لأنّ الأفعال القبيحة إذا كانت مستندة إليه تعالى جاز أن يعاقب المطيع ويثيب العاصي، فيتعجّل المطيع بالتعب ولا تفيده طاعته إلاّ الخسران، حيث جاز أن يعاقبه على امتثال أمره ويحصل في الآخرة بالعذاب الأليم السرمد والعقاب المؤبّد، وجاز أن يثيب العاصي فيحصل بالربح في الدارين، ويتخلّص من المشقّة في المنزلتين!
ومنها: إنّه تعالى كلّف المحال; لأنّ الآثار كلّها مستندة إليه تعالى، ولا تأثير لقدرة العبد ألبتّة، فجميع الأفعال غير مقدورة للعبد، وقد كُلّف ببعضها فيكون قد كلّف ما لا يطاق.
وجوّزوا بهذا الاعتبار، وباعتبار وقوع القبيح منه تعالى، أن يكلّف الله تعالى العبد أن يخلق مثله تعالى ومثل نفسه، وأن يعيد الموتى في الدنيا كآدم ونوح وغيرهما، وأن يبلع جبل أبي قُـبَـيْس(1) دفعة، ويشرب ماء دجلة في جرعة، وأنّه متى لم يفعل ذلك عذّبه بأنواع العذاب.
فلينظر العاقل في نفسه: هل يجوز له أن ينسب ربّه تعالى وتقدّس إلى مثل هذه التكاليف الممتنعة؟! وهل يُنسب ظالم منّا إلى مثل هذا الظلم؟! تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً.
ومنها: إنّه يلزم منه عدم العلم بنبوّة أحد من الأنبياء (عليهم السلام); لأنّ دليل
(1) جبل أبي قُبيس: هو اسم الجبل المشرف على مكّة المكـرّمة، قيل: سُمّي باسم رجل من مذحج كان يكنّى أبا قبيس، وقيل: كـنّاه النبيّ آدم (عليه السلام) بذلك حين اقتبس منه هذه النار التي بأيدي الناس، وكان في الجاهلية يسمّى " الأمين " لأنّ الحجر الأسود كان مستودعاً فيه أيّام الطوفان.
انظر: معجم البلدان 1 / 103 رقم 159، مراصد الاطّلاع 3 / 1066، وانظر مادّة " قبس " في: لسان العرب 11 / 11، تاج العروس 8 / 405.