وأقـول:
منع الملازمة مكابرة ظاهرة، ضرورة أنّ الفعل لا لغاية وغرض، عبثٌ، والعبث لا يكون إحساناً وإنعاماً وكرماً، بل مع قطع النظر عن العبث لا يكون الفعل بنفسه إحساناً بلا قصد الإحسان، وإلاّ لكان كذلك وإن صدر لغاية أُخرى، كما في مثال المصنّف بمطعم الدابّة; وهو خلاف الضرورة.
قال الشاعر:
لا تمدحنَّ ابنَ عبّاد وإنْ هطلتْ
فإنّهـا خَـطراتٌ مـن وساوسـهِ
يُعطي ويمنعُ لا بُخلا ولا كَرَما(2)
كفّاه بالجودِ سَحّاً يُخجلُ الدِّيَما(1)
يُعطي ويمنعُ لا بُخلا ولا كَرَما(2)
يُعطي ويمنعُ لا بُخلا ولا كَرَما(2)
فإنّه جعل عطاءه الوافر لا لغاية الإحسان والفضل، ليس من الكرم، وإن أساء وأجحف في حقّ ابن عبّاد.
وأمّا ما ذكره في الشقّ الثاني، فهو عين القول بالغرض; لأنّ إرادة إيصال الإحسان إلى المحسن إليه عبارة عن قصد الداعي، والداعي هو الغـرض.
(1) السَّحُّ: الصَّـبُّ المتتابع الكثير، وهنا كناية عن العطاء الكثير المتواصل; انـظر: لسان العرب 6 / 188 مادّة " سحح ".
والدِّيَمُ، جمع دِيمَة: المطر الدائم في سكون بلا رعد ولا برق، وهي هنا على المجاز: العطاء الدائم المسـتمرّ; انظر: لسان العرب 4 / 446 و 458 مادّتَي " دوم " و " ديم ".
(2) البيتان لأبي بكر الخوارزمي في هجاء الوزير الصاحب بن عبّـاد; انظر ديوانه: 409 ـ 410 رقم 214، وانظر: مرآة الجنان 2 / 314، شذرات الذهب 3 / 105.