الشطر
وردت كلمة (شطر) في كتاب الله الكريم خمس مرّات
في الآيات الثلاث التالية :
{ . . .
فلنولينكَ قبلةً ترضاها فولِّ وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا
وجوهكم شطره . . .}1 .
{ومن حيثُ خرجتَ فولِّ وجهك
شطر المسجد الحرام}2 .
{ومن حيثُ خرجتَ فولِّ وجهك
شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم
شطره . . .}3 .
بعيداً عن ذكر أهمية وخطورة موضوع تحويل القبلة
من بيت المقدس إلى حيث الكعبة المباركة ، وبعيداً أيضاً عن آثار هذا
التحول وما تركه من تساؤلات ـ كانت تنميها أيادي اليهود الخبيثة وأعداء
الإسلام ـ في الساحة الإسلامية ، وبعيداً عن الجهود العظيمة ، التي
بذلها رسولُ الله(صلى الله عليه وآله) والمخلصون الواعون من أصحابه ،
للردّ على كلّ الشبهات الخطيرة ، التي كانت تبث هنا وهناك من قبل سفهاء
الناس تحت عنوان {ما
وَلاّهم عن قبلتهم التي كانوا عليها . . .}4 .
وكانت السماء تواكب
جهود رسول الله وتصديه ، وتمدّه بما يحتاجه من قوة وعزم وثبات ،
وهو يقود حركة خطيرة جدّاً ضد مؤامرة خطيرة جدّاً يقودها أعداؤه من كلّ
الأطراف ، حتى إنّها أربكت المجتمع المسلم وقتها ، وراحت السماء
تصور لنا واقع تلك الفترة والانقلاب الذي كاد أن ينخر أو يطيح بالواقع
والمجتمع المسلم ووحدته وقدرته ، وراحت أيضاً ترسل إجاباتها
بقوة : { . . . قل لله المشرق والمغرب يهدي مَنْ
يشاء إلى صراط مستقيم}5 .
{ . . . وما
جعلنا القبلةَ التي كنتَ عليها إلاّ لنعلمَ من يتبعُ الرسولَ ممّن ينقلبُ على
عقبيه وإن كانت لكبيرةً إلاّ على الذين هدى
اللهُ . . .}6 .
{ . . . وإنّ الذين أُوتوا الكتابَ
ليعلمونَ أنّه الحقّ من ربّهم . . .}7 وتختم هذا الصراع آية اُخرى بل نتيجة هذا الصراع والنقاش
الحاد : {ولئن أتيتَ
(يا رسول الله) الذين أوتوا الكتابَ بكلّ آية ما تبِعوا قبلَتك وما أنت بتابع
قبلتَهم وما بعضُهم بتابع قبلةَ بعض ولئن اتبعتَ أهواءَهم من بعد ما جاءك من
العلم إنّك إذاً لمن الظالمين}8 .
{الذين آتيناهم الكتابَ يعرفونه كما يعرفون أبناءَهم
وإنّ فريقاً منهم ليكتمون الحقّ وهم يعلمون}9 على القول بأن الضمير في يعرفونه يعود الى أمر
القبلة أي يعرفون أمر القبلة حقّ
وهو ما ورد عن ابن عباس10 .
مقالتنا هذه ابتعدت عن كلّ
تلك التفاصيل; لتكتفي بالجانب الفقهي من موضوع القبلة ، الذي يتجلّى في
كلمة (شطر) وإن تطرقت قليلا إلى الجانب اللغوي والجانب التفسيري فلضرورة
البحث .
الشَّطْر لغةً : شطرُ الشيء :
نصفه ، وجمعه أشطر . وشاطره مالَه : إذا ناصفه ، ومن ذلك
قولهم : «شاطرتك مالي» ، فهو جزء الشيء ونصفه ومنه : «مَن
أعان على مؤمن بشطر كلمة فعليه . .» . «السواك شطر الوضوء»
للمبالغة في استعماله ،
والشطر :
الجهة والناحية ومنه قصدتُ شطره أي نحوه . والقصد ، ومنه «شطر
شطره» أي قصد قصده ، ومنه قولهم : «خذ شطر زيد» أي قصده ،
ومنه : {فولّ وجهك
شطر المسجد . . .} أي
جهته وتلقاءَه ونحوه وهو ما عليه أكثر المفسّرين . فالشطر إذن يأتي
بمعان منها النصف ومنها الجزء ومنها القصد والجهة
والناحية . . . وهذه كلّها خاصة الجهة والتلقاء عند
أكثرهم ، وردت في تفسير كلمة الشطر في الآيات
الكريمة .
وقد ذكر صاحب الدرّ المصون
وغيره أشعاراً تدل على أنها بمعنى نحو وتلقاء .
* ألا مَنْ مبلغٌ عني رسولا
* أقول لأمِّ زنباع أقيمي
* وقد أظلَّكم من شطر ثغرِكم
* تعدو بنا شطرَ نجد وهي عاقدةٌ
* إنّ العسيرَ بها داءٌ مُخامرها
وشطرها نظرُ العينين محسورُ
وما تغني الرسالةُ شطر عمرِو
صدورَ العيس شطرَ بني تميمِ
هولٌ له ظُلَمٌ يغشاكم قِطعاً
قد كارب العقدُ من إيقادها الحُقبا
وشطرها نظرُ العينين محسورُ
وشطرها نظرُ العينين محسورُ
كلّ ذلك بمعنى نحو
وتِلقاء11 .
وفي مجمع
البيان : . . . وشطر المسجد الحرام أي نحوه
وتلقاءه . . .
وذكر قولا للزجاج :
هؤلاء القوم مشاطرونا أي دورهم تتصل بدورنا كما يقال : هؤلاء يناحوننا
أي نحن نحوهم وهم نحونا . وذكر قولا لصاحب العين : شطر كلّ شيء
نصفه ، وشطره نحوه وقصده ، ومنه المثل : احلب حلباً لك شطره
أي نصفه12 . .
كما أنّ القرطبي
يقول : الشطر له محامل : يكون الناحية والجهة كما في آية :
{شطر المسجد
الحرام} وهو ظرف مكان كما تقول : تلقاءه
وجهته . . كما يذكر أنّ شطر المسجد : نصفه ومن الحديث «الطهور
شطر الإيمان» . . . وابن العربي الذي كثيراً ما يستفيد
القرطبي من آرائه يقول : الشطر في اللغة يقال على النصف من
الشيء ويقال على
القصد . . .13