقهاء العدول وانتخاب الاخير فقيهاً عادلاً كفوءاً من بينهم لولاية أمر المسلمين وقيادتهم وانتخاب رئيس الجمهورية مشروطاً بامضاء ولي الأمر القائد وانتخاب اعضاء مجلس الشورى وفق شروط النائب الصالح ، وهكذا في اختيار رئيس الجمهورية المنتخَب أعضاءَ حكومته واجهزتها التنفيذية مشروطاً بموافقة أغلبية أعضاء مجلس الشورى ـ باعتباره ممثلاً للشعب ـ وامضائه له ، وغير ذلك مما هو واقع أو يستجدّ حسب مقتضيات مصلحة المجتمع الاسلامي .

فبهذا المعنى من الديمقراطية نجد أنه اسلوب مساوق لمعنى الشورى في الاسلام الذي ندب اليه القرآن الكريم والرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الطاهرين (عليهم السلام) ، كما وقد يجب ـ كما أوضحناه ـ وفق ضوابط وهدف تحقيق مصلحة الاسلام واُمته المجيدة . وتشخيص هذه المصلحة يتم وفق قواعد الشريعة من قبل ولي الأمر والحاكم الاسلامي الجامع للشرائط الشرعية التي فرضها الاسلام فيه .

بهذه الحدود وعلى هذا الاساس يمكننا أن نتصور للديمقراطية اللاّعلمانية ـ بمعنى الانتخاب والتصويت ـ موقعاً ومكاناً في المنهج السياسي الاسلامي .

لغة المصطلحات ومنطق العقلاء :

وبالرغم من اننا لسنا معقّدين من هذه الاطلاقات الاصطلاحية إذا كان الهدف منها هو ايصال الحقيقة إلى طلابها وتيسير الخطاب والبيان لمن لا يفهمه إلاّ بهذه الاصطلاحات ، ولكننا نخشى سوء السريرة ومداخل الخلط والتشويه للمتربصين بالاسلام وحركته الرسالية الرائدة ، فلا شك ان للإسلام لغته واصطلاحاته العقائدية والشرعية الخاصة به ، كما ان للأنظمة والاطروحات الوضعية لغتها واصطلاحاتها الخاصة بها ، وبين اللغتين فوارق اساسية ; فاستعمال إحداها في بيان مطالب الاُخرى لا يخلو من احتمال الخلط أو القصور في مفادها .

وعليه فمن أراد معرفة مباني وحقائق مبدأ معيّن عليه أن يحوطها بلغة ذلك المبدأ واصطلاحاته الخاصة ، ويتجنب اسقاطات الاصطلاحات الاجنبية عليه .

على ان لغة المنطق والعقل هي لغة مشتركة بين العقلاء يكفي استرشادها والتوجه اليها لتتوحد الرؤية على ضوئها . ونهج القرآن الكريم والرسول الأمين (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الطاهرين (عليهم السلام) واحد في هذا السبيل . فمن الروائع القرآنية التي تختصر لنا مقولتنا هذه في اصول الحكم والحاكم على هذا النهج قوله تعالى في المصدر المشروع للولاية والسلطة : ( ... افمن يهدي إلى الحق أحق أن يُتَّبع أم من لا يهِدّي إلاّ أن يُهدى فما لكم كيف تحكمون )([681]) .مدرسة أهل البيت(عليهم السلام) ومنطق تحميل العقيدة بالقوة شبهة ورد

صدق الله العلي العظيم في كتابه الكريم وهو يصف عمل الكافرين بقوله: (والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً ووجد الله عنده فوفّاه حسابه والله سريع الحساب * أو كظلمات في بحر لجيّ يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور)([682]).

هذه هي حقيقة عمل الكافرين في كل الادوار والعصور ومع كل الانبياء والرسل ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، فهم يتخبطون في اباطيلهم وشبهاتهم حول الرسل والرسالات الالهية المتوالية. ولقد اشتد امرهم مع الاسلام ونبيه(صلى الله عليه وآله)واهل بيته الطاهرين(عليهم السلام)، لما له من الهيمنة على الدين كله وانفتاح الناس عليه وانتصارهم على أهوائهم بالدخول فيه افواجاً لا يحجبهم عن ذلك عِرقٌ ولا يحدهم مصر. ويتجدد مكاء الكفرة وتصديتهم كلما جاء نصر الله وفتحه وعلت كلمته وامتدت في الآفاق دعوته، وتنادت الامم والشعوب تسليماً وايماناً به، وكفراً بالطاغوت وجهاداً له.

ودأباً على سنتهم هذه تعبأوا وتنادوا لمواجهة المدّ الاسلامي، والصحوة الرائدة المنطلقة من بؤرة النور المحمدي الاصيل التي أسرجها الامام المجدد الخميني الكبير(قدس سره) بثورته الاسلامية العملاقة، التي ملأت الآفاق بنور هديها وأيقظت الشعوب لترى الحق حقاً فتتبعه والباطل باطلاً فتحربه.

وكان من أول وابرز ردود فعل الكفر ودوائره في خضم هذه المواجهة هو التهمة بالارهاب، ودعوى تصدير المسلمين ثورتهم ورسالتهم إلى الشعوب والامم الاخرى بالقوة والعنف. وهي فرية باطلة قام اساسها على دعوى أن الاسلام لم ينتشر على عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله) والعهود التي تلته إلاّ بالقوة والسيف، فدعوته(صلى الله عليه وآله) قائمة على الارهاب والتسلط، وهو اليوم كذلك، وقد اخذت هذه الفرية كيفيات وصيغاً مختلفة لتتناسب ومراحل مواجهة الكفر وكيد قواه الغاشمة للاسلام والمسلمين.

وفي مقدمة من نظر لهذه الشبهة وتمحل ادعاءها هم الحاقدون من رجال الاستشراق ودعاة الصليبية، ولعلهم بذلك أرادوا أن يبرروا محاكم تفتيشهم الدموية بعد سقوط الاندلس بأيديهم، ويدفعوا عنهم اصوات الانكار على حروبهم الصليبية التي اهلكوا فيها الحرث والنسل وأفنوا اجيالاً من المسلمين الابرياء طيلة قرون متمادية.

إلاّ أن الاهم في استهدافهم من إثارة هذه الشبهة هو الحط من قيمة الاسلام وعقائده، وقدرته على اثبات احقيته المطلقة وهيمنته على الاديان كلها، وتهافت جميع الاطروحات الوضعية امامه بالحجة البالغة والدليل الحاسم. وهم يعرفون حق المعرفة أن الاسلام بسمو مبانيه وتكامل تشريعاته ملك العقول وتألقت بعشقه القلوب واستسلمت النفوس لبياناته المشرقة بالحق.

وهذه المسألة ينبغي تناولها بالنظر إلى المباني والعمل على رفع الستار عن دعواهم الباطلة هذه حتى يرى طالب الحق أنها كسراب بقيعة إذا جاءه الظمآن لم يجده شيئاً.

وفي معرض ردّ هذه الشبهة يجب ابتداءً أن نشير إلى اصول عقلائية وعقلية هي المدخل المنطقي لبيان موقف الاسلام من القوة في نشر دعوته واعلاء كلمته وهي:

1 ـ أن الاسلام مأخوذ في مبانيه الاساسية توجيه الخطاب للبشرية جمعاء، ودعوتهم إلى عقائده وتشريعاته التي يرى بالدليل والحجة أنها تضمن لهم العدل والسعادة بدلالة قوله تعالى في القرآن الكريم: (وما أرسلناك إلاّ كافّةً للناس بشيراً ونذيراً ولكن اكثر الناس لا يعلمون)([683]).

وقوله سبحانه: (وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين)([684]). وغيرها من الآيات الكريمة.

بل يؤكد حتمية ظهوره بالهدى والحق الملازم للحجة والبرهان في قوله تعالى: (هو الذي ارسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كلّه ولو كره المشركون)([685]).

ولكونه فرقاناً بين الحق والباطل القائم بالملازمة على الدليل والبرهان في قوله سبحانه: (تبارك الذي نزَّل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً)([686]).

وهذا أمر يلتزم العقلاء بلوازمه وفي مقدمتها حق العمل لنشر دعوته هذه في الناس، واقامة سلطته على من اعلن اسلامه وايمانه به، وهذا مختلف تماماً عن مفهوم الاستعمار الذي يعني تسلّط قوم على قوم بوازع عرقي، أو فئة على اخرى بوازع الغلبة السياسية أو التفوق الاقتصادي والاجتماعي.

فإقامة سلطة الاسلام على مَن قَبِلَ به يعني تسليط مبادئ الاسلام وقوانينه وتشريعاته، التي انزلها الله تعالى وارسل رسله بها للناس على اختلاف اجناسهم واقطارهم وازمانهم، تحقيقاً لمصالح البشرية في اقامة الحق والعدل ودرءاً للمفاسد عنها بازهاق الباطل وازالة الظلم.

2 ـ أن أي حق يحكم به العقل ويذعن له العقلاء يتفرّع عليه حق المطالبة به وازالة الموانع والعقبات التي تقف في طريق تحقيقه، بل استخدام الوسائل الكفيلة لاحقاقه. فنشر الاسلام والدعوة إليه حق باعتباره دعوة عالمية وخطاب لكل البشرية في كل مكان وزمان، وهو المفروض اولاً، وعليه تترتب كل لوازمه التي تضمن القيام به كما قلنا.

وتأسياً على هذا الاصل العقلائي نجد مايلي:

أولاً: أن آيات الحث على القتال في القرآن الكريم ـ وكما نُقّح في محله([687]) ـ لا دلالة فيها إطلاقاً على تشريع القتال لتحميل العقيدة الاسلامية محضاً، كقوله تعالى: (إن الله اشترى من المؤمنين انفسهم واموالهم بأن لهم الجنّة يقاتلون في سبيل الله فَيقتُلون ويُقتَلون وعداً عليه حقّاً في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم)([688]).

وقوله سبحانه: (فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة ومن يقاتل في سبيل الله فيُقتَلْ أو يَغلِبْ فسوف نؤتيه اجراً عظيماً * ومالكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربَّنا اخرجنا من هذه القرية الظالم اهلها واجعل لنا من لدنك ولياً واجعل لنا من لدنك نصيراً * الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا اولياءَ الشيطان إنّ كيد الشيطان كان ضعيفاً)([689]).

وقوله أيضاً: (فقاتل في سبيل الله لا تُكلَّفُ إلاّ نفسَك وحرِّض المؤمنين عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا والله اشدُّ بأساً واشدُّ تنكيلاً)([690]) وامثالها من الآيات الكريمة.

وأنها منحصرة في موارد الحرب الدفاعية وما في حكمها من الحروب التي تسمى بالوقائية، أو التي تستهدف إزالة الموانع والعقبات التي تقف في طريق نشر الدعوة الاسلامية وتحرير الناس من الطاغوت وأسر الاوهام الباطلة، بقرينة دفع الفتنة كغاية تشير اليها بعض الآيات الكريمة واحباط خطط الاعداء المتربصين بالدعوة الاسلامية للقضاء عليها، كما في قوله تعالى: (قل للذين كفروا إن ينتهوا يُغفر لهم ما قد سلف وإن يعودوا فقد مضت سنة الاولين * وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصيرٌ * وإن تولوا فاعلموا أن الله مولاكم نِعمَ المولى ونِعمَ النصير)([691]).

وقوله تعالى: (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين * واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث اخرجوكم والفتنة أشدّ من القتل ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين * فإن انتهوا فإن الله غفورٌ رحيمٌ * وقاتلوهم حتى لا تكون فتنةٌ ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلاّ على الظالمين)([692]).

ثانياً: كما نجد أن التجربة الاسلامية الكبرى التي قادها رسول الله(صلى الله عليه وآله) قد انطلقت من أفق هذه الاصول وحدود مفادها فنجد هذه التجربة الاسلامية الرائدة تحكي لنا هذه الاصول فيما يلي:

أ ـ أن جميع معارك وغزوات رسول الله(صلى الله عليه وآله) لم تكن في مبدئها وهدفها تحميل العقيدة الاسلامية، ويمكننا تصنيف صور استخدام القوة في معارك وغزوات رسول الله(صلى الله عليه وآله)بالشكل التالي:

الأولى: صور الحرب الدفاعية: وبملاحظة تفصيلية لكل منها لا نجد فيها أية دلالة على استخدام القوة لتحميل العقيدة الاسلامية واليك تقريراً عن ابرزها:

1 ـ واقعة بدر: بمراجعة استعراضية لهذه الغزوة نجد في ارهاصاتها ومقدماتها أن كرز بن جابر أغار على آبال اهل المدينة وأغنامهم ونهبها فخرج رسول الله(صلى الله عليه وآله) مع جماعة إلى حوالي بدر كي يظفروا به فلم يمكنهم ذلك، ثم خرج رسول الله(صلى الله عليه وآله) مع المسلمين مرة أخرى للهجوم على قافلة قريش في عودتهم من الشام إلى مكة. قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): هذه عير قريش فيها أموالهم فاخرجوا اليها لعل الله يغنمكموه فاطّلعت قريش على الوضع فخرجت من مكة إلى بدر بهدف الدفاع عن قافلتهم فشاور رسول الله(صلى الله عليه وآله) المسلمين في الحرب أو الرجوع إلى المدينة فكانت المشورة هي التصميم على الحرب، وحينما اطّلع المسلمون على فرار القافلة ونجاتها اغتم بعضهم لفوات الغنيمة التي كانت مع القافلة التجارية من ايديهم، ونزلت الآية الكريمة: (وإذْ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودّون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ويريد الله أن يحقّ الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين)([693]).

وابتدأت الحرب بمجيء الاسود المخزومي إلى حوض ماء المسلمين ليهدمه أو يشرب منه، فوقعت الحرب بينه وبين حمزة(رضي الله عنه) وقتله حمزة، ثم ابتدأت قريش بطلب المبارزة. وقد يضاف إلى ذلك دوافع دفاعية اخرى قائمة على اساس ظلم مشركي مكة للمسلمين وخصوصاً من كان في مكة منهم، وكذلك منعهم عن القيام بنشر دعوتهم الاسلامية في مجتمع مكة المكرمة وسلب حريتهم في ذلك.

وفي حكم ذلك كل صور خروج المسلمين ومواجهتهم لكفار قريش وقوافلهم المنطلقة من مكة سواء وقعت الحرب أم لم تقع.

2 ـ غزوة بني قينقاع وغزوة بني قريضة جاءتا ردّاً دفاعياً على نبذ اليهود من بني قينقاع وبني قريضة لعهدهم مع رسول الله(صلى الله عليه وآله)، والغاء المعاهدة المبرمة معهم على أن لا يحاربوه ولا يعينوا احداً على حربه. أما غزوة بني النضير فهي الاخرى جاءت دفعاً لمؤامرة يهود بني النضير بمحاولتهم اغتيال رسول الله(صلى الله عليه وآله).

3 ـ معركتا اُحد والخندق كانتا دفاعيتين محضتين ضد هجوم كفار قريش كما هو معروف تاريخياً.

4 ـ فتح مكة هو أيضاً جاء ردّاً على نقض مشركي قريش لمعاهدة صلح الحديبية، واسترداداً لحقوق مسلمي مكة التي اهدرت باستلاب اموالهم واخراجهم من مكة ظلماً وجوراً وهتك اعراضهم والنيل من كرامتهم. ومعركة حنين جاءت امتداداً لفتح مكة وردعاً للجيش الذي عبأته هوازن لقتال المسلمين.

5 ـ غزوة تبوك، وهي الاولى من نوعها ـ بعد غزوة مؤتة ـ في الدفاع عن حدود بلاد السلام التي أعدّ الروم العدة لغزو الاجزاء الشمالية منها.

الثانية: صور الحرب الوقائية أو الابتدائية: وقد اقترنت مفرداتها بظهور أول دولة اسلامية بقيادة رسول الله(صلى الله عليه وآله) في المدينة المنوّرة، وانتشار الدعوة الاسلامية في أرجاء واسعة من الجزيرة العربية وقوة شوكة المسلمين فيها، وعند استعراضنا لتفاصيل هذه الحروب لانجد فيها استخداماً للقوة في تحميل العقيدة الاسلامية. وتنحصر صور هذا النوع من الحرب بمايلي:

1 ـ معركة خيبر، التي كانت معركة وقائية ردّ بها رسول الله(صلى الله عليه وآله) على تهييج يهود خيبر لقبائل العرب على حرب النبي(صلى الله عليه وآله) وتأسيسهم حرب الاحزاب من قبل، وكسر شوكتهم لئلا يتكرر منهم ذلك.

2 ـ غزوة مؤتة، وهي أولى غزوات المسلمين في مواجهة الروم والمستعربة من أنصارهم ردّاً على قتلهم الدعاة والمبلغين الذين ارسلهم النبي(صلى الله عليه وآله) لتبليغ ونشر الاسلام في مناطق الحدود الشامية، وقتل شرحبيل حاكم تلك المناطق لحارث بن عمير الازدي سفير النبي(صلى الله عليه وآله) إلى امير الشام وقتئذ وهو حارث بن ابي شمر.

3 ـ تعبئة جيش اسامة والامر بإنفاذه، وقد جاءت هذه التعبئة بعد غزوة تبوك التي انسحب فيها الروم بعد هجومهم على الحدود الشمالية لبلاد المسلمين عندما رأوا جيوش المسلمين بقيادة رسول الله(صلى الله عليه وآله) قد أقبلت، وفي حينها عدل رسول الله(صلى الله عليه وآله) بعد مشورة كبار الصحابة عن قتالهم. إلاّ أنه(صلى الله عليه وآله) قبيل وفاته أمر بتعبئة جيش ضم جلّ الصحابة بقيادة اُسامة بن زيد لحرب الروم لئلا تسوّل لهم انفسهم معاودة الاعتداء على بلاد المسلمين.

وهكذا كما ترى فهي مشروع حرب وقائية أو ابتدائية وليست مشروع حرب لتحميل العقيدة الاسلامية محضاً.

ب ـ موقف أئمة اهل البيت(عليهم السلام) من غزوات حكّام الخلافة الاسلامية بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله) حيث أنها محكومة بمبدأ اساسي أعلنه رسول الله(صلى الله عليه وآله) وأكّده أئمة اهل البيت(عليهم السلام)من بعده، وهو أن الجهاد مشروط بقيادة أو اذن الامام العادل ضماناً لتحقيق صورته الشرعية وهدفه الرسالي المنشود بدلالة روايات عديدة منها:

عن الامام الرضا(عليه السلام) في كتابه إلى المأمون: والجهاد واجب مع الامامالعادل([694]).

وعن الامام ابي عبد الله(عليه السلام) عن آبائه(عليهم السلام)، قال: قال امير المؤمنين(عليه السلام): لا يخرج المسلم في الجهاد مع من لا يؤمن على الحكم ولا يُنفذ في الفيء أمر الله عزّوجلّ، فإنه إن مات في ذلك المكان كان معيناً لعدوّنا في حبس حقنا والإشاطة بدمائنا وميتته ميتة جاهلية([695]). وغيرها من الروايات.

بل نجد أن أئمة اهل البيت(عليهم السلام) خصوصاً في عهد حكّام الخلافتين الاموية والعباسية يحرمون خوض الحروب والغزوات لبلاد الكفر والشرك تحت لوائهم، لأن الاصل في حروبهم وغزواتهم هذه هو توسيع رقعة خلافتهم المنحرفة وبسط سلطانهم الباطل، وعليه لا يمكن تحميل هذه الحروب والغزوات على الاسلام والأئمة من اهل بيت نبيه(صلى الله عليه وآله). وما ورد عنهم من ترخيص في هذا السبيل منحصر أمره بحفظ ثغور المسلمين وبحد الدفاع المحض عن بلاد الاسلام وبيضته من كيد الكفار والمشركين المتربصين بالاسلام والمسلمين.

وفي روايات كثيرة تصريح بذلك، منها ما في خبر يونس بسند صحيح قال: سأل أبا الحسن(عليه السلام) رجل وأنا حاضر، فقال له: جعلت فداك، إن رجلاً من مواليك بلغه أن رجلاً يعطي سيفاً وقوساً في سبيل الله، فأتاه فأخذهما منه وهو جاهل بوجه السبيل، ثم لقيه أصحابه فأخبروه أن السبيل مع هؤلاء لا يجوز (يعني خلفاء بني العباس)، وأمره بردّهما. قال: فليفعل. قال: قد طلب الرجل فلم يجده وقيل له قد قضى الرجل. قال: فليرابط ولا يقاتل. قال: مثل قزوين وعسقلان والديلم وما أشبه هذه الثغور؟ فقال: نعم. قال: فإن جاء العدو إلى الموضع الذي هو فيه مرابط كيف يصنع؟ قال: يقاتل عن بيضة الاسلام. قال: يجاهد؟ قال: لا إلاّ أن يخاف على دار المسلمين. أرأيتك لو أن الروم دخلوا على المسلمين لم ينبغ لهم أن يمنعوهم؟ قال: يرابط ولا يقاتل، وإن خاف على بيضة الاسلام والمسلمين قاتل فيكون قتاله لنفسه ليس للسلطان، لأن في دروس الاسلام دروس ذكر محمد(صلى الله عليه وآله)([696]).

وقد نستثني بعض الحروب والغزوات التي وقعت أيام الخلفاء الثلاث الأوائل بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله)، والتي يستشعر فيها تأييد أو رضا الامام علي(عليه السلام)عليها أو أنها شارك فيها الامام الحسن(عليه السلام)، وهي تُحمل على حروب الدفاع الوقائية أو الابتدائية وعلى اساس مبدأ اسقاط حكم الطاغوت وتحرير الناس من استعبادهم وطغيانهم، ليتمتعوا بحرية الاسلام وينفتحوا على حقائقه وانوار هدايته. وهكذا فهي لا تخرج عن حدود الحقوق العقلائية والعقلية كحق رفع الموانع التي تحول بين الناس وبين إدراكهم لحقيقة الدعوة الاسلامية ومبانيها الحقة.

ثالثاً: أن الاصل في الدعوة الاسلامية هي انتهاج سبيل الحكمة والموعظة الحسنة بدلالة قوله تعالى: (ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربّك هو أعلم بمن ضَلَّ عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين)([697]). بل لا يجوز في الشريعة الاسلامية البدء بالقتال إلاّ بعد عرض الاسلام على العدو، وإن كان غازياً، فان قَبِلَ به باعلان الشهادتين حقنت دماءهم واموالهم واعراضهم، وهو في واقعه طلب التسليم لسلطة الاسلام العادلة في مقابل سلطة الطاغوت، ولهذا نجد أن الرسول(صلى الله عليه وآله) واهل بيته الطاهرين(عليهم السلام) هم أبرز مصداق لهذا النهج في نشر الدعوة الاسلامية.

وقد بلغوا الكمال في الحجة والبيان رغم كل ما تعرضوا له من اضطهاد وتشريد ولم تكن معارك وغزوات رسول الله(صلى الله عليه وآله) رغم كونها دفاعية أو وقائية أو ابتدائية إلاّ بعد أن أتمّ الحجة واسقط العذر في البلاغ. وعلى هذا النهج كانت رسائل الرسول(صلى الله عليه وآله) إلى ملوك ورؤساء الامم الاُخرى والتي دعاهم فيها إلى الاسلام، وعند استقرائنا لما وصلنا منها([698]) نلحظ فيها حقيقة ما قلناه، منها:

1 ـ رسالته (صلى الله عليه وآله) الى قيصر ملك الروم:

بسم الله الرحمن الرحيم ـ من محمد بن عبدالله الى هرقل عظيم الروم ، سلام على من اتبع الهدى ، أما بعد فاني أدعوك بدعاية الاسلام أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين فان تولّيت فانّما عليك اثم ( الاريسين ) ، ويا اهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألاّ نعبد إلاّ الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتّخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فان تولّوا فقولوا : اشهدوا بأنّا مسلمون ـ محمّد رسول الله ([699]). 2 ـ رسالته (صلى الله عليه وآله) الى كسرى ملك فارس:

بسم الله الرحمن الرحيم ـ من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس ، سلام على من اتّبع الهدى وآمن بالله ورسوله وشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله ، أدعوك بدعاية الله فاني أنا رسول الله إلى الناس كافة لأنذر من كان حيّاً ويحقّ القول على الكافرين ، أسلم تسلم فإن أبيت فعليك اثم المجوس ([700]). 3 ـ رسالته (صلى الله عليه وآله) الى ملك مصر :

بسم الله الرحمن الرحيم ـ من محمد بن عبدالله إلى المقوقس عظيم القبط ، سلام على من اتّبع الهدى ، أما بعد فاني أدعوك بدعاية الاسلام أسلم تسلم وأسلم يؤتك الله أجرك مرّتين فان توليت فانّما عليك اثم القبط . ويا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلاّ الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتّخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فان تولوا فقولوا : اشهدوا بأنّا مسلمون ([701])

4 ـ رسالته (صلى الله عليه وآله) الى النجاشي ملك الحبشة :

بسم الله الرحمن الرحيم ـ من محمد رسول الله إلى النجاشي عظيم الحبشة ، سلام على من اتّبع الهدى ، أما بعد فاني احمد اليك الله الذي لا إله إلاّ هو الملك القدّوس السلام المؤمن المهيمن وأشهد أن عيسى بن مريم روح الله وكلمته ألقاها الى مريم البتول الطيّبة الحصينة فحملت بعيسى من روحه ونفخه كما خلق آدم بيده واني ادعوك الى الله وحده لا شريك له والموالاة على طاعته وان تتبعني وتوقن بالذي جاءني فاني رسول الله واني ادعوك وجنودك الى الله عزّوجلّ وقد بلّغت ونصحت فاقبلوا نصيحتي والسلام على من اتّبع الهدى ([702]).

5 ـ رسالته (صلى الله عليه وآله) الى ملك اليمامة :

بسم الله الرحمن الرحيم ـ من محمد رسول الله الى هوذة بن علي ، سلام على من اتّبع الهدى ، واعلم ان ديني سيظهر إلى منتهى الخف والحافر فأسلم تسلم واجعل لك ما تحت يديك ([703]). 6 ـ رسالته (صلى الله عليه وآله) إلى ملك غسان :

بسم الله الرحمن الرحيم ـ من محمد رسول الله إلى الحارث بن ابي شمر سلام على من اتّبع الهدى وآمن به وصدق واني ادعوك ان تؤمن بالله وحده لا شريك له يبقى ملكك ([704]). رابعاً: أن الحكم الشرعي الاسلامي بتخيير أهل الكتاب بين قبول الاسلام أو دفع الجزية كضريبة مقابل تمتعهم بحماية الدولة الاسلامية لهم، تعبير آخر على عدم اعتماد الاسلام مبدأ استخدام القوة في تحميل العقيدة الاسلامية; إذ لو كان الهدف من استخدام القوة تحميل الاسلام عليهم لما كان هناك خيار يتضمن بقاءهم على دينهم.

خامساً: هناك فرق في سعة وقوة التأثير وتنوع اساليب نشر الدعوة الاسلامية بين حالتي قوة المسلمين وسلطتهم وبين ضعفهم وعدم سلطتهم. وامتلاكهم للقوة والسلطة لا يعني ابداً استخداماً للقوة في نشر الدعوة وتبليغها خارج دائرة الاصول العقلائية التي أشرنا لها. إذ إن الحرية الانسانية والعدالة الالهية تتحقق بأفضل صورها في ظرف سلطة الاسلام واقتداره، حيث يصبح الناس وجهاً لوجه امام حقائق الاسلام وفرقانه المطلق بلا ارهاب ولا موانع ولا أوهام، فتنفتح عقولهم وتشرق نفوسهم بنور الاسلام وهديه، وهو مالا يتحقق في ظرف اقتدار الطواغيت وانبساط سلطانهم وانحسار سلطة الاسلام أو غيابها; لاتكائهم على القوة والقهر في سياسة الناس واستعبادهم واخراجهم من النور إلى الظلمات كما هي طبيعتهم وقوامهم، وكما هي سيرتهم عبر التاريخ طراً. وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الحقيقة بقوله عزّوجلّ: (الذين كفروا اولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات)([705]). وهذا هو الملاك الذي يكمن في حكمة بسط سلطان الاسلام وتمكين عدله في الناس تحقيقاً للطف الالهي في هداية الناس للحق ورشدهم وكمالهم على صراطه. وهو مضافاً إلى ذلك حق بلحاظ كونه لازماً عقلياً للدعوة العالمية المشار إليه في الاصل الثاني القاضي بإزالة جميع الموانع والعقبات التي تحول بين الناس ووعي الدعوة وبيانها بكامل الحرية والاختيار، وهذا مالا يتحقق في ظل سلطة الطاغوت وهيمنته.

بعد هذه المناقشة العلمية لا تفوتنا الاشارة إلى اننا ومن خلال تتبع الواقع الفكري والسياسي المعاصر للمواجهة بين الكفر العالمي من جهة والاسلام وامته الراشدة بهدي مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) من جهة اخرى نكشف عن أن اتهام المسلمين بالارهاب والصاق فرية تحميل العقيدة الاسلامية بالقوة لم يكن مجرد شبهة أطلقت على الصعيد الفكري والعقائدي كما هي في السابق، وإنما اتخذت في هذه المرحلة الحساسة من مسيرة الاسلام وحركة المسلمين العالمية، كأمة وكدولة، مسار مواجهة ميدانية على كافة الاصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إضافة إلى الفكرية والعقائدية، مما يكشف لنا خبث النوايا الاستكبارية وراء هذه الحملة الاعلامية المسعورة ضد المسلمين، وارهابهم بتهمة الارهاب، وكانهم تعبأوا ليعيدوا للحياة مرة اخرى تاريخهم الملطّخ بدماء المسلمين ولكن بلباس ما يسمونه اليوم بالنظام الدولي الجديد، بهدف استئصال عوامل الحياة والقوة في أية منظومة تقوم اسسها على الاسلام رسالة ونظاماً للحياة.

الخاتمـةمدرسة أهل البيت (عليهم السلام)رائـدة الوحـدة الاسـلامية

مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) رائدة الوحدة الاسلامية

ليس جزافاً أن نقول: إن مدرسة أهل البيت(عليهم السلام) هي المدرسة الرائدة والمرشحة الاولى لاداء الدور القيادي في هذا السبيل; لما تتميز به اطروحاتها العلمية والاجتماعية والسياسية من قدرة محكمة، وسيرة تاريخية متواصلة لتحقيق هذا الهدف المقدس.

ففي اطروحاتها العلمية مثلاً تتميز باعتمادها منهج الدليل والبرهان في مختلف جوانب المعرفة، والالزام بالحجة البالغة والبيان التام، كما هو القرآن الكريم في آياته البيّنات، وكما هو الرسول الكريم(صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الطاهرين(عليهم السلام)في السنّة الشريفة. ولا غرابة في ذلك; فمدرسة أهل البيت(عليهم السلام)تأسست على يد الرسول الاعظم(صلى الله عليه وآله)، على أساس اعلانه الخالد بتلازم الثقلين المباركين كتاب الله وعترته الطاهرة، ووصيته لأمته بهما في قوله(صلى الله عليه وآله): إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي([706]).

والذي يقلّب صفحات التاريخ الرائد لأئمة أهل البيت(عليهم السلام)، يجدهم مُثلاً عُليا في السير على هذا النهج القرآني، والسيرة النبوية الشريفة، حتى أذعن لحججهم وبياناتهم أئمة المذاهب الاسلامية الأخرى، ونهلوا ما تيسر لهم من منهلهم القرآني الحق. ولعل أبرز تلك الحقب المجيدة ما كان على يد الامامين الصادقين الباقر والصادق(عليهما السلام)، حتى غدا أكثر من أربعة آلاف عالم ومحدث معاصر للامام الصادق(عليه السلام)يقول: حدثني جعفر بن محمد الصادق، لذا نجد أن الكثير من رواة الحديث هؤلاء معتمدون عند الفريقين، ويوثقهم أهل المذاهب الإسلامية الأخرى، ويروون عنهم المئات من الاحاديث، من امثال أبان بن تغلب الربعي، وأبي حمزة ثابت بن ابي صفية الثمالي، وهما من تلامذة الأئمة السجاد والباقر والصادق(عليهم السلام)، وأبي أرطاة الكوفي القاضي، وحرب بن شريج (شريح) بن المنذر المنقري، والحكم بن عتيبة الكندي، وربيعة بن أبي عبد الرحمن، وسليمان بن مهران الاسدي الكاهلي، وشيبة بن نصاح بن سرجس بن يعقوب المخزومي، وعبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب القريشي الهاشمي العلوي، وعبد الله بن ابي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الانصاري، وعبد الله بن عطاء الطايفي المكي، وعبيد الله بن طلحة بن عبيد الله بن كريز الخزاعي، وعبد الرحمن بن طلحة الخزاعي، وعبد الرحمن بن هرمز الاعرج، وعبد الملك بن جريج، وعطاء بن ابي رباح، وعلقمة بن مرتد الحضرمي (أبي حارث الكوفي)، وعمرو بن دينار المكي، وأبي اسحق السبيعي، والقاسم بن الفضل الازدي (أبي مغيرة البصري)، وقرة بن خالد الدوسي، (أبي محمد البصري)، وابي كثير النواء، وليث بن ابي سليم القريشي (أبي بكر الكوفي)، ومحمد بن سوقة، ومحمد بن مسلم بن شهاب الزهري، ومخوّل بن راشد النهدي، ومعمر بن يحيى بن سام، وموسى بن سالم مولى آل العباس بن عبد المطلب (أبي يهضم)، ويحيى بن ابي كثير الطائي، ويحيى الكندي الكوفي، وكلهم من تلامذة الإمام الباقر(عليه السلام)، وعبد الرحمن بن عمرو بن ابي عمرو (أبي عمر الاوزاعي)، وهو من تلامذة الامامين الباقر والصادق(عليهما السلام)، وحفص بن غياث من اصحاب الامامين الصادق والكاظم(عليهما السلام)، وعشرات غيرهم([707]).

إن ما نجده اليوم من مساحة التوافق الواسعة في الطرح الاصولي والفقهي بين المذاهب الاسلامية المختلفة في محورية مذهب أهل البيت(عليهم السلام)، هو من بركات هذا النهج وعطاءات هؤلاء الأئمة المعصومين(عليهم السلام).

واصلت هذه المدرسة الاسلامية الكبرى نهجها هذا، وتراكمت فيها معطيات أجيال متوالية من العلماء والفقهاء والمحدثين، حتى أصبحت اغنى مدرسة في تراثها وعطائها العلمي الاصيل.

ولم يقتصر نهج مدرسة أهل البيت(عليهم السلام) على الجانب العلمي، رغم أنه الأهم لكونه الاساس في بناء وحدة اسلامية اصيلة وراسخة، بل إنه تكامل ليشمل عموم هيكل بناء الامة الواحدة، وتوحيدها اخلاقياً واجتماعياً وسياسياً. وبمراجعة واعية وموضوعية لسيرة أهل البيت(عليهم السلام) نجد نهجاً واحداً وخطاً جلياً، يحكي هذه الحقيقة ويهدف إلى ذلك الهدف المقدس، منها ما في سيرة امير المؤمنين علي(عليه السلام) في زمن الخلفاء الثلاثة الأولين، فحينما وجد أن اصل الاسلام ووحدة الأمة الاسلامية مهددة بالخطر، أعلن موقفه الرسالي من الخليفة الأول; حفظاً لوحدة المسلمين وتقوية لشوكتهم، رغم وضوح حقه في الخلافة، وبيعة المسلمين له في حضور رسول الله(صلى الله عليه وآله) في آخر حجة الوداع عند غدير خم، وقد قال في ذلك: فأمسكت يدي حتى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الاسلام، يدعون إلى محق دين الله وملّة محمد...([708]).

وقال أيضاً: فرأيت أن الصبر على ذلك أفضل من تفريق كلمة المسلمين.....

ولم يثنه عن موقفه هذا ارجاف المرجفين، كأبي سفيان حين قدم المدينة وجاء لعلي(عليه السلام)فقال: والله إني لأرى عجاجة لا يطفئها إلاّ دم... أين المستضعفان؟ أين الأذلاّن عليّ والعباس؟، وقال: ابسط يدك حتى أبايعك فزجره عليّ وقال: إنك والله ما أردت إلاّ الفتنة وإنّك والله طالما بغيت الاسلام شرّاً لا حاجة لنا في نصيحتك([709]).

وحينما اراد الخليفة الأول غزو الروم استشار جماعة فقدّموا وأخروا، ولم يقطعوا برأي، فاستشار علياً في الأمر، فقال: إن فعلت ظفرت، فقال: بشّرت بخير([710]).

وشاوره الخليفة الثاني في الخروج إلى غزو الروم فنصحه الامام(عليه السلام) بعدم الخروج بنفسه، وأن يرسل رجلاً شجاعاً وخبيراً بفنون القتال، ويبعث معه أهل الخبرة والنصيحة، وأن يبقى هو في المدينة، وقال له: فابعث إليهم رجلاً مجرباً واحفز معه اهل البلاء والنصيحة، فإن أظهره الله فذاك ما تحب، وإن تكن الأخرى كنت ردئاً للناس، ومثابة للمسلمين([711]).

وعن الطبري في تاريخه عن سعيد بن المسيب: قال: جمع عمر بن الخطاب الناس فسألهم، من أي يوم نكتب التاريخ؟ فقال علي(عليه السلام): من يوم هاجر رسول الله(صلى الله عليه وآله) وترك أرض الشرك، ففعله عمر([712]). وهكذا وجد التاريخ الهجري ليؤرخ به المسلمون.

وفي الجانب الاقتصادي شاور الخليفة الثاني الصحابة بعد انتصار المسلمين على الفرس في سواد الكوفة، فقال بعضهم: تقسمها بينن ثم شاور علياً(عليه السلام) في الامر، فقال(عليه السلام): إن قسمتها اليوم لم يكن لمن يجيء بعدنا شيء، ولكن تقرّها في أيديهم يعملونها، فتكون لنا ولمن بعدن، فقال عمر: وفقك الله. هذا الرأي([713]).

وفي شؤون الدولة وعمالها استشار الخليفة الثاني علياً(عليه السلام) فيما بلغه من أحد عمّاله، باع ما يحرم بيعه وجعل الثمن في بيت المال، فقال علي(عليه السلام): إما أن تعزله، وإما أن تكتب إليه ألاّ يعود([714]).

ونهج اتباع علي(عليه السلام) وشيعته نهج إمامهم، فلم ينكصوا عن تسنّم مناصب إدارية كبرى في ظل حكومة الخليفة الثاني، فقبل سلمان الفارسي ولاية المدائن، وقبل عمار بن ياسر ولاية الكوفة، وقبل غيرهم من شيعة علي(عليه السلام)وأتباعه مناصب حسّاسة اخرى، كما أخلص إمامهم علي(عليه السلام) في مشورته ونصحه، وذبه عن الاسلام ووحدة المسلمين طيلة فترة الخلفاء الثلاثة الأولين، وفي عهد خلافته حتى سقط شهيداً في محرابه.

وعندما انتهى اجتماع اهل الشورى الستة بقرار ترشيح عثمان للخلافة بعد وفاة الخليفة الثاني، قال أمير المؤمنين(عليه السلام) لهم: لقد علمتم أني أحق بها من غيري، ووالله لأسلمنّ ما سلمت أمور المسلمين ... التماساً لأجر ذلك وفضله([715]). وكان أمير المؤمنين(عليه السلام) لا يتوانى في إعانة الخليفة الثالث، ويشير عليه برأي عندما يطلب منه ذلك ولاسيما في القضاء.

وبذل امير المؤمنين(عليه السلام) غاية الجهد لمنع وقوع الفتنة في أواخر خلافة عثمان حفظاً لوحدة المسلمين، فحذّر الخليفة من بعض الولاة الذين كانوا وراء إثارة الفتنة بين المسلمين، كما حذره من مروان الذي كان محور المؤامرات التي تحاك لإشعال الفتنة، فقال له: والله ما مروان بذي رأي في دينه ولا نفسه، وايم الله إني لأراه سيوردك ثم لايصدرك، إلاّ أن استمرار مروان بدوره التآمري افشل كل محاولات احتواء الفتنة، وعندما طالبت المعارضة عثمان بتسليم مروان أبى فحدث الحصار([716]) وانتهى بقتل عثمان.

واستمر نهج امير المؤمنين(عليه السلام) ايام خلافته في حفظ وحدة المسلمين، وتقوية شوكتهم، ومحاصرة الفتن التي مزّقت صفوفهم، وما حروبه الشهيرة الثلاث (للناكثين والمارقين والقاسطين) إلاّ من أجل القضاء على رؤوس الفتنة والمؤامرة على وحدة الامة ووحدة كيانها السياسي الشرعي.

وعندما تحولت الخلافة الاسلامية إلى ملكية وراثية على عهد معاوية واصبحت حكراً على بني أمية، بلا ميزان حق ولا عدل، اجتهد أهل البيت(عليهم السلام)في كشف هذا الانحراف الخطير للأمة; حفظاً لهويتها الاسلامية، ولوحدتها وهي خير امة أخرجت للناس. وذلك بتعرية هذه الخلافة الباطلة، وبيان مدى بعدها وانحرافها عن الاسلام، فكان هذا الهدف من ابرز اهداف صلح الامام الحسن(عليه السلام)على الصعيد السياسي، وكانت نهضة الامام الحسين(عليه السلام)وشهادته مع أهل بيته وصحابته بتلك الصورة المأساوية، وسبي نساء واطفال العترة الطاهرة، متمماً حاسماً في تحقيق ذلك الهدف على الصعيد الارادي والعاطفي.

وبعد أن استقرت نتائج هذه المرحلة في دور أهل البيت(عليهم السلام) في حماية الأمة من الانحراف، وحفظ وحدتها على اصول الاسلام الحق، بدأت مرحلة جديدة بدأها الإمام السجاد(عليه السلام)، واتصلت حلقاتها في حياة الأئمة من بعده، ولاسيما في عهد الصادقين(عليهما السلام). وكان من أبرز ما تصدى إليه أهل البيت(عليهم السلام) في هذه المرحلة، هو إحباط محاولات الخلافة المنحرفة في الزمنين الاموي والعباسي، من تحكيم سلطانهم على اساس جهل المسلمين بدينهم، وترسيخ حالة التفرق والتشرذم في اطار فرق ومذاهب شتى. من ذلك ما روي عن أبي حنيفة أنه قال: ما رأيت افقه من جعفر بن محمد ] الصادق(عليه السلام) [ . لما أقدمه المنصور بعث إليّ فقال: يا أبا حنيفة، إن الناس قد افتتنوا بجعفر بن محمد، فهيّئ له من المسائل الشداد، فهيّأت له أربعين مسألة، ثم بعث إلي ابو جعفر وهو بالحيرة، فأتيته فدخلت عليه، وجعفر بن محمد جالس عن يمينه، فلما أبصرت به دخلتني من الهيبة لجعفر بن محمد الصادق ما لم يدخلني لأبي جعفر، فسلمت عليه، وأوما إلي فجلست، ثم التفت إليه فقال: يا أبا عبد الله، هذا ابو حنيفة. قال جعفر: نعم. ثم أتبعها: قد أتانا. كأنه كره ما يقول فيه قوم أنه إذا رأى الرجل عرفه، ثم التفت المنصور إليّ فقال: يا أبا حنيفة، ألق على أبي عبد الله من مسائلك، فجعلت ألقي عليه فيجيبني، فيقول: أنتم تقولون كذا، وأهل المدينة يقولون كذا، ونحن نقول كذا، فربّما تابعهم، وربما خالفنا جميعاً، حتى أتيت على الأربعين مسألة. ثم قال أبو حنيفة: ألسنا روينا أن اعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس([717]).

وعلى الصعيد الأخلاقي والاجتماعي رسّخ أهل البيت(عليهم السلام) مبادئ ومفاهيم، كانت عاملاً اساسياً في اظهار وحدة الأمة شامخة تتصاغر أمامها كل محاولات سلاطين الجور، من النيل منها، والتلاعب بمقدراتها.

من تلك المبادئ والمفاهيم ما عن الامام الصادق(عليه السلام) أنه قال لشيعته ومريديه: خالقوا الناس بأخلاقهم، صلّوا في مساجدهم، وعودوا مرضاهم، واشهدوا جنائزهم، وإن استطعتم أن تكونوا الأئمة والمؤذنين فافعلوا، فإنكم إذا فعلتم ذلك قالوا: هؤلاء الجعفرية، رحم الله جعفراً ما كان أحسن ما يؤدّب اصحابه، وإذا تركتم ذلك، قالوا: هؤلاء الجعفرية فعل الله بجعفر، ما كان أسوأ ما يؤدّب أصحابه([718]).

وعنه(عليه السلام) أنه قال لشيعته مؤكداً ضرورة وحدتهم مع سائر المسلمين: من صلى معهم في الصف الأول كان كمن صلى خلف رسول الله(صلى الله عليه وآله)([719]).

ومنها ما عن عبد الله بن سنان قال: سمعت أبا عبد الله(عليه السلام) يقول: أوصيكم بتقوى الله، ولا تحملوا الناس على اكتافكم فتذّلوا. إن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه: (وقولوا للناس حسناً)، عودوا مرضاهم، واشهدوا جنائزهم، واشهدوا لهم وعليهم، وصلّوا معهم في مساجدهم...([720]).

ولم يجد طغاة بني العباس سبيلاً إلاّ محاصرة اهل البيت(عليهم السلام)، ومحاولة عزلهم عن الأمة; ليخلو لهم الميدان وما يريدون، فسجنوا الإمام الكاظم(عليه السلام)، ودسوا له السم في السجن، واستقدموا الأئمة(عليهم السلام) من بعده وأخضعوهم لرقابتهم المباشرة.

وقد واصل اتباع اهل البيت(عليهم السلام) السير على نهجهم(عليهم السلام)، من العمل لترسيخ وحدة المسلمين عقائدياً واخلاقياً وسياسياً.

ولولا كيد أعداء الاسلام واعداء اهل البيت(عليهم السلام)، لوجدنا أن مساحة التوافق تصل إلى حد التطابق الشمولي، ولزالت كل هذه الفوارق والخلافات التي سعى سلاطين الجور ووعّاظهم إلى تأسيسها، وتعميقها على اسس من الجهل المركب والدعوات الباطلة، فأضرت كثيراً في بناء الأمة الواحدة، ووحدة الكلمة على هدي القرآن الكريم والسنّة الشريفة، وأصبحت الشقة الوهمية بين المذاهب الاسلامية تتسع وتتبلور، مكوّنة رؤىً متعصبة يتبادل اصحابها التهم دون وعي وإدراك.

وهنا نقف لنوجه دعوتنا إلى كل المخلصين، من علماء ومجاهدين على اختلاف مذاهبهم ومدارسهم الاسلامية، للعودة إلى أوليات الاسلام، وسيرة الرسول الاعظم(صلى الله عليه وآله) واهل بيته الطاهرين(عليهم السلام)، وسلوك منهج العقل والدليل في تحديد معالم الاسلام المحمدي الاصيل، وتوحيد متبنياته ومقولاته، العقائدية والتشريعية وخلق أجواء الاخوة والحوار والتفاهم البنّاء بين أبناء الأمة الاسلامية، على اختلاف مذاهبهم وفرقهم.

وبالاصرار على هذا النهج سنجد أن الفوارق والاختلافات المخلّة بوحدة الأصالة الاسلامية، ستتهاوى وتتلاشى أمام روح الأخوة والانفتاح الرحب، وأمام الدليل القاطع والبرهان الساطع وفق منطق القرآن الكريم والسنّة الصحيحة ونهج مدرسة أهل البيت(عليهم السلام). وبذلك تستحكم الاسس المبدأية لهوية الأمة الاسلامية الواحدة عقائدياً وتشريعياً، ويكون الدين كلّه لله، والحمد لله رب العالمين.

ائتوني بالكتف والدواة اكتب لكم كتاباً263

اتق اللّه الذي إليه تصير ولا تحتقر مسلماً281

اشير عليك أن لا تأخذ من هذا الفضل وان تفضّه على فقراء المسلمين277

اغزُ بسم اللّه وفي سبيل اللّه263

اللّه أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة269

اللهم اسلبه دينه وعقله279

اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه269

إما أن تعزله، وإما أن تكتب إليه ألاّ يعود323

إنك والله ما أردت إلاّ الفتنة وإنّك والله طالما322

إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن319

أنتم تقولون كذا، وأهل المدينة يقولون كذا325

أوصيكم بتقوى الله، ولا تحملوا الناس على اكتافكم فتذّلوا326

أيها الناس، فما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة263

بسم الله الرحمن الرحيم ـ من محمد بن عبدالله إلى المقوقس312

بسم الله الرحمن الرحيم ـ من محمد بن عبدالله الى هرقل عظيم الروم312

بسم الله الرحمن الرحيم ـ من محمد رسول الله إلى الحارث313

بسم الله الرحمن الرحيم ـ من محمد رسول الله إلى النجاشي313

بسم الله الرحمن الرحيم ـ من محمد رسول الله إلى كسرى312

بسم الله الرحمن الرحيم ـ من محمد رسول الله الى هوذة بن علي313

خالقوا الناس بأخلاقهم، صلّوا في مساجدهم325

... فانظروا كيف تخلفوني في الثقلين268

فرأيت أن الصبر على ذلك أفضل321

فما راعني إلاّ والناس كعرف الضبع إليَّ299

كانت لي منزلة من رسول اللّه9 لم تكن لأحد من الخلائق271

كان لي مع النبي9 مدخلان271

كنت إذا سألت رسول اللّه9 أعطاني، وإذا سكتّ ابتدأني271

لا إلاّ أن يخاف على دار المسلمين311

لا يخرج المسلم في الجهاد مع من لا يؤمن على الحكم310

لا يزال أمر أمتي قائماً بالقسط، حتى يكون اول282

لقد رامت الفجرة الكفرة قتل رسول اللّه2659

لقد علمتم أني أحق بها من غيري323

لما نزلت هذهِ الآية (وانذر عشيرتك الاقربين)266

من أخاف اهل المدينة أخافه اللّه282

من صلى معهم في الصف الأول كان كمن326

... نقموا واللّه منه نكير سيفه وقلة مبالاته272

والجهاد واجب مع الامام309

واللّه ما كاد ينجو منهم أحد282

والله ما مروان بذي رأي في دينه ولا نفسه323

وقتل منكم رجالاً صالحين وقد بلغني ان الرجل280

وقد علمتم موضعي من رسول اللّه بالقرابة القريبة271

هذه عير قريش فيها أموالهم فاخرجوا اليها307

يوم غدير خم أفضل أعياد أمّتي269

/ 6