وأقـول:
ظهر لك من تضاعيف الكلمات أنّ الكسب بمعزل عن الحقّ، وأنّ التنزيه الذي موّهوا به من باب تسمية الشيء باسم ضدّه، إذ لم يشتمل إلاّ على إنكار العدل والرحمة، وإثبات العبث في التكليف والبعثة.
وأمّا ما ادّعاه من التحقيق، ففيه وجوه من الخلل:
أمّا أوّلا: فلأنّ قوله: " فأوجد الله بهما الفعل لكونهما تميّزا "، خطأٌ; لأنّ تميّز الإرادة والقدرة القديمتين عن الحادثتين لا يوجب أن يوجد الله سبحانه أفعال العباد، ولا يوجب التزاحم بينهما حتّى تحصل الغلبة.
نعم، يوجب التزاحم لو قلنا: إنّ قدرة الله على الشيء تستلزم فعله له، كما يظهر من بعض ما يحكى عن الرازي(1)، ويظهر من الخصم في المبحث الآتي، حيث إنّه في أثناء كلامه على قول المصنّف: " وأيضاً دليلهم آت... " إلى آخره، قال: " فالاختيار مقدور لله تعالى فيكون مخلوقاً لله تعالى ".
ولكن لا يمكن أن يقال: إنّ القدرة تستلزم فعل كلّ مقدور، لعدم اقتضاء ذاتها له، وللزوم أن يكون كلّ ممكن فُرِضَ موجوداً لأنّه مقدور، أو انحصار قدرته بالموجودات، وهو كما ترى.
وأمّا ثانياً: فلأنّ إثبات التهيّؤ لإرادة العبد لا فائدة فيه، إذ لا يصحّح اللوازم الفاسدة من العقاب للعبد بلا ذنب، والعبث في البعثة والتكليف،
(1) انظر: المطالب العالية من العلم الإلهي 9 / 21.