فالبحث عنها لكونها من الأعراض والكيفيات النفسانية وعدم كونها مؤثّرة في الفعل، من جملة أحوالها المحمولة عليها، فلِمَ لا يبحث عنها؟! وأمّا قوله: (أنْ لا فرق بينها وبين اللون); فقد أبطلنا هذا القول في ما سبق مراراً، بأنّ اللون لا نسبة له إلى الفعل، والقدرة تُخلق مع الفعل ليترتّب على خلقها صورة الاختيار، ويخرج بها العبد من الجبر المطلق، ويترتّب على فِعله الثواب والعقاب والتكليف; والله أعلم. قال الإمام الرازي: القدرة تطلق على مجرّد القوّة التي هي مبدأ للأفعال المختلفة(1) الحيوانية، وهي القوّة العضلية التي هي بحيث متى انضمّ إليها إرادة أحد الضـدّين، حصل ذلك الضدّ، ومتى انضـمّت إليها إرادة الضدّ الآخر، حصل ذلك الآخر، ولا شكّ أنّ نسبتها إلى الضدّين سواء، وهي قبل الفعل. والقدرة أيضاً تطلق على القوّة المستجمِعة لشرائط التأثير، ولا شكّ أنّها لا تتعلّق بالضدّين معاً وإلاّ اجتمعا في الوجود، بل هي بالنسبة إلى كلّ مقدور غيرها بالنسبة إلى مقدور آخر; وذلك لاختلاف الشرائط... وهذه القدرة مع الفعل; لأنّ وجود المقدور لا يتخلّف عن المؤثّر التامّ(2). ولعلّ الشيخ الأشعري أراد بالقدرة القوّةَ المستجمِعة لشرائط التأثير، ولذلك حكم بأنّها مع الفعل، وأنّها لا تتعلّق بالضدَّين. والمعتزلة أرادوا بالقدرة مجرّد القوّة العضلية، فلذلك قالوا بوجودها
(1) انظر: المواقف: 154، وجاء في تفسير الفخر الرازي 1 / 146 ما نصّه: " واعلم أنّ لفظ القوّة يقرب من لفظ القدرة " وهو مؤدّى " القدرة تطلق على مجرّد القوّة "، فلاحـظ! (2) انظر: شرح التجريد ـ للقوشجي ـ: 361.