وبينك رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فجعلا بينهما أبي بن كعب فقضى للعباس على
عمر فقال عمر: ما أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أجرأ علي منك. فقال أبي بن كعب
أو أنصح لك مني ثم قال: يا أمير المؤمنين أما بلغك حديث داود أن الله عز وجل أمره
ببناء بيت المقدس فأدخل فيه بيت امرأة بغير إذنها فلما بلغ حجز الرجال منعه الله بناءه
قال داود: أي رب إن منعتني بناءه فاجعله في خلفي؟ فقال العباس: أليس قد قضيت لي
بها وصارت لي؟ قال: بلى. قال: فإني أشهدك إني قد جعلتها لله.
وقال البلاذري: لما استخلف عثمان بن عفان ابتاع منازل وسع المسجد بها،
وأخذ منازل أقوام ووضع لهم الأثمان فضجوا به عند البيت فقال: إنما جرأكم علي
حلمي عنكم وليني لكم لقد فعل بكم عمر مثل هذا فأقررتم ورضيتم ثم أمر بهم إلى
الحبس حتى كلمه فيهم عبد الله بن خالد بن أسيد فخلى سبيلهم.
وقال الطبري وغيره: في سنة 17 من الهجرة اعتمر عمر بن الخطاب وبنى المسجد
الحرام ووسع فيه وأقام بمكة عشرين ليلة وهدم على أقوام من جيران المسجد أبوا
أن يبيعوا ووضع أثمان دورهم في بيت المال حتى أخذوها بعد.
تاريخ الطبري 4 ص 206، فتوح البلدان للبلاذري ص 53، سنن البيهقي 6 ص
168، مستدرك الحاكم، الكامل لابن الأثير 2 ص 227، تذكرة الحفاظ للذهبي 1 ص
7، تاريخ ابن شحنة الحنفي هامش الكامل 7 ص 176، الدر المنثور 4 ص 159، وفاء
الوفاء للسمهودي 1 ص 341 - 349.
قال الأميني: الأخذ بمجاميع هذه الروايات يعطينا درسا بأن الخليفة لم يكن
عالما بالحكم عند توسيعه المسجدين حتى أنبأه به أبي بن كعب ووافق أبيا في روايته
أبو ذر والرجل الآخر، لكنه عمل عند توسيعه المسجد الحرام بخلاف المأثور عن
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من حيث لا يعلم، وأعجب من هذا صنيعة عثمان وهي بعد ظهور تلك
السنة النبوية والعلم بها.
81 - سكوت الخليفة عن حكم الطلاق
عن قتادة قال: سئل عمر بن الخطاب عن رجل طلق امرأته في الجاهلية تطليقتين
وفي الاسلام تطليقة؟ فقال: لا آمرك ولا أنهاك. فقال عبد الرحمن: لكني آمرك ليس
طلاقك في الشرك بشئ (1)
لم يكن تحاشي الخليفة عن الأمر والنهي عند حاجة السائل إلى عرفان الحكم
إلا لعدم معرفته به، وليس جهله به بأقل من جهل ابنه عبد الله بحكم الطلاق في
حال الحيض، وقد نقم منه ذلك أبوه ونفى عنه صلاحيته للخلافة بذلك في محاورة جرت
بينه وبين ابن عباس وقد أسلفناها في الجزء الخامس ص 360.
82 - رأي الخليفة في أكل اللحم
1 - عن عبد الله بن عمر قال: كان عمر يأتي مجزرة الزبير بن العوام رحمه الله بالبقيع
ولم يكن بالمدينة مجزرة غيرها فيأتي معه بالدرة فإذا رأى رجلا اشترى لحما يومين
متتابعين ضربه بالدرة وقال: ألا طويت بطنك يومين؟
2 - عن ميمون بن مهران: إن رجلا من الأنصار مر بعمر بن الخطاب وقد تعلق
لحما فقال له عمر: ما هذا؟ قال: لحمة أهلي يا أمير المؤمنين! قال حسن. ثم مر به من الغد
ومعه لحم فقال: ما هذا؟ قال: لحمة أهلي. قال: حسن. ثم مر به اليوم الثالث ومعه
لحم فقال: ما هذا؟ قال: لحمة أهلي يا أمير المؤمنين! فعلا رأسه بالدرة ثم صعد المنبر
فقال: إياكم والأحمرين: اللحم والنبيذ فإنهما مفسدة للدين متلفة للمال (2).
قال الأميني: هذا فقه عجيب لا نعرف مغزاه، قل من حرم زينة الله التي أخرج
لعباده والطيبات من الرزق، ولا يجتمع مع ما جاء عن النبي الأعظم من قوله صلى الله عليه وآله وسلم
سيد الأدام في الدنيا والآخرة اللحم، وسيد الشراب في الدنيا والآخرة الماء (3).
وما جاء في صحيحة عن ابن عباس من أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله!
إني إذا أصبت اللحم انتشرت للنساء وأخذتني شهوتي فحرمت علي اللحم فأنزل الله
يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين.
(1) كنز العمال 5 ص 161، منتخب الكنز بهامش مسند أحمد 3 ص 482.
(2) سيرة عمر لابن الجوزي ص 68، كنز العمال 3 ص 111 نقلا عن أبي نعيم، الفتوحات
الإسلامية 2 ص 424.
(3) مجمع الزوائد للحافظ الهيثمي 5 ص 35.