الأذان
مع اختلاف الأقوال في
الموضع الذي وقف عليه إبراهيم (عليه السلام) حين أمره الله تعالى
بالأذان بالحجّ { وأذّن... } فبعض ذهب إلى أنّه اتّخذ من المقام نفسه
مرتفعاً وقف عليه وأذّن بالحج، حتّى ذهب بعض إلى أن إبراهيم حين أمر بالأذان
في النّاس بالحجّ قام على المقام فارتفع به المقام حتّى صار أطول من الجبال
وأشرف على ماتحته، فقال: يا أيّها النّاس أجيبوا ربّكم...
في حين ذهب آخرون إلى
القول: إنّ إبراهيم خليل الرحمن حين أمر بالأذان في النّاس بالحجّ صعد على
جبل أبي قبيس فأذن فوقه>55.
فقال: يا أيّها النّاس أجيبوا
ربّكم، فقالوا لبّيك اللّهم لبّيك...>56.
مع هذا الاختلاف إلاّ
أن الراجح هو أنّه اتخذ من هذه الصخرة مكاناً يعلو عليه ليلبّي أمر
ربّه { وأذّن في النّاس
بالحجّ يأتوك رجالا وعلى كلّ ضامر يأتين من كلّ فجّ
عميق... }57 فأعانته تلك الصخرة
ـ التي كانت صخرة لاكالصخور ـ لئن يُسمع صوته ـ الذي
يجهر بدعوة النّاس للحجّ وزيارة بيت الله الحرام ـ آذاناً جعلها
الله بقدرته صاغية، وقلوباً صاغها الله برحمته فجعلها واعية، فكان صوته من
على تلك الصخرة يتجاوز كلّ العقبات، ويتخطى كلّ المسافات; ليصل إلى تلك
الفجاج البعيدة بل إلى تلك الأجيال التي لم تر النور بعد، فتأتي لتقف عند تلك
الصخرة نفسها فتتذكر نداء الخليل فوقها، وتتحسس عن قرب نبراته التي قطعت
الصحاري والوديان واجتازت الظلمات; لتصل إلى تلك الفطرة السليمة والقلوب
المؤمنة { ليشهدوا منافع لهم
ويذكروا اسم الله في أيّام معدودات على مارزقهم من بهيمة الأنعام... وليطوفوا
بالبيت العتيق... }.