وأقـول:
قولـه: " نحن أيضاً نقول: إنّـا فاعلـون "..
مغالطة ظاهرة; لأنّ فعل الشيء عبارة عن إيجاده والتأثير في وجوده، وهم لا يقولون به، وإنّما يقولون: إنّـا محلٌّ لفِعل الله سبحانه(1)، والمحلّ ليس بفاعل، فإنّ مَـنْ بنى في محلّ بناءً لا يقال: إنّ المحلّ بان، وفاعل; نعم، يقال: مات وحَيِـيَ ونحوهما، وهو قليل.
وقولـه: " وهذا شيء لا يسـتبعده العقل "..
مكابرة واضحة; لأنّ المشاهد لنا صدور الأفعال منّا لا مجرّد كوننا محلاًّ، كما تشهد به أعمال الأشاعرة أنفسهم.. فإنّهم يجتهدون في تحصيل غاياتهم كلّ الاجتهاد، ولا يكلونها إلى إرادة الله تعالى، وتراهم ينسبون الخلاف بينهم وبين العدلية إلى الطرفين، ويجعلون الأدلّة والردود من آثار الخصمين، ويتأثّرون كلّ التأثّر من خصومهم، وينالونهم بما يدلّ على إنّ الأثر في المخاصمة لهم..
فكيف يجتمع هذا مع زعمهم أنّـا محلّ صرف؟!
وأمّا قياس ما نحن فيه على الأسود فليس في محلّه، إذ ليس السواد متعلّقاً لقدرة العبد حتّى يحسن الاستشهاد به وقياس فعل العبد عليه!
وأمّا ما ذكره من دليل الأشاعرة، فإنْ كان المراد بالمقدّمة القائلة: " كلّ ممكن مقدور لله تعالى "، هو: أنّ كلّ ممكن مصدر قدرته تعالى حتّى أفعال
(1) اللمع في الردّ على أهل الزيغ والبدع: 72 ـ 78، شرح المقاصد 4 / 225 ـ 226، شرح المواقف 8 / 145 ـ 146.