المكافآت
{ فيه آيات بيّنات مقام
إبراهيم }
في وادي مكّة الذي
وصفته السماء بأنّه { غير ذي
زرع }،
كانت المكافآت ثمينة وعظيمة تتناسب وعظمة وخطورة الابتلاء الذي اجتازه شيخ
الأنبياء وأهله بجدارة فائقة، حيث واصل هذا الشيخ الجليل تنفيذ أوامر الله
تعالى دون كلل أو ضجر أو ملل ولو على مستوى التصور، فضلا عن التمرّد أو
العصيان فأثبت إبراهيم أنّه العنوان الصادق للعبوديّة الخالصة لله سبحانه
وتعالى; لهذا كانت المكافآت المباركة وأولى هذه المكافآت شهادة الله له
بالوفاء الكامل في الطاعة وفي الانقطاع إليه وفي الصبر على أوامر الابتلاء
فقال فيه { وإبراهيم الذي
وفّى }...
وجاءت المكافآت الأخرى، التي منها هذه الصخرة ـ التي اعتلاها وارتقاها
إبراهيم كي يتمّ بها قواعد البيت بعدما تطاول بناؤه ـ أن تكون آيةً له على
مدّ الدهر، تنحني عندها القلوب قبل الاعناق والأجسام داعيةً مستغفرة شاكرة
سائلة الله التوبة والرضوان.
قال صاحب الجامع
اللطيف: اعلم أن لهذا البيت المعظم ـ زاده الله تشريفاً
وتعظيماً ـ آيات كثيرة ، و عجائب غزيرة تدل على
شرفه وفضله، منهامقام إبراهيم.
عن ابن سنان، قال: سألت
أباعبدالله (عليه السلام) عن قول الله عزّوجلّ { فيه آيات بيّنات... } فما
هذه الآيات البيّنات؟
قال (عليه
السلام): مقام إبراهيم (عليه السلام) حين قام عليه، فأثرت قدماه
فيه،...
وإنّما خصّ المقام
بالذكر في القرآن { فيه آيات
بيّنات مقام إبراهيم }
لأنّه أظهر آياته للنّاس اليوم ولاشتماله على عدّة آيات منها: قوّة الدلالة
على قدرة الله ونبوّة إبراهيم (عليه السلام)من تأثير قدميه في حجر
صلد>50.
ومنها حفظه من المشركين مع كثرة
اعدائه. وإبقاؤه إلى مدّة من السنين ومدى الدهر>51.
وفي تعداده للآيات البيّنات قال
صاحب منهاج الإحرام>52:
...ومنها مقام إبراهيم (عليه السلام)وهو صخرة كان يقف عليها لبناء البيت، وعليها أثر قدميه غائصاً في
تلك الصخرة، وخصّه الله بالذكر; لاشتماله على عدّة آيات تدلّ على قدرة الله
تعالى ونبوّة إبراهيم، لأن ألانة بعض الصخور دون بعض آية، وبقاء الصخرة
والأثر على مرور الأحقاب على رغم الملحدين آية.
وعن أبي سعيد الخدري
قال: سألت عبدالله بن سلام عن الأثر الذي في المقام، فقال: كانت الحجارة على
ما هي عليه اليوم إلاّ أنّ الله سبحانه وتعالى أراد أن يجعل المقام آية من
آياته، فلمّا أمر إبراهيم (عليه السلام) أن يؤذّن في النّاس بالحجّ قام
على المقام... فقال: يا أيّها النّاس أجيبوا ربّكم، فأجابه النّاس، فقالوا:
لبّيك اللّهم لبيك، فكان أثر قدميه فيه لما أراد الله سبحانه>53.
كما أنّ الشيخ يوسف
صاحب الحدائق يقول في كلام له عند ذكر هذه الآية { فيه آيات بيّنات مقام
إبراهيم.. }
بمعنى أن وجود هذا الحجر الذي قام عليه إبراهيم (عليه السلام) في البيت
من آياته عزّوجلّ لاباعتبار هذا المكان، وإلاّ فهذا المكان حدّ للطواف وضع
فيه الحجر أم لم يوضع، كما في زمانه (صلى الله عليه وآله وسلم) حسبما
دلّت عليه رواية محمّد بن مسلم. والمراد بكونه آية من حيث تأثير قدم
إبراهيم (عليه السلام) فيه، فهو آية بيّنة وعلامة واضحة على قدرة الله
تعالى. وبهذا أيضاً يصحّ أن يكون علماً كما ذكره (عليه السلام)... وكان
الشيخ يوضح مراد الإمام الحسين (عليه السلام) من كلمته عن المقام:
إنّ الله قد جعله علماً...>54.