في وجوب بذل الدية على الجاني
(3) مرّ ميل جماعة من الأصحاب إلى وجوب البذل على الجاني ، وهو الأقوى ; لوجوب
حفظ النفس عليه المعلوم من العقل والنقل .
أ مّا النقل ، فأكثر من أن يحصى ، وقد طفحت فتاواهم أ نّه إذا اُريد قتله يجب
عليه بذل ماله وتخليص نفسه ، وقد قالوا في باب الدفاع عن المال والعرض :إنّه لا
يجوز التغرير بالنفس إلى غير ذلك . وليس لك أن تقول هنا : القاتل كالمرتدّ ، فكما
أنّ الشارع أمره بإتلاف نفسه فكذلك القاتل كالمرتدّ ; لأ نّه لو كان كذلك لما صحّ
الصلح على الدية ولا العفو . ولا أن تقول : إنّه جوّز له إتلاف نفسه كما في إعزاز
الدين ; لأنّ الجواز هنا محل النزاع .
وأ مّا العقل ، فإنّه يحكم بذمّ من لا يفكّ نفسه بالمال القادر عليه ، كما أ نّه
لو أبرأه أو عفا عنه فإنّه يذمّه لو قال : ما اُريد العفو والإبراء بل اقتلني
قصاصاً ، وليس في المقام ـ كما في بعض المقامات ـ ما يقتضي عدم وجوب حفظ النفس ببذل
المال حتّى تخصّص به أدلّة حفظ النفس من عقل ونقل ، فليتأ مّل .
وقد تطابقت ظواهر الفتاوى والأخبار[1220] فيما إذا قتل جماعة رجلاً
واحداً على أنّ لوليه أن يقتل واحداً ، وأ نّه يجب على الباقين أن يردّ عليه ما فضل
له من ديته ، وأ نّهم هم المطالبون لهذا المقتصّ منه قوداً .
وظواهر النصوص والفتاوى أيضاً أ نّهم ليس لهم الامتناع بأن يقولوا : إنّا لا
نؤدّي فليقتصّ منّا وليردّ علينا ما يفضل ، كما أنّ ظاهرهما أ نّه لو طلب الدية لم
يكن لهم الامتناع .
ففي خبر ابن مسكان عن أبي عبدالله(عليه السلام) في رجلين قتلا رجلاً ، قال : « .
. .فإن أرادوا قتل أحدهما قتلوه وأدّى المتروك نصف الدية إلى أهل المقتول . . . وإن
قبل أولياؤه الدية كانت عليهما»[1221] .
ونحوه خبره الآخر[1222] وغيره .
وفي صحيح أبي مريم عن أبي جعفر(عليه السلام) في رجلين اجتمعا على قطع يد رجل ،
قال : «إن أحبّ أن يقطعهما أدّى إليهما دية يد ، واقتسماها ثمّ يقطعهما ، وإن أحبّ
أخذ منهما دية يد»[1223] .
إلى غير ذلك من الأخبار ، ولا أقل من أن تخرج شواهد ومؤ يّدات إن لم تكن أدلّة .
وما في «الجواهر»[1224] من الاستدلال لعدم الوجوب بصحيح ابن سنان[1225]
وبالأصل وغيره ، وبأ نّه لا دليل على وجوب حفظ النفس في المقام بعد تعلّق حقّ الغير
بها والأمر بإعطاء القصاص .
ففيه : أ مّا الصحيح ، فالقيد فيه وارد مورد الغالب كما عرفت بما لامَزيد عليه ،
وأ مّا الأصل وعدم الدليل فلا محلّ لهما مع ما بيّنّاه من الأدلّة .
(مسألة 2) : يجوز التصالح على الدية أو الزائد عليها أو الناقص ، فلو لم يرض
الوليّ إلاّ بأضعاف الدية جاز ، وللجاني القبول ، فإذا قبل صحّ ، ويجب عليه الوفاء
(4) .
(مسألة 3) : لايجوز للحاكم أن يقضي بالقصاص ما لم يثبت أنّ التلف كان بالجناية ،
فإن اشتبه عنده ولم يقم بيّنة على ذلك ، ولم يثبت بإقرار الجاني ، اقتصر على القصاص
أو الأرش في الجناية لا النفس ، فإذا قطع يد شخص ولم يعلم ـ ولو بالبيّنة أو
الإقرار ـ أنّ القتل حصل بالجناية ، لايجوز القتل (5) .
(4) جواز التصالح ووجوب الوفاء للجاني بعد القبول واضح غير محتاجإلى البيان ، ولا خلاف ولا إشكال فيه ; قضاءً لعمومات العقود والشروط والصلح
بخصوصه .
(5) وجه ما في المسألة من عدم جواز الحكم بالقصاص للحاكم مع الاشتباه ولزوم
الاقتصار على المتيقّن واضح .
نعم في «الرياض» هنا بعد بيان وضوح الوجه قال : «والمراد باليقين ما يعمّ اليقين
الشرعي الحاصل من نحو الإقرار والشهادة ، هذا بالنسبة إلى الحاكم ، وأ مّا بالنسبة
إلى الشهود ووليّ الدم إذا أراد قتل الجاني حيث يجوز له فلابدّ من العلم الواقعي»[1226]
.
ما فيه من الفرق بين علم الحاكم ووليّ الدم وجهه لابيّن في كلامه ولا معلوم بل
خلافه معلوم ، فإنّ الظاهر أو المقطوع عدم الفرق فيهما ، فإنّ البيّنة والإقرار كما
يكونان حجّة للحاكم فكذلك للوليّ لإطلاق أدلّتهما .
(مسألة 4) : يرث القصاص من يرث المال عدا الزوج والزوجة ، فإنّهما لايستحقّان
قصاصاً . ومنهم من قال : لايرث القصاص الإخوة والأخوات من الاُمّ ومن يتقرّب بها .
وقيل : ليس للنساء قود ولا عفو وإن تقرّبن بالأب ، والأوّل أشبه (6) .