مَن المأمورون؟
وبعد اتفاق المشهور على
قراءة (واتّخذوا) بكسر الخاء، وقع الاختلاف في المأمورين بهذا الأمر. فهل
المقصود به أُمّة محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) أو الخطاب عام يشمل
الذين عاشوا فترة
إبراهيم (عليه السلام)وما بعده، خصوصاً أنّ الآية جاءت ضمن آيات تشكّل
قصة إبراهيم الذي يزعم اليهود والنصارى إنتماءهم إليه، حيث ذكر الله تعالى
بني إسرائيل بنعمه وأبان كيف قابلوا النعم بالكفر والجحود، فأعقب ذلك بقصة
إبراهيم، ولو صدقوا زعمهم بالانتماء إليه لاتّبعوا النبي (صلى الله عليه
وآله وسلم) لأنّه أثر دعوة أبيه إبراهيم حين دعا لأهل الحرم؟ ويجوز أن يكون
أمر بهذا ولده، إلاّ أنّه تعالى أضمر قوله وقال، ونظيره قوله
تعالى: {وظنّوا أنّه واقع بهم خذوا
ما أتيناكم بقوّة}.
وراح الرازي يسجّل قولا آخر: أنّ هذا أمر من الله تعالى لأمّة
محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)أن يتّخذوا من مقام إبراهيم مصلّى، وهو
كلام اعترض في خلال ذكر قصة إبراهيم (عليه السلام)، وكأنّه وجهه; وإذ
جعلنا البيت مثابةً للناس وأمناً واتّخذوا أنتم من مقام إبراهيم مصلّى،
والتقدير إنّا لما شرّفناه ووصفناه بكونه مثابة للناس وأمناً فاتّخذوه أنتم
قبلة لأنفسكم، والواو والفاء قد يذكر كلّ واحد منهما في هذا الموضع وإن كانت
الفاء أوضح وأمّا على قراءة الفتح فيقول الرازي : فهو إخبار عن ولد
إبراهيم أنهم اتخذوا من مقامه مصلى...>11.
وذكر الشيخ الطوسي في
تفسيره للآية : وظاهر قوله { واتّخذوا... } أنّه عام لجميع المكلّفين
إلاّ من خصّه الدليل وعليه أكثر المفسّرين >12.