الفتنة
«استحي أن ألقى محمداً
(صلى الله عليه وآله) هاتكةً حجاباً قد ضربه عليّ» .
هذا جزء من كلمة طويلة
قالتها لعائشة حينما هبّت هذه الأخيرة تقارع الإمام عليّاً (عليه السلام)
وتقف بجانب طلحة والزبير تحرض الناس ضد الإمام من على ناقتها ، فكان
دورها خطيراً جدّاً فيما وقع من فتنة بين المؤمنين ، وفيما وقع من بغي
على الإمام(عليه السلام) في معركة الجمل في البصرة .
قالت لعائشة كلمات تتصف
بالقوة والشدة : أيّ خروج هذا الذي تخرجين؟!
نصّ كلمتها لعائشة
حينما جاءتها هذه الأخيرة; لتخادعها على الخروج للطلب بدم عثمان ، وقد
قالت عائشة لها : يابنت أبي أمية ، أنتِ أوّل مهاجرة من أزواج رسول
الله (صلى الله عليه وآله) وأنت كبيرة اُمهات المؤمنين ، وكان رسول الله
(صلى الله عليه وآله) يقسم لنا من بيتِك ، أو كان يشير إلى بيتك عندما
يؤتى بالهدايا ، ومن بيتك يبعث إلينا بسهامك (بسهامنا) ، وكان
جبرئيل أكثر مايكون في منزلك . .
فقالت امُّ سلمة :
لاَمَر ماقلت هذه المقالة !
ثمّ لما سمعت برغبتها
أو مسيرها مع كلّ من طلحة والزبير; لشنّ حربهم ضدّ الإمام عليّ كتبت
تقول : فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلاّ هو .
أمّا بعد فقد هتكت
سُدةً بين رسول الله (صلى الله عليه وآله) واُمّته ، وحجاباً مضروباً
عليّ حرمته ، قد جمع القرآن ذيولك فلا تسحبيها ، وسكّر خفارتك فلا
تبتذليها ، والله من وراء هذه الاُمّة . لو علم رسول الله (صلى
الله عليه وآله) أنّ النساء يحتملن الجهاد عهد إليك ، أَما علمت أنّه قد
نهاك عن الفراطة في الدين؟ فإنّ عمود الدين لا يثبت بالنساء إن مال ،
ولا يرأب بهنّ إن صدع . جهاد النساء غضّ الأطراف وضمّ الذيول وقصر
الموادة . ماكنت قائلة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) لو عارضك ببعض
هذه الفلوات ناصبة قلوصك قعوداً من منهل إلى منهل؟ وغداً تردين على رسول الله
(صلى الله عليه وآله) . وأقسم لو قيل لي : يااُمّ سلمة أدخلي
الجنة; لاستحييت أن ألقى رسول الله (صلى الله عليه وآله) هاتكةً حجاباً ضربه
عليّ ، فاجعليه سترك ، وقاعة البيت حصنك فإنّك أنصح لهذه الاُمّة
ماقعدتِ عن نصرتهم ، ولو أنّي حدثتك بحديث سمعته من رسول الله (صلى الله
عليه وآله) لنهشتِ نهشَ الرقشاء المطرقة ، والسلام>34 . وهناك رواية لكلمتها هذه تختلف
عنها قليلا.
ثمّ راحت اُمّ سلمة
تعلن تأييدها للإمام علي (صلى الله عليه وآله) . تقول عنها بنت
الشاطئ : ثمّ حاولت من بعده (صلى الله عليه وآله) أن تتجنب الخوض في
الحياة العامة . . إلى أن كانت الفتنة الكبرى ، فاندفعت تؤازر
الإمام عليّاً ، ابن عمّ الرسول ، وزوج ابنته الزهراء ، وأبا
الحسن والحسين .
وودّت لو تخرج
فتنصره ، لكنّها كرهت أن تبتلى وهي اُمُّ المؤمنين بمثل ذاك
الخروج ، فجاءت «عليّاً» كرمّ الله وجهه ، وقدمت إليه ابنها «عمر»
قائلة ياأمير المؤمنين ،
لولا أن أعصي الله عزّ وجلّ ، وأنّك لا تقبله منّي; لخرجتُ معك .
وهذا ابني عمر ، والله لهو أعزّ عليّ من نفسي ، يخرجُ معك فيشهد
مشاهدك .
وفعلا شهد عمر مشاهد
الإمام (عليه السلام) ومنها معركة الجمل . واستعمله على فارس وعلى
البحرين .
وممّا يدلُّ على حبّها
لآل الرسول (صلى الله عليه وآله) وخاصة للإمام علي (عليه السلام) ودفاعها
عنه(عليه السلام)ماكتبته إلى معاوية مستنكرة ماكتبه إلى عمّاله أن يلعنوا
عليّاً على المنابر ، ففعلوا ، فكان ماكتبته رضوان الله عليها :
إنّكم تلعنون الله ورسوله على منابركم ، وذلك أنّكم تلعنون عليّ بن أبي
طالب ، ومَن أحبّه ، وأنا أشهد الله أنّ الله أحبّه ،
ورسوله . . لكن معاوية لم يلتفت إلى كلامها>35 .
وكيف لا يكون حبّها لآل
البيت عظيماً ثابتاً وقد رافقت رسول الله(صلى الله عليه وآله) في حياته
ومسؤولياته ووعت كلّ ماسمعته عنهم ، خاصة وهو يلقي آخر خطبة له في حجّة
الوداع... من كنتُ مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه
وانصر من نصره واخذل من خذله . .
استوقفتها هذه الكلمات
كثيراً، وراحت تتأمل ما تحمله كلماته (صلى الله عليه وآله) هذه وغيرها
بوعي وأناة حتى دخلت قلبها ومشاعرها، فثبت ولاؤها لأهل البيت. وانطلقت تقول
كلمة الحقّ وتكشف الظُلم وتشجب كلّ فرقة ، وتقيم دعائم الوحدة بين
المسلمين على أساس حبّها لله تعالى ولمحمد وآله(صلى الله عليه
وآله).