قبلة و الطواف نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

قبلة و الطواف - نسخه متنی

محمد مهدی الآصفی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید




3 ـ الإخلاص


وهو فوق مرتبة التوحيد،
وتتحقّق هذه الحالة عندما يمحّض الانسان نفسه وحياته، وسلوكه كلّه لله،
وابتغاءً لمرضاته ووجهه، وتستوعب مرضاةُ الله كلَّ حركته ونشاطه وسلوكه،
وتصبغ هذه الغاية (مرضاة الله) كلَّ سلوكه ونشاطه وحركته، أولئك المخلَصون.
والإخلاص بهذا المعنى هو الدعوة الثانية للأنبياء بعد دعوة (التوحيد).
والإخلاص ليس بمعنى أنّ يعطّل الإنسان نشاطه وسعيه في مناكب الحياة، في السوق
والبيت والمزرعة وساحات الحرب والإدارة والسياسة، ولكن بمعنى أن يطوّع
الإنسان نشاطه وحركته في هذه الساحات كلّها لله تعالى.

ومن السهل أن يعطّل الإنسان شطراً كبيراً من نشاطاته وسعيه، لئلاّ يكون سعيه
وحركته لغير الله، ولكن من الصعب أن يطوّع الإنسان نشاطه وحركته كلّها لله
تعالى. ودعوة الإسلام هو أن يطوّع الإنسان حركته وسعيه لله، وليس أن يعطّل
الإنسان نشاطه وحركته.

وهذان منهجان في التربية الروحية: التعطيل والتطوّع.

والأوّل منهج سلبي يرفضه الإسلام، والثاني منهج ايجابي يدعو إليه
الإسلام.

والطواف يرمز إلى هذا الشأن الصعب في علاقة الإنسان بالله تعالى. ففي الطواف
يطوف الإنسان دورة كاملة حول الكعبة، في هذه الدورة يتحرّك كتفه الأيمن حول
محيط دائرة كاملة من الشرق إلى الغرب، ومن الجنوب إلى الشمال وفيما بين هذه
الجهات جميعاً، ولا تبقى نقطة على هذا المحيط الدائري الشامل إلاّ ويقطعه
الإنسان بكتفه الأيمن. وهذا المحيط يساوي ْ360 ولا نعرف جهة هندسية أوسع
وأشمل من ْ360 (أي محيط الدائرة).

وبينما يتحرّك كتف الإنسان الأيمن حول هذه الدائرة الشاملة يثبت كتفه الأيسر
على مركز الدائرة وهو الكعبة، ولا يحيد عنه، في كلّ هذه الحركة الدائرية.
ولهذا التركيز والتثبيت إلى جانب تلك الحركة الشاملة معنى عميق في حياة
الإنسان المسلم. فإنّ من الممكن أن يقوم الإنسان بكامل النشاط المباح، الذي
يقوم به سائر الناس في مناكب الحياة المختلفة، دون أن ينحرف حتّى لحظة واحدة
عن ابتغاء وجه الله ومرضاته في شيء من ذلك. فيذهب إلى السوق لله، ويسعى في
مناكب الحياة لله، ويتزوّج لله، ويؤمّن معيشة أهله لله، ويعمل في ميادين
السياسة لله، ويقاتل لله، ويدافع لله. وإذا أحبّ أحبّ لله، وإذا أبغض أبغض
لله، وإذا سرّ سرّ لله، وإذا غضب غضب لله.

فلا تفوت الإنسان في هذه الحركة الواسعة حركة ولا نشاط ممّا ينشط له الناس في
مساحة المباح، ولا ينحرف الإنسان في جزء من هذا النشاط الواسع عن ابتغاء وجه
الله ومرضاته، وعندئذ يكون مخلَصاً لله، أي خالصاً، لا يشوب نفسه ونيّته شيء
لغير الله.

يقول تعالى عن رسوله وكليمه موسى بن عمران: {واذكر في الكتاب موسى إنّه كان مُخْلَصاً وكان
رسولا نبياً}19.

ويقول تعالى: {وما تُجزون إلاّ ما كنتم
تعملون * إلاّ عبادَ الله
المخلَصين}20.

{فانظر كيف كان عاقبة المنذَرين إلاّ عبادَ
الله المخلَصين}21.

و (المخلَص والمخلَصين) في هذه الآيات بفتح اللام بمعنى الخالص، الذي خلصت
نفسه ونيّته من كلّ شائبة لغير الله تعالى.

ففي تفسير قوله تعالى: {إلاّ مَن أتى الله
بقلب سليم}22.

عن الامام الصادق (عليه السلام)، والراوي سفيان بن عُيينَة، قال: سألته عن
قول الله {إلاّ مَن أتى اللهَ بقلب
سليم} قال: «القلبُ السليم الذي يلقى ربَّه وليس فيه أحدٌ
سواه. قال: وكلُّ قلب فيه شركٌ أو شك فهو ساقط. وإنّما أرادوا الزهد
في الدنيا لِتفرغَ قلوبهم للآخرة»23.

واذا أخلص الإنسان نفسه لله، وكان كلّ سعيه وحركته ونشاطه لله، فانّ كلّ شيء
في حياته يقربه إلى الله ـ تعالى ـ ... ذلك انّه مقبل بوجهه إلى
الله، كادح للقاء الله كدحاً في كلّ عمل وحركة ونشاط، ولا يتوقّف عن الكدح
والحركة والإقبال على الله في سعي أو عمل، مهما كان نوع هذا السعي والعمل، في
ساحات السياسة أو القتال، وفي السراء أو الضراء، وفي السوق أو البيت أو
المسجد ... كلّ ذلك يقربه إلى الله. ويكون مع الصادقين في مقعد صدق عند مليك
مقتدر.

* * *

وقبل أن ننهي هذا الدرس عن (الطواف) نضيف إلى خصائص الطواف خصلة أخرى وهي
الصفة الاجتماعية في الطواف، إنّ الله تعالى يحبّ أن يقبل عباده إليه
مجتمعين، ويكدحون ويتحرّكون إلى وجهه الكريم في صفوف متراصة، وحشود بشرية
كبيرة من المؤمنين.

وهذه الخصلة الاجتماعية في الحركة إلى الله تعطي لهذه الحركة سرعة وقوّة
ومتانة واستحكاماً أكثر. وشتّان بين أن يعبد الإنسان لوحده الله ـ تعالى ـ ،
أو يعبده في وسط حشد من المؤمنين، فإنّ العبادة الثانية أرضى وأقرب إلى الله
تعالى، وأسرع إلى القبول ونيل مرضاة الله من الأولى.

وفي الطواف نجد هذه الخصلة الاجتماعية بوضوح. حيث
يدعو الله
ـ تعالى ـ المؤمنين لطواف هذا
البيت في أيام معدودات معلومات من السنة، فيتزاحم المؤمنون حول البيت العتيق،
ويتدافعون بطبيعة الحال ويخلصون إلى الله في وسط هذا التدافع والتزاحم. وهو
درس عجيب من دروس الطواف.

فإنّ العبادة وابتغاء مرضاة الله في وسط حشود المؤمنين يستتبع، بطبيعة الحال،
مثل هذا التدافع والتزاحم، والتنافس، وأحياناً التنافس السلبي، ومع ذلك كلّه
فإنّ الله ـ تعالى ـ يدعونا إلى أن نسلك الطريق إليه وسط حشود المؤمنين مع
هذا التزاحم والتنافس، ويدعونا إلى التسامح والتساهل والترفّع عن المشاكل
التي تحدث فيما بين المؤمنين أنفسهم. ولابدّ مِن أن يحدث مثل ذلك، ولابدّ من
الترفّع عنها، والتساهل فيها.

روى داود بن سرحان قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: أربع لا يخلو
منهنّ المؤمن أو واحدة منهنّ مؤمن يحسده، وهو أشدُّهن عليه، ومنافق يقفو
أثره، أو عدو يجاهده، أو شيطان يغويه.

وللطواف في نفوسنا مشهدان

مشهد الطواف من الداخل، ومشهد الطواف من الخارج، ومشهد الطواف في كلّ منهما
يختلف عن الآخر.

فاذا أشرفنا على الطواف من الأعلى من سطح البيت الحرام، وجدنا هذا الجمهور
الحاشد يدور حول البيت في حركة هادئة مريحة متّصلة مستمرّة، وكأنّ أرض المسجد
الحرام تدور بهم في حركة وديعة هادئة. وهذا هو مشهد (الطواف) من الخارج،
وقراءة لحركة (التوحيد) و (الإخلاص) في التاريخ من بعيد، من أعمال
التاريخ.

وللطواف مشهدٌ آخر، وقراءة أخرى من الداخل، عندما ندخل في زحمة الطواف،
ويعصرنا الطائفون، ونشقّ الطريق حول بيت الله الحرام في زحمة الطائفين
ومنافستهم، وأحياناً مضايقاتهم ومشاكساتهم. وهذا مشهد الطواف من الداخل،
وكذلك قراءة من الداخل لحركة التوحيد و (الإخلاص).

فلا تكاد تخلص حركة (التوحيد) و (الإخلاص) لله ـ تعالى ـ في حياتنا، في صفوف
المؤمنين الموحدين والمخلَصين من هذا التزاحم والتنافس الايجابي، والسلبي
أحياناً. ومع ذلك فإنّ الله ـ تعالى ـ يريد منّا أن نحمل عب رسالة (التوحيد)
و (الإخلاص) في الحياة في وسط جمهور المؤمنين، وحشود الدعاة إلى الله ـ تعالى
ـ ، ويطلب منّا أن نتقبل نتائج هذا التزاحم والتنافس في العمل كأمر واقع
لابدّ من أن يقع، ويدعونا إلى التساهل والتسامح في هذا الأمر، وإلى الترفّع
عنه ما أمكن. وهذا هو الدرس الثاني من دروس الطواف.

/ 14