وفي مختصر المزني هامش كتاب " الأم " 5 ص 210: قال الشافعي: بلغنا أن أبا بكر
وعمر رضي الله عنهما كانا لا يضحيان كراهية أن يرى إنها واجبة.
وعن الشعبي: أن أبا بكر وعمر شهدا الموسم فلم يضحيا. كنز العمال 3 ص 45.
قال الأميني: هل وقف الرجلان على شئ من الحكمة لم يقف عليه رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم فضحى وأمر بها وحض عليها وأكد وتركها سنة متبعة؟ وخفي عليه ما عرفاه
من اتخاذ الأمة ذلك من الطقوس الواجبة؟ أو أن الرجلين كانا أشفق على الأمة
منه صلى الله عليه وآله وسلم فأحبا أن لا يبهضاها بنفقة الأضاحي؟ أو أنهما خشيا أن يكون ذلك بدعة في
الدين بظن الوجوب؟ لكنه حجة داحضة لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين فعل وأمر كان
ذلك مشفوعا ببيان عدم وجوبه، وعرفت ذلك منه الصحابة، وعلى هذا كان عملهم وتلقاه
منهم التابعون وهلم جرا إلى يومنا الحاضر، ولو كان ما حسباه مطردا لزم ترك المستحبات
كلها، ثم إن احتمال مزعمة الوجوب كان أولى أن ينشأ من فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقوله،
فإن السنة سنته، والدين ما صدع به، لكنه لم ينشأ لما شفعه من البيان، فهلا فعلا
كما فعل وهما خليفتاه؟
م - والعجب العجاب أن الخليفة الثاني هاهنا ينقض السنة الثابتة للصادع الكريم
خشية ظن الأمة الوجوب، ويسن لها ما لا أصل له في الدين كزكاة الخيل وصلاة
التراويح، إلى أحداث أخرى كثيرة، وهو في ذلك كله لا يخشى ولا يكترث ولا يبالي)
53 - الخليفة في إرث الزوجة من الدية
عن سعيد بن المسيب إن عمر الخطاب رضي الله عنه كان يقول: الدية للعاقلة ولا
ترث المرأة من دية زوجها شيئا حتى أخبره الضحاك بن سفيان إن النبي صلى الله عليه وسلم كتب
إليه أن يورث امرأة أشيم الضبابي من ديته فرجع إليه عمر رضي الله عنه.
وفي لفظ آخر:
إن عمر بن الخطاب قال: ما أرى الدية إلا للعصبة لأنهم يعقلون عنه فهل سمع أحد
منكم من رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك شيئا، فقال الضحاك الكلابي وكان استعمله رسول
الله صلى الله عليه وسلم على الأعراب: كتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أورث امرأة أشيم الضبابي من
دية زوجها. فأخذ بذلك عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه (1).
قال الأميني: كأن الخليفة كان غافلا عن إحدى ثلاث أو عنها جمعاء:
1 - الآية الكريمة من القرآن وهي قوله تعالى: فدية مسلمة إلى أهله (2) و
الزوجة من الأهل بنص قوله تعالى: لننجينه وأهله إلا امرأته. سورة العنكبوت 32.
وقوله تعالى: إنا منجوك وأهلك إلا امرأتك. سورة العنكبوت 33.
وقوله تعالى: فأنجيناه وأهله إلا امرأته (3) والاستثناء في المقامات يدل على
دخولها فيما خرجت منه به، وعرف الجميع أن الاستثناء متصل لا محالة كما نص عليه
ابن حجر في فتح الباري.
وقوله تعالى: عن زليخا زوجة عزيز مصر: ما جزاء من أراد بأهلك سوءا (4)
وقوله تعالى: إذ قال موسى لأهله إني آنست نارا. سورة النمل 7.
وقوله تعالى: فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله آنس من جانب الطور نارا
قال لأهله امكثوا إني آنست نارا. القصص 29.
وقوله تعالى عن النبي موسى عليه السلام: فقال لأهله امكثوا إني آنست نارا. (5) وما
كانت معه عليه السلام إلا زوجته وهي حامل أو أنها ولدت قبيل ذلك.
2 - ألسنة النبوية وهي ما كتبه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى عامله على الأعراب الضحاك
بن سفيان (6).
3 - لغة العرب وأعظم ما يستفاد منه استقراءها على إطلاق الأهل على الزوجة
الآيات الكريمة المذكورة ثم ما مر من مكاتبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وما جاء عنه صلى الله عليه وآله وسلم
من أنه أعطى الآهل حظين والأعزب حظا، وقال صفوان بن عمرو: أعطاني - رسول
(1) كتاب الأم للشافعي 6 ص 77، كتاب الرسالة له ص 113، اختلاف الحديث له
هامش كتاب الأم 7: 20، سنن أبي داود 2 ص 22، مسند أحمد 3 ص 452، صحيح الترمذي
1 ص 265 وصححه، سنن ابن ماجة 2 ص 142، سنن البيهقي 8 ص 134، تيسير الوصول 4 ص
8، تاريخ الخطيب 8 ص 343.
(2) سورة النساء. آية 90.
(3) سورة النمل. آية 57.
(4) سورة يوسف. آية 25.
(5) سورة طه. آية 11.
(6) توجد مصافا على ما ذكر من المصادر في كثير من جوامع الحديث وكتب الفقه