وقال الفضـل(1):
نعوذ بالله من نسبة الظلم والعدوان إلى الله المنّان، وخَلْق المعصية في العـاصي لم يسـتوجب الظـلم، والظلم تصرّف في حـقّ الغير، والله تعـالى لا يظلم الناس في كلّ تصرّف يُفعل فيهم.
وقد روي أنّ عمرو بن العاص سأل أبا موسى، فقال: يخلق فيَّ المعصية ثمّ يعاديني بها؟! فقال أبو موسى: لأنّه لا يظلمك(2).
وتوضيح هذا المبحث: إنّ النظام الكلّي في خلق العالم يقتضي أن يكون فيه عاص ومطيع، كالبيت الذي يبنيه حكيم مهندس، فإنّه يقتضي أن يكون فيه بيت الراحة ومحلّ الصلاة، وإن لم يكن مشتملا على المستراح كان ناقصاً، وكذلك إن لم يكن في الوجود عاص لم يكمل النظام الكلّي، ولم يملأ النار من العصاة..
وكما إنّه لا يحسن أن يُعترض على المهندس: إنّك لِـمَ عملت المستراح ولم تجعل البيت كلّه محلّ العبادة ومجلس الأُنس؟!.. كذلك لم يحسن أن يقال لخالق النظام الكلّي: لِـمَ خلقت العصيان؟! ولِـمَ لم تجعل العباد كلّهم مطيعين؟!.. لأنّ النظام الكلّي كان يقتضي وجود الفريقيـن، فإنّ التصرّف الذي يفعله صاحب البيت في جعل بعضه مسجداً وبعضه مستراحاً هل يقال: هو ظلم؟! فكذلك تصرّف الحقّ سبحانه في الموجود
(1) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ 2 / 25 ـ 27.
(2) انظر: الملل والنحل 1 / 81 وفيه: " يُقدّر علَيَّ شيئاً ثمّ يعذّبني عليه، قال: نعم، قال عمرو: ولِـمَ؟! قال: لأنّه لا يظلمك ".