فلا تكون له قدرة حادثة تتعلّق به قطعاً، والتكليف بهذا جائز، بل واقع إجماعاً، وإلاّ لم يكن العاصي بكفره وفسقه مكلّفاً بالإيمان وترك الكبائر، بل لا يكون تارك المأمور به عاصياً أصلا، وذلك معلوم بطلانه من الدين ضرورة.
والثاني: أن يمتنع لنفس مفهومه، كجمع الضدّين وقلب الحقائق وإعدام القديم، فقالت الأشاعرة في هذا القسم: إنّ جواز التكليف به فرع تصوّره وهو مختلَف فيه، فمنهم من قال: لا يتصوّر الممتنع لذاته، ومنهم من قال بإمكان تصوّره.
وبالجملة: لا يجوز التكليف به أصلا; لأنّ المراد بهذا الجواز الإمكان الذاتي، والتكليف بالممتنع طلب تحصيل ما لم يمكن بالذات، وهو باطل.
الثالث: أن لا تتعلّـق به القـدرة الحادثة عادةً، سواء امتنع تعلّقها به لا لنفس مفهومه ـ بأن لا يكون من جنس ما يتعلّق به كخلق الأجسام، فإنّ القدرة الحادثة لا تتعلّق بإيجاد الجواهر أصلا ـ، أم لا ـ بأن يكون من جنس ما يتعلّق به، لكن يكون من نوع أو صنف لا يتعلّق به كحمل الجبل، والطيران إلى السماء، وسائر المستحيلات العاديّة ـ، فهذا محلّ النزاع..
فنحن نقول: بجوازه لإمكانه الذاتي..
والمعتزلة: يمنعونه لقبحه العقلي(1)..
مع إنّـا قائلون: بأنّه لم يقع(2)، وهذا مثل سائر ما يجوّزه الأشاعرة من الأُمور الممكنة، كالرؤية وغيرها، والتجويز العقلي لا يستلزم الوقوع.