خلاصة علم الکلام نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

خلاصة علم الکلام - نسخه متنی

عبد الهادی الفضلی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


228


اني لأراكم
من وراء ظهري».

- باب تسوية
الصفوف عند الاقامة وبعدها : «عن أنس : أن النبي (ص)
قال : أقيموا الصفوف فاني أراكم خلف ظهري».

قال المحشي
: أي كما أرى من بين يدي.

- إقبال
الامام على الناس عند تسوية الصفوف : «عن أنس : قال :
أقيمت الصلاة فأقبل علينا رسول اللّه (ص) بوجهه،
فقال : أقيموا صفوفكم وتراصوا فاني أراكم من وراء
ظهري».

- باب الصاق
المنكب بالمنكب والقدم بالقدم في الصف : «عن أنس عن
النبي (ص) قال : أقيموا صفوفكم فاني أراكم من وراء
ظهري»(1).


مذهب
المعتزلة :


وهو مذهب
النفاة من الحكماء ومن سوى أهل السنة من المسلمين.

ومن
البداية، وقبل عرض الادلة، يقولون : ان الرؤية
بالمعرفة والعلم جائزة.

والرؤية
بالبصر مستحيلة، لبداهة منافاتها لخلوص
الوحدانية، وأصل التوحيد الخالص.


أدلتهم على
نفي الرؤية


وعمدة
دليلهم العقل.

ويتلخص ما
استدلوا به عقلياً بأن قالوا :

إن اللّه
تعالى واجب الوجود.

ووجوب
الوجود يقتضي تجرده تعالى ونفي الجهة والحيّز عنه.
والمشروط
فيمن تراد رؤيته أن يكون في جهة وحيز، وأن يكون غير
مجرد لانها من

_____________________


(1) وانظر : هامش رقم 4 من قواعد العقائد
للغزالي ص 171.

229


اساسيات
وقوع الرؤية عليه.ولما كان اللّه تعالى متجرداً
ومنزهاً عن الجهة والحيّز يستحيل وقوع الرؤية عليه.
وباختصار شديد ومفيد : دليل الوجوب هو دليل نفي
الرؤية. وقالوا أيضاً : ان الذي تقع عليه الرؤية
البصرية هو اللون والشكل من الاجسام المنظورة،
وهما من الأعراض. واللّه منزه عن ذلك. والى المعنى
يشير ما رواه الصدوق عن اسماعيل بن الفضل قال : سألت
أبا عبد اللّه جعفر بن محمد الصادق (ع) عن اللّه
تبارك وتعالى : هل يُرى في المعاد ؟ فقال : سبحان
اللّه وتعالى عن ذلك علواً كبيراً. يا ابن الفضل، إن
الأبصار لا تدرك إلا ما له لون وكيفية، واللّه خالق
الألوان والكيفيات». واستدلوا أيضاً بالآيات
الكريمة : 1 - (لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار وهو
اللطيف الخبير) - الانعام 103 -. وهي عمدة ما استدلوا
به من النقول. قال القاضي المعتزلي : «إدراك البصر
ورؤية البصر في اللغة لا يختلفان. فاذا صح ذلك فيجب
أن نقطع بأنه تعالى لا يرى بالابصار»(1). وذلك لظهور
الآية في ذلك، ولقرينة العقل التي تلزم بعدم صرفها
عن هذا الظهور وحملها على معنى آخر غير هذا الذي هو
ظاهرها.

_____________________


(1) المختصر في اصول الدين 337.

230


وقرره الفاضل المقداد بشكل
آخر، قال : «تمدح تعالى بنفي إدراك الأبصار له فيكون
اثباته له نقصاً»(1).

وذهب الزمخشري الى أن قوله
تعالى : (اللطيف) معناه : أنه تعالى يلطف عن أن تدركه
الابصار لتجرده وبساطته كمال وتمام التجرد
والبساطة، و(الخبير) أنه تعالى خبير بكل لطيف مهما
لطف ودق. فهما قرينة على أنه تعالى يدرك الابصار، لا
تلطف عن إدراكه، وهي لا تدركه للطفه. وهذا من باب
اللف»(2).

وهي التفاتة أدبية خبيرة، ونكتة علمية
لطيفة. وجمع السيد شرف الدين أطراف الاستدلال
بالآية الكريمة على نفي الرؤية بقوله : «ولنا من
الكتاب الحكيم آيات محكمات تؤيد حكم العقل بامتناع
الرؤية : الآية الأولى قوله تعالى : (لا تدركه
الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير).

فان
الادراك متى قرن بالبصر لا يفهم منه إلا الرؤية
بالعين، وكما أنه اذا قرن بآلة السمع فقيل (ادركته
باذني) لا يفهم منه إلا السماع.

وكذلك اذا اضيف الى
كل واحدة من الحواس أفاد ما تلك الحاسة آلة فيه،
فقولهم (ادركته بفمي) معناه : وجدت طعمه، و(ادركته
بأنفي) معناه : وجدترائحته.

وقد دلت هذه الآية على
أنه سبحانه وتعالى قد تعالى على جميع الموجودات
بمجموع هذين الأمرين اللذين اشتملت عليهما الآية
الكريمة لأن من الأشياء : ما يَرى ويُرى كالأحياء من
الناس.

______________________


(1) النافع يوم الحشر 39. (2) الكشاف : تفسير
الآية المذكورة.

231
ومنها
: ما يُرى ولا يَرى كالجمادات والأعراض المرئية.
ومنها : ما لا يَرى ولا يُرى كالاعراض التي لا تُرى.
فاللّه تعالى خالقها جميعها، وتعالى عليها، وتفرد
بان يَرى ولا يُرى، وتمدّح بمجموع الأمرين، كما
تمدّح بقوله : (وهو يُطعِمُ ولا يُطعَم) - الأنعام
14 -

وقوله : (يجير ولا يجار عليه) - المؤمنون29 -.

وحسبنا
من التعليق على هذه الآية ما أخرجه العياشي بسنده
المتصل : أن الفضل بن سهل ذا الرئاستين سأل الامام
أبا الحسن علي بن موسى الرضا (ع) فقال : أخبرني عما
اختلف فيه من الرؤية ؟ !. فقال : من وصف اللّه بخلاف
ما وصف به نفسه فقد أعظم الفرية على اللّه تعالى، لا
تدركه الأبصار وهو اللطيف الخبير. ثم قال : لا تقع
عليه الأوهام، ولا يدرك كيف هو»(1).

2 - (يعلم ما بين
أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علماً) - طه111 -

قال
السيد شرف الدين : «فانها في معناها على حد الآية
الأولى (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار).

وحسبنا
من التعليق عليها ما أخرجه ثقة الاسلام في باب
إبطال الرؤية من كتاب التوحيد من أصول الكافي بسنده
الى صفوان بن يحيى، قال : سألني أبو قرة المحدث أن
أدخله على الامام أبي الحسن الرضا (ع) فاستأذنته في
ذلك فأذن لي فأدخلته عليه، فسأله عن الحلال والحرام
حتى بلغ سؤاله الى التوحيد. فقال ابو قرة : إنّا
روينا أن اللّه قسم الرؤية والكلام بين النبيين،
فقسم الكلام لموسى، ولمحمد الرؤية. فقال الامام (ع) :
فمن المبلغ عن اللّه الى الثقلين من الانس والجن في
أنه لا

________________________


(1) كلمة حول
الرؤية 298 - 300.

232


تدركه
الأبصار ولا يحيطون به علماً وليس كمثله شيء ؟

أليس هو
محمداً (ص) ؟

قال : بلى.

قال : كيف
يجيء رجل الى الخلق جميعاً فيخبرهم أنه جاء من عند
اللّه وأنه يدعوهم الى اللّه بأمر اللّه ويقول لهم
عن اللّه : إنه (لا تدركه الأبصار) و(لا يحيطون به
علماً) ،(وليس كمثله شيء)، ثم يقول لهم : أنا رأيت
اللّه بعيني، وأحطت به علماً، وهو على صورة البشر ؟
!! أما تستحون ؟ !.

ما قدرت
الزنادقة أن ترميه (ص) بهذا أن يكون يأتي من عند
اللّه بشيء ثم يأتي بخلافه !!

قال له أبو
قرة : فانه تعالى يقول : (ولقد رآه نزلة اخرى)..!

فقال
الامام (ع) : إن بعد هذه الآية ما يدل على ما رأى (ص)
حيث قال تعالى : (ما كذب الفؤاد ما رأى)، يقول : ما كذب
فؤاد محمد ما رأت عيناه، ثم أخبر بما رأى فقال : (لقد
رأى من آيات ربه الكبرى) فآيات اللّه غير اللّه
تعالى.

قال : وقد
قال عزّ من قائل : (ولا يحيطون به علماً) فاذا رأته
الأبصار فقد احيط به علماً.

قال أبو
قرة : أفنكذب الروايات ؟!

قال الامام
: اذا كانت الروايات مخالفة للقرآن كذّبتها.

وقد اجمع
المسلمون على أنه لا يحاط به علماً ولا تدركه
الأبصار، وليس كمثله شيء.»

قلت : هذا
هو فصل الخطاب ومفصل الصواب، وإنه للحدّ الفاصل بين
الحق والباطل، لا يرد على سمع ذي لب فيصدر الا عن
إذعان، ذلك فضل اللّه يؤتيه عترة نبيه وأعدال
كتابه، واللّه ذو الفضل العظيم»(1).

____________________


(1) كلمة حول
الرؤية 305 - 307.

233


3 - (وإذ قال
موسى لقومه يا قوم انكم ظلمتم انفسكم باتخاذكم
العجل فتوبوا الى بارئكم فاقتلوا انفسكم ذلكم خير
لكم عند بارئكم فتاب عليكم انه هو التواب الرحيم،
واذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى اللّه جهرة
فأخذتكم الصاعقة وانتم تنظرون) - البقرة: 54،55 - .

قال السيد
شرف الدين: «هاتان آيتان متصلتان - كما اوردناهما -
والحجة على ما نحن فيه من امتناع الرؤية انما هي
الآية الثانية، وإنما أوردنا الأولى لأن لها دخلاً
في بيان الوجه في الاحتجاج بوضوح، وذلك أن أولاهما
نصت على عقوبة متخذي العجل بقتل انفسهم، ونصت
الثانية على عقوبة الطالبين رؤية اللّه جهرة
بالصاعقة تأخذهم وهم ينظرون.

وهذا بمجرد
يوجب القطع بتساوي الجرمين في الكفر لتساويهما في
العقوبة من اللّه تعالى الملك الحق العدل المبين،
وليس شيء أدل من هذا على امتناع الرؤية، ووجوب
الانكار على القائلين بها، بل وجوب كفرهم اذا أصروا
عليها عناداً بعد أن تتم عليهم الحجة بامتناعها كما
تمت على اصحاب الصاعقة من قوم موسى فانه عليه
الصلاة والسلام حين سألوه الرؤية أخبرهم بامتناعها
فألحوا عليه ولجوا في طغيانهم، فعرّفهم أن رؤية
اللّه تستلزم تحيزه وتكيفه، والاشارة اليه، واللّه
تعالى منزه عن ذلك، وأوضح لهم أن من استجاز الرؤية
على اللّه عز وجل فقد جهله وجعله من جملة الأجسام أو
الاعراض، فعتوا وأصروا على طلبها عناداً فكانوا
بذلك كعبدة العجل، فأخذتهم الصاعقة بأمر اللّه كما
أخذ القتل أولئك بأمره تعالى لتساوي الجرمين.

هذا ما
استفدته من الآيتين في توجيه الاستدلال على امتناع
الرؤية»(1).

4 - (ولما
جاء موسى لميقاتنا وكلّمه ربه قال رب أرني أنظر
اليك، قال لن تراني ولكن انظر الى الجبل فان استقر
مكانه فسوف تراني فلما تجلّى ربه للجبل جعله دكاً
وخرّ موسى صعقاً فلما أفاق قال سبحانك تبت اليك
وأنا اول المؤمنين) - الاعراف 143 - .

يقول السيد
شرف الدين: «وحسبنا من التعليق على هذه الآية
الكريمة ما أخرجه

____________________________


(1) م . ن 308 .

234


الشيخ
الصدوق ابو جعفر محمد بن علي بن الحسن بن بابويه
القمي في باب ما جاء في الرؤية من كتاب التوحيد
بسنده إلى علي بن محمد بن الجهم، قال:

حضرت مجلس
المأمون وعنده الرضا علي بن موسى (ع) فقال له
المأمون: يا ابن رسول اللّه أليس من قولك إن
الانبياء معصومون؟

قال بلى.

فسأله عن
آيات من القرآن.

فكان مما
سأله أن قال له: فما معنى قول اللّه عز وجل (ولما جاء
موسى لميقاتنا وكلّمه ربه قال رب أرني أنظر اليك
قال لن تراني) الآية.

قال: فكيف
يجوز أن يكون كليم اللّه موسى بن عمران لا يعلم أن
اللّه تعالى ذكره لا يجوز عليه الرؤية حتى يسأل هذا
السؤال؟

فقال الرضا
(ع): إن كليم اللّه موسى بن عمران (ع) علم أن اللّه
تعالى عزّ أن يُرى بالابصار، ولكنه لما كلّمه اللّه
عز وجل وقرّبه نجياً رجع الى قومه فأخبرهم أن اللّه
عز وجل كلّمه وقرّبه وناجاه، فقالوا: لن نؤمن لك حتى
نسمع كلامه كما سمعت، فاختار منهم سبعين رجلاً
لميقات ربه.

فخرج بهم
الى طور سيناء وسأل اللّه تبارك وتعالى أن يكلّمه
ليسمعهم كلامه، فكلّمه اللّه تعالى ذكره وسمعوا
كلامه من الجهات الست لأن اللّه عز وجل أحدثه في
الشجرة ثم جعله منبعثاً منها يسمعونه من جميع
الوجوه.

فقالوا: لن
نؤمن لك أن هذا الذي سمعناه هو كلام اللّه تعالى حتى
نرى اللّه جهرة.

فلما قالوا
هذا القول العظيم، واستكبروا، وعتوا، بعث اللّه عز
وجل عليهم صاعقة تأخذهم بظلمهم فماتوا.

فدعا موسى
ربه: يا رب ما أقول لبني اسرائيل اذا رجعتُ اليهم
وقالوا: إنك ذهبت بهم فقتلتهم لأنك لم تكن صادقاً
فيما ادعيت من مناجاة اللّه إيّاك؟!.

235


فأحياهم
اللّه تعالى وبعثهم معه، فقالوا: إنك لو سألتَ
اللّه أن يُريك أن تنظر اليه لأجابك وكنت تخبرنا
كيف هو ؟ فتعرفه حق معرفته.

قال موسى:
يا قوم إن اللّه لا يُرى بالابصار ولا كيفية له،
وانما يُعرف بآياته ويعلم بأعلامه.

فقالوا: لن
نؤمن لك حتى تسأله.

فقال موسى:
يا رب انك قد سمعت مقالة بني إسرائيل وانت أعلم
بصلاحهم.

فأوحى
اللّه جل جلاله اليه: يا موسى إسألني ما سألوك فلن
أؤاخذك بجهلهم.

فعند ذلك
قال موسى: رب أرني نظر اليك.

قال لن
تراني، ولكن انظر الى الجبل فان استقر مكانه - وهو
يهوي - فسوف تراني.

فلما تجلّى
ربه للجبل بآية من آياته جعله دكاً وخرّ موسى
صعقاً، فلما أفاق، قال: سبحانك تبت اليك، يقول: رجعت
الى معرفتي بك عن جهل قومي، وأنا أول المؤمنين منهم
بأنك لا تُرى.

فقال
المأمون، للّه درك يا أبا الحسن»(1).


من احاديث
أهل البيت:


احتج بها
اصحابنا الامامية خاصة، لتمسكهم بأهل البيت (ع)
أخذاً بقول رسول اللّه (ص): «اني تركت فيكم ما إن
تمسكتم به لن تضلوا بعدي:

كتاب اللّه
حبل ممدود من السماء الى الأرض، وعترتي أهل بيتي،
ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، فانظروا كيف
تخلفوني فيهما».

وقد عرف عن
أهل البيت أنهم قاوموا فكرة التجسيم وشبهاتها،
مقاومة شديدة لا

________________________


(1) كلمة حول
الرؤية 311 - 313 والتوحيد 121 - 122 .

236


هوادة فيها
ولا مهادنة.

ويكفينا أن
أنقل منها هنا بعض ما روي عن امير المؤمنين (ع) في
نهج البلاغة:

1 - إلا أنّا
نعلم أنك حي قيوم، لا تأخذك سنة ولا نوم، لم ينته
اليك نظر، ولم يدركك بصر، أدركت الأبصار، وأحصيت
الأعمار، وأخذت بالنواصي والأقدام(1).

2 - لا تدركه
العيون بمشاهدة العيان(2).

3 - الحمد
للّه الكائن قبل أن يكون كرسي أو عرش أو سماء أو أرض
أو جان أو إنس، لا يدرك بوهم، ولا يقدّر بفهم، ولا
يشغله سائل، ولا ينقصه نائل، ولا ينظر بعين(3).

4 - الحمد
للّه الذي لا تدركه الشواهد ولا تحويه المشاهد ولا
تراه النواظر(4).

5 - لا يشمل
بجدٍّ، ولا يحسب بعدٍّ، وانما تحدُّ الادواتُ
أنفسها، وتشير الى نظائرها، منعتْها (منذ) القدمية،
وحملْتها (قد ) الأزلية، وجنّبتْها (لولا) التكملة،
بها تجلى صانعها للعقول، وبها امتنع عن نظر
العيون(5).

6 - لا تناله
الأوهام فتقدره، ولا تتوهمه الفطن فتصوره، ولا
تدركه الحواس فتحسه(6).


حقيقة
الرؤية وكيفيتها عندهم:


الرؤية
عندهم هي الرؤية الطبيعية المعروفة، وكيفيتها هي
الكيفية الطبيعية المعروفة أيضاً.

________________________


(1) نهج
البلاغة ط الشعب 182 .

(2) 207 .

(3) 211 .

(4) 216 .

(5) 220 .

(6) 220 .

237


وتتحقق عن
طريق (العين) التي هي عضو البصر وحاسته. «ويتم
الابصار بها عندما يدخل الضوء العين من طريق
البؤبؤ، فتركزه العدسة في بؤرة بحيث تتشكل صورة تقع
على الشبكية، فينقلها العصب البصري مقلوبة رأساً
على عقب الى الدماغ حيث تُعكس بطريقة لا يزال
العلماء عاجزين عن فهمها»(1).

ومدركات
القوة الباصرة هي الأضواء والألوان والاشكال.
وذكرت لتحقق الرؤية والابصار شروط هي:

1 -
المقابلة بين الرائي والمرئي.

2 - المسافة
الكافية بينهما قرباً وبعداً.

3 - ان يكون
حجم المرئي بالقدر الذي يمكن أن يقع عليه الابصار،
بمعنى أن لا يبلغ غاية الصغر واللطف أو أن يكون
مجرداً.

4 - أن يكون
الجسم المرئي كثيفاً.

5 - أن يكون
الجسم المرئي مضيئاً أو مضاءاً.


المناقشات:


ناقش كل من
الطرفين المثبت والنافي طرفه الآخر، ولأن في جزء
منها شيئاً من الموضوعية والاصطباغ بالطابع
العلمي، رأيت أن اذكر بعضها.

والمناقشات
هذه وامثالها تأتي في الغالب تطبيقاً للمنهج
المتبع لدى كل فريق من فريقي النقاش.

وربما جاءت
هجوماً أو دفاعاً لا لإثبات المدّعي أو نفيه، وانما
جدلاً لاجل الجدل، واثارة التشكيك في مسلمات
ونتائج الطرف المقابل.

وأهم ما
دار فيه وحوله النقاش في مسألتنا هذه، هو ماهية
الرؤية وكيفيتها، ودلالة كل من الآيتين الكريمتين
(لا تدركه الأبصار) التي كانت عمدة أدلة النفاة، و

______________________


(1) موسوعة
المورد: مادة Vison

238


(الى ربها
ناظرة) التي هي عمدة أدلة المثبتين.

واليك
طرفاً منها:

1 - ناقش ابو
الحسن الأشعري حمل النافين آية (لاتدركه الأبصار)
على أن (لا تدركه) مطلقة بمعنى أن الأبصار لا تدركه
في الدنيا وفي الآخرة، وعلى أن كلمة ((الأبصار) فيها
عامة لأنها جمع محلى بأل، فتشمل أبصار جميع
مخلوقاته من غير استثاء.

فقال: «فان
قال قائل: فما معنى قوله (لا تدركه الأبصار)؟.

قيل له:
يحتمل أن يكون: لاتدركه في الدنيا، وتدركه في
الآخرة، لأن رؤية اللّه تعالى أفضل اللذات، وأفضل
اللذات يكون في أفضل الدارين.

ويحتمل أن
يكون اللّه عز وجل أراد بقوله (لا تدركه الابصار)
يعني لا تدركه أبصار الكافرين المكذبين، وذلك أن
كتاب اللّه يصدق بعضه بعضاً، فلما قال في آية (وجوه
يومئذ ناضرة الى ربها ناظرة)، وقال في آية اخرى (لا
تدركه الأبصار) علمنا أنه إنما أراد أبصار الكفار
لا تدركه»(1).

والذي يمكن
أن يلاحظ عليه هو:

ان ظهور (لا
تدركه) في الاطلاق واضح.

وكذلك ظهور
كلمة (الأبصار) في العموم.

ولكن
الأشعري طرح الاحتمالين اللذين ذكرهما ليثر غبار
الشك أمام الاستدلال بالآية على نفي الرؤية من باب
اذا تطرق الاحتمال بطل الاستدلال.

والذي حدا
به الى ذلك هو قرينة النقل (الأحاديث الظاهرة في
الدلالة على وقوع الرؤية يوم القيامة).

ولأنه فسر
آية (الى ربها ناظرة) في هدي تلك الأحاديث بالرؤية.
فأراد أن يرفع

_____________________


(1) الابانة
15 .

239


التعارض
بين الآية الأولى النافية والآية الثانية المثبتة
فكان منه أن طرح هذين الاحتمالين.

والشيء
الطبيعي والذي ينبغي أن يتبع منهجياً في المناقشة:
هو أن يناقش من يريد مناقشة دلالة الآية على نفي
الرؤية في:

1 - ظهور
(تدركه) في الاطلاق، وظهور (الأبصار) في العموم،
بابطال الدليل العقلي المؤيد لهما والمؤكد عليهما.

2 - لا يرفع
اليد عن الاطلاق والعموم بالاحتمال، لأنه ما من
ظهور الا وفي مقابله احتمال، والا كان نصاً لا
ظاهراً، وانما تُرفع اليد عن الظهور بظهور أقوى
منه، أي أظهر منه.

وكلا
الأمرين لم يكونا منه (اعني الأشعري).

3 - وناقش
القاضي المعتزلي الاستدلال بآية (الى ربها ناظرة)
على إثبات الرؤية بقوله: «فان قال: فقد قال اللّه
تعالى: (وجوه يومئذ ناضرة الى ربها ناظرة) ففي هذا
اثبات الرؤية.

قيل له: لم
يقل ناظرة بالبصر.

وقد يكون
الناظر ناظراً على وجوه:

بان يكون
مفكراً.

ومنتظراً
للرحمة.

وطالباً
للرؤية.

فهو محتمل
اذاً، ولا يترك به ما لا يحتمل.

وتأويله:
منتظرة لرحمة ربها، وناظرة الى ثوابه ونعيمه في
الجنة، على ما روي عن

240


امير
المؤمنين (ع) وابن عباس وغيرهما من الصحابة
والتابعين«(1).

والملاحظ
عليه:

1 - ان يناقش
ما استدلو ا به على تقييد النظر بالبصر، لا أنه يقول
هي مطلقة من غير أن يثبت اطلاقها بابطال تقييدها
الذي ادعوه.

2 - ان يناقش
القرينة النقلية (الاحاديث الدالة على الرؤية)
ويثبت عدم نهوضها بالقرينية، إما لانها أخبار آحاد
لاتصلح لاثبات اصول الدين وما يرتبط بها من شؤون،
وإما لضعفها، أو لغير ذلك.

3 - كان عليه
عندما حملها على معنى الانتظار أن يثبت استعمال
الكلمة في الانتظار بعامة ثم يقيم القرينة على
استعمالها فيه هنا بخاصة.

4 - ثم ان
تقدير مضاف وهو (ثواب) أو (رحمة) او (نعيم) خلاف
الأصل، فلا يصار اليه الا بدليل، وهو لم يأت
بالدليل.

والسبب أنه
- هو الآخر - يناقش وفق منهجه الخاص.

ولأن العقل
عنده ينفي الرؤية لاستلزامها الجسمية أو الجهتية،
واللّه تعالى منزه عنهما، فهو الدليل على تقدير
المضاف الا أنه أضمره في قلبه.

فلو أنه
ذكر الدليل وسلّمه له الخصم أو ذكره على أنه مسلم به
من قبل الجميع لبداهته لكان التأويل بتقدير مضاف
مقبولاً.

5 - استدل
بأخبار الآحاد خلافاً لمنهجه، ولعله ليعارض بها
أخبار الآحاد التي استدل بها خصمه ليقدمها عليها
كمؤيدة.

أو ليرفع
اليد عنها جميعاً لعدم وجود المرجح، أو لغير ذلك.
ولكنه لم يصرح بالسبب.

الموازنة:

______________________


(1) المختصر
في أصول الدين 337 .

241


وكما لحظ
أن السبب الجوهري في الاختلاف هو الاختلاف في
المنهج المتبع في البحث.

اذاً لا بد
من تسليط الضوء على المنهج، وهو يقتضينا دراسة ثلاث
نقاط هامة، اثنتان منها عامتان وهما:

1 - حجية
العقل في اثبات اصول الدين.

2 - حجية خبر
الواحد في اثبات اصول الدين.

والثالثة
خاصة، وهي:

3 - تحديد
مفهوم الرؤية في المسألة.

أما
النقطتان الأوليان:

فالسلفية
وأهل الحديث، هم اكثر اهل السنة تشدداً في رفض
العقل امام خبر الواحد المتلقى بالقبول، فقد روي عن
الامام ابن حنبل أنه قال: « لا نتعدى القرآن
والحديث»(1).

وقال ابن
قاضي الجبل - شيخ الحنابلة في عصره - : «مذهب
الحنابلة أن أخبار الآحاد المتلقاة بالقبول تصلح
لاثبات الديانات»(2).

وادعى ابن
عبد البر المالكي الاجماع على جواز العمل بأخبار
الآحاد في اصول الدين.

وذلك لأن
الخبر الواحد الذي تتلقاه الامة بالقبول تصديقاً
له، وعملاً به يفيد العلم عندهم.

والمسألة
ليست بما اجمعوا عليه، ففي إفادة خبر الواحد العلم
أو الظن، وكيفية افادته ذلك، لعلماء السنة عموماً
فيه خلاف، تعرضت له كتب أصول الفقه.

وفي جواز
العمل به في اصول العقيدة خلاف آخر، حتى عند
الحنابلة، فقد ذهب

_________________________


(1) شرح
الكوكب المنير 2/ 352.

(2) م . ن .

242


ابو الخطاب
وابن عقيل الحنبليان وغيرهما الى عدم جواز العمل به
في اصول الدين(1).

ومن هذا
العرض المقتضب لحجية خبر الواحد في اصول الاعتقاد
ننتهي الى نتيجة، هي من ادلتنا في اثبات حجية العقل
في اصول الدين، وهي:

لان حجية
خبر الواحد في اصول الدين انما اعتبرت لافادته
العلم - بسبب تلقي الامة له بالقبول، أو لسبب آخر -
وليست لانه حديث أو سنة فقط.

فاذاً،
المناط في الدليل الذي يعتمد عليه ويرجع اليه في
اثبات العقيدة هو أن يفيد العلم (اليقين).

ولأن دليل
العقل - هو الآخر - يفيد العلم يكون أيضاً مما يرجع
اليه ويعتمد عليه في اثبات قضايا العقيدة.

ثم ان
الامام احمد (رض) اعتمد العقل دليلاً في اثبات حجية
خبر الواحد، فقد جاء في (مختصر المنتهى) لابن الحاجب
في مسألة جواز التعبد بخبر الواحد ما نصه: «وقال
احمد والقفال وابن سريج وابو الحسين البصري بدليل
العقل».

يعني أن
جواز التعبد بخبر الواحد دليله العقل.

وهذا دليل
آخر على حجية العقل، وله أهميته لانه يثبت حجية أصل
الخبر، فلو لم ينهض دليل العقل باثبات حجيته على
رأي الامام احمد لم يفدنا تلقي الامة له بشيء لانه
تلقٍّ لما ليس بحجة.

واذا لم
يكن العقل الذي هو دليل حجية خبر الواحد حجة لا يكون
خبر الواحد حجة من طريق أولى.

ان القرآن
الكريم استخدم دليل العقل في اثبات أصول الدين في
مثل : - قوله تعالى: (لو كان فيهما آلهة الا اللّه
لفسدتا) - الانبياء 22 - .

243


- قوله
تعالى: (ما اتخذ اللّه من ولد وما كان معه من إله
اذاً لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض) -
المؤمنون 91 - .

- قوله
تعالى: ( أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون) - الطور
35 - .

ومعنى هذا
انه معترف به من اللّه تعالى، والأخذ به أخذ
بالقرآن.

ولا أطيل
هنا باستعراض وذكر الآيات القرآنية الكريمة التي
تدعو الى التفكر في ملكوت اللّه وخلقه، واستخدام
قوى العقل وقواعده للوصول الى معرفته تعالى التي هي
أصل الدين الاصيل وأساسه الركين المتين.

وعليه لا
مناقشة من الطرف الآخر في الاعتماد على العقل
والرجوع اليه.

ولكن - وبعد
هذا العرض غير الموجز الى حدٍّ ما - ليست هذه
المسألة هي الجوهر في موضوع الخلاف.

وإنما
القطب المركزي الذي تدور حوله رحى الخلاف على مدى
هذه الاجيال المتعاقبة، هو:

لو تعارض
ما يدركه العقل مع ما يظهر من خبر الواحد المفيد
للعلم ماذا نعمل ؟

الذي أراه
أن العمل : هو الجمع بينهما.

وذلك لأن
خبر الواحد المفيد للعلم، مفيد للعلم بصدوره لا
بدلالته، فهو قطعي الصدور ظني الدلالة.

ودليل
العقل المثبت لوحدانية الذات الالهية - الوحدانية
المستلزمة لنفي الرؤية للزومها التجسيم قطعي
الدلالة.

وعليه يصبح
التعارض في الحقيقة بين دلالة العقل اليقينية
ودلالة الخبر الظنية.

ولأن الظن
لا يعارض اليقين نرفع اليد عن ظهور الخبر بتأويله
بما يتمشى وأصل التوحيد، فنجمع بين الأخذ به والأخذ
بالعقل.

وكذلك في
تفسير الآيتين المتعارضتين ظاهراً كآية البصر
الدالة على نفي الرؤية

244


بظاهرها
وآية النظر المثبتة للرؤية بظاهرها، نرفع اليد عن
ظهور الآية التي ينافي ظاهرها أصل التوحيد لانها
ظنية الدلالة، ونتمسك بظهور الآية التي تلتقي مع
أصل التوحيد لانها بقرينة الدليل العقلي هي قطعية
الدلالة.

هذه خلاصة
ما أريد أن أقوله في وصول المنهج.

وفي ضوئه :

إن الذي
قام به النافون للرؤية من حمل آية البصر على ظاهرها
وباطلاقها وعمومها، وتأويل آية النظر، سليم
منهجياً.

أما رفضهم
أخبار الآحاد فلأنها لا تصلح لاثبات العقيدة،
لأنها - في رأيهم - ظنية السند والدلالة فلا تفيد الا
الظن، والمطلوب في العقيدة أن تصل الدلالة فيها الى
مستوى اليقين.

كذلك هي لا
تقوى على معارضة دليل التوحيد العقلي لانه يقيني
الدلالة، وهي ظنية الدلالة.

أما الذي
قام به المثبتون، وخاصة الأشاعرة من محاولة إثبات
الرؤية مع المحافظة على نقاء فكرة التوحيد من أن
تشاب بما يخالفها من الجسمية وأمثالها أمر ذو
أهمية، وله تقديره

لكن يلاحظ
عليه :

1 - انهم
خرجوا عن الموضوع المتنازع فيه.

ذلك أن
المتنازع فيه هو رؤية اللّه تعالى بالعين الباصرة
وبالوضعية الطبيعية للرؤية، مع مراعاة الاعتقاد
ببساطة وتجرد الذات الالهية.

وهم قالوا :
بالرؤية الادراكية.

وعن طريق
حاسة سادسة أو خاصة.

فالمؤمن
يرى اللّه تعالى رؤية ادراك وعلم لا رؤية مشاهدة
وعيان.

245


2 - ان ما
مثّلوا به من أن رؤيته تعالى كرؤية القمر ليلة
البدر يناقض الرؤية الادراكية لأن رؤية القمر رؤية
مشاهدة وعيان، كما استفاد الامام الاشعري هذا من
حديث رؤية القمر، فقرر - كما تقدم - بأن التمثيل
برؤية العيان لم يكن معناها الا الرؤية بالعيان.

ومعنى هذا
أن المؤمن يرى اللّه بالعين الباصرة، وهي تختلف عن
الرؤية العلمية أو الادراكية لأن الادراكية رؤية
قلبية.

3 - وكما
قلتُ آنفاً انه لا بد من تحديد مفهوم للرؤية متفق
عليه حتى يصح البحث فيها نفياً واثباتاً.

أما مع
الاختلاف في مفهوم الرؤية فلا معنى للبحث بغية نفي
الرؤية أو اثباتها، لأنه والحالة هذه، لا تعارض بين
دلالتي الآيتين.

لأن واقع
الأمر عند الطرفين لا يخلو :

إن كانت
الرؤية بصرية فمستحيلة لما يلزمها من الجسمية.

وان كانت
قلبية أو ادراكية أو علمية - ما شئتَ فسمِّ - فجائزة.

واذا كانت
في الآيتين بصرية فهي محال عند الطرفين.

واذا كانت
فيهما قلبية فهي جائزة عندهما.

اذاً ما
الذي دعا الاشاعرة الى هذا التشدد في الموقف ؟ ؟

الذي يظهر
لي - وبخاصة مع اصرارهم على المحافظة على الاعتقاد
ببساطة الذات الالهية وتجردها - أن الذي دعاهم الى
هذا هو : ان أحاديث الرؤية مروية في الصحاح.

وان رفضها
وكذلك تأويلها يفتح باب الشك في صحة وسلامة
الاحاديث السنية.

وهم لا
يريدون هذا.

فتشددوا
ليقوم تشددهم دريئة لئلا تقتحم حصون الصحاح.

قد يقال :

246


يمكن
التأويل، وهو عند الاشاعرة جائز، فلماذا لم
يتأولوا ؟ !

والجواب :

انهم لم
يتأولوا لأن في الاحاديث المروية في الصحاح ما هو
نص في أن الرؤية تكون عياناً، كما في حديث البخاري
(كتاب التوحيد - باب قوله تعالى : (وجوه يومئذ ناضرة
الى ربها ناظرة) : عن جرير بن عبد اللّه : قال : قال
النبي (ص) : (انكم سترون ربكم جل ثناؤه عياناً).

فالموقف -
هنا - يتطلب رفض الحديث واسقاطه من الاعتبار
لمنافاته للقرآن الكريم الذي يقول : (لا تدركه
الابصار).

وفي رفضه -
كما قلت - فتح باب الشك في مرويات البخاري وهو أصح
الصحاح عندهم.

والحسم في
أمثال هذا الموقف - فيما أرى - يحتاج الى عالم جريء
لا تأخذه في الحق لومة لائم، يقول بقولة الامام علي
بن موسى الرضا في جوابه لأبي قرة - المتقدم - : «اذا
كانت الروايات مخالفة للقرآن كذّبتها».

وهذا ما
انتهجه الامامية (وبخاصة الاصولية منهم) في رفض غير
قليل مما رواه المحمدون الثلاثة في جوامعهم
الحديثية (الكافي ومن لا يحضره الفقه والتهذيب
والاستبصار).

وبهذه
الجرأة والاقدام الغيور للّه ولرسوله تطرح أمثال
هذه الاسرائيليات المدوّنة في الصحاح التي سرّبت
فكرة التجسيم اليهودي الى فكرنا العقائدي فلوثته
بما يتنافى ونقاء العقيدة الاسلامية الحقة.

مضافاً
اليه :

ان عدالة
الراوي لا تثبت اكثر من صحة صدور الحديث ظنياً.

اما
استقامة معنى الحديث، فالراوي غالباً لا يلتفت
اليها، وبخاصة اذا كان ممن أغرق في الاخبارية،
وأعطى الحديث مستوى يفوق القرآن، فبعد عن الالتفات
بان

247


الحديث ليس
سماعاً ورواية فقط، وإنما هو رواية ووعاية.

وما أروع
ما جاء عن أمير المؤمنين (ع) يذكر أهل البيت (ع) :
«عقلوا الدين عقل وعاية ورعاية، لا عقل سماع
ورواية، فان رواة العلم كثير ورعاته قليل».

وكما أسلفت
: ان رد الفعل عند اهل السنة ضد المعتزلة كان قوياً
فمال الى شيء من التطرف في الموقف.

4 - ان ما
استدل به لاثبات الرؤية الادراكية من احاديث
البخاري القائلة بان رسول اللّه (ص) كان يرى من خلفه
كما يرى من أمامه - على تقدير صحتها - لا تفيد في
اثبات الرؤية الادراكية يوم القيامة، لأنه قد تكون
هذه الرؤية خاصة به (ص) لنبوته أو لسبب آخر، كما هو
بيّن من تخصيصها به في الحديث، وتخصيص ورود
الاحاديث به وحده (ص).

5 - ان
الدليل الاول من أدلة الاشعري العقلية يقوم على
اساس مقايسة وجود اللّه تعالى بموجوداته سبحانه.

وهو قياس
مع الفارق لأن وجوده تعالى وجود صرف بسيط مجرد،
ووجود مخلوقاته ليس كذلك.

مضافاً
اليه :

انه ليس كل
موجود جائز أن يريناه اللّه تعالى لأن من الموجودات
ما لم تتوفر فيه شروط الرؤية كالمجرات والموجودات
غير الكثيفة.

وليس هذا
من باب العجز في الفاعل، وانما هو من باب النقص في
القابل.

ففي الدليل
شيء من المغالطة.

6 - وينسق
عليه دليله الثاني في قيامه على المغالطة، لأن رؤية
الباري لنفسه ليست رؤية بصرية، والمتنازع فيه هو
الرؤية البصرية.

ذلك ان
رؤية اللّه تعالى لنفسه - ان صح التعبير - هي علمه
بذاته، وهو علم حضوري.

248


والاشعري
لا يقول بان رؤية المؤمن لربه من نوع العلم
الحضوري، ومع هذا - لو سلمنا - هي رؤية غير بصرية،
فهي غير المتنازع فيه.


الخلاصة :


إن ما
انتهت اليه الادلة العقلية المفيدة لليقين في
مداليلها، من إثبات الوحدانية المطلقة للّه تعالى،
يأتي قرينة على أن المراد بالآية الكريمة (لا تدركه
الابصار) ما تدل عليه بظاهرها وهو نفي الرؤية
البصرية مطلقاً في الدنيا والآخرة وعاماً لجميع
مخلوقاته المبصرة.

وفي ضوئه
تفسر الآية الكريمة (الى ربها ناظرة) بما لا يتعارض
والآية السابقة، كما تأولها النافون، فقالوا : إن
المراد بها واحد مما يأتي :

1 - النظر
البصري :

ولكن على
تقدير حذف مضاف، مثل : (الى ثواب ربها).

ويبرره وان
كان خلاف الأصل - إذ الأصل عدم التقدير - هو
المفروغية من نفي الرؤية البصرية لمنافاتها لعقيدة
الوحدانية.

2 - النظر
القلبي :

ذهب اليه
السيد الطباطبائي، قال في تفسير الآية(1) : «والمراد
بالنظر اليه تعالى ليس هو النظر الحسي المتعلق
بالعين الجسمانية المادية التي قامت البراهين
القاطعة على استحالته في حقه تعالى.

بل المراد
النظر القلبي ورؤية القلب بحقيقة الايمان على ما
يسوق اليه البرهان، ويدل عليه الاخبار المأثورة عن
اهل العصمة (ع)، وقد اوردنا شطراً منها في ذيل تفسير
قوله تعالى (رب ارني انظر اليك) - الاعراف 143 - وقوله
تعالى (ما كذب الفؤاد ما رأى) - النجم 11.

___________________


(1) الميزان
19 / 112.

249


فهؤلاء
قلوبهم متوجهة الى ربهم لا يشغلهم عنه سبحانه شاغل
من الاسباب لتقطّع الاسباب يومئذ، ولا يقفون
موقفاً من مواقف اليوم، ولا يقطعون مرحلة من مراحله
إلا والرحمة الالهية شاملة لهم (وهم من فزع يومئذ
آمنون) - النمل 89 - ولا يشهدون مشهداً من مشاهد الجنة
ولا يتنعمون بشيء من نعيمها الا وهم يشاهدون ربهم
به لانهم لا ينظرون الى شيء ولا يرون شيئاً الا من
حيث إنه آية اللّه سبحانه، والنظر الى الآية من حيث
إنها آية ورؤيتها، نظر الى ذي الآية ورؤية له».

وما ذكره
الطباطبائي اسلوب عربي فصيح، ومنه قول الشاعر :

ويوم بذي
قار كأن وجوههم*** الى الموت من وقع السيوف نواظرُ

فان الموت
لا يرى ولا ينظر اليه.

والذي عناه
الشاعر بالنظر الى الموت النظر الى الضرب والطعن
وفلق الهام وكر الابطال واقدامها، وكل ذلك من اسباب
الموت(1).

3 -
الانتظار :

وهو أحد
المعاني الحقيقية لكلمة (نظر) التي استعملت فيها
الكلمة قرآنياً.

قال في
(لسان العرب) : «والنظر : الانتظار، يقال : نظرت
فلاناً وانتظرته، بمعنى واحد ...

ومنه قول
عمرو بن كلثوم :

أبا هند
فلا تعجل علينا*** وأنظرنا نخبّرْكَ اليقينا(2)

ومن موارد
استعمال الكلمة بمعنى (الانتظار) في القرآن الكريم
ما يأتي :

- (الا أن
يؤذن لكم الى طعام غير ناظرين إناه) - الاحزاب 53 - أي
غير منتظرين إناه.

- (يوم يقول
المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس
من نوركم)

________________________


(1) انظر :
ضوء الساري 46 - 47.

(2) مادة :
نظر.

250


- الحديد 13 -
أي انتظرونا.

- (فهل
ينظرون الا سنة الاولين) - فاطر 43 - أي ينتظرون.

- (ما
ينظرون الا صيحة واحدة) - يس 49 - أي ما ينتظرون.

-(واني
مرسلة اليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون) - النمل
35 - أي منتظرة.

وأشكل على
تفسير كلمة (ناظرة) في الآية ب(منتظرة) بأن الفعل
(نظر) اذا كان بمعنى البصر تعدّى بالحرف (الى)، واذا
كان بمعنى الانتظار تعدّى بنفسه كما في الآيات
المذكورة هنا ما عدا الآية الأخيرة فانه تعدّى فيها
بالباء.

وأجيب :

1 - بان
(ناظرة) اسم فاعل.

واسم
الفاعل في عمله فرع على الفعل، والفرعية في العمل
تسبب ضعف العامل، فيفتقر الى ما يقوّيه.

والمعمول
هنا مقدم، والتقديم سبب آخر لضعف العامل.

ومن هنا
عُدّي ب(الى).

2 - بان
تعديته ب(الى) مستعملة في كلام العرب، كما في قول
جميل بن معمر :

واذا
نظرتُ اليك من ملكٍ*** والبحر دونك زدتني نعما

أي : واذا
انتظرتك.

وقول حسان
بن ثابت :

وجوه يوم
بدر ناظراتُ*** الى الرحمن يأتي بالفلاحِ

أي :
منتظرات.

وقول الآخر
:

251


وجوه بها
ليل الحجاز على النوى*** الى ملك ركن المغارب ناظرهْ

أي :
منتظرة.

ومثله :

وشعث
ينظرون الى بلالٍ*** كما نظر الظماء حيا الغمامِ

أي : كما
انتظر الظماء.

وكذلك :

كل
الخلائق ينظرون سجاله*** نظر الحجيج الى طلوع الهلال

أي : انتظار
الحجيج طلوع الهلال.

ومنه :

قول عمر بن
الخطاب لحذيفة بن اليمان (رضي اللّه عنهما) : «من ترى
قومُكَ يؤمرون ؟

قال : قد
نظر الناس الى عثمان بن عفان وشَهَرَوَه لها».

أي : انتظر
الناس.

فيحمل عليه
الاستعمال القرآني في الآية المذكورة.

3 - بأن
القرآن عدّى اسم الفاعل (ناظرة) بالباء في قوله
تعالى (فناظرة بم يرجع المرسلون).

ومعنى هذا
أن الكلمة تتعدّى بنفسها وبالحرف.

وهناك
أجوبة اخرى لا فائدة في الاطالة بذكرها.

الا أن
الذي ينبغي منهجياً أن نلتمس استعمالات الرؤية في
القرآن الكريم، لان (ناظرة) - هنا - كما هو بيّن من
سياقها تفيد معنى الرؤية لا الانتظار.

وذلك
لقرينة (النضرة) التي تدل على البشر والاستبشار بما
هي فيه مما سينعم به

252


اللّه
تعالى عليها جزاء طاعتها له في الدنيا.

ولقرينة
(ووجوه يومئذ باسرة) بمعنى مقطّبة ومعبّسة لانها
تعتقد بانها ستلاقي جزاء عصيانها داهية تكسر الفقر
وتفصم الظهر.

وقد أفاد
في تتبع معنى الرؤية في القرآن الكريم السيد
الطباطبائي عند تفسيره قوله تعالى (رب أرني انظر
اليك).

وانتهى في
بحثه الى نفي الرؤية البصرية في الدنيا والآخرة،
وهو ما دلت عليه آية (لا تدركه الابصار)، واثبات
الرؤية القلبية التي تتحقق للمؤمن وفي الآخرة فقط.

قال : «قوله
تعالى : (ولما جاء موسى لميقاتنا وكلّمه ربه قال رب
أرني أنظر اليك قال : لن تراني ولكن انظر الى الجبل
فان استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلّى ربه للجبل
جعله دكاً وخرّ موسى صعقاً فلما أفاق قال سبحانك
تبت اليك وأنا اول المؤمنين) - الاعراف 143 - والذي
يعطيه التدبر فيها أن حديث الرؤية والنظر الذي وقع
في الآية اذا عرضناه على الفهم العامي المتعارف
حَمَلَهُ على رؤية العين ونظر الأبصار.

ولا نشك
ولن نشك أن الرؤية والابصار يحتاج الى عمل طبيعي في
جهاز الابصار يهيّئ للبصار صورة مماثلة لصورة
الجسم المبصر في شكله ولونه.

وبالجملة :
هذا الذي نسميه الابصار الطبيعي يحتاج الى مادة
جسمية في المبصر والباصر جميعاً، وهذا لا شك فيه.

والتعليم
القرآني يعطي إعطاء ضرورياً أن اللّه تعالى لا
يماثله شيء بوجه من الوجوه البتة، فليس بجسم ولا
جسماني، ولا يحيط به مكان ولا زمان، ولا تحويه جهة،
ولا توجد صورة مماثلة أو مشابهة له بوجه من الوجوه
في خارج ولا ذهن البتة.

وما هذا
شأنه لا يتعلق به الابصار بالمعنى الذي نجده من
أنفسنا البتة، ولا تنطبق عليه صورة ذهنية لا في
الدنيا ولا في الآخرة ضرورة، ولا أن موسى ذاك النبي
العظيم أحد الخمسة أولي العزم وسادة الانبياء (ع)
ممن يليق بمقامه الرفيع وموقعه الخطير أن يجهل ذلك،
ولا أن يمني نفسه بان اللّه سبحانه ان يقوي بصر
الانسان على أن يراه

253


ويشاهده
سبحانه منزهاً عن وصحة الحركة والزمان، والجهة
والمكان، وألواث المادة الجسمية وأعراضها، فانه
قول أشبه بغير الجد منه بالجد، فما محصل القول : ان
من الجائز في قدرة اللّه أن يقوي سبباً مادياً أن
يعلق عمله الطبيعي المادي - مع حفظ حقيقة السبب
وهوية أثره - بأمر هو خارج عن المادة وآثارها متعال
عن القدر والنهاية ؟ فهذا الابصار الذي عندنا - وهو
خاصة مادية - من المستحيل أن يتعلق بما لا أثر عنده
من المادة الجسمية وخواصها، فان كان موسى يسأل
الرؤية فانما سأل غير هذه الرؤية البصرية،
وبالملازمة ما ينفيه اللّه سبحانه في جوابه فانما
ينفي غير هذه الرؤية البصرية، فأما هي فبديهية
الانتفاء لم يتعلق بها سؤال وجواب.

وقد أطلق
اللّه الرؤية وما يقرب منها معنى في موارد من كلامه
وأثبتها : كقوله تعالى : (وجوه يومئذ ناضرة الى ربها
ناظرة) - القيامة 23 -.

وقوله : (ما
كذب الفؤاد ما رأى) - النجم 11 -.

وقوله : (من
كان يرجو لقاء اللّه فان أجل اللّه لآتٍ) - العنكبوت
5 -.

وقوله :
(أوَ لم يكف بربك انه على كل شيء شهيد ألا إنهم في
مرية من لقاء ربهم ألا إنه بكل شيء محيط) - حم السجدة
54 -.

وقوله :
(فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا
يشرك بعبادة ربه أحداً) - الكهف 110 -.

الى غير
ذلك من الآيات الكثيرة المثبتة للرؤية وما في
معناها قبال الآيات النافية لها كما في هذه الآية :
(قال لن تراني) وقوله : (لا تدركه الأبصار وهو يدرك
الابصار) - الانعام 103 - وغير ذلك.

فهل المراد
بالرؤية حصول العلم الضروري، سمي بها لمبالغة في
الظهور ونحوها - كما قيل ؟.

لا ريب أن
الآيات تثبت علماً ضرورياً لكن الشأن في تشخيص
حقيقة هذا العلم الضروري، فانا لا نسمي كل علم
ضروري رؤية وما في معناها من اللقاء ونحوه، كما
نعلم بوجود ابراهيم الخليل والاسكندر وكسرى فيما
مضى ولم نرهم.

254


ونعلم
علماً ضرورياً بوجود لندن وشيكاغو وموسكو ولم
نرها، ولا نسميه رؤية وإن بالغنا.

فأنت تقول :
أَعلمُ بوجود ابراهيم (ع) والاسكندر وكسرى كأني
رأيتهم.

ولا تقول :
رأيتهم، أو أراهم.

وتقول :
أعلم بوجود لندن وشيكاغو وموسكو، ولا تقول : رأيتها
أو أراها.

وأوضح من
ذلك علمنا الضروري بالبديهيات الأولية التي هي
لكليتها غير مادية ولا محسوسة، مثل قولنا :

(الواحد
نصف الاثنين).

و(الاربعة
زوج).

و(الاضافة
قائمة بطرفين).

فانها علوم
ضرورية يصح اطلاق العلم عليها ولا يصح اطلاق الرؤية
ألبتة.

ونظير ذلك
جميع التصديقات العقلية الفكرية، وكذا المعاني
الوهمية.

وبالجملة :
ما نسميه بالعلوم الحصولية لا نسميها رؤية وان
أطلقنا عليها العلم، فنقول : علمناها، ولا نقول :
رأيناها، الا بمعنى القضاء والحكم لا بمعنى
المشاهدة والوجدان.

لكن بين
معلوماتنا ما لا نتوقف في اطلاق الرؤية عليه
واستعمالها فيه، نقول :

(أرى أني
أنا)

و(أراني
اريد كذا)

و(أراني
اكره كذا)

و(أراني
أحب كذا)

و(أراني
أبغض كذا)

255


و(أراني
أرجو كذا)

و(أراني
أتمنى كذا)

أي أجد
ذاتي وأشاهدها بنفسها من غير أن احتجب عنها بحاجب،
وأجد وأشاهد ارادتي الباطنة التي ليست بمحسوسة ولا
فكرية، وأجد في باطن ذاتي كراهة وحباً وبغضاً ورجاء
وتمنياً، وهكذا.

وهذا غير
قول القائل : (رأيتك تحب كذا وتبغض كذا) وغير ذلك.

فان معنى
كلامه : (أبصرتك في هيئة استدللت بها على أن فيك حباً
وبغضاً)، ونحو ذلك.

وأما حكاية
الانسان عن نفسه أنه يراه يريد ويكره ويحب ويبغض
فانه يريد به أنه يجد هذه الامور بنفسها وواقعيتها،
لا أنه يستدل عليها فيقضي بوجودها من طريق
الاستدلال، بل يجدها من نفسه من غير حاجب يحجبها،
ولا توسل بوسيلة تدل عليها البتة.

وتسمية هذا
القسم من العلم الذي يجد فيه الانسان نفس المعلوم
بواقعيته الخارجية رؤية مطردة، وهي علم الانسان
بذاته وقواه الباطنة وأوصاف ذاته وأحواله
الداخلية، وليس فيها مداخلة جهة أو مكان أو زمان أو
حالة جسمانية أخرى غيرها .. فافهمْ ذلك وأجدِ التدبر
فيه.

واللّه
سبحانه فيما أثبت من الرؤية يذكر معها خصوصيات ويضم
اليها ضمائم يدلنا ذلك على أن المراد بالرؤية هذا
القسم من العلم الذي نسميه فيما عندنا أيضاً رؤية
كما في قوله : (أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد
ألا انهم في مرية من لقاء ربهم ألا إنه بكل شيء محيط)
الآية.

حيث أثبت
أولاً : أنه على كل شيء حاضراً أو مشهود لا يختص بجهة
دون جهة، وبمكان دون مكان، وبشيء دون شيء، بل شهيد
على كل شيء، محيط بكل شيء، فلو وجده شيء لوجده على
ظاهر كل شيء وباطنه وعلى نفس وجدانه وعلى نفسه.

256


وعلى هذه
السمة لقاؤه - لو كان هناك لقاء - لا على نحو اللقاء
الحسي الذي لا يتأتى البتة الا بمواجهة جسمانية
وتعيّن جهة ومكان وزمان، وبهذا يشعر ما في قوله (ما
كذب الفؤاد ما رأى) من نسبة الرؤية الى الفؤاد الذي
لا شبهة في كون المراد به هو النفس الانسانية
الشاعرة دون اللحم الصنوبري المعلق على يسار الصدر
داخلاً.

ونظير ذلك
قوله تعالى : (كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون
كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون) - المطففين 15 -.

دل على أن
الذي يحجبهم عنه تعالى رين المعاصي والذنوب التي
اكتسبوها فحال بين قلوبهم أي انفسهم وبين ربهم
فحجبهم عن تشريف المشاهدة.

ولو رأوه
لرأوه بقلوبهم أي انفسهم لا بأبصارهم واحداقهم.

وقد أثبت
اللّه سبحانه في موارد من كلامه قسماً آخر من
الرؤية وراء رؤية الجارحة كقوله تعالى : (كلا لو
تعلمون علم اليقين لترون الجحيم ثم لترونها عين
اليقين) - التكاثر 7 -.

وقوله
(وكذلك نري ابراهيم ملكوت السموات والارض وليكون من
الموقنين) - الانعام 75 -، وقد تقدم تفسير الآية في
الجزء السابع من الكتاب (الميزان)، وبينا هناك ان
الملكوت هو باطن الاشياء لا ظاهرها المحسوس.

فبهذه
الوجوه يظهر أنه تعالى يثبت في كلامه قسماً من
الرؤية والمشاهدة وراء الرؤية البصرية الحسية.

وهي نوع
شعور في الانسان، يشعر بالشيء نفسه من غير استعمال
آلة حسية أو فكرية، وأن للانسان شعوراً بربه غير ما
يعتقد بوجوده من طريق الفكر واستخدام الدليل بل
يجده وجداناً من غير أن يحجبه عنه حاجب، ولا يجره
الى الغفلة عنه الا اشتغاله بنفسه وبمعاصيه التي
اكتسبها، وهي مع ذلك غفلة عن أمر موجود. ومشهود لا
زوال علم بالكلية ومن أصله. فليس في كلامه تعالى ما
يشعر بذلك البتة، بل عبر عن هذا الجهل بالغفلة وهي
زوال العلم بالعلم لا زوال أصل العلم.

257


فهذا ما
يبينه كلامه سبحانه، ويؤيده العقل بساطع براهينه،
وكذا ما ورد من الاخبار عن أئمة اهل البيت (ع) على ما
سننقلها ونبحث عنها ...

والذي
ينجلي من كلامه تعالى ان هذا العلم المسمى بالرؤية
واللقاء يتم للصالحين من عباد اللّه يوم القيامة،
كما يدل عليه ظاهر قوله تعالى (وجوه يومئذ ناضرة الى
ربها ناظرة).

فهناك موطن
التشرف بهذا التشريف، وأما في هذه الدنيا والانسان
منشغل ببدنه، ومنغمر في غمرات حوائجه الطبيعية وهو
سالك لطريق اللقاء والعلم الضروري بآيات ربه كادح
الى ربه كدحاً ليلاقيه، فهو بعد في طريق هذا العلم
لن يتم له حتى يلاقي ربه، قال تعالى (يا ايها
الانسان انك كادح الى ربك كدحاً فملاقيه) - الانشقاق
6 -.

وفي معناه
آيات كثيرة اخرى تدل على أنه تعالى اليه المرجع
والمصير والمنتهى، واليه يرجعون واليه يقلبون.

فهذا هو
العلم الضروري والخاص الذي أثبته اللّه تعالى
لنفسه، وسماه رؤية ولقاء.

ولا يهمنا
البحث عن أنها على نحو الحقيقة أو المجاز، فان
القرائن - كما عرفت - قائمة على ارادة ذلك، فان كانت
حقيقة كان قرائن معينة، وان كانت مجازاً كانت
صارفة.

والقرآن
الكريم أول كاشف عن هذه الحقيقة على هذا الوجه
البديع، فالكتب السماوية السابقة - على ما بايدينا -
ساكتة عن اثبات هذا النوع من العلم باللّه.

وتخلو عنه
الابحاث المأثورة عن الفلاسفة الباحثين عن هذه
المسائل، فان العلم الحضوري عندهم كان منحصراً في
علم الشيء بنفسه حتى كشف عنه في الاسلام.

فللقرآن
المنة في تنقيح هذه المعارف الالهية»(1).

___________________________


(1) الميزان
8 / 236 - 241.

258


وما وعد به
من الروايات في موضوع الرؤية نذكر منها ما يرتبط
بمسألة الرؤية القلبية في الآخرة، وهما الروايتان
التاليتان :

- «وفي
المعاني باسناده عن هشام قال : كنت عند الصادق جعفر
بن محمد (ع) إذ دخل عليه معاوية بن وهب وعبد الملك بن
أعين، فقال له معاوية بن وهب : يا ابن رسول اللّه ما
تقول في الخبر المروي : أن رسول اللّه (ص) رأى ربه ؟

على أي
صورة رآه ؟

وفي الخبر
الذي رواه ان المؤمنين يرون ربهم في الجنة ؟

على أي
صورة يرونه ؟ .

فتبسم ثم
قال : يا معاوية ما أقبح بالرجل يأتي عليه سبعون سنة
وثمانون سنة يعيش في ملك اللّه ويأكل من نعمه ثم لا
يعرف اللّه حق معرفته.

ثم قال : يا
معاوية، إن محمداً (ص) لم ير الرب تبارك وتعالى
بمشاهدة العيان.

وإن الرؤية
على وجهين :

رؤية
القلب.

ورؤية
البصر.

فمن عنى
برؤية القلب فهو مصيب.

ومن عنى
برؤية البصر فقد كذب وكفر باللّه وآياته لقول رسول
اللّه (ص) : من شبّه اللّه بخلقه فقد كفر.

ولقد حدثني
أبي عن أبيه عن الحسين بن علي (ع) قال : سئل امير
المؤمنين (ع) فقيل له : يا أخا رسول اللّه هل رأيت ربك
؟

فقال : لم
أعبد رباً لم أره، لم تره العيون بمشاهدة العيان،
ولكن تراه القلوب بحقائق الايمان.

259


واذا كان
المؤمن يرى ربه بمشاهدة البصر، فان كل من جاز عليه
البصر والرؤية فهو مخلوق، ولا بد للمخلوق من خالق،
فقد جعلته اذاً محدثاً مخلوقاً، ومن شبهه بخلقه فقد
اتخذ مع اللّه شريكاً.

ويلهم ،
ألم يسمعوا لقول اللّه تعالى (لا تدركه الابصار وهو
يدرك الابصار وهو اللطيف الخبير)، وقوله لموسى : (لن
تراني ولكن انظر الى الجبل فان استقر مكانه فسوف
تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً وخر موسى
صعقاً) وانما طلع من نوره على الجبل كضوء يخرج من سم
الخياط فدكدكت الارض وصعقت الجبال وخر موس صعقاً أي
ميتاً (فلما أفاق) ورد عليه روحه (قال سبحانك تبت
اليك) من قول من زعم أنك تُرى ورجعت الى معرفتي بك :
أن الابصار لا تدركك (وأنا أول المؤمنين) بأنك تَرى
ولا تُرى، وانت بالمنظر الاعلى.

- وفي
التوحيد باسناده عن علي (ع) في حديث : وسأل موسى وجرى
على لسانه من حمد اللّه عز وجل : (رب أرني أنظر اليك)
فكانت مسألته تلك أمراً عظيماً، وسأل أمراً
جسيماً، فعوتب، فقال اللّه عز وجل : (لن تراني) في
الدنيا حتى تموت وتراني في الآخرة، ولكن إن أردت أن
تراني (فانظر الى الجبل فان استقر مكانه فسوف تراني)
فأبدى اللّه بعض آياته وتجلى ربنا للجبل فتقطع
الجبل فصار رميماً (وخر موسى صعقاً) ثم أحياه اللّه
وبعثه، فقال : (سبحانك تبت اليك وأنا اول المؤمنين)
يعني أول من آمن بك منهم بانه لا يراك».

وننتهي من
هذا الى أن السيد الطباطبائي أفاد رأيه المذكور في
الرؤية بأنها رؤية قلبية، وتتحقق للمؤمن يوم
القيامة من هاتين الروايتين فقد نصت الرواية
الاولى على أنها رؤية قلبية، ونصت على نفي أن تكون
بصرية.

ونصت
الرواية الثانية على أنها ستكون في الآخرة.

وفي هدي
هذا التفسير المذكور لي اقتراح أعرضه بكل صدق وحسن
نية وخلوص أمنية لتوحيد الرأي الاسلامي في
المسألة، وهو :

1 - أن يطرح
الاشاعرة اعتمادهم على احاديث الرؤية البصرية
لانها - ومن غير

260


شك - من
الاسرائيليات التي سَرَبَتْ على حين غفلة الى
مدونات عزيزة علينا لانها من خير ما نملكه من جوامع
حديثية.

2 - أن
يطرحوا افتراضهم وجود جارحة باصرة أو ما يماثلها
يجوز أن يخلقها اللّه تعالى يوم القيامة للمؤمن ..
لأن امكان الشيء لا يدل على وقوعه، ولانه لا دليل
لديهم على الوقوع سوى بعض الاسرائيليات المرفوضة،
ولان الرؤية البصرية تستلزم الجسمية والجهة
والمكان والضوء، وان أصروا على رفض هذا الاستلزام،
لأن الاصرار لا يغيّر من طبيعة الاشياء وذاتياتها.

3 - أن
يأخذوا بما جاء عن أئمة اهل البيت (ع) من نفي الرؤية
البصرية واثبات الرؤية القلبية في الآخرة للمؤمنين
من عباده خاصة، لأن أهل البيت أحد الثقلين اللذين
ما ان تمسكنا بهما فلن نضل أبداً بشهادة جدهم
الرسول الاعظم (ص).

ولأن في
الرؤية القلبية ما يحقق للاشاعرة المعنى الذي
حاموا حول حماه ووصلوا الى ما هو قريب منه، وعبّروا
عنه بالرؤية الادراكية.

/ 18