أبو المرتضی بن شهاب رائد النهضة الاصلاحیة فی جنوب شرق آسیا نسخه متنی

الدوحة العليا

هذه هي المسلسلة التاسعة في آل البيت(عليهم السلام)

وهي خمسة ابيات، كلها تدور في ولاء آل البيت(عليهم السلام)وحبهم، وهي المسلسلة العاشرة:

ان التمسك بتعاليم الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) واتباع طريقته والاقتداء بسنته وآل بيته هي الطريقة الصحيحة المثلى، فأئمة آل البيت هم الآخذون ارث الرسول اباً عن جد، يروون احاديث الرسول كما نطق بها النبي محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) مسلسلة عن آبائهم واجدادهم عن النبي، فهم قرناء القران الكريم، من تمسك بهم نجا.

وهذه هي القصيدة الحادية عشرة من المسلسلة التي اوصى بها الشاعر:

شمس الهدى

يحث السيد دائماً في قصائده واقواله على محبة النبي محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)، ومحبة وصيه الامام علي(عليه السلام)، ومحبة سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء(عليها السلام)، وحب الامامين الشهيدين الحسن والحسين ثم الأئمة من سلالتهم الذين لا يدانيهم احد في الفضل، فهم وحدهم الذين ورثوا علم النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وتعاليمه فلا نجاة الا بسلوك طريقتهم، اما من خالفهم من المبغضين والمعاندين لهم، فيقول السيد فيه:

في احدى المناسبات الخاصة انشأ السيد هذه الخماسية وسماها (رياض الأنساب) لكتابه نزهة الألباب، عن الشجرة والأنساب العلوية. وهذه هي القصيدة الثالثة عشرة من المسلسل بموجب امره:

في احدى مجالسه الدراسية وقد كانت القاعة مليئة بالحاضرين والذين جاؤوا بمعية الحجة العلامة السيد عمر المحضار احد الوجهاء وجمع من العلماء وطلبة العلم في ذلك الزمن جاش صدر السيد ابن شهاب بهذه القصيدة التي يتوسل فيها الى الله سبحانه وتعالى بجاه سيد الكائنات نبينا محمد عليه وآله افضل الصلاة وازكى التسليم متضرعاً متذللاً راجياً غفران الله الرؤوف الرحيم، فتلى هذه القصيدة بصوته الرنان امام هذا الجمع الغفير من الحاضرين. وهذه هي القصيدة الرابعة عشرة:

طهور الشراب

ينتمي نسب مصلحنا الكبير الى بيت آل شهاب احدى الأسر والبيوتات العريقة المعروفة بالصلاح والعلم في جميع الاوساط العلمية والاجتماعية. نبغ الكثير فيهم ومنهم رائدنا المصلح المترجم له.

انشأ السيد هذه القصيدة باعتزاز لانتمائه الى هذه الاُسرة والى هذا البيت، بيت الفضل، وسمى هذه القصيدة (طهور الشراب من شمائل السادة آل شهاب) وهي القصيدة الخامسة عشرة، حسب الترتيب المسلسل.

رحلة العمل

واصل السيد ابن شهاب رحلاته لتحقيق النهضة الاصلاحية الى جنوب شرقي آسيا عام 1290هـ / 1871م متنقلا بين مدنها وقراها للاتصال بوجهاء القوم وزعمائهم لتحقيق فكرة النهضة الصلاحية التي يقوم بها ويدعو اليها، وليرى الى اي مدى تسير النهضة الاصلاحية التي وضع اسسها ودعا اليها ورعاها، حاثا للهمم وموقظاً للارواح ومنورا للاذهان. وصل في رحلته هذه الى جزيرة جاوا وقد بلغ من العمر 51 عاما، وكان واكثر اقامته في مركز عمله مدينة سور ابايا عاصمة جاوا الشرقية والمدينة التجارية الاولى في تلك الربوع، وما ان علم به محبوه من زملائه ومقدريه حتى انهالوا عليه واتصلوا به فكان يجمعهم ويوجههم لتنفيذ مشروع النهضة الاصلاحية عمليا وتطبيقيا، وكان بينه وبين العلامة السيد محسن علوي السقاف صلات وثيقة، فقد جمعت بينهما وحدة المبدأ والعقيدة والهدف والغاية. والسيد محسن السقاف من المعجبين بالسيد ابن شهاب والمقدرين له حق التقدير والمعترفين بفضلة في ريادته للنهضة الاصلاحية والمقدرين لاعماله وجهاده، ودائماً يقول: ان السيد ابن شهاب هو مفخرة الزمن.

السيد محسن السقاف احد اكابر العلماء وفحول الادباء والشعراء، وله ديوان مطبوع، وهو سياسي ضليع بعيد النظر ومن رجال النهضة الاصلاحية يحارب الظلم والظالمين حتى تعرض للمشاكل حينا وللسجن حينا آخر، لكنه انتصر عليهم رافع الرأس. انتخبته الأمة بالاجماع لتولي القضاء فتولاه فترة ثم اعتزله على رغم الحاح الملحين للبقاء في هذا المنصب، وظل رافضا مفضلا عيش الحرية وعدم التقيد.

بعث اليه السيد ابن شهاب بهذه القصيدة مفتتحا بغزل لطيف ومطلعها:

وما اكثر ما يردد الشاعر كلمة سلمى في هذه القصيدة، ولا نعلم ماذا يقصد بهذه الكلمة ومن هي سلمى هذه في حقيقتها، ولكن القارئ يدرك ذلك إذا تمعن وتتبع القصيدة بيتاً بيتا.

هذه القصيدة هي السادسة عشرة من المسلسل.

اعجب السيد محسن السقاف بهذه القصيدة واجاب عليها بقصيدة اخرى بنفس الوزن والقافية وهي مثبتة في ديوانه.

منهج القوم

السيد احمد بن محمد المحضار احد العلماء الاعلام البارزين ومن كبار المجاهدين بالقلم والمال والنفس والنفيس. شجاع مغوار ومن رجال الاصلاح في عصره. تتلمذ لدى السيد ابن شهاب وتلقى عنه ولازمه فاستفاد منه. وكان السيد المحضار معجباً بالسيد ابن شهاب اعجابا كبيرا وكان يجله كثيرا.

وبجانب كون السيد المحضار علاّمة فهو رجل عمل اجتماعي وسياسي. ثم انه أيضاً اديب وشاعر، له اشعار كثيرة مفرقة، وقيل: له ديوان كبير مخطوط، لكني لم اطلع عليه. ومن ابياته المعروفة السائرة على الألسن قوله في خديجة اُم فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين(عليهما السلام):

وللسيد احمد المحضار انجال هم خيرة الرجال منهم العلاّمة محمد بن احمد المحضار الذي صادق السيد ابن شهاب وكان بينهما مودة وصلة قوية،(راجع فصل زملائه) في هذا الكتاب.

في مناسبة طيبة من عام 1294هـ انشأ السيد ابن شهاب هذه القصيدة وبعثها الى السيد احمد المحضار الذي يجله ويقدره، وافتتح القصيدة بغزل ذكر فيها سلمى، كما ذكر في كثير من قصائده هذا الاسم.

وهذه هي المسلسلة السابعة عشرة التي اختارها شاعرنا واوصى بها للنشر:

الصلات الوثيقة بين السيد ابن شهاب ومفتى الشافعية بالديار الحجازية السيد احمد زيني دحلان صلات صداقة، بدأت بالمراسلات وتوطدت عند اللقاء به في زيارة السيد ابن شهاب للحجاز. اجتمع به كثيرا خلال اقامته بالحرمين الشريفين، وكان السيد دحلان يحافظ ويحرص كل الحرص على مجالس السيد ابن شهاب، فهو متأثر به، وكان لآراء وافكار السيد ابن شهاب مكانة سامية لدى السيد دحلان، فحبّب إليه البقاء في مكة المكرمة او بالمدينة المنورة باعتبارها مركزا من مراكز الاسلام. ولكن السيد ابن شهاب له نظرة اخرى، فشكر السيد دحلان معتذرا.

بعد تأديته فريضة الحج والعمرة وتشرفه بزيارة الرسول سيد الكائنات محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)، اطال مكثه في الديار الحجازية عدة اشهر اخرى. ثم اتخذ طريقه متوجهاً الى الاستانة عاصمة دولة الخلافة، فوصلها عام 1303هـ، وفي عاصمة الخلافة جاشت نفسه بهذه القصيدة وبعث بها الى صديقه السيد احمد زيني دحلان في اواخر تلك السنة، والسيد دحلان من الرجال المرموقين ومن الشخصيات الاسلامية البارزة.

في اوائل عام 1304هـ اعاد السيد ابن شهاب الكرة لزيارة الرسول محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)بالمدنية المنورة، ومن غرائب الصدف ان ما ذكره السيد ابن شهاب في قصيدته قد تحقق، وتوفي السيد دحلان بالمدينة المنورة في 4 من شهر صفر عام 1304هـ، رحمه الله رحمة الابرار.

وهذه هي القصيدة المختارة بموجب اختيار السيد ابن شهاب واوصى بها للنشر وهي الثامنة عشرة حسب المسلسل:

مم الاسى؟

فوجئت الاوساط العلمية بنبأ مؤلم هو وفاة العلامة الحجة رجل التربية والتعليم وأحد اركان النهضة وعلم من اعلام العلويين البارزين السيد علي بن حسين الحداد.

ارتجت البلاد واعلنت الحداد وكانت وفاته في الخامس عشر من شهر ذي الحجة عام 1309هـ اثر مرض طفيف الم به لم يمهله اياما.

خسرت الامة وفقدت البلاد مصلحا كبيرا وعالما نحريرا وشخصية فذة كبيرة.

لم يمت السيد علي الحداد، لانه ترك تراثا عظيما وأثرا حسنا وسمعة طيبة وذكرا جميلا وفضلا عميما انتفع الناس بعده مما تركه من علم ومآثر وتراث. رثاه الشعراء وابّنه الخطباء والادباء وفي مقدمة الجميع السيد ابن شهاب الذي رثاه بهذه المرثية المؤثرة من ديار الهجرة.

هذه هي القصيدة التاسعة عشرة من المسلسل المختار:

يا غارة الله سلي سيف نقمته

يصف السيد ابن شهاب أولئك البغاة والطغاة الذين يحاربون الله ورسوله ظلما وطغيانا اشد من طغيان نمرود وظلم فرعون. ويتوسل بنبي الرحمة محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)وبالامام علي(عليه السلام)وبفاطمة الزهراء والامامين الحسن والحسين(عليه السلام)ثم بالصالحين والاولياء من ذريتهم،ان يسلط الله عليهم سوط عذابه. ثم يشرح الوقائع والحقائق والاوضاع المؤلمة المزرية المنصبة على العلويين من هتك الاعراض ونهب الأموال وتشريدهم، وليس لهم ذنب سوى انهم يتبعون الحق ويحاربون الباطل ويحبون النبي ويوالون آل بيته، فاتباع الحق ومحبة الرسول وموالاة آل بيته في نظر وعرف هؤلاء الطواغيت البغاة جريمة لا تغتفر.

بعث السيد ابن شهاب هذه القصيدة الى العلاّمة السيد علي الحبشي. وهو عالم من علماء زمانه له مؤلفات كثيرة في عدة فنون، منها السيرة النبوية تقرأ في كل مناسبة وفي ولائم الافراح وحفلات عقد النكاح، وبالاخص في طيلة شهر ربيع الاول من كل سنة. وهو خطيب مفوه له ديوان مطبوع باندونيسيا عام 1339هـ. سمعته طبقت آفاق المهاجر الشرقية وجنوب الجزيرة من اليمن السعيد، تولى التدريس في الاقسام العالية بربى العلم بحضرموت! كان كريما سمحاً سخيا بذولا، ينفق بسخاء للاعمال الخيرية من جيبه الخاص. بيته مأوى الوافدين من كل قطر. تخرج على يده فطاحل العلماء وكبار الزعماء. ظل السيد ابن شهاب محافظا على المودة والاتصال به من مهجره شعرا ونثرا، وبعث هذه القصيدة اليه عام 1293هـ وهي القصيدة العشرون من الترتيب لهذا المسلسل:

الصدمة العنيفة

فوجئ السيد ابن شهاب بصدمتين عنيفتين في حياته اثرت في نفسه تأثيراً عميقاً، الاولى عند وفاة والده وهو في حداثة سنه، والصدمة الثانية النبأ الجلل المفاجئ بوفاة زوجته المصونة الشريفة سيدة بنت علي بن عبدالله بن شهاب وهو في سفرته الى الخارج، وكان آنذاك بالقاهرة عام 1303هـ .

هذه الفاجعة كانت عنيفة عليه وقد آلمته كثيراً واثرت في مجرى حياته، وهدت من قواه، فتراخت اعصابه وشعر انه فقد بفقدها كل شيء في حياته حتى نفسه، واسودت الدنيا وانهارت عزماته. ولكن ثقته العظيمة بالله جعلته يرضى بحكمه ويستسلم لقضائه، ففوض امره الى الله. وهو اعلم بمصالح عباده، وهو الرؤوف الرحيم بهم.

فاجأه النبأ المؤلم وهو بعيد عن اهله وذويه، وظل على اثر هذه الفاجعة اياماً وليالي منعزلاً في منزله يعاني الآلام النفسية من تلك الصدمة، فافتقده زملاؤه واصدقاؤه من العلماء والادباء الذين اعتادوا الاجتماع به في اكثر الامسيات. عجبوا لغيابه واخذوا يتساءلون فيما بينهم عنه، فتوافدوا الى منزله يستفسرون عنه وعما الم به فخرج يستقبلهم برباطة جأش مرحبا بهم كعادته المألوفة، غير انهم رأوا في ملامحه شيئا ما يستدعي الشك والارتياب، ويدل على حدوث امر طارئ، فاستفهموه، فانبأهم بالنبأ المؤلم، فتأثروا وشاركوه في الم المصاب وفي احزانه وعزوه في فقيدته، وتحولت الجلسة الى مجلس عزاء. سرعان ما انتشر الخبر فتوافد الجميع من معارفه ومقدريه الى منزله لتقديم التعازي والمشاركة في الم المصاب حتى ضاق المكان بالوافدين على رغم سعته. ثم أقيم سرادق امام البيت لاستقبال المعزين وقراءة الفواتح والآيات القرآنية من الذكر الحكيم حسب الاصول المتبعة والقواعد المرعية في مصر. واستمرت اياما، وكان لتوافد المعزين والمشاركين في المصاب الجلل بقراءة الفواتح على روح الفقيدة ما خفف شيئا في نفسه من لوعة الالم، فجاشت شاعريته بهذه المرثية التي بلغت تسعين بيتا هي قطعة من روحه إذ إن كل مصاب لديه هين الا هذا المصاب.

هذه هي القصيدة الحادية والعشرون من المسلسل الذي أوصى به:

برق الرضا

السيد فضل بن علوي بن محمد بن سهل احد زعماء العرب وقادتها السياسيين المحنكين، وخطيب مفوه في جنوب الجزيرة العربية واحد رجالها الافذاذ المكافحين لتدعيم حركة النهضة الاصلاحية. العامل المصلح للصالح العام والمدافع عن حقوق الشعب لتحقيق وحدة الصف الاسلامي تحت راية دولة الخلافة. لا يؤمن بالقوميات ولا الوطنيات ولا الاتجاهات الاوروبية او الليبرالية الفرنسية او غيرها، واتجاهه اسلامي محض، وهو من اصدق اصدقاء السيد ابن شهاب.

للسيد فضل أثر كبير في خدمة الامة. تولى امارة سلطنة ظفار بجنوب الجزيرة العربية باستحقاق وجدارة عن اب وجد ولكنه آثر تركها، لان اصلاح الامة في نظره اهم من التربع على كرسي الامارة او تبوؤ عرش السلطنة.

قدرته دولة الخلافة ومنحته لقب الباشوية وقلدته بعد ذلك بالوشاح السلطاني والنياشين اعترافا بفضله وتقديراً لكفاحه وجهوده في سبيل المصلحة الاسلامية العامة. وما كانت النياشين ولا الأوشحة ولا الالقاب الضخمة كل امله، فهو يخدم لله وللمسلمين.

استقر في اواخر ايام شيخوخته في تركيا، وله عقب اولاد واحفاد واسباط اتخذ البعض منهم مدينة اللاذقية بسوريا موطنا لهم ولا يزالون بها الى الآن، زرتهم كثيراً باللاذقية واجتمت بهم، وهم المعروفون باسرة آل فضل في سوريا وتركيا.

في كل مناسبة لابد ان يذكر السيد ابن شهاب في خطبه او قصائده مادحا او راثيا و متوسلا بما لآل البيت النبوي الطاهر من فضل، من النبي محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) والامام علي والزهراء الفاطمة والحسنين ثم الائمة عليهم السلام علي زين العابدين والحبر الذي انار طرق الهدى محمد الباقر والعلم الشامخ وبحر الندى جعفر الصادق ثم الائمة من بعده كابر عن كابر. فهم كنوز علم الرسول الاعظم المصون ووارثو تراثه العظيم، وهم قرناء القرآن الى يوم الورود على الحوض.

انشأ هذه القصيدة تقديراً للسيد المكافح فضل بن سهل عام 1312هـ وبعثها اليه وهي الثانية والعشرون من ترتيب السيد ابن شهاب.

حمى العلويين اواسرة بيت ابن يحيى

السادة الاشراف من اسرة آل ابن يحيى من البيوتات العلوية المشهورة بالتقوى، والمعروفة بالصلاح والاصلاح. هذه الاسرة تنتمي نسبا الى الامام جعفر الصادق(عليه السلام)وهي من بيت علم ونجابة وجود. نبغ منها العلماء والصلحاء ورجال الاعمال والادباء والشعراء والاطباء، وهم منتشرون في المهاجر الشرقية. وفي كثير من البلدان العربية يعرفون بآل عقيل، وقد اندمجوا بالشعب اندماجا، وتولوا مراكز عالية حساسة مهمة في الدولة، منهم الوزراء والحكام والاطباء والمحامون والشعراء والادباء.

من هذا البيت نبغ العلاّمة السيد محمد بن عقيل السياسي المحنك والمصلح الكبير صاحب المؤلفات العديدة. تلقى عن شيخه السيد ابن شهاب وهو من النوابغ الممتازين في زمانه، يجله السيد ويدافع عنه وهو احد اركان النهضة الاصلاحية. اصدر عدة صحف في المهجر الشرقي، منها (الاصلاح) التي تصدر من سنغافورا ومجلة (الامام) من ماليزيا عام 1324هـ، اسس الجمعيات الاصلاحية وشيد المعاهد العلمية ومن هذه الاسرة الشاعر الاديب السيد عبدالله بن احمد بن يحيى الذي مثل دولة اليمن في المحافل والمؤتمرات الدولية، وحضر مؤتمر آسيا وافريقيا في مدينة باندونغ باندونيسيا. له تقرير شعري في مجلد ضخم، وله دواوين كثيرة جلها مطبوع. ومنهم أيضاً الشاعر الاديب السيد هاشم بن علي بن يحيى وهو رجل من رجال التربية والتعليم. اسس كثيراً من المدارس والمعاهد العلمية، ويقيم حالياً في مدينة (فاسوروان) بجاوا الشرقية في اندونيسيا. له ديوان مخطوط.

يقول السيد ابن شهاب عن هذه الاسرة:

من اسر السادة العلويين، اسرة السادة آل الكاف، وهي احدى البيوتات المعروفة بالوجاهة وحب الاعمال الخيرية. نبغ منهم الكثير من الشعراء والادباء في اليمن الجنوبي وفي المهاجر الشرقية، واليهم يشير السيد ابن شهاب بهذه الابيات.

وهي الرابعة والعشرون من المسلسل المرتب المختار:

اختتم السيد ابن شهاب هذه المجموعة من قصائده التي اختارها ورتبها واوصى بها للنشر بهذه الابيات وهي الخامسة والعشرون من المسلسل. قالها معترفا بالتقصير ومقرا بان الحمل ثقيل، ولكن ايمانه بالله عظيم، وجهاده وكفاحه في سبيل الله، وحبه للنبي الاعظم محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) وآل بيته الطاهرين الكرام(عليهم السلام) كل ذلك الشفيع المشفع له.

وبهذا نأتي الى ختام هذا الفصل من مختارات السيد ابن شهاب المرتبة حسب امره ووصيته، كما بدأنا بالحمد والشكر لله الواحد الاحد الفرد الصمد.

رحم الله السيد ابن شهاب وغفر له، واسبغ عليه المولى شآبيب رحمته الواسعة، واسكنه فسيح جنات النعيم.

النهضة الادبية

من المعلوم الثابت ان السيد ابن شهاب هو باعث النهضة الادبية في جنوب الجزيرة العربية وفي المهجر الشرقي، وهو الذي نفخ في شعر الحضارم روحا جديدة وألبس القريض حلة زاهية طريفة، فهو بحق واستحقاق مجدد الأدب العربي فى جنوب الجزيرة والمهجر الشرقي. انه قائد الحركة المباركة الذي يرجع اليه الفضل الأكبر والقدح المعلى في انعاش الادب العربي وترغيب الناشئة فيه. انه شاعر اليمن الاعظم بعد الجاهلية بالطبع، وهو دعامة هذه الحركة الادبية الفتية وغارس بذورها الطيبة التي بدأنا نستثمر نتائجها ومحصولاتها، وهو الشخص الوحيد الذي تأثر بشعره الادب العربي في جنوب الجزيرة وكرع من حياض ادبه. فكان لادبه وشعره العربي الاسلوب السلس العبائر، البديع الانسجام، اكبر أثر في تغذية وتكوين الادب الحضرمي الحالي واعداده بكل مؤن القوة والمنعة.

انتعش الادب العربي في حضرموت والمهجر الشرقي في عهد السيد ابن شهاب انتعاشا باهرا، تدرّج في النمو الى تغيير تلك الآراء الآسنة التي كان يتسم بها بها الادب، ونزع تلك الكمائم المرخاة على عيون اولئك البعض حتى اعمتهم عن فوائد الادب الجمة وأثره البليغ في تهذيب النفس وتلطيف الحس وصقل الذوق.

ولقد كان ذلك الانتعاش سببا اساسيا في ظهور اُدباء وشعراء وعباقرة هم اليوم او اكثرهم في طليعة القافلة التي تحمل علم الشعر خفاقا، وهم الذين وضعوا اول حجرة في بناء زاوية الشعر العربي السليم من اللحون والزحافات والعلل بعد استاذهم العظيم السيد ابن شهاب.

وقد كان السيد ابن شهاب قد تطلع ببصره الثاقب الى نتائج هذه الحركات الادبية ونهضة الشعر الفنية واستشف من ورائها مستقبلا للشعر بوادي الاحقاف يطرب كل من يهمه شأن الادب ولا تغيب عن باله فوائده وثماره.

الشعر العربي الحضرمي مدين لابن شهاب اذ هو أثر من آثاره (اثر غيره بالغ كأثره) ونبع من معينه الفياض وجدول من كوثره العذب، فابن شهاب يعتبر بحق وجدارة واستحقاق مدرسة الشعر العربي الحضرمي. وفضل تلك المدرسة لا يحتاج الى تنويه واشارة، فان آثارها شاهدة عليه. واولئك الشعراء الذين ظهروا في زمن ابن شهاب انما استقوا من حياضه وكرعوا من معينه، فهو الذي نفخ فيهم روح الادب فلابسوها ولابستهم.

ضمت مدرسة ابن شهاب ادباء عظاماً لا يزال اكثرهم حيا يرزق ولو ان بعضهم الآن ـ الآن فقط ـ قد هجر الشعر ورياضة الفكر في فيافيه.

وثقل عليهم قرضه ـ اي شعر المناسبات طبعا ـ ففقدنا بصمتهم نغمات كانت انشودة وادي الاحقاف في عصر ما، وكانت رسالة الشعر الكلاسيكي الناضج([73]).

القصائد والأبيات المحذوفة:

هناك قصائد غير مثبتة في ديوان السيد ابن شهاب، اما أن تكون حذفت عن قصد وتعمد، او لم يتسن لجامع الديوان العثور على الابيات والقصائد المفقودة، وهذا امر معروف لخلو الديوان من تلك القصائد.

يرى السيد صالح الحامد احد كبار الشعراء البارزين ان عدم اثبات الكثير من قصائد السيد ابن شهاب في ديوانه المطبوع هو كونه شعرا فنيا من النوع الوجداني والغزلي، فرغب السيد ابن شهاب عن نشره فحذفه من ديوانه رغبة عنه فلم يره رائجا في سوق هذا المجتمع المولع بشعر المناسبات، ولم يتشبع المجتمع بعد بالروح الفنية للشعر ولم يتذوق ميزة الشعر الصادر عن رشح العاطفة ووحي الضمير.

وهذا رأي شاعرنا السيد صالح الحامد، ولكني لا اوافق رأيه لعدة اسباب منها:

اولاً ـ ان الديوان طبع بعد وفاة المرحوم السيد ابن شهاب، فكيف يمكن له حذف شيء مما لا يرغبه، لان المجتمع لم يتشبع بروح الفن ولم يتذوق رشح العاطفة ووحي الضمير.

ثانياً ـ نجد جل قصائده في الديوان تفتتح بالغزليات شان القصائد الكلاسيكية، وكان تغزل السيد ابن شهاب من النوع العاطفي الوجداني الممتاز ووحي الضمير الرقيق.

ثالثاً ـ لم يوص السيد ابن شهاب فيما يتعلق بقصائده بشيء سوى القصائد المثبتة في القسم الاول من الديوان بموجب امر السيد ابن شهاب في وصيته قبل وفاته، واما ما سوى القسم الاول فلم يذكر السيد ابن شهاب عنه شيئاً، واما القسم الثاني من الديوان فهي القصائد التي استطاع السيد محمد بن عقيل العثور عليها وجمعها في وقته تمهيداً لطبع الديوان.

رابعاً ـ يعلم ان هناك قصائد لم تثبت في الديوان كما ان ابياتاً كثيرة حذفت من القصائد الموجودة في الديوان، ربما لرأي ارتآه القائمون على طبع الديوان في ذلك الوقت نظرا لظروف ذلك الزمن غير المناسب لنشرها.

وعلى رغم تقديري للقائمين بجمع قصائد السيد ابن شهاب المبعثرة وما بذلوه من جهود لطبع الديوان عام 1924م فأني ارى ان عدم نشر اية قصيدة ولو كانت تافهة او حذف ابيات من القصيدة مخالف لامانة النشر، بغض النظر عن الوقت والزمن والظروف، او التعلل بالتوقعات من كلمة (ربما وربما) اليس من الممكن ان الابيات المحذوفة قد تكون هي بيت القصيد والتي تدل على مبدأ وشخصية القائل.

السلسلة الذهبية

ذكرت الباحثة الدكتورة سيدة شمس الكاشف استاذة التاريخ الاسلامي في جامعة عين شمس بالقاهرة في كتابها (مصادر التاريخ الاسلامي ومناهج البحث فيه) بالقاهرة، في صفحة 20 من بحثها عن احاديث السلسلة الذهبية ما يلي:

ولما كان المجتمع الاسلامي يستند في اساسه الى الدين، فقد استند الى القرآن والسنة. اما القرآن فان نصه معين محدود. واما السنة والاحاديث فقد استطاع ذوو الاغراض المختلفة ان يدخلوا فيها ما يحلولهم لخدمة اغراضهم.

والواقع ان ائمة الحديث متفقون على ان احاديث كثيرة وضعتها جهات مختلفة. ويشير ابن حزم صاحب الفصل في الملل والاهواء والنحل، الى وضع احاديث في الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم). ومنذ الفتنة الاولى في الاسلام زمن عثمان بن عفان اخذ وضع الحديث يزداد وينمو حتى استفحل الامر فيما بعد. فنرى الامويين يروجون الاحاديث في فضائل عثمان وفضائل الأمويين. وقد وضع العباسيون احاديث تؤيد حكمهم وتثبت حقهم في الخلافة. وينسب الى المهلب بن ابي صفرة بطل محاربة الخوارج زمن الامويين احاديث ضد الخوارج، وكذلك وضع انصار المرجئة الاحاديث في تعضيد المرجئة كما وضع بعض الصوفية الأحاديث في تأييد الصوفية. وهكذا نرى ان كل فرقة وضعت الأحاديث نصرة لرأيها وتعضيدا لمسلكها، اما الشيعة فأنهم يسمون الاحاديث (الاخبار) ولا تنتقل الاحاديث عندهم بالاسناد وانما تروي عن ائمة الشيعة وحدهم.

ان ما ذكرته الدكتورة سيدة شمس الكاشف حول اعتماد اتباع آل البيت على الاحاديث النبوية المروية عن الائمة(عليهم السلام)هو عين ما يقوله السيد ابن شهاب بأن ائمة آل البيت هم حاملي علم الرسول الاعظم سيدنا محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)، وان الاقتداء لا يكون الا بهم وعلى طريقتهم. وفي ذلك يقول السيد ابن شهاب عن ائمة آل البيت في موضوع الاحاديث المروية بطريقتهم:

تبعا لما جاء عن الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) في احاديثه الشريفة بأنهم قرناء القرآن، ويفصل السيد ذلك في قصيدة له عن الاحاديث النبوية المروية بطريق ائمة آل البيت(عليهم السلام)بالطريقة المعروفة بالسلسلة الذهبية، فيما يلي:

الى آخر القصيدة. وفي هذا الموضوع أيضاً يقول السيد في قصيدة اخرى ما يلي:

ما اكثر اقوال وقصائد السيد ابن شهاب في هذا الموضوع والتركيز على الا يكون الأخذ الا عن طريق آل البيت العترة الطاهرة(عليهم السلام).

سبق اهل البيت(عليهم السلام)الى تدوين العلم، واهتم اتباعهم والموالون لهم بحفظ تراثهم وبالانتهال من عذب غديرهم المعين الذي لا ينضب، ووجدوا السند قويا والمرعى خصبا. تتصل سلسلة احاديثهم بصاحب الرسالة وهي الترياق المجرب.

كان الامام الصادق(عليه السلام) عندما يحدث بحديث نبوي يقول: حدثني ابي محمد الباقر عن ابيه زين العابدين عن ابيه الحسين عن ابيه علي بن ابي طالب عن النبي محمد(صلى الله عليه وآله وسلم).

وكان الامام الصادق اذا ارسل حديثه فهو اتصال بهذه السلسلة([74]) لانه كان يقول: حديثي حديث ابي، وحديث ابي حديث جدي، وحديث جدي حديث ابيه، وحديث ابيه حديث امير المؤمنين(عليه السلام)وحديث امير المؤمنين حديث رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم).

فائمة اهل البيت حلقة متماسكة ومدرسة مستقلة تتصل برسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)بأوضح السبل واقرب الطرق. ويقول السيد ابن شهاب عنهم:

وفيهم يقول أيضاً:

واذا اردنا الاسترسال في اقوال وتقارير السيد ابن شهاب عن السلسلة الذهبية فاننا سوف لا نصل الى نهاية، لان اقواله متواصلة في مؤلفاته وقصائده وتقريراته ومحاضراته، ونكتفي بهذا وفيه الكفاية لاعطاء الصورة الحقيقية الواضحة أن الاحاديث التي يرويها آل البيت(عليهم السلام)احاديث السلسلة الذهبية هي الاحاديث الصحيحة حتميا، لان النبي محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) كان في تربيته للامام علي وفاطمة الزهراء يلقنهما ما يجب ان يعلما به، فيحدثهم احاديثه، وكانا يسمعان من النبي كل ما يقوله ويحفظانه بعبارته واسلوبه ومعناه كما نطق به النبي محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)كلمة كلمة وجملة جملة، وقام الامام علي بدوره في تربيته لابنيه الحسن والحسين بنفس الطريقة والاسلوب اللذين تلقاهما من الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم). يلقنهما تلقينا ما نطق النبي به محافظاً على النص متحاشيا التصحيف و التحريف، ولقن الامام الحسين(عليه السلام)ابنه علياً زين العابدين بنفس الطريقة والقاعدة والاسلوب، ولقن الامام علي زين العابدين ابنه محمداً الباقر كما لقن الامام محمد الباقر ابنه جعفراً الصادق، بنفس الطريقة والقاعدة والاسلوب وهكذا دو اليك. وهذه اسرة واحدة رباهم النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) تربية صالحة وترعرعوا ونشأوا في احضان النبوة وعاشوا في بيت الوحي الطاهر، من الآباء الى الابناء الى الاحفاد وما نزل من سلالة الائمة من آل البيت(عليهم السلام)الذين حافظوا على نصوص الاحاديث محافظة تامة بلفظها وعباراتها وأسلوبها ومعناها كما نطق النبي بها ولا يتساهلون فيها كالاعتماد على المعنى دون اللفظ او بالعكس، وبذلك لا يقبل الشك فيها مطلقا، تلك هي احاديث السلسلة الذهبية.

ظل آل البيت حتى في احلك العصور عليهم محافظين على الاحاديث المروية عن آبائهم معتنين بها كل العناية، وهي الاحاديث الصحيحة.

رشفة الصادي

لابد لنا هنا من وقفة ولو قصيرة فيما يتعلق بهذا الكتاب الجليل (رشفة الصادي من بحر فضائل بني النبي الهادي) للسيد ابن شهاب، فلقد كثر الحديث إما اعجابا به و تقديرا له او نقدا واستهجانا له، كما اخذ البعض على ما جاء في مضامين الكتاب من كلمات نابية غير مستساغة ومعاكسة للعقيدة الصحيحة والمبدأ القويم والعرف المألوف، وعليه يجب علينا دراسة الوضع وتقصي حقائق الامور حتى نصل الى النتيجة الحقيقية.

وقبل ان ندخل في الموضوع ونسهب فيما جاء في الكتاب من كلمات اثارت بعض اللغط والشكوك على رغم قيمته العلمية ومستواه الرفيع والذي اصبح مرجعا مهما من المراجع العلمية المعتمدة نود ان نلفت النظر الى امور:

اولاً: ألّف السيد ابن شهاب كتابه هذا وهو في دور النضوج من عمره وفي مرحلة ريعان شبابه الممتلئ حماساً وغيرة.

ثانياً: طبع الكتاب عام 1302هـ في القاهرة بعد فترة من الزمن من تأليفه.

ثالثاً: لم يشرف المؤلف على طبع كتابه وتصحيحه حين الطباعة مطلقاً.

رابعاً: لم يكن لدى المؤلف نسخة اُخرى سوى المرسلة الى المطبعة.

خامساً: بُعد المسافة وصعوبة المواصلات بين القاهرة وبين مقر السيد ابن شهاب في مهجره.

سادساً: الثقة التامة بالمطبعة.

سابعاً: لم يكن المشرف على طبع الكتاب امينا، فقد حذف كلمات وادخل كلمات اخرى حتى جاء المعنى معاكساً للواقع.

ثامناً: وجود نسخ اخرى بأيدي البعض مما ابان وجود التزوير و المغالطات عن تعمد.

هذه النقاط التي ذكرناها تنبه اليها الكثيرون منهم السيد هاشم بن شيخان السقاف احد تلامذة مدرسة ابن شهاب، كما لفتت نظر القراء فانتبهوا لتلك الهنات من كلمات اُضيفت واخرى حذفت حتى تخلخل المعنى وتغير ترابط العبارات فصارت غير مستساغة. وقد كتب السيد هاشم بقلم يده عند كل هنة من تلك الهنات بقوله: تأمل ما ادخلته يد التصحيف على عبارات العلاّمة السيد ابن شهاب.

وفيما يتعلق بالكتاب ومحتوياته فعلى رغم ما أدخلته ايدي التصحيف والتحريف من كلمات او حذف كلمات اخرى وهي بالطبع قليلة، فالكتاب يعد من محاسن مؤلفات المؤلف بحثا وتمحيصاوتحقيقا.

اما من جهة الطباعة فتعتبر في ذلك الوقت من الطباعة الجيدة المتقنة، ولكن بتقدم الطباعة تعتبر الآن من الطباعات القديمة غير المستوفية لشروط الطباعة والاخراج.

قلنا: ان مؤلف كتاب رشفة الصادي حين تأليفه كان في ريعان شبابه وقد بلغ من سمو الدراية وبعد النظر ودقة البحث ما جعله حجة وبرهانا مستحقاً لتبوئه المكانة المرموقة في المجتمع على ما بلغ مستواه العلمي وسعة اطلاعه وعمق تفكيره.

كان السيد في جميع مراحل حياته معتداً بنفسه ولم يجد حرجا ان ينبه الجميع اذا بدا منه ما يخالف المألوف، فكيف اذا كانت الأخطاء من غيره للاساءة له؟ فلا غرابة إن اعلن براءته صراحة مما أدخل في كتابه.

إذا فرضنا ان الهنات كانت من عنده، فإنه لا يتحاشى ان يقول الحق ولو على نفسه، لثقته بشخصيته واعتداده باستقلال فكرته ورأيه الواقعي الحر، حيث قوله المعروف. قال حقا وأبطل باطلا فأصلح وصوب على نفسه مما قاله في شبابه من جملة نابية او عبارة شاذة او ما روى عنه انه قالها وكانت مخالفة لمبدأه وعقيدته، أو كانت تافهة قد تمس من طرف خفي عقيدته التي يستميت من أجلها، فانه لا يتحاشى من قول الحق وتصحيح الخطأ وليس في اعتراف الانسان بخطئه ما يؤاخذ عليه أو يثير الشك فيه كما يرى البعض ممن يجعلون الحبة قبة ولذا نرى كثيراً ما يكرر السيد ابن شهاب دحضا لتلك الاقاويل بانه يشهد الله ونبيه وملائكته والناس اجمعين على براءته من كل قول يخالف عقيدته او مبدأه مما صدر منه أو روي عنه. يقول في ذلك:

اني اُشهد الله ونبيه وملائكته والملأ اجمعين أني بريء واتبرأ من كل قول صدر مني او روي عني او بدر مني سابقاً لا يوافق عقيدتي او مبدئي او موقفي.

هذه براءة السيد ابن شهاب وليس بعد هذا مجال للشك والريب فيه، لانفضاح تلك المفتريات من الاقاويل التي تقولوها عليه، كاضافة كلمة من المصحح في كتابه رشفة الصادي وحذف كلمة، حيث جاء المعنى معاكسا. ومثالاً لهذه التصحيفات والتحريفات نذكر ما فعل المشرف المصحح على طباعة الكتاب حيث تجرأ فحذف كلمة (الخوارج) ووضع محلها كلمة (الشيعة)، وابدل كلمة (النواصب) بكلمة (الشيعة) فانقلب المعنى رأساً على عقب، لتنصب اللعنات على الشيعة.

ان المنطق السليم والاسلوب القويم يثبت بعد هذا الدليل الواضح اثباتاً قطعيا ان كل ما جاء في الكتاب من تحريف او تصحيف من حذف كلمة او وضع كلمة اخرى مكانها، كان عن قصد وتعمد وسابق اصرار من المشرف والمصحح، وهذا العمل هو الخيانة بعينها، وإن كانت تلك الكلمات لا تتجاوز عدد اصابع اليد. فهي شاذة، وكل شاذ لا حكم عليه. ولو فرضنا ان تلك الكلمات من قول المؤلف او صادرة منه، فهو قد تبرأ منها.

المطالع لكتاب (رشفة الصادي) يرى جلياً واضحاً وملموساً ان تلك الكلمات مدسوسة ومدخلة بدون شك ولا ريب، لمخالفتها صياغة اسلوب المؤلف وعقيدته المعروفة عنه. وتدل دلالة واضحة على استحالة صدور تلك الكلمات النابية والمخالفة لعقيدته منه.

ان الاخطاء قد تقع من تصحيف او تحريف عند طبع الكتاب او استنساخه او عند تنضيد حروفة في المطبعة، فيبرر البعض ان ذلك حدث لسهو او خطأ من الناسخ او منضد الحروف، بحجة رداءة الخط او قدم عهد الكتاب بحيث يعسر على الناسخ او مرصف الحروف قراءتها، فيشتبه عليه كلمة او عبارة فيقع في الخطأ غير المتعمد، وتسمى تلك الاخطاء اخطاء مطبعية، وكثيراً ما يحدث مثل ذلك ثم يتلافى هذا السهو او الخطأ غير المتعمد بوضع جدول لقائمة تلك الاخطاء في اواخر صفحات الكتاب، ليتسنى للقارئ تصحيح تلك الاخطاء الموجودة في الكتاب، وهذا لا يمكن مقارنته بمن يتجرأ بتعمد وسابق اصرار لتختل صيغة العبارة ويأتي المعنى معاكساً للواقع وضد ما وضعه وكتبه المؤلف.

ما هو دور المشرف والمصحح على الطباعة ؟ يجب على المشرف والمصحح على الطباعة ان يكون امينا، وعليه تقع المسؤولية الاولى في حفظ الامانة التي اؤتمن عليها، ولا يتجرأ لسبب من الاسباب او لدافع من الدوافع او بايعاز من جهة معينة لهدف معين مقصود، فإن ذلك العمل هو عين الخيانة وعمل اجرامي، والعامل به هو انسان فاقد الشعور لا ضمير له ولا يشعر بأدنى مسؤولية لان الجريمة متأصلة فيه.

وجوب المحافظة على التراث خدمة للعلم والتاريخ

ان المحافظة على التراث والمحافظة عليه وتقديره هو خدمة للعلم والتاريخ، ولا يقوم بهذا العمل الا رجال العلم الذين يخدمون العلم بأمانة تامة، فيتحرون بدقة في مراجعة الكتب المطبوعة او المخطوطة ليتوصلوا الى النصوص الاصلية الموجودة في المكتبات العالمية او المكتبات الخاصة لدى الافراد، لمراجعتها وتحقيقها ومقارنتها حتى يتمكن المحقق من الوصول الى حقيقة اصل الكتاب كما كتبه المؤلف بدون زيادة ولا نقصان او خلل خالياً من التصحيف والتحريف والتلبيس.

التصحيف والتحريف في كتب التراث الاسلامي

ما اكثر التصحيف والتحريف في كتب التراث الاسلامي، وقد يمر على القارئ فيعتقد صحته اذا لم يمعن النظر امعانا بدقة. ومثالاً بسيطاً على هذه التصحيفات والتحريفات نذكر ما نجده في شرح ابن ابي الحديد لكتاب نهج البلاغة المطبوع في مصر والذي تكرر طبعه وتكرر نفس الخطأ فيه، فنرى ما جرى في السطر الخامس من الصفحة الثانية من طبع دار الكتب العربية بالقاهرة، كما جاء نفس الخطأ والتصحيف والتحريف في طبعات بيروت، فتحرف المبنى والمعنى، كما يلي:

وصلى الله على رسوله محمد الذي المكني عنه شعاع من شمسه وغصن من غرسه وقوة من قوة نفسه ومنسوب اليه نسبة الغد الى يومه، واليوم الى امسه، فهما الاسابق ولاحق، وقائد وسائق، وساكت وناطق، ومحل ومصل، سبقا البارق، وانارا سدفة الفاسق صلى الله عليهما ما استجلب خبير، وتناوح حراء وثبير.

يجد القارئ المتمعن في سياق هذه العبارة جملا مخلخلة لا يستطيع الذوق السليم هضمها، وقد تعمدت وضع خط تحت كل كلمة من تلك الكلمات للدلالة على الكلمات المحرفة، واللافت للنظر انه عندما تصرف المحرف في النص، فاته تحريف ضمير المثنى، فاختل المعنى وتزعزع المبنى، والفت نظر القارئ واسترعي انتبهاهه الى حذف اسم (علي) واستبداله بكلمة (الذي)، وفي بعض النسخ الاخرى بواو العطف فصار (والذي). ومهما يكن فكلمة (الذي) أو (والذي) تدل دلالة واضحة على اختلال العبارة وعدم انسجامها، إذ من يفهم هذه العبارة : (محمد الذي المكنى عنه شعاع من شمسه)؟ واضح ان العبارة مخلخلة فاسدة وغير سليمة، وكل قارئ فاهم يشعر بفساد الاسلوب وعدم وضوح معناه. والغريب المحير ان المصححين والمشرفين على الطباعة الثانية التي بعدها لم يلفت انتبهاههم هذه الاخطاء الفاحشة الشاذة.

لنر الآن الوضع الحقيقي والعبارة الصحيحة لتلك الكلمات المصحفة والمستبدلة بكلمات اخرى.

الكلمة الصحيحة في الاصل (علي) استبدلت بكلمة (الذي) في بعض النسخ، وكلمة (والذي) في نسخ اخرى. وكلمة (سابق) بكلمة (الاسابق)، واستبدلت كلمة (استخبر) بكلمة (استجلب).

وهناك كلمات جاءت بضمير المثنى غاب عن المصحف تصحيفها، وهي: (سبقا ـ انارا ـ عليهما ـ ).

وعليه يكون سياق العبارة الصحيحة هو: شعاع من شسمه، وغصن من غرسه، وقوة من قوة نفسه... فهما سابق ولاحق، وقائد وسائق، وساكت وناطق، ومجل ومصل.

وبهذا نصل الى سياق العبارة الصحيحة كما يلي :

وصلى الله على رسوله محمد وعلي المكني عنه شعاع من شمسه، وغصن من غرسه وقوة من قوة نفسه، ومنسوب اليه، نسبة الغد الى يومه، واليوم الى امسه، فهما سابق ولاحق، وقائد وسائق، وساكت وناطق، ومجل ومصل سبقا لمحة البارق، وانارا سدفة الفاسق، صلى الله عليهما ما استخبر خبير وتناوح حراء وثبير.

هذه هي الجملة الصحيحة والعبارة ذات المعنى المفهوم، وعلى هذا الاساس والمنطق السليم لا يمكن ان يقال: ذلك سهو، لتبرير اعمال المصحح. وكيف يستمر السهو الى اليوم؟ الم يكن ذلك عن تعمد وسابق اصرار؟

بعد هذا، نأتي الى صلب الموضوع الذي نحن بصدده، مما ارتكبه المصحح والمشرف على الطباعة حين طبع كتاب رشفة الصادي من بحر فضائل بني النبي الهادي، مما صار من حذف كلمات او اضافة كلمات اخرى من عندياته التي تخالف النص الاصلي، ففي الصفحة (44) اضاف المصحح اسم (معاوية) وكلمة (هما) حيث انقلب المعنى وصارت العبارة كما يلي :

عن علي بن ابي طالب ومعاوية رضي الله عنهما

بينما السيد ابن شهاب يقول في قصيدة له مشهورة معروفة قبل تأليفه كتاب رشفة الصادي بعدة سنوات، نقتطف منها هذه الابيات التي هي بيت القصيد :

الى ان يقول :

الى آخر القصيدة وهي طويلة.

انظر الى قول السيد ابن شهاب ثم التفت الى ما احدثته اليد الاثيمة من تحريف.

وفي السطر السادس من الصفحة (110) حذف المصحح كلمة (الخوارج) ووضع مكانها كلمة (الشيعة) حتى صار المعنى معاكسا بذلك التغيير المتعمد وانقلب المبنى والمعنى. ان اقل الناس دراية يدرك ويفهم ذلك ويعتبر المحرف خائنا مجرما في حق السيد بن شهاب.

والسيد بن شهاب هو الذي يصرح جهاراً في خطبه بالدعاء على الخوارج، ومنها خطبته الرمضانية الشهيرة المعروفة التي تعاد تلاوتها وقراءتها الى اليوم في شهر رمضان، اذ يقول في اواخر أواخرها:

اللهم اصلح سائر ولاة المسلمين واستأصل شأفة المشركين ودمر بهم الخوارج والملحدين واقمع بهم شوكة البغاة المعاندين.

الى آخر الخطبة حيث يجد القارئ نصها كاملاً من خطبه في فصل آخر من هذا الكتاب.

وفي صفحة (139) من السطر (16) حذف المصحح اسم الامام محمد الباقر(عليه السلام)حتى اختلت سلسلة النسب. ولكنه تدارك في آخر الصفحة.

ان الامانة تفرض على الناسخ والناقل والمصحح والمشرف وضع كل كلمة في موضعها، فهم مسؤولون يتحملون امانة النقل، والا فانهم خانوا امانة النقل وامانة العلم.

ما كان المشرف على الطباعة عندما حرف جملا في عبارات كتاب رشفة الصادي يحسب ان السيد ابن شهاب لا يزال حيا يرزق على قيد الحياة وان للسيد مؤلفات اخرى، وكان الجاني مطمئنا ان امره وفعله لن ينكشف ولن يعرف احد من فعله شيئاً، وربما كان يعلم ان التزوير والتحريف مهما طال الزمن لابد ان ينتهي الى فضيحته، وسبب اقدام هذا على فعله هذا هو الذي يتسمى باسم المصحح فقدانه الضمير وعدم شعوره بالمسؤولية وقد غلبت عليه نفسه الامارة بالسوء فاتبع هواه.

ومن اكبر ادلة التزوير اضافته اسم (معاوية)، وهو ما يتناقض تمام التناقض مع عقيدة السيد ابن شهاب المتجلية في اقواله وقصائده والتي لا تحتاج الى ايضاح، وكما هو الثابت في مؤلفاته وما جاء في القسم الأول من ديوانه المطبوع بموجب وصيته وامره في حياته، ومما يدل على هذا المعنى قول السيد في قصيدة له:

ثم الى موقفه من النواصب الذين يعادون آل البيت(عليهم السلام) وهم اهل الهدى والحق، فأصل الهدى عندهم، ومستقره في دورهم، واما عند غيرهم فشيء مستعار.

وليس بعد هذا دليل على خيانة المشرف على طبع الكتاب وتزويره، والسيد ابن شهاب في غنىً عن الدفاع عنه، فهو المعروف في جميع مواقفه بحسن عقيدته واستماتته في حب آل البيت(عليهم السلام)، ومتى احتاج ضوء الشمس الى برهان؟ فمؤلفاته ثم ديوانه هي الدليل القاطع والحجة البالغة.

وبهذه المناسبة اود لفت نظر القارئ مرة اخرى الى ما جاء في ختام الفصل الاول من ديوانه، حيث شهد الناس كما شهد تلميذه الوفي السيد محمد بن عقيل الذي اشرف على طباعة الديوان، بقوله: الى هنا تم القسم الاول مرتبا حسب امر الناظم.

تلك هي قصائد الناظم التي اوصى بها حسب امره وهو لا يزال على قيد الحياة، اما القصائد الاخرى في القسم الثاني من الديوان فهي القصائد التي جمعها تلامذته ومحبوه مما استطاعوا الحصول عليها انذاك، فجمعوها لطبعها، وهي ليست كل ما قاله من قصائد.

اذن ان ما ارتاب منه البعض من مآخذ في كتاب رشفة الصادي لا تنقص شيئا من قيمة الكتاب ولا من قدر المؤلف ومكانته، والقارئ المرتاب معذور اذا شك، لان تلك المآخذ قد تجعله في حيرة، الا الذين سبق لهم متابعة تاريخ ادوار حياة المؤلف.

ذكرنا في فصل آخر من هذا الكتاب مراحل حياة السيد ابن شهاب ولكل مرحلة من مراحل حياته صفتها الخاصة ودورها الخاص، لكنها كلها مرتبطة بعضها ببعض ارتباطا وثيقا. فما صدر وبدر منه وهو في مقتبل عمره وريعان شبابه من مراحل حياته من قول او ما جاء في بعض مؤلفاته بالطبع يحتاج بلا ريب الى صقل وتهذيب وتوضيح كما يقول المؤلف نفسه، وقد كفانا ما يجب توضيحه وفي ذلك ما يرفع قدره.

اما في مرحلة نضوجه ومرحلة قوة استقراره فقد بلغ من الثبات والرسوخ التام والايمان القوي ما تشهد له به مواقفه، فلا مجال بعد ذلك لمستريب.

لو فرضنا ان الظروف سخت للمؤلف في حياته لاعادة طبع كتبه تحت اشرافه مباشرة او اشراف احد تلامذته لجاء الطبع صحيحاً منقحاً خاليا من كل ما يشوبه شك او ريب.

ولا بأس ان نذكر هنا نتفا من احدى قصائده الغديرية المعنونة بعنوان النبأ اليقين، احقاقا للحق واثباتا للواقع ودفعاً لاسترابة المستريب، وهي من القصائد التي اوصى بنشرها والمحافظة عليها :

هذه مقتطفات من القصيدة المذكورة بعنوان النبأ اليقين التي يبلغ عدد ابياتها مئة وأحد عشر بيتا كعدد اسم الممدوح وهو الامام علي بن ابي طالب(عليه السلام)بالاحرف الابجدية، وقد اثبتنا القصيدة برمتها في (السيد بن شهاب وآل البيت(عليهم السلام)).

الفاضل والمفضول

يقول السيد بن شهاب بوجوب تفضيل الفاضل العادل وتقديمه على غيره حتما جازما على جميع المستويات مهما كان الامر، فلا يمكن الافراط او التفريط في ذلك، ومن تذرع بتقديم المفضول على الفاضل فهو غير محق. كما انه يرى عدم امكانية الانصياع لحكم ظالم او جائر او باغ او مستبد. وليست الطاعة لحكم ظالم او باغ حفظاً للنفس بعذر مبرر، فالسكوت على ظلم ظالم هو الاعتراف بالظلم والحكم الجائر الذي يجر الى تعاظم الفساد في البلاد فيفقد الامن ويختل الاستقرار وتزول الطمأنينة ويعم الفساد. فالعلماء مسؤولون امام الله لسكوتهم، الا اذا كانوا من علماء السوء وتجار الاديان.

حداني لذكر هذا مناسبة قدوم احد الاخوان الكرام من اللذين اكن لهم كل تقدير، جاءني مرتابا شاكا حيرانا، عندما قرأ في كتاب رشفة الصادي حيث وجد في طياته مآخذ حسب قوله، وما كان يحسب ان يصدر ذلك من السيد ابن شهاب، فارتاب وشك في امر السيد، اذ لم يدر بخلده ان في الكتاب كلمات مدسوسة دخيلة ادخلتها ايدي المدلسين الخونة، مثل ما يقع في الكتب الاخرى مما يفسده اولو الاغراض السيئة الذين ينشدون من وراء ذلك هدفا معينا.

شرحت للزميل الشاك حقيقة الامر شرحا وافيا واوضحت قضية الاوضاع مفصلا وبينت له كل ما يمكن له الاقتناع به، والاطمئنان اليه، حتى اذا رأيت اقتناعه، استطردت في استدلالي مشيراً الى اعتماد كثير من العلماء الاعلام على كتاب رشفة الصادي في تدريسهم ومؤلفاتهم، حيث جعلوا هذا الكتاب مصدرا من المصادر المعول عليها في ابحاثهم، ومن بين اولئك العلماء الاعلام العلامة الحجة الجليل السيد شرف الدين الموسوي في كتابه الشهير (المراجعات)، وكان السيد شرف الدين يلقب السيد ابن شهاب بالامام. ويكفي هذا الكتاب قيمة علمية أنه صار مصدرا من المصادر ومرجعا من المراجع العلمية للبحث الذي يعتمد عليه العلماء والباحثون.

يحسن بنا ان نثبت هنا ما كتبه السيد ابن شهاب في مقدمة كتابه رشفة الصادي في الصفحة الثانية ننقله حرفيا بنصه.بسم الله الرحمن الرحيم

اما بعد، فان من المعلوم لدى كل بر وفاجر ما اوجبه الله تعالى من مودة اهل البيت الطاهر والشرف الباهر، وكيف لا وقد نزل بذلك القرآن المبين، وتواترت به الاخبار عن الصادق الامين، وعلى ذلك درج اعلام الصحابة والتابعين، وائمة السلف المهتدين؟ بيد انه شاع في هذه الازمنة عدم الاحتفال بتلك البضعة الكريمة، وتجاهر من لا خلاق له بغمط مالهم من المفاخر الجسيمة، حتى بلغني من علماء السوء في هذا الزمان انه يقول : كل ما ورد في فضل اهل البيت من آية او حديث او اثر فهو في حق خواصهم لا غير. وتالله ما حمله على ذلك الا حسد اضمره في سريرته، وبغض ناشئ عن خبث طويته، ولا ريب في انه تفوه بذلك سفيه واي سفيه، وكل اناء ينضح بما فيه.

فحينئذ بادرت الى جمع ما سهل علي جمعه مما جاء في فضل ابناء المختار، وسارعت الى رقم ما تيسر نقله مما ورد في حقهم من الآيات والاحاديث والآثار، مقتصرا في النقل على ما شمل جميع افراد اهل ذلك البيت الطاهر، صارفا عنان القلم عن تحرير ما ورد لخواصهم من المناقب والمفاخر، الفتة ارغاماً لذلك البعيد المحروم وطردا لخناسه المرجوم، وتحريضا لنفسي ولاخواني من المسلمين، على اغتنام الاعتصام بذلك الحبل المتين، اذهم شجرة النبوة الطاهرة، ودوحتها الزكية الفاخرة، شجرة طيبة اصلها ثابت وفرعها في السماء.

فهم مصابيح الظلام، ورونق الليالي والايام، ولقد كان الزمان ضاحكا بوجودهم وانتشارهم، مشرقا بسواطع انوارهم، فاقصد ذلك الارج، وحدث عن فضائلهم ولا حرج.

ولعمري ان ما رقمته بالنسبة الى علو مفخرهم وعظيم مظهرهم كقطرة من البحر او كلحظة من الدهر.

(اولئك حزب الله الا ان حزب الله هم المفلحون) واولياؤه الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون (يسبحون الليل والنهار لا يفترون)، (اولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون).

ضوعفت لهم الحسنات، وغفرت لهم السيئات، وظهرت بركاتهم في الخافقين ظهور الشمس في رائعة النهار، وحازوا ببنوة النبوة كل مرتبة عالية. يراهم الله نجوما للهداية ورجوما للغواية.

ثم اني اوردت هاهنا جملة من الاحاديث والآثار محذوفة الاسانيد، ليسهل سردها على المستفيد، متأسياً في ذلك بمن سلف من ائمة السلف والخلف، مع اني لم اذكر ما لا يستحسن ايراده، مما وضع او ضعف جدا اسناده.

وكلها منقولة من كتب ائمة الشرع، وليس لي في ذلك الا السبك والجمع، وسميت هذه المجموعة (رشفة الصادي من بحر فضائل بني النبي الهادي). الخ.

يجد القارئ في كل كلمة من عبارات هذه المقدمة ما ينم عن مدى قوة ايمانه وصلابة عقيدته وثبات مبدأه، ومما يلفت النظر هنا انه نشأ في بين امة لا خلاق لهم في الخير من علماء السوء يجاهرون علنا بعداوة العترة النبوية(عليهم السلام). واكتفى المؤلف بالتلميح وتحاشى ذكر اسمائهم، والكل يعلم من يقصده السيد ابن شهاب.

ان بغض آل البيت(عليهم السلام) وكراهية العترة النبوية حقد دفين ومرض متأصل في قلوب المنافقين منذ ايام البعثة النبوية، واستمر هذا الحقد الى اليوم وسيستمر الى يوم الدين. انه مرض وآفة ابتليت بها الاوساط الاسلامية في جميع ازمانها وتذكرت قول العلامة الشيخ محمد جواد مغنية : ان لكل شيء في هذا العالم حداً الا بغض آل البيت(عليهم السلام).

وبعد، فهذه كلمة مقتضبة سردتها لاماطة اللثام وازالة ما علق بالاذهان عن حقيقة كتاب رشفة الصادي وما قيل عنه، حتى يفهم الجميع الحقيقة ولا يحدث لهم ما حدث لزميلي الذي جاءني شاكيا شاكا مرتابا.

على الذين يريدون اعادة طبع كتب السيد بن شهاب التحري الدقيق وشدة التأكد لازالة كل ما يثير الشك والريب، ولا نود ان تتكرر الاخطاء نفسها ويستمر التحريف بدون تصويب وتصحيح، وعلى كل فان الكتب التي صدرت حديثا في هذا الموضوع كافية للدلالة واعطاء القارئ والمطالع والباحث الحقائق الناصعة الثابتة، حيث يغنيه عن مراجعة الكتب الاخرى السابقة في الموضوع.

والخلاصة ان امر التحريف والتزوير والتصحيف والاختلاف قضية معروفة من قديم الزمن وغير مستغربة ممن يتعمدون الكذب ويتلذذون به، اذ في قلوبهم مرض وحقد من الفرد او من السلطان، حتى يحسب الناس ان الزور حق فيؤمنون به ولا يتورعون عن الكذب حتى على النبي محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) وعلى الله الحي القيوم، ما دام في الكذب شفاء الغليل، وما اكثر الوضاعين الذين كذبوا زورا وبهتانا على النبي محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)، ومن يتجرأ على النبي فإنه يهون عليه الكذب على غيره خصوصاً اذا كان في الكذب مصلحة. خلقوا اساطير كاذبة وجعلوها جزءاً من التاريخ، وما قضية ابن سبأ ببعيدة.

ان فقدان الشعور بمسؤولية الامانة تجر المرء الى ارتكاب الآثام والجرائم.

البغض والكراهية والحقد امراض مزمنة من الامراض الروحية المستعصي علاجها، وكفانا علماء النفس درس وبحث وتحليل هذه الامراض دراسة علمية في مؤلفاتهم سوى ما كانوا ينشرونه في الصحف والمجلات مما يستجد من الابحاث في كل مناسبة.

ان البغض والكراهية للنبي الاعظم سيدنا محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) لم يكن حديثا ولكنه عرف ونشأ منذ عصر هاشم جد النبي الاعلى ولم ينحصر في زمن دون آخر، مع العلم ان مرض الحقد والبغض والكراهية معروف من اول تاريخ البشر.

وقد تخف زوبعة الحقد على النبي محمد وآل بيته واتباعه حينا بمحاولة اخفائه والتظاهر بالتسامح، ولكن مع اتخاذ سبل اخرى للتعبير عنه من قبيل العبارات السامة التي كفروا بها وزعموا ابويه انهما ماتا مشركين، واتهامه انه كان يهجر، وانه سحر ابطالا لعصمته، وانه ربي وترعرع في حضن كافر مشرك، يعنون بذلك عمه أبا طالب، وحاكوا حول تاريخ حياته الترهات والاقاويل الملفقة ونسجوا الاساطير وان الشيطان كان يلعب به. وما قضية الغرانيق ببعيدة حاولوا بكل الوسائل السخرية منه والحط من مكانته وتشويه تاريخه نكاية بالاسلام. ومنعوا الناس من تعظيم واجلال رسول الله. خطب خطيبهم في محفل قائلاً: ان محمدا قد مات ومن مات فات فانه لا ينفع ولا يضر، ثم اشار الى عصاه وقال: ان عصاى هذه انفع من محمد فاني استعين بها واتوكأ عليها كموسى ليهش بها غنمه، فان تعظيم النبي او احياء ذكره من البدع المستهجنة بل هو الى الشرك اقرب او هو الشرك بعينه.

وتعاظمت كراهيتهم للنبي فكرهوا اهل بيته بل كرهوا اتباع النبي وآل بيته وانصب جام حقدهم عليهم جميعا.

امام هذا الحقد الدفين على النبي وكراهيتهم له ومن معه من اتباعه، وامام هذه الحملات الدنيئة والتطاول على مقام خير البشر النبي الاعظم محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) تصدى السيد ابن شهاب وهو في عنفوان شبابه يتفجر غيرة وحمية وحماسة وتولى أمر الدفاع عن النبي وآل بيته ضد تلك الفئة الحاقدة التي تحارب الحق بالباطل والتي تحسب انها قادرة على مناورة الحق ومنازلته. لم يسكت السيد ابن شهاب لان السكوت قد يوهم الناس ان تلك الفئة الباغية محقة في دعواها، وتصدى السيد ابن شهاب بحملة واسعة من على المنابر في النوادي العلمية وفي الجوامع الكبيرة والمساجد وفي قاعات المحاضرات للرد على تلك الفئة الضالة المضلة فحطمها تحطيما وفضحها وكشف عوراتها لا لترعوي عن غيها فان تلك الفئة ابعد الناس عن الهداية فهي والمرتمسة في غوايتها. وجاشت صدره بهذه القصيدة التي صور فيها بكل وضوح عقيدته ومبدأه.

من خُطب السيد ابن شهابفي وداع شهر رمضانبسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله المنفرد بجلاله وكبريائه، المتوحد بعظمته واعتلائه المفيض على عبيده برّه وعطاءه المسبل على ذنوبهم كنف ستره واغضائه، سبحانه وتعالى عما يقول الجاحدون من اعدائه نوَّع لعبيده القربات، وعرَّفهم مواسم الطاعات واستجلبهم بذلك الى حبه وولائه من علينا ببعثة نبيه الامين وأنزل عليه الفرقان المبين وجعله نوراً يهتدي به من ارتبك في مهامه جهله وعمائه وخصنا معشر الامة المحمديّة بشهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن وأتاح لنا فيه من مواهبه ما تكل الافهام عن ادراكه واحصائه نحمده سبحانه وتعالى ان وفقنا لصيامه وقيامه ونشكره ان يبلغنا بكرمه الى ليلة تمامه ونسأله ان يكتبنا في ديوان الفائزين فيه بمغفرتهِ ورضائه واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له شهادة يحشرنا بها في زمرة السابقين من أوليائه وأشهد ان سيدنا محمداً عبده ورسوله المؤتمن على أنبيائه صلَّى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه الذين جاهدوا بين يديه وعلى التابعين لهم باحسان الى يوم لقائه. أيها الحاضرون رحمكم الله هذه آخر ليالي الشهر الفضيل ولعله لايدركها منكم في القابل إلاقليل فاكثروا فيها من البكاء والعويل وابسطوا اكف الابتهال الى الملك الجليل فما كان اجملها بالانابة والرجوع وما كان أحقها بسكب العبرات والدموع وما أجدر هذه الساعة الشريفة بالحضور والخشوع فهلموآ الى موارد الفضل والاحسان وسارعوا الى مواقف الندم والاذعان وبادروا للتوديع بالاسف والاشجان وأقيموا مأتم البكاء والاحزان وقولوا: السلام عليك يا شهر رمضان السلام عليك يا شهر العبادةِ والصيام، السلام عليك يا شهر التلاوة والقيام السلام عليك يا سيد الشهور السلام عليك يا شهر الفرح والسرور السلام عليك يا شهر التضرع والهجود السلام عليك يا شهر الركوع والسجود سلام مودع لا يدري أيعود إلى القابل أم لا يعود السلام عليك من شهر تقال فيه العثرات السلام عليك من شهر تسكب فيه العبرات وتنال فيه الخيرات والبركات فيا شهر الانوار والفضائل لعلك تعود في العام القابل وقد طرقتنا طارقات المنون ونحن بالتراب متوسدون قد تمزقت منا الاوصال وقد منا على ما قدمنا من الاعمال فكن شفيعنا الى ذي العزة والجلال. روي عن ابن المنكدر رضي الله تعالى عنه انه قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): إذا كان آخر ليلة من رمضان بكت السموات والارض والملائكة مصيبة لامتي: قيل: يا رسول الله وأي مصبية على أمتك؟ قال: شهر فيه النفقة صدقة والسكوت تسبيح والنوم عبادة والدعاء مستجاب والذنب مغفور ولا يكتب على مذنب ذنب. فأي مصيبة أعظم من هذه؟ اخواني قد أزمع هذا الشهر على الارتحال وشمَّر ذيل النُّقلة والانحلال وقد عمرتم فيه مساجدكم بالصلوات والقيام واجهدتم فيه جوارحكم بالعبادة والصيام فليت شعري من الذي صام فيه عن الحرام كما امسك عن الشراب والطعام؟ ومن الذي حفظ صيامه عن الآفات وفطم نفسه عن تناول الشهوات؟ فلعمري أين دلائل الاجابة والقبول و أين أمارات البلوغ والوصول أين آثار الخشية والاجتهاد أين اصفرار الالوان ونحول الاجساد أين زفراتكم المتصاعدة وأين عبراتكم المتزايدة؟ فوا عجباً ما لهذه العيون لا تدمع ويا أسفا ما لهذه القلوب لاتخشع او ثوقاً منكم بحسن المآب والمنقلب أم استخفافاً بورود ذات اللَّهب؟! فالمحروم والله من كان في أيام شهره غافلاً والبعيد من كان عن التوبة في هذه متكآسلاً فيا حملة الذنوب والاوزار هذه ساعة التوبة والاستغفار فليت شعري هل فيكم من عكف في هذه الليلة على بابه وتصاعدت زفراته خوفاً من غضبه وعقابه ويا أيها المفرطون شمروا في الطاعة فإنكم مثابون ويا أيها الباكون تضرعوا الى الله فإنكم مجابون وتوبوا الى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون ويا من هتك في هذا الشهر المحارم وتهاون فيها بعظيم الجرائم أمستيقظ أنت أم نائم؟ ان تتدارك نفسك بالتوبة والاستغفار والنزوع عن ارتكاب الاوزار والا فاعدد نفسك من المكبكبين في دار البوار فلعلك إذا رجعت بصدق التوبة ووقفت بتذللك في هذه الساعة بين يديه أجابك بما أجاب به الخائفين أقبل ولا تخف إنك من الآمنين ويا من قطع بالغفلة أوقاته وأيامه وأفنى فيها شهوره واعوامه وقدم عليه هذا الشهر الكريم فصامه ما لي أرى آثار المعصية بادية عليك فاين صيامك الذي قدمته بين يديك أين خلوتك تحت أروقة الظلام أين تململك والناس نيام؟إلى متى أنت على غرة
وتدعي أنَّك مقبولكم مظهر أعمال أهل التقى
وهو بسيف الجهل مقتولفارجع إلى الله وكن موقناً
إنك مطلوب ومسؤول

ظفر والله المخلصون وحمد سراهم المدلجون وندم على تفريطهم وخسر هنالك المبطلون وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ويا من أعرض في هذا الشهر عن ابواب الرحمة والكرم وتشاغل عن مواسم المنة والنعم بادر الى التعلق بأذيالها فقد عزمت على سيرها وارتحالها لج أبواب التوبة في هذه الليلة قبل انتقالها فإنه لم يبق من ليالي شهرك غير ليلتك هذه فلعلك تدخل بها في جوار الله وعباده ويا من غرق في بحار الزلات والذنوب وبارز بمعصيته علام الغيوب ما الذي أخرك عن التوبة في شهر البركة وما الذي ألهاك عن الفرار من مفاوز الهلكة؟ داو في هذه الليلة جراح الاقتراف بمراهم الذل والاعتراف لقد آن لك ان تتادب تأدب العبيد وتقف معترفا بين يدي العزيز الحميد ان في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ويا من أنفق أنفاسه في البطالات هذه ليلة استداركك لما فات مالدنياك محروسة من كل جانب ودينك مبذور للمختلس والغاصب أظننت أن الله سبحانه وتعالى لايراك أم حسبت أنه لايعلم سرك ونجواك؟ كلا والله انه لسميع بصير (الا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) اين حسرتك أيُّها العاجز المتخلف واين عبرتك ايها الحزين المتخوف وأين حيرتك أيُّها القلق المتلهف؟ ما تنفعك القوارع والعظات اذا لم تكن منك انابة والتفاتُ ماذا يعنيك النُّصح والتذكير اذا الم يثمر الجد والتشمير؟إن المواعظ لا تغني أسير هوىً
مقفل القلب في حيد عن السنن

فرحم الله عبدا أيقظ قلبه من سنة لهوه وغفلته وقاده بزمام خوفه وخشيته ورحم نفسه بالتوبة قبل فراق شهره هذا ورحلته فلعمرى لقد زمت لبينه ركائبه وشدت لرحيله نجائبه وكأن ذهبت أنواره وانقطعت بهجته وعفت آثاره وبعد قريبه وشط مزارهيا غافلاً فيما مضى
قد مر شهرك وانقضىبادر بجدّك طالبا
سوق التفضل والرضا

نبهنا الله وإياكم من سنه الغفلة وألهمنا وإيَّاكم بطاعته في أيَّام المهلةِ وتاب علينا وعليكم وعلى جميع المسلمين في هذه الليلة. هذا ورحاب كرم المولى سبحانه واسعة وعواطفه على من أم سوح افضاله متتابعة فنرجو أنّه تعالى قد أثبتنا في ديوان المنظور إليهم بعين العناية في هذا الشهر ونظمنا في سلك المحفوظين فيه بالعتق والعطاء الوافر وفتح لنا فيه أبواب الاجابة والقبول وأدخلنا في حيز أهل الانابة والوصول وضاعف لنا فيه أجور الحسنات وأقالنا فيه جميع العثرات إنه الجواد الكريم.ايا صاحب الذَّنب لاتقنطن
فان الاله رؤوف رؤوفولاترحلن بلاعدة
فان الطريق مخوف مخوف

قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): بكاء العيون وخشية القلوب من علامات رحمة الله فاذا رأيتموها فاغتنموا الدُّعآء. إلهي زلت بنا عن مهيع نجاتنا الاقدام وغرقنا في لجج المعاصى والآثام وها نحن ببابك واقفون وبركابك عاكفون ومن عقابك خائفون ولثوابك مؤملون لا مالك لنا غيرك فنرجوه ولا رب لنا سواك فندعوه وقد تعرَّضنا لعفوك وثوابك وأنيخت قلائص إبتهالنا بفنآء رحابك فانظر اللَّهم بعين رحمتك إلى هذا الجمع السَّعيد وتقبل منا ما عملناه في شهر الزلفى والمزيد وبلِّغنا في طاعتك من خيرات الدنيا والآخرة ما نريد اللّهم اعمر بالتَّوبة خراب قلوبنا وطهر بعفوك سرائرنا عن دنس عيوبنا وهب لنا في هذه اللَّيلة من مواهبك الجسام مايكون ذريعتنا الى حلول دار السَّلام اللّهم لا تفضحنا في عرصات القيامة واعذنا من موجبات الخزي والندامة وأدخلنا بفضلك دار الكرامة أللّهم اجمع قلوبنا على الخشية بين يديك واهدنا إلى أقرب الطريق إليك فإنك تقضي ولا يقضى عليك أللّهم انَّك تعلم ما نزل بنا من قساوة القلوب لما تراكم عليها من درن الاوزار والذنوب فامطرها اللّهم بهواطل جودك وإحسانك واغدقها بشآبيب مغفرتك ورضوانك واحيها بوابل محبتك وعرفانك اللهم اجعلنا من عتقائك في هذا الشَّهر الكريم وأزلفنا بجوارك في جنات النّعيم واجرنا برحمتك من عذاب الجحيم اللّهم لا تهلكنا بذنوبنا ولا توبقنا بكشف عيوبنا ولا تعرض عنَّا بوجهك الكريم وعد علينا بكرمك العميم اللهم من كان منا فاسد القصد فتفضل باصلاحه ومن كان صالح القصد فوفقه لانجاحه اللّهم تفضل علينا بالاستجابة لما سألناه وحققنا يا مولانا بما منك رجوناه وافعل كذلك بوالدينا واولادنا وقراباتنا وأحبابنا والمسلمين أجمعين اللّهم وانظر بعين رعايتك الى هذه العصابة المصطفوية حتى تقيم بهم أود هذه الأمة المحمدية وتنعش بهم علوم الشَّريعة النبوية اللّهم اصلح الراعي والرَّعيَّة ووفقهم جميعا لسلوك المحجَّة السَّويَّة اللهم اصلح سائر ولاة المسلمين واستأصل بهم شأفة المشركين ودمر بهم الخوارج الملحدين واقمع بهم شوكة البغاة المعاندين، اللّهم اصلح هذه البلدة وسائر البلاد الاسلامية واجعلها ابد الآبدين آمنةً رخيَّة، اللّهم اجعل جمعنا هذا جمعا مرحوماً وتفرَّقنا من بعده تفرُّقاً معصوما اللّهم اسقنا الغيث والرَّحمة ولا تجعلنا من القانطين برحمتك يا أرحم الرحمين وصل بجلالك على اشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين (سبحان ربك رب العزة عما يصفون * وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين)

تمت بحمد الله

من رسائل السيد ابن شهاب

اخترنا هذه الرسالة من بين مكاتباته ورسائله الكثيرة نموذجاً بسيطاً لما في هذه الرسالة من موضوع مهم، وهذه الرسالة موجهة للعلامة الجليل السيد احمد بن حسن العطاس، وذلك اثر بلبلة من الاقاويل من ألسنة المنافقين المتملقين الذين يريدون اثارة فتن عمياء والذين لا يحلو لهم الا اشعال الشحناء والتقول زورا وكذبا على العلامة السيد محمد بن عقيل وانه اصدر كتابا سماه النصائح الكافية، واتهموه بان الكتاب مليء بالزندقة والكفر والخروج من طريق السلف، فابن عقيل مارق وملحد.

وعندما بلغ السيد ابن شهاب هذا الخبر، بادر وكتب للسيد احمد بن حسن العطاس هذه الرسالة، والسيد ابن شهاب ممن يقدرون السيد احمد بن حسن العطاس لجلالة قدره وعلو محتده وسمو مكانته في المجتمع، فكانت رسالته هذه كرسائله الاخرى باسلوبه المعروف وعباراته الرقيقة المليئة بالتواضع والوقار لتوضيح ما ارتاب فيه المرتابون احقاقا للحق وازهاقاً للباطل المبطن وقطعا لدابر النمامين الذين يعيثون في الارض فسادا.

العلامة السيد احمد بن حسن العطاس ممن يقدرون السيد ابن شهاب حق قدره ويجلون العلامة السيد محمد بن عقيل ويعجبون به إذ تجمعهم جميعا وحدة المبدأ والعقيدة والمشرب والهدف والغاية والاستماتة والولاء لآل البيت النبوي الطاهر(عليهم السلام).

اتضح للسيد احمد بن حسن العطاس بعد استلامه رسالة السيد ابن شهاب بهتان النمامين وكذب الخراصين وفتن المغرضين وبانت له الحقائق، فاطلع على كتاب النصائح الكافية فوجد فيه الضالة المنشودة، فاعجبه حسن الادلاء ودقة البحث وعمق التحقيق الذي يدل على رجاحة المؤلف وتبحره في العلم وسعة اطلاعه فشكر للسيد محمد بن عقيل جهوده الكبيرة ومساعيه الخيرة لانارة الطريق وقدره تقديرا ورجاه في مواصلة السعي والمثابرة في العمل لقطع السنة الخراصين اعداء آل البيت النبوي الطاهر الكريم ولجم افواه المفسدين، ثم قلد السيد احمد بن حسن اخاه السيد محمد بن عقيل وافر تشكراته وعظيم تقديره.

وهكذا خاب الخراصون المغرضون.

نص الرسالة :بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم يا من بيده ازمة نجائب التوفيق الى السعي في ادراك الحقائق والهادي لمن اختصه من عباده المخلصين الى سلوك اقوم الطريق، نحمدك الكثير على نعمة الاسلام، وكفا بها من نعمة، ونشكرك بما لا مزيد عليه ان جعلتنا ممن شرفتهم بقولك (كنتم خير امة) ونتضرع اليك ان تصلي وتسلم على نبيك وحبيبك الذي اوضح سواء السبيل، وابان المدلول باقوى دليل، سيدنا محمد بن عبدالله الصادق الامين، وعلى آله الطيبين الطاهرين، واصحابه المهتدين الراشدين، والتابعين لهم باحسان الى يوم الدين، ونبتهل اليك ان تعلي منار الاسلام والدين، وترفع العلوم النبوية بين المسلمين، باطالة ايام مولانا وسيدنا الحجة البالغة في هذا، والاسوة الحسنة لاهل الاسلام، والايمان والاحسان، الزكي الانفاس المولى احمد بن حسن العطاس امطر الله صيب نواله، واسبل عليه كرمه وافضاله، وعم بنفعه العباد والبلاد، وهدى بمعارفه الحاضر والباد، يهدي اليكم المحب المشتاق اسير البعاد والفراق، تحيات تعرب عن الود الخالص، وتفصح عن الولاء الصادق، ثم اني اعتذر الى تلك الحضرة السامية، والعذر مقبول لدى الكرام، عن عدم تأديتي ما يجب علي من خدمته بالمكاتبات والاستفسار عن حاله الشريف ومقامه المنيف، وما ذلك إلاّ اني عودت نفسي على الانكماش وعدم الكتابة إلى الاخوان والاصحاب، الا ما قضت به الضرورة والجأت اليه حالة شديدة، ويشهد الله تعالى ان لجناب سيدي المشار اليه في الفؤاد وداً صادقاً وتعلقاً روحياً وارتباطاً قلبياً، وارجو من الله ان نكون من المتحابين في الله. واني مع مداومة خضوعي لمقامه والتماسي لصالح دعواته وتعرضي لفيض نفحاته، لا ارى بأسا في البحث معه في امر بلغني عنه، لعلمي انه لا يستنكف من المباحثة ولا يأنف من المراجعة شأن الكامل من الرجال، على اني لا اعتقد فيما بلغني صدق الرواة ولا ابرئهم من الزيادة والتحريف، وذلك الامر هو انكاركم كما قالوا على اخينا السيد محمد بن عقيل حفظه الله في جمعه الرسالة التي رد فيها على صاحب المنار الذي افتى باستحباب تسويد معاوية واستحسان الترضي عنه وتعظيمه والمنع من سبه ولعنه حتى قال: (لا ابالي ان اقول: لو اطلع مطلع على الغيب وعلم ان معاوية مات كافرا، لم يجز لعنه وسبه ) الى غير ذلك من الانتصار لمعاوية، ودعوى انه امام حق وخليفة صدق. وقد رأيت هذه الرسالة الفريدة وفحصتها، فرأيت جامعها حصر الحكم فيها على كتاب الله وحديث رسوله، ورفض ما سواها مما يخالفهما. ومن جعل كتاب الله وحديث رسوله حكما فلا ينكر عليه. ( انما كان قول المؤمنين اذا دعوا الى الله ورسوله ليحكم بينهم ان يقولوا سمعنا واطعنا ).

يا سيدي، نقل المرجفون، انكم تنهون عن نشر الرسالة، بل وعن النظر فيها جملة واحدة، وقد استغربت ذلك غاية الاستغراب.

اولاً ـ انكم لم تقفوا على هذه الرسالة ولم تنظروا ما تضمنتها من الصواب او الخطأ، وحكم الانسان على ما لم يقف عليه ولم يدرك حقيقته تسرع لا يليق بامثالكم من ذوي العقل والحكمة والفضل.

ثانياً ـ ان ادلة الرسالة المذكورة كلها من الآيات القرآنية والاحاديث النبوية واقوال المفسرين فيها. افيجمل ان يقال في تلك الادلة ما قاله مشركو قريش ؟ ( وقالوا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه ). اما البحث في معاني الآيات والاحاديث فلا بأس به، ولكن بعد النظر والتحقيق.

ثالثاً ـ ان كلمة من كلماتكم، اذا تكلمتم بها ولو عرضا يتخذها الناس، ولا سيما اهل حضرموت حجة ودليلاً يعتمدونها، لما لكم من العلم والفضل والمقام السامي وانتم تعلمون ان اهل الاغراض والاغواء والاهواء يجعلون الحبة قبة ويفسرون ما شاؤوا من كلامكم، ولذا ينبغي التثبت في القول الا عند الثقات من الخاصة. ولهذا ادخلني الريب في صدور ما بلغني عنكم ولعل فيه زيادات والحاقات في معاوية، فاني انزه مقامكم واجل قدركم عن وجود مثقال ذرة في فؤادكم. كيف وقد قال الله تعالى : ( لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله )؟ واما الامر بالسكوت عنه كما سكت اكثر السابقين فليس بمستصوب، لان للسابقين اعذاراً قد زالت وانمحت آثارها وذهبت. وغاية الشخص اليوم اذا لم يتضح له الحق ان يسكت ولا يجوز له قطعا ان يأمر من عرف الحق وجاء به بالسكوت. ولماذا نسكت عن مخزيات معاوية ؟ ألصحبته كما يقول انصاره؟ وقد علم الكل انها أسوأ صحبة، والصحبة لا تعصم عن الكفر ولا من النفاق فضلا عن الفسق، وان زعم من زعم وقال به من قال تحكما في دين الله. وقد عرف الكل عبد الله بن ابي وثعلبة والوليد بن عقبة وامثالهم عدوهم من اصحاب النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ولكن الله سماهم منافقين وفسقة في كتابه العزيز وقد قال(عليه السلام) : ان من اصحابي من لا اراه ولا يراني ابدا وقال ايضا : يؤمر باقوام ذات الشمال، فاقول: اصحابي فيقال: انك لا تدري ما احدثوا بعدك، فاقول: سحقا سحق واي صحابي اكثر احداثا من معاوية ؟ ام نسكت عنه لاجل الاحاديث التي يذكرها انصاره في فضله ؟ كيف وقد اتفق الحفاظ انه لم يصح في فضله حديث واحد الا قول النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)فيه لا اشبع الله بطنه ؟ ام نسكت لكتابته للنبي محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)؟ ونحن نعلم انه قد ارتد قبله اثنان ممن كتبوا للنبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ولم تعصمهما الكتابة، ولا بدع ان عززهما معاوية بموبقاته، اخترق صريح كتاب الله ونبذ صحيح احاديث رسوله(عليه السلام) لشطحة من شطحات ابي الحسن الاشعري وهفوة صدرت من الغزالي او للمخاريق التي لفقها ابن حجر الهيثمي واغرى بها الاخوان والاولاد ونقله المقالات المكذوبة على اهل البيت. ان التحملات والتاويلات التي شوهوا بها وجوه معاني الآيات والاحاديث لجديرة بالرفض وعدم القبول وكتاب الله واحاديث رسوله هو الحجة وبه يحكم الدين، دين محمد لا دين الاشعري واصحابه الا ما وافقوا فيه الحق. لماذا نسكت عن معاوية او ننهى عن ذكر مخزياته وفضائحه ؟ والنبي محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) يأمر بهتك الفاجر والفاسد ليحذره الناس. ولماذا نعظمه ونسوده ونبينا يقول: اذا مدح الفاسد والفاسق غضب الرب ؟ لماذا نعدله وقد فسقه كلام الله تعالى وحديث رسوله(صلى الله عليه وآله وسلم).

ان الدين والعقل والمروأة والحمية والغيرة كلها تحكم برفضه وبيان حاله وتحذير الناس منه وبغضه في الله والنهي عن تعظيمه وتسويده والترضي عنه. ان كان للسابقين عذر في ترك ذلك فلا عذر لنا اليوم. اليس معاوية هو الداعي الى النار كما في البخاري ؟ اليس هو الباغي على امام الحق وهو القاتل بسبب بغيه مئات الالوف من المسلمين ؟ اليس هو الذي سن لعن الامام علي(عليه السلام)على سبعين الف منبر اكثر من ستين سنة ؟ اليس هو الذي قتل الحسن بن علي(عليه السلام) بالسم؟ اليس هو الذي قتل حجر بن عدي واصحابه بمرج عذراء ؟ حيث لم يلعنوا علياً ولم يتبرّأوا منه وقد اخبر النبي انه سيقتل بمرج عذراء سبعة نفر، مثلهم كمثل اصحاب الاخدود، وانه يغضب لقتلهم جبار السماء. اليس هو الذى اصطفى البيضاء والصفراء من فيء المسلمين واستولى على بيت المال وصرف اكثره في غير حقه ؟ اليس هو الذي استلحق زيادا في الاسلام علنا واعاد بذلك حكم الجاهلية ؟ اليس هو الذي نقض العهود والمواثيق التي اعطاها للحسن بن علي(عليهما السلام) ؟ اليس هو الذي غش الامة وعهد بها الى ابنه السكير الخمير وهو يعلم فسقه وفجوره ؟ اليس هو الذي ارسل بُسر بن ارطأة الى المدينة ليقتل الانصار والمهاجرين ؟ اليس هو الذي سبى المسلمات الهمدانيات وباعهن في السوق ؟ اليس هو الذي اوصى ابنه يزيد ان يرمي اهل المدينة بمسلم بن عقبة، فعمل بوصيته وارسله الى المدينة واستباحها وقتل اهلها وفعلت الفواحش فيها حتى ولدت الف امرأة من غير زوج وافتضت اكثر من ثلاثمائة بكر ؟ اليس هو الذي قلب الدين ظهرا لبطن وجعل الخلافة ملكا عضوضاً وكان اول طاغية في الاسلام؟ اليس معاوية هو الباذل لسمرة بن جندب اربعمائة على ان يخطب في اهل الشام أن قوله تعالى: ( ومن الناس من بعجبك قوله في الحياة الدنيا )نزل في علي بن ابي طالب ففعل ؟ اليس هو الذي قتل بالسم مالكاً الاشتر وعبد الرحمن بن خالد بن الوليد ؟ اليس هو الذي فرق الامة والقاها في بحر لجي من الشبهات والظلمات ؟ اليس هو الذي اشار على عثمان ان يقتل علياً وطلحة والزبير؟ اما لعن النبي السائق والقائد وهما معاوية وابوه ؟ اما امر النبي بقتله كما في صحيح مسلم (اذا بويع لخليفتين، فاقتلوا الثاني)؟ اليس هو الذي جمع غوغاء الشام وغرهم وخبط بهم الاسلام خبطة بقى غمار ضلالها الى اليوم ؟ اليس هو رئيس القاسطين، وقد قال الله تعالى : ( واما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا ) ؟ اليس هو حزب الشيطان بنص الحديث ؟ اليس هو الذي كان يقتل الناس اذا لم يتبرّأوا من علي ؟ اليس هو الذي ولى عمال السوء على المسلمين ليسوموهم سوء العذاب، كبسر والمغيرة ومروان وعمر وشرحبيل وسمرة وزياد وابنه وامثالهم والزمهم لعن علي وأهل بيته على المنابر حتى في المدينة على منبر النبي، ففعلوا واتخذوه سنة ؟ اليس هو الذي كتب اليه علي كرم الله وجهه بقوله : انك دخلت في الاسلام كرها وخرجت منه طوعا ؟ اليس هو الذي كتب اليه قيس بن عبادة : اننا انصار الدين، الذي خرجت منه وعدت الى اعدائه؟ اليس هو الذي شرد بني هاشم وآذى من احبهم وشايعهم ؟ اليست كلها بدعة وأولياء المسلمين اكثر من ان تحصى ؟ اليس هو اول من عهد الى ابنه بالخلافة في الاسلام وجعلها قيصرية ؟ اليس هو اول الملوك من اتخذ المقاصير في المساجد ؟ اليس هو أول من قتل مسلما صبرا ؟ اليس هو اول من قيدت النجائب بين يديه ؟ اليس هو اول من ابطل حكم الحدود الشرعية ؟ الى غير ذلك من البدع التي يلزمه الاثم بها الى يوم القيامة.

والله لو نعلم ان الله ورسوله رضي في السكوت عنه لسكتنا. نعلم ان القعود عن الحق ذل ظاهر وعجز قبيح وعقوق للاجداد الطاهرين وسيئة نغضب بها محمدا وعلياً يوم التلاق.

هذا وانا اعرف واعتقد انكم عارفون كل ما ذكرته من موبقات هذا الطاغية وما لم اذكره. ولا تخالون ان اسلافنا العلويين اعرضوا عن ذكر معاوية ومثالبه، ان قلنا: نعم اعرضوا عن ذلك حيث لم يدر البحث بينهم وبين احد من انصار معاوية في هذه المادة لاحقاق الحق وابطال الباطل، كما سكتوا عن جدال اهل الاهواء والبدع الاخرى كالمرجئة والمعطلة والخوارج واشباههم، ولو نوقشوا في هذه المادة فلا ريب انهم قائلون بما قال اجدادهم واسلافهم الطاهرون علي والحسن والحسين وزين العابدين والمثنى والباقر والصادق والكاظم وزيد والنفس الزكية وهلم جرا، اننا لا نجد من ساداتنا من ينافح ويكافح عن معاوية ويبدل سيئاته حسنات وينهى عن ذكر مخازيه ومثالبه ولا يوجد من يحبه ويتولاه بل قلوبهم نافرة عنه مبغضة له، اللهم الا افراد شاذة كصاحب المشرع ولا عبرة بالشاذولا بقوله في مقابلة الجمهور، بل في مقابلة الادلة القرآنية والحديثية وكلام كبار اسلافهم، الامام علي بن ابي طالب ومن بعده، يقول الحبيب علي بن حسن العطاس :

يعلم الله اني ذكرت رجالاً كثيرا من اجلائهم وهداتهم في معاوية ولا اجد منهم من يثني عليه. اقول: ان الحق الذي لا يجوز العدول عنه هو التمسك بالكتاب والسنة والاذعان له والرجوع الى ما فيهما محتم على كل ذي ايمان.

لعله بلغكم اقوال المغرضين الذين يتقولون على السيد محمد بن عقيل، ان في ادلة رسالته ومقدماتها وقضاياها شيئا من اقوال الشيعة او نقلا عن كتبهم او طعنا او تنقيصا لمقدار اكابر الصحابة. ثقوا انها افتراء ومغالطات النواصب للحق الصريح، فان جميع ادلة رسالة السيد محمد بن عقيل منقولة عن اهل السنة ومن كتبهم وقد اثبت جامعها ما لاكابر الصحابة رضي الله عنهم من الفضل، ومعاوية واعوانه راغموا الحق وهم يعرفونه عنادا واستكبارا.

واني والله ارجو كما اعلمه في شمائلكم من الانصاف وتوخي الحق اذا وقفتم على تلك الرسالة ان تؤيدوا مبادئها وتسبروا بتحقيقاتها ولا عليكم ان سكتم عنها حتى تقفوا عليها، ثم لكم حريتكم في القول وفاقا او خلافا، وعلينا ان شئتم نشر كلما تبدونه عنها رداً او تأييدا اذ الحق ضالة الكل.

ان رسالتي هذه الموجهة اليكم لاخلاصي لكم واطمئنان نفسي بكم لما اعهده فيكم من صدق القصد وحسن النية وعدم المداهنة والتجافي عن الاغراض وحب الجاه الزائل والمال المائل ولما اعرفه منكم من حرية القول ورفض التقليد المحض المقيد للانسان. فالجاهل في درجة الصبي مع كفيله والمرأة في يد وليها. اما بحثكم عن الادلة الاولية من الكتاب والسنة والرجوع اليها واعتنائكم الخصوصي بكتب الحديث والتفسير التي هجرها الاكثر اليوم، واعتبروها كالمنسوخة، ويسرني ميلكم الى كتب الحافظ الشوكاني وامثاله من اهل الحديث. ويؤسفني ما بلغني ـ ان صح ذلك ـ من قيام البعض مع معاوية والانتصار له. اما جهلا منهم او عداوة وشماتا لآل البيت النبوي الكريم وهم لا يعلمون انهم يغضبون الرسول الاعظم محمداً(صلى الله عليه وآله وسلم) ويسيئون لآل البيت(عليهم السلام)فهم عدوهم الاكبر جاهلية واسلاماً ولعل ما بلغني عنهم على سبيل التقية وهو ما لا اظنه، ولكن لم يبق اليوم من يخاف ويتقى منه، وربما في كلمة التقية دفع المشاغل ورفع المنازعة وهو رفع تافه وضرره كبير عام، ولا سيما وانتم ممن يتخد كلامه حجة ودليلاً، فينبغي الافصاح بالحق والتصريح بصحيح المعتقد، لئلا يجد الحمقى واولوا النصب سبيلا الى تأييد الباطل بالزيادات، وانتم اعلم بكل ما ذكرته، ولا يستخفنكم الذين لا يوقنون، واسأال الله تعالى ان يوفقنا جميعا الى كل ما هو له رضاً وطاعة، ويعصمنا من كل ما هو سخط ومعصية في جميع الحركات والسكنات والافعال والاقوال، وان يجمعنا واياكم اولا في الاوطان في اهنأ عيش مريء، ثم في دار كرامته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، انه قريب مجيب.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ابو بكر بن عبدالرحمن بن شهاب

من الجدود الاعلون لاسرة بيت آل العطاس هو العلاّمة حجة زمانه والشاعر الاديب السيد احمد بن حسن العطاس المولود في عام 1121هـ والمتوفى عام 1172 اي عمره (51) عاما، وهو واسع الاطلاع والمحقق والحجة في التاريخ الاسلامي وما جرى بعد وفاة الرسول الاعظم المصطفى محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) والحوادث التي لازمت ولابست تولية الامام علي بن ابن طالب كرم الله وجهه وما تجرأ مولى بني امية الفضل عباس ابو الفرج الرياشي الاندلسي في قوله من ابيات له :

فرد عليه العلامة السيد علي بن حسن العطاس بهذه القصيدة :

ثم قال السيد علي بن حسن العطاس مستطردا في هذه القصيدة :

وللعلامة السيد علي بن حسن العطاس عدة مؤلفات تعد حجة في التاريخ منها :

1 ـ القرطاس في 4 مجلدات الذي يعتبر المرجع الاول لتاريخ بيت آل العطاس والاسر العلوية.

2 ـ المقصد في زيارة المشهد.

والسيد العلامة احمد بن حسن العطاس هو احد المعاصرين للسيد بن شهاب الذي بعث اليه بهذه الرسالة، وهو من احفاد العلامة السيد علي بن حسن العطاس، المعروفين بالعلم والكرامة والصدارة، ولهم اعمال في التربية والتعليم وتشييد المدارس ودور العلم في جنوب الجزيرة وفي المهاجر الشرقية ولا تزال آثارهم باقية خالدة.

كشف النقاب عن وجه الصَّواب لازالة ريب المرتاب، إفتاء علامة الزمان ونادرة الاوان مولانا الاوَّاب الحبيب أبي بكر بن عبد الرحمن بن محمد بن شهاب الدين العلوي الحسيني(رحمه الله)