ثمّ إنّ دعوى الضرورة في إثبات هذا المدّعى باطلٌ صريح; لأنّ علماء السلف كانوا بين منكرين لإيجاد العبد فعله، ومعترفين مثبتين له بالدليل. فالموافق والمخالف له اتّفقوا على نفي الضرورة عن هذا المتنازع فيه، لا التفرقة بالحسّ بين الفعلين، فإنّه لا مدخل له في إثبات المدّعى; لأنّه مسلّم بين الطرفين، فكيف يُسمع نسبة كلّ العقلاء إلى إنكار الضرورة فيـه؟! وأيضـاً: إنّ كلّ سليم العقل إذا اعتبر حال نفسه، علم أنّ إرادته للشيء لا تتوقّف على إرادته لتلك الإرادة، وأنّه مع الإرادة الجازمة منه الجامعة يحصل المراد، وبدونها لا يحصل، ويـلزم منها: إنّه لا إرادة منـه ولا حصول الفعل عقيبها، وهذا ظاهر للمنصف المتأمّل، فكيف يدّعي الضرورة في خلافه(1)؟! فعُلم أنّ كلّ ما ادّعاه هذا الرجل من الضرورة في هذا المبحث فهو مبطِـل فيه. (1) شرح المواقف 8 / 152 ـ 153.