روايات المدرسين .
سـيـدي يـا خـاتـم الانـبياء وسيد المرسلين صلى اللّه عليك وعلى اهل بيتك الطاهرين وزوجاتك الطيبات امهات المؤمنين وصحابتك البررة والميامين .
سـيـدي مـنـذ نيف وخمسين عاما بعثني التشرف بك حسبا ونسبا وولاء على القيام بتمحيص سنتك
سيرة وحديثا, ووفقني ـ اللّه تعالى ـ لنشر بحوث منها بين امتك امتنا الاسلامية تباعا.
وهـا انـذا اتـشـرف بنشر اهمها اثرا واعظمها خطرا في تمحيص ما رووا عنك في شان القرآن
الكريم الذي انفقت عصر رسالتك في حمله الى العالمين , وارفعها هدية متواضعة الى مقامك المحمود
ـ وان كـنـت كالنملة قدرا فانت اعظم من سليمان كرما ـ فتقبلها برافتك بنا معاشر امتك , واشفع لنا
عند اللّه ليكشف ما بنا من غمة .
المؤلف .
بسم اللّه الرحمن الرحيم .
(الرحمن * علم القرآن * خلق الا نسان * علمه البيان ).
(الرحمن / 1 ـ 4).
(انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون ).
(الحجر / 9).
(وما كان هذا القرآن ان يفترى من دون اللّه ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه
مـن ربـ العالمين * ام يقولون افتراه قل فاتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون اللّه ان كنتم
صادقين ) (يونس / 37 , 38).
(افلا يتدبرون القرآن ام على قلوب اقفالها * ان الذين ارتدوا على ادبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى
الشيطان سول لهم واملى لهم * ذلك بانهم قالوا للذين كرهوا ما نزل اللّه ) (محمد / 24 ـ 26).
(قل لئن اجتمعت الا نس والجن على ان ياتوا بمثل هذا القرآن لا ياتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض
ظهيرا * ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل فابى اكثر الناس الا كفورا * وقالوا لن نؤمن
لـك حـتى تفجر لنا من الا رض ينبوعا * او تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الا نهار خلا لها
تـفجيرا * او تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا او تاتي باللّه والملائكة قبيلا* او يكون لك بيت
مـن زخـرف او ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه قل سبحان ربي هل
كنت الا بشرا رسولا * وما منع الناس ان يؤمنوا اذ جاءهم الهدى الا ان قالوا ابعث اللّه بشرا رسولا
* قل لو كان في الا رض ملا ئكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا) (الاسراء /
88 ـ 95).
(وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون ).
(فصلت / 26).
مقدمة الطبعة الاولى .
بسم اللّه الرحمن الرحيم . الـحـمد للّه رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الانبياء محمد وآله الطاهرين , والسلام على
اصحابه الميامين وازواجه المنتجبات امهات المؤمنين .
وبعد كنت لا ارى في ما مضى اية ضرورة لهذا النوع من البحث القرآني , لما كنت اعلم ان المسلمين
عـامة متفقون اليوم على ان القرآن الذي يتداولونه هو كلام اللّه الذي اوحاه الى خاتم انبيائه محمد
(ص ), وانـهـم تـوارثـوه عن نبيهم جيلا بعد جيل حتى اليوم , وان الخلاف بينهم ناشئ عن تاويله
وتـفـسيره , وانه ان شذ منهم شاذ يوما ما بقول ما, فهو من شان الطبيعة البشرية ومجتمعاتها التي لم
تخل ولن تخلو من شذوذ الشواذ في يوم من الايام .
وبناء على هذه الرؤية لم اكن ارى حاجة للخوض في هذا النوع من البحث هكذا كنت ارى .
ولـمـا قـامت الجمهورية الاسلامية في ايران اقتضت الدوافع السياسية لدى بعض الدول ,التحرش
عـلـيها,فانتشرت في طول البلاد الاسلامية وعرضها كتب ورسائل ومقالات ضدها وضد خط اهل
الـبـيـت (ع ) الـسـائد فـيـهـا وكـان اهـم مـا رفـعوه في هذه الحرب السياسية القرآن الكريم ,
فـالـجـاتـني الضرورة الى ان ابين الواقع التاريخي في هذا الشان وكتبت موجزا من البحث في اول
المجلد الثاني من معالم المدرستين , ظنا مني كاف لرفع الشبهات التي اثيرت في هذا الصدد.
غـيـر ان مـا تـلـقـيت من الاسئلة حولها من شتى البلاد وما انبئت ان بعض الدول الاسلامية دفعت
وسـاعـدت على نشر ما يقارب مائتي كتاب ورسالة بهذا الصدد في بلاد الهند وحدها, اثبتت لي ان
الشبهات التي اثيرت حول مدرسة اهل البيت (ع ) في شان القران خاصة , اهم واوسع مما كنت ارى ,
اضـف الـيـه ما كنت اراه منذ عشرات السنين من ضرورة القيام برد شبهات المستشرقين في ثبوت
النص القرآني , لهذا وذاك اتسعت بحوث الكتاب وتسلسلت حتى بلغت ثلاثة مجلدات .
وقـد اخـتـرت لـهـذه الـدراسة كتابي (فصل الخطاب ) و(الشيعة والقرآن ) ليكونا محوري هذه
الدراسة , لان كلا من مؤلفي الكتابين اراد ان ينتقد المدرسة الاخرى في كتابه وحاول ان يستوعب
كـل شـاردة وواردة فـي بـحـثه واقتصرت في دراستهما على ما اورداه حول كتاب اللّه المجيد,
وتركت منهما ما لا يتصل بالبحوث القرآنية .
وراجعت في دراسة ما استدل به الشيخ النوري من مصادر دراسات مدرسة الخلفاء الى تلك المصادر
مباشرة وخرجت الروايات منها بلا واسطة .
وكـان لابـد لـي فـي دراسة الروايات ان امهد لها دراسة خصائص المجتمع الذي نزل فيه القرآن
وانتشر منه لاقارن بين تلك الروايات والوقائع التاريخي الذي يناقض تلك الروايات والروايات التي
ناقشتها هي :
ا ـ روايات جمع القرآن :
.
فقد جاء فيها(1):
انـه لما استحر القتل بالقراء في واقعة اليمامة خشى عمر ان يذهب كثير من القرآن بقتل القراء في
الحروب , فاقترح على الخليفة ابي بكر ان يجمعه فقال : كيف نفعل مالم يفعله رسول اللّه (ص )؟ فلما اقتنع بالراي امر زيد بن ثابت ان يجمعه , فقال : كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول اللّه (ص ) ولما
اقـنـعاه بالامر اخذ يجمع القرآن مما كتب عليه ومن صدور الرجال ووجد آخر سورة براءة عند
خزيمة بن ثابت .
وفي رواية ان ذلك كان على عهد عثمان .
وجـاء في غيرها ان زيدا اقترح جمع القرآن على عمر, وعمر على ابي بكر فاستشار المسلمين ,
فـوافقوا عليه , فامر عمر وزيد بن ثابت ان يكتبا آية شهد عليها شاهدان , وان ابي بن كعب اخبرهم
بخر آية من القرآن , واودع ما نسخه عند ام المؤمنين حفصة .
وفي غيرها ان الخليفة عمر سال عن آية , فقيل كانت مع فلان فقتل يوم اليمامة , فامر بجمع القران ,
فكتبوا اربعة مصاحف وانفذها الى الكوفة والبصرة والشام والحجاز.
وفي غيرها: ان جمعه تم على عهد عثمان .
وفـي غيرها ان عمر قتل ولم يبدا بجمع القران , وعلى عهد الخليفة عثمان جعل المعلم يعلم قراءة
ومـعـلم آخر يعلم قراءة اخرى فاختلف من اخذ منهم في القراءات وبلغ ذلك المعلمين فكفر بعضهم
بـعضا على قراءته ما يخالف قراءته فبلغ ذلك عثمان , فامر بكتابة المصحف فربما اختلفوا في قراءة
آيـة فيذكرون الرجل الذي تلقاها من رسول اللّه وهو غائب في بعض البوادي فيكتبون ما قبلها وما
بعدها, ويدعون موضعها, فيرسلون اليه حتى يحضر وياخذون الاية منه , ويكتبونها في موقعها وانه
لما اتموا كتابة المصحف ورآه عثمان قال : ارى شيئا من لحن ستقيمه العرب بالسنتها وانـه كـتب الى اهل الامصار: اني محوت كذا من القرآن , وصنعت كذا, فامحوا ما عندكم واصنعوا
كما صنعت وفـي غـيـرهـا ان الاخـتلاف في القراءات وقع في بلاد اخرى غير المدينة فطلب الخليفة من ام
الـمـؤمـنين حفصة الصحف التي عندها, فنسخها في مصاحف وارسلها الى البلاد, واحرق بعد ذلك
غيرها من المصاحف .
ب ـ روايات الزيادة والنقصان في القرآن جاء في روايات منها:
ان ابـا موسى الاشعري قال لقراء البصرة : كنا نقرا سورة نظير براءة انسيتها وحفظت منها (يا ايها
الذين آمنوا لا تقولوا ما لا تفعلون ).
وجاء في غيرها: انه كان في مصحف بعض الصحابة سورتي الحفد والخلع (2).
وفي غيرها ان ابن مسعود لم يكن يكتب في مصحفه الحمد والمعوذتين وانه كان يحك المعوذتين من
المصحف (3).
وان سورة الاحزاب كانت توازي سورة البقرة , وانه نسي منها ثلاثة ارباعها.
وجـاء فـي غيرها: انه مما فقد من آي القرآن آية الرجم و (رضاع الكبير عشرا), وسموا بعض
ذلك بالنسخ وبعضها بالانساء.
ج ـ روايات اختلاف المصاحف :
جاء في روايات منها:
ان امهات المؤمنين عائشة وحفصة وام سلمة امرن بكتابة المصحف , ولما بلغ الى قوله تعالى (حفظوا
على الصلوت والصلوة .
الوسطى ) امرن الكاتب ان يكتب بعدها (وصلاة العصر).
ونظائرها كثيرة نشير الى بعضها وندرسها في اماكنها من البحوث الاتية ان شاء اللّه تعالى .
د ـ روايات النسخ والانساء:
جاء في روايات منها:
ان رسـول اللّه (ص ) سمع رجلا يقرا القرآن في مسجده , فقال : رحمه اللّه لقد اذكرني كذا وكذا
آية اسقطتها من سورة كذا وكذا.
وان صـحـابـيـين ارادا ان يق ءرا في ليلة سورة نزلت على رسول اللّه (ص ), فلم يقدرا, ونسياها,
فاصبحا غاديين الى رسول اللّه (ص ) واخبراه بذلك , فقال : انها مما نسخ او نسي , فالهوا عنها.
وانه كان مما ينزل به الوحي عليه ليلا وينساه نهارا.
ه ـ روايات اختلاف القراءات او القراءات المختلفة :
جاء في روايات منها ان بعض الصحابة قرا:
1 ـ (ان هذان الا ساحران ) بدل : (ان هذان لسحران ).
2 ـ ان ذان الا ساحران .
3 ـ (سنقرئك فلا تنساها) بدل : (سنقرئك فلا تنسى ).
4 ـ (صراط من انعمت عليهم ) بدل : (صراط الذين انعمت عليهم ).
وهـنـاك مـئات اخـرى من قراءات مختلفة نسبت الى الصحابة زورا وبهتانا ولعلها تبلغ الالوف ولا
ينبغي لنا ان نضيع الوقت في عدها.
و ـ روايات انزل القران على سبعة اوجه :
رووا عـن الخليفة عمر بن الخطاب انه قال سمعت هشام بن حكيم يقرا سورة الفرقان على حروف
كثيرة لم يقرئنيها رسول اللّه (ص ) فلببته بردائه , وقدته الى رسول اللّه (ص ).
فقال : اقرا يا هشام فقرا عليه القراءة التي سمعته يقرا.
فقال الرسول (ص ): كذلك انزلت .
وقـرات الـقراءة التي اقرانيها الرسول (ص ) فقال الرسول (ص ): كذلك انزلت ثم قال : ان القرآن
انزل على سبعة احرف فاقراوا ما تيسر منه وفـي روايـة اخـرى كان ذلك مع رجل , فوقع في صدر عمر شي ء, فضرب الرسول (ص ) صدره
وقـال ثـلاثا: ابعد شيطانا, ثم قال : يا عمر ان القرآن كله صواب , ما لم تجعل رحمة عذابا او عذابا
رحمة وفي رواية اخرى عن عمرو بن العاص نظير ما تقدم وان رسول اللّه (ص ) قال لهم : ان هذا القرآن
انزل على سبعة احرف فاي ذلك قراتم فقد اصبتم , احسنتم ولا تماروا فيه فان المراء كفر وعن ابي بن كعب انه اختلف في القراءة مع اثنين آخرين فذهبوا الى رسول اللّه (ص ) فقرا الاثنان
على الرسول اللّه (ص ) خلاف القراءة التي كان ابي اخذها من النبي .
قـال ابي : وصوب النبي جميعها فسقط في نفسي من التكذيب ولا اذ كنت في الجاهلية , فضرب النبي
فـي صـدري , وقـال : ارسـل الي ان اقرا القرآن على حرف , فقلت : هون على امتي فرد الي الثانية :
اقراه على حرفين فرددت اليه ان هون على امتي , فرد الي الثالثة :
اقراه على سبعة احرف وفـي روايـة اخـرى : ان الـنبي (ص ) قال : ان جبرائيل وميكائيل اتياني فقعد جبرائيل عن يميني
ومـيـكائيل عن يساري , فقال جبرائيل : اقرا القرآن على حرف , فقال : اسرافيل : استزده , استزده ,
حتى بلغ سبعة احرف , فكل حرف شاف وكاف .
وفـي روايـة اخـرى : ليس منها الا شاف كاف , ان قلت سميعا عليما, عزيزا حكيما, ما لم تختم آية
عذاب برحمة او آية رحمة بعذاب حتى بلغ سبعة احرف ليس منه الا شاف كاف ان قلت : غفورا رحيما, او قلت : سميعا عليما, او عليما
سميعا فاللّه كذلك ما لم تختم .
آية عذاب برحمة او آية رحمة بعذاب .
الى عشرات الروايات الاخرى نظائر ما تقدم ذكرها.
ز ـ تقويم الروايات السابقة :
اولا: فـي تـلـكـم الـروايات اسرائيلية وروايات الغلاة والزنادقة ومن جملتها روايات موضوعة
ومفتراة على اللّه ورسوله وكتابه , وفيها ما افتري بها على الصحابة وائمة اهل البيت .
ثانيا: في تلكم الرويات روايات صحيحة غير ان فيها مصطلحات قرآنية تغيرت معانيها, وتبدلت بعد
عـصـر الصحابة متدرجا حتى اصبح لها اليوم معان غير التي قصد منها في القرآن وحديث الرسول
(ص ) واحاديث الصحابة .
واستعمل ذلك المصطلح في كتب علوم القرآن في المعني الجديد له خلافا للمعنى الذي استعمل فيه
في عصر الرسول حتى عصر الصحابة .
وانتج كل ذلك ما ياتي بيانه باذنه تعالى .
ح ـ نتائج الروايات وآثارها:
اولا: انـهـم اعـتقدوا بان في القرآن الكريم آيات منسوخة التلاوة مع بقاء حكمها واخرى منسوخ
الـحـكـم مع بقاء قراءتها وآيات اخرى منسوخة التلاوة والحكم جميعا وعلى اثر ذلك تسابقوا في
استخراج الايات الناسخة والمنسوخة لفظا او حكما او هما جميعا في تلكم الروايات وسجلوا نتائج
ما توصلوا اليه في عشرات المؤلفات بعنوان علم الناسخ والمنسوخ من علوم القرآن في حين ان اللّه
ما نسخ آية مما انزل على رسوله في القرآن الكريم لا لفظا ولا معنى ولا كليهما معا ونعوذ باللّه من
هذا الافتراء الشنيع على اللّه الحكيم وكتابه الكريم .
ثـانـيـا: ان جملة ممن سموا بالقراء الكبار اجازوا لانفسهم ان يبدلوا كلمات القرآن التي نزلت بلغة
قـريـش وهوازن وقضاعة وتميم وطي ءوغيرهم من قبائل العرب , وبلغ بهم الامر ان يتسابقوا في
البحث والتقصي عن شواذ اللّه جات في قبائل العرب وان كان جرى ذلك على لسان بدوي جاهل غير
فصيح , ويجعلوا ذلك التلفظ الشاذ الغلط قراءة لتلك الكلمة في القرآن الكريم حتى بلغ عدد القراءات
فـي كـلـمـة واحدة من كلمات القرآن الكريم عشر قراءات احداها لغة قريش مثل ماجرى لكلمة
(عليهم ) في قوله تعالى في سورة الحمد (غير المغضوب عليهم ).
وبـعملهم هذا اجروا من التحريف على القرآن بما لم يجر نظيره على كتاب على وجه الارض قط
وهذا ما عناه الامام الباقر في قوله : (اما القرآن فقد حرفوا).
ثالثا: ان تلكم الروايات المفترى بها على اللّه ورسوله وكتابه واصحاب رسوله ادت الى :
ا ـ عدم فهم معاني المصطلحات القرآنية في احاديث اخرى صحيحة .
ب ـ اعتقاد العلماء بوجود الناسخ والمنسوخ في آيات القرآن الكريم .
ج ـ تجوز القراء في تحريف كلمات القرآن واختلاقهم تلك القراءات الباطلة لها.
د ـ شوشت على بعض المحدثين امثال الشيخ النوري الرؤية الصحيحة لامر القرآن الكريم وكتبوا
في شان القرآن الكريم وقالوا.
ما لا يصح قوله وكتابته .
ه ـ وجد امثال احسان الهي ظهير ونظرائه في نشر تلكم الاقوال واذاعتها باوسع ما يمكن من نشره
واذاعـتـه , خـير وسيلة لنقد مدرسة اهل البيت (ع ) وقدحها, فلم يالوا جهدا في ذلك واعانهم على
نشرها في جميع بلاد العالم بعض اصحاب الطول والنفوذ والسيطرة بكل ما اوتوا من حول وقوة .
رابعا: استند المستشرقون وخصوم الاسلام اليها ورووا وكتبوا ان مصاحف الصحابة كانت تختلف
بـعـضـهـا مـع بـعض مثل مصاحف عمر وعلي وابي وابن مسعود وابن عباس وابن الزبير وامهات
المؤمنين عائشة وحفصة وام سلمة وكذلك عدوا احد عشر مصحفا من مصاحف التابعين كانت تختلف
بـعضها مع بعض وان الحجاج غير من مصحف عثمان عشرة اماكن مثل (يسيركم في البر والبحر)
فـي سورة يونس / 22 والتي كانت (هو الذي ينشركم في البر والبحر) فنسيت ما كان في مصحف
عثمان وبقي يقرا في القرآن ما غيره الحجاج .
وقام المستشرقون بالبحث عن المؤلفات التي جاء فيها تغيير النص القرآني مثل :
ج بـرجـشـتر الذي استخرج من كتاب البديع لابن خالويه (شواذ القرآن ) خاصة وطبعته جمعية
الـمـسـتشرقين الالمانية بمصر سنة 1934 م سابع سبعة مما راقهم طبعها ومثل : د آرتر جفري
الـذي طبع كتاب المصاحف لابن ابي داود السجستاني (ت 316) بمصر سنة 1936 م لما فيها من
روايات من اختلاف المصاحف والقراءات .
ط ـ بداية الوضع والدس والافتراء:
في بحث (دواعي وضع الحديث ) من باب (مع معاوية ) من المجلد الاول من كتاب احاديث ام المؤمنين
عـائشـة وفـي مـا يـاتـي من ابواب هذا الكتاب نرى ان بداية انتشار الروايات المختلفة والاخبار
الموضوعة كان بعد استخلاف معاوية وامتد ذلك على طول عهد الخلافة الاموية .
وفـي سـنـة ثلاث واربعين بعد المائة عندما امر الخليفة العباسي ابو جعفر المنصور بتدوين كتب
الـعلم دون كلما المحنا اليه في ما دون من كتب العلم وبقي العلماء يتداولونها ويتدارسونها جيلا بعد
جيل , ويستنبطون منها ما يستنبطون حتى عصرنا الحاضر.
ونحن اليوم اذا اردنا ان ندرس تلكم الروايات وتلكم الاخبار لنمحص الحق من الباطل منها يلزمنا ان
نـدرس بـتـوسع ظروف كل خبر منها, مثلا اذا اردنا ان ندرس ما نسب الى الحجاج انه غير النص
الـقرآني الذي كان مكتوبا في مصحف عثمان الذي ارسله الى البلاد وان النص القرآني الذي بايدينا
فـي زهـاء عـشرة موارد يختلف عما كتبه عثمان في مصحفه لابد لنا ان ندرس اخبار عصر ولاية
الـحـجاج واخبار ما جرى بعده بتوسع لندرك ان ما افتروا على القرآن بان الحجاج غيره مستحيل
عادة .
واذا اردنـا ان نـدرس خـبـر ما نسب الى الصحابي ابن مسعود من انه كان يحك من المصحف سورة
الحمد والمعوذتين ونحن نعلم ان الخليفة عمر بعثه الى الكوفة ليقرئهم القرآن لن يتيسر لنا معرفة
الـحـقـيقة والافتراء الذي افتري به على ابن مسعود دون ان ندرس اسباب اختلاف ابن مسعود مع
الـوليد والي الكوفة , والخليفة عثمان وكذلك الشان في دراسة ما عدا ذينكم الخبرين ومن ثم راينا
انـه لن يتيسر لنا دراسة كل تلكم الاخبار دون ان ندرس المجتمع الذي نزل فيه القرآن في العصر
الـجـاهلي ثم في العصر الاسلامي في مكة مع قريش والمدينة في ما يخص سيرة الرسول ومع من
كـان يعاشره وهذا ما سميناه بالمجتمع الذي انتشر منه القرآن وتمتد دراسة المجتمع الذي انتشر
منه القرآن بعد الرسول وتستوعب حكم الخلفاء ابي بكر وعمر وعثمان وعلي ومعاوية حتى عصر
الحجاج .
وبـعـد ذلـك ندرس على قدر الاستطاعة تاريخ القرآن : نزوله واقراءه وتدوينه في مكة والمدينة
ونختم المجلد الاول بدراسة المصطلحات القرآنية .
وفي ضوء هذه الدراسات ندرس باذنه تعالى روايات مدرسة الخلفاء حول القرآن الكريم في المجلد
الثاني وروايات مدرسة اهل البيت في المجلد الثالث .
وبـنـاء عـلـى ما ذكرنا سيثبت في بحوث الكتاب ان شاء اللّه تعالى ان النص القرآني كما هو بايدينا
اوحى اللّه به الى رسوله (ص ) واقراه الرسول (ص ) كذلك اصحابه .
وكـلـما اوحي الى رسوله (ص ) من القرآن وبيان القرآن امر من حضره من كتابه بتدوينه على ما
حضره من جلد وخشب وعظم كتف وما شابهها, واوصى عليا ان يجمعه من بعده ففعل .
وكذلك فعل كل من كان تعلم الكتابة من اصحابه , وكذلك فعل التابعون في عصر الصحابة .
واقـتضت سياسة الخلفاء من بعده ان يجردوا القرآن من حديث الرسول (ص ) المبين لمعاني القرآن
وبـدؤوا بـذلك في عصر ابي بكر وانتهى الامر في عصر عمر, ونسخ عليه سبع نسخ وزعها بنى
امـهـات الـبلاد الاسلامية وامر باحراق ما عند الصحابة من نسخ كتب فيها القرآن مع بيان الرسول
(ص ).
فـكـتـب الـمسلمون بعد ذلك القرآن مجردا عن حديث الرسول (ص ) جيلا بعد جيل حتى عصرنا
الحاضر.
ولم تنس كلمة مما اوحي الى الرسول من القرآن ولم تزدد عليها ولم تنقص منها كلمة ولم تبدل منها
كلمة في عصر من العصور.
ووضع على عهد معاوية فما بعد من عصور الخلافة الاموية روايات لتبرير عمل الخليفة عثمان في
شان القرآن وسائر شؤون .
سـيـاسـة الحكم على عهده بالاضافة الى ذلك نسيت بعض معاني المصطلحات القرآنية مثل الاقراء
والـقـمرئ الذي كان في عصر الرسول (ص ) والصحابة بمعنى : تعليم تلاوة لفظ القرآن مع تعليم
معنى اللفظ, وبسبب عدم معرفة معنى هذا المصطلح بالاضافة الى .
تلكم الاحاديث اختلقت قراءات مختلفة واصبحت علما يتدارسونه جيلا بعد جيل .
ولعدم معرفة معنى مصطلح النسخ والاية اختلف علم الناسخ والمنسوخ والف في امثال هذه المختلقات
مئات المؤلفات .
ولا يـتـيـسـر درك حـقـيـقة الروايات والاخبار التي المحنا اليها آنفا واللاتي سوف ندرسها في
الـمجلدين الثاني والثالث من هذا الكتاب باذنه ـ تعالى ـ دون استيعاب كل البحوث التي اوردناها في
المجلد الاول باتقان ومع ان في بسط بعض تلكم الاخبار ما يؤلم القلب غير ان فهم ما افتري على اللّه
ورسوله (ص ) وكتابه واصحاب رسوله وفهم المصطلحات القرآنية لن يتيسر دون دراسة جميع
مـا نـقلنا من اخبار ويا ليت تلك الحوادث لم تقع ولم نكن نضطر دون دراسة جميع ما نقلنا من اخبار
ويـا لـيـت تلك الحوادث لم تقع ولم نكن نضطر الى دراستها في سبيل الدفاع عن كرامة كتاب اللّه
الكريم .
منهج البحث :
.
لـمـا كـان الاسـتـدلال على بعض العلوم النظرية يتوقف على تذكار بعض البديهيات , وكنا في هذه الـبـحوث نخاطب عامة الناس المتخصص منهم بهذه العلوم وغير المتخصص والمسلم منهم وغير
الـمـسـلم , اضطررنا احيانا الى شرح بعض المصطلحات التي يبحث عنها في بدايات العلوم هي من
الـبـديـهيات عند المشاركين في العلوم الاسلامية , واحيانا عند عامة المسلمين , كما اننا اضطررنا
احيانا الى تكرار بعض المفاهيم التي سبق شرحها, لما كان الاستدلال عليها في البحث الجديد يتوقف
عـلـى الـتـذكير بتلك المفاهيم وخاصة الجديدة منها على المجتمع وادرنا البحوث المذكورة وفق
المخطط الاتي :
.
مخطط البحوث القرآنية .
المجلد الاول : بحوث تمهيدية .
البحث الاول : ملامح المجتمع العربي الجاهلي الذي نزل فيه القرآن وخصائصه .
1 - النظام القبلي . 2 ـ الوضع الاقتصادي في الجزيرة العربية .
3 ـ النظم الاجتماعية .
4 ـ اديان العرب في العصر الجاهلي .
البحث الثاني : من تاريخ القرآن .
اخبار القرآن على عهد الرسول (ص ). ا ـ في العصر المكي .
ب ـ في العصر المدني .
البحث الثالث : مصطلحات اسلامية قرآنية .
المجلد الثاني .
دراسات مقارنة لروايات مدرسة الخلفاء حول القرآن الكريم .
ا ـ الدليل المشترك بين المدرستين . ب ـ روايات البسملة وتناقضها ومنشؤه .
ج ـ روايات جمع القرآن وتناقضها.
د ـ روايات اختلاف المصاحف وروايات الزيادة والنقصان .
ه ـ روايات نزول القرآن على سبعة احرف واربعون اجتهادا خاطئا في تاويلها.
و ـ القراءات والقراء.
ز ـ بحوث النسخ والانساء.
ح ـ اسـتـنـاد الـمـستشرقين بالروايات المختلفة والاجتهادات الخاطئة في التشكيك بثبوت النص
القرآني .
ط ـ دراسة الروايات السابقة واجتهاداتهم الخاطئة .
المجلد الثالث .
دراسة مقارنة لروايات مدرسة اهل البيت (ع ) وما نسب الى مدرستهم من روايات .
بحوث تمهيدية .
((4)) لامح المجتمع العربي الجاهلي الذي نزل فيه القرآن وخصائصه .
ا ـ النظام القبلي . ب ـ الوضع الاقتصادي في الجزيرة العربية .
ج ـ النظم الاجتماعية .
د ـ اديان العرب في العصر الجاهلي .
ولا ـ النظام القبلي :
.
كان اكثر سكان الجزيرة العربية في العصر الجاهلي قبائل رحلا يسكنون البادية ونذكر في ما ياتي شيئا من عاداتهم نقلا من كتاب تاريخ العرب قبل الاسلام بتصرف وايجاز(1):
اما البدو, فهم القبائل الرحل المتنقلون من جهة الى اخرى طلبا للمرعى او للماء, والطبيعة هي التي
تجبر البدوي على المحافظة على هذه الحياة .
وحياة البدوي حياة شاقة مضنية , ولكنه ـ وهو متمتع باكبر قسط من الحرية ـ يفضلها على اي حياة
مدنية اخرى .
هـذه الـحياة الخشنة هي التي جعلت القبائل يتقاتلون في سبيل المرعى والماء, وهي التي جعلت سوء
الـظن يغلب على طباعهم , فالبدوي ينظر الى غيره نظرة العدو الذي يحاول اخذ ما بيده او حرمانه
من المرعى .
ان الـبـدوي فـي الـصـحـراء لا يهمه الا المطر والمرعى , فازمته الحقيقية انحباس المطر وقلة
الـمـرعى , ولا يبالي بما يصيب العالم في الخارج مادامت ارضه مخضرة , وبعيره سمينا, وغنمه قد
اكتنزت لحما وقد طبقت شحما.
امـا اذا نما السكان وضاقت بهم الارض , او لم تجد اراضيهم بالمرعى , فليس هناك سبيل الا الزحف
والقتال , او الهجرة ان كان .
هـنـاك سـبيل اليها, وكذلك القبيلة التي غلبت على امرها وحرمت من مراعيها واراضيها ليس امامها
سبيل آخر سوى الهجرة .
والـمـراة البدوية ترفض الزواج من غني , اذا كان ابن صانع , او انه من سلالة العبيد, او كان نسبه
الـقـبـيـلـي يـحيط به شي ء من الشك , فسلطان المال لا قيمة له عند العرب ومع وجود هذه الروح
الارسـتـقراطية التي تتجلى فقط في الزواج ورياسة القبيلة والحكم , فانه لا يكاد يوجد فارق في
طرق المعيشة الاخرى .
ومـن عـادة الـقـسم الاكبر من سكان الجزيرة ـ ولا سيما البدو ـ مخاطبة رؤسائهم باسمائهم او
بالقابهم , لانهم لا يعرفون الالقاب والفاظ التعظيم والتفخيم , فيقولون يا فلان ويا ابا فلان ويا طويل
العمر.
والبدوي لا ينسى المعروف , ولا ينسى الاساءة كذلك , فاذا اسي ء اليه , ولم يتمكن من رد الاساءة في
الـحـال , كـظـم حقده في نفسه , وتربص بالمسي ء, حتى يجد فرصته فينتقم منه , فذاكرة البدوي
ذاكرة قوية حافظة لا تنسى الاشياء.
ولـلـبـدو مـهـارة فـائقة في اقتفاء الاثر, وكثيرا ما كانت هذه المعرفة سببا في اكتشاف كثير من
الجرائم ولا تكاد تخلو قبيلة من طائفة منهم .
والـقبائل العريقة المشهورة من حضر وبادية تحافظ على انسابها تمام المحافظة وتحرص عليها كل
الـحـرص , فلا تصاهر الا من يساويها في النسب والقبائل المشكوك في نسبها لا يصاهرها احد من
القبائل المعروفة .
وان مـن الصعب عليه نبذ ما كان عليه آباؤه واجداده من عادات وتقاليد فالتقاليد والعرف وما تعارفت
عـليه القبيلة هي عنده قانون البداوة , وقانون البداوة دستور لا يمكن تخطيه ولا مخالفته , ومن هنا
يـخـطـئ من يظن ان البداوة حرية لا حد لها, وفوضى لا يردعها رادع , وان الاعراب فرديون لا
يخضعون لنظام ولا لقانون على نحو ما يتراءى ذلك للحضري او للغريب .
انـهـم فـي الـواقع خاضعون لعرفهم القبيلي خضوعا صارما شديدا, وكل من يخرج عن ذلك العرف
يطرد من اهله ويتبرا قومه منه , ويضطر ان يعيش طريدا او صعلوكا مع بقية الصعاليك .
والعربي رجل جاد صارم , لا يميل الى هزل ولا دعابة , فليس من طبع الرجل ان يكون صاحب هزل
ودعـابـة , لانهما من مظاهر الخفة والحمق , ولا يليق بالرجل ان يكون خفيفا, لهذا حذر في كلامه
وتـشـدد في مجلسه , وقل في مجتمعه الاسفاف , واذا كان مجلس عام , او مجلس سيد قبيلة , روعي
فيه الاحتشام والابتعاد عن قول السخف , والاستهزاء بالاخرين , والقاء النكات والمضحكات , حرمة
لاداب المجالس ومكانة الرجال .
واذا وجدوا في رجل دعابة او ميلا الى الضحك او اضحاك عابوه عليه وانتقصوا من شانه كائنا من
كان .
وعـبـارة مـثـل ((لا عيب فيه غير ان فيه دعابة )) او ((لا عيب فيه الا ان فيه دعابة )) هي من
العبارات التي تعبر عن الانتقاص والهمز واللمز.
والبدوي محافظ متمسك بحياته وبما قدر له , معتز بما كتب له وان كانت في حياته خشونة وصعوبة
ومشقة .
ولهذا كان للقبيلة قيمتها في بلاد العرب , فالانسان يقوى بابنائه وابناء عمومته الاقربين والابعدين ,
واذا كـانـت الـقبيلة ضعيفة استقوت بالتحالف مع سواها حتى يقوى الفريقان ويامنا شر غيرهما من
القبائل القوية .
وقـد جرى العرف ان القبائل تعتبر الارض التي اعتادت رعيها, والمياه التي اعتادت ان تردها ملكا
لها, لا تسمح لغيرها من القبائل الاخرى بالدنو منها الا باذنها ورضاها, وكثيرا ما تانس احدى القبائل
من نفسها القوة فتهجم بلا سابق انذار على قبيلة اخرى , وتنتزع منها مراعيها ومياهها.
ان قبائل العرب ليسوا كلهم سواء في الشر والتعدي على السابلة والقوافل , فبعضها قد اشتهر امره
بالكرم والسماحة والترفع عن الدنايا, كما اشتهر بعضها بالتعدي وسفك الدماء بلا سبب سوى الطمع
فيما في ايدي الناس .
لـيس للبدوي قيمة حربية تذكر, ولذا كان اعتماد الامراء على الحضر, فهم الذين يصمدون للقتال
ويصبرون على بلائه وبلوائه .
والـبـدوي اذا لم يجد سلطة تردعه او تضرب على يده يرى من حقه نهب الغادي والرائح , فالحق
عـنـده هو القوة يخضع لها, ويخضع غيره بها على ان لهؤلاء قواعد للبادية معتبرة عندهم كقوانين
يـجب احترامها, فالقوافل التي تمر بارض قبيلة وليس معها من يحميها من افراد هذه القبيلة معرضة
للنهب , ولذا اعتادت القوافل قديما ان يصحبها عدد غير قليل من القبائل التي ستمر بارضها ويسمون
هذا رفيقا.
والـبـدوي يـحـقـتـر الـحضري مهما اكرمه , كما ان الحضري يحقر البدوي فاذا وصف البدوي
الحضري , فانه في الغالب يقول حضيري تصغيرا لشانه .
ومـن عادة البدوي الاستفهام عن كل شي ء, وانتقاد ما يراه مخالفا لذوقه او لعادته بكل صراحة , فاذا
مررت بالبدوي في الصحراء استوقفك وسالك من اين انت قادم ؟ وعمن وراءك من المشايخ والحكام ؟
وعن المياه التي مررت بها؟ وعن اخبار الامطار والمراعي , وعن اسعار الاغذية والقهوة ؟ وعمن
في البلد من القبائل ؟ وعن العلاقات السياسية بين الحكام بعضهم مع بعض ((5)) .
* * *.
اوردنـا ما جاء في كتاب المفصل في وصف عرب البادية في العصر الحاضر لانا رايناه كذلك يصدق
على عرب البادية في العصر الجاهلي حيث كان النظام القبيلي اساس النظم الاجتماعية في الجزيرة
الـعربية قبل مبعث الرسول (ص ) فقد كان المقاتل العربي يجاهد في سبيل امجاد قبيلته ومصالحها,
وشـاعـر الـقبيلة ينظم القصائد في سبيل اعلاء كلمة القبيلة ومولى القبيلة وحليف القبيلة واللصيق
بالقبيلة والمتبنى كذلك يفعلون .
ونذكر في ما ياتي باذنه ـ تعالى ـ الوضع الاقتصادي في المجتمع العربي الجاهلي .
انيا ـ الوضع الاقتصادي ومصادر الثروة في الجزيرة العربية :
.
كانت قريش خاصة وسكان مكة عامة يمتهنون التجارة . واهـل الـمـديـنـة والقرى التي حواليها واهل الطائف والمدن اليمانية والقرى العربية في العراق
وحوالي الشام يمتهنون الغرس والزرع .
وتربية الماشية .
وكـان مـن مـصـادر الثروة لاهل مكة والطائف والمدينة خاصة ونادرا مالغيرهم من العرب , الربا
والقمار ـ الميسر ـ والاكتساب من الجواري في البغاء.
وكـان مـا عـدا سـكـان المدن من العشائر, قبائل رحل يتبدون ويتنقلون طلبا للماء والكلا لانفسهم
ولجمالهم وكان جلهم يغير البعض منهم على البعض الاخر في غزوات يقاتلون فيها الرجال ويسبون
الـنـسـاء والاطفال وينهبون الاموال ولهم اسواق لتبادل سلع فيها وللمفاخرة وما يتصل بها من انشاد
شعرائهم ما احدثوا من شعر وفي ما ياتي بيان ذلك بحوله تعالى .
و ب ـ التجارة والايلاف .
اتـسـعـت تجارة قريش منذ عصر هاشم واخوته , كما رواه القرطبي وغيره واللفظ للقرطبي في تفسير سورة قريش , قال :
كان اصحاب الايلاف اربعة اخوة : هاشم , وعبد شمس , والمطلب ونوفل , بنو عبد مناف .
فاما هاشم , فانه كان يؤلف ملك الشام , اي اخذ منه حبلا وعهدا يامن به في تجارته الى الشام .
واخوه عبد شمس كان يؤلف الى الحبشة .
والمطلب الى اليمن .
ونوفل الى فارس .
ومعنى يؤلف يجير.
فكان هؤلاء الاخوة يسمون المجيرين وكان تجار قريش يختلفون الى الامصار بحبل هؤلاء الاخوة ,
فلا يتعرض لهم .
والايلاف : شبه الاجارة بالخفارة يقال : آلف يؤلف : اذا اجار الحمائل بالخفارة .
والحمائل : جمع حمولة .
قـال : والـتـاويل : ان قريشا كانوا سكان الحرم , ولم يكن لهم زرع ولا ضرع , وكانوا يميرون في
الـشتاء والصيف آمنين , والناس يتخطفون من حولهم , فكانوا اذا عرض لهم عارض قالوا: نحن اهل
حرم اللّه , فلا يتعرض الناس لهم((6)) .
واخبر اللّه عن ذلك بقوله :
بسم اللّه الرحمن الرحيم .
(لا يـلا ف قـريـش * ايلا فهم رحلة الشتاء والصيف * فليعبدوا رب هذا البيت * الذي اطعمهم من
جوع وآمنهم من خوف ).
وسياتي في بحث شظف العيش في الجاهلية ان هاشما هو الذي سن لقريش الرحلتين للتجارة مع بيان
سبب قيامه بذلك ان شاء اللّه تعالى :
ج و د ـ الضرع والزرع :
.
ولا حاجة لاطالة الكلام في بيانهما. ه ـ الربا.
1 ـ في سورة البقرة :
(قـالوا انما البيع مثل الربا واحل اللّه البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف
وامـره الى اللّه ومن عاد فاولئك اصحاب النار هم فيها خالدون * يمحق اللّه الربا ويربي الصدقات
واللّه لا يـحـبـ كـل كفار اثيم * ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات واقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لهم
اجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون * يا ايها الذين آمنوا اتقوا اللّه وذروا ما بقي من
الربا ان كنتم مؤمنين * فان لم تفعلوا فاذنوا بحرب من اللّه ورسوله وان تبتم فلكم رؤوس اموالكم
لا تـظـلـمون ولا تظلمون * وان كان ذو عسرة فنظرة الى ميسرة وان تصدقوا خير لكم ان كنتم
تعلمون ).
2 ـ في سورة آل عمران :
(يـا ايـهـا الذين آمنوا لا تاكلوا الربا اضعافا مضاعفة واتقوا اللّه لعلكم تفلحون * واتقوا النار التي
اعدت للكافرين * واطيعو اللّه والرسول لعلكم ترحمون )(الايات / 130 ـ 132).
تفسير الكلمات :
.
1 ـ الربا:
ربـا الـشـي ء يـربـو رباء وربوءا زاد ونما والربا: الزيادة على راس المال , والربا المنهي عنه في
الاسلام نوعان :
ا ـ ان يـدفع انسان لاخر مبلغا من الذهب او الفضة الى اجل معين على ان ياخذ في الاجل زيادة على
راس ماله .
ب ـ ان يـدفـع جنسا وياخذ نفس الجنس مع زيادة في الوزن مثل ان يبيع اناء مصنوعا من ذهب وزنه
خمسون مثقالا وياخذ بدله خمسا وخمسين مثقالا من الذهب النقد غير المصنوع .
2 ـ يمحق :
محق الشي ء: نقصه , محق اللّه المال اذهب بركته .
3 ـ فاذنوا:
فاسمعوا باعلان حرب من اللّه .
4 ـ النظرة :
الامهال والتاخير.
5 ـ ذو عسرة :
ضيق ذات اليد والعجز عن الوفاء بالدين .
خبر الربا في العصر الجاهلي :
كان الربا في الجاهلية من مصادر الثراء لاهل مكة والطائف واليهود في المدينة وحواليها.
وذكر المفسرون مثل السيوطي في تفسير (وذروا ما بـقي من الربا) انواعا من الربا في الجاهلية
منها:
ان يكون للرجل على الرجل الحق الى اجل فاذا حل الاجل قال : اتقضي ام تربي ؟ فان قضاه اخذ والا
زاده في حقه وزاده الاخر في الاجل .
وكان العباس عم النبي ورجل من بني المغيرة شريكيين في الجاهلية يسلفان في الربا فجاء الاسلام
ولهما اموال عظيمة في الربا, وقال رسول اللّه (ص ) في خطبته في حجة الوداع : الا ان كل ربا في
الجاهلية موضوع (فلكم رؤوس اموالكم لا تظلمون ولا.
تظلمون ) واول ربا موضوع ربا العباس ((7)) .
و ـ الاكتساب ببغي الجواري .
قال ابن حبيب في المحبر:
ومن سننهم انهم كانوا يكسبون بفروج امائهم وكان لبعضهن راية منصوبة في اسواق العرب , فياتيها
الناس فيفجرون بها, فاذهب الاسلام ذلك واسقطه((8)) .
روى الـطـبري والسيوطي في تفسير (ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء) واللفظ الاول : انهم كانوا
في الجاهلية يامرون امائهم وولائدهم يباغين يفعلن ذلك فيصبن فياتينهم بكسبهن((9)) .
وفي العقد الفريد:
وكان لبعضهن رايات على ابواب بيوتهن((0)) .
ومن جملتهن سمية جارية الحارث بن كلدة امراة عبده عبيد وام زياد بن ابيه .
وقـد ذكـرنـا خـبـرها مع ابي سفيان واستلحاق معاوية اياه بنسبه في بحث استلحاق نسب زياد في
المجلد الاول من كتاب عبداللّه بن سبا.
وكـان فـي الـمدينة جاريتان لعبد اللّه بن ابي يكتسب من اجر بغائهما, احداهما معاذة وارادها على
نـفسها قرشي من اسرى بدر وكانت قد اسلمت فابت ذلك لاسلامها وكان ابي يضربها ليكرهها على
ذلك رجاء ان تحمل للقرشي فيطلب فداء ولده , فانزل اللّه تعالى :
(ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء ان اردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ومن يكرههن فان اللّه من
بعد اكراههن غفور رحيم )((1)) (النور / 33).
* * *.
شظف العيش في الجاهلية :
.
ان الكثرة الكاثرة من العرب في الجاهلية كانوا يعيشون في فقر مدقع , ياكلون القد والعلهز والفصيد والهبيد من فرط الجوع , ويشربون الطرق واحيانا الفظ من العطش .
قـالـت فاطمة ابنة رسول اللّه (ص ) في خطبتها للمهاجرين والانصار: ((وكنتم تشربون الطرق
وتقتاتون القد))((2)) .
ا و ب ـ القد والطرق :
قال ابن الاثير, الطرق : الماء الذي خاضته الابل وبالت فيه وبعرت .
وقال في مادة القد:
ومنه حديث عمر: كانوا ياكلون القد يريد جلد السخلة في الجدب .