وأمّا ما زعمه من إبطال دعوى الضرورة بقوله: " لأنّ علماء السلف كانوا منكرين... " إلى آخره.. ففيـه: إنّ علماء السلف من العدلية إنّما ذكروا الأدلّة على المدّعى الضروري، للتنبيه عليه لا لحاجته إليه، ولذا ما زالوا يصرّحون بضروريّته، مضافاً إلى أنّ عادة الأشاعرة لمّا كانت على إنكار الضروريات، احتاج منازعهم إلى صورة الدليل مجاراةً لهم. وأمّا قوله: " وأيضاً: إنّ كلّ سليم العقل... " إلى آخره.. فتوضيحه: إنّ سليم العقل يعلم أنّ إرادته لا تتوقّف على إرادة أُخرى، فلا بُـدّ أن تكون إرادته من الله تعالى، إذ لو كانت منه لتوقّفت على إرادة أُخرى; لتوقُّف الفعل الاختياري على إرادته، فيلزم التسلسل في الإرادات، وهو باطل. فـإذا كانت إرادته من الله تعـالى وغير اختيارية للعبـد، لم يكن الفعـل من آثار العبد وقدرته، بل من آثار الله تعالى، لوجوب حصول الفعل عقيب الإرادة المتعلّقة به، الجازمة الجامعة للشرائط، المخلوقة لله تعالى، فلم تكن إرادة العبد ولا حصول الفعل عقيبها من آثار العبد، بل من الله تعـالى. وفيـه: إنّ عدم احتياج الإرادة إلى إرادة أُخرى، لا يدلّ على عدم كونهـا من أفعـال العبـد المسـتندة إلى قدرتـه، فإنّ تأثيـر قدرته في الفعـل لا يتوقّف ذاتاً على الإرادة، ولذا كان الغافل يفعل بقدرته وهو لا إرادة له، وكذا النائم. وإنّما سُمّي الفعل المقدور اختيارياً لاحتياجه غالباً إلى الإرادة والاختيار، فتوهّم من ذلك اشتراط سبق الإرادة في كلّ فعل مقدور، وهو