فضل الكعبة
وقد
خصّ الله ـ تعالى ـ الكعبة بفضل عظيم، وخصّ أمير المؤمنين (عليه السلام) في
فضل الكعبةأَلاَ تَرَوْنَ أَنَّ
اللهَ، سُبْحَانَهُ، اخْتَبَرَ الاَْوَّلِينَ مِنْ لَدُنْ آدَمَ صَلَوَاتُ
اللهِ عَلَيْهِ، اِلَى الاْخِرِينَ مِنْ هذَا الْعَالَمِ; بِأَحْجَار لاَ
تَضُرُّ وَلاَ تَنْفَعُ، وَلاَ تُبْصِرُ وَلاَ تَسْمَعُ، فَجَعَلَهَا
بَيْتَهُ الْحَرَامَ «الَّذِي جَعَلَهُ لِلنَّاسِ قِيَاماً». ثُمَّ وَضَعَهُ
بِأَوْعَرِ بِقَاعِ الاَْرْضِ حَجَراً، وَأَقَلَّ نَتَائِقِ الدُّنْيَا
مَدَراً، وَأَضْيَقِ بُطُونِ الاَْوْدِيَةِ قُطْراً. بَيْنَ جِبَال خَشِنَة،
وَرِمَال دَمِئَة، وَعُيُون وَشِلَة، وَقُرًى مُنْقَطِعَة; لاَ يَزْكُو بِهَا
خُفٌّ، وَلاَ حَافِرٌ وَلاَ ظِلْفٌ، فَصَارَ مَثَابَةً لِلْمُنْتَجَعِ
أَسْفَارِهِمْ، وَغَايَةً لِمُلْقَى رِحَالِهِمْ. تَهْوِي إِلَيْهِ ثِمَارُ
الاَْفْئِدَةِ مِنْ مَفَاوِزِ قِفَار سَحِيقَة وَمَهَاوِي فِجَاج عَمِيقَة،
وَجَزَائِرِ بِحَار مُنْقَطِعَة، حَتَّى يَهُزُّوا مَنَاكِبَهُمْ ذُلُلا
يُهَلِّلُونَ (يهلّون) للهِ حَوْلَهُ، وَيَرْمُلُونَ عَلَى أَقْدَامِهِمْ
شُعْثاً غُبْراً لَهُ قَدْ نَبَذُوا السَّرَابِيلَ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ،
وَشَوَّهُوا بِإِعْفَاءِ الشُّعُورِ مَحَاسِنَ خَلْقِهِمُ، ابْتِلاَءً
عَظِيماً، وَامْتِحَاناً شَدِيداً، وَاخْتِبَاراً مُبِيناً، وَتَمْحِيصاً
بَلِيغاً، جَعَلَهُ اللهُ سَبَباً لِرَحْمَتِهِ، وَوُصْلَةً اِلَى جَنَّتِهِ.
وَلَوْ أَرَادَ سُبْحَانَهُ أَنْ يَضَعَ بَيْتَهُ الْحَرَامَ، وَمَشَاعِرَهُ
الْعِظَامَ، بَيْنَ جَنَّات وَأَنْهَار، وَسَهْل وَقَرَار، جَمَّ
الاَْشْجَارِ دَانِيَ الثِّمَارِ، مُلْتَفَّ ؟؟؟؟ مُتَّصِلَ الْقُرَى، بَيْنَ
بُرَّة سَمْرَاءَ، وَرَوْضَة خَضْرَاءَ، وَأَرْيَاف مُحْدِقَة، وَعِرَاض
مُغْدِقَة، وَرِيَاض نَاضِرَة، وَطُرُق عَامِرَة، لَكَانَ قَدْ صَغُرَ قَدْرُ
الْجَزَاءِ عَلَى حَسَبِ ضَعْفِ الْبَلاَءِ. وَلَوْ كَانَ الاَْسَاسُ
الْمَحْمُولُ عَلَيْهَا، وَالاَْحْجَارُ الْمَرْفُوعُ بِهَا بَيْنَ
زُمُرُّدَة خَضْرَاءَ. وَيَاقُوتَة حَمْرَاءَ، وَنُور وَضِيَاء لَخَفَّفَ
ذلِكَ مُصَارَعَةَ الشَّكِّ فِي الصُّدُورِ، وَلَوَضَعَ مُجَاهَدَةَ
اِبْلِيسَ عَنِ الْقُلُوبِ، وَلَنَفَى مُعْتَلَجَ الرَّيْبِ مِنَ النَّاسِ،
وَلكِنَّ اللهَ يَخْتَبِرُ عِبَادَهُ بِأَنْوَاعِ الشَّدَائِدِ،
وَيَتَعَبَّدُهُمْ بِأَنْوَاعِ الْمَجَاهِدِ، وَيَبْتَلِيهِمْ بِضُرُوبِ
الْمَكَارِهِ، اِخْرَاجاً لِلتَّكَبُّرِ مِنْ قُلُوبِهِمْ، وَإِسْكَاناً
لِلتَّذَلُّلِ فِي نُفُوسِهِمْ، وَلِيَجْعَلْ ذلِكَ أَبْوَاباً فُتُحاً اِلَى
فَضْلِهِ، وَأَسْبَاباً ذُلُلا لِعَفْوِهِ.
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «إذا خرجتم حجاجاً إلى بيت الله ـ عزوجل ـ
فأكثروا النظر إلى بيت الله، فإنّ لله ـ عزوجل ـ مائة وعشرين رحمة عند
بيته الحرام، منها ستون للطائفين، وأربعون للمصلّين، وعشرون للناظرين»4.
وعن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد الله، قال: «لله ـ تبارك وتعالى ـ حول
الكعبة عشرون ومائة رحمة، منها ستون للطائفين، وأربعون للمصلّين، وعشرون
للناظرين»5.
وعن إسحاق بن عمار، قال أبو عبد الله (عليه السلام): «يا إسحاق مَن طاف بهذا
البيت طوافاً واحداً كتب الله له ألف حسنة، ومحا عنه ألف سيئة، أفلا أخبرك
بما هو أفضل من هذا؟ قلت: بلى. قال: من قضى لأخيه المؤمن حاجة كتب الله له
طوافاً وطوافاً حتّى بلغ عشراً»6.