فلا نجلده بالشك والمحتمل مشكوك فيه، ألا ترى أن يزيد بن ركانة لما طلق امرأته
البتة استحلفه النبي صلى الله عليه وسلم (فقال): ما أردت إلا واحدة فلم يلزمه الثلاث بالاحتمال،
ولذلك قال الفقهاء في كنايات الطلاق: إنها لا تجعل طلاقا إلا بدلالة.
والوجه الآخر ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه قال: إدرؤا الحدود بالشبهات. و
أقل أحوال التعريض حين كان محتملا للقذف وغيره أن يكون شبهة في سقوطه.
وأيضا قد فرق الله تعالى بين التعريض بالنكاح في العدة وبين التصريح فقال: ولا
جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم علم الله إنكم
ستذكرونهن ولكم لا تواعدوهن سرا. يعني نكاحا فجعل التعريض بمنزلة الاضمار
في النفس فوجب أن يكون كذلك حكم التعريض بالقذف، والمعنى الجامع بينهما إن
التعريض لما كان فيه احتمال كان في حكم الضمير لوجود الاحتمال فيه. ا هـ.
م - هذه كلها كانت بمنتأى عن مبلغ الخليفة من العلم، غير أنه كان يستشير الناس كائنا
من كان في كل مشكلة ثم يرى فيه رأيه وافق دين الله أم خالفه).
44 - رأي الخليفة في شجرة الرضوان
عن نافع قال: كان الناس يأتون الشجرة التي بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحتها بيعة الرضوان
فيصلون عندها فبلغ ذلك عمر فأوعدهم فيها وأمر بها فقطعت.
الطبقات الكبرى لابن سعد ص 607، سيرة عمر لابن الجوزي 107، شرح ابن
أبي الحديد 3 ص 122، السيرة الحلبية 3 ص 29، فتح الباري لابن حجر 7 ص 361 وقد
صححه، إرشاد الساري 6 ص 337 وحكى تصحيح ابن حجر، شرح المواهب للزرقاني
2 ص 207، الدر المنثور 6 ص 73، عمدة القاري 8 ص 284 وقال: إسناد صحيح. م - وذكره
ابن أبي الحديد في شرحه 1 ص 60 ولفظه:
كان الناس بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يأتون الشجرة التي كانت بيعة الرضوان
تحتها فيصلون عندها فقال عمر: أراكم أيها الناس رجعتم إلى العزى ألا لا أوتى منذ اليوم
بأحد عاد لمثلها إلا قتلته بالسيف كما يقتل المرتد ثم أمر بها فقطعت).
45 - رأي الخليفة في آثار الأنبياء
عن معرور قال: خرجنا مع عمر بن الخطاب رضوان الله عليه في حجة حجها
قال: فقرأ بنا في الفجر: ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ولايلاف قريش فلما انصرف
فرأى الناس مسجدا فبادروه فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا مسجد صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم
فقال: هكذا هلك أهل الكتاب قبلكم، اتخذوا آثار أنبيائهم بيعا، من عرضت له صلاة
فليصل ومن لم تعرض له صلاة فليمض (1).
قال الأميني: ليت شعري ما المانع من تعظيم آثار الأنبياء وفي مقدمهم سيد ولد
آدم محمد صلى الله عليه وآله وسلم إذا لم يكن خارجا عن حدود التوحيد كالسجود إلى تماثيلهم واتخاذها
قبلة؟ ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب، ومتى هلكت الأمم باتخاذهم
آثار أنبيائهم بيعا؟ وأي مسجد تكون الصلاة فيه أزلف إلى الله سبحانه من مسجد
صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ وأي مكان أشرف من مكان حل به النبي الأعظم وبويع
فيه بيعة الرضوان وحظي المؤمنون فيه برضى الله عنهم؟ أولا يكسب ذلك كله المحل
فضلا يزيد في زلفة المتعبدين بفنائه؟ وما ذنب الشجرة المسكينة حتى اجتثت أصولها؟
ولا من ثائر لها أو مدافع عنها. أو ليس ذلك توهينا للمحل ولمشرفه؟ م - أيسوغ أدب
الدين للخليفة قوله: أراكم أيها الناس رجعتم إلى العزى؟ والذين كانوا يرون
حرمة تكلم الآثار ويعظمونها ويصلون عندها إنما هم حملة علم الدين من الصحابة
العدول، مراجع الخليفة في الأحكام والشرايع، كان يعول عليهم حيثما أعيته المسائل
قائلا: كل الناس أفقه منك يا عمر).
هذه أسؤلة جمة عزب عن الخليفة العلم بالجواب عنها، أو أنها لم تدر في خلده،
أو أنه متأول فيها جمعاء وأنت ترى..
ومن الصحابة التي كانت تتبرك بتلك الأماكن وتصلي فيها عبد الله بن عمر،
قال موسى بن عقبة (2): رأيت سالم بن عبد الله يتحرى أماكن من الطريق فيصلي فيها
(1) سيرة عمر لابن الجوزي ص 107، شرح ابن أبي الحديد 3 ص 122 وفيه بدل معرور
المغيرة بن سويد، فتح الباري 1 ص 450.
(2) صحيح البخاري كتاب الصلاة باب: المساجد التي على طرق المدينة والمواضع التي
صلى فيها النبي صلى الله عليه وسلم.