وأقـول:
لا يُنكَر أنّ الهداية والرسل والدلائل نِعمٌ عِظامٌ على العباد، لكن إذا خلق الله سبحانه الكفر في الكافر وأعجزه عن اتّباع الرسل والدلائل لم تكن في حقّه نعمة بالضرورة، وإنّما تكون نعمة عليه إذا مكّنه من اتّباعها، وأهّله لتحصيل الثواب بعمله الميسور له، وإنْ فوّت على نفسه بكفره الاختياري نعمة الثواب.
وهذا هو الجواب عن نقض الخصم على المصنّف (رحمه الله) بأنّه إذا أدخل الله الكافر النار لم تكن له نعمة عليه، لا ما ذكره بقوله: " فإن قال: إدخاله لكـونه آثر الكـفر ورجّـحه واختاره " فإنّ هذا إنّما يكون مصحّـحاً لعقابه، لا لإثبات كونه منعَماً عليه كما هو محلّ الكلام، وقد بيّـنّـا ثبوته على مذهبنا فيكون هو الجواب.
ولعلّ الخصم إنّما أجاب بهذا ليتمكّن بزعمه من الجواب بمثله! ويقول: " قلنا: في مذهبنا أيضاً كذلك، وإدخاله لكونه باشر الكفر... " إلى آخـره.
وفيه: مع ما ظهر لك من أنّ مثل هذا لا يصلح أن يكون جواباً عن إشكال عدم النعمة على الكافر، ليس صحيحاً في نفسه; لِما سبق مراراً من أنّ الكسب ليس ممّا للعبد فيه أثر ـ على قولهم(1) ـ فلا يكون مصحّحاً للعقاب.
(1) انظر قول الفضل في ص 93، وردّ الشيخ المظفّر عليه في ص 95 من هذا الجزء.